الهدم والبناء

 " الهدم والبناء "

                                                                                                            لأحمد أمين
إذا أردنا أن نلخص تاريخ الإنسان منذ نشأته إلى اليوم وإلى الغد في كلمة قلنا : إن كل أعماله تنحصر
(تتحدد) في الهدم والبناء وإذا نحن أردنا مقياسا بسيطاً سهلاً نقيس به الأفراد والأمم فما علينا إلا أن نجمع عمل الفرد والأمة في البناء ونطرح منه عملهما في الهدم فباقي الطرح هو مقياسهما وإذا أردنا أن نقارن بين شخصين أو أمتين نظرنا إلى مقدار باقي الطرح في كليهما فما زاد فهو أرقى .
وإذا أحببنا الدقة في التقدير لم نكتف بتقدير الكمية في البناء والهدم بل حسبنا في ذلك نوع ما يبنى ويهدم فإن قيم البناء وقيم الهدم تختلف اختلافاً كبيراً بحسب نوعهما وصفاتهما وكيفياتهما كالذي نفعله في البناء الحسي فلسنا نقدر البناء بحجمه ومساحته فقط بل نقدره كذلك بنوع هندسته وما إلى ذلك من أمور لا تخفى .
وقد أكثر الكتاب من القول في البناء
فالوعاظ (الدعاة) الدينيون ورجال الأخلاق والمصلحون ونحوهم إنما يتكلمون في البناء ويحذرون من الهدم فلنأخذ نحن الآن جانب الهدم فننيره ، فكثيراً ما يكون الهدم مقدمة البناء بل ربما كان خير بناء ما سبقه الهدم التام .
فيمكننا أن نقول : إن الرذائل
(الخصال الذميمة) الخلقية من كذب وظلم والجرائم القانونية من قتل وسرقة لم تعد رذائل ولا جرائم إلا لأنها هدم لمرتكب الرذيلة والجريمة وإما هدم للمعتدي عليه وإما هدم لبناء المجتمع ونحن إذا نظرنا للرذائل والجرائم من حيث هي هدم أفادنا هذا النظر فائدة جديدة في تقويم (ضبط ، تصحيح) الرذائل والجرائم فما كان منها أشد هدماً كان أكبر جرماً ولذلك كان القتل أفظع من السرقة لأن القتل يهدم النفس والسرقة تهدم الملكية وقد يؤدي بنا هذا النظر إلى تعديل الحكومة مجرمة إذا حصلت من الأهالي مالا لا تستحقه ولا تعد مجرمة إذا لم تمد قرية بالماء الصحي مع علمها أنها تشرب سماً زعافاً (قاتلاً) يقضي على عدد كثير من الأرواح ويذهب في سبيله كثير من الضحايا ؟ ليس هذا من المعقول في شيء لأننا إن أقررنا علمها قومنا حق الملكية بأكثر من حق الحياة وعددنا هدم الملكية مقدماً على هدم النفوس وليس ذلك بحق وأمثلة ذلك كثيرة .
فهناك هدم مادي لكل أمة يجتاح مقداراً كبيراً من ثرواتها فحوادث الطريق حوادث هدم والأمة التي لا تحتاط لها تترك أعمال الهدم والتخريب في ساحتها وكذلك كل أعمال القوى الطبيعية العنيفة الهادمة كالسيل والفيضان العالي والصواعق والرياح والعواصف وكلما كانت الأمة أرقى كانت أكثر احتياطاً وتوفيقاً في منع أعمال الهدم الطبيعية وتوقيها
(تجنبها) .
وهناك هدم سلبي ليس أقل خطراً من الهدم الإيجابي وأعني بالهدم السلبي عدم الإنتاج مع القدرة عليه فالأمة التي تترك أرضاً واسعة من أرضها بوراً قائمة بعمل الهدم السلبي ومثل ذلك ما إذا كان لديها مناجم لا تستغلها أو قوى طبيعية لتوليد الكهرباء لا تستخدمها أو نحو ذلك فكل هذه الأعمال هدم سلبية لا فرق في الضرر
والإضرار بينها وبين الهدم الإيجابي .
فإذا نحن ارتقينا من الماديات إلى المعنويات رأينا الأمر على هذا المنوال
(أي الطريقة) فمن طرائق الهدم أن تكون النظم الاجتماعية في أمة مضيعة لكفايات أفرادها كان تعطي المناصب لذوي الحسب والنسب أو ذوي الملق والمداهنة أو نحو ذلك ثم تنحى عنها ذوي الكفايات ممن ليس لهم سلاح إلا علمهم وخلقهم فهذا - من غير شك - عمل من أعمال التخريب المزدوج لأن من شغلوا هذه المناصب لا يمكن أن ينتجوا لعجزهم الطبيعي ولأن من أبعدوا عنها لا يمكنهم أن ينتجوا وقد حيل بينهم وبين الإنتاج .
الآن بعد أن تعرفت خطورة الأضرار التي تنتج عن الهدم فهل لديك الرغبة في مقاومة جميع أنواع الهدم التي يتعرض لها وطننا بأساليب بناءة تخلو من العنف ؟
 

اللغويـات :

- نلخص : نوجز ، نختصر

- نشأته : نموه ، وجوده ج نَشآت

- تنحصر : تتحدد ، تقتصر

- مقياساً : أي تقديراً ج مقاييس

- نطرح : نبعد ، نفصل × نضم ، نجمع

- نقارن : نوازن

- أرقى : أرفع ، أسمى × أدنى

- الدقة : الإحكام ، الضبط

- الكمية : الحجم

- حسبنا : يكفينا × يحوجنا

- كيفياتهما : م كيفية ، وهي الأسلوب ، الطريقة

- فالوعاظ : الدعاة م واعظ

- جانب : شق أو ناحية ج جوانب

- ننير : نوضح ، نبين

- الرذائل : الخصال الذميمة م رذيلة × الفضائل 

- تقويم : تعديل ، ضبط

- أفظع : أشد شناعة

- الجرم : الجناية ، الجريمة ج أجرام

- سماً زعافاً : سريع القتل

- الضحايا : المجني عليهم م الضحية

- تحتاط : تأخذ في أمورها بأوثق الوجوه ، تحذر ، تتوثق

- التخريب : التدمير × التعمير

- توقيها : تجنبها ، تحاشيها

- سلبي : أي غير مفيد ، ضار

- الإيجابي : أي المفيد

- بوراً : لم تنبت زرعاً ، لم تعمر ، والمقصود : أهملت

- المنوال : خشبة الحائك التي ينسج ويلف عليها الثوب وقت النسيج ، والمقصود : الطريقة ، الأسلوب ، النَمَط ، النَسَق ج مَنَاوِيل

- طرائق : أساليب م طريقة

- النظم الاجتماعية : القوانين التي يخضع لها المجتمع

- كفايات : قدرات

- الحسب : الأصل الشريف ، المَحْتِد

- النسب : القرابة

- ذوي الملق : أصحاب الزيادة في التودد

- المداهنة : المصانعة  ، والمقصود : النفاق

- تنحى : تبعد

- حيل : ألاعيب ، خدع

- بناءة : داعمة × هدامة 

-

س & جـ


س1 : ما الكلمتان اللتان تلخصان تاريخ الإنسان منذ نشأته إلى اليوم والغد ؟
جـ  : الكلمتان  : الهدم والبناء .

س2 : أو إذا أردنا نلخص تاريخ الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل فماذا نقول ؟
جـ  : نقول إن كل أعماله تنحصر في : الهدم والبناء .

س3 : ما الذي يعتقده الكثيرون تجاه الهدم ؟ وما الذي يتناسونه ؟
جـ  : يعتقدون أن الهدم كله شر .
- ويتناسون أن الهدم قد يكون ضرورة من اجل البناء القوي على أسس سليمة .

س4 :  ما المقياس البسيط السهل الذي نقيس به الأفراد والأمم ؟
جـ  : المقياس : أن نجمع عمل الفرد أو الأمة في البناء ونطرح منه عملهما في الهدم فباقي الطرح هو مقياسهما .

س5 : ماذا نفعل إذا أردنا أن نقارن بين شخصين أو بين أمتين ؟ 
جـ  :  ننظر  إلى مقدار باقي الطرح في كليهما فما زاد في أي من الجانبين فهو الأرقى .

س6 : وماذا نفعل إذا أردنا الدقة في التقدير ؟ ولماذا ؟
جـ  : إذا أردنا الدقة في التقدير لا نكتفي بتقدير الكمية في البناء والهدم بل حسبنا (يكفينا) في ذلك نوع ما يبنى وما يهدم ؛ فإن قيم البناء وقيم الهدم تختلف اختلافاً كبيراً بحسب نوعهما وصفاتهما وكيفياتهما كالذي نفعله في البناء الحسي .

س7 : كيف نقدر البناء الحسي ؟ 
جـ  : نقدر البناء الحسي بحجمه ومساحته وكذلك بنوع هندسته وقيمته الفنية ومدى النفع الذي يعود على المجتمع من ورائه .

س8 : فيمَ يتكلم الوعاظ الدينيون ورجال الأخلاق والمصلحون ؟ وممَ يحذرون ؟ وما الرأي فيما يتكلمون فيه والذي يحذرون منه ؟
جـ  : يتكلمون في البناء ويحذرون من الهدم .
-
والرأي : أنهم مخطئون ؛ لأن الهدم قد يكون مقدمة البناء بل ربما كان خير بناء ما سبقه الهدم التام .

س9 : ذكر الكاتب بعض الرذائل الخلقية والقانونية . وضح .
جـ  : إن الرذائل الخلقية من كذب وظلم والجرائم القانونية من قتل وسرقة

س10 : لماذا تعد هذه الرذائل الخلقية جرائم ؟
جـ  : تعد هذه الرذائل الخلقية جرائم ؛ لأنها هدم إما هدم لمرتكب الرذيلة والجريمة وإما هدم للمعتدى عليه وإما هدم لبناء المجتمع .

س11 : ما فائدة النظر إلى الرذائل والجرائم بأنها هدم ؟
جـ  : الفائدة : تقويم (تعديل ، ضبط) الرذائل والجرائم
فما كان منها أشد هدماً كان أكبر جرماً ولذلك كان القتل أفظع من السرقة لأن القتل يهدم النفس والسرقة تهدم الملكية فقط .

س12 : لماذا يعتبر القتل أفظع وأشد هدماً من السرقة ؟
جـ  : كان القتل أفظع وأشد هدماً من السرقة ؛ لأن القتل يهدم النفس والسرقة تهدم الملكية فقط ، والنفس أغلى من المال .

س13 : يخطئ الناس في الحكم على الحكومة . وضح سبب ذلك .
جـ  : لأنهم يعدونها مجرمة إذا حصلت من الأهالي مالاً لا تستحقه ، ولا يعدونها مجرمة إذا لم تمد قرية بالماء النقي مع علمها أنه يذهب في سبيله كثير من الضحايا ؛ لأن هدم النفوس مقدم على هدم الملكية .

س14 :  اذكر أمثلة للهدم المادي في كل أمة ، وبين عواقبه .
جـ  : أمثلة للهدم المادي : حوادث الحريق ، حوادث هدم ، وأعمال القوى الطبيعية العنيفة كالسيل والفيضان والصواعق والرياح والعواصف تمثل حوادث هدم  .
- عواقبها : أن نفقد مقداراً كبيراً من ثروات الأمة بلا فائدة .

س15 : متى تقلل الأمة الخسائر الناتجة من أعمال الهدم الطبيعية ؟
جـ  : تقلل الخسائر عندما تكون الأمة أرقى وتكون أكثر احتياطاً وتوفيقاً في منع أعمال الهدم الطبيعية وتوقيها (اجتنابها) .

س16 : ما المقصود بالهدم السلبي ؟
جـ  : المقصود بالهدم السلبي : عدم الإنتاج مع القدرة عليه .

س17 : اذكر أمثلة للهدم السلبي .
جـ  : الأمة التي تترك أرضاً من أراضيها بوراً مع قدرتها على استغلالها ، والأمة التي لديها مناجم ولا تستغلها ولا تستغل قوى الطبيعة في توليد الكهرباء كل هذه أعمال هدم
سلبية لا فرق في الضرر والإضرار بينها وبين الهدم الإيجابي .

س18 : اذكر إحدى طرق الهدم المعنوي .
جـ  : من الهدم المعنوي : أن تكون النظم الاجتماعية في أمة مضيعة ل
كفايات أفرادها بإعطاء المناصب لذوى الحسب والنسب أو ذوى الملق والمداهنة (أي النفاق) وتنحية ذوى الكفايات أصحاب العلم والخلق .

س19 :  ما السلاح الذي يملكه ذوو الكفايات ؟
جـ  : سلاح العلم والخلق .

س20 : لماذا يعد تولية من لا يصلح من ذوى الحسب والنسب أو ذوى الملق والمداهنة تخريباً مزدوجاً ؟
جـ  : لأن من شغلوا هذه المناصب لا يمكن أن ينتجوا لعجزهم الطبيعي ، ولأن من أبعدوا عنها لا يمكنهم أن ينتجوا وقد حيل بينهم وبين الإنتاج .

س21 : ماذا يجب علينا بعد أن تعرفنا على خطورة الأضرار التي تنتج عن الهدم ؟
جـ  : أن تكون لدينا الرغبة في مقاومة جميع أنواع الهدم التي يتعرض لها وطننا بأساليب بناءة تخلو من العنف .

س22 : من كاتب هذا المقال ؟ وماذا تعرف عنه ؟
جـ  : أحمد أمين أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب مصري شارك في إخراج مجلة الرسالة ، وأشهر مؤلفاته : موسوعته الإسلامية : (فجر الإسلام - ضحى الإسلام - ظهر الإسلام - يوم الإسلام) .
 

عودة إلى الصفحة السابقة

عودة إلى صفحة البداية