nadin

المعارضات الشعرية
 

مصطلح أدبي يرتبط مدلوله الفني بمدلوله اللغوي ارتباطًا وثيقًا، ففي مادة (عَرَضَ) تورد المعاجم العربية عددًا من المعاني لهذه الكلمة ومتفرعاتها، غير أن ألصقها بالمدلول الفني وأقربها إليه ما يفيد المقابلة والمباراة والمشابهة والمحاكاة.

قال ابن منظور في لسان العرب تحت مادة (عرض): "عارض الشيء بالشيء معارضة أي قابله، وعارضت كتابي بكتابه، أي قابلته، وفلان يعارضني أي يباريني". وقال الفيروزأبادي في القاموس: عارض الطريق: جانبه وعدل عنه وسار حياله، والكتاب قابله. وفلانًا بمثل صنيعه: آتى إليه مثل ما أتى، ومنه المعارضة.

وقد استعملت كلمة معارضة قديمًا للدلالة على المجاراة والمحاكاة في الشعر والنثر على حد سواء. فقد ورد في كتاب الأغاني أن أبا عبيدة والأصمعي كانا يقولان عن عدي بن زيد: "عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها". وفي العمدة قال ابن رشيق: "ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب البر وسلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة" قصد بالمعارضة المحاكاة.

وقد ضاق مدلول هذا المصطلح في العصور المتأخرة حتى اقتصر على المحاكاة في الشعر فقط، واختلفت الآراء ـ بعد ذلك ـ في تحديد المفهوم الفني له، فوقع الاختلاف بين الباحثين المعاصرين فيما يدخل ومالا يدخل في باب المعارضات. ولعل أقرب مفهوم فني للمعارضة هو: أن توافق القصيدة المتأخرة القصيدة المتقدمة في وزنها وقافيتها وحركة رويها، وأن يكون الغرض الشعري واحدًا أو متماثلاً، بحيث تكون القصيدة المتأخرة صدى واضحًا للقصيدة المتقدمة. وهذه معارضة صريحة. أما ما عدا ذلك من القصائد التي فقدت أحد هذه العناصر فهي معارضات غير صريحة.

وقصيدة المعارضة غير الصريحة ـ تبعًا لذلك ـ هي التي فقدت فيها القصيدة المتأخرة أحد عناصر الشكل الخارجي للقصيدة القديمة واتفقت معها في الغرض العام أو العكس. ونقصد بذلك أن تتفق القصيدتان المتأخرة والمتقدمة في عناصر الشكل الخارجي وتختلفا في الموضوع العام، ومن أشهر أنماط هذه المعارضات قصيدة شوقي الهمزية النبوية وهي من البحر الكامل. ومطلعها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء ***** وفم الزمان تبسم وثناء



فهي معارضة غير صريحة لهمزية البوصيري المشهورة، وهي من البحر الخفيف. ومطلعها:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ***** ياسماء ما طاولتها سماء

فاختلاف الوزن بين هاتين القصيدتين جعل قصيدة شوقي معارضة غير صريحة.

أما اختلاف الموضوع فمثاله قصيدة شوقي الأخرى في المولد النبوي التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل على الجمال له عتابا


وهي معارضة غير صريحة لقصيدة الشاعر الأندلسي ابن حمديس الصقلي التي يتذمر فيها من الزمان وغدر أهله ومطلعها:
ألاكم تُسمع الزمن العتابا تخاطبه ولا يدري جوابا

فاختلاف الموضوع بين القصيدتين جعل قصيدة شوقي معارضة غير صريحة لقصيدة ابن حمديس.

وقد تأتي المعارضات الصريحة معارضات كلية، أي للقصيدة المتقدمة كلها، وقد تأتي معارضات جزئية وهي ما اقتصر فيها الشاعر على معارضة جزء من القصيدة المتقدمة، كاقتصاره على معارضة الغزل في قصيدة مدح متقدمة مثلاً. ومن نماذج المعارضات الصريحة الكلية قصيدة شوقي نهج البردة التي مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم ***** أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وهي معارضة صريحة كلية لقصيدة البوصيري البردة ومطلعها:
أمن تذكر جيران بذي سلم ***** مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم

فالقصيدتان متحدتان في الموضوع وهو المديح النبوي، والوزن وهو البحر البسيط، وحركة الروي وهي الميم المكسورة. وأمثلة هذا النوع من المعارضات كثيرة عند شوقي والبارودي.

ومن نماذج المعارضات الصريحة الجزئية قصيدة شوقي المشهورة التي مطلعها:
مضنــاك جفـاه مرقده ***** وبكـاه ورحّــمَ عُوَّده

وهي معارضة للجزء الغزلي من قصيدة الحصري القيرواني التي قالها أصلاً في مدح أحد الأمراء ومطلعها:
ياليلُ الصبُّ متى غده ***** أقيامُ الساعة موعـده

وقد كانت المعارضات في تراث الشعر العربي توحي بقدرٍ من فحولة الشاعر المتأخر حين يُجيد في معارضة قصيدة متقدمة اكتسبت شهرة بقصيدة تجري في مضمارها، وتحقق لنفسها قدرًا موازيًا من الشهرة والقبول. لكن هذا النمط من الخطاب الشعري اختفى أو كاد في الشعر المعاصر؛ لأن خصوصية التجربة وتباينها ـ بين شاعر وآخر في القصيدة الحديثة ـ أصبحت هي المعيار الحقيقي لأصالة الشاعر وقدرته على الإبداع.



المصدر / الموسوعة العربية العالمية 


 


 

عودة إلى صفحة البداية