nadin

المسرحية    

 

المسرحية شكل فني، يروي قصة من خلال حديث شخصياتها وأفعالهم، حيث يقوم ممثلون بتقمُّص هذه الشخصيات أمام جمهور في مسٌح أو أمام آلات تصوير تلفازية ليشاهدهم الجمهور في المنازل.

 

ومع أن المسرحية شكل أدبي، فهي تختلف في طريقة تقديمها عن غيرها من أشكال الأدب. فعلى سبيل المثال، الرواية أيضًا قصة، تتضمن شخصيات، ولكنها تروى بمزيد من السرد والحوار، وتصبح عملاً مكتملاً حين تظهر على الصفحات المطبوعة. أما المسرحية، ففي أغلب الأحيان لاتصل إلى تأثيرها الكامل إلا حين تمثَّل.

 

وليست المسرحية كالمسرح. فإذا كان تعريف المسرحية هو ما سبق فإن المسرح هو شكل من أشكال الفنّ يترجم فيه الممثلون نصًا مكتوبًا إلى عرضٍ تمثيلي على خشبة المسرح؛ فعلاقة المسرحية بالمسرح هي علاقة الخاص بالعام، أو بمعنى آخر: النص الأدبي المسرحي أحد موضوعات المسرح وليس العكس.

 

 

وقد يكمن سر المسرحية في قدرتها على التصوير المنظم والواضح للتجربة البشرية. وعناصر المسرحية الأساسية هي: المشاعر والرغبات والنزاعات والمصالحات، التي تشكِّل أهم عوامل الحياة الإنسانية، لكنها في الحياة الواقعية تبدو متشابكة متداخلة، أو تظهر كأنها كتلة من الانطباعات المستقلة. أما في المسرح، فالكاتب يرتِّب هذه التجارب ضمن أنساق مألوفة، ويشاهد الجمهور مادة من الحياة الواقعية، تكتسب شكلاً ذا معنى، بعد أن حُذف منها ما لا أهمية له، وسُلِّط الضوء فقط على ما له مغزى.

 

والمسرحية فن عالمي قديم عرفته جميع الحضارات تقريبًا. وتختلف النظريات حول نشأتها، وتُرجع إحدى هذه النظريات أصول المسرحية إلى طقوس دينية كان الكهان فيها يتقمصون أدوار حيوانات أو مخلوقات أخرى.

 أشكال المسرحية

للمسرحية أشكال كثيرة منها:

 

 

المأساة. تروي قصة بطل مأساوي في شخصيته عيب أو ضعف رغم صفاته الحميدة، وتحل به الكوارث وعادة يكون مصيره الموت.

 

 

المسرحية الجادة. تشارك المسرحية الجادة المأساة جديتها وتركيزها على الأحداث التعيسة، لكن أبطالها أقرب إلى الناس العاديين، وقد تنتهي نهاية سعيدة.

 

 

الميلودراما. تصور الميلودراما شخصية نذلة تهدد أشخاصًا يتعاطف الجمهور معهم، وهي مسرحية تميل إلى العنف والمبالغة رغم أن نهايتها كثيرًا ما تكون سعيدة، والصراع فيها أخلاقي مبسط يسهل فيه التمييز بين الخير والشر.

 

 

الملهاة أو الكوميديا مسرحية تحاول إضحاك المتفرجين، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الأوغاد والمحتالين. وتنتهي الملهاة عادة نهاية سعيدة. لكن الملهاة قد تطرح بين المواقف المضحكة موضوعات في غاية الجدية. وأحيانًا تعتبر المسرحية الهزلية شكلاً مسرحيًا مستقلا،ً لكنها في الواقع نمط من أنماط الملهاة، يعتمد على المواقف السخيفة والحركات التهريجية.

 

 

بنية المسرحية

 

مسرحية هنري الرابع (بريطانيا) 

تتكون المسرحية عادة من ستة عناصر، وهي العناصر نفسها التي أوردها أرسطو في حديثه عن المأساة: 1- الحبكة أو عقدة القصة 2- الشخصيات المسرحية 3- الفكرة 4- الحوار 5- الموسيقى 6- المشهد.

 

تمثّل الحبكة أو عقدة القصة البنية الإجمالية، وتتكون من سلسلة من الأحداث تتطور في المسرحيات التقليدية حسب نهج مألوف. والحبكة أهم عناصر المسرحية. والمادة الأساسية التي تعتمد عليها الحبكة هي الشخصيات التي تتطور الأحداث من خلال حوارها وسلوكها. وكل مسرحية مهما كانت فكاهية تنطوي على فكرة، توحي بها الكلمات التي تتفوه بها الشخصيات. وتشتمل الفكرة على المعنى الإجمالي للمسرحية، الذي يسمَّى أحيانًا الفكرة الرئيسية أو الموضوع. ويتم التعبير عن الأحداث والشخصيات والفكر من خلال الحوار. والعنصر الخامس من المسرحية هو الموسيقى، التي إما أن تكون على شكل موسيقى تصاحب العرض، أو تنتج من إيقاع أصوات الشخصيات وهي تتحدث. أما العنصر الأخير فهو المشهد، ويعني الجوانب المرئية من المسرحية كحركات الشخصيات وملابسها والإضاءة وغيرها.

 

 

المسرحية الإغريقية والرومانية

 

المسارح الإغريقية القديمة مسارح مدرجة تقام في الهواء الطلق وتسع آلاف المتفرجين حيث كانت تُقام منافسات في التمثيل والغناء الجماعي وكتابة المسرحيات الفكاهية والمأساوية كل عام. 

ولدت المسرحية الغربية في اليونان القديمة. وأول سجل يدل على مسرح إغريقي يعود إلى حوالي عام 534ق.م. حين جرت في أثينا مسابقة للمأساة. وكانت أهم فترة في المسرح الإغريقي هي القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت المسرحيات الإغريقية تعرض في مسرح ديونيسيوس الذي كان يتسع لأربعة عشر ألف مشاهد.

 

كانت المأساة الإغريقية تتصف بالجدية والشاعرية والنزعة الفلسفية، كما استُلهم معظمها من الأساطير، ويواجه البطل فيها خيارًا أخلاقيًا صعبًا، ويخوض صراعًا مع قوى عدائية، ينتهي بهزيمته وغالبًا بموته.

 

تتخلل المأساة أغان تنشدها الجوقة، وكان الممثلون يرتدون أقنعة، ولا يجتمع منهم على خشبة المسرح في وقت واحد أكثر من ثلاثة. وغالبًا ماكتبت المآسي على شكل ثلاثيات، حيث تتألف الثلاثية من ثلاث مآسٍ، تعالج مراحل مختلفة من قصة واحدة.

 

وما وصل إلينا من المآسي الإغريقية يقل عن خمسة وثلاثين، جميعها، باستثناء واحدة، من تأليف ثلاثةكتاب، أقدمهم إيسخيلوس الذي اشتهر برصانة أسلوبه وبلاغته. ومن أعماله الشهيرة ثلاثية الأوريستيا التي تعالج مفهوم العدالة وتطوره. والكاتب الثاني سوفوكليس، الذي وجد أرسطو في أعماله نموذجًا اقتدى به في كتابة المأساة. ويعتبر الكثيرون مسرحيته أوديب ملكًا أعظم مأساة إغريقية. وآخر كتّاب المأساة الإغريق يوربيدس الذي اكتسبت أعماله رواجًا شديدًا في العصور اللاحقة، لما فيها من واقعية ومن دراسة نفسية، وخاصة في تصوير الشخصيات النسائية، لتشكيكه في الدين الإغريقي والقيم الأخلاقية السائدة في عصره. ومن أشهر مسرحياته ميديا.

 

 

الملهاة الرومانية كانت تؤدى عادة على مسرح يمثل شارعًا عامًا. وكانت هنالك فتحات في الجدار الخلفي يدخل منها الممثلون ويخرجون. ومعظم أنواع الملهاة الرومانية كانت تصاحبها الموسيقى وأغانٍ كثيرة. 

لم يخلط الإغريق بين المأساة والملهاة، واتسمت الملهاة القديمة (أي التي كتبت في القرن الخامس قبل الميلاد) بالصراحة والفجور. والأعمال الهزلية الوحيدة التي بقيت من تلك الفترة كتبها أريسطوفانيس الذي جمع بين الهجاء السياسي والاجتماعي والهزل والبذاءة والتجريح الشخصي والخيال والشعر الغنائي البديع. ويطلق اسم الملهاة الجديدة على معظم المسرحيات التي كتبت بعد عام 338ق.م. ولم يبق من هذه الأعمال سوى مسرحية الأسطورة التي كتبها ميناندر، وهو من أشهر الكتاب المسرحيين في ذلك الوقت. وركزت هذه الملهاة على الأمور الشخصية بدلاً من الاجتماعية والسياسية والخيالية.

 

وعلى الرغم من أن السبق في الفن المسرحي انتقل بعد القرن الثالث قبل الميلاد إلى روما، فإن المسرح الإغريقي يحظى اليوم باحترام أكبر بكثير من نظيره الروماني الذي قلد النماذج الإغريقية، والذي تأتي أهميته من تأثيره على كتّاب العصور اللاحقة، وخاصة على مسرح عصر النهضة.

 

لم يهتم الرومان بالمأساة قدر اهتمام الإغريق بها، ولم تبق من المآسي الرومانية سوى أعمال لوسيوس أنايوس سنيكا المقتبسة من أصول إغريقية، وقد تأثر الكتاب الغربيون ببعض الأساليب التي استخدمها سنيكا في مسرحياته.

 

وبالرغم من رواج الملهاة (الكوميديا) في روما، لم يبق من آثارها سوى أعمال بلوتوس وترنس، وهي أيضًا اقتباسات من الملهاة الإغريقية الحديثة. وقد تميزت مسرحيات ترنس بالبعد عن التهريج وبقدر أكبر من العمق، وكان لها أثر كبير على كتَّاب الملهاة الأوروبيين، وخاصة موليير.

 

وشاعت بين الرومان أشكال مسرحية أخرى مثل التمثيليات الإيمائية البانتومايم. وقد أخذ المسرح الروماني في الانحدار، مع تحول الجمهورية إلى إمبراطورية عام 27ق.م.

 

 

القرون الوسطى

ازدهر المسرح في أوروبا منذ القرن العاشر وحتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، وبدأ بالمسرحيات الطقوسية الدينية القصيرة التي أداها القساوسة جزءًا من القدّاس. وفي القرن الثالث عشر، خرجت المسرحية من الكنيسة، وظهرت المسرحية الدينية التي أبقت على الموضوعات الدينية، وتخللها كثير من الفكاهة، كما كانت تكتب شعرًا باللاتينية. وفي القرن التالي، تبنت الاتحادات النقابية تمثيلها وحولتها إلى اللغات المحلية، وغالبًا ما كانت تعرض في الشوارع والساحات على شكل مجموعة تعرف باسم السلسلة، وتحكي علاقة الإنسان بربه منذ خلق الله البشر وحتى يوم الحساب.

 

كما شاعت مسرحية المعجزات التي تتناول حياة مريم العذراء أو أحد القديسين، والمسرحية الأخلاقية التي تستخدم شخصيات رمزية لإعطاء دروس أخلاقية. أما على الصعيد الدنيوي، فقد انتشر نمطان هما المسرحية الهزلية، والفاصل الترفيهي.

 

 

المسرح الأوروبي حتى عام 1660م

 

إيطاليا. بدأ النشاط المسرحي في إيطاليا في البلاطات الملكية والمؤسسات العلمية جزءًا من الاهتمام الجديد بالحضارتين الإغريقية والرومانية. وفي مسارح خاصة صغيرة كانت تعرض ثلاثة أنواع من المسرحية: المأساة والملهاة والمسرحية الرعوية التي تعالج قصص حب بين الرعاة وإلاهات الغابات. وليس لمسرحيات تلك الفترة أهمية فنية، وإنما لها قيمة تاريخية. وأول كاتب هزلي إيطالي مهم هو لودوفيكو أرسطو، الذي تعتبر مسرحياته، مثل: كاساريا (1508م)، بداية المسرح الإيطالي. وظهر شكل مسرحي جديد هو اللحن الفاصل، وهو فاصل يعتمد على الألبسة والمشاهد ويتفنن الخيال في تصميمها. وبعد عام 1600م، اندمج اللحن الفاصل في الأوبرا، التي بدأت محاولة لتقليد المأساة الإغريقية، وأصبحت بحلول عام 1650م، أكثر الأشكال المسرحية شعبية في إيطاليا.

 

أما بين عامة الشعب فقد كانت أكثر الأشكال رواجًا المسرحية المرتجلة، التي كانت تكتب الخطوط العامة لقصتها، ويرتجل الممثلون الحوار، وهم على خشبة المسرح. كما طور الإيطاليون تصميمًا جديدًا لديكور المسرح، كان له أثر كبير، وانتشر في أوروبا حتى بداية القرن العشرين.

 

 

 

التمثيليات القصيرة كانت محكمة ومتقنة. وكانت العروض اللافتة للنظر تصحبها الموسيقى والرقص والأزياء المشرقة والمسرحية الرمزية. وكانت التمثيليات الإنجليزية القصيرة تتمتع بالشعبية وفيها فخامة ونبل. 

إنجلترا. شجعت حركة الإصلاح الديني اللوثري في أوروبا استخدام اللغات المحلية بدلاً من اللاتينية، مما أتاح الفرصة لظهور مسرح قومي. وكانت إنجلترا أول دولة تصل المسرحية فيها إلى درجة عالية من التطور والإبداع، وذلك بين عامي 1580م ، و1642م. ويطلق على الأعوام (1580 - 1603م) اسم العصر الإليزابيثي، أما باقي تلك الفترة (1604 - 1642م)، فتشمل الفترتين اليعقوبية والكارولينية. وكانت المسارح الإنجليزية مصممة بشكل يناسب المسرحيات الإليزابيثية السريعة الحركة والكثيرة المشاهد.

 

تطور المسرح الإليزابيثي حين بدأت مجموعة جديدة من كتاب المسرح المثقفين بكتابة مسرحيات للفِرق التجارية المحترفة. وجاءت أعمالهم مزيجا لتراثين هما الفواصل الترفيهية التي كان يؤديها ممثلون جوّالون، والمسرحيات التي كانت تُستلهم من العصر الكلاسيكي، وتعرض في المدارس والجامعات، مما ضيق الفجوة بين الطبقة الشعبية وطبقة المثقفين.

 

من هؤلاء الكتاب توماس كيد الذي أدخل تأثير الكتاب الكلاسيكيين، وخاصة سنيكا، على المسرح الشعبي، وكتب المأساة الأسبانية، أكثر مسرحيات القرن السادس عشر رواجًا وأشدها تأثيرًا. فقد أصبحت هذه المسرحية نموذجا للمأساة في ذلك العصر في طريقتها في بناء قصة واضحة مشوقة، وفي استخدامها للشعر غير المقفَّى.

 

ووصل كريستوفر مارلو بالشعر المرسل في كتابة المأساة إلى درجة عالية من الجودة، وتميزت مآسيه بمقاطع شاعرية رائعة، وبمشاهد تسيطر فيها العواطف سيطرة كاملة.

ديفيد جاريك كان في مقدمة الممثلين الإنجليز في زمانه. وقد ترك أسلوب جاريك الواقعي في التمثيل أثرًا كبيرًا على المسرح الإنجليزي. 

وقد شكلت أعمال كيد ومارلو وغيرهما قاعدة بنى عليها وليم شكسبير مسرحياته. ولم يقدم شكسبير ماهو جديد إلا فيما ندر، فقد استعار من التاريخ والأساطير والأعمال الروائية والمسرحية السابقة، لكنه طور الوسائل المسرحية، وكتب شعرًا مسرحيًا لامثيل له، وتعمق في سبر الأغوار النفسية والفلسفية في أعماله.

 

ومن معاصري شكسبير بن جونسون الذي كتب ملاهي تهدف إلى تحسين السلوك البشري عن طريق السخرية من الحماقة والرذيلة. ومن معاصريهما أيضًا جورج تشابمان وتوماس دكر وتوماس هَيْود وجون مارستن.

 

وفي عام 1610م، بدأت المسرحية الإنجليزية تتغير؛ إذ أخذت شعبية المأساة الكوميدية، أي المسرحية الجادة ذات النهاية السعيدة تزداد. كما ركز كتاب المأساة على العنف والخداع والرعب. وقد برز في الفترتين اليعقوبية والكارولينية من كتاب المسرح فرانسيس بومونت وجون فليتشر وتوماس مدلتون وسريل تورنر وجون وبستر وفيليب مسنجر وجون فورد.

 

وبعد سيطرة البيوريتانيين (التطهيريين) على الحكم في إنجلترا، قامت السلطات بإغلاق المسارح، مما أسدل الستار على أغنى عصور المسرح الإنجليزي وأكثرها تنوعًا.

 

أسبانيا. ازدهرت المسرحية في أسبانيا أيضًا بين منتصف القرن السادس عشر وأواخر القرن السابع عشر، مما جعل تلك الفترة تعرف بالعصر الذهبي للمسرحية الأسبانية. فبعد استيلاء النصارى على الأندلس، استخدموا المسرحية وسيلة مهمة من وسائل التعليم الديني، وهذا ما جعل المسرحية الدينية تكتسب أهمية خاصة في أسبانيا، وتستمر بعد توقفها في باقي أوروبا.

 

وقد جمعت المسرحية الدينية عناصر من مسرحيات الأسرار الدينية والمسرحيات الأخلاقية، كما جمعت شخصيات خارقة القوى وأخرى بشرية بالإضافة إلى الشخصيات الرمزية كالخطيئة والمسرات، وما إلى ذلك. وكانت المسرحيات تمثل على عربات تشكل مسرحًا متنقلاً. وكان الممثلون يؤدون أيضًا فواصل هزلية ورقصات، وغيرها من العناصر الدنيوية الترفيهية التي تزايدت أهميتها تدريجيًا، مما حدا بالسلطات الدينية في عام 1765م إلى تحريم المسرح.

 

وأعظم كتاب المسرح الأسبان في ذلك العصر لوبي دي فيجا، الذي كتب ما يقارب 1,800 مسرحية، ويشترك في بعض السمات مع شكسبير ولكنه يفتقر إلى العمق. وبدرو كالديرون الذي كانت وفاته عام 1681م، بداية الانحدار السريع للمسرحية الأسبانية التي لم تستعد حتى الآن حيوية عصرها الذهبي.

 

فرنسا. بدأ المسرح في فرنسا في القرون الوسطى، وكانت أصوله دينية، كما هي الحال في دول أوروبية أخرى. ولكن إحدى مجموعات الهواة أسست مسرحًا دائما في باريس في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، وفي القرنين التاليين نشأت بعض الفرق المحترفة، التي كانت تستأجر ذلك المسرح لإقامة عروضها. وكانت المسرحيات الدنيوية في ذلك الحين مآسي كوميدية مليئة بمغامرات الفرسان.

 

لكن المسرح الفرنسي تغير إلى حد كبير حين استوردت نظريات الكلاسيكية الجديدة من إيطاليا، فقد تمسك الفرنسيون بهذه النظريات، والتزموا بها أكثر من أي شعب آخر. وأهم تلك المبادئ الاقتصار على نوعين من المسرحية هما المأساة والملهاة، وعدم خلط عناصرهما على الإطلاق، والحرص على تعليم مبدأ أخلاقي من خلال المسرحيات، وجعل الشخصيات تعكس أنماطاً عامة، والالتزام بوحدة الزمان والمكان والحدث.

 

ارتبط اسم بيير كورني بالتغييرات الكلاسيكية الجديدة أكثر من أي كاتب آخر؛ فقد ساعد على إرساء قواعدها، وجعلها الأساس المتبع في المسرحية الفرنسية. وأصبح الشكل الشعري الذي استخدمه في كتابة مآسيه، الشكل المتبع في المأساة بصورة عامة. لكن قمة المأساة الكلاسيكية الجديدة في فرنسا كانت أعمال جان راسين، الذي وظَّف قواعد هذه المدرسة لتقوية الحبكة وتكثيف الصراع في قصصه.

 

ونهض موليير بالملهاة الفرنسية إلى مستوى رفيع في مسرحياته المليئة بالنقد الاجتماعي والأخلاقي، دون أن تفقد طابعها المسلي وروحها المرحة. وطغت شهرته عبر الأجيال على شهرة معاصريه المأساويين.

 

وبحلول عام 1690م، بدأت المسرحية الفرنسية تتدهور مع لجوء الأجيال الجديدة إلى التقليد والتكرار.

 

 

المسرحية الأوروبية (1660 - 1800م)

 

كوميديا ديل آرت كانت شكلاً من الملهاة ضعيفة الحبكة سادت في المسرح الإيطالي بين القرنين السادس عشر والثامن عشر. وظهرت فرق تمثيلية تقوم بأدوار شخصيات تلك المسرحيات. 

كان كارلو جولدوني أعظم كتاب المسرحية الإيطالية في القرن الثامن عشر، أما في ألمانيا، حيث لم تكن للمسرح من قبل أهمية تذكر، فقد شهد هذا القرن نقطة تحول مهمة، وبدأ بعض الكتاب الألمان يكتسبون شهرة خارج وطنهم.

 

وفي فرنسا سيطر تراث الكلاسيكية الجديدة على المسرحية. وكاتب المأساة البارز الوحيد في ذلك القرن هو فولتير. كما برز دينيس ديدرو من كتاب المأساة العائلية بسبب إصلاحاته في طريقة العرض المسرحي. وكان أشهر كتاب الملهاة بيير ماريفو وبيير دو لاشوسيه وبيير بومارشيه.

 

وكانت إنجلترا ميدانًا لأكبر نشاط مسرحي في هذه الفترة؛ فمع عودة الملكية عام 1660م، عادت المسارح إلى الظهور، لكن المسرحية لم تعد تستهوي عامة الشعب، كما كانت في عصر شكسبير، وانحصر جمهورها في بادئ الأمر في دائرة ضيقة من رجالات البلاط. وظهرت الممثلات لأول مرة على المسرح، وتوقف الرجال عن أداء الأدوار النسائية.

 

ويعرف عصر عودة الملكية بصورة خاصة بنوعين من المسرحية، أولهما الملهاة الأخلاقية التي تَسْخَر من مجتمع الطبقة الراقية بلغة نثرية مليئة بالذكاء والمرح. ورغم تسامح هذا النوع مع بعض أشكال الاستهتار الأخلاقي، فإنه كان يهزأ بمن يخدع نفسه أو يخادع غيره. وأفضل مثال على ملهاة السلوك مسرحية وليم كونجريف طريق العالم (1700م).

 

والنوع الثاني هو المسرحية الملحمية التي راجت بين عامي 1660م و 1680م، لكنها اليوم تبدو سخيفة. وقد صاحبها نمط من المأساة أكثر حيوية، مثل مسرحية كل شيء في سبيل الحب لجون درايدن (1677م).

 

ومع ازدياد مكانة الطبقة الوسطى عادت بعض القيم الأخلاقية تفرض نفسها على المجتمع، وانعكس ذلك على الملهاة التي أصبحت في القرن الثامن عشر أقل تحررًا وأكثر عاطفية. وخير الأمثلة على الملهاة الرومانسية أعمال الكاتبين أوليفر جولد سميث وريتشارد برنسلي شريدان.

 

وظهرت في القرن الثامن عشر أنماط مسرحية أخرى، منها المأساة العائلية والاستعراض الماجن والمسرح الإيمائي البانتومايم والأوبرا الشعبية. وأشهر مثال على النمط الأخير مسرحية أوبرا الشحاذ (1728م) لجون جي.

 

 

المسرحية الآسيوية

  

المسرحية الهندية والصينية تركز بالدرجة الأولى على الخرافات والأساطير الشعبية والتاريخ. وفي المسرح الشعبي الهندي تفرغ الكتابات الهندوسية المقدسة والملاحم الشعرية في قالب مسرحي (إلى اليمين). وأوبرا بكين (إلى اليسار) هي في مقدمة التقاليد المسرحية الصينية. وهذه الأوبرا معروفة بأزياء ممثليها الباذخة. 

تطور المسرح في آسيا بصورة مستقلة تمامًا عن المسرح الغربي، ويعتبر المسرح الهندي من أقدم مسارح العالم رغم أن تاريخ بدايته غير معروف بشكل دقيق. لكن في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، ازدهرت المسرحية المكتوبة بالسنسكريتية، وكانت مسرحيات تشبه في بنيتها القصائد الملحمية، وتهدف إلى إيجاد حالة من التناغم وتنتهي نهاية سعيدة.

 

وفي الصين، تعود أصول المسرحية على مايبدو إلى الطقوس الدينية القديمة، ولكن البداية الفعلية للمسرحية كان في عهد أسرة يووان (1279 - 1368م). ومنذ القرن التاسع عشر، أصبحت أوبرا بكين الشكل المسرحي الرئيسي الذي تستمد مسرحياته من التراث الشعبي والقصصي والأساطير والتاريخ وقصص الحب المتداولة. والمسرحية ليست سوى رؤوس أقلام تتيح للممثلين أن يعدّلوا في النص كما يحلو لهم.

 

مسرحية كابوكي في اليابان 

وفي اليابان ثلاثة أشكال مسرحية تقليدية. أقدمها مسرحيات نو التي تطورت في القرن الرابع عشر الميلادي من رقصات كانت تؤدى عند الأضرحة الدينية، وهي مسرحيات شاعرية قصيرة تعالج موضوعات تاريخية وأسطورية، وتصاحبها الموسيقى والرقصات، وتستخدم فيها الأقنعة، وتتبع قواعد دقيقة جدًا.

 

والشكل الثاني هو مسرح العرائس (الدمى المتحركة) الذي كانت له شعبية كبيرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويتميز هذا المسرح عن أمثاله، بأن محركي الدمى يقفون في مكان ظاهر على خشبة المسرح.

 

أما أكثر الأشكال شعبية اليوم فهي مسرحيات الكابوكي التي تأثرت إلى حد كبير بالأشكال الأخرى. وهي مسرحيات إثارة بصورة عنيفة (الميلودراما)، وتتميز بالملابس الزاهية والمشاهد الفخمة الباهرة والتمثيل الذي يعتمد على الحيوية والمبالغة.

 

الحركة الرومانسية (1800 - 1850م)

انعكست مبادئ الحركة الرومانسية على المسرح في ألمانيا مع مطلع القرن التاسع عشر من خلال كاتبين مهمين هما جوهان فلفجانج فون جوته، صاحب المسرحية الشهيرة فاوست، وفريدريتش شيلر الذي كتب مسرحيات تركز على اللحظات الحاسمة في التاريخ.

 وفي فرنسا، انتصرت الحركة الرومانسية في المسرح عام 1830م، لدى عرض مسرحية فيكتور هوجو هرناني، وكان من أبرز كتاب المسرحية الرومانسية ألفرد دو موسيه.

 

وإلى جانب النزعة الرومانسية، ظهرت في فرنسا مسرحية الإثارة (الميلودراما) التي لقيت رواجًا كبيرًا حتى بعد انتهاء الحركة الرومانسية التي ساعدت على تطوير الاتجاه الواقعي في تصميم المشاهد المسرحية.

 

ظهور الواقعية

في منتصف القرن التاسع عشر، بدأت الواقعية تسيطر على المسرح؛ إذ سعى الكتّاب إلى تصوير الحياة في أعمالهم كما هي في الواقع.

 وتلقت هذه المدرسة دعما من المدرسة الطبيعية التي ركّزت على ضرورة تقليد أدق تفاصيل الحياة الواقعية.

 لكن الطبيعية التي لجأت إلى الدراسة العلمية للشخصيات المسرحية، وأعطت أهمية كبرى لعوامل الوراثة والبيئة، أخذت تتقهقر مع بداية القرن العشرين الميلادي.

 

وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت وظيفة المخرج بعد أن كان أحد الممثلين الرئيسيين يتولى مهمة الإشراف على العمل المسرحي. كما بدأت المسارح المستقلة في الظهور للتخلص من تحكم المسرح التجاري.

 

المسرحية الحديثة (1900-1950م)

من الممكن اعتبار أعمال المؤلف النرويجي هنريك إبسن بداية المسرحية الحديثة في أوروبا؛ فقد كان له أكبر الأثر على تطوّر المسرحية الواقعية، واعتبرت أعماله ذروة هذا المذهب. ومن جهة أخرى مهّد إبسن الطريق للمذاهب التي ابتعدت عن الواقعية. فقد كتب سلسلة من المسرحيات عالج فيها بعض المشكلات الاجتماعية معالجة واقعية، ولكنه ضمَّنها أيضًا عناصر رمزية مهمة. من أشهر هذه المسرحيات بيت الدُّمية (1879م)؛ هيدا جابلر (1891م). وفي مسرحياته الأخيرة، مثل عندما نوقظ الموتى (1900م)، اشتد اعتماده على الرموز والقوى الغامضة الخارجة عن سيطرة الإنسان.

وتكاد مسرحيات الكاتب الروسي أنطون تشيخوف الواقعية تعادل أعمال إبسن في تأثيرها على كتاب المسرح. وقبل تشيخوف، اشتهر من كتاب المسرحية في روسيا نيكولاي جوجول وألكسندر أستروفسكي وإيفان تورجنيف. وقد صور تشيخوف مجتمع عصره، ومزج الأحداث الفكاهية والمأساوية، وأعظم مسرحياته هي طائر النورس (1896م)؛ الخال فانيا (1898م)؛ الشقيقات الثلاث (1901م)؛ بستان الكرز (1904م) 

وفي بريطانيا، بدأت الواقعية تفرض نفسها تدريجيًا، وبرز من كتابها جورج برنارد شو، الذي تبنى نفس المُثُل الاجتماعية والفنية التي تجلت في مسرحيات إبسن.

 وشهدت أيرلندا نشاطًا مسرحيًا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين، واشتهر عدد من كتاب المسرحية منهم شون أوكايسي وجون ميلينجتون سينج.

 وتنوَّعت المسرحية في فرنسا بين الحربين العالميتين، فقد استخدم جين جيرودو وجان كوكتو الأساطير اليونانية في مسرحياتهما، وكتب بول كلوديل مسرحيات دينية شعرية، واستخدم جان أنوي أشكالا مسرحية مختلفة.

 

أما في الولايات المتحدة، فلم يظهر أي كاتب مسرحي ذي أهمية عالمية قبل القرن العشرين، حيث كانت المسرحية الأمريكية تقلد التطورات الأوروبية. وكان يوجين أونيل أوَّل كاتب مسرحي أمريكي عالمي الشهرة. وتميز أونيل بعدم توقفه عن التجربة في الأسلوب والوسائل المسرحية. ومن أهم أعماله رحلة النهار الطويل إلى الليل. وفي النصف الأول من القرن العشرين، ظهرت في الولايات المتحدة المسرحية الغنائية التي لقيت شعبية كبيرة.

 

وفي إيطاليا، يعتبر لويجي بيرانديللو أهم كتّاب المسرحية في القرن العشرين. ومن الاتجاهات التي عرفها المسرح في هذه الفترة المدرستان الرمزية والتعبيرية والمسرح الملحمي. وقد ظهرت الرمزية في فرنسا في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وهي مدرسة تؤمن بأن الظاهر ماهو إلا جانب ثانوي من مظاهر الواقع، وأن الحقيقة لايمكن تصويرها بالتفكير المنطقي، وإنما يجب الإيحاء بها باستخدام الرموز.

 

المسرح الملحمي يمثله بشكل عام مؤلف مسرحي واحد هو بيرتولت برخت الألماني. وأكثر أعمال برخت شعبية هي مسرحيته الموسيقية الساخرة أوبرا الثلاثة بنسات (1928م). 

أما التعبيرية فهي تعبير اُستُخدم في ألمانيا في الربع الأول من القرن العشرين لوصف مختلف أشكال الابتعاد عن الواقعية تقريبًا. وقد لجأ التعبيريون إلى تشويه المشاهد والإضاءة وطريقة تصميم الملابس وإلى استخدام الحركات الآلية والعبارات المقتضبة في الحوار. وخير مثال للمسرح التعبيري مسرحية جورج قيصر من الصباح إلى منتصف الليل (1916م).

 

وتدين المسرحية التعبيرية بالكثير للكاتب السويدي أوجست ستريندبيرج، وخاصة في مسرحياته: إلى دمشق، وهي ثلاثة أجزاء (1898م)؛ المسرحية الحلم (1901م)؛ سوناتا الأشباح (1908م).

 

أما المسرح الملحمي فهو مذهب طوَّره الألماني بيرتولت برخت، ويُعَدُّ أنجح محاولة لتركيز انتباه جمهور المسرح على القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد كتب برخت جميع أعماله المهمة قبل عام 1945م، ولكنه كان ذا تأثير كبير فيما بعد.

 

المسرحية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية

 

المسارح التجريبية ازدهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وركزت على تقديم المسرحيات الحديثة. في الصورة مشهد من مسرحية من يخاف فرجينيا وولف لإدوارد ألبي. 

تأثر المسرح بعوامل عدة منذ عام 1945م، منها التغييرات الكبيرة التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية، ومنها ظهور وسائل جديدة كالسينما والإذاعة والتلفاز التي أدت في بعض البلاد، كالهند مثلاً، إلى إغلاق عدد كبير من المسارح.

 

والأرجح أن أكثر الحركات المسرحية الحديثة تأثيرًا هي مسرح اللا معقول الذي ظهر في فرنسا في الخمسينيات، والذي سعى إلى تصوير الحياة في كون عدائي يفتقر إلى العقلانية والمعنى. وأشهر مسرحيات هذه الحركة في انتظار جودو لصمويل بيكيت. ومن كتابها أيضًا أوجين يونسكو وجان جينيه.

 

كما ظهرت مسارح تجريبية حاولت التخلُّص من سيطرة الكاتب، منها المسرح الحي الذي تأسس في أمريكا عام 1951م، والمسرح المفتوح الذي أنشئ في مدينة نيويورك. ولكن بحلول السبعينيات من القرن العشرين، فقد المسرح التجريبي كثيرًا من طاقته وعزمه على تغيير العالم.

 

وباللغة الألمانية برز من كتاب المسرحية السويسري فريد ريتش دورينمات، ومن أعماله الزيارة (1956م)، والألماني بيتر فايس الذي كتب مارات/ساد (1964م)، وغيرهما.

 

وتعتبر الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين العصر الذهبي في الولايات المتحدة لنوع جديد من المسرحية هو التمثيلية التلفازية واشتهر من كتابها بادي تشيفسكي.

 

وشهدت إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية نشاطًا مسرحيًا كبيرًا. فقد جدد تي. إس. إليوت وكريستوفر فراي المسرحية الشعرية، كما بدأت فترة جديدة في التاريخ المسرحي مع عرض مسرحية جون أوزبورن انظر وراءك في غضب (1956). واشتهر العديد من كتاب الجيل المسرحي الجديد منهم هارولد بنتر وجون أردن وإدوارد بوند وأرنولد وسكر وتوم ستوبارد وجو أورتن وبيتر شافر وغيرهم.

 

أما في الولايات المتحدة، فقد كان أبرز كتاب المسرحية منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين تنيسي وليمز وآرثر ميلر، وكلاهما مزجا الحوار الواقعي مع الأساليب التعبيرية في العرض المسرحي، وإدوارد ألبي الذي حققت مسرحيته من يخاف فرجينيا وولف نجاحًا كبيرًا.

 

وفي القرن العشرين، بدأت المسارح غير التجارية تتولى عرض المسرحيات الجديدة، مثل مسرحية سام شبرد الطفل المدفون (1978م).

 

ولايزال الكتاب في مختلف أنحاء العالم يستخدمون المسرحية للتعبير عن غضبهم من الظلم السياسي والاجتماعي.

 

المسرحية في الوطن العربي

 

البدايات في القرن التاسع عشر. أجمع النقاد ودارسو الأدب عامة والمسرح خاصة على أن أول مسرحية عربية أعدّها مارون النقاش (1817 - 1855م) عن رواية البخيل للكاتب الفرنسي موليير وقدمها في لبنان بنفس الاسم، وكان ذلك عام 1847م. ولم يغير في رواية موليير كثيرًا، بل أجرى عليها بعض الاختصار مع الإكثار من عنصر الفكاهة لتلائم الجمهور العربي في لبنان وصاغها شعرًا واستبدل بالأسماء الأجنبية أسماء عربية. ثم قدَّم بعد ذلك أبو الحسن المغفَّل وهي مستوحاة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة، ثم عاد مرة أخرى إلى موليير وأعدَّ عن روايته طرطوف مسرحية باسم الحسود.

 

أما الكاتب الذي ظهر بعد النقاش مباشرة فهو أبو خليل القبَّاني من دمشق (1833 - 1903م) الذي قدم مسرحيّات من التراث العربي، منها الحاكم بأمر الله التي أدخل فيها رقص السماح على ضروب الموشحات وأوزانها وقام بالتأليف والإخراج وتلحين الأغاني.

 

لكن الذي أعطى المسرحية دفعة قوية هو يعقوب صنُّوع (1839 - 1912م) الصحفي والمؤلف المسرحي المصري، فقد ألف نحو 36 مسرحية، كتب معظمها بالعامية وتناول قضايا اجتماعية وسياسية قاوم بها الإنجليز وحمل خلالها على الخديوي. وتتابعت المسرحيات التي أعدَّت من أعمال غربية وحشدها أصحابها بكل ألوان الطرب والترويح.

 

 

القرن العشرون. ساعد المد الوطني المتزايد على تطوير الفنون والآداب عامة من منطلق الرغبة في المقاومة ومخاطبة الجماهير وتنويرها، فظهرت مسرحيات اجتماعية جادة منها مسرحية مصر الجديدة ومصر القديمة لفرح أنطون (1913م) وتأكد هذا الاتجاه على يدي محمد تيمور (1892 - 1921م) الذي ألف ثلاث مسرحيات منها العصفور في القفص وعبد الستار أفندي، وقد استطاع محمد تيمور بمسرحياته القليلة ومقالاته النقدية رغم عمره القصير أن يضع حجر الأساس للأدب المسرحي العربي الحديث. ومهد تيمور الطريق لظهور عدد من الكتاب أهمهم أحمد شوقي رائد المسرح الشعري وتوفيق الحكيم رائد المسرح النثري.

 

قدَّم أحمد شوقي (1868 - 1932م) مسرحيات مجنون ليلى؛ مصرع كليوباترة؛ قمبيز؛ علي بك الكبير وغيرها ووضع بهذا أسس المسرح الشعري العربي، وتبعه في ذلك النهج آخرون مثل عزيز أباظة، وأشهر أعماله: العبّاسة؛ قيس ولبنى، ثم عبد الرحمن الشرقاوي الذي قدّم الفتى مهران؛ الحسين ثائرًا وشهيدًا؛ جميلة؛ أحمد عرابي. ثم لحق بهم صلاح عبد الصبور بمسرحياته مسافر ليل؛ مأساة الحلاج؛ الأميرة تنتظر. وإذا كانت المسرحية الشعرية عند كل من شوقي وأباظة تقليدية الشكل قليلة الحظ من الدراما أو الصراع والحيوية المسرحية، فقد استخدم الشرقاوي الشعر الحر واتسمت مسرحياته بالحيوية. وبلغ المسرح الشعري درجة عالية من النضج الفني عند صلاح عبد الصبور.

 

أما توفيق الحكيم (1898 - 1989م) الذي تمثل مسرحيته أهل الكهف (1933م) البداية الحقيقية لنص مسرحي أدبي عربي، فقد ساهم في ترسيخ فن المسرحية بمسرحياته التي تواصلت على مدى نصف قرن. من هذه المسرحيات: شهر زاد؛ براكسا أو مشكلة الحكمة؛ الطعام لكل فم؛ السلطان الحائر؛ الصفقة؛ الورطة.

 

المسرح العربي الحديث. شهد المسرح العربي منذ الخمسينيات من القرن العشرين نهضة فنية قامت على أكتاف العديد من الكتاب مثل محمود تيمور ويوسف إدريس وسعد الدين وهبة ولطفي الخولي ونعمان عاشور ورشاد رشدي.

 

وتُبذل الآن جهود متواصلة للبحث عن شكل عربي للمسرحية المعاصرة، وإن كانت المسرحيات الفكاهية التي يقدِّمها عدد من مسارح القطاع الخاص بغرض تجاري تجتذب أعدادًا كبيرة من جمهور المسرح، ولا شك أنها ذات تأثير سلبي على النهضة المسرحية.

 

العناصر الدرامية في المسرحية العربية

العناصر الدرامية للمسرحية العربية باعتبارها نصاً أدبياً لا تختلف عن العناصر الدرامية للنص المسرحي الأوروبي. وهي الفكرة، والحبكة، والشخصية، والحوار. وتكاد تكون هذه العناصر لازمة في كل نص مسرحي مهما كان إطاره الفني باستثناء بعض الأطر التجريبية الحديثة التي قد تلغي واحداً أو أكثر من هذه العناصر. وتتأثر الأهداف النهائية للنص الدرامي بهذه العناصر وبالتركيز على بعضها دون الآخر. وتتمثل هذه الأهداف في الوصول إلى قيم جمالية وعاطفية وفكرية وأخلاقية.

 

الفكرة. الفكرة هي ما يريد المؤلف المسرحي إيصاله للمتلقي من مواقف المؤلف الجمالية والأخلاقية والعاطفية ومجمل تصوراته وإدراكه للكون والعالم والحياة والعلاقات الرابطة لكل ذلك. ويختلف أسلوب طرح الفكرة من كاتب إلى آخر ومن نص إلى غيره، فقد يطرح الكاتب الفكرة مكتملة من وجهة نظره محاولاً تعميمها وفرضها باعتبارها الحقيقة النهائية، وقد يطرح كاتب آخر أفكاره باعتبار أنها وجهات نظر قابلة للأخذ والرد، وقد يطرح ثالث قضايا عامة للنقاش مع المتلقي دون تحديد مسبق لوجهة النظر.

 

وقد كانت الفكرة المسيطرة على المسرحية العربية لدى روادها الأوائل هي فكرة المغزى الأخلاقي الداعي إلى الاستمساك بكريم القيم والتسابق إلى الفضائل والمكرمات بتزكية النفس على المستوى الفردي. وبرزت أيضاً فكرة البعث القومي العربي بالنظر إلى حاضر العرب غير المشرِّف ومحاولة تذكيرهم بمجدهم التليد بغية إيقاظ هممهم وشحذ إرادتهم للتخلص من صنوف الاستعمار المختلفة. ثم تطوّر أسلوب طرح الفكرة من الوعظي الخطابي المباشر الموجه للأفراد بغرض الإصلاح السلوكي إلى أسلوب التصدي لمواطن الفساد في المجتمع، وتعرية العناصر المنحرفة، والثورة على حراس الرذيلة. وقد بدأ هذا الاتجاه بعد زمن قليل من بداية المسرحية العربية عند الرائد الثالث للمسرحية العربية يعقوب صنوع، ثم وصل قمته في مرحلة المسرح الاجتماعي الواقعي في خمسينيات القرن العشرين وستينياته. ومن الأساليب التي برزت في طرح الأفكار أيضاً أسلوب توفيق الحكيم ـ الذي تبناه عن بعض المدارس المسرحية الأوروبية ـ في نقاش القيم والمبادئ والقناعات نقاشاً ذهنياً مطلقاً يتم في عقل الشخصية المسرحية وبالتالي في عقل المتلقي. وهنا تكون الفكرة عنصراً طاغياً على عناصر الحبكة والشخصية والحوار. ومنذ ستينيات القرن العشرين أخذت تسيطر على المسرحية العربية فكرة محاربة الاستبداد السياسي للحكام الطغاة الفاسدين، وأحياناً محاربة الاستعمار والإمبريالية عندما تتسع نظرة الكاتب لتشمل الحديث عن معاناة الإنسان أينما كان. ونظراً لبطش الحكام وجبروتهم فقد لجأ كثير من الكُتّاب إلى استلهام القصص الشعبي أو التاريخ الإسلامي أو العربي وتوظيفه توظيفاً رمزياً يحقق هدف تحريض الجماهير على الثورة ويجنِّب الكاتب بطش السلطات المستبدة القاهرة في معظم أقطار الوطن العربي وقتها. وفي بعض الأحيان لم ينج بعض الكتاب من شيء من صنوف هذا البطش.

 

ومع محاولات كُتّاب المسرحية العربية الكتابة في الأطر المسرحية الحديثة في أوروبا فقد برزت أفكار جديدة من قبيل التساؤل عن جدوى الوجود الإنساني مع الوعي بمرور الزمن وحتمية الموت، والاعتقاد بعبثية الحياة مع التكرار الميكانيكي لأحداث الحياة اليومية. وتلك الأفكار التي تنبني على النظر إلى الحركة داخل النفس الإنسانية وربطها بمظاهر الطبيعة والسلوك الاجتماعي الزائف في بعض الأحيان. وبصورة مجملة فإن الفكرة في المسرحية العربية هي الفكرة في كافة الأجناس الفنية للتعبير الإنساني بحسب الحقب السياسية والاجتماعية للعالم العربي.

 

الحبكة. الحبكة عنصر خفي من عناصر النص الدرامي، وهي مما يدرك عقلياً ولا يحس به كبقية العناصر. وهي عملية تخطيط وترتيب منظم يقصد المؤلف من خلالها إلى إحداث تأثير قوي على المتلقي يتمثَّل في الإدهاش وإثارة العواطف الإنسانية.

 

اشتملت المسرحية العربية في مختلف أطوارها وفي شتى الأطر التي كتبت فيها على عنصر الحبكة، وقويت هذه الحبكة وضعفت بحسب قدرات الكاتب؛ فقد حشد لها بعض الكُتَّاب بواعث الصراع الداخلي ومكامنه، واصطنعوا لها تأجيج العواطف أو همودها. وبهذا تجد الكاتب يقود المتلقي المندهش بتلاحق الأحداث ومقولات الأشخاص المبثوثة في ثنايا الحوار، والمضامين المتحركة المتدافعة في تطور تصاعدي متلاحق يبلغ به قمة العقدة المسرحية. وهو في كل ذلك قد أثار فيه لذة التطلع والترقب إلى نهاية المسرحية بعد أن مكَّنه من مداخل الشخصيات ومفاتيح الأحداث ليتيح له الدخول إلى عالمه الذي يرمي إلى تصويره وأهدافه التي يسعى إلى التبشير بها بعد أن يبدأ في حل العقدة رويداً رويدا.

 

وقد تحقق ذلك بدرجات متفاوتة في المسرحية العربية وبلغ مداه في مسرحيات الميلودراما. غير أن الأطر الحديثة للمسرحية العربية فيما عرف بالمسرح التجريبي المتبنية لبعض التجارب الأوروبية الحديثة قد ضعف فيها عنصر الحبكة بل وانعدم تماماً في بعض الأعمال.

 

الشخصية. لابد لكل نص من شخصيات تحمل سمات العالم الدرامي الذي يدور في ذهن المؤلف. ويتوقف تكوين الشخصيات على نوعية المسرحية ومنهج الكاتب في المعالجة، غير أن أقوى الشخصيات عادة في الأعمال الدرامية هي الواضحة الملامح والطباع والمميزات، والممثلة للأبعاد المرادة من توظيفها سواء أكانت طبيعية أو خرافية أو مصورة لحالات نفسية مقصورة لذاتها.

 

وقد أفلح بعض كُتّاب المسرحية العربية في تكوين شخصياتهم المسرحية فكانت متوازنة طوال المسرحية متحركة في انسجام مع الانطباع الأول عنها أخلاقياً ونفسياً، ما لم يقتض التطور الدرامي تغيُّرها. وعلى العكس تماماً فقد كوَّن بعضهم شخصيات مهتزة تتحرك بلا دوافع طبيعية وتتصرف في غير عفوية فتبدوا وكأنها شخصيات مصنوعة أرجوزية تتحرك بفعل الكاتب لا بتلقائيتها.

 

وفي الفترة التي سيطرت فيها مسرحية الميلودراما على التاليف المسرحي ا لعربي فقد برزت شخصيات البطل والبطلة والشرير والمهرِّج. وغالباً ما يكون البطل شخصية تاريخية مهيبة توافر لها التقدير العام بحكم السيرة التاريخية الناصعة، أو محباً نبيلاً يسمو في طهر ملائكي على دسائس ا لحساد الذين يمثلهم الشرير، وشجاعاً قوياً يصارع فيصرع الأهوال التي يسوقها الشرير في طريقه ويضحي بنفسه بطريقة مثيرة للعواطف ضارباً مثلاً رائعاً للمحِّب الوفي ومبشِّراً بانتصار الحب النبيل ولو بعد حين. أما الشرير الذي تدفعه الأثرة ويسوقه حب الذات وكره الخير والحسد والغيرة إلى تحقيق رغائبه محطماً كل شيء فإن الخيبة هي عاقبة رجائه ومنتهى سعيه.

 

ومن شخصيات المسرحية العربية شخصيات توفيق الحكيم في مسرحه الذهني، فقد كانت بعيدة عن الملامح الإنسانية الواقعية وإنما كانت رموزاً تجسم مفاهيم ذهنية خالصة.

 

وأبرز كُتَّاب الدراما الاجتماعية الواقعية الشخصية النمطية التي تمثل نماذج داخل المجتمع تعبِّر عن تناقضاته وصراعه الطبقي. وغالبًا ما لا تكون هناك شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، وإنما تتقاسم المجموعة كلها بطولة المسرحية، حيث يعمد المؤلف إلى إبراز ملامحها بوضوح شديد بما يعرض له من تفاصيل حياتها اليومية الراتبة بكل دقائقها العادية. وهذه الشخصيات إلى جانب تميزها أو فرديتها إلا أنها يمكن أن تكون اختزالاً حياً للإنسان في وضعية اجتماعية أو فكرية معينة.

 

أما في المسرحية العربية التجريبية والمكتوبة وفق بعض الأطر المسرحية الحديثة فقد نجد أشكالاً غريبة للشخصية المسرحية؛ فهي أحياناً تكون شبيهة بالدمى ذات الحركة الميكانيكية، أو هي تجسيد للمواقف الإنسانية بلا فردية ولا تحديد لهويات ثابتة كما في مسرح العبث واللامعقول.

 

الحوار. الحوار عنصر واضح في النص الدرامي؛ وهو بناء من الألفاظ والجمل والتراكيب والعبارات والأصوات المكونة للنص، ومن عمليات ترابطها وتقاطعها وتقابلها وتكرارها تتكون وحدة منسجمة تبلور مجمل رؤية الكاتب. وتتفاوت درجات جودة الحوار بتفاوت درجات قدرة الكاتب على إبراز التعبير المشحون بالصورة الدرامية، والمصوِّر لمواقف الشخصية وأبعادها النفسية.

 

والحوار أداة الكاتب الأساسية في الإفصاح عما يحسّ ويريد التعبير عنه للمتلقي في شكل الصدمة أو الإدهاش أو الإقناع والبرهنة. وبوساطة الحوار يدفع الكاتب نبرة الصراع الدرامي صعوداً أو هبوطاً، ويحدد ملامح الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والجسمانية.

 

وتراوحت لغة الحوار المسرحي العربي بين الشعر والنثر؛ فقد كانت المسرحيات الأولى التي كتبها الرواد الأوائل شعراً ركيكاً خلط أحياناً بالنثر المسجوع كما في بعض أعمال أبي خليل القباني، أو نثراً يميل إلى العامية المهلهلة واقحام الزجل فيه أو بعض النصوص الشعرية بلا مسوغ فني. ولم تبلغ لغة الحوار الشعري نصاعتها ورصانتها إلا في أعمال أحمد شوقي في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن العشرين؛ إذ توافرت لهذه اللغة ميزة القدرة التصويرية التي تسهم فنياً في البناء المسرحي العام بقدر ليس كبيراً جعل بعض النقاد يقولون إن نصيب مسرحيات شوقي من الشاعرية أوفر من نصيبها من قواعد البناء الدرامي. وبلغت لغة الحوار الشعري مستوى آخر من الجودة على أيدي شعراء التفعيلة ولاسيما في أعمال صلاح عبدالصبور الذي غالباً ما كان يستخدم الشعر لغة للحوار بين الشخصيات والنثر لغة للراوي في المسرحية. ولقد كان الشعر الجديد بحسب رأي بعض النقاد يحمل من الطاقات الفنية الجديدة ما يجعله وعاءً جيداً للحوار المسرحي؛ ذلك أن السطر الشعري في شعر التفعيلة قادر على أن يقدِّم جملة حوارية كاملة دون قطعها بسبب اكتمال وحدة البيت كما في الشعر الجاري على نظام البحر.

 

أما النثر باعتباره لغة للحوار فقد بدأ مع إحساس بعض الكُتّاب بالحاجة إليه للاقتراب بالنصوص المسرحية من الفهم والتفاعل الجماهيري العام بعد أن طغت لغة الشعر الجزلة الفخمة على الأعمال الكلاسيكية المؤلفة على نسق التراجيديا اليونانية. وقد بدأت كتابة المسرحية نثراً قبل ذلك إلا أنه كان عامية مبتذلة لا تليق بجلال الموضوعات التي بدأ طرحها كتاب الواقعية الاجتماعية. ومع هذه المرحلة بدأت محاولات ما عرف بتفصيح العامية واللغة الثالثة. ولقد كان توفيق الحكيم أحد المهمومين بهذه القضية. ويرى بعض النقاد أن لغة الحوار النثري لدى كُتاب الواقعية الاجتماعية كانت غنية بشاعرية جعلتها لغة موحية تفضي بالمتلقي إلى عالم من التأثر البالغ بتلك الحكمة المفعمة بالمعاني.

 

عاب بعض النقاد على بعض كُتّاب المسرحية العربية انطاق شخصيات من التاريخ البعيد بلغة عصرية، أو تحدث شخصيات عادية بلغة شعرية متينة النسج بما لا يناسب الأبعاد الأخرى لهذه الشخصيات. وردَّ عليهم آخرون بأنه لا غضاضة في ذلك؛ إذ ليس المراد هو محاكاة لغة عصر تاريخي بذاته، أو لغة شريحة اجتماعية معينة بقدر ما أن المراد هو إبراز أحداث تتلاحق وتتراكم مصورة صراعاً درامياً تسهم لغة الحوار بما فيها من إيحاءات وإيماءات ورموز في تأجيجه بحيث يأخذ بأنفاس المتلقي تحقيقاً لأهداف التشويق والإثارة.

 

والحوار في الأطر المسرحية الحديثة تختلف مهمته ولغته وشكله عما كان عليه في الأطر التقليدية؛ فهو مثلاً في المسرحية الملحمية إسقاط لا شعوري لعوامل توترية، أو منولوج داخلي ينقل كل تعقيدات العالم الداخلي للإنسان. وهو في مسرحية العبث تمتمات متقطعة وجمل مبتورة وتوتر وصمت وتداع، وقد أصابه التهشيم الذي أصاب كافة العناصر الدرامية في هذا اللون من المسرحية.

 

وبشكل عام فإن الحوار المسرحي قد تراوح بين النجاح والإخفاق في أداء مهمته داخل النص؛ فقد نجح أحياناً في تصوير الملامح الواضحة للشخصيات، ودفع الحوادث باتجاه التصاعد في توازن وتنظيم بلا قفزات ولا اندفاع، وفي اطلاق الصراع أو تقييده، وتأجيجه أو إهماده. وقد أخفق حيناً آخر؛ فكان جملاً باردة أو مكررة. أو كان استطراداً لا يقتضيه حدث ولا موقف. وشمل ذلك كافة الأطر المسرحية وكافة فترات تطور المسرحية العربية في كافة أقطار الوطن العربي التي عرفت التأليف المسرحي.

 

الأطر الفنية للمسرحية العربية

أخذ العرب المسرح عن أوروبا فكان كُتّاب المسرحية العربية مقلدين لرصفائهم الأوروبيين، ومتتبعين كل تطور يطرأ على هذا الفن محاولين نقله إلي المتلقي العربي. ولقد كانوا في ذلك صنفين: صنف حريص على التقيد التام بقواعد الإطار الفني المسرحي الذي يكتب فيه، وصنف آخر تقصر موهبته عن الحفاظ على الأسس الفنية للبناء المسرحي في شكل أو إطار مسرحي بعينه.

 

تداخلت حدود الأطر الفنية في العمل الواحد لدى كُتاب المسرحية العربية الأوائل؛ فكتب مارون النقاش المسرحية الجادة المعتمدة على النص الحواري في بناء فني مفكك أهمل كثيراً من قواعد البناء المسرحي بحسب رأي النقاد والذين عزوا ذلك إلى حداثة تجربة الكتابة المسرحية. وكتب أبو خليل القباني مسرحيات أقرب إلى الأوبريتات الغنائية التي تتخذ من حوادث قصة شعبية مناسبة لمواقف الغناء والرقص والانتشار. ولقد كانت هذه النصوص تفتقر إلى التماسك الفني، وتتسم بضعف في العناصر الدرامية المكونة للنص المسرحي مما ينم عن حرفية متواضعة في الكتابة المسرحية. وكتب يعقوب صنوع مسرحيات كوميدية انتقادية ذات طابع شعبي. وهو وإن تقدم على زميليه اقتراباً من أصول صنعة الكتابة المسرحية إلا أن أعمال الرواد الثلاثة يصعب تصنيفها بشكل دقيق ضمن أحد الأطر المسرحية السائدة وقتها في أوروبا بسبب صرامة التقيد بالقواعد الفنية لتلك الأطر.

 

مسرحية الميلودراما العربية. تقوم الميلودراما على تبني القضايا الاجتماعية الملتهبة وإبرازها والتعبير عنها تعبيراً واضحاً وملتزماً يصل في سهولة ويسر إلى المتلقي. وتنحاز مسرحية الميلودراما إلى الفضيلة فتنصرها، وتحارب الرذيلة فتضعفها وتهزمها في نهاية الأحداث، ويتعرض خلال ذلك الشرفاء والفضلاء إلى كثير من المآسي والمواقف المحزنة بسبب ما يحيكه الخبثاء والأشرار من دسائس ومؤامرات. ويحدث كل ذلك غالباً في إفراط ومبالغة، سواء في عنف الأحداث أو ملامح الشخصيات الخيرة منها والشريرة.

 

تبلور شكل المسرحية العربية ليصنف في إطار العمل الميلودرامي في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في مصر حيث لم تكن المسرحية تكتب بشكل يمكن تسجيله في بلد عربي غيرها. ومثل هذا الإطار كتاب منهم إسماعيل عاصم وعباس علام وفرح أنطون، وإن كانت معظم أعمالهم ليست ميلودراما محكمة الصنعة. ثم كان أن خطت مسرحية الميلودراما خطوة أكبر نحو إجادة الصنعة على أيدي محمد تيمور وتوفيق الحكيم. وقد حقق الكاتبان قواعد البناء الفني لمسرحية الميلودراما بشكل كامل في قضايا اجتماعية وسياسية متناثرة في مواقف من الأسى والفكاهة والإثارة البالغة بشخصيات البطل والبطلة والشرير والمهرج، أحداث تطوي سراً يفشى في لحظة بداية انحلال العقدة.

 

واستمرت كتابة المسرحية في إطار الميلودراما عند كُتّاب المسرحية العربية؛ فكتبها علي أحمد باكثير ومحمود تيمور وميخائيل رومان وآخرون. وجمعت بعض أعمالهم بين خصائص إطاري الميلودراما والدراما الواقعية مما مهد لظهور مسرحية الدراما.

 

مسرحية الدراما العربية. إن أهم ميزات مسرحية الدراما تتبع كل ما هو واقعي من قضايا الإنسان الاجتماعية والسياسية ومشكلات العمل والحريات والحقوق والعلاقات الأسرية وما إلى ذلك. وبذلك اقتربت المسرحية في لغتها من اللغة العادية اليومية، وفي شخوصها من أنماط مأخوذة من عمق الحياة المعاشة. وتهتم مسرحية الدراما بإثارة القضايا ومناقشتها أكثر مما تهتم بتقديم الحلول، وغالباً ما تكون ذات نهاية مفتوحة متروكة لأسئلة المتلقي وتصوراته. وتُكرَّس كل عناصر النص لإيهام المتلقي بصدق ما يجري من أحداث وواقعيته.

 

ومثل هذا الإطار الفني للكتابة المسرحية كتاب الواقعية الاجتماعية في مصر في أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن العشرين. واعتبر النقاد مسرحية الناس اللي تحت لنعمان عاشور أول مسرحية التزمت خط الواقعية الاجتماعية بدقة وصدق فني تام، ومثلت بالتالي نموذجاً جيداً لمسرح الدراما.

المسرحية الملحمية العربية. تقوم المسرحية الملحمية على عزل المتلقي عن النص؛ بحيث يستطيع أن يتلقاه بشكل ناقد لا متعاطفاً مع شخصياته متأثراً وجدانياً وشعورياً بأحداثه. ومن أهم مميزاتها كسر الإيهام بجعل المتلقي مشاركاً في إنتاج العمل. وتتضح ملامح المسرحية أكثر ما تتضح بعد إخراجها على خشبة المسرح. ويحفز الكاتب في المسرحية الملحمية المتلقي إلى إثارة الأسئلة عن العلاقات السياسية والاجتماعية وكافة ألوان العلاقات في مجتمعه. وعن إرادة الفرد في هذا المجتمع وقدرته وحدود طاقته. ويهدف الكاتب من ذلك إلى أن يتحول النقد وطرح الأسئلة إلى ممارسة دائمة لدى المتلقي مما يساعد على تربية أفراد قادرين على تغيير المجتمع.

 

ولما كانت المسرحية العربية مقتفية آثار المسرحية الأوروبية فقد بدأت المسرحية الملحمية العربية بترجمات لأعمال برنجت راند هذا الإطار في أوروبا. ثم قدمت بعض الأعمال العربية الخالصة في مصر في ستينيات القرن العشرين متأثرة ببعض قواعد شكلية للإطار الملحمي تأثراً يصعب معه إدراجها ضمن هذا الإطار الفني ولو أن كتابها أرادوا بها ذلك. ولم تلبث هذه التجارب أن نضجت فظهرت المسرحية الملحمية في أعمال ألفريد فرج مستوفية قواعد الإطار الفني الملحمي، وكذلك في مسرحية على جناح التبريزي وتابعه قفة لعلي سالم والتي قارنها النقاد بمسرحية بريخت السيد بانتيلا وتابعه ماتي.

 

والشاهد أن معظم الأعمال العربية التي يمكن تصنيفها داخل إطار المسرحية الملحمية أو الآخذة بشيء من ملامحها كانت مأخوذة من التراث الشعبي العربي المحكي في شكل من الأشكال الشبيهة بالمسرح. وقد ركز كتابها على استحضار الوقائع ذات الدلالات العصرية. وسيطرت المسرحية الملحمية على مسرح عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.

 

الأطر الفنية التجريبية للمسرحية العربية. في إطار البحث الدائب لكُتَّاب المسرحية العربية عن صيغة مناسبة للمسرحية العربية تستوعب تطلعات الفنان والمتلقي العربيين نشأ ما عرف بالمسرحية التجريبية. وكان الباعث على ذلك إلى جانب استيعاب المضامين الجديدة الرغبة في التأصيل للمسرحية والمسرح العربيين، وإيجاد إطار فني يكون أقدر على إحداث التأثير القوي السريع الذي تقتفيه الروح الجديدة للحياة العصرية؛ فكان أن نظر مؤلفو المسرحية العربية في آخر ما استجد في أوروبا فكتبوا المسرحية التعبيرية والتجريدية والعبثية ومسرحية اللامعقول بلمسات عربية تحت تأثير هاجس التأصيل الذي طغى في ذلك الوقت.

 

مصادر التأليف المسرحي العربي

كان التاريخ والقصص الشعبي أهم مصادر التأليف المسرحي العربي. ووفق هذه المصادر تم تصنيف المسرحية العربية إلى ثلاثة أنواع: مسرحية تاريخية؛ مسرحية تراثية؛ مسرحية شعرية.

 

المسرحية التاريخية. ويراد بها المسرحية التي يتخذ فيها التاريخ مصدراً للتأليف كاعتمادها على شخصية تاريخية أو حدث تاريخي أو زمان أو مكان أو كل ذلك معاً. وقد يتقيد الكاتب فيها بحقائق التاريخ فينقلها للمشاهد المعاصر عبر مشاهد تتوخى الصدق التاريخي، وقد لا يتقيد الكاتب بذلك فيتخذ من الشخصية التاريخية أو الحدث مدخلاً لمعالجات معينة تهدف إلى نقد واقع عصري أو دعوات ثورية ونحو ذلك. وقد اتجه الكاتب العربي منذ فجر محاولاته في الكتابة المسرحية إلى التاريخ العربي يستوحي منه المواقف القومية التي تدعو إلى الاعتزاز وتثير الحمية. ولم يكن الاتجاه للتاريخ العربي فحسب، بل اتجه بعض الكُتّاب إلى التاريخ الفرعوني والتركي القريب والتاريخ الكردي والأمازيغي في بلدان المغرب العربي.

وشغل هذا اللون من التأليف المسرحي حيزاً كبيراً في التراث الأدبي المسرحي على امتداد الوطن العربي وفي مختلف مراحل تاريخ المسرحية العربية. ويمثل هذا اللون من التأليف مسرحية المروءة والوفاء لخليل اليازجي (1876م)؛ السلطان صلاح الدين في مملكة أورشليم لفرح أنطون (1914م)؛ صقر قريش لمحمود تيمور (1956م)؛ السلطان الحائر لتوفيق الحكيم (1960م)؛ مأساة الحلاج لصلاح عبدالصبور (1966م)؛ ثأر الله بجزأيها الحسين ثائراً والحسين شهيداً؛ ميسلون للشاعر سليمان العيسى (1966م)؛ مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوس؛ المهرج لمحمد الماغوط (1973م). ويمثلها في المغرب العربي مسرحية الوليد بن عبدالملك لمحمد الحداد في بداية العشرينيات من القرن العشرين ومسرحية الملوك الثلاثة لأحمد الطيب العلج ومحمد مصطفى القباج.

المسرحية التراثية. في إطار البحث عن شكل مسرحي عربي أصيل قريب من وجدان المشاهد العربي دأب كتاب المسرحية العربية منذ نشأتها على استيحاء القصص الشعبي موضوعاً لمسرحياتهم؛ فقد كانت المحاولة الثانية لرائد الكتابة المسرحية العربية مارون النقاش وهي مسرحية أبو الحسن المغفل مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة. وكاد أبو خليل القباني الرائد الثاني لكتابة المسرحية أن يعتمد كلياً على القصص الشعبي في كتابة مسرحياته المأخوذة في معظمها من قصص ألف ليلة وليلة. وقد اعتمدت الموضوعات في هذ الفترة على ما يجد القبول لدى العامة من أحاديث الحب والخيانة والبطولة والشهامة. غير أن المسرحية التراثية قد لقيت دفعة تطويرية مع بروز اتجاهات جديدة في أساليب معالجة التراث وتوظيفه في خدمة أهداف عصرية. واستخلاص مواقف الثورة والرفض في التراث بدلاً عن مواقف الحب والخيانة.

 

ولقي هذا الاتجاه اهتماماً كبيراً لدى كُتَّاب المسرحية في مختلف الدول العربية، ووُظف القصص الشعبي في خدمة الأهداف السياسية المتمثلة في البحث عن ديمقراطية الحكم وحقوق الإنسان ومقاومة استبداد الحكام والدفاع عن طبقات المجتمع الدنيا. فظهرت مسرحيات مثل مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوس في سوريا، ونبتة حبيبتي للشاعر هاشم صديق في السودان، وبغداد الأزل بين الجد والهزل للكاتب العراقي قاسم محمد.

 

ويمثل الاهتمام بالتراث الشعبي مصدراً للتأليف المسرحي ومخرجاً عن التبعية الثقافية للغرب في المغرب العربي كُتاب مسرحيون منهم على سبيل المثال عبدالكريم برشيد وأحمد الطيب العلج والطيب الصديقي.

 

المسرحية الشعرية. لما كان العرب قد أخذوا المسرح عن أوروبا فقد كتبوا المسرحية شعراً، كما كانت هنالك منذ التراجيديا اليونانية حتى ظهور الدراما الواقعية في القرن التاسع عشر. ويعتبر النقاد الشاعر أحمد شوقي الرائد الذي أخرج المسرحية الشعرية من ركاكة أشعار الرواد الأوائل إلى مسرحية الشعر الرصين بما امتلكه من موهبة مهولة. وتأثر به وتبعه في ذلك الشاعر عزيز أباظة، ثم علي أحمد باكثير. وقد كتب شوقي مسرحياته شعراً عمودياً حافظ فيه على وحدة البيت الشعري. وسجِّل النقاد لعلي أحمد باكثير أولى المحاولات للخروج عن وحدة البيت. وطور علي أحمد باكثير هذا النهج حتى استخدم الشعر المرسل المتحرر من قيود الوزن البحري والمعروف بشعر التفعيلة.

 

ثم كان أن برز في كتابة المسرحية الشعرية علامة مضيئة هو الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي الذي خطا خطوات واسعة في كتابة الدراما الشعرية بما استخدمه من لغة واضحة الدلالة، وصور شعرية تساند الأفكار في بناء درامي متماسك. غير أن الخطاب في مسرحيات الشرقاوي كان أقرب للمباشرة منه إلى الرمز، وتمثّل ذلك في مسرحية الفتى مهران، ومسرحية ثأر الله - الحسين ثائراً - الحسين شهيداً.

 

وحققت المسرحية الشعرية درجة عالية من النضوج على يد الشاعر صلاح عبدالصبور؛ لما امتلكه الشاعر من رؤية جمالية خاصة، نهلت من المسرح العالمي في وعي وبصيرة مع ثقافة ثرة ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي العربي أتاحت له استيحاء مواقف الدراما الثورية. كل ذلك اتحد بموهبة شعرية فذة أنتجت أعمالاً مسرحية أجمع النقاد على روعتها واعتبارها علامة فارقة في تاريخ المسرحية الشعرية، بل المسرحية العربية بمختلف مصادرها. وقد وصلت أعماله المسرحية من مثل مأساة الحلاج ومسافر ليل بالتأليف المسرحي الشعري إلى مرحلة المسرحية الشعرية الدرامية التي يختلط فيها الشعر بالدراما وتندمج فيها غنائية الشعر وصوره بالبنية الدرامية للشخصيات والمواقف بما يخرج بناءً مسرحياً منسجماً.

 

وكان بعد ذلك أن كتب هذا اللون من المسرحية شعراء كثيرون على امتداد الوطن العربي منهم الشاعر فاروق جويدة حيث كتب الوزير العاشق؛ دماء على ستار الكعبة، وكتب محمد الفيتوري مسرحيته سولارا، وكتب محمد عناني مسرحيته الغربان وشعراء آخرون.

تاريخ المسرحية العربية

 

تاريخ المسرحية في المشرق العربي يجمع دارسو تاريخ المسرح العربي على أن أول نص وضع ليكون مسرحية تُمثَّل على مسرح هو نص مسرحية البخيل لمارون النقاش (1817- 1855م). وقد كتب مارون هذه المسرحية عام 1847م ومثَّلها أفراد أسرته في مسرح أقامه أمام بيته. وذهب بعض النقاد إلى أنه ترجم هذه المسرحية أو اقتبسها من مسرحية البخيل لموليير. ويرى بعضهم الآخر أنه ألفها تأليفاً كاملاً بعد أن اطلع على مسرحية موليير فتردد صداها في مسرحيته. وكتبت المسرحية بشعر عربي أقرب إلى الركاكة والاختلال العروضي منه إلى الشعر الرصين، ولم تخلُ اللغة من استخدام للعامية اللبنانية.

 

وواصل مارون النقاش كتابة المسرحية فكتب في عام 1849م مسرحيته الثانية أبو الحسن المغفل، وهي مستوحاة من إحدى حكايات ألف ليلة وليلة. وفي عام 1851م كتب مسرحيته الثالثة السليط الحسود وهي ملهاة أخلاقية. ورغم أن رسم الشخصيات وتطويرها تبعاً لنمو العمل المسرحي كان جيداً إلا أن الكاتب كان يغفل بعض القواعد التي ينبغي اتباعها في فنية الكتابة المسرحية.

 

وظهر أبو خليل القباني ثاني كُتَّاب المسرحية العربية في دمشق (1833 - 1903م). وكان الرجل ذا معرفة بأصول الموسيقى والغناء العربي؛ فكتب مسرحياته لتغنى على المسرح، فكان بذلك رائد المسرحية الغنائية التي ناسبت الذوق العربي في وقتها. وقد لجأ القباني إلى الموروث القصصي في ألف ليلة وليلة يصوغ منه مسرحياته ويحشد فيها المواقف الغنائية. ويعتبره بعض النقاد رائداً للتأصيل في المسرحية العربية والابتعاد بها عن التأثر بالمسرح الغربي الذي صبغ مسرحيات مارون النقاش. ومن مسرحيات القباني والتي كانت تهدف إلى التسلية والامتاع ولم تخلُ من اتجاهات وعظية مسرحيات الأمير محمود نجل شاه العجم؛ ناكر الجميل؛ هارون الرشيد مع أنس الجليس؛ هارون الرشيد مع الأمير غانم؛ قوت القلوب.

 

أما ثالث رواد المسرحية العربية فكان يعقوب صنوع (1839- 1912م) المؤلف المسرحي المصري والصحفي الذي اشتهر بأبي نظارة. ويرى النقاد أن يعقوب صنوع قد خطا بالمسرحية العربية خطوة جبارة خلصتها من فكرة الهدف الأخلاقي الطاغي على مجمل الأحداث، ووضعتها في إطار العمل الواقعي الاجتماعي الناقد المتصدي لقضايا الظلم الاجتماعي. وقد هاجم يعقوب صنوع في مسرحياته عقدة التشبه بالأوروبيين التي استشرت بين أبناء الطبقتين العليا والمتوسطة، وهاجم الجهل والجمود، كما هاجم طبقة الإداريين المرتشين. وكانت اللغة العامية المصرية التي يتحدثها الناس في حياتهم اليومية هي لغة مسرحيات يعقوب صنوع. ويذكر دارسو الأدب المسرحي العربي أن يعقوب صنوع قد ألّف 32 مسرحية تراوحت بين ذات الفصل الواحد وذات الفصول الخمسة. ومن أشهر مسرحياته الضرتان؛ العليل؛ حلوان؛ الأميرة الإسكندرانية؛ موليير مصر وما يقاسيه.

 

وفي بداية القرن العشرين وفي مصر على وجه التحديد كتبت مسرحيات مصرية خالصة صادقة الانتماء إلى الواقع المصري. وقد اهتمت هذه المسرحيات بمناقشة مشكلات اجتماعية فبشرت بقدوم المسرحية العربية الاجتماعية المؤلفة تأليفاً خالصاً بالعربية. وقد صاحب هذا الانتقال عناية برسم الشخصيات والبناء الفني للمسرحية. ومن ذلك مسرحيات فرح أنطون مصر الجديدة ومصر القديمة (1913م)؛ صلاح الدين في مملكة أورشليم (1914م)؛ بنات الشوارع وبنات الخدود (1913م). ومسرحيات محمد تيمور عبدالستار أفندي (1918م)؛ العشرة الطيبة (1920م)؛ الهاوية (1921م)، وبعض المسرحيات لتوفيق الحكيم.

 

ثم كانت مسرحيات أحمد شوقي الشعربية علامة بارزة في تاريخ المسرح العربي بما أحدثته من نقلة هائلة للمسرحية الشعرية. وقد عاد أحمد شوقي لكتابة المسرحية بعد انقطاع طويل منذ أن كتب مسرحيته الأولى علي بك الكبير (1893م) وهو لا يزال طالباً في فرنسا. عاد فكتب مسرحيته مصرع كيلوباترا 1927م. ثم كتب ما بين عامي 1927 و1932م مسرحيات مجنون ليلى؛ قمبيز؛ عنترة، وأعاد كتابة أميرة الأندلس. وقد دارت كل هذه المسرحيات في فلك التاريخ؛ فكتب مصرع كيلوباترا وقمبيز من التاريخ الفرعوني. ومجنون ليلى وعنترة من التاريخ العربي. وعلي بك الكبير من التاريخ التركي. ويرى كثير من النقاد أن مسرحيات شوقي لها نصيب وافر في الشاعرية انتقص من نصيبها في حرفية التأليف المسرحي. ويقر هؤلاء النقاد بأن هذه المسرحيات قد وضعت اللبنة الأولى لاستخدام الشعر الرصين لغة للمسرحية العربية، وبقيت مناراً اهتدى به جملة من الشعراء في التأليف المسرحي الشعري. وأبرز هؤلاء الشعراء كان عزيز أباظة، ثم علي أحمد باكثير الشاعر الحضرمي الأصل المصري الجنسية.

 

ولئن كان شوقي في هذه الفترة علم التأليف المسرحي الشعري فقد ظهر توفيق الحكيم علماً في التأليف المسرحي النثري أكثر نضجاً وأوضح رؤية عما كانت عليه مسرحياته في بداية العشرينيات. فكتب في هذه الفترة وحتى النصف الأول من الخمسينيات مسرحياته المسماة مسرح المجتمع والمجموعة الأخرى المسماة المسرح الذهني. وقد ركّز في مسرحياته الاجتماعية على المشكلات والقضايا التي كان يعاني منها المجتمع المصري يومها. وأما مسرحياته الذهنية فكانت تعالج موضوعات فكرية فلسفية تقوم على حوار يُعنى بالأفكار لا الشخصيات في لغة فصيحة قريبة من العامية.

 

انتجت ثورة 1952م جيلاً جديداً من الكُتَاب المسرحيين كتب في قضايا تعني شعبهم بصورة مباشرة مقدمين شخصيات مصرية صميمة. وغالباً ما كانت لغتهم هي العامية المصرية. ويجمع النقاد على أن مسرحية الناس اللي تحت لنعمان عاشور التي عرضت في 1956م تعتبر بداية مرحلة جديدة في تاريخ التأليف المسرحي العربي؛ إذ إنها استبدلت باللغة الفصيحة اللغة العامية وبالحوار الذهني الخالص الحوار الواقعي العفوي، وبالشخصيات المستدعاة من متحف التاريخ شخصيات عادية مما يصادفه الناس في الطريق العام، وبالعقدة الدرامية التقليدية المشكلة الاجتماعية المأخوذة مباشرة من ظروف الحياة العادية لعامة الناس. وعلى أيدي هذا الجيل عبرت المسرحية من المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلة الواقعية. وكان من رواد هذه المرحلة إلى جانب نعمان عاشور كل من سعد الدين وهبة وألفريد فرج ويوسف إدريس ورشاد رشدي ولطفي الخولي وآخرون.

 

برز في التأليف المسرحي في الستينيات اتجاه جديد اتخذ من شعر التفعيلة لغة للتأليف المسرحي، ومن موضوعات الثورة والرفض أساساً للمغزى والفكرة المسرحية. ومثَّل هذا الاتجاه الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والشاعر صلاح عبدالصبور. ومن ملامح هذا الاتجاه في التأليف المسرحي التحام الصياغة الشعرية بالبناء الدرامي للنص. ويعتبر بعض النقاد مسرحيات صلاح عبدالصبور مرحلة بذاتها في تاريخ المسرحية العربية، وذلك لما تمثَّل في هذه المسرحيات من قدرة فائقة في التغلب على إشكال المزاوجة بين الدراما والشعر. وإشكال الصراع حول موسيقى الشعر بين أنصار الشعر العمودي وأنصار شعر التفعيلة. حيث قدم من خلال هذا الشكل ما اصطلح على تسميته بالمسرحية المشكلة والمسرحية ذات الفصل الواحد والمسرحية متعددة النهايات والمسرحية المستمدة من التاريخ والمستمدة من الواقع على حد سواء. ومن أعلام الكتابة المسرحية في هذا الشكل سليمان العيسى وفاروق جويدة وغيرهما.

 

أعقب هذه الفترة في تاريخ المسرحية العربية مرحلة التأثر المباشر بألوان التأليف المسرحي الأوروبي فظهرت المسرحية الملحمية مثل مسرحية لومومبا لروؤف سعد، و آه يا ليل يا قمر لنجيب سرور و بلدي يا بلدي لرشاد رشدي. ثم ظهرت المسرحية العبثية ومسرحية اللامعقول ومثَّل ذلك مسرحيات يا طالع الشجرة لتوفيق الحكيم (1962م)، و الفرافير ليوسف إدريس (1964م)، و المهزلة الأرضية 1966م، و الوافد (1966م)، و الخطاب (1967م) لمخائيل رومان. وقد بدأت هذه المسرحيات بترجمات للرواد الأوروبيين لهذه المدارس من أمثال بريخت في المسرح الملحمي، وألبير كامو وبيكيت ويونسكو في مسرح العبث واللامعقول. وقد أثارت مسرحيات العبث واللامعقول جدلاً واسعاً بين نقاد المسرحية العربية بين مؤيد لاتجاه التقليد هذا باعتباره يمثِّل إثراءً وصقلاً للمسرحية العربية، وبين معارض يرى أن هذه ظواهر وإفرازات للحضارة الغربية غير معني بها المسرح خارج هذه الحضارة، ولا سيما المسرح العربي المعني بمشكلات مجتمع مختلف يقوم على أسس جماعية متماسكة لا فردية كالتي تفرز مثل هذه الظواهر في المجتمع الأوروبي.

 

والمسرحية العربية اليوم في غالبها فكاهية تكتب لتعرض على مسارح تجارية تهدف إلى جذب الجمهور عن طريق الإضحاك المبتذل القائم على النكتة اللفظية أو الحركات المبالغ فيها والخارجة عن المألوف أو الإشارات الجارحة للحياء أحياناً. ولذلك فإن هذه المسرحيات في معظمها تعاني من تفكك البناء الدرامي وسطحية المعالجة وضعف بناء الشخصيات. ويحاول الكُتّاب في هذه المسرحيات أن يبرزوا أهدافاً أخلاقية سامية وأن يتبنوا قيماً نبيلة في محاولة لمعادلة الإسفاف الذي يريده الجمهور حسب زعمهم. غير أن ذلك يبدو مقسوراً قسراً على البناء الدرامي، وغالباً ما يتم في خطابية ومباشرة. وبطبيعة الحال لا تخلو ساحة الكتابة المسرحية الحالية من أعمال كوميدية هادفة تتوافر لها عناصر النضج الفني، ولكنها قليلة نسبياً. كما أنه لا تزال تكتب المسرحية التجريبية التي تتمثل المدارس المسرحية العالمية الحديثة وتُقدَّم في مسارح خاصة بعرض هذه الأعمال كمسارح الجمعيات المسرحية والمسارح الأكاديمية. ولا يزال هناك كُتَّاب مهتمون بالبحث عن شكل المسرحية العربية المثالية.

 

 

تاريخ المسرحية في المغرب العربي. يشير دارسو المسرح العربي إلى أن المغرب العربي قد عرف المسرحية العربية بعد نزوح فرقة سليمان القرداحي من مصر إلى تونس في عام 1908م وإقامتها هناك. وقد زارت الفرقة الجزائر ولم تصل إلى المغرب الأقصى بسبب الوضع السياسي فيه آنذاك. وقد أعقبت زيارة فرقة القرداحي زيارات فرق أخرى كفرقة سلامة حجازي.

 

وأشبهت بداية المسرحية العربية في المغرب بدايتها في المشرق؛ إذ إن كُتّاب المسرحية في المغرب احتذوا خطوات المشرقيين في الترجمة والاقتباس من المسرح الأوروبي، ولاسيما المسرح الفرنسي بسبب الحماية التي فرضتها فرنسا على بلدان المغرب العربي وعملت فيها على نشر لغتها وتركيزها. وقد تركزت الترجمة والاقتباس على مسرح موليير على وجه الخصوص لتميز شخوصه بطباعها البشرية التي يمكن نقلها إلى مختلف البيئات.

 

ومن ناحية أخرى فإن تركيز الاحتلال الفرنسي على طمس الهوية العربية لشعوب المغرب العربي قد ولَّد بالمقابل رد فعل قوي للمحافظة على الهوية العربية تمثَّل في مجال الكتابة المسرحية في الوعي المبكر بأهمية التأصيل في النص المسرحي، بل وفي وضع الخشبة المسرحية نفسها، ليخرج كل ذلك عن دائرة تقليد التراث المسرحي الأوروبي والالتزام بقواعده إلى ما يخدم فكرة الحفاظ على الهوية الثقافية العربية. وتواصل هذا الاتجاه إلى أن بلغ نظرية متكاملة لدى الكاتب المسرحي المغربي عبدالكريم برشيد فيما سماه الفن الاحتفالي بدلاً عن العرض المسرحي. ويسبِّب ذلك بأن كلمة عرض متداولة في سوق التجارة، وهي تعني وجود بضاعة تعرض على مستهلك نسميه جمهوراً انحصر دوره في دفع ثمن التذكرة والتصفيق؛ ولذا فهو يرفضها من واقع هذا الابتذال.

 

ومن أبرز كُتّاب المسرحية في بلدان المغرب العربي أحمد الطيب العلج والطيب الصديقي وعبدالكريم برشيد وكاتب ياسين وعلولة وآسيا جبار وآخرون.

 

 

تعريف متكامل للمَسْرَح

 

شكل من أشكال الفنون يؤدى أمام المشاهدين، يشمل كل أنواع التسلية من السيرك إلى المسرحيات. وهناك تعريف تقليدي للمسرح هو أنه شكل من أشكال الفن يترجم فيه الممثلون نصًّا مكتوبًا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح. يقوم الممثلون، عادة بمساعدة المخرج على ترجمة شخصيات ومواقف النص التي ابتدعها المؤلف.

 

عادة ما يكون الحدث المسرحي الناجح عملاً مشوقًا لكل من المشاهد والممثل والفني، بغض النظر عن مكان عرضها: مسرحًا محترفًا أو مسرحًا مدرسيًّا أو مجرد مساحة أقيمت مؤقتا لهذا الغرض. وتندرج العروض من التسلية الخفيفة، مثل العروض الموسيقية والكوميديا، إلى تلك التي تبحث في مواضيع سياسية وفلسفية جادة.

 

وليس المسرح كالمسرحية بالرغم من أن الكلمتين تُستخدمان عادة وكأنهما تحملان المعنى نفسه، ذلك لأن المسرحية تشير إلى الجانب الأدبي من العرض؛ أي النص ذاته. وعلاقة المسرح بالمسرحية علاقة العام بالخاص، أو بمعنى آخر: المسرح شكل فني عام، أحد موضوعاته أو عناصره النص الأدبي (المسرحية).

 ويعتقد بعض النقاد أن النص لا يصبح مسرحية إلا بعد تقديمه على خشبة المسرح وأمام الجمهور. ويقول آخرون: إن النص ليس سوى مخطط يستخدمه المخرج والفنانون الآخرون كأساس للعرض.

 

والعرض المسرحي من أكثر الفنون تعقيدًا؛ لأنه يتطلب العديد من الفنانين لأدائه. ومن بين هؤلاء المتخصصين: المؤلف والممثلون والمخرج ومصممو الديكور والأزياء والإضاءة ومختلف أنواع الفنيين. كما تتطلب بعض العروض الأخرى مصممي رقصات وموسيقيين وملحنين. ويُسمى المسرح أحيانًا الفن المختلط؛ لأنه يجمع بين النص والجو الذي يبتكره مصممو الديكور والإلقاء والحركات التي يقوم بها الممثلون.

 

كان الكاتب المسرحي في عهد المسرح الأول يقوم بجميع الأعمال الفنية مثل كتابة النص والتمثيل والإخراج، وبالتدريج أصبح هناك مختصون. وبرزت فنون المسرح العديدة، واكتسب كلٌّ من الممثل وكاتب النص شهرة في البداية بسبب أن الواحد منهما يعتمد على الآخر في إخراج فنهما إلى حيز الوجود.

 

وفي المسرح الحديث، اعتاد المخرج على مواءمة جميع خصائص العرض من تصميم الديكور إلى تصميم الأزياء والإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية والرقص. وربما كان أهم عمل للمخرج هو قيادة الممثلين في عملية إبداعهم، ومساعدتهم على أداء أدوارهم.

 

 

 

بناء المسرح الحديث

 

الصالة. هي الجزء الذي يجلس فيه المشاهدون خلال العرض. وبشكل عام، تحتوي الصالة على مرافق أخرى مثل شباك التذاكر والمداخل والمخارج وأماكن الاستراحة والعرض وتناول المرطبات.

 

تسمح الصالة المصممة تصميمًا جيدًا للجمهور بالمشاهدة والاستماع بسهولة، كما تسمح لهم بالدخول والخروج من أماكنهم بيسر. ويكون داخلها مزينًا بصور جميلة ولكن ليس لدرجة تشغل المشاهدين عن التركيز على العرض على خشبة المسرح. ويتراوح حجم الصالات بين الصغير والكبير؛ كما أنها تختلف في مرافقها الأساسية. وتكون مقاعد الصالة جميعها في طابق واحد أو في الطابق الرئيسي أو في واحدة أو أكثر من الشرفات الداخلية. وكانت الصالات القديمة تحتوي على مقصورات خاصة قريبة جدًا من خشبة المسرح. أما في المسرح الحديث فيتقاسم الممثلون والمشاهدون نفس الحيز في الصالة.

 

يتغير ترتيب مقاعد المشاهدين في العديد من المسارح من عرض لآخر. وفي حالات معينة يُطلب من الجمهور تغيير أماكنهم أثناء العرض. وتُسمّى العروض التي تتطلب تغيير ترتيب مقاعد الجمهور أو تحتم على الممثلين التنقل بين المشاهدين في بريطانيا بعروض البرومينيد.

 

 

خشبة المسرح. هناك أربعة أنواع رئيسية من خشبة المسرح الحديث: 1- خشبة المسرح الوجاهية 2- خشبة المسرح المفتوحة، وتسمى أيضًا خشبة المسرح الناتئة 3- خشبة المسرح المدوَّرة 4- خشبة المسرح المرن. وتوجد كل من هذه الأنواع نوعًا معينًا من العلاقة بين الممثلين والمشاهدين ويتطلب كل منها ترتيبًا من الإخراج.

 

خشبة المسرح الوجاهية هي الأكثر شيوعًا ومصممة لتشاهد من الأمام فقط، وتسمى في بعض الأحيان إطار الصورة، لأن المساحة التي يرى المشاهدون الأحداث من خلالها تشبه إطارًا للديكور وتحركات الممثلين؛ كما أن لها تسمية ثالثة وهي القوس الوجاهي. ويحتوي هذا النوع من خشبة المسرح على مساحة في مقدمته تفصل مقاعد الجمهور عن تلك التي خلف الإطار. ويمكن للموسيقيين الجلوس في هذا الحيز دون حجب رؤية مكان العرض عن المشاهدين.

 

 

خشبة المسرح المفتوح تحيط صالة المشاهدين من ثلاث جهات. ويسمح هذا النوع من المسرح ببناء علاقة قوية بين المشاهدين والممثلين، غير أن محدوديته تأتي من عدم قدرته على استخدام قطع الديكور الكبيرة إلا في جزئه الخلفي. 

والعادة أن يتم العرض خلف القوس، غير أنه قد يتم في مقدمة خشبة المسرح كذلك. ويجلس المشاهدون في الظلام بينما يكون الجانب الآخر من خشبة المسرح خلف القوس مضاءً إضاءة جيدة.

 

ويحتوي المسرح الوجاهي على ستارة تُستخدم لحجب خشبة المسرح أو الكشف عنها. ويمكن إغلاق الستارة حتى يتسنى للعاملين تغيير الديكور أو للإشارة إلى مرور الوقت أو تغيير المشاهد في النص المكتوب. وفي الوقت الحاضر، بدأت عملية تعتيم الأضواء تُستخدم بدلاً من الستارة. ويمكن أن يستخدم الديكور ثلاثي الأبعاد بنجاح كبير على مثل هذه الخشبة. ويدخل الممثلون المسرح ويخرجون من خلال فتحات في الديكور أو من خلال الأجنحة الموجودة على جانبي المسرح.

 

خشبات المسارح المفتوحة لمعظمها مقاعد حول ثلاثة جوانب من المنصة التي تمتد إلى الصالة. ويختلف حجم وشكل المنصة بشكل كبير من صالة إلى أخرى. والعروض التي تقدم على مثل هذه المسارح يجب أن تنفذ بعناية حتى تتم رؤية جميع عناصر العرض من الجوانب الثلاثة في نفس الوقت، على سبيل المثال، يجب ألاّ تستخدم قطع الديكور الكبيرة، إلا في عمق المسرح، حتى لا تحجب رؤية العرض عن المشاهدين.

 

 

المسرح المدور مساحة يحيط بها المشاهدون من أربع جهات. ويجب على الممثلين والممثلات تقديم عروضهم بشكل يسمح لجميع المشاهدين برؤيتهم وسماعهم بوضوح. كما يجب أن تكون مجسمات المناظر الطبيعية منخفضة حي لا تحجب نظر أي من المشاهدين. 

في خشبة المسرح المدوّر، يجلس الجمهور المشاهد على جوانب المنصة الأربعة. وتحتوي جميع المسارح من هذا النوع على عدد محدد من المقاعد. وتكون المنصة المستعملة في المسرح المدوّر منخفضة تسمح للمشاهد برؤية كل ما يجري في دائرة الحدث على المسرح. ودائمًا ما توضع في نهاية الممشى أو خلف المشاهدين. ويتم تغيير المناظر في الظلام أو على مرأى من المشاهدين. ويدخل الممثلون إلى المسرح المدوّر من خلال الصالة. ويجب أن يكون تمثيلهم موجهًا إلى جميع الجهات.

 

في المسرح المرن، يتم تغيير الأمكنة المخصصة للعرض وللمشاهدين حتى يتناسب مع كل عرض. ومثل هذا التكيف يسمح للمخرج بحرية اختيار نوع العلاقة المناسبة بين العرض والمشاهدين. تستوعب معظم المسارح المرنة عددًا صغيرًا من المشاهدين وليس مستغربًا أن تكون خشبة المسرح المرن أكبر من صالة المشاهدين.

 

تؤدى العديد من العروض اليوم، كما كان الوضع في الماضي، في أماكن مستحدثة؛ أي أمكنة لم تخصص أصلاً للعرض المسرحي. ويمكن للمشاهدين الجلوس أو الوقوف في مثل هذه الأمكنة، كما يفعلون في المسارح ذات الخشبة المرنة. إن الشيء المشوق بشأن مسارح اليوم هو تنوع الأمكنة المخصصة للممثلين والمشاهدين.

 

 

مساحة خلف الكواليس. يمكن أن يحتوي المسرح المجهز تجهيزًا جيدًا على ورشة لصنع الملابس، والديكور، وغرف ملابس، وتدريبات ومقصورات إضاءة وصوت ومستودعات ملابس وديكور وغرفة خضراء لأعضاء هيئة المسرح. وتعمل معظم مسارح الهواة في أمكنة محدودة. تملك الفرق الكبيرة مساحات عمل خلف المسرح في نفس المبنى. أما الفرق الصغيرة فتكون ورش عملها في بنايات أخرى.

 

 

المُنْتِج

تبدأ عملية إنتاج العرض بالمنتج الذي يمكن أن يكون شخصًا واحدًا أو عدة أشخاص أو فرقة مسرحية. والمنتج هو المسؤول الرئيسي عن العرض بشكل كامل. ومن بين واجباته واحدة أو أكثر مما يلي: 1- الحصول على النص 2- تدبير الأموال اللازمة للعرض 3- الحصول على المسرح 4- التعاقد مع الفريق الفني 5-مراقبة الشؤون المالية.

 

 

الحصول على النص. نقطة البداية بالنسبة لجميع العروض المسرحية، إن كانت محترفة أم لا، هو الحصول على مسرحية مكتوبة. يحصل المنتج بعد الاتفاق مع المؤلف على عقد يحدد حقوق الإنتاج الكاملة لمدة معينة من الزمن، والمبلغ الذي يتقاضاه المؤلِّف والنسبة المئوية من الأرباح ... إلخ. كما يحدد العقد مدى تحكم المنتج في نص المسرحية. على سبيل المثال، يمكن أن يحدد العقد وجود المؤلِّف للمشورة واحتمال إعادة كتابة بعض الفقرات أثناء فترة التدريبات.

 

 

تدبير الأموال اللازمة للعرض. تعتبر خطوة تدبير الأموال لإنتاج مسرحية أو عرض موسيقي من أصعب مهمات المنتج؛ فقد أصبحت كلفة إنتاج العروض المسرحية باهظة وهي تتجه للارتفاع بشكل مُطّرِد. فإنتاج عرض مسرحية صغيرة ذات ديكور ثابت، على مسارح برودواي في نيويورك، على سبيل المثال، قد يكلِّف مئات الآلاف من الدولارات الأمريكية. كما تكلف العروض الموسيقية أكثر من مليون دولار أمريكي على نفس المسارح. لهذا لا يجرؤ إلا القليل على استثمار أمواله في هذه العروض؛ وعادة ما يبحث معظم المنتجين عن تمويل مثل هذه العروض من أناس عديدين أو مجموعات أو مؤسسات تجارية.

 

 

الحصول على المسرح. يمكن أن يكوِّن المنتج فرقة مسرحية تملك مسرحها الخاص بها. أما إذا كان الأمر غير ذلك، فيتعين على المنتج العثور على مسرح مناسب للعروض والتدريبات.

 

كانت العادة في الماضي أن العروض التي كانت تستهدف مسارح لندن ونيويورك تعرض أولاً في مدن أخرى قبل الافتتاح الرسمي ليلة العرض الأولى. ويتولى المنتج في هذه المرحلة تدبير وسائل النقل وأماكن الإقامة والمسرح في المدينة التي تستضيف العرض أو العروض التجريبية. والهدف الرئيسي من وراء العروض التجريبية هو استطلاع رأي المشاهدين كمؤشر لتحسين العرض قبل ليلة الافتتاح. غير أن العروض التجريبية نادرة اليوم بسبب التكاليف الباهظة. وبدلاً من ذلك، فقد أصبح من المستحسن تقديم عروض تجريبية على نفس المسرح وتكون أسعار تذاكر هذه العروض مخفَّضة.

 

 

التعاقد مع الفريق الفني. يبدأ التعاقد حالما يتم تأمين الأموال اللازمة للعرض أو ربما قبل ذلك. فربما حاول المنتج الحصول على التزام من أحد المخرجين أو الممثلين ليساعده مثل هذا الالتزام على جذب المستثمرين. وبعد الحصول على الأموال المطلوبة، يبدأ المنتج اختيار الأشخاص وتوقيع العقود معهم.

 

يجب على المنتج أن يتعامل مع نقابات العمال التي تمثل مجموعات المتعاقدين المختلفة. ولا نعني بهؤلاء المتعاقدين المُخْرِج والممثلين والمصممين فقط، ولكن أيضاً العمال والموسيقيين والراقصين وعمال شباك التذاكر.

 

 

مراقبة الشؤون المالية. يطلع المنتج على جميع المصاريف والإيرادات في فترة العرض؛ لأنه يجب أن يتأكد أن جميع الفواتير قد سُدِدت وأن المرتبات ومصاريف الديكور والملابس والإعلانات قد دُفعت. وربما كان على المنتج أن يزود المستثمرين بتقارير مالية عن سير العرض المالي من وقت لآخر.

 

 

المُخْرِج

المخرج هو الشخص المسؤول عن قوة العرض الفنية بشكل عام في المسرح الحديث، فهو الذي يقرر تفسير النص وينسق جهود جميع الفنانين. ويمتلك المخرج سلطة كبيرة في المسرح لدرجة أن المقولة الشائعة في عالم المسرح اليوم هي: إن العرض ملك للمخرج. ومع هذا فالعديد من المخرجين الكبار متسامحون ومستعدون لتقبل أفكار الفنانين الذين يعملون معهم طيلة مدّة العرض.

 

يتمتع المخرج عادة بالصلاحيات التالية: 1- تحليل النص وتقرير التفسير المناسب الذي سيحدد شكل العرض. 2- العمل مع المؤلف والفنيين ومصممي الديكور والإضاءة والأزياء في تخطيطه لإخراج المسرحية. 3- قيادة الممثلين. 4- الإشراف على التدريبات. 5- تنسيق جميع عناصر الإنتاج النهائية.

 

 

تفسير النص. يجب على المخرج أن يكون مُلِمًّا جدًا بالنص حتى يستطيع اختيار الممثلين وتدريبهم وإرشاد المصممين. يتحتم عليه دراسة بنية المسرحية وتفحص الآليات التي يستخدمها المؤلف لسرد قصته وبناء عنصر التشويق فيها. فإن كانت المسرحية لا تستخدم البنية التقليدية، كما هو الحال في المسرح الجديد، يعمد المخرج إلى اكتشاف طريقة المؤلف في ابتكار جو النص وذلك بدراسة واستشفاف رد فعل المشاهدين. يعمد المخرج بعدها إلى تحليل تصرفات الشخصيات والجو المسيطر في كل جزء من النص، ليقرر علاقة الجزء الواحد بالجزء الآخر وعلاقة الاثنين بالنص ككل.

 

على المخرج أن يفهم عمل كل شخصية في المسرحية والدور المطلوب من الممثل إزاءها. ويتقبَّل المخرج رأي الممثلين والممثلات بشأن شخصية النص أثناء عملية التدريب. إن فهم سمات الشخصية الجسدية والعاطفية والصوتية يساعد المخرج كثيرًا في إخراج عمل أمين من الناحية الفنية.

 

ينبغي على المخرج أن يتمتع بالقدرة على تصور متطلبات الديكور والأزياء والإضاءة في العرض، وتقبل آراء شركائه في عملية الإنتاج؛ غير أن المسؤولية النهائية في اختيار الأفضل والأنسب تقع على عاتقه هو فقط.

 

تعتمد الاستعدادات التي يعتمدها المخرج على المسرحية ومتطلبات الإنتاج. فالعمل على مسرحية جديدة يفصح عن مشاكل تختلف عن متطلبات عرض مسرحية كلاسيكية. ففي إخراج مسرحية جديدة، على سبيل المثال، يجب على المخرج أن يشتغل مباشرة مع المؤلف، إذ ربما أراد اقتراح تغيير في النص أو إعادة كتابة بعضه. وقد تستمر هذه العملية طوال فترة التدريب.

 

أما في إخراج نص قديم، فالمسؤول الوحيد هو المخرج الذي يتعامل ليس مع مؤلف إنما مع النص بصورة مباشرة. والتغيير هنا يعتمد على حكمته ومدى معرفته بالنص. قد يرى المخرج تغيير نص بشكل جذري حتى يصبح مقبولاً للمشاهد المعاصر. فالعديد من المخرجين يرون أن من واجبهم جعل المسرحية تعني شيئًا للمشاهد المعاصر بتغيير زمنها ومكانها أو بإعادة تفسيرها. وقد يتطلب هذا التغيير حذف أو استبدال بعض الكلمات الغامضة أو حذف بعض المشاهد أو مناظر بكاملها. كما أن المخرج قد يطلب مساعدة أديب مختص لنصحه بشأن المسائل والتفاصيل المتعلقة بالأسلوب والفترة الزمنية التي كتبت فيه المسرحية. ومازال هناك خلاف بخصوص مدى صلاحية المخرج في التحكم في النص كما ذُكر سابقًا.

 

 

العمل مع المصممين. قبل إجراء البروفات (التدريبات)، يجب أن يبحث المخرج تفسير المسرحية مع مصممي الديكور والأزياء والإضاءة. يقدم هؤلاء المختصون اقتراحاتهم عن تصميماتهم، وللمخرج أن يتقبلها أو يطلب إجراء بعض التعديلات عليها. يجب على المخرج التأكد من أن التصميمات المقترحة تناسب الأحداث والحالة النفسية والموضوع والأشخاص والفترة الزمنية التي كتبت فيها المسرحية. كما يجب أن تكون الملابس والديكورات عملية حتى لا تعيق حركة الممثلين على خشبة المسرح.

 

 

 

اختيار الممثلين. عادة ما يقدم الممثل مقطوعة قصيرة يختارها المخرج الذي سيكون مسؤولاً عن اختيار الممثلين إما بمفرده أو بالتشاور مع كاتب المسرحية أحياناً. 

اختيار الممثلين. أول عمل من أعمال المخرج هو اختيار الممثلين لجميع أدوار المسرحية. وعادة يتم التعاقد مع خبير اختيار الممثلين الذين اختيروا في تجربة الأداء النهائية. قد يكون هناك تجربة أداء يشترك فيها كل من يرغب في ذلك. إن مثل هذه التجارب الأدائية إجبارية في جميع عروض المحترفين في مدينة نيويورك؛ وتسمى التجارب في مثل هذه الحالة تجارب أدائية خاصة.

 

قد يُعطى الممثلون الذين سيشتركون في التجربة الأدائية المسرحية لقراءتها قبل التجربة. وقد يعطى بعض المخرجين أجزاء من مسرحيات مختلفة لحفظها عن ظهر قلب، وتمثيلها أمام لجنة الاستماع. وقد يطلب بعض المخرجين من المتسابقين استعمال طريقة البانتومايم (طريقة التمثيل بالحركات). ثم إن نوعًا آخر من المخرجين قد يطلب من المتسابق ارتجال تمثيل مشهد يقترحه المخرج نفسه أو أحد الحاضرين.

 

هناك العديد من العوامل التي تحدد اختيار المجموعة التي ستشترك في العرض. قد تتطلب بعض الأدوار سمات جسمانية وصوتية محددة. كما أن حيز الدور العاطفي يجب أن يؤخذ بالحسبان. ويحاول المخرج تصور الدور بعلاقته بالأدوار الأخرى في المسرحية والعرض، وذلك حتى يخلق فريقًا متجانسًا في أدائه.

 

 

 

التدريب على التمثيل (البروفة) عملية تحتوي على ما يمكن تسميته القولبة التي تحدد حركات الممثلين. وتجرى جميع التدريبات الأولى في غرفة التدريبات، بينما تتم التدريبات الأخيرة على خشبة المسرح الفعلية. 

التدريبات. تختلف طريقة التدريب من مخرج إلى آخر، ومن مسرحية إلى أخرى. وهناك أشياء يهتم بها معظم المخرجين التقليديين وهي: 1- الحضور المسرحي 2- الحركات والإشارات وتعابير الوجه 3- الصوت والإلقاء. ويعتقد الفريق الآخر من المخرجين أن الاهتمام الرئيسي يتمحور في الحصول على أفضل العروض من الممثلين بوصفهم شركاء في عملية إبداع، وذلك بتدريبهم على تقديم عرض موحد.

 

يعتقد المخرجون التقليديون أن كل لحظة في حياة المسرحية يجب أن تكون حضورًا مسرحيًّا؛ بمعنى أن المشهد يجب أن يقدم نفسه للمشاهد دون مساعدة الحوار. يجب على كل حضور مسرحي أن يقدم عنصر اهتمام يعكس عاطفة المنظر المسيطرة آنيًّا والعلاقة بين الممثلين. إن عمل المخرج بالنسبة لهذا المنحى هو تركيز انتباه المشاهدين على العناصر المهمة وهذه تكون عادة واحدًا أو أكثر من أبطال العرض في فترة زمنية معينة. وتحصل هذه الحركة بالتحكم في مواقف الممثلين بعلاقتهم بالمشاهدين وعلاقتهم ببعضهم. يعتقد العديد من المخرجين اليوم خطأ المنهج الذي يركز على الحضور المسرحي؛ أي خصائص المسرح الميكانيكية على حساب الخصائص المسرحية الأخرى.

 

على سبيل المثال، تعتبر الحركة أكثر حيوية من الحضور المسرحي فقط؛ لأن الحركة هي العنصر الأساسي الذي يمزج المشهد المسرحي مع غيره لإيجاد الشعور بسير الحدث وتطوره. كما يجب على الحركة أن تناسب الشخصية والموقف والحالة النفسية ونوع المسرحية. إضافة إلى ذلك، تعتبر الإشارات وتعابير الوجه مكملة للحركة. صحيح أن الممثلين هم المسؤولون عن التغلب على مشاكل الصوت والإلقاء، غير أن المخرج هو المسؤول عن جعل الممثلين يتحدثون بطريقة واضحة ومؤثرة.

 

تتم التدريبات عادة في غرفة خاصة بدلاً من خشبة المسرح. يتكون برنامج التدريب على مسرحية تقليدية من عدة مراحل: أولاً يقوم المخرج والممثلون بقراءة ودراسة المسرحية. بعدها، يقوم المخرج بقولبة الحدث؛ أي تحضير الإطار العام لحركة الممثلين بصورة مبدئية. بعد ذلك، يتم العمل المُفصل في دراسة تقمص الشخصيات وقراءة النص سطرًا سطرًا والقيام بالأدوار التمثيلية، وتغيير المناظر ودمج الممثلين في وحدة متناغمة وفنيّات التغلب على مشاكل الإضاءة والديكور والأزياء وأية اهتمامات فنيّة أخرى. ويقوم المخرج أخيرًا، في مرحلة التجربة بالأزياء، بدمج جميع عناصر العرض لتقديم الصورة النهائية التي ستظهر بها المسرحية في ليلة الافتتاح.

 

 

مساعدو المخرج. يشمل مساعدو المخرج مدير المسرح ومدير أو مديري خشبة المسرح (ويعتمد وجود هؤلاء على الميزانية) ومساعد مدير مسرح، وسكرتيرًا للتدريبات. وعادة ما يقوم شخص واحد بعمل مساعد مدير المسرح وسكرتير التدريبات.

 

يجلس السكرتير بجانب المخرج أثناء التدريبات لكتابة الملاحظات. وبإمكان مساعد مدير المسرح قيادة التدريب في تمثيل بعض المشاهد؛ كما أن بمقدوره العمل كحلقة وصل بين المخرج والمصممين. ويقوم مدير مسرح فرق المحترفين بتنظيم تجارب الأداء؛ كما يحضر كلَّ التدريبات ويسجل التغيير في الحوار وقولبة الحوادث في النسخة الأصلية من النص.

 

 

الممثلون

 

البروفات الفنية تمكن المخرج والمصممين من مشاهدة الوضع الذي تبدو عليه الأجهزة والملابس والتمثيل وذلك وفق أجواء تدريبات عملية. قد تدخل تعديلات في آخر لحظة على خطة المسرحية. 

الممثلون هم من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم. إنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة.

 

 

الجسم والصوت. يحتاج الممثلون إلى أجساد مرنة مطواعة معبرة. ويتحتم عليهم استخدام أجسادهم لعرض مواقف عديدة ومتنوعة. ويمكنهم اكتساب هذه الخبرات بدراسة مقررات في الحركة على المسرح والرقص والمبارزة بالسيف، أو باشتراكهم في تمارين رياضية تتطلب الكثير من التنسيق والقدرة. إن الرقص والمبارزة بالسيف رياضتان مفيدتان لأنهما تزودان الجسم بالرشاقة والتحكم بالحركة. إضافة إلى ذلك، يستطيع الممثلون الذين يجيدون الرقص والمبارزة بالسيف الحصول على عمل أكثر من غيرهم. إن نفس متطلبات المرونة والتحكم والتعبير تنطبق على الصوت أيضًا. يتدرب الممثلون على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة. كما أنهم يتعلمون التحدث بلهجات مختلفة. إن التدرب على الإلقاء والغناء والاسترخاء شيء مهم. غير أن معظم الممثلين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم. بناء عليه، يجب على الممثلين المحترفين التدرب الدائم على تحسين قدراتهم الصوتية ومرونة أجسادهم طوال مدة ممارستهم لمهنة التمثيل.

 

 

الملاحظة والخيال. يجب على الممثلين أن يلمّوا بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم جيدًا، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم. إن الممثل الجيد يبني في نفسه عادة ملاحظة الآخرين وتذكر طريقة تصرفهم. فلو قبل ممثل دور رجل عجوز، على سبيل المثال، فيمكنه التحضير للدور جزئياً بملاحظة كيف يمشي المسنون وكيف يقفون وكيف يجلسون. بعدها، يمكنه تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التي يريد تصويرها. ويتعلم الممثل كيف يستجيب أناس مختلفون لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) بطُرق مختلفة.

 

ويمكن للممثلين تطوير ذاكرة عاطفية تمكنهم من استرجاع الموقف الذي أوجد عندهم رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يودون تصويره. غير أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولايجب استخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهمًا شاملاً وعميقًا لها. ويتعلم الممثلون فهم الآخرين بفهم ذواتهم وقدراتهم العاطفية قدر المستطاع. إنهم يصورون الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم.

 

 

التركيز. يعد التركيز شيئًا مهما للممثل. يجب أن يكون الممثل قادرًا على زج نفسه في مواقف خيالية لحجب جميع المؤثرات الخارجية عنه، موهمًا نفسه بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي. وحتى يتسنى له فعل ذلك، يجب عليه التركيز والاستماع للممثلين الآخرين في المسرحية والاستجابة لما يقولون بشكل جيد. ويتطلب ذلك منه أيضًا التركيز على كلّ لحظة بدلاً من ملاحظة الحدث وانتظار ما سينتج عنه.

 

 

مناهج التمثيل. لا يستطيع الممثلون استخدام كامل مهاراتهم وقدراتهم في التمثيل، بغض النظر عن مستوى موهبتهم، دون تبنّي طريقة عمل ثابتة. يجب على الممثلين استخدام أكبر عدد ممكن من مناهج التمثيل حتى يستقروا في النهاية على واحد أو على مجموعة من تلك المناهج التي تناسب مواهبهم وقدراتهم.

 

ويمكن أن توصف الاختلافات بين مناهج التمثيل بطريقتين مختلفتين تمام الاختلاف، تسمى الأولى المنهج الآلي الخارجي والثانية المنهج النفساني الداخلي. ويختلف المنهجان حول انفعال الممثل أثناء الأداء. يرى المدافعون عن المنهج الآلي الخارجي أن الانفعال يضر عملية التمثيل. ويعتقدون أنه لا ينبغي على الممثل سوى تصوير عواطفه بإشارات خارجية. ويدّعي غلاة المنهج النفساني الداخلي أن الممثل لا يستطيع أن يمثل حقيقة إلا من خلال الأحاسيس الداخلية التي يجب أن تُجنَّد في تصوير الشخصية والموقف. ويُطلق على هذا المنهج أحيانًا منهج ستانيسلافسكي نسبة إلى المخرج الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي. وتعرف صورة معدلة عن هذا المنهج في الغرب بالطريقة. ومع هذا، لا يعترف معظم الممثلين أن أيًا من المنهجين يقدم خيار التمثيل الأفضل الذي يرتضيه المشاهدون.

 

 

إيجاد الدور. ينبغي على الممثلين التغلب على مشاكل متنوعة ومعينة في كل مرة يمثلون فيها دورًا جديدًا، خاصة في المسرحيات التقليدية. وتحتوي هذه المشاكل عادة على: 1- تحليل الدور 2- الحركة والإشارة 3- مميزات الصوت 4- الاقتصاد والبناء 5- الأداء الموحّد.

 

تحليل الدور يبدأ بدراسة المسرحية بشكل إجمالي، يركّز بعدها الممثلون على الأدوار الخاصة بهم. إن أول ما يقومون به هو تحليل خصائص الشخصية المختلفة مثل: المظهر والوظيفة والمكانتين الاجتماعية والاقتصادية والسمات العامة. بعد ذلك، يفحصون هدف الشخصية وتصرفاتها في المسرحية بشكل عام وفي المشاهد كل واحد على انفراد. فعندما تصور المسرحية عصرًا معينًا يتحتم على الممثلين دراسة ذلك العصر من أكثر من ناحية.

 

الحركة والإشارة هما الطريقتان اللتان يصور فيهما الممثل طريقة مشي الشخصية المسرحية وقامتها وإشاراتها ومميزاتها الجسمانية الخاصة. صحيح أن المخرج يعرض إطار حركة الشخصية العام، غير أن الممثل هو المسؤول عن إخراج هذا النموذج التجريدي إلى حيز الوجود، وذلك بقدرته على فهم هدف كل دافع عاطفي وراء كل حركة تقوم بها الشخصية.

 

ميزات الصوت نعني بها خصائص الشخصية الصوتية. يحدد الممثلون الميزات المرغوبة في الصوت ويوائمون أصواتهم بناء على هذه الميزات. يمكن أن يتطلب دور معين طبقة صوت حادة؛ بينما دور آخر قد يتطلب صوتًا ناعمًا مريحًا. يتحتم على الممثل أن يدرس متطلبات كل مشهد على حدة. تكون بعض المشاهد حالمة، وهذه تتطلب صوتًا ناعمًا خافتًا؛ أما المشاهد الصاخبة فتتطلب أصواتًا مرتفعة جهورية وحادة.

 

الاقتصاد والبناء يحتويان على الطرق التي يقتصد فيها الممثلون في قواهم لدفع هذه القوى إلى الذروة عند الحاجة. فمعظم الشخصيات تتغير أو على الأقل تتطور أثناء عرض المسرحية، ويجب على الممثل في مثل هذه الحالة أن يعكس هذا التغيير أو التطور. إن الحاجة للمحافظة على بناء الدور مهمة جدًا في المسرحيات العاطفية؛ فلو بدأ الممثل دوره بوتيرة عاطفية مرتفعة أكثر من اللازم فسيجد صعوبة حقيقية فيما بعد في رفع هذه الوتيرة إلى مستوى أعلى. ويفشل الدور، لأنه سيكون بعد ذلك رتيبًا ومملاً. يجب على الممثلين أن يبدأوا على مهل حتى يتسنى لهم أن يُكسبوا تمثيلهم قوة وتشويقًا تمشيًا مع متطلبات النص المكتوب.

 

الأداء الموحّد يعني الإحساس بالتناغم والترابط اللذين ينتجان عن جهد الممثلين التعاوني الشامل. لن يكون هناك عرض فردي مؤثر إلا إذا كان منسجمًا مع العروض الفردية الأخرى، ويتأتى الأداء الموحد عندما يتأقلم كل ممثل مع حاجيات المسرحية ككل، ويكون في نفس الوقت على بينة من طرق تمثيل زملائه الآخرين ومواطن ضعفهم وقوتهم.

 

 

تصميم الديكور

 

تصميم الديكور يمكن أن يتم في ورشة العمل التابعة للمسرح أو في ورشة عمل مستقلة، وعادة ما تكون كل قطعة ديكور مصممة بطريقة تسمح لعمال المسرح بتحريكها بسهولة أثناء العرض. 

هناك هدفان لتصميم الديكور وهما: أولا، مساعدة المشاهدين على فهم العمل المسرحي؛ وثانيًا، التعبير عن خصائص المسرحية المميزة. لكي تتم مساعدة المشاهدين على فهم العمل المسرحي، يعمل مصمم الديكور على تعريف مكان وزمان المسرحية. ثم إن الديكور يستطيع أن يوجد الجو المناسب ويعبر عن روح العناصر البارزة في النص من خلال الصورة واللون.

 

 

مصمم الديكور. يبدأ مصمم الديكور عمله بدراسة المسرحية كاملة محللاً متطلباتها المتعلقة بالمناظر آخذا في الاعتبار عدد وحجم وأنواع أجزاء الديكور التي سيحتاجها؛ ثم يدرس الطريقة التي سيرتب بها هذه الأجزاء، وذلك بعد أن يكون قد درس زمان ومكان المسرحية وخلفياتها الاقتصادية والاجتماعية. قد يحتاج مصمم الديكور كذلك إلى أن يجري بحوثًا تساعده على التعرف أكثر على سلوك وعادات فترة زمن المسرحية؛ والإلمام بكل تفاصيل أعمال الديكور والأشكال الهندسية وقطع الأثاث ومواد البناء المطلوبة.

 

يجتمع مصمم الديكور مع المخرج للتداول في نوع خشبة المسرح المناسبة للعرض، وفيما إذا كان هناك أكثر من خيار للعرض والميزانية المرصودة للديكور. ومن بين الأشياء التي يتم بحثها أيضًا أماكن المخارج والمداخل وترتيب قطع الأثاث ...إلخ.

 

يقوم مصمم الديكور بعدئذ بإعداد رسومات بيانية تتعلق بخشبة العرض يتباحث بشأنها مع المخرج. قبل أن تحصل هذه الرسومات على الموافقة النهائية، يقوم مصمم الديكور بتحويل هذه الرسوم إلى مجسمات وهي أشكال مصغرة تشبه خشبة المسرح الحقيقية إلى حد بعيد. وقد يضمِّن المصمم أوراق عمل تبين كيفية بناء كل جزء من أجزاء الديكور وتفكيكه والوقت الذي يستغرقه كل من العملين.

 

 

أنواع المناظر. يستعمل مصمم الديكور العديد من وحدات المناظر الرئيسية أثناء بناء أجزاء الديكور المختلفة. ويمكن تصنيف هذه الوحدات إلى وحدات واقفة أو معلَّقة.

 

أساس الوحدة الواقفة هي الوحدة المسطحة، وهذا إطار مستطيل خشبي تعلق فوقه قطعة من الخيش أو قماش الموسلين لتمثل بناء خفيف الوزن. ويمكن صنع هذه المسطحات بأي حجم؛ غير أن المسطحات الكبيرة جدا غير عملية؛ إذ يصعب تركيبها وفكها والتحكم فيها بشكل عام. ليس للمسطح العادي فتحات. أما مسطحات الأبواب والشبابيك والمدافئ والأقواس فإنها تحتوي على فتحات. ومن بين المسطحات الأخرى إطارات الأبواب والنوافذ والمنصات والدرج والسلالم والصخور وجذور الأشجار والأعمدة.

 

وتحتوي الوحدات المعلقة علي السقوف والحواجز والستائر بأنواعها مثل الستائر الخلفية وستائر السايكلورام... إلخ. تُصنع معظم السقوف من مستطيلين خشبيين يتصلان بعضهما ببعض يعلقان فوق خشبة العرض وتصلان إلى المسطحات الأخرى التي تمثل الجدران. وتُصنع القواطع من ستائر قصيرة من القماش الأسود أو الخيش الملون وتستخدم حتى تخفي مناطق معينة من المسرح عن عيون المشاهدين.

 

هناك ستائر كبيرة تمتد على عرض المسرح في الخلف تسمى ستائر المسرح الخلفية. ويمكن لهذه الستائر أن تحتوي على بعض المناظر المنصوص عليها في المسرحية. وتُستخدم الستائر لتخفي المساحات الجانبية في المسرح.

 

 

تغيير المناظر. تجمع المناظر المرسومة على الألواح الخشبية أو الستائر على خشبة العرض. إن العرض الذي يحتاج إلى وحدة ديكور واحدة لا يحتاج إلى تغيير المناظر فيه؛ بينما العروض ذات الوحدات المتعددة تتطلب تخطيطًا دقيقًا إذ إن أجزاء كثيرة من الديكور يجب أن تبنى وتفك بشكل سريع وهادئ.

 

تُسمى الطريقة الأخرى الشائعة لتغيير المناظر الطريقة الطائرة. وقد جاء الاسم من حقيقة أن وحدات الديكور تكون معلقة، ويتم رفعها وإنزالها على خشبة المسرح عند الحاجة.

 

وهناك طريقة ثالثة لتغيير المناظر تسمى طريقة المنصات المتحركة أو العربات. يوضع المنظر على العربة التي يتم سحبها من المسرح أو إليه. ويسمى أحد أنواع العربات سكين الجيب. وهذا النوع متصل بخشبة المسرح بمحور يوصل ذراعين تتحركان بنفس الطريقة التي يتحرك بها سكين الجيب. ويمكن لهذه العربة أن تكون في أي حجم وقد يكون طول ذراعيها طول عرض مقدمة المسرح. ويسمى النوع الثاني عربات الخطوط المستقيمة لأنها تُدفع إلى المسرح وتُسحب منه بخطوط مستقيمة.

 

كما يمكن تغيير المناظر بطريقة خشبات المسرح الدوّارة أو خشبات المسرح التي تتحرك كالمصاعد. يحتوي مسرح الخشبة الدوارة على جزء دائري كبير من المسرح مثبت على عمود دوار. يمكن تثبيت عدة وحدات من الديكور على هذا العمود في نفس الوقت لاستخدامها عند الحاجة وذلك عن طريق الدوران. أما مسرح المصاعد فيحتوي على أجزاء من خشبة العرض يمكن إنزالها إلى مستودع المسرح. ويمكن إنزال وحدة في هذا النوع من المسارح بينما تكون هناك وحدة أُخرى قيد التجهيز.

 

 

الإضاءة والصوت

 

طرق الإضاءة. يحلل مصمم الإضاءة المسرحية من منظور قيمتها المسرحية واحتياجاتها الضوئية. ويشير المصمم إلى كل مكان في النص يتعلق بالضوء، بما في ذلك تغييرات قوة الضوء مثل الانتقال من شروق الشمس إلى إضاءة مصباح كهربائي. ويمكن أن يكون هناك حاجة إلى تنوع الإضاءة في المشاهد المختلفة. كما أن النص يمكن أن يحدد الزاوية التي يدخل منها الضوء مثل دخول ضوء القمر من إحدى النوافذ.

 

وعلى مصمم الإضاءة أن يولي اهتمامًا خاصًا إلى جو المسرحية لأن الإضاءة تؤدي دورًا مهما في إيجاد هذا الجو. لهذا يجب عليه فهم أسلوب النص، لأن الواقع يحتاج إلى تحديد ما إذا كان مصدر الضوء مصباحًا أو ضوء شمس من خلال النافذة.

 

ويتشاور مصمم الإضاءة مع مصمم الديكور والمخرج. ويقوم مصمم الإضاءة في المسرح المحترف بتقديم رسومات تبين هيئة المسرح عندما يضاء. أما في المسارح العادية فيتم الاتفاق بين مصمم الإضاءة والمخرج على كيفية إضاءة المسرح. ولا يتم الاتفاق على مصادر الضوء إلا بعد أن يتم تركيب وحدات الديكور المطلوبة.

 

تنقسم عملية إضاءة المسرح إلى:1- إضاءة محددة 2- إضاءة عامة 3- مؤثرات خاصة. تركز الإضاءة المحددة على مساحة معينة من خشبة العرض وهي تستخدم لإضاءة الأماكن التي تتطلب تركيز أكبر. أما الإضاءة العامة فتستعمل لإضاءة وحدات الديكور والمساحات الموجودة خلف خشبة المسرح ومواءمتها مع الإنارة في خشبة العرض. ويشير تعبير المؤثرات الخاصة إلى العديد من تقنيات استخدام الضوء وآلياته. ومن الأمثلة المعروفة عن مؤثرات الضوء تسليط شعاع يبرز الغيوم أو النار أو النجوم أو يوجد نماذج على المسرح تمثل ضوءًا ينفذ من خلال أَغصان شجرة.

 

هناك العديد من الآلات المستخدمة في إِضاءة المسرح. تضيء الدائرة الضوئية حيزًا معينًا من خشبة العرض بوساطة شعاع ضوئي مركَّز. يمكن لمساعد مصمم الإضاءة تركيز ضوء متحرك على راقص أثناء حركته على خشبة المسرح. وتتراوح قوة هذا الضوء بين 500 و 5,000 شمعة. كما أن هناك عاكسات لزيادة قوة هذا الضوء وعدسات لتضفي عليه أطيافًا مختلفة، منها الهادئ ومنها الصاخب القوي. وهناك إِطارات تمكِّن مصمم الأضواء من استخدام رقائق شفافة ملونة أمام العدسة تسمى الجيلاتين أو الجل لتغيير لون الضوء.

 

أما الاستريبْلايت فيتكون من مجموعة من المصابيح مثبتة في صف واحد ضيق في حوض مستقيم الشكل تقريبًا. ويختلف الاستريبْلايت في الطول والقوة والاستخدام. فالنوع المسمى بوردرلايت يعلَّق فوق الرأس ليسلط الضوء إمّا على وحدات الديكور أو المساحة الخلفية من المسرح. ويمكن وضع النوع الآخر من الاستريبْلايت على أرض المسرح أو أي مكان آخر منه لإبراز منظر أو ستارة سايكلورامية (ستارة منحنية تتخذ خلفية لمسرح يوحي بامتداد مكاني لا حدَّ له).

 

وهناك العديد من الآلات التي تُستخدم لإيجاد مؤثرات خاصة. والمسلطات الضوئية هي الأكثر شيوعًا وتستخدم لتسليط الضوء على مقدمة أو مؤخرة خشبة المسرح لعرض منظر كامل على شاشة خلفية أو ستارة سايكلورامية. ويحتوي بعض هذه المسلطات الضوئية على أقراص دوارة لإيجاد مؤثرات الإحساس بالحركة مثل تصوير حركة الغيم.

 

ويتم التحكم بالإضاءة على المسرح باستخدام معتِّمات موضوعة في لوحة تحكم. وتسمح هذه المعتِّمات للمصمم أن ينوع قوة كل ضوء على حدة، من الشديد الإضاءة إلى المعتم جدًا. ويمكن لهذه المعتمات تغيير الضوء إمّا بصورة تدريجية أو بسرعة. كما يمكن التحكم مسبقًا في قوة الإضاءة لكل نوع من الأضواء. ثم إن التحكم بالمعتمات اليوم يتم بوساطة لوحة إلكترونية.

 

 

إخراج الصوت. يقدم الصوت أكبر إسهاماته عندما يُنظر إليه كوحدة في إطار الإنتاج العام. ويحتوي الصوت على الموسيقى والأصوات التجريدية ومؤثرات واقعية مثل الرعد.

 

ويقوم الصوت بعملين أساسيين: 1- إيجاد الجو والأسلوب 2- المساعدة على سرد القصة. تساعد الموسيقى والأصوات التجريدية على تهيئة الجو المناسب في كل مشهد. إن أصواتًا واقعيةً مثل هطول المطر وإطلاق صافرة الإنذار تساعد على إيجاد الجو المناسب. يساعد الصوت على سرد القصة من خلال إطلاق الرصاص وقرع جرس الباب وأية أصوات أخرى تهيّئ المشاهدين على تصور أحداث من المفروض أنها تحدث بعيدًا عن خشبة المسرح.

 

هناك مؤثرات صوتية حية يجب إِيجادها في جميع حفلات العرض مثل قرع جرس الباب ورنين جرس الهاتف. وهناك أصوات مسجلة مثل صوت سيارة قادمة أو أصوات جماهير خارج المسرح.

 

تستعمل بعض العروض الموسيقية وغير الموسيقية ميكروفونات لتقوية حجم الصوت وقوته. يقوم الفنيون بتمديد أسلاك الميكروفونات (مكبرات الصوت) عبر مقدمة خشبة المسرح، أو ربما أخفى الممثلون هذه الميكروفونات المزودة بأجهزة بث لاسلكية في ملابسهم.

 

 

الأزياء والمكياج

 

تصميم الأزياء. يقاسم تصميم الأزياء تصميم الديكور نفس الهدف، وهو مساعدة المشاهدين على الفهم والتعبير عن خصائص المسرحية المميزة. تساعد الأزياء على التعريف بالفترة الزمنية والمكان الذي حدثت فيه المسرحية. ويمكن للملابس تحديد الوقت من اليوم وتحديد الفصل والمناسبة وتقديم معلومات عن الشخصيات مثل العمر والمهنة والسمات الشخصية والمكانتين الاجتماعية والاقتصادية.

 

يمكن للأزياء توضيح العلاقة بين الأشخاص. يمكن التعرف على الفئات المتحاربة في مسرحيات شكسبير التاريخية، على سبيل المثال، بمقارنة استخدام الألوان لدى كل فريق. وتعبّر الملابس عن الجو العام للمسرحية وأسلوبها والجو العاطفي السائد في كل مشهد.

 

يدرس مصمم الأزياء، مثل جميع العاملين في عملية الإنتاج، النص بشكل دقيق للتشاور بشأنه مع المخرج ومصممي الديكور والإضاءة وكبار الممثلين للتأكد من أن أفكاره تتناسب مع التفسير الصحيح للمسرحية. كما أنه يستخدم المادة واللون والزينة لإيجاد المقولة المرئية التي توازي المقولة المحكية.

 

قد تكون الملابس جديدة أو مستعملة أو مستعارة. فالمسارح المحترفة تتعامل عادة مع بيوت أزياء محترفة لصنع الملابس الضرورية للعرض عند الطلب. أما مسارح الهواة فعادة ما تستعير الملابس التي تحتاج إليها من وكالات لهذا الغرض. ثم إن الفرق الدائمة تصنع ملابسها بنفسها، إضافة إلى أنها تحتفظ بمخزن للملابس التي استخدمت في عروض سابقة وقد تختار منها قطعًا تستعملها في عروضها الحالية والمستقبلية.

 

ويقوم المخرج ومصمم الأزياء في عرض احتفالي لهذه الأزياء باستعراض الممثلين وهم يرتدون ملابسهم تحت أضواء تشبه تلك التي تُستخدم في حفلات العروض الرسمية. أما في غياب مثل هذا العرض، فتتم عملية التقويم خلال البروفات النهائية. وعادة ما يكون هناك مختص بعد بدء العروض يلاحظ ويدون كل ما تحتاج إليه الملابس من تجديد وتغيير وتعديل.

 

 

عمل المكياج. يفيد المكياج في إبراز ملامح الشخصية. إن ملامح الوجه تدل على عمر الشخصية وصحتها وجنسها. وقد يعكس الوجه مهنة الشخصية وسماتها العامة. يساعد المكياج على إعطاء الوجه اللون والشكل الصحيحين.

 

يساعد المكياج العادي على الاحتفاظ بملامح الشخصية الأصلية. ويغير مكياج الشخصية ملامح الشخصية بصورة جذرية؛ إذ يمكن للمكياج هنا أَن يزيد من عمر وجه الممثل. كما يستطيع المكياج الكامل جعل الوجه سمينًا أو نحيفًا، ناعمًا أو مجعّدًا. وقد يضطر المختص إلى تغيير مظهر يدي الممثل أو رقبته أو أية أجزاء أُخرى من جسمه.

 

يمكن للمكياج أن يحقق المؤثرات المطلوبة بطريقتين رئيسيتين: 1- طريقة الطلي 2- طريقة القطع المجسمة المصنوعة من البلاستيك. وتحتوي طريقة الطلي على استخدام اللون والظلال لإبراز ملامح معينة في جسم الممثل. ومن بين القطع المستخدمة في الطريقة الثانية اللحى والشعر والأنوف المستعارة والجروح الاصطناعية.

 

اعتُـبر المكياج في المدرسة التقليدية من اختصاص الممثل، بالرغم من أن هذا العمل أَقرب إلى مهنة مصمم الأزياء. ويقوم الممثلون المحترفون بصنع مكياجهم بأنفسهم؛ غير أنهم يستشيرون مختصين عندما تصادفهم أية مشاكل. أما في مسارح الهواة فإن عملية المكياج من اختصاص مصمم الأزياء. وقد يُسند هذا الدور أحيانًا إلى المخرج.

 

 

المسرح في العالم

 

المسرح العربي. لم تعرف الشعوب العربية فن المسرح كما عرفه الإغريق والرومان، لأن الشعر الذي أبدعت فيه وبرعت قد كفاها، واستطاع الشاعر العربي أن يعبر من خلاله عن كل نوازع نفسه وخلجاتها ورؤاه الفكرية فضلاً عن قدرته على استيعاب كافة الأحداث التي تمر بها القبيلة وتضمينها مختلف عناصر البيئة ومفرداتها.

 

وبعد ظهور الإسلام، لم يتحمس العرب أيضًا لمحاكاة المسرحية الإغريقية على الرغم من أنهم نقلوا عن الإغريق بعض الفلسفة والعلوم، لأن أغلب المسرحيات كانت تصوِّر صراعًا بين آلهة وبشر، الأمر الذي يُعد منافيًا لأسس الدعوة الإسلامية التي تقوم على توحيد العبادة لله الواحد الأحد.

 

وبعد أن تطورت فنون المسرح وأساليبه وموضوعاته، وبعد الاحتكاك بالحضارة الغربية مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي من خلال البعثات التي أوفدها محمد على من مصر وقدوم الفرق الفنية الفرنسية والإيطالية إلى بعض الأقطار العربية مثل مصر والشام، شرعت بذور المسرح العربي في الظهور على يد مارون النقاش في لبنان ومن بعده أبو خليل القباني في سوريا، ويعقوب صنوع في مصر. ولكن وفاة النقاش والصعوبات التي واجهت شقيقه سليم النقاش وأبا خليل القباني دفعتهما للرحيل إلى مصر حيث كانت هناك عدة مسارح أهمها مسرح الكوميدي بالأزبكية المؤسَّس عام 1868م ودار الأوبرا عام 1869م التي بناها الخديوي إسماعيل لتضارع أرقى البيوتات المسرحية في أوروبا، لتظهر بعد ذلك فرق مسرحية في مصر، تأتي في مقدمتها فرق إسكندر فرح وسلامة حجازي وعكاشة وجورج أبيض.

 

على أن معظم ما قدمته هذه الفرق كان تقليدًا للمسرح الفرنسي وأعاد أكثرها عرض مسرحيات موليير بشكل خاص معتمدين على الترجمة حينًا والاقتباس أحيانًا، ومحاولات مختلفة للتعريب مع ميل للغناء والتسلية والترويح، إلى أن ظهر الكاتب المسرحي والقصصي محمد تيمور الذي أسس فرقة جمعية رقي الأدب والتمثيل وألف لها مسرحيَّات مصرية محلية تناقش قضايا اجتماعية واقعية. ووجد فن المسرح دعمًا قويًّا بجهود وإبداعات عزيز عيد، وعلي الكسَّار، ونجيب الريحاني، ويوسف وهبي، وتأسيس طلعت حرب لفرقة وطنية هي شركة ترقية التمثيل العربي، وأعقب ذلك إنشاء المعهد العالي لفن التمثيل العربي.

 

وكانت مشاركة توفيق الحكيم بكتابة النص المسرحي العربي خطوة ذات أهمية بالغة لتوطيد أركان مسرح عربي يقوم على أساس من الفكر والفن، وظهر بعده محمود تيمور. وفي الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، ظهرت مجموعة مميزة من كتاب المسرح ومخرجيه من أمثال: نعمان عاشور، وسعد الدين وهبة وزكي طليمات وألفريد فرج وغيرهم. وفي الستينيات وما تلاها ازدهر المسرح في دول عربية أخرى كلبنان والكويت وغيرها.

 

ولقي فن المسرح اهتمام وزارات الثقافة والإعلام في أغلب الدول العربية، فافتُتحت مسارح عديدة ونظمت المسابقات في التأليف وأُنشئت معاهد لفنون المسرح وأقيمت المهرجانات العامة والتجريبية وتأسست الفرق الأهلية وتنقلت بعروضها بين أقطار الوطن العربي.

 

ورغم أن السينما والتلفاز والفيديو قنوات فنية وإعلامية شديدة التأثير والجاذبية إلا أن المسرح يحاول بفضل جهود فنانيه العمل على تجديد أساليبه وقضاياه، تأكيدًا لدوره المؤثر في إيجاد جماهير واعية بعصرها وظروفها التاريخية. وفي السنوات الأخيرة، حرص عدد من الفنانين على إجراء تجارب مسرحية بحثًا عن مسرح عربي أصيل، متأثرين بمسرح السامر والمقامات وخيال الظل وغيرها من الأشكال العربية في محاولة للخروج من أسر النموذج الغربي الذي تمثل في مسرح اللامعقول، والمسرح الملحمي، وغيرهما، وإن كانت هذه الأشكال المسرحية قد أصبحت تراثًا إنسانيًّا ينتمي للبشرية جمعاء.

 

 

أُستراليا. كان المسرح جزءًا مهما من حياة أُستراليا الثقافية منذ العرض المسرحي الأول الذي قام به مساجين منفيون في يونيو سنة 1789م في مدينة سيدني. واليوم لكل عاصمة من عواصم مقاطعات البلاد فرقتها المسرحية الخاصة بها. وهذه الفرق هي: فرقة مسرح سيدني، وفرقة مسرح ملبورن، ومسرح جنوب أستراليا، وفرقة مسرح كوينزلاند، وفرقة المسرح الوطني، وفرقة مسرح تسمانيا.

 

هيئة مسرح المجلس الأسترالي هي الممول الرئيسي لهذه الفرق. وتستخدم هذه الهيئة أموالاً من الحكومة الفيدرالية لتمويل جميع أنواع العروض الجيدة في البلاد. إنها تدعم الأعمال التي تقدمها الفرق الكبيرة في عواصم المقاطعات والمسارح الصغيرة أيضًا مثل مسرحي نمرود وإنسامبل في سيدني ومسرح كانبرا ربرتوري. إضافة إلى ذلك، تدعم الهيئة مسارح الأطفال التي تنتج عروضًا تثقيفية.

 

 

إفريقيا. للأشكال التقليدية للمسرح الإفريقي جذورها الاجتماعية والدينية والسياسية التي ترى من منظور المجتمعات القبلية، وقد شكل هذا الموروث الأساس للأعمال الفنية لكثير من الكتاب المسرحيين الذين نالت أعمالهم إعجاب الأفارقة وغير الأفارقة على السواء. وقد ازدهر الفن المسرحي منذ انتهاء الحكم الاستعماري الأوروبي، ومن الأسماء اللامعة في الفن المسرحي في الفترة التي أعقبت الاستعمار: برنارد رايي، و ولي سوينكا، وآما عطا عايدو.

 

وعلى الرغم من الأثر الذي تركته المسارح الغربية في بناء المسارح الإفريقية، إلا أن معظم المسرحيات الإفريقية تؤدى في الهواء الطلق، ولكن مع ذلك توجد بعض المسارح المرنة مثل مسرح الكودزيان (دار القصة) في آتْيوا بجمهورية غانا.

 

وكثيرًا ما يذهب جمهور المشاهدين إلى المسرح ليس ليشاهدوا العمل المسرحي، بل ليشاركوا فيه، فالمشاركة الجماهيرية تقوم بدور مهم في المساعدة على تحرير المجتمعات فكريًا وتطورها. ويتضح هذا بجلاء في أعمال كل من زاكيس إمدا في ليسوتو وبنينا إملاما في تنزانيا وفي أعمال الكاتب المسرحي والمخرج الجزائري كاتب ياسين والمغربي الطيب الصديقي.

 

 

 

مهرجان ستراتفورد المسرحي في كندا يعرض سنوياً الأعمال الكلاسيكية للمسرح العالي. 

كندا. هناك تراثان قويان للمسرح في كندا: الكندي- الفرنسي الذي يعود تاريخه إلى سنة 1606م، والمسرح الإنجليزي في كندا الذي تطور في القرن الثامن عشر الميلادي.

 

ومن بين المعاهد الكندية-الفرنسية المشهورة لوتياتر دي نوفو موند (مسرح العالم الجديد) في مونتريال وفرق أخرى في مدينتي مانيتوبا وكويبك. ومن بين فرق مسارح المنظمات الكندية-الإنجليزية الرائدة، الفرقة ذات الشهرة العالمية، فرقة احتفالات ستراتفورد وشو. وقد وضعت فرقة ستراتفورد فاستيفل التي تأسست سنة 1953م في ستراتفورد، أونتاريو، المقياس للمسرح الكندي في أواخر القرن العشرين. أما فرقة شو فاستيفل الموجودة في مدينة نياجرا ـ إن ـ ذي ـ ليك، في مقاطعة أونتاريو فهي متخصصة في تقديم مسرحيات الكاتب المسرحي الإنجليزي الأَيرلندي المولد، جورج برنارد شو، ومعاصريه. وتعتبر مدرسة المسرح الوطني التي تدرس باللغتين الفرنسية والإنجليزية التي تأسست سنة 1960م المركز الرئيسي في كندا للتدريب على مهنة التمثيل.

 

 

الصين يوجد في الصين تراثا مسرحيا شعبيا بدأ منذ آلاف السنين. ويأخذ هذا التراث شكل مسرحية يستعمل فيها الممثلون الرقص والحركات في سرد حوادث القصة وهم يرتدون ملابسهم الزاهية والمزركشة وبمصاحبة الآلات الموسيقية والغناء. ويلقي هؤلاء الممثلون خطبًا أحيانًا. والمسرح الصيني يشبه فن الأوبرا في الغرب إلى حد ما. وهناك أكثر من ثلاثمائة وستين نمطًا مختلفًا من فن المسرح الصيني في البلاد. ومن بين أكثرها شهرة أوبرا بينج وأوبرا كلابر. كما أن مسارح العرائس ومسارح الظل مازالت شائعة في الصين. وقد بدأت المسارح الشبيهة بالمسارح الغربية تستقطب المشاهدين منذ سنة 1907م.

 

غير أن الحكومة الشيوعية في الصين عدلت المسارح التقليدية لتتناسب مع أغراضها السياسية. فخلال الثورة الثقافية (1966 - 1969م)، فرضت الحكومة على العروض أن تكون واقعية وليست تقليدية. وقد منعت فرقة أوبرا بينج من مزاولة أعمالها بصورة مؤقتة. وقد عادت العروض التقليدية مع ممثليها في نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي إلى الظهور.

 

 

فرنسا. تُعد فرقة كوميدي فرانسيز (الكوميديا الفرنسية) التي أنشئت سنة 1690م والموجودة في باريس، أقدم فرقة مسرحية تدعمها الدولة في العالم؛ وهي متخصصة بشكل دقيق في تقديم عروض المسرحيات الكلاسيكية الفرنسية التي كتبها كتّاب المسرح الفرنسيون الكبار. ومن المسارح الأخرى التي تدعمها الدولة مسرح أوديون الذي تأسس سنة 1781م وتياتر ناسيونال بوبيولير (المسرح الوطني الشعبي) الذي تأسس سنة 1920م. ومن المسارح الفرنسية التي أسست منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) تياتر ناسيونال دو شايو (مسرح شايو الوطني)، وتياتر ناسيونال دو لا كولين (مسرح كولين الوطني).

 

تأسست المسارح الفرنسية خارج باريس جزءًا من سياسة الحكومة في رفع المركزية عن المسرح منذ سنة 1945م. وكان سبب هذه السياسة محاولة الحكومة تقريب المسرح من الشعب. ومن المسارح التي تندرج تحت هذا النظام مسارح في مرسيليا وستراسبورج وليون. وتدعم الحكومة الفرنسية أيضًا فرقًا مسرحية في نيس، ورين، وسانت إيتيان، وتولوز، وفرقًا جوالة تجوب مختلف المناطق المحلية ومهرجانات المسرح الصيفية. ومع هذا، فإن الأحداث الأكثر إثارة في المسرح الفرنسي منذ سنة 1980م قد قدمت على خشبة المسارح المستقلة مثل تياتر دو سولي (مسرح الشمس)، ومركز مسرح البحوث الوطني في باريس. إن كونسرفتوار باريس الذي تأسس سنة 1786م، هو مركز فرنسا الرئيسي لتعليم فن المسرح.

 

 

ألمانيا. يوجد في ألمانيا أوسع نظام للمسارح التي تدعمها الدولة في العالم. هناك فرق باليه وأوبرا ومسرح مدعومة من الدولة في كل مدينة كبيرة في ألمانيا تقريبًا. ويعود تاريخ العديد من هذه الفرق إلى أواخر القرن الثامن عشر. وتخضع جميع المسارح في المدينة الواحدة لإدارة واحدة تعينها المدينة أو الدولة. كما أن هذه المسارح تشترك في هيئة مخرجين ومصممين واحدة.

 

كانت برلين عاصمة الفنون المسرحية قبل الحرب العالمية الثانية؛ غير أن الحرب قد قضت على العديد من هذه المسارح في العديد من المدن الألمانية. نتيجة لذلك، نرى معظم المسارح الألمانية اليوم حديثة. وقد ساعد توحيد الألمانيتين سنة 1990م على إنشاء فرق مسرحية مشهورة مثل فرقة برلينر إنسامبل.

 

 

اليونان. في اليونان تراث مسرحي ما زالت تهيمن عليه المسرحية الإغريقية الكلاسيكية التي كتبت منذ 2,500 سنة. كان هذا التراث قد اندثر منذ حوالي 2,000 سنة، غير أنه بعث إلى الحياة من جديد في أوائل القرن العشرين. وقد بدأ الفن المسرحي اليوناني الحديث بـ "عروض الظل" حيث يسلط ظل دمية من الورق المقوى على شاشة شبه شفافة يخترقها الضوء من الخلف. وقد بدأت العروض التي يشترك فيها آدميون في أوائل القرن العشرين.

 

يختص المسرح الوطني اليوناني الذي تأسس سنة 1930م بالمسرحيات المأساوية الكلاسيكية. ومنذ سنة 1938م، وهذا المسرح يقدم عروضًا في مسرح أبيداوروس المفتوح في جنوبي اليونان. كذلك يقدم مسرح الفن الذي تأسس سنة 1942م مسرحيات قديمة. إن مسرح شمال اليونان الوطني تأسس سنة 1961م، ويقدم مثل معظم مسارح اليونان الحديثة عروضًا متنوعة قديمة أو حديثة يكتبها مؤلفو مسرح يونانيون.

 

 

الهند. يوجد في الهند تراث مسرحي عريق يرجع إلى نحو 2,000 سنة خلت على الأقل. وتمزج العروض الهندية التمثيل بالرقص والموسيقى لتصوير قصص من الأساطير والديانات الهندية. ويستخدم العديد من هذه العروض اللغة السنسكريتية؛ غير أن المسرح قد استخدم لغات أخرى في أزمنة مختلفة وفي أماكن مختلفة من شبه القارة الهندية. وقد كشفت المسرحية الهندية القديمة الكثير من الاختلافات المحلية.

 

إن المسرح الهندي الحديث مدين للمسرح الغربي أكثر من التراث المسرحي الهندي التقليدي. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، بدأ المثقفون الهنود بتقديم عروض مسرحية في بيوتهم لتسلية أصدقائهم كما بدأت الفرق المتجولة في تقديم مسرحيات شكسبير في جميع أنحاء البلاد. وقد حاول أفضل الكتاب المسرحيين الهنود دمج التراثين المسرحيين الهندي والغربي. بدأ المسرح في الازدهار في الهند منذ أن نالت الهند استقلالها سنة 1947م. وتعرض المسارح الحديثة في عواصم المقاطعات مسرحيات حديثة باللغة المحلية أو الإنجليزية. وقد بُعثت المسرحية السنسكريتية إلى الحياة من جديد في المدن الكبيرة. غير أن المسرح الهندي يعاني من منافسة السينما التي يظهر أنها الفن المفضل لدى الجمهور الهندي. ومازال هناك العديد من الناس في الهند يفضلون مسارح العرائس ومسارح الظل.

 

 

أيرلندا. تشرف جماعة المسرح الوطني على إدارة مسرحَيْن في دبلن، هما مسرح آبي ومسرح بيكوك. يقدم الأول مسرحيات كتبها مؤلفون أيرلنديون وأجانب. ويقدم الثاني ضمن عروضه مسرحيات باللهجة المحلية. ومن بين مسارح أيرلندا المعروفة أيضًا مسرحا جيت وبايك.

 

وتضم مسارح أيرلندا الشمالية المسرح الغنائي في ترانسميليس في بلفاست ومسرح بلفاست للفنون. وهناك أيضًا مسرح جامعة ألستر الجديدة في كولارين المسمى ريفرسايد.

 

 

إيطاليا. في إيطاليا نظام مسرحي تطور على ما يسمّى تياتري ستابيلي؛ أي فرق المسرح الدائمة التي تدعمها المدينة أو الحكومة المحلية. ومن أشهر هذه الفرق تلك الموجودة في جنوه، وميلانو، وروما، وتورين. تتجول بعض الفرق الإيطالية الكبيرة لتقديم عروضها في المدن الكبيرة، وهناك فرق تقدّم عروضها باللهجات المحلية؛ كما أن هناك فرقًا مسرحية إيطالية متخصصة بالأوبرا مثل لاسكالا في ميلانو.

 

 

اليابان. في اليابان العديد من العروض المسرحية التي تحتل مكانة بين التقليدي والحديث. ففي طوكيو، يستطيع المشاهد حضور عروض على مسرحيات نو ذات الصبغة التقليدية، أو مسرح الكابوكي الذي تمزج عروضه الرقص بالحركات والموسيقى والمشاهد، أو عروض الشامبا وهي نصوص مقتبسة من الروايات الشعبية، أو مسرحيات الشنجكي التي تمثل الحياة والثقافة اليابانية الحديثة.

 

 

نيوزيلندا. في نيوزيلندا خمس فرق مسرحية محترفة هي: الميركوري في أوكلاند، وسنتربوينت في بالمرستون نورث، وداونستيج في ولنجتون وكورت في كريستتشيرش، وفور سيزُنْ في دندين. وهناك مسرحا السيركا والدبو في ولنجتون اللذان يعملان على طريقة التعاونيات ويقدمان مسرحيات يكتبها مؤلفون نيوزيلنديون وغير نيوزيلنديين أحيانًا.

 

 

البلاد الإسكندينافية. هناك مسارح كبيرة تدعمها الحكومات في البلاد الإسكندينافية. ومن أشهر هذه المسارح المسرح الدرامي الملكي في ستوكهلم، ومسرح المدينة في مالمو في السويد والنورسك تياتر في النرويج، والكونجيلج تياتر والفولكتياتر في كوبنهاجن، الدنمارك. وهناك مسرح آخر مشهور في الدنمارك هو الأودن تياتريت الذي أسسه مواطن من أصل إيطالي يدعى يوجينو باربا في هولستبرو سنة 1964م.

 

 

روسيا. تعد مدينتا موسكو وسانت بطرسبرج أهم مركزين للفن المسرحي في روسيا. ويعتبر مسرح موسكو للفنون الذي أنشئ عام 1898م، أفضل المسارح الروسية قاطبة. أما أقدم المسارح في المدينة فهو مسرح مالي إذ بني عام 1824م. وشهد عام 1922م إنشاء مسرح الثورة. وأطلق على هذا المسرح عام 1945م اسم ماياكوفسكي وهو شاعر وكاتب مسرحيات روسي توفي عام 1930م. ومن المسارح الحديثة في موسكو مسرح تاجانكا الذي أنشئ عام 1946م، ومسرح سوفريمنك الذي تأسس عام 1958م.

 

ومن أكبر المسارح في سانت بطرسبرج مسرح ألكسندرنسكي الذي افتتح عام 1824م، وكان قد أطلق على هذا المسرح اسم بوشكين تخليدًا للشاعرالروسي ألكسندر بوشكين. ويعتبر مسرح جوركي، بني عام 1919م، من المسارح الكبيرة في سانت بطرسبرج. وتعود تسمية المسرح بهذا الاسم إلى مكسيم جوركي وهو روائي ومسرحي روسي في العصر الحديث.

 

 

المملكة المتحدة. تعتبر لندن مركز النشاط المسرحي في المملكة المتحدة. هناك أكثر من أربعين مسرحًا في الجانب الغربي من لندن. ومعظم هذه المسارح تقدم عروضًا يومية مستمرة، إلى أن يمل منها الجمهور. ولا يقدَّم عرض على مسارح الجانب الغربي من لندن إلا إذا كان نجاحه التجاري مضمونًا. وقد أصبحت العروض الموسيقية ناجحة جدًا في بريطانيا منذ السبعينيات من القرن العشرين.

 

لا توجد في مسارح الجانب الغربي من لندن فرق خاصة بها، ما عدا المسرح القومي الملكي (1961م) الذي يشرف على ثلاث صالات للعرض في مجمع كبير على الضفة الجنوبية لنهر التايمز؛ وفرقة شكسبير الملكية (1961م)، ومقرها في مركز الباربيكان في مدينة لندن. وتمثل فرقة شكسبير الملكية في مسرح فرقة شكسبير الملكي التذكاري في ستراتفورد ـ أبون ـ أفون في ووريكشاير؛ وتعتبر هذه الفرقة من أهم الفرق الإقليمية في بريطانيا.

 

وتعرض الفرق الإقليمية في بريطانيا عادة مسرحيات تم عرضها مطولاً على مسارح لندن. وقد يحدث العكس؛ أي أن هذه المسارح قد تقدم عروضًا يزمع منتجوها تقديمها على مسارح الجانب الغربي من لندن. وكان الكثير من الممثلين الكبار قد بدأوا مهنهم على مسارح الأقاليم التي بلغ عددها حوالي 200 في مطلع التسعينيات من القرن العشرين.

 

ويزدهر مسرح الهواة في بريطانيا إلى درجة بلغ معها عدد المجموعات التي أسسها الممثلون والممثلات الهواة في مطلع القرن العشرين 30,000 مجموعة في جميع أنحاء البلاد. ويعمل اتحاد المسرحية البريطاني على رفع مستوى مسرح الهواة من خلال تنظيم ندوات وحلقات دراسية للممثلين وهيئة المسرح. ويشجع "مركز 42" الذي أسس سنة 1962م، بدعم من كونجرس اتحاد التجارة والتبرعات العامة، العروض المسرحية والفنون على مسارح الأحياء الصغيرة. كما أن هناك منظمات محلية وإقليمية تشرف على مهرجانات مسرحية. ولا ننسى أن معظم الجامعات الإنجليزية تملك فرقًا مسرحية.

 

ويمكن تدريب الممثلين المحترفين والممثلات وهم على رأس العمل عند التحاقهم بإحدى الفرق الإقليمية الدائمة. وباستطاعة الممثل أن يُحسن من مهارته عند التحاقه بمدرسة تمثيل؛ غير أن ذلك لا يضمن له الحصول على عمل. تُعتبر الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية (1904م)، أشهر مدارس التمثيل التي يبلغ عددها الثلاثين في بريطانيا.

 

يأتي دعم المسرح البريطاني من الحكومة والقطاع الخاص. ويدعم مجلس الفنون البريطاني منظمات مثل المسرح الوطني بشكل مباشر. كما أن المسارح المحلية والإقليمية تحصل على دعم من مجالس الفنون الإقليمية أو من هبات السلطات المحلية. غير أن جميع الفرق تعتمد بشكل رئيسي على إيراد شباك التذاكر وعلى تبني الشركات والمؤسسات التجارية.

 

 

الولايات المتحدة. تعتبر مدينة نيويورك أشهر مركز للمسارح المحترفة في الولايات المتحدة، يتبعها في ذلك مدينتا شيكاغو ولوس أنجلوس. كما أن هناك العديد من الفرق المحترفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

 

مدينة نيويورك. لقد كانت المسارح في برودواي وحولها مصدر قوة المسرح في الولايات المتحدة. غير أن ارتفاع كلفة الإنتاج على هذه المسارح قد قلل من حجم العروض التي تقدم عليها. وبدأ المنتجون يلتزمون كلية بالعروض التي يكون نجاحها مضمونًا أو تلك التي ثبت نجاحها في أمكنة أخرى. نتيجة لذلك، أصبحت عروض برودواي أقل تنوعًا وغنى مما كانت عليه في البداية.

 

تؤثر المقالات الأدبية النقدية، خاصة تلك التي تنشر في صحف نيويورك، في نجاح العرض المسرحي إلى درجة كبيرة جدًّا. قد يُقفل العرض في الأسبوع الأول، إن لم يكن في الأيام الأولى من العرض، لو كانت معظم أو كل هذه المقالات في غير صالحه، هذا إلا إذا كان هناك اسم مخرج أو ممثل كبير ينقذه من ورطته. باختصار، يجب على العرض أن يكون ناجحًا جدًا من ناحية تجارية حتى يعيش على مسارح برودواي. وحالما ينجح مثل هذا العرض، فإنه يستمر وربما لسنوات عدة بصورة دائمة.

 

نتيجة للامتعاض من موقف مسارح برودواي، أوجدت مجموعة من الفنانين مسرحًا سُمي بعيدًا عن برودواي، الذي بدأ بتقديم عروض على مسارح بعيدة عن منطقة برودواي في الخمسينيات من القرن العشرين. كان الهدف من وراء هذه الخطوة تقديم بديل أكثر جرأة في تقديم مسرحيات ذات قيمة فنية أكبر من تلك التي كانت تقدم على مسارح برودواي. وكانت هذه المسارح تقع في مناطق فقيرة؛ لهذا كانت التسهيلات فيها فقيرة خاصة تلك التي تتعلق بخشبة المسرح وراحة المشاهدين. غير أن أصالة النص وموهبة الممثلين وانخفاض كلفة الإنتاج قد عوّض عن هذه الأشياء السلبية من ناحية تقنية. غير أن أسعار إنتاج هذه العروض بدأَت في الارتفاع في الستينيات من القرن العشرين وبدأ العامل التجاري يتحكم بالإنتاج كما هو الحال على مسارح برودواي.

 

بانهيار حركة مسرح بعيدًا عن برودواي، بدأ بعض الفنانين بتقديم عروض على مسارح تقام أمام الأسواق المركزية، أو أي أمكنة مفتوحة أخرى تصلح للعرض. وقد عُرفت هذه الحركة بمسرح بعيدًا بعيدًا عن برودواي؛ أي المسارح الأبعد عن برودواي. وقد أصبحت لهذه الحركة قوة مركزية في المسرح التجريبي في أمريكا منذ أواسط الستينيات من القرن العشرين. ولكن سرعان ما أخذت هذه الحركة تعكس قيم ومقاييس المسرح التجاري الذي سيطر على مسارح برودواي.

 

المسارح خارج مدينة نيويورك. بدأ إنشاء فرق دائمة في المدن الكبيرة في الولايات المتحدة منذ الخمسينيات من القرن العشرين. وقد ازداد عدد هذه الفرق بشكل كبير جدًّا بعد الدعم الذي أصبحت تحصل عليه من مؤسسة فورد والمؤسسات الأخرى.

 

وتقدم هذه الفرق عروضها على مسارحها الخاصة بها؛ وعادة ما يكون لها إدارة دائمة من بينها مدير فني ومدير إداري. وتحاول هذه الفرق تنويع عروضها لتشمل فترات زمنية وأساليب مختلفة. غير أن هذا لم يمنع أن يكون بعضها قد تخصص في تقديم العروض الجديدة فقط. وقد يحدث أن تتعاقد هذه المسارح مع مخرج أو ممثلين للاشتراك في عرض واحد أو أكثر.

 

وتعمل معظم الفرق الدائمة بنظام الاشتراكات الموسمية. يقدم المسرح إلى زبائنه تخفيضات إذا اشترى هؤلاء تذاكر مقاعد لكل عرض من عروض الموسم. وتؤمن طريقة الاشتراكات الموسمية الحصول على مبالغ لا بأس بها قبل بداية الموسم؛ كما يحميها من خسائر كبيرة لو فشل عرض أو أكثر من عروض الموسم. وتظل الأمور المالية هاجس هذه الفرق الأول؛ لهذا تحاول دائمًا الحصول على دعم مالي إما حكومي وإما من القطاع الخاص.

 

جماعات مسارح الهواة تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وتضم مسارح المدارس الثانوية ومسارح المجموعات المحلية.

 

هناك فرق مسرحية في العديد من الكليات والجامعات الأمريكية تقدم عروضًا جزءًا من متطلبات الدراسة فيها؛ وتقدم هذه العروض خدمة للمجتمع في نفس الوقت. تتم إدارة بعض مسارح الكليات والجامعات بنفس الطريقة التي تدار بها مسارح المحترفين. وبما أن هدف هذه الفرق ثقافي في الدرجة الأولى، فإنها تقدم عروضًا رفيعة المستوى تتناول نصوصًا من مختلف الفترات الزمنية. وربما تعاقدت هذه المسارح أحيانًا مع أحد المخرجين أو الممثلين الكبار لكي يشترك في عروضها، غير أن طاقم هذه العروض عادة مكون من الطلبة أنفسهم.

 

وأخيرًا لابد أن نذكر شيئًا عن المسارح المحلية الصغيرة التي تأسست وتطورت بين 1900 و1920م؛ ويبلغ عددها اليوم 5000 مسرح في الولايات المتحدة. ولا تقتصر هذه المسارح على تقديم التسلية، بل تساعد على شحذ مواهب أَعضائها. قد تتعاقد بعض هذه المسارح مع مخرج دائم يشرف على عروضها؛ لكن من المعتاد أن يكون جميع العاملين في مثل هذه المسارح من المتطوعين وتركز هذه المسارح عادة على العروض الكوميدية أو الموسيقية.

 

 

المصدر / الموسوعة العربية العالمية 

 


 

عودة إلى صفحة البداية