nadin


أبو تمام1


حبيب بن أوس الطائي، من أعلام الشعراء في العصر العباسي. وقيل إنّ والده اسمه تادرس، وكان نصرانيًا فأسلم وتسمى بأوس وانتمى لقبيلة طيء. والصواب أنه من أصول عربية، ولد بجاسم إحدى قرى حوران في بلاد الشام، وهي تبعد عن دمشق إلى الجنوب40كم. اختُلف في ولادته فقيل 172هـ أو نحو 190هـ. كما اختُلف في تاريخ وفاته بين 228هـ و 231هـ. نشأ بالشام نشأة فقيرة، فاشتغل عند حائك ثياب في دمشق، ثم انتقل إلى حمص، ورحل بعدها إلى مصر، وكان يسقي الناس الماء في جامع عمرو بن العاص، وتردّد على مجالس الأدب والعلم، واطّلع على علوم عصره الدينية والعربية والعلوم المترجمة من منطق وفلسفة وحكمة، وساعده على ذلك ذكاؤه وقوة ذاكرته وحصافة تفكيره. وتوفي بالموصل في العراق.

نظم أبو تمام الشعر في فترة مبكرة من حياته ولم يزل يجوّده حتى نَـبُه ذكره، فعاد إلى الشام من مصر، ومدح القادة والعظماء فيها، ثم توجه إلى حمص والتقى هناك بالشاعر البحتري. ثم توجه إلى العراق ومدح الوزراء فأوصلوه إلى أبواب الخلفاء، فمدح المأمون ولكنه لم يتصل به اتصاله بالمعتصم الذي أُعجب بشعره وقدَّمه على غيره من الشعراء. فمدحه بالكثير من قصائده، ولعل أبرزها قصيدته في فتح عَمُّورَّية ذات الشهرة الكبيرة ومطلعها:

السيف أصدق أنباءً من الكتب في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب


ولما اتصل بالحسن بن وهب ومدحه عيّنه على بريد الموصل، وبقي هناك نحو سنتين. وقد وافته المنية ودُفن هناك. وبكاه الحسن بن وهب ورثاه في جملة من رثاه من الشعراء، وهو الذي يقول فيه:

فجع القريض بخاتم الشعراء وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معاً فتجاورا في حفرة وكذاك كانا قبل في الأحياء


كان أبو تمام ولوعًا بالأسفار، حاضر البديهة، ذكيًا قوي الذاكرة، واسع الثقافة، رُوي عنه أنه كان يحفظ 14 ألف أرجوزة. له ديوان شعر طُبع عدة مرات، جمع فيه كل فنون الشعر من مدح ورثاء واعتذار ووصف وحِكم وعتاب وغزل وفخر ووعظ وزهد وهجاء، وشرح عدة شروح، أشهرها الذي بين أيدي الناس للخطيب التبريزي. وأكثر شعره في المدح والرثاء، حيث يستغرق هذان الفنّان ثلثي ديوانه، ولذا قيل عنه: "أبو تمام مدّاحة نوّاحة".

ويُعدُّ أبو تمام أول شاعر عربي عُني بالتأليف، فقد جمع مختارات من أجمل قصائد التراث الشعري في كتاب سماه الحماسة باسم الباب الأول والأطول منه. وفيه عشرة أبواب: الحماسة، والمراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف، والمديح، والصفات، والسِّير، والنعاس، والملح، ومذمَّة النساء. ولكتاب الحماسة معارضات كثيرة وشروح أكثر، والكتاب يدل على حسن ذوق أبي تمام وعلمه الحصيف بالشعر، حتى قال عنه بعض النقاد: "إن أبا تمام في مختاراته أشعر منه في منظوماته".

ولأبي تمام حماسة أخرى تُسمى الحماسة الصغرى أو الوحشيات. وقد وصل إلينا الكتابان السابقان، غير أنه لم تصل إلينا كتبه مثل: الاختيار القبائلي الأكبر والأصغر، وأشعار القبائل، وفحول الشعراء. ويُنسب إليه كتاب نقائض جرير والأخطل، وقد خصَّه الآمدي وصنوه البحتري بكتاب نقدي سمّاه الموازنة بين الطائيين، جعل أبا تمام فيه ممثل مذهب الصنعة والبحتري ممثل مذهب الطبع.
ويمتاز أبو تمام عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جديد في الشعر، يقوم على الغوص في المعاني البعيدة التي لاتُدْرَك إلا بإعمال الذهن، والاعتماد على الفلسفة والمنطق في عرض الأفكار وإلباسها صورًا من التشبيهات والاستعارات والكنايات. ويقوم فن أبي تمام على الصنعة البديعية. فلهذا تراه يكثر منها كما يكثر من الألفاظ الغريبة، إلا أن شعره يمتاز بقوة العاطفة وحرارتها، مماجعل شعره محببًا إلى النفوس. غير أن شعره يتفاوت سموًا ودنوًا مما حدا بتلميذه البحتري أن يقول: "جيد أبي تمام خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه". وقد نشأت دراسات كثيرة تناولت فن أبي تمام في أغراض شعره أو مذهبه الأدبي أو في مؤلفاته أو في الحركة النقدية التي تبلورت حوله. وقصائده المشهورة أكثر عددًا من أن تحصى أو يشار إليها. ومن أبياته السيارة:

لاتنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب للمكان العالي
كذلك قوله :
لاتنكروا ضربي له من دونه مثلاً شرودًا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس

وقوله:
اصبر على مضض الحسود فإنّ صبرك قاتِلُه
فالنَّار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكل
ه
وقوله:
أحلى الرجال من النساء مواقعًا من كان أشبههم بهنّ خدودا

وقوله يصوّر أيام عشقه الماضية:
أعوام وصل كاد ينسي طولها ذكرُ النـَّـوَى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أردفت بِجَوىً أسىً فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

وكذلك قوله:
مسترسلين إلى الحتوف كأنما بين الحتوف وبينهم أرحام
آسادُ موتٍ مُخْدَرات مالها إلا الصوارمُ والقنا آجامُ


  المصدر / الموسوعة العربية العالمية

أبو تمام 2

1 - هو حبيب بن أوس بن الحارس بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مروان ابن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وجلهمة هو طيء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

2 - ولد بقرية جاسم، وهي إحدى قرى الجيدرو، من أعمال دمشق، وأثبت الأقوال المأثورة أن مولده كان في سنة تسعين ومائة من الهجرة.

3 - كان أبو تمام أسمر الون، طويلاً، حلو الكلام، غير أن في لسانه حبسة، وفي كلامه تمتمة يسيرة، حتى قيل فيه:

يا نبي الله في الشعر، ويا عيسى بن مريم

أنت من أشعر خلق الله ما لم تتكلم

وكان فطناً شديد الفطنة، قوي العارضة، حاضر البديهة. وقد واتته هذه الخلال ومكنت له من الغوص على المعاني؛ فكان لا يزال يجد في أثرها حتى يصل إلى ما يعسر على غيره متناوله.

4 - كان لأبي تمام مذهب في المطابق والمجانس اشتهر به، ونسب إليه. وهذا المذهب لم ينسب لأبي تمام لأنه اخترعه؛ فقد طرقه الشعراء من قبله، وقالوا منه، ولكنه نسب إليه وعرف هو به لأنه فضل الشعراء جميعا فيه، وأكثر منن وسلك جميع شعبه، بل إنه كان مثار ما دار حوله من الجدل، ومن جهته انطلقت ألسنة الناقدين عليه، بحق أحياناً، وبغير حق أحياناً أخرى؛ ذلك بأنه بالغ في سلوك هذه السبيل وأولع بها، حتى ليندر أن يخلو بيتٌ له منه، فأوقعه هذا الولوع في التعسف وارتكاب متن الشطط، ولكن الذي لا شك فيه أن الجيد من شعره كثير، وأنه لا يلحق غباره في جيده.

5 - اتصل أبو تمام برجال الدولة في عصره، ومدح وهجا ورثى، وقال في كل أغراض الشعر، وقد أحصيت عدة من مدحهم فألفيتهم ثمانية وأربعين ما بين خليفة وابن خليفة ووزير وكاتب وقاض وسري: مدح أمير المؤمنين المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد، ورثاه بعد موته، ومدح أمير المؤمنين الواثق بالله ابن المعتصم، ومدح محمد بن عبد الملك الزيات، وأبا عبد الله بن أبي دؤاد، والحسن بن وهب، وأخاه سليمان بن وهب، ومالك بن طوق، وأبا دلف القاسم ابن عيسى العجلي، وأبا المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي، وأبا الحسن محمد بن الهيثم بن شبابة، وإسحاق بن إبراهيم المصعبي، وإسحاق بن أبي ربعى كاتب أبي دلف، ومحمد بن حسان الضبي، وخالد ن يزيد بن مزيد الشيباني، وكان أكثر إنسان مدحه أبو تمام هو أبو سعيد محمد بن يوسف الثغري؛ فقد أحصينا له فيه سبعا وعشرين كلمة. ونريد أن نسجل ههنا أن أبا تمام الطائي كان كثيراً ما يمدح الطائيين؛ فأبو سعيد الطائي، وأحمد بن عبد الكريم طائي، وعمر بن عبد العزيز طائي، وغير هؤلاء من ممدوحيه طائيون؛ فهل كان يمدح على العصبية أو الرغبة في الجائزة؟ ذلك بحث لم يستقم لنا وجه الرأي فيه، ولا هو مما تحتمله هذه العجالة في هذه الظروف. وعسى أن يتهيأ لنا من بعد أن نفيض فيه.

6 - وتوفي أبو تمام بالموصل سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وبني عليه أحد بني حميد الطوسي قبة خارج الميدان، وقبره الآن في حديقة البلدية بالموصل.

المصدر / كتاب " الموازنة بين الطائيين أبي تمام والبحتري "

 

 


 

عودة إلى صفحة البداية