العولمة والمعلومات في القارة الخفية - مجموعة المكتبيين العرب

الصفحة الرئيسية دليل المواقع Call to Islam اتصل بنا
الموضوعات التقنية الموضوعات الدينية الحياة الزوجية وتربية الأطفال المكتبات والمعلومات
التعليم في بلادنا أخبار محلية أخبار عالمية سجل الزائرين

العنوان: العولمة والمعلومات في القارة الخفية

التاريخ : Sep 23, 2005

المصدر:  من مقالة لمصطفى المصمودي ( رئيس الجمعية التونسية للاتصال )  بعنوان: "العرب وحوار الحضارات في مجتمع المعلومات"

نص الموضوع :

إن العلاقة بين منظومة العولمة ومفهوم الحضارة في مجتمع المعلومات في
حاجة الى تحاليل ضافية ودراسات معمقة، غير انه يمكننا ابراز البعض من
جوانب هذا التناغم الثلاثي من خلال ما كتب حول الموضوع في السنوات الاخيرة.

ان العولمة هي غياب البعد الوطني او القومي بحيث كانت تقوم المنافسة بكل
درجاتها وانواعها داخل حدود الوطن نفسه، فالعولمة تعني مصنعا عالميا
واحدا وسوقا عالميا تهيمن عليه الشركات العابرة للقارات، وتعاملا تجاريا في قرية عالمية لا تتشابه مع القرية المعهودة في
تقاليدها الانسانية ولا في ثقافتها الشعبية التي تعني تشابك اساليب الحياة.

ويرى بعض المنظرين أن للثقافة جانبين: روحي ومادي بحيث يضم الجانب
الروحي القيم والمعايير والاعتقادات والتقاليد، ويمثل الجانب المادي
التجسيد المحسوس لما يصاغ من أدوات ومنشآت لضمان
الاستقرار الحضاري والتعايش الاجتماعي. وهذا يعني ان الثقافات المتجنسة
والمتباينة نسبيا يمكن أن تشارك في حضارة عالمية واحدة بقدر سعة
انفتاحها وتفاعلها مع سائر العالم وذلك مع الاحتفاظ
بجانبها الروحي ومميزاتها الخاصة. ويقول صامويل هنتنغتون في كتابه "صراع
الحضارات واعادة صنع النظام العالمي" ان الثقافة والهويّات الثقافية التي
هي هويات حضارية تشكل انماط

التماسك والألفة والمودة بين المنتمين او المنتسبين لهذه الحضارة أو تلك
فالناس يعرفون انفسهم من خلال النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم
والعادات. كما ان رموز الهوية مثل الاعلام وغطاء
الرأس والمأكولات والشعارات الدينية (الهلال أو الصليب) تدخل في الاعتبار
الى حد كبير للتعريف بتلك الهوية.
 

وبصورة عامة فإن الفروق التي أصبحت تميز بين الشعوب بعد انتهاء الحرب
الباردة لم تعد سياسية او اقتصادية بقدر ما هي ثقافية ومن هنا تدرج مؤلف
كتاب "صدام الحضارات الى تصنيف هذه الحضارات وتقييم وزنها على الساحة العالمية.

1 - الحضارات العالمية اليوم:

لقد أصبحت المجتمعات حسب هنتنغتون تعتمد الهوية للدفاع عن مصالحها
وتنميتها. وبما أننا لا نعرف من نكون إلا عندما نعرف من ليس نحن، ومن هم
خصومنا، فقد تأكدت ظاهرة الانتساب
الحضاري. وبالتالي فإن الكتل الثلاث الكبرى التي كانت قائمة إبان الحرب
الباردة قد تركت المجال أمام التكتلات الحضارية، وقد حصرها المؤلف في
ثمانية تجمعات وهي البلدان الغربية والاسلامية
والهندوسية والامريكية اللاتينية والإفريقية الارتوذوكسية واليابانية.

ويستنتج المؤلف أن الصدارة في الترتيب هي للمجموعة الصينية من حيث تعداد
السكان وتليها المجموعة الاسلامية وهو يلتقي في ذلك مع هنري كيسنجر الذي
يرى ان القوى الرئيسية التي ستؤسس النظام
العالمي في القرن الحادي والعشرين تنتمي لحضارات متباينة جدا ومنها
الدول الاسلامية التي ستكون مؤثرة في الشؤون العالمية بفضل مواقعها
الاستراتيجية وتعدادها الفخم ومواردها البترولية.
وستكون السياسة المحلية في هذا العالم الجديد هي السياسة العرقية
والسياسة الكونية هي سياسة الحضارات كما سيكون صدام الحضارات محل
المنافسة بين القوى الكبرى.

2 - التأقلم مع الحدود الجغرافية الخفية:

انه من البديهي ان يتناغم كل خطاب مع المناخ الذي يحيط به كما انه لا
مندوحة من الاعتراف بالحدود والفضاءات الجديدة التي أفرزتها منظومة
العولمة والمقصود بهذه الحدود هي تلك "الجغرافيا السرية
للاقتصاد الجديد". لقد صدر في الأشهر الأخيرة بباريس كتاب مترجم من
الانجليزية ألفه الباحث الياباني كنيشي أوهماي تحت عنوان "القارة الخفية"
ومفاد هذا الكتاب ان ظاهرة العولمة ادت الى
ظهور هذا الكيان السياسي الذي ليس له دستور ولا نظام أساسي لكنه يستند
الى ميثاق عنوانه الاستقلال في كنف التكامل والترابط والتعايش السلمي
 ولهذه القارة مؤشرات مشابهة للقارات الجغرافية المعروفة كالمساحة وعدد السكان وحجم الناتج
ومعدل الدخل الى آخره.

ويوضح كنيشي ان الانسان لم يكتشف بعد مختلف خفايا هذه القارة غير أنه
قادر على ادراك ملامحها من خلال أربعة ابعاد وهي: البعد الظاهر والبعد
الافتراضي والبعد الظرفي والبعد العابر للحدود.
فالانسان يمر بالابعاد الاربعة في اليوم الواحد بحيث يتعامل مع البعد
الظاهر عندما يشتري غذاءه، ويتفاعل مع البعد الافتراضي عندما يستعمل
بطاقة دفع ممغنطة، ويلامس البعد الظرفي عندما يقف في بهو
البورصة، ويدخل في البعد العابر للحدود عندما يجلس أمام التلفزة أو
الحاسوب ويستفيد عن بعد من مختلف الخدمات الادارية والتجارية.

ولهذه القارة الممتدة عبر الاراضي والبحور جسور تساعد على العبور بين
منطقة واخرى لكنها لا تماثل الطرق والمسالك التي عرفها الانسان في العصر
الصناعي. ويتحكم في هذا الكيان المنتجون
والمستهلكون على اختلاف مشاربهم وهم غير متفقين على توجه واحد ولا توحد
بينهم إلا اللهفة على الربح السريع، وغزو الأسواق الجديدة، والمنافسة
الشرسة. أما الجسور فهي أساسا قنواتالتلفزيون الفضائية وشبكات المعلومات،

وانترنيت، ومايكروسوفت.. وتسمح الاحكام الضمنية في هذه القارة بالتمييز في المعاملات بين مجموعة سكنية
واخرى والمراوغة وعدم احترام مبادئ المساواة وتجاوز اداب اللياقة.

ويمكن لكل راغب ان ينتسب الى هذه القارة
بمحض ارادته او تحت التأثير والاغراء أو بدافع الطموح.

والسؤال بالنسبة الى كل مفكر عربي هو: ما هي مميزات التعامل مع هذا
الظرف الجديد وما هو مستوى حضورنا في هذه القارة الخفية؟ وما هي نسبة
تفاعلنا مع مكتشفيها؟ وما هو مقدار مشاركة الفكر العربي لتبوّؤ منزلة فيها؟

وبأي نسق سيكون إقبال الخبرة العربية عليها؟
وهل ستساعد وسائل الاعلام العربية المهاجرة على اكتساح هذه القارة أم
ستكون محل مراودة من اطراف خفية لمساعدة المنافسين على احباط مساعينا، وتشويه صورتنا،

وعرقلة انخراطنا في هذا المجتمع المعرفي الذي يقوم على الفطنة والذكاء؟

ان الاستراتيجية الاعلامية هي محور مركزي في هذا المجال، كما أنها تمثل
ركنا أساسيا من اركان الحوار بين الاطراف المتعايشة في هذا الكيان الجديد.

3 - أثر الحضارة العربية الاسلامية في مسار العولمة:

يرى الشاذلي القليبي في كتابه "أمة تواجه عصرا جديدا"، أن العولمة لا
تتناقض مع توجهات الحضارة الاسلامية التي وفرت مجالا رحبا منذ نشأتها
للتقارب بين الشعوب وتلاقح الحضارات، بل أكثر من ذلك، أن ظاهرة العولمة تجد في الحضارة العربية الاسلامية تراثا ثقافيا
مناسبا لتطوير مثل هذا التواصل والتقارب بين الشعوب.

ولذلك فإنه يتعين علينا العودة الى هذا الإرث الثقافي كما يجب علينا ونحن
نؤكد خصوصياتنا الثقافية ان نتجنب الافراط حتى لا نثير لدى الآخرين الضغينة
والافكار المسبقة التي لن يتردد هؤلاء في ربطها بالإسلام جهلا منهم بأن من صميم هذه الديانة مفاهيم السماحة، والتعقل،
والانفتاح، والمروءة. كما يجب اقناع الآخر بأن العدو الحقيقي للانسان إنما
هو الفقر، وسوء المعاملة، والجور، وأن قانون السوق لا يجب أن يؤدي الى مجتمع السوق أي الى قانون الغاب.

ان على كل مجتمع في مستهل هذا القرن الجديد أن يمهد السبيل الى تناغم
يستحث الوفاق وحضارة متجددة تستلهم التراث بشكليه المادي واللامادي.

وكما هو الشأن في الماضي، فإنه يجب أن تتغذى هذه الحضارة على تنوع القيم
والطموحات المشروعة واحترام الهويات المختلفة. وكذلك قدر كل الشعوب
الراغبة في التقدم والتألق ولن يتحقق ذلك الا بدعم اعلامي فاعل.

ومن المؤسف اننا دخلنا في عالم قوامه العنف والارهاب
وقد تولد ذلك في حد كبير عن انفتاح الحدود والتطرف واشتداد الحاجة
والفاقة حتى في المجتمعات الغنية وأصبحت الانسانية تبحث عن حلول ملائمة لقضايا جديدة

وقوانين دولية متميزة وضوابط أدبية يتقيد بها الجميع في القارة الخفية. وما احداث 11 سبتمبر الا مظهر لتحرك
قوى الشر وقد اعتقد بعضهم خطأ ان ذلك مظهر لصراع بين الحضارتين الاسلامية والغربية.


الصورة العربية غدا في القارة الخفية:
--------------------------------
والسؤال بالنسبة الى كل مفكر عربي ما هو مستوى حضورنا غدا في مجتمع
المعلومات وفي هذه القارة الجديدة؟ وما هي نسبة تفاعلنا مع مكتشفيها؟
وما هو مقدار مشاركة الفكر العربي لتبوّؤِ منزلة فيها؟

وبأي نسق سيكون إقبال الخبرة العربية في هذا المجتمع المعرفي الذي يقوم
على الذكاء والفطنة وعلى التحرك السريع وزوال الحدود الوطنية؟

إن الاستراتيجية الاعلامية هي محور مركزي في هذا المجال، كما انها تمثل
ركنا أساسيا من أركان الحوار بين الاطراف المتعايشة في هذا الكيان الجديد
بما فيها من عرب وأوروبيين.

لقد كتب الكثير من الاعلام العربي في اوروبا عما يتعين بذله من جهود بضمان
التعايش الحضاري حتى تكون الصورة العربية مقبولة لدى الجمهور الأوروبي
ويكون المواطنون في المنطقتين أكثر إحاطة بما يجري حولهم في العالم، وحول مصيرهم المشترك.

وكان هناك وفاق كامل حول ضرورة السعي الى تحسين سيولة الاعلام العربي نحو أوروبا وذلك باللغة
والأسلوب اللّذين يتناسبان أكثر من غيرهما مع المستهدفين والأطراف المتقبلة.

هذه هي المبادئ التي تحركت من أجلها في البداية الأقلام العربية ويظهر أن
هذا الجانب من الرؤية الاستراتيجية التي وضعتها صفوة عربية مختصة منذ ربع
قرن وأثناء فترة قصيرة تهيأت فيها الظروف

المناسبة، غاب اليوم عن الذهن. فأين نحن من هذه الرؤية وأين نحن من هذه
الأهداف السامية؟

فلا ينبغي ان تخفى هذه الحقيقة عن أذهان الذين تخلبهم الأنوار المحرقة
لهذه القارة الخفية. ولا بد من كشف المشكلات والجوانب السلبية التي
يجابهها الاعلام العربي في الخارج أيضا.

فقد هاجر بعضهم في بادئ الأمر بسبب السعي الى حرية التعبير والنشر لكنهم
ما لبثوا ان واجهوا رقابة وتوجيها من طرف من ركنوا إليه لتوفير تلك
الحرية، فأصبح بعضهم يساند بدون تمييز الاطراف

الخارجية المدعمة ولو على حساب الهوية الأصلية ولذلك فإنه يمكن القول ان
هذه الصحافة قد خدمت الحضارة العربية بنسب متفاوتة وكانت مصادر التمويل
من المعوقات الأساسية التي قيدت الحرية وأثرت في الاتجاه.

ان الاستنتاج الاول من الدراسة هي ضرورة الاعتراف بأهمية التحرك الثقافي
الاعلامي في العمل الهادف الى تغيير العقليات وتطوير السلوك وإبراز الملامح
الإيجابية للصورة التي نريد تكريسها عن مقومات حضارتنا في المحيط القريب والبعيد.

ويكمن العنصر الثاني للاستنتاج في ضرورة الاقتناع بأن الصورة الخارجية لأي
طرف هي الانعكاس المباشر للصور الداخلية وهي متغيرة ومتأثرة بالاحداث
المحيطة.

ولعل الاستنتاج الأهم هو الاقرار بأن صورة الحضارة العربية الاسلامية في
الخارج لم تكن على احسن ما يكون وان هذه الصورة كانت متأثرة غالبا
بالصورة الداخلية المتناقضة وتحت تأثير التطرف والمغالاة.

ان هذه الصورة لن تتحسن إلا من خلال خطة متماسكة وبرنامج عمل متواصل يراعي
كل الاعتبارات الجديدة وكل مقتضيات مجتمع المعلومات. ويعود هذا المجهود
الى كافة الاطراف المعنية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة
والعلوم وسائر المنظمات العربية غير الحكومية والمنتديات الاجتماعية.