عقيدة السلف أصحاب الحديث - أبوعثمان إسماعيل  الصابوني الشافعي- 2
 
 

 بسم الله الرحمن الرحيم
عقيدة السلف أصحاب الحديث
أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني الشافعي (توفي سنة 449هـ)

( 1 ) ( 2 )

[البعث بعد الموت والشفاعة]

ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة، وبكل ما أخبر الله سبحانه من أهو ال ذلك اليوم الحق، و اختلاف أحوال العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك، في ذلك اليوم الهائل من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابة عن المسائل، إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم، والمقام الهائل من الصراط والميزان، ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير والشر، وغيرها، ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد، ومرتكبي الكبائر، كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أنبأنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أنبانا معمر عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". وأنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد أنبأنا محمد بن المسيب الأغياني، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي، عن زياد بن خيثمة عن نعمان بن قراد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفى. أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين". أخبرنا أبو محمد المخلدي، أنبأنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو، (ح). وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة أنبأنا جدي الإمام محمد بن إسحق بن خزيمة، حدثنا علي بن حجر بن إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: " لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه".

[الحوض والكوثر]

ويؤمنون بالحوض والكوثر، وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حسابا يسيرا، وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم و إخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الجنة ، ولا يخلدون في النار، فأما الكفار فإنهم يخلدون فيها ولا يخرجون منها أبدا، ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحدأ.

[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]

ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي ، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب (الانتصار) بطرقها.

[الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان]

ويشهد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبدا، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبدا، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبدا، وأن المنادي ينادي يومئذ " يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت " على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص]

ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان، فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبوجعفر الخطمي عن أبيه عن جده عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه سبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحق المزكى ، حدثنا أبي حدثنا أبو عمرو الحيري، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن إدريس المكي، وأحمد بن شداد الترمذي، قالوا: حدثنا الحميدي حدثنا يحيى بن سُليم: سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل.
وسألت هشام بن حسان فقال: قول وعمل. وسألت ابن جريج فقال: قول وعمل. وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل. وسألت المثنى بن الصباح فقال قول وعمل وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال : قول وعمل وسألت محمد بن مسلم الطاثفي فقال: قول وعمل ، وسألت فضيل بن عياض فقال: قول وعمل. وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل. وسألت سفيان بن عيينة فقال: قول وعمل.
وأخبرنا أبو عمرو الحيري، حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن إدريس وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بلى ينقص حتى لايبقى منه شيء.
وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي ومالكا وسعيد بن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل. ويقولون لا إيمان إلا بعمل، قلت فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيمانا، ممن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة .
وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن باكويه الحلاب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلأ، وأنا أبغضهم عن معرفة. إن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة . الثاني: أنه ليس للإيمان عندهم قدر، والله لا أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل.
وسمعت الحاكم يقول سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانيء يقول: سمعت أبا بكر محمد بن شعيب يقول: سمعت إسحق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قدم ابن المبارك الري فقام إليه رجل من العباد، الظن به أنه يذهب مذهب الخوارج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال لا أخرجه من الإيمان، فقال: يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال: لا تقبلني المرجئة. المرجئة تقول: حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة، ثم ذكر عن شوذب عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت محمد بن إسحق بن خزيمة يقول: سمعت الحسين بن حرب أخا أحمد بن حرب الزاهد يقول: أشهد أن دين أحمد بن حرب الذي يدين الله به أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

[لا يكفر أحد من المسلمين بكل ذنب]

ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوبا كثيرة صغائر وكبائر فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانما، غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه، ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار.
وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول: المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار. ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوسأ في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلى بالنار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس. ومعنى قوله "لا يلقى في النار إلقاء الكفار " أن الكافر يحرق بدنه كله، كلما نضج جلده بدل جلدا غيره، ليذوق العذاب كما بينه الله في كتابه في قو له تعالى (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارآ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودأ غيرها ليذوقوا العذاب) وأما المؤمنون فلا تلفح وجو ههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود منهم، إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده. ومعنى قوله: "لا يبقى في النار بقاء الكفار " أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبدا، ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحدا. ومعنى قوله: " لا يشقى بالنار شقاء الكفار " أن الكفار يؤيسون فيها من رحمة الله، ولا يرجون راحة بحال، وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال، وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة، لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلا من الله ومنة.

[حكم تارك الصلاة عمدا]

واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمدا، فكفره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الإسلام، للخبر الصحيح: " بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر" وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقدأ لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام، وتأولوا الخبر من ترك الصلاة جاحدا لها كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) ولم يك تلبس بكفر ففارقه، ولكن تركه جاحدا له.

[خلق أفعال العباد]

ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله ثعالى، لا يمترون فيه، ولا يَعُدُّون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه ويضل من يشاء عنه ، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل (قل: فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين) وقال: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق القول مني) الآية وقال: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرأ من الجن والإنس) الآية. سبحانه وتعالى خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين، فريقا للنعيم فضلا، وفريقأ للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، وقريبأ من رحمته، وبعيدا، ( لا يُسئَل عما يفعل وهم يُسألون ).
أخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا يوسف بن موسى أنبأنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ماسبق له في الكتاب فيعمل بعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ".[ وأخبرنا أبو محمد المخلدي قال أنبأنا أبو العباس السراج : قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - هو ابن راهويه - قال : أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار ، فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة ، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة ].

[الخير والشر]

ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، لا مرد لهما، ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له. لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا. على ما ورد به خبر عبد الله بن عباس عن الني صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الله عز وجل: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله) 0
ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله، وبقضائه - أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الإنفراد فيقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان - وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه - وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح " تباركت وتعاليت، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك " ومعناه والله أعلم والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا، حتى يقال لك في المناداة : يا خالق الشر و يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعا ، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال: فيما أخبر الله عنه في قوله: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون ي البحر، فأردت أن أعيبها) ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) ولذلك قال مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: (وإذا مرضت فهو يشفين) فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه.
ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، ولم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره، وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز وجل: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم).

[عواقب العباد مبهمة]

ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بما يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم، لا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان بم ولذلك يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله. [ أي من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله ] ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة لذنوبهم التي اكتسبوها، ولم يتوبوا منها، فإنهم يردون أخيرا إلى الجنة ولا يبقى أحد في النار من المسلمين. فضلأ من الله ومنه، ومن مات والعياذ بالله على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى.

[المبشرون بالجنة]

فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك، تصديقا منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من أرتضى من رسول) وقد بشر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وكذلك قال لثابت بن قيس بن شماس: "أنت من أهل الجنة ". قال أنس بن مالك: فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من أهل الجنة.

[أفضل الصحابة]

ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة "الخلافة بعدي ثلاثون سنة " وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فرضيناه لدنيانا [ يعني أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه - وهي الدين - فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا ] وقولهم: قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك! وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه والله، وارتفعوا به وارتفقوا حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف لما عُبدا الله. ولما قيل له: مه يا أبا هريرة! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به.
ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه - بمكانه في إعلاء الإسلام، وإعظام شأنه - وعده.
ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه. ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، عرفه ورآه كل منهم رضي الله عنهم أحق الخلق، وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه، فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وفي قوله: (أشداء على الكفار) فمن أحبهم وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج ـ لعنهم الله ـ فقد هلك في الهالكين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فمن سبهم فعليه لعنة الله " وقال: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله".

[الصلاة خلف البر والفاجر]

ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا. ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل.

[الكف عما شجر بين الصحابة]

ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم. ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم. وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن، والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.

[لاندخل الجنة بالعمل]

ويعتقدون ويشهدون أن أحدا لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسنا، وطريقه مرتضى إلا أن يتفضل الله عليه، فيوجبها له بمنه وفضله، إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله عز اسمه، فلو لم ييسره له لم يهده له لم يهتد له أبدا. قال الله عز وجل: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء) وفي آيات سواها.

[لكل مخلوق أجل]

ويعتقدون ويشهدون أن الله عز وجل أجل لكل مخلوق أجلا، وأن نفسا لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، وإذا انقضى أجل المرء فليس إلا الموت، وليس له منه فوت، قال الله عز وجل: (ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون) وقال: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا).
ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله، قال الله عز وجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) [ وقال : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) ] .

[وسوسة الشياطين]

ويعتقدون أن الله سبحانه خلق الشياطين يوسوسون للآدميين، ويقصدون استزلالهم ويترصدون لهم، قال الله عز وجل: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون). وإن الله يسلطهم على من يشاء، ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا). وقال: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).

[السحر والسحرة]

ويشهدون أن في الدنيا سحرا وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله عز وجل ، قال الله عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر. وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإذا وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهى عنه فإن عاد عزر. وإن قال: السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله، لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه.

[من آداب أصحاب الحديث]

ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره، وينجسونه ويوجبون به الحد. ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات. ويوجبون قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام[1]. ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتما واجبا، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما، والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينية فيه، وكذلك الارتفاع من السجود، والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها. -10
ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع.[واتقاء سؤ عاقبة الطمع ويتواصون بالحق والصبر] ، ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله، والخصومات فيه، ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهو اء والجهالات ، [ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم ]. ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين. ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت . وفيه أنزل الله عز وجل قوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره)

[علامات أهل البدع]

وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقادا منهم في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، العاطلة ، وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة. أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم وأعمى أبصارهم. ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء.
سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه.
وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله
أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء. فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ئوبه ويقول: زنديق زنديق، حتى دخل البيت.
وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده.
وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلا فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدا، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلا هذا.
وسمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبد الله بن حماد العالم الزاهد يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي يقول: قرىء علي عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي يقول: عني به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشويه، يريدون بذلك إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة، قلت: ( وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث ) ، قلت : أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اقتسموا القول فيه، فسماه بعضهم ساحرا وبعضهم كاهنا، وبعضهم شاعرا، وبعضهم مجنونا، وبعضهم مفتونا، وبعضهم مفتريا مختلقا كذابا، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تلك المعائب بعيدا بريئا، ولم يكن إلا رسولا مصطفى نبيا، قال الله عز وجل: (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلأ). كذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره ورواة أحاديثه المقتدين بسنته، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب برية زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضية والسبل السوية والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لا تباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منها، وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة شريعته، وعلماء أمته، ومن أحب قوما فهو معهم يوم القيامة بحكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب".

[علامات أهل السنة]

وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمة السنة، وعلمائها وأنصارها وأو ليائها، وبغضهم لأئمة البدع، الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة فضلا منه جل جلاله ومنة .
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أسكنه الله وإيانا الجنة، حدثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكى، حدثنا أحمد بن سلمة، قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي، وشعبة وابن المبارك، وأبا الأحوص وشريكا ووكيعا ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن ابن مهدي فاعلم أنه صاحب سنة، قال أحمد بن سلمة رحمه الله: فألحقت بخطي تحته: ويحيى بن بحبى وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، فلما انتهى إلى هذا الموضع نظر الينا أهل نيسابور، وقال: هؤلاء القوم يتعصبون ليحيى بن يحيى، فقلنا له: يا أبا رجاء ما يحيى بن يحيى؟ قال رجل صالح إمام المسلمين، وإسحق بن إبراهيم إمام، وأحمد بن حنبل أكبر من سميتهم كلهم، وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكر قتيبة رحمه الله، أن من أحبهم فهو صاحب سنة من أئمة أهل الحديث الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم ومتبعيهم وشيعتهم أنفسهم يعدون، وفي اتباعهم آثارهم يجدون جماعة آخرين، منهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، وسعيد بن جبير والزهري، والشعي والتيمي ومن بعدهم، كالليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، ويونس بن عبيد، وأيوب وابن عون ونظرائهم. ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون، وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد، ومن بعدهم محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري، وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن واره، ومحمد بن أسلم الطوسي، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الذى كان يدعى إمام الأئمة، والمقري كان إمام الأئمة في عصره ووقته، وأبي يعقوب إسحق بن إسماعيل البستي، وجدي من قبل أبوي أبي سعيد يحيى بن منصور الزاهد الهروي، وعدي بن حمدويه الصابوني، وولديه سيفي السنة أبي عبدالله الصابوني وأبي عبد الرحمن الصابوني، وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوامتمسكين بها، ناصرين لها داعين إليها دالين عليها، وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضا، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وابعادهم واقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم، قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولايتبعوا غير أقوالهم، و لا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحد منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه، وبدعوه ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع، ووفور عددهم فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل " والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بها واستقام عليها، ودعا إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: " له أجر خمسين فقيل: خمسين منهم؟ قال: بل منكم".وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته.
وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله: أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي، أن العباس بن صبيح حدثهم، حدثنا عبد الجبار بن مظاهر حدثني معمر بن راشد، سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مئتي سنة. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني، أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، سمعت محمد بن حاتم المظفري يقول سمعت عمرو بن محمد يقول : كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد فحدثه بحديث أبي هريرة "احتج آدم وموسى"، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقول حتى سكن عنه.
هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق. وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح، الذي سمعه بكيف؟ على طريق الإنكار، والاسبتعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وسلم. جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة والآراء المضمحلة، والأسواء المذلة، فضلا منه ومنة. آخره ، الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . في قراءة الفاتحة خلف الإمام خلاف بين أهل الحديث. -12
بحمد الله قابلت هذه النسخة من الكتاب على نسخة حققها الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع .

( 1 ) ( 2 )

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 الصفحة الرئيسة
العقيدة الصحيحة
   الشرك وأنواعه 
تحطيم البدع
 الردود العلمية
 الفرق والمذاهب
 فتاوى مهمة
رأيك يهمني
من أفضل المواقع
دليل المواقع
رسالة الإسلام
السلفيون
شمس الإسلام
المرشد
الموحدون

تحت المجهر

النصارى 

النصيرية

الرافضـة

الإباضيــة 

 الأحباش

العصرانيون