الأضرحة الوهمية وكيف تحولت لأداة

الأضرحة الوهمية وكيف تحولت لأداة للثراء السريع



· عوائدها تفوق عشرات المليارات سنويًّا، ويسيطر عليها دجالون ونصابون.
· 50% من عدد الأضرحة وهمية، وصمت المجلس الأعلى للطرق الصوفية حيالها مريب!
· حولت مجهولين وحيوانات ومسيحيين ويهود لأولياء، والقائمون عليها طابور خامس لنشر الخرافات.
· شيوخ الطرق الصوفية تحولوا لأثرياء بفضل السيطرة على عوائد صناديقها ونذورها الوهمية.
· اقتصار رقابة الدولة على الأضرحة المسجلة أغرى أبناء الطرق بالانشقاق واقتحام عالم الأغنياء.
· رموز الصوفية طرحوا القضية للنقاش، وغياب الموقف الجاد فتح باب التكهنات حول مباركتهم لها.
· علماء الدين والاجتماع يطالبون شراكة مجتمعية للتصدي للفكر الشركي.

موقع الصوفية ـ القاهرة ـ عبدالرحمن أبوعوف
هناك قصة تبدو في ظاهرها طريفة، كان يتداولها الناس في مصر لمدة طويلة جدًّا، بل إنها مستمرة في التدوال حتي الآن في بعض القرى في ريف مصر وصعيدها، وتتمثل في أن اثنين من اللصوص سرقا حمارًا من أحد الموالد، وبينما هما في الطريق لأحد الأسواق خر صريعًا نافقًا، فما كان منهما إلا أن شرعا في حفر لحد له لعله يخفي معالم جريمتهما، غير أنهما وأثناء الدفن تفتق ذهنهم عن حيلة للاستفادة من هذا القبر عبر ترديد مزاعم عن كراماته ومعجزاته، بل وطلبا إنشاء ضريح ومقام له لعلهم يحققان من وراء هذا الضريح ما عجزوا عن تحقيقه عبر اللصوصية وسرقة المواشي، وهو ما تحقق لهما في النهاية عبر الموالد المنتظمة التي تبذل فيها الأموال بشكل أقرب للسفه دون وجود مبرر شرعي أو منطقي.

اهتراء ديني واجتماعي:
هذه القصة على غرابتها إلا أنها تعكس نوعًا من الموروث الاجتماعي المهترئ الذي تعيشه قطاعات عريضه من الشعب المصري لم تنل حظًّا من التعليم، أو سلامة المعتقد الديني وفق مذهب أهل السنة والجماعة، بل إنها تقدم تفسيرًا كذلك لظاهرة تعاني منها مصر حاليًا؛ وتتمثل في ارتفاع قياسي لعدد الأضرحة الوهمية خلال السنوات الأخيرة، فاقت بكثير عدد الأضرحة الرسمية في مصر والتي تجاوزت أكثر من 2225 ضريحًا ومقامًا أغلبهم غير مسجلين، كما يؤكد د.شحاتة صيام أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم في كتابه "الطهر والكرامات: قداسة الأولياء" تحول أغلبها لأداة للنصب والثراء السريع؛ نتيجة سيطرة مجهولين على صناديق النذور التي تدر سنويًّا ما يقرب من 10 مليارات جنيه "2مليار دولار".

قبلة للجهلة وبوابة للملايين:
من البديهي التأكيد أن هذه الأضرحة الوهمية قد تحولت خلال السنوات الأخيرة لبوابة سحرية للثراء، سواء لعدد من كبار مشايخ الطرق الصوفية الذين أحكموا سيطرتهم على حصيلة صناديق النذور بعيدًا عن سطوة أجهزة الدولة، سواء وزارة الداخلية أو المالية أو الشئون الاجتماعية التي تكتفي فقط بالإشراف على الصناديق التابعة للمساجد والأضرحة الرسمية المسجلة، دون أي رغبة في امتداد الرقابة على آلاف من الأضرحة، بشكل يفتح الباب مع علامات استفهام حول هذا الأمر، خصوصًا أن عددًا من كبار رموز الصوفية قد اقتحموا بغير مبرر نوادي الأغنياء وأصحاب السيارات الفارهة التي يجد أصحاب المؤسسات الاقتصادية صعوبة بالغة في اقتنائها، بشكل دعا بعض أبناء طرقهم إلى الانشقاق عليهم وتأسيس أضرحة وهمية علها تقربهم من عالم المال والثراء.

حملات دعاية:
ولاشك أن آلاف الأضرحة الوهمية قد تحولت لقبلة دائمة للجهلة والبسطاء بفضل حملة دعائية ضخمة روجت لها المافيا القائمة عليها، بل إن موالد عقدت لشخصيات مثيرة للجدل يعتقد أن بعضها لشخص يهودي أو مسيحي دون الحصول على تصاريح رسمية سواء من أجهزة الأمن أو من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ودون أن يستحث هذا المؤسسات الرسمية للتدخل لوقف هذه المهزلة، التي تحولت لأسواق تجارية لتصريف الهدايا والنذور سواء المادية أو العينية التي يقدمها رواد هذه الأضرحة لخدامها سعيًا للتبارك بها، ورغبة في تحقيق آمالهم وطموحاتهم التي غابت عنها طويلًا ولا يرجى عودتها إلا بالتقرب لأصحاب الأضرحة الوهمية.

شك وريبة:
ورغم إثارة عدد من قادة الطرق الصوفية لقضية الأضرحة الوهمية خلال عدد من الاجتماعات سعيًا لاتخاذ مواقف رسمية منها؛ إلا أن هذه الاجتماعات فُضَّت دون تبني موقف قوي، وهو ما فتح بابًا لتكهنات وتسريبات حول مباركة غير رسمية من رموز هذه الطرق لهذه الأضرحة، باعتبار أن حصيلة النصب على المواطنين من البسطاء والسذج تدخل جيوب هؤلاء، وتدر عليهم مالًا وفيرًا، فلِمَ يتم التصدي لها وحظرها؟! خصوصًا وأن سلطات الدولة ورغم اعتراف عدد من كبار مسئولي وزارة الأوقاف بأن أكثر من 50؟% من هذه الأضرحة وهمية إلا أن أحدًا لم يستطع الاقتراب منها، ولم تحرك الدولة ساكنًا للتصدي لها.

جهات مشبوهة وملايين:
وقد قام موقع "الصوفية" بجولة في عدد من الأضرحة الوهمية في عدد من محافظات الجمهورية خصوصًا القريبة من العاصمة القاهرة، حيث رصدنا العجب على لسان عدد من رواد هذه الأضرحة، حيث أقروا بتقديم نذور وهدايا مالية للحصول على البركة وزوال الكروب رغم إدراكهم بوهمية هذه الأضرحة، وعدم وجود أي شواهد تدلل على كرامة أصحاب هذه الأضرحة.
البداية كانت في ضريح "يوسف الصديق" بقرية شبرا شهاب من أعمال القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، حيث فوجئ أهالي القرية ذات صباح ـ بحسب عبد الله دغيدي مدرس من أبناء القرية ـ بوصول معدات ومواد بناء وأموال سائلة من شخص يدعي قربه من مسئول كبير في النظام المصري السابق ـ قيل الكثير عن جذوره اليهودية ـ لتمويل بناء ضريح لهذا الشخص المبروك بزعم قدرته على شفاء المرضي، وما هي إلا عدة أسابيع حتى فوجئنا بضريح لم يسمع أهالي القرية عنه شيئًا ومنهم شيوخ تجاوزت أعمارهم 9 عقود، مما يؤكد أن الأمر يقف وراء جهات تريد نشر الجهل والخزعبلات وتحقيق الثراء السريع.
ولكن المريب ـ والكلام ما زال لدغيدي ـ أن هذا المقام قد تحول خلال فترة قصيرة لقبلة للزائرين، ومنهم شخصيات تبدو عليها مظاهر الثراء، حين تدلف من سيارتها إلى الضريح مباشرة محملة بما يخطف الأبصار من أموال وسلع عينية، غير أننا لا نجد صعوبة في معرفة مصير مئات الآلاف من الجنيهات التي يمتلئ بها صندوق النذور.
"دحنا دفنينه سوا":
ويلتقط خيط الحديث محمد الدسوقي أحد رواد ضريح سيدي أبو محمود في العزبة التي تحمل اسمه في مركز أشمون بمحافظة المنوفية "وسط دلتا مصر"، حيث ينقل عن خدام الضريح مزاعم بانتساب صاحب المقام لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم رغم عدم وجود أي وثيقة تعزز هذا الأمر، بل إن هذا الضريح شكل محطة لعدد من العراقيين الموجودين في مصر، مما فتح الباب على مصراعيه حول فرضية تحول هذه الأضرحة الوهمية لأدوات لنشر المذهب الشيعي، في ظل مظاهر الجهل والشرك والمخالفات الشرعية التي تسود الموالد، والتي يتوافد عليها المرضي وأصحاب العقد والعوانس والمصابون بالعقم.
ويتابع: وكأن الضريح المجهول قد تحول لمستشفي يستغل خدامه حاجات الرواد وخضوعهم واستعدادهم لبذل اللغالي والنفيس للسطو على صناديق النذور وهبات المغلفين والجهلة؛ لدرجة أن مشاجرة اندلعت بين خدمي المقام ذات يوم على حصيلة الصندوق، حين زعم أحدهم أن صاحب المقام هو من استولي عليهم ووزعهم على المحتاجين، فما كان منه إلا مباغتته بالقول: (سيبك من النصب دا، دحنا دفنينه سوا).
أما في قلب القاهرة وفي ضاحية مصر القديمة فهناك قصة غريبة يسردها مصطفي شعبان أحد أبناء الحي، حيث يوجد ضريح مفترض للسيدة رقية ابنة سيدنا علي رضي الله عنه، رغم أن أغلب المؤرخين شككوا في هذا الضريح مدللين على ذلك بوجود عدد من الأضرحة لها في بلاد الشام والعراق، مرجحًا وقوف رؤية منامية لأحد الأشخاص والذي تحول إلى خادم للضريح مفادها أن السيدة رقية تقف بالقرب من ضريح السيدة "نفيسة العلم"؛ فاستقر على أن يؤسس ضريحًا تحول بين يوم وليلة لمنجم يدر عليه ذهبًا، نتيجة سطوته دون رقيب على صندوق النذور، مما غدا معه واحدًا من أبرز أغنياء المنطقة بعد أن كان معدمًا.

ثقافة النصب والاحتيال:
وإذا كانت الأضرحة الوهمية قد انتشرت وتصاعدت أعدادها في معظم أنحاء الجمهورية، وحولت معها مجهولين وأشخاصًا لا يدينون بالإسلام لأولياء سرهم باتع، وقديسيين قادرين على شفاء البشر من الأمراض العضال ـ فإن هناك أمرًا شديد الغرابة قد لا نستطيع فهمه، ويتمثل في إقبال البعض على زيارة هذه الأضرحة الوهمية رغم يقينهم بانتفاء وجود صاحب مقام بها وقيام نصابين على خدمته، وهو ما سنحاول الوصول لتفسير له مع أحد المتخصصين في علم الاجتماع وهي د.عزة كريم الخبيرة في المركز القومي للدراسات الاجتماعية والجنائية، والتي أبدت استغرابها الشديد من استمرار وجود هذه الظواهر في عصر التقدم العلمي وسيادة التكنولوجيا، فما كان مقبولًا في عصور الجهل والظلام لا يمكن قبوله حاليًا.
فمن الغريب أن يغرر المرتزقة بالبسطاء، فيبنون ضريحًا وهميًّا يجنون من ورائه نذورًا وثروات طائلة في وقت يقف المجتمع صامتًا تجاه هذه الخزعبلات وهذه الجرائم، التي تشكل خصمًا من قوة المجتمع الاقتصادية التي تصل لجيوب النصابين دون أي مجهود، مما يكرس ثقافة النصب والاحتيال في جنبات المجتمع.
ورصدت أن هناك قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة والنصب من خلال هذه الأضرحة الوهمية وغيرها، نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية ممن لا يتمتعون بمستوى راق في التفكير ولا الحد الأدنى من الثقافة الدينية في دور هؤلاء الدجالين في حل الكثير من المشاكل المستعصية، رغم أن التحذيرات المتتالية من علماء أفاضل بأن هذه الأمور تصل بمرتكبها للشرك الأكبر، حيث تنسب لمجهولين قدرات لا يستطيع إلا الله تعالى فك الكروب، ومنها مثل تأخر سن الزواج، أو عدم الإنجاب والعقم، أو فك السحر والأعمال.
وبررت زيادة الإقبال على زيارة هذه الأضرحة خلال السنوات الأخيرة بسيادة أنواع من الارتباك والانهيار الاجتماعي والديني، ومعه مظاهر التبرك والثقة في قدرة هؤلاء الأولياء الوهميين في تحقيق الأمنيات، وتراجع دور المؤسسات الدينية والاجتماعية والتعليمية في التحذير من هذه المظاهر التي تخالف العقل والنقل، متسائلة كيف يرهن مواطن إرداته وآماله بشخص وهمي لا وجود له إلا إذا كان يفتقد أي قدرة على التفكير المنطقي، ويسمح للخزعبلات والخرافات أن تسيطر عليه؟!
وطالبت بشراكة مجتمعية في القضاء على تلك الظاهرة الخرافية التي تعيق عمليات النهوض بالمجتمع، بل وفي أحيان كثيرة تضر بمصالح الأمن القومي المصري حينما تستثمرها بعض الفرق المشبوهة في النفاذ لقلب المجتمع المصري.

معاول هدم:
وفي السياق ذاته أوضح د.عبد الحميد مدكور أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة القاهرة أن هذه التصرفات ليس لها أي أصل في القرآن أو السنة أو عمل السلف الصالح، فالإسلام لم يعرف الأضرحة والتبرك بها سواء كانت حقيقية أو وهمية، باعتبار أن مثل هذه الترهات لا أصل لها في قرآن أو سنة، فقرآننا وسنتنا واضحان في هذه الأمر.
(إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ...)[1].
ويلفت إلى أن تقديم النذور في هذه الأضرحة الوهمية أو غيرها نوع من السفه المنهي عنه، في ظل عدم وجود أي نوع من الرقابة، ويعد نوعًا من السفه المنهي عنه باعتبار أن مصارف وأبوابًا شرعية للزكاة ينبغي توجيه الأموال إليها، فديننا لم يشرع لوضع النذور في أماكن مجهولة لتصل لأيدي النصابين والمحتالين بدلًا من توجيهها لمصادر معلومة المصدر.
واستغرب بشدة مِن أمر مَن يقومون بزيارة هذه الأضرحة والتقرب إلى رجل ميت لا يملك لنفسه ـ فما بالك لغيره ـ ضرًّا أو نفعًا، مصدقًا لقوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]، مستهجنًا بشدة صمت الأجهزة الرسمية ـ الأوقاف أو أجهزة الأمن أو الشئون الاجتماعية ـ على مثل هذه الممارسات التي تخرج صاحبها عن ملة الإسلام.
ولفت إلى أن الإسلام حرم تقديم الأموال لمثل هذه الأضرحة بدعوى الشفاء من مرض أو لقضاء حاجة، إنما شرع النذر لله في حالة استجابة الله لعبده المخلص، وليس تقديم نذور لنصابين ودجالين يعملون كالسوس في نخر الجسد المسلم.

رقابة صارمة:
أما الشيخ شوقي عبد اللطيف وكيل أول وزارة الأوقاف لشئون الدعوة والمساجد، فقد شدد على وجود رقابة صارمة على الأضرحة الرسمية وصناديق النذور الموجودة بالمساجد، حيث يتم تشميعها بالشمع الأحمر ولا تفتح إلا بحضور ممثلين لوزارة الداخلية والمالية، وعضو من التفتيش العام بوزارة الأوقاف ومدير إدارة الأوقاف، ومفتشي المنطقة التابع لها المسجد وإمام المسجد وكاتب النذور به، مشيرًا إلى تسجيل محتويات الصندوق في محضر رسمي بفئات العملة وعددها، ثم تورد لخزينة وزارة الأوقاف ومنها إلى البنك لإيداعها في الحساب الخاص بصندوق النذور.
ويلفت إلى عدم ولاية الوزارة على صناديق النذور في الأضرحة الوهمية، إلا أنه رفض التعليق على عدم امتداد سلطة الوزارة لهذه الأضرحة، وعدم اضطلاع دعاتها بالدور المناسب في تجريم هذه الظاهرة.
لكن غير المبرر أن يظل الوضع كما هو عليه من استغفال لكل الأطراف، وأضرحة وهمية يعلم وهميتها المتخصصون والعلماء، وكل ذلك في عصر القرية الذكية والحكومة الإلكترونية!
إلا أنها تكرس للجهل والخرافة والشركيات والاستغفال، ويستثمرها الشيعة للنفاذ للمجتمع المصري، فهل سنترك الاستغفال واستثمار الجهل يستمر في مصر عبر أضرحة وهمية لا يوجد بداخلها شيء؟! ولسان حال حماتها يقول "داحنا دفنينه سوا".

بحسب روايات شهود العيان:
-أضرحة "أولياء الله الوهمية" متخصصة في الشفاء كالمستشفيات؛ هذا لعلاج العقم، وذاك للعظام، وثالث لإعادة المسروقات!
- لا يعقل في عصر العلم والفيمتوثانية أن يكون هناك ضريح في مصر تعقد له الموالد ويطوف حوله بعض من المسلمين المغيبين استغاثة وتبركًا، والضريح وهمي لا يوجد بداخله شيء، وأحيانًا يوجد بداخله نصراني أو يهودي أو مجنون أو طفل سفيه، وفي بعض الأحيان يكون حمارًا أو كلبًا ـ أعزكم الله ـ.
- أمر يرفضه العقل ومن قبله النقل، فهل يليق بمصر أن تجري على أرضها تلك الخرافات المبنية على الوهم والاستغفال، والتي لا يوجد لها أي أصل في الدين، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة للنهوض بالعلم والعلماء؟!
- أعلم أن الدولة بها إدارة للأضرحة الوهمية في إحدى الوزارات المعنية، مكلفة بحصر الأضرحة الوهمية واتخاذ الخطوات العملية لهدم تلك الأضرحة الوهمية، لكنني أرى أن هذه الإدارة بحاجة إلى دعم كافة قوى المجتمع السياسية والإعلامية والشرعية والتقنية؛ لتيسير تحركها في ربوع المجتمع وتحقيق أهدافها المنشودة، حتى يكون المجتمع بأكمله مشتركًا في القضاء على تلك الظاهرة الخرافية التي تعيق عمليات النهوض بالمجتمع المصري، بل وفي أحيان كثيرة تضر بمصالح الأمن القومي المصري حينما يستثمرها الشيعة في النفاذ لقلب المجتمع المصري.
- من هنا وبدوري البحثي والمهني أضع بعض المؤشرات التي يمكنها أن تعين الإدارة المعنية بمكافحة الأضرحة الوهمية على أداء مهمتها بنجاح، ومن هذه المؤشرات:

أولًا: مرحلة جمع البيانات وتكوين المعلومات، وفيها يتم الآتي:
رسم خريطة للأضرحة في مصر وذلك بحصر كافة الأضرحة في مصر سواء كانت وهمية أو غير وهمية، وتكوين قاعدة بيانات عن تلك الأضرحة، مع فتح ملف تفصيلي لكل ضريح في مصر، وجمع المعلومات يمكن تنفيذه بالصورة التالية:
1- من خلال استمارة استقصاء معلوماتية توزع على مديريات الأوقاف بالمحافظات، ليقوم مسئولي شئون المساجد بتسجيل كافة الأضرحة بتلك الاستمارات، وإرفاق تقرير معلوماتي مصور عن كل ما يتعلق بهذا الضريح وتاريخ نشأته، بحسب ما هو مسجل في سجلات وأرشيف وملفات مديريات الأوقاف.
2- فتح المجال لاستقبال كافة الدراسات والأبحاث وكذلك الباحثين الذين أثبتوا علميًّا وهمية بعض الأضرحة في مصر.
3- تكليف أحد المراكز البحثية بإجراء مسح مكتبي لكافة الدراسات والكتابات البحثية التي تناولت الأضرحة الوهمية في مصر.
4- فتح خط ساخن للإبلاغ عن الأضرحة الوهمية في مصر.
5- إجراء تقرير ميداني مصور عن كل ضريح من الأضرحة، ويمكن في هذه الحالة استثمار طلاب معاهد الخدمة الاجتماعية وأقسام الاجتماع بكليات الآداب والمنتشرين على مستوى الجمهورية في إعداد تلك التقارير الميدانية المصورة، وذلك بعد إمداد الكليات والمعاهد بخريطة الأضرحة في كل محافظة من المحافظات.
6- استثمار البرامج الفضائية لإجراء برامج ميدانية عن الأضرحة الوهمية على مستوى الجمهورية، وضم الحلقات المصورة إلى ملف الأضرحة.

ثانيًا: مرحلة الدراسة وإثبات الوهمية وهذه المرحلة تتطلب:
تشكيل لجان علمية مدققة تضم (علماء شريعة ثقات، علماء تاريخ، خبراء آثار، جغرافيين، خبراء مساحة وإحداثيات، وتقنيين)، حيث تكون مهمة تلك اللجان دراسة ملف كل ضريح في مصر على حده، ورفع تقرير عن الأضرحة التي يثبت وهميتها ومطلوب إزالتها.

ثالثًا: مرحلة التنفيذ وإزالة الأضرحة الوهمية وتتضمن:
1- التهيئة الإعلامية بتقارير اللجان العلمية عن وهمية الضريح المطلوب إزالته.
2- إصدار القرارات بالإزالة الفورية للأضرحة الوهمية وتكليف أجهزة الدولة التنفيذية بإزالة الأضرحة الوهمية.
- إن الأضرحة الوهمية في مصر يستفيد من نذورها بعض المرتزقة، وقد أكدت دراسة علمية مصرية أن بعض المصريين الذين يؤمنون بالخرافات والدجل والكرامات وغيرها ينفقون قرابة 10 مليار جنية مصري (حوالي 2 مليار دولار) على الدجالين والمشعوذين، الذين يلجأون إليهم بهدف إخراج جن أو "فك عمل" أو عمل "حجاب" يقي صاحبه شرًّا ما!
وقالت الدراسة التي أعدها الباحث محمد عبد العظيم بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية: (وعن أشهر الأضرحة الموجودة في المحافظات قال الأزهري: إن أضرحة الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة هي أشهر أضرحة القاهرة، والمرسي أبو العباس في الإسكندرية، والسيد أحمد البدوي في الغربية، وأبو الحجاج الأقصري في الأقصر، وسيدي عبد الرحمن القناوي في قنا، وهناك آلاف الأضرحة والمقامات الصغيرة غير معروفة توجد بها صناديق النذور والتبرعات ولا تخضع لرقابة وزارة الأوقاف سوي صناديق الأضرحة المسجلة فقط، أما الباقي فلا يعلم عنها أحد شيئًا ...
على زين العابدين السطوحي شيخ الطريقة السطوحية الأحمدية أكد على تبعية 5 أضرحة مسجلة للطريقة منها 2 في المنوفية و3 في القاهرة والشرقية والدقهلية، ويزورها 5 آلاف مريد للطريقة مسجلين رسميًّا وهم السادة النواب والخلفاء بمصر والسودان، إضافة إلى بضعة آلاف غير مسجلين يفدون للزيارة والتبرع ووفاء النذور في صناديق الأضرحة كل على حسب محبته للولي وقدر استطاعته.
واستبعد شيخ الطريقة أن تكون هناك علاقة للطريقة بالأضرحة التي يقيمها بعض الأشخاص لتكون مصدر دخل لهم خلال التبرعات والنذور ويقومون بعمليات نصب من خلالها، وإيهام المواطنين بأنها أضرحة رسمية حتي تتضاعف استفادتهم من ورائها، مشيرًا إلى أنها أضرحة غير رسمية وليس لها أي أساس شرعي، ويسيطر عليها المجاذيب ويستولون على أموال صناديق النذور الخاصة بها.
وعن الطريقة الفرغلية الأحمدية الموجودة منذ 50 عامًا قال أيمن الفرغلي شيخ الطريقة: بأن الضريح الرئيسي بالطريقة موجود في أبو تيج بأسيوط، وهو واحد ضمن 4 أضرحة فقط تابعة للطريقة ومسجلة رسميًّا، مشيرًا إلى وجود عشرات الأضرحة الأخري غير المسجلة والمنتشرة في قري ونجوع مصر وينسبها القائمون عليها للطريقة من حيث التبعية، وأكد على حدوث عمليات للنصب من قبل بعض الأشخاص الذين ينشئون ضريحًا ليس له أساس من الواقع، من أجل الاستيلاء على أموال المواطنين الذين يقدمون النذور والتبرعات لصناديق تلك المقامات والأضرحة المخالفة للقانون، الأمر الذي دفع المشيخة العامة للطرق الصوفية إلى حصر الأضرحة الموجودة حاليًا وتسجيلها، وبيان الطرق التابعة لها وتعيين خدام وخلفاء عليها للقضاء على عمليات النصب.
الدكتور سعيد أبو الأسعاد وكيل مشيخة الطرق الصوفية بالسيدة زينب قال: توجد آلاف الأضرحة في مصر، ومنها ما هو غير مسجل وأنشئ قبل وجود مشيخة الطرق الصوفية، ولا تسيطر الأوقاف سوي على تبرعات ونذور الأضرحة الموجودة في المساجد الكبري المسجلة، بينما ينتفع بها خدام الأضرحة غير المسجلة والصغيرة المنتشرة في كل قري مصر نظير خدمتهم للأضرحة، ويستولون عليها حيث لا رقابة على صناديق نذورها وتبرعاتها.
أحمد خليل أمين عام المشيخة العامة للطرق الصوفية أكد عدم وجود حصر دقيق بأعداد الأضرحة والمقامات الموجودة في مصر لدي المشيخة، أو حصر بأعداد الموافقات الممنوحة للطرق الصوفية لإقامة الموالد سنويًّا، إلا أنه يفترض صحة الأوراق المقدمة له لإقامة الموالد من قبل المتقدمين بها، وأن الضريح أو المقام موجود بالفعل لذلك يمنح الموافقة على إقامته لمشايخ الطرق، وقال: إنه يتأكد من صحة تلك الطلبات من خلال وكيل المشيخة الموجود في الطريقة وشيخ الطريقة التي تتبعها الضروح.
ورغم وجود طرق صوفية كثيرة غير مسجلة ويصعب حصر أعداد الأضرحة والمقامات التابعة لها في مصر؛ إلا أن خليل طالب مشايخ الطرق بضرورة حصر أعداد الأضرحة والمقامات التابعة لهم).

لجان الزكاة:
أما عزيزة يوسف وكيل وزارة التضامن لشئون الجمعيات الأهلية، فقد نفت وجود أية رقابة من الوزارة على صناديق النذور والتبرعات الموجودة داخل المساجد، سواء كانت عادية أو تابعة لجمعيات أهلية، مؤكدة أن الرقابة الكاملة عليها هي مسئولية وزارة الأوقاف البحتة، أما الصناديق التي تكون خارج المساجد ومدون عليها عبارة "لجان الزكاة" فهي تابعة لبنك ناصر الاجتماعي، والرقابة عليها هي مسئولية البنك وحده، مشيرة إلى أن الجمعيات الأهلية لها طريقة محددة ومعروفة في جمع الأموال، وليست من بينها جمع التبرعات من خلال الصناديق في المساجد، أما الأضرحة الوهمية فليست مسئولة على أموال تبرعاتها أو صناديق النذور الموجودة بها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
[1] رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه، (2516)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2516).

نقلا عن صوفية حضر موت :

http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=12603

الصفحة الرئيسية