New Page 1

"فاكر تحت القبة شيخ"

"فاكر تحت القبة شيخ"، " إحنا دافنينه سوا "
هذان المثلان ينتشران بين المصريين وأهل الشام والعراق؛ بسبب انتشار الشرك وعقيدة التبرك بالقبور والموتى جهلاً وزورًا.

يقال: إن اثنين من لصوص الحمير تسللا في الظلام إلى إحدى الزرائب وسرقا حمارًا، وسحباه إلى خارج القرية، حتى وصلا إلى منطقة فيها بصيص من النور. وعندئذ تبين لهما أن الحمار الذي سرقاه حمار هزيل معتل الصحة، بل هو، باختصار شديد، عبارة عن جلد على عَظْم، وعلى وشك الموت في أية لحظة.

وطوال الطريق ظل اللصان يندبان حظهما التعس الذي أوقعهما في هذا الحمار، الذي لا يساوى شيئًا في سوق الحمير، بل ولا يوجد أي مغفل يمكن أن يشتريه ولو بأبخس الأثمان. وفجأة توقف الحمار عن السير، وسقط على الأرض، وانتفض مرتين ثم نفق ومات.

وزاد همُّ اللصين، فجلسا على الأرض؛ ليستريحا قليلاً، وليفكرا في طريقة لسرقة حمار آخر بدلاً من الحمار النافق.

وكان اللص الأول أذكى قليلاً من اللص الآخر، فقال: إن من الواجب أولاً أن ندفن الحمار؛ لإخفاء جسم جريمة السرقة، ثم نبحث عن طريقة للحصول على أموال الناس، ويا حبذا لو كان ذلك برضاهم! فـ"النَّصْب"(أي الغش والخداع) أحسن من السرقة وأكثر أَمْنًا! فعلينا أن ندفن الحمار، ونقيم فوقه ضريحًا صغيرًا، ونجتهد أن نقنع الناس، من سكان القرية وسكان القرى المجاورة،بأننا غريبان كنا في صحبة رجل صالح اسمه الشيخ حمار، وهو رجل كان حبيبًا للحمير وعطوفًا عليها، وله بركات يعرفها كل الحمير!!.

وحبكة هذه القصة تقتضى أن يدَّعيا أن الشيخ حمار قد مات، عندما حلَّ أجلُه في هذا المكان. ولأنهما من مريدي هذا الشيخ؛ فقد أقاما له ضريحًا حيث مات؛ لتستمر بركاته على الحمير في كل أرجاء المنطقة، ووضعا صندوقًا من الخشب، يسمى"صندوق النذور"، يضع فيه طالب الحاجة ما تجود به نفسه. ولبسا عمامتين خضراوين كمظهر مميز للمهنة الجديدة.

وهكذا أقيم للحمار النافق ضريحٌ شاعت شهرته، وأخذ أصحاب الحمير يقصدونه؛ ليبارك حميرهم، وإذا مرض حمار أو أصيب فإن صاحبه ينذر نذرًا لـ"سيدنا الحمار"إذا شفى حماره، أو عادت إليه عافيته، كما كان مَنْ لا يملكون حميرًا يطلبون من"سيدنا الحمار"أن يستجيب لدعائهم، ويحقق لهم آمالهم المنشودة، وصار الناس يلجئون إليه أيضًا لطلب سلامة إناث الحمير في الولادة والنسل الطيب.

وكان اللصان يشرفان على شؤون الضريح، ويحصلان من الناس على"أتعاب"محترمة، وكانا يبيعان أيضًا أحجبة وتمائم لتعليقها برقاب الجحوش الصغيرة؛ لتقيها شرَّ أعين الحاسدين، وتمنحها القوة والعافية والصبر. وكلما ذهب أحد الناس إلى السوق؛ ليبيع حمارًا أو ليشترى، لابد أن يمر أولاً على ضريح"سيدنا الحمار"؛ ليدفع المعلوم ليحصل على بركة بيع الحمار. ونظرًا لأهمية حمير المنطقة، وارتباطها الشديد بحياة الناس، فقد كان القَسَم بحياة"سيدنا الحمار"لا ينزل الأرض، ولا يمكن الحنث فيه، أو التلاعب به.

وهكذا مرت الأيام والشهور والسنون، والناس تعتقد أن"تحت القبة شيخ"، وأصبح اللصان من كبار الأثرياء. ولكن لأن اللص يظل دائما لصًا؛ فقد كان كل من اللصين يسرق زميله، بين حينٍ وآخر. وفى أحد الأيام اتهم اللص الغبي زميله اللص الذكي بأنه يسرق بعض الأموال من صندوق النذور، ويأخذ أكثر من نصيبه، وأخذ اللص المتهم يحاول أن يبرئ نفسه من تلك التهمة، فقال لزميله: (وحياة"سيدنا الحمار"أنا ما عملت كده!)، فقال اللص الغبى: أنت تحلف لي بسيدنا الحمار،"دا إحنا دافنينه سوا!".

وهكذا يفعل الجهل بأهله، وتعربد العقائد الفاسدة في بلادنا، وصدق الشاعر:

وكم ذا بمصرٍ من المضحكاتِ .....ولكنّه ضَحِكٌ كالبُكَا

 " إحنا دافنينه سوا "
 

الكل تقريباً سمع بالمثل الشعبي المصري (إحنا دافنينه سوا)  ولكن قد يكون هناك من لا يعرف قصة هذا المثل :

وهي أن شخصين كان لديهما حمار يعتمدان عليه في تمشية امورهما المعيشية ، ونقل البضائع من قرية الى اخرى ، يأكلان معه وينام جنبهما وأعطياه اسما للتحبب هو ابو الصبر، وفي أحد ألايام وأثناء سفرهما وعند مفترق الطرق بين القرى سقط الحمار ونفق ، حزن الاخوين على الحمار حزنا شديدا وقررا دفنه بشكل لائق فحفرا له حفرة عميقة ودفناه بها ، ثم رفعا التراب وجعلا حول التراب حجارة مصفوفة ... فلما انتهيا جلسا يبكيان على قبره بكاء مراً ، وكانا يفعلان ذلك كل يوم يمكثان عنده ويبكيانه .

وكان كل من يمر بها أحد يلاحظ هذا المشهد ... فيحزن على المسكينين ويسألهما عن صاحب القبر فيقولان بأنه المرحوم أبو الصبر ويثنيا عليه وقولا أنه  كان الخير والبركة ويقضي الحوائج ويرفع الاثقال ويوصل البعيد ، فكان الناس يحسبون انهما يتكلمان عن شيخ جليل او عبد صالح فيشاركونهم البكاء ... وشيئاً فشيئاً صار البعض يتبرع ببعض المال لهما ... ومرت الايام فوضعا خيمة على القبر ... وزادت التبرعات فبنيا حجرة مكان الخيمة والناس تزور الموقع وتقرأ الفاتحة J على العبد الصالح الشيخ الجليل ابو الصبر .
وصار الموقع مزارا يقصده الناس من مختلف الاماكن وصار لمزار ابو الصبر كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع .. فهو يفك السحر ويزوج العانس ويغني الفقير ويشفي المريض .. وكل المشاكل التي لاحل لها، فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات طمعاً في أن يفك الولي الصالح عقدتهم.

اغتنى الاخوين وصارا يجمعان الاموال التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما ، وفي يوم اختلف الاخوين على تقسيم المال فغضب احدهما وارتجف وقال:
- والله سأطلب من الشيخ الصالح ابو الصبر (مشيرا الى القبر) ان ينتقم منك ويريك غضبه ويسترجع حقي.
ضحك اخوه وقال:- اي شيخ صالح يا أخي؟
أنت إنسيت ؟ دا احنا دافنينه سوا!!

وكم من هذه المزارات الوهمية موجودة في عالمنا العربي والتي تثبت براعتنا في خلق الاوهام
وتخليد ذكرى ابطال لاوجود لهم على ارض الواقع
 

 

الرجوع للصفحة الرئيسية