الباب الثالث - مواجهة علماء اليم

الباب الثالث - مواجهة علماء اليمن للقبورية
 

الفصل الثاني

موقف علماء اليمن من القبورية

وبيان جهودهم المشكورة في مواجهتها

وفيه تمهيد وأربعة مباحث

التمهيد: في حفظ الله لهذا الدين بواسطة العلماء رغم المكائد والمؤامرات:

 لقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين وبقائه واستمراره إلى أن يرث الأرض ومن عليها، لا يقضي عليه عدو من الكافرين، ولايطمس معالمه مبتدع من المبتدعين، حتى تغيب السنة كلها، وتحل البدعة محلها، قال تعالى: ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [[1]،وقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائل ذلك الحفظ، فوعد بوجود طائفة من العلماء العاملين والأخيار المجاهدين القائمين على حفظ هذا الدين في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) [2].

 ولايمنع وجود هذه الطائفة القائمة على الحق؛ من تسرب بعض البدع، واندثار بعض السنن، وانحراف بعض المفاهيم على مرور الأيام؛ لذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعد كل فترة، يقيض الله لهذه الأمة من يجدد لها دينها، فقال: ((إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) [3].

 والحمد لله فقد صدق الله ورسوله، وحُفظ الدين، وجُددت معالمه، رغم هدم الهادمين وكيد الكائدين وبدع المبتدعين، ولقد حظي اليمن بما سبق له من عناية الله سبحانه ولطفه بالحظ الأوفر والنصيب الأكبر من ذلك، وصار مجددوه وأعلام علمائه ودعاته مجددين للأمة كلها، وليسوا مجددين لليمن وحده، فرزقهم الله القبول التام والثقة المطلقة عند سائر الطوائف وفي سائر البلاد الإسلامية، فكتبهم هي من أهم مقررات جامعات العالم الإسلامي المرموقة ومراكزه العلمية، وقد أقبل الباحثون على دراسة شخصيات المجددين اليمنيين ومناهجهم في العقيدة والدعوة والعلوم المختلفة من تفسير وحديث وعقائد وغير ذلك.

 وبرغم ما سلف في الفصل الأول من أساليب مختلفة، سلكها القبورية؛ لمواجهة علماء أهل السنة، وما قاموا به من جهد جهيد وكيد شديد لمواجهة هؤلاء العلماء؛ إلا أن تلك الجهود والأساليب الماكرة الكثيرة،كلها لم تفلح في صد العلماء عن معارضتهم وكشف ضلالهم وبيان حالهم، وإن كانت مناطق اليمن تختلف في قوة وضعف تلك المواجهة، فعلماء البلاد الزيدية بحكم قوتهم وكثرتهم وعدم تمكن النفوذ الروحي في بلادهم، ولسعة أفق المذهب الزيدي والفقه الهادوي وحثه على الاجتهاد؛ كانت جهودهم أكبر ومواجهتهم وسلطان علمهم على القبورية أقهر، وقدشـاركوا في مقاومة كـل أنـواع القبورية من إسماعيلية وأصحاب وحدة الوجود وعموم القبورية مقدسي القبور.

 وكان لعلماء زبيد موقف مشرف في صد أهل وحدة الوجود ومقاومتهم حتى اندثر مذهبهم أو كـاد، وأما بقية المناطق كالجند وما حولها وعدن وحضرموت، فقد كانت مواقفهم أضعف وأقل، وذلك أنه وبعد دخول التصوف ورسوخه في هذه المناطق في القرن السابع وما بعده، احتوى المتصوفة الساحة العلمية، وهيمنوا عليها هيمنة شبه تامة، فالعلم حُصر في قبائل وأسر محددة هي الأسر العلوية التي أصبح كل علمائها من المتصوفة على تفاوت في غلوهم واعتدالهم فيه، إلا ما ندر، والنادر لاحكم له، ثم الأسر التي تُوالي هذه القبيلة موالاة تامة، وترى أنها تابعة لها " منطوية فيها " حسب تعبيرهم، وفي المقابل فقد أعطى العلويون لهذه الأسر إمتيازات كبيرة مقابل التزامهم بطريقهم، وعملهم على الترويج لأفكارهم وتلميع شخصياتهم؛ ولذلك فقد أصبح العالم الذي يستطيع أن يبصر بغير منظارهم، ويصل إلى ما عند غيرهم، أصبح في حرج عظيم حيث يرى الحـق، ولايستطيع الإفصاح عنه والعمل به، فتجده يرضخ لما عليه القوم، وإن كان في قرارة نفسه منكراً له؛ إلا من أراد الله لهم الخير وهيأهم لإقامة الحجة وسلوك المحجة، وتحمل التبعة وهم، أقل من القليل، متناثرون عبر القرون الطويلة والبلاد الشاسعة، ولم يستطع أحد أن يظهر بذلك المظهر حسب علمي إلا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بعد انتشار الدعوة السلفية في اليمن بواسطة تلاميذ الإمامين ابن الأمير والشوكاني، وكذلك ظهور وانتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ووصولها إلى تلك المناطق، واتصال بعض علماء هذه البلاد بعلمائـها في الحجـاز ونجـد، واطلاعهم على كتبهم ورسائلهم، فقد هزت تلك الدعوة الجزيرة العربية كلها، وحركت ذلك الركود الذي خيم عليها قروناً طويلة، ووصل أثرها إلى كل أرجائها، بل وكل أرجاء العالم الإسلامي،كما أسهمت حركة الإرشاد في إندونيسيا بجهود كبيرة في إيقاظ علماء وطلبة العلم في حضرموت وما جاورها، وأزالت كثيراً من الحجب التي كانت تغطي الحقيقة، وحطمت كثيراً من القيود التي كان الناس يرسفون فيها، وأسقطت تلك الهيبة التي صنعها القبوريون لأنفسهم وأوليائهم، وسيّروا بها الناس كما أرادوا.

 هذا هو موجز موقف العلماء من القبورية، وإليك تفاصيله في المباحث الآتية.

المبحث الأول

موقف العلماء اليمنيين من القبورية الإسماعيلية

وجهودهم المشكورة في مواجهتها

وفيه ثلاثة مطالب:

 

المطلب الأول: موقف العلماء اليمنيين من الإسماعيلية:

 لم يجمع علماء اليمن ومثقفوه وحكامه على ذم شيء من البدع الطارئة كإجماعهم على كفر ومروق الطائفة الإسماعيلية الباطنية؛ مما حملهم على التصريح بكفرها ونشـر قبائحـها، ومحاربتها بشتى الوسائل من القتال إلى الردود العلمية، ومما يوضح ذلك عبارات المؤرخين وثورات الفقهاء ومقاومة الأئمة والملوك لها حتى أزالوها، وقضوا على دولتها وكيانها، وإن كان مقتهم والتصريح بالتفكير في حق علي بن الفضل وصاحبه منصور اليمن أشهر وأظهر من مقت الصليحي، وماذاك إلا لأن الصليحي كان أدهى من سابقيه ومستفيداً من أخطائهما، فتجنب إظهار الكثير مما أظهر الأولان من العقائد والأفعال الممقوتة، وكان بالرعية أرأف وألطف، وبذلك كسب شيئاً من التعاطف لشخصيته لا لنحلته، وكذلك الملكة الحرة والمعروفة عند العامة بـ " الملكة أروى " كانت ذات شخصية عظيمة وحنكة سياسية كبيرة، ثم كونها امرأة ظهرت بتلك القوة وذلك الدهاء في ذلك العصر، كل ذلك خفف من حدة المقت نحو الصلحييين كشخصيات.

 أما مبادؤهم وعقائدهم فكانت موضع اتفاق مـن سائر اليمنيين كلهم بمقتها وبذمها، حتى لقد نحتوا من اسم هذه الطائفة عبارة مختصرة فقالوا " السمعلة "، وجعلوها شعاراً للذم، والطعن فيمن تطلق عليه.

 وهذه بعض عبارات المؤرخين يصفون دخـول هذه النحلة إلى اليمن على يد علي بن الفضل وصاحبه، ومن أوائل المؤرخين الذين أبدوا الموقف اليمني من هذه الطائفة العلامة ابن سمرة صاحب طبقات فقهاء اليمن، فقد قال: ("فصل" ثم لحق باليمن كله في آخر المائة الثالثة وأكثر المائة الرابعة فتنتان عظيمتان:

فتنة القرامطة: وقد عمت العراق والشام والحجاز، وإن اختلف تأثيرها في البلدان فَمَلَكَ المخلاف اليمني علي بن الفضل - لعنه الله - وأظهر فيه ما هو منسوب إليه ومشهور عنه على منبر جامع الجند بقوله:

خذي الدف ياهذه والعبي وغني هزاريكِ ثم اطربي

 فذكر القصيدة، ثم قال: (والشعر طويل، وكله تحليل محرمات الشرع والاستهانة به، فقتل أهل اليمن قتلاً ذريعاً قبل هذا، وملك الحصون والأموال العظيمة) [4].

 وبعد أن ساق الجندي تاريخ ابن الفضل ومنصور اليمن قال: (قال ابن جرير 2: وكان عنوان كتاب ابن الفضل إلى أسعد: من باسط الأرض وداحيها ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده أسعد ابن أبي يعفر، وكفى بهذا الكلام دليلاً على كفره، فنسأل الله العصمة) 3.

 وقال الخزرجي في العسجد المسبوك بعد أن ذكر طرفاً من أخبار منصور وعلى بن الفضل: (فلما صار علي بن الفضل في صنعاء أظهر مذهبه الخبيث ودينه المشؤوم، وارتكب محظورات الشرع، وادعى النبوة، وكان المؤذن يؤذن في مجلسه أشهد أن علي بن الفضل رسول الله، وأباح لأصحابه شرب الخمر ونكاح البنات وسائر المحرمات) 4، وقد نقل ابن الديبع كلام الخزرجي بنصه دون أن يعزوه إليه، وهو إقرارله 5.

 وقال الأكوع في تعليقه على قرة العيون: (القرامطة فرقة من الباطنية، واحدها قِرْمِطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم بعدها طاء مهملة وياء النسبة، والقرمطة تقارب الشيء بعضه من بعض، يقال "خط مقرمط " إذا كان متقارب الحروف و" ومشي مقرمط " أي متقارب الخطو، سمي به أبو سعيد الأشعب؛ لأنه كان قصيراً دميماً مجتمع الخلق أسمر كريهاً؛ فلذلك سمي قرمطياً. فنسبت إليه القرامطة لأتباعه، قال الإمام نشوان6: والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطي، وجمعه قرامط، وقرامطة.

 قلت: وهي منظمة سرية خطيرة، تكونت من جماعة فارسية من المجوس، اندست بين المسلمين متظاهرين بالدين والورع، وهدفها تقويض دعائم الإسلام وإعادة السيادة الفارسية، ثم اتخذت التشيع لها شعاراً لما أعجزتها الحيل. وكان منشؤها بفارس ولها خلايا بكل مكان، ثم امتدت جذورها إلى العراق وكْرَ التشيع، وأصبح مركزاً هاماً لبث دعوتهم في ظل البكاء والعويل على ما نال أهل البيت من التشريد والتنكيل، وألفوا قلوباً حانية على هذا المبدأ الذي استهوى بريقه ضعفة النفوس والسذج من الناس، واعتنقه البعض عن طيب خاطر وسماحة نفس بدون مناقشات للغـايات والأهـداف، والبعض اعتنقه طمعاً في الوصول إلى المناصب والجاه والمال، واستفحل أمر هذه العصابة، وعمَّ خطرها، وتطاير شررها، وقُوضت ممالك، وكانت فتنة صماء، جرّت على الإسلام والمسلمين ويلات وحروب لا ينادي وليدها، ونال منها اليمن شرارة انطفأت بعد حين) [5].

 ويقول نشوان بن سعيد، وهو من علماء ومؤرخي الزيدية: (وسار علي بن الفضل الخنفري إلى أرض يافع، فاشتدت وطأته باليمن، واستولى على أكثر مخاليفه، وأعلن بالكفر، وأحل جميع المحرمات، وخرب المساجد، وكان يدّعي أنه نبي)، ثم ذكر بعض تلك الأبيات، ثم قـال: (وابن الفضل أول من سنَّ القرمطة في اليمن، والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطي، فجمعه قرامطة) [6].

 أما القاضي حسين بن أحمد العرشي، وهو كذلك من علماء ومؤرخي الزيدية، فقد أطال في بيان حالهم وكشف عوارهم والتحذير منهم، فقال: (اعلم أن الباطنية - أخزاهم الله تعالى- أضر على الإسلام من عبدة الأوثان، وسموا بها؛ لأنهم يبطنون الكفر، ويتظاهرون بالإسلام، ويختفون حتى تمكنهم الوثبة، وإظهار الكفر، وهم ملاحدة بالإجماع،ويسمون " بالإسماعيلية "؛ لأنهم ينسبون أئمتهم المستورين فيما يزعمون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، و"بالعبيدية "؛ لدعائهم إلى عبدالله بن ميمون القداح الذي نسبته الباطنية إلى مايزعمون من الأئمة المستورين.

 والعبيديون من أولاد عبيدالله، وِلاة مصر ذلك الزمن، والآن يسمون "شيعة"؛ لكونهم مظهرين أن أئمتهم من أولاد الرسول، حين عرفوا أنه لا يستقيم لهم إمالة الحق، والدخول إلى دهليز الكفر، إلا بإظهار المحبة والتشيع، ولهم قضايا شنيعة وأعمال فظيعة، كالإباحية وغيرها، وقد تابعهم علـى ذلك من ذهب عنه النور الإيماني، واستولى على قلبه الهوى الشيطاني، وهم مع ذلك ينكرون القرآن والنبوة والجنة والنار، ولولا أن حياتهم معلومة عندهم، مرتبة بينهم لأنكروها.

 وعلى الجملة فدينهم النجوم، وظواهرهم التخوم، ولايكاد يظهر مذهبهم لأتباعهم إلا لمن رسخ دينهم في قلبه، وتراهم إذا وجدوا لأنفسهم قوة أظهروا أمرهم، وأعلنوا كفرهم، فإن غُلبوا ولم تساعدهم الأيام، كمنوا كما تكمن الحية في جحرها، وهم مع ذلك يؤملون الهجوم والوثبة، وأن ينهشوا عباد الله، وقد أفصح السيد " الدافعاني " عن أطراف من أحوالهم في رسالته بعد اختلاطه بهم، وتردده عليهم، ولا ينبغي لذي معرفة وقوة، أن يعرف منهم أحداً يقتدرعليه، فيتركه وشأنه، فإنهم - أهلكهم الله تعالى-شياطين الأرض) [7].

 وكلامه عام يشمل ابن الفضل ومنصور اليمن والصليحيين، بل إنه قد بين في مقدمة كتابه هـذا أن من جملة ما حمله على تأليفه أنه سمع راوياً يروي عن أناس، وذُكر عندهم بنو الصليحي، وما فعلوه من جوامع وصدقات، فترحموا عليهم جهلاً بأنهـم دعاة الباطنية وأصحـاب الطائفة العبيدية، فقلت: الآن اتخذ الجهل من الناس مأخذه، وفتح لهم فاه، وأطبق نواجذه، فقلت قصيدة مستغربة وكلمة منظومة معربة، سميتها مسك الختام) [8].

 هذا هو موقف علماء ومؤرخي اليمن من الإسماعليلية، وهو مع ما فيه من المقت لهم وتكفيرهم لا يرقى إلى المستوى المطلوب الذي يجب أن يصل إليه الرد والبيان لحالهم وسوء معتقدهم وخطورة مكائدهم ودسائسهم، وربما كان للأولين العذر في ذلك كونهم قد حاربوهم حرباً عسكرية وسياسية حتى أزالوا دولهم، وطهروا اليمن من وجودهم.

 ولكن يجب ألا يخفى على علماء اليمن وحكامه أن مجرد زوال دولة الباطنية لا يكفي، فدولتهم قد زالت قديماً بزوال ابن الفضل ومنصور اليمن وأتباعه، ولكن نارها مازالت تدب تحت الرماد حتى مرت بها ريح الصليحي، فأشعلتها أقوى من ذي قبل، وملك جميع اليمن كما هو معلوم، ثم زالت دولته، وبقي فكره وعقائده ودعوته، وبقي دعاته يخلف بعضهم بعضاً، ويوصي بحفظ الدعوة والحفاظ عليها في دور الستر كما يقولون حتى يحين دور الظهور الجديد، وبقيت كتبهم متوفرة، وهي أعظم ما يقـوم عليه منهج الإسماعيلية في العالم كله، هذه الكتب محفوظة كما يؤكِّد ذلك الدكتور حسين الهمداني في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء وبعض المكتبات الخاصة وبعض المتاحف ودور الكتب العالمية، وقد بدأت موجة إحياء لهذه الكتب ونشر وتحقيق في أكثر من بلد؛ وذلك للتحول الجديد في العالم وطغيان الحرية الفكرية والعقائدية، فبعد أن كان الباطنية يتخفون غاية التخفي بعقائدهم، ويخفون كتبهم عن أهل نحلتهم حتى يصلوا إلى مستوى معين من الفهم والقناعة بما لديهم، أصبحوا اليوم يتباهون بما هم عليه، وينشرون تلك الكتب على الملأ، ويتظاهر بعض الباحثين بانتسابه إليهم، ويؤرخ لهم مادحاً شارحاً لبعض قضاياهم التي كانت في غاية السرية.

 إذاً هذا الفكر الضال والمعسول في نفس الوقت الذي ينبني على الفلسفة والخطاب العقلي والعاطفي في آنٍ واحد، جدير بالاهتمام والحذر واتخاذ التدابير الواقية من بعثه وافتتان الناس به في المستقبل.

 واسمع إلى الدكتور حسين الهمداني، وهو أحد الباحثين الباطنية الإسماعيلية المحدثين، وهو يمني حيث يقول في كتابه "الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن " تحت عنوان " الثروة العلمية الفاطمية في اليمن": (ترى أن دعوة اليمن مضت مـن يـوم وفاة السيدة الحرة الملكـة الصليحية إلى انتهاء الدولة الأيوبية في اليمن في مرحلة تمتاز بنشاط علمي وجمع شتات التراث الفكري وتسجيلها في كتب ومؤلفات وحفظ ما تركه المؤلفون الدعاة في عهد الخلفاء الفاطميين، وقد بدأت هذه الحركة العلمية في حياة الملك المكرم والملكة الحرة بعد عودة قاضي قضاة اليمن لمك بن مالك الحمادي من الديار المصرية إلى مقر الدولة الصليحية، وقد سبق أن ذكرنا أن داعي الدعاة المؤيد في الدين الشيرازي، قرر في أواخر عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي خطوط برنامج الدعوة العلمي، وكلف القاضي لمك تنفيذ هذا البرنامج، ونقل القاضي كتب الدعوة وما احتوته من علوم إلى اليمن، ثم قررت السيدة الملكة الحرة بعد وصول القاضي إلى اليمن فصل الدعوة من شؤون الملك. وعينت الملكة يحيى بن لمك والداعي الذؤيب بـن موسى الـوادعي للاشراف على تنفيذ هذا المشروع العلمي البعيد عن التيارات السياسية. فابتدأت الدعوة تعمل لهذا الغرض في عهد الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي، ومأذونه السلطان الخطاب بن الحسن الحجوري، ثم أظهر الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ومأذونه الشيخ علي بن الحسين بن جعفر بن الوليد القرشي،والشيخ محمد بن طاهر الحارثي نشاطاً بليغاً في هذا الصدد، وبلغ الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي، والوادعي علي بن محمد بن الوليد من إنتاجهما الأدبي مبلغاً لايستهان به. وأثبت الداعي علي ابن حنظلة خلاصة بعض علوم الدعوة في رسالته وأرجوزته. وقد واصل علماء اليمن هذا النشاط العلمي في القرون التالية إلى عهد الداعي إدريس عماد الدين الأنف القرشي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمان مائه، بل إلى أيامنا هذه، ومن هذا العرض السريع نأخذ فكرة عما يوجد من الثروة الأدبية والعلمية في خزائن كتب الدعوة اليمنية) [9].

 كما أن الأستاذ عبدالله الحبشي ذكر في كتابه مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن ذكر ستة عشر داعياً ومؤلفاً من دعاة الإسماعيلية اليمنيين الذين خلفوا ثروة علمية وعقائدية ضخمة، كلها يقصد بها تعميق وترسيخ الفكر والعقيدة الإسماعيلية لدى اليمنيين [10].

 ذلك المخزون الفكري وإن كان ضالاً غير مستساغ لدى العقلاء، فإنه قد يستساغ لدى الجهلاء، ولدى المفتونين بالغرائب، ولدى المندسين الذين دأبوا على بث الفتن والشقاق من خلال العقائد الضالة والأفكار الهدامة. هذا بالإضافة إلى الاهتمام الكبير والمتزايد باليمن من قبل هذه الطائفة هذه الأيام، وما يعتمل داخل تجمعات هذه الطائفة في مناطق تواجدها وعلاقاتها المـريبة مـع جهات أجنبية، ربما عملت على زعزعت أمن اليمن واستقراره.

 وكذلك الظاهرة التي برزت في السنوات الأخيرة ما يسمى لدى تلك الطائفة في الخـارج " الحج إلى اليمن "؛ وذلك لتتبع قبور دعاتهم في مناطق مختلفة في اليمن، سبقت الإشارة إلى بعض منها، ومما يدل أن وراء الأكمة ما وراءها، أنهم لم يقتصروا على زيارة تلك القبور والانصراف عنها، ولكنهم يشترون ماحولها من أرض ودور ومدارس وأي شيء، حتى يتحول الضريح وماحوله إلى ملك خاص بهم، يقيمون فيه المساكن في الظاهر، ولاندري ما وراء المساكن، وقد شاهدت قبراً لهم معظماً في زبيد، وقد ملكوا سكناً واسعاً بجواره، فإذا جاءوا للزيارة نزلوا فيه،وانطلقوا منه إلى بقية المزارات، كما رأيت قبراً آخر في قرية الحمى من نواحي زبيد، يسمونه قبر " حضرة خواجه أويس القرني عاشق رسول الله صلى الله عليه وسلم " هكذا مكتوب عليه، وقد دخلته وهو ضمن مباني مدرسة صغيرة قديمة، فاشتروا حسب إفادة بعض أهالي المنطقة مساحة من الأرض، وبنوا عليها مدرسة جديدة على أن تكون المدرسة القديمة والقبر لهم، ورأيت قبراً عالياً مغطى بثوب موشى، لعله من الحرير مطرز بآيات من القرآن وبعض العبارات الأخرى، وهو في غاية من النظافة، ومفروش بفراش من السجاد والبخور يفوح منه مما يلقي له مهابة في نفس الزائر.

 فهذه الأماكن، مايدرينا أنها تتحول إلى مقار للفتنة والمؤامرة في يوم من الأيام! وهل كانت بدايات اليهود المهاجرين إلى فلسطين إلا بهذه المثابة؟ أوَما نخشى أن يأتي يوم يقال فيه لابد من وطن قومي لهذه الطائفة؟

 ولايسعني في نهاية هذا المطلب إلا أن أسجِّل تحذيري للعلماء وللحكام ولكل غيور على أمن اليمن وسلامته واستقراره:

أرى خلل الرماد وميضَ نـارٍ ويوشك أن يكونَ لها ضرامٌ

 لئن لم يطفها عقلاءُ قــوم يكون ضرامها جثثٌ وهامُ

 

 

المطلب الثاني: أبرز الأعلام الذين واجهوا الإسماعيلية من علماء اليمن:

 سبقت الإشارة إلى ضعف المواجهة العلمية لهذه الطائفة، ولكن مع ذلك فإن علماء اليمن لم تخلُ الساحة تماماً من الردود وبيان فساد عقائد ومناهج هذه الطائفة، ومن المؤمل أن يقوم العلماء المعاصرون بسد ذلك النقص.

العلم الأول

محمد بن مالك بن أبي القبائل[11] الحمادي

 هذا الإمام هو أشهر مـن رد على الإسماعيلية مـن اليمنيين، بـل إن رسالته أصبحت مرجعاً لكل من يكتب عنهم، وهو الفقيه أبو عبدالله محمد بن مالك بن أبي القبائل الحمادي المعافري، والذي لم يُعثر له على ترجمة، كما أكد ذلك القاضي محمد بن علي الأكوع في مقدمة كتابه [12] غير أن الجندي قد أفاد ما يأتي في ترجمة علي بن الفضل: (على ما ذكره الفقيه أبو عبدالله محمد بن مالك بن أبي الفضائل أحد فقهاء اليمن وعلماء السنة، وكان ممن دخل في مذهبهما - منصور وابن الفضل - أيام الصليحي، وتحقق أصل مذهبهما، فلما تحقق فساده رجع عنه، وعمل رسالة مشهورة، يخبر بأصل مذهبهم،ويبِيْن عوارهم ويحذر من الاغترار بهم) [13]، وقد استنبط القاضي الأكوع أن وفاة الحمادي كانت في أيام علي بن محمد الصليحي ما بين عامَي (439هـ -459 هـ) حيث لم يدرك مقتل الصليحي سنة (459 هـ).

 وكتاب الحمادي من أهم الكتب الكاشفة عن حقيقة الإسماعيلية في اليمن،بل هو أهمها؛ وذلك لما انطوى عليه من مشاهدة واحتكاك وخبرة من الداخل، قال - رحمه الله - في فاتحة كتابه: (قال محمد ابن مالك - رحمة الله تعالى عليه -: اعلموا أيها الناس المسلمون، عصمكم الله بالإسلام، وجنبنا وإياكم طرق الآثام، وأرشدكم، ووفقكم لمرضاته، وسددكم، إني كنت أسمع ما يقال عن هذا الرجل الصليحي كما يسمعون، ومايتكلم به عليه من سيء الإذاعة وقبح الشناعة، فإذا قال القائل: هو يفعل، ويصنع، قلت: أنت تشهد عليه غداً، فيقول: ما شهدت، ولا عاينت، بل أقول كما يقول الناس. فكنت أتعجب من هذا أولاً، ولا أكاد أصدق،ولا أكذب ما قد أجمع عليه الناس، ونطقت بــه الألسن، فتارة أقـول هذا ما لا يفعله أحد من العرب والعجم، ولا سمع به فيما تقدم في سالف الأمم، إنما هذه عداوة له من الناس للمآل الذي بلغه من غير أصل ولا أساس، وكنت كثيراً ما أسمعه يقول:حكم الله لنا علىمن يظلمنا، ويرمينا بما ليس فينا.

 فرأيت أن أدخل في مذهبه؛ لأتيقن صدق ما قيل فيه من كذبه؛ ولأطلع على سرائره وكتبه،فلما تصفحت جميع ما فيها، وعرفت معانيها، رأيت أن أبرهن على ذلك؛ ليعلم المسلمون عمدة مقالته، وأكشف لهم عن كفره وضلالته؛ نصيحة لله وللمسلمين؛ وتحذيراً ممن يحاول بغض هذا الدين، والله موهن كيد الكافرين.

 فأول ما أشهد به وأشرحه، وأبينه للمسلمين وأوضحه، أن له نوّاباً يسميهم الدعاة المأذونين، وآخرين يلقبهم بالمكلبين تشبيهاً بكلاب الصيد؛ لأنهم ينصبون للناس الحبائل، ويكيدونهم بالغوائل، وينقبضون عن كل عاقل، ويلبِّسون على كل جاهل، بكلمة حق يراد بها باطل. يحضّونهم على شرائع الإسلام، من الصلاة والزكاة والصيام كالذي ينثر الحب للطير؛ ليقع في شراكه، فيقيم أكثر من سنة يمعنون به وينظرون صبره، ويتصفحون أمره، ويخدعونه بروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم محرفة، وأقوال مزخرفة،ويتلون عليه القرآن على غير وجهه، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فإذا رأوا منه الانهماك والركون والقبول والإعجاب بجميع ما يعملونه والانقياد لما يأمرونه، قالوا حينئذٍ: اكشف عن السرائر، ولاترض لنفسك، ولاتقنع بما قد قنع به العوام من الظواهر، وتدبر القرآن ورموزه، واعرف مثله وممثوله، واعرف معاني الصلاة والطهارة، وماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرموز والإشارة، دون التصريح في ذلك والعبارة،فإنما جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة، لممثولات محجوبة، فاعرف الصلاة وما فيها، وقف على باطنها ومعانيها، فإن العمل بغير علم لاينتفع به صاحبه، فيقول: عمَّ أسأل، فيقول: قال الله تعالى: ] أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ [14]، فالزكاة مفروضة في كل عام مرة، وكذلك الصلاة من صلاها مرة في السنة فقد أقام الصلاة بغير تكرار، وأيضاً فالصلاة والزكاة لها باطن؛ لأن الصلاة صلاتان، والزكاة زكاتان، والصوم صومان، والحج حجان، وما خلق الله - سبحانه - من ظاهر إلا وله باطن، يدل على ذلك: ] وذروا ظاهر الإثم وباطنه [ [15] ] قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن [ [16]، ألا ترى أن البيضة لها ظاهر وباطن، فالظاهر ما تساوى به الناس وعرفه الخاص والعام، وأمـا الباطن فقصر علم الناس به عن العلم به، فلا يعرفه إلا القليل، من ذلك قوله: ] وما آمن معه إلا قليل [ [17]، وقوله: ] وقليلٌ ماهم [ [18]،وقوله: ] وقليلٌ من عبادي الشكور [ [19]، فالأقل من الأكثر الذين لاعقول لهم) [20].

 وقد بدأ كتابه بذكر الدعاة المأذونين، وكيفية قيامهم بتلك الدعوة،وكيف يؤوِّلون، ويعلمون الناس أن لكل شيء ظاهراً وباطناً، فالصلاة لها باطن والزكاة لها باطن...الخ، ثم ذكـر تدرجهم بالمدعو حتى يصل إلى الدرجة التي يبيح له الإمام المبيت مع زوجة الداعي، ثم مع زوجات الواصلين إلى تلك الرتب العالية عندهم [21]؛ ثم ذكر المشهد الأعظم وما فيه من إباحية، ثم يختم الفصل بقوله: (قال محمد بن مالك - رحمه الله تعالى -: هذا ما اطلعت عليه من كفرهم وضلالتهم، والله - تعالى - لهم بالمرصاد،والله - تعالى - عليَّ شهيد بجميع ما ذكرته مما اطلعت عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم، والله يشهد عليَّ بجميع ما ذكرته عالم به، ومن تكلم عليهم بباطل فعليه لعنة الله واللاعنين والملائكة والناس أجمعين، وأخزى الله من كذب عليهم، وأعد له جهنم وساءت مصيراً، ومن حكى عنهم بغير ما هم عليه، فهو يخرج من حول الله وقوته إلى حول الشيطان وقوته.

 فأديت هذه النصيحة للمسلمين حسب ما أوجب علي من حفظ هذه الشهادة، فإن الله - سبحانه -أمر بحفظ الشهادة ومراعاتها وأدائها إلى من لم يسمعها، قال الله I:] سُتكتب شهادتهم ويسئلون [[22]،والله أسأله أن يتوفانا مسلمين، ولاينزع عنا الإسلام بعد أن أتانا بمنه ورحمته) [23].

 ثم قال تحت عنوان " المقالة في أصل الدعوة الملعونة ": (وقد رأيت أيها الناس، وفقنا الله وإياكم للصواب، وجنبنا وإياكم طرق الكفر والارتياب، أن أذكر أخبار هذه الدعوة الملعونة؛ لئلا يميل إلى مذهبهم مائل، ولا يصبو إلى مقالتهم لبيب عاقل، ويكون في هذا القدر من الكلام في هذا الكتاب إنذار لمن نظره، وإعذار لمن، وقف عليه واعتبره) [24]، ثم ابتدأ في تاريخ تلك الدعوة وأخبارها إلى آخر الكتاب.

 والكتاب يعد من أهم وأقدم المراجع المؤرخة للباطنية والكاشفة عن حقائقهم خصوصاً باطنية اليمن؛ ولذا فلا يحصى من نقل عنه قديماً وحديثاً، وقد طبع عدة طبعات من آخرها وأفضلها طبعة " مركز الدراسات والبحوث اليمني " بتحقيق القاضي محمد بن علي الأكوع سنة (1415 هـ).

 ولقد حاول البعض التشكيك في بعض ما احتوى عليه الكتاب، إما باعتبار ذلك غير معقول، أو بدافع قومي أو وطني، ولكن الشهادة التي صدّره بها القاضي الأكوع عن المقريزي تشهد للحمادي بصدقما ذكره، وكذلك يشهد له كثير من النقول عن كتب الإسماعيلية أنفسهم التي أوردها الباحث الكبير إحسان إلهي ظهير في كتابه الفذ " الإسماعيلية تاريخ وعقائد " ومن أراد التأكد فليرجع إليه في الباب السادس " الإسماعيلية والتأويل الباطني " [25] و" الإسماعيلية ونسخ شريعة محمد صلوات الله عليه"[26]، إلا موضوع " المشهد الأعظم " أي جمع الرجال مع النساء، وكذلك المبيت مـع زوجة الداعـي وزوجات من يليه فلم أجد إلى الآن ما يشهد له فلا أستطيع الجزم بإثباته كما لا أستطيع نفيه.

 
العلــم الثــاني

الإمـــام يـحيى بن حمــزة

 وهو الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي، ينتهي نسبه إلى الحسين بن عليt، وهو خلاف أكثر أئمة اليمن الذين يرجعون إلى الحسن بن علي t، ولد بصنعاء سنة (669 هـ) (واشتغل بالمعارف العلمية وهو صبي، فأخذ من جميع أنواعها على أكابر علماء الديار اليمنية، وتبحر في جميع العلوم، وفاق أقرانه، وصنف التصانيف الحافلة في جميع الفنون) [27]، (وهو من أكابر أئمة الزيدية بالديار اليمنية، وله ميل إلى الإنصاف مع طهارة لسان وسلامة صدر وعدم إقدام على التكفير والتفسيق بالتأويل ومبالغة في الحمل على السـلامة علـى وجه حسن، وهو كثير الذب عن أعراض الصحابة المصونة y، وعن أكابر علماء الطوائف رحمهم الله) [28]، وله في ذلك " الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب أصحاب سيد المرسلين " [29].

 وكتبه كثيرة جداً، أوصلها بعضهم إلى مئة مجلد، ومنها رسالتـاه اللتان رد فيهما علـى الباطنية، وهما " الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام " و" مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار " وقد طبعتا، ولكني لم أحصل على أي منهما.

 وهذا الإمام لم يقتصر على الرد على الإسماعيلية بقلمه ولسانه، بل حاربهم بسيفة وسنانه، كما ذكر ذلك صاحب أعلام المؤلفين الزيدية [30]، ولست أدري شيئاً عن مضمون الكتابين غير أن الظن أنهما مفيدان ومحققان، فقد وُصِفَ هذا الإمام بالتحقيق والنبوغ.

 وهو مع مكانته العلمية وشهرته بين علماء اليمن، قد صدرت عنه بعض الفتاوى التي يظهر بجلاء مخالفتها للأدلة، من أشهرها تجويزه بناء المشاهد والقباب على قبور الخلفاء وذوي الفضل، وهذه الفتوى هي التي رد عليها الشوكاني برسالته "شرح الصدور بتحريم رفع القبور"، وقد ذكر بعض تلك المسائل القاضي إسماعيل الأكوع في ترجمته في كتابه هجر العلم [31].

 وقد توفي - رحمه الله - في موضع اعتزاله بعد أن تخلى عن الإمامة بقصر هران بذمار سنة (749 هـ) [32].

 

المطلب الثالث: المؤلفات اليمنية في الرد على الباطنية الإسماعيلية:

 لقد عثرت- أثناء بحثي عن هذه الطائفة وتاريخها ومـوقف العلماء منها-على عدد مـن الردود عليها من علماء اليمن،ولاأزعم أن هذه الأسماء التي سأذكرها في هذا المطلب هي كل ما كتبه اليمنيون في ذلك، ولكن هذا ما وقفت عليه.

1 – 3) ماسبق ذكرها؛وهي رسالة الحمادي "كشف أسرار الباطنية"،و"الإقحام لأفئدة الباطنية الطغام" و"مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار" وكلتاهما للإمام يحي بن حمزة.

4) "الحسام البتار في الرد على القرامطة الكفار"؛ للشيخ حُميد بن محمد المحلي الهمداني المعروف بحميد الشهيد، وكان من كبار الهادوية في عصره، قتل سنة (652) [33].

 

 

5) "الرسالة القاطعة في الرد على الباطنية" (جزآن)؛ للشيخ محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش، توفي سنة (719) [34].

6) "العضب المسلول في الرد على الباطني المخذول" لأبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، تـوفي سنة (873) [35].

 هذه هي الكتب المفردة،وهناك من تعرض لهم أثناء بحوث أخرى وضمن كتب غير مخصصة للـرد عليهم منها:

 أ) ماكتبه الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، المتـوفى سنة (840هـ)؛ في كتـابه" إيثـار الـحق على الخلق" في عدة مواضع.

 ب) محمد بن الحسن الديلمي المتوفى سنة (711 هـ)، في كتابه "قـواعد عـقائد آل محمـد"، وغير ذلك من كتب العقائد والتاريخ.

 وعندما بدأت موجات الحجاج الإسماعيلية تتوافد علـى اليمن،وظـهر نشـاطهم ونشاط إخوانهم من اليمنيين،تحرك بعض العلماء والدعاة من المعاصرين؛ لمواجهة ذلك خطابة ومحاضرة وربما تأليفاً، والواجب أن تأخذ هذه الفرقة حظها من العناية والاهتمام على مستوى الخطر الذي تشكله، والله الموفق.

 

 

المـبحث الثــاني

المواجهة العلمية لعلماء الجهات اليمنية المختلفة لعموم القبورية

وفيه أربـعة مطالب:

المطلب الأول: جهود علماء اليمن الأعلى "صنعاء ومايليها ":

 لقد كان لعلماء هذه الجهة النصيب الأوفر والحظ الأكبر من الجهود العلمية والعملية في مواجهة القبورية،وقد تقدم بعض جهودهم في مواجهة الباطنية الشيعية،وفي هذا المبحث سألقي الضوء على جهودهم في مواجهة عموم القبورية،ولم تكن تلك الجهود العظيمة لأن بلادهم كانت أكثر قبورية من غيرها،ولكن كان هناك عاملان أساسيان لذلك:

 الأول: هو الاجتهاد والتجديد الذي تميز به علماء هذه الجهة،فاتسعت آفاقهم، وزالـت الـموانع من طريقهم؛ سواء موانع النظر العلمي، أو موانع الجهر بكلمة الحق التي حالت دون علماء جهات أخرى أن يقولوها.

 الثاني: أنه لايوجد من يتبنى القبورية، ويدافع عنها بقوة من علماء تلك الديار، وإنما الذي يروج تلك القبورية هم الحكام دون اعتقاد؛ بل لدوافع إظهار العظمة لديهم، فلم يكن لهم حمـاس الصوفية المعتقدة في الأولياء والحكام الخاضعين لسلطان الصوفية.

 ولذا فسوف تطالعنا أسماء عديدة، لها إسهاماتها في هذه الجهود من جوانب مختلفة،ولكنني سأكتفي بدراسة أكثر تلك الأسماء تأثيراً،وهما الإمامان شيخا الإسلام "محمد بن إسماعيل الأمير" و"محمد بن علي الشوكاني"، مع استعراض بعض آثارهما في هذا المجال، وأما بقية الأسماء فسأذكرها مجردة،مع تاريخ الوفاة وبعض مصادر الترجمة، واسم الأثر الذي تركه ذلك العالم في مواجهة القبورية وموضوعه.

 

العلـم الأول

من أعلام مواجهة القبورية في اليمن الأعلى

الإمام محمـــد بن إسماعيــل الأمير

 هو علامة اليمن ومجدد علم الحديث بها،البدر المنير محمد بن إسماعيل بن صلاح، الأمير الكحلاني ثم الصنعاني، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب t، ولد بكحلان ليلة الجمعة منتصف جمادى الأول سنة (1099هـ) [36]، ثم ارتحل مع والده إلى صنعاء،وهناك أكب على طلب العلم على أشهر وأفضل علمائها، (ورحل إلى مكة،وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران،وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن) [37]، وقد عدد الشوكاني تلك المحن التي وقعت عليه [38].

 وقد تفرد في عصره من بين علماء اليمن بأمور، هي من أعظم خصال المجددين، وأزكى ثمار اجتهاد المجتهدين، أولها الدعوة إلى التوحيد الخالص ومحاربة الشرك ووسائله،وهــذا ما سنراه في الجزء الثاني من هذه الترجمة، وكان ذلك قبل أن يسمع بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- فلما سمع بها وبما يقوم به ابن عبدالوهاب في ذلك السبيل، فرح فرحاً شديداً،وتقوّى بذلك، ووجد المساعد على دعوته التي كان يظن أنه وحده عليها، فراسله بقصيدته الشهيرة المعروفة بالقصيدة النجدية، والتي مطلعها:

سلامٌ على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لايجدي

 وقال مبدياً سروره بما يدعو إليه ذلك الإمام:

 لقد سرني ما جاءني مـن طريقة وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي

 وقد ضمّن هذه القصيدة أهم ملامح دعوته إلى التوحيد والاجتهاد ومحاربة البدع، وأثنى على الإمام ابن عبدالوهاب بذلك.

 ولكن هناك أموراً ساعدت على شيء من التردد تجاه الشيخ ابن عبدالوهاب؛ وهي أنه لم يبادر بالجواب على الصنعاني، وترتب على هذا السبب أسباب أخرى، من أهمها أن القصيدة انتشرت، وسار بها الركبان، وبلغت الحجاز والشام والعراق وغيرها من البلدان التي لابن عبدالوهاب فيها أعداء، فسارعوا بالكتابة لابن الأمير، يلومونه على مدحه لابن عبدالوهاب، ويختلقون المطاعن والمثالب، ويهوِّلون الأمر بحيث يصورونه له أنه بسبب هذه القصيدة، ارتفع شأن هذا الرجل، واغتر به أناس مع ما عنده من أخطاء، ويحمِّلون ابن الأمير مسؤولية من اغتر بقصيدته، ولكن ذلك كله لم يؤثر فيه،كما صرح بذلك في مقدمة قصيدة الرجوع غير أنه بعد فترة، ورد إليه رجل من أهل نجد، يزعم أنه من طلاب محمد ابن عبدالوهاب، وذكر لابن الأمير بعض الأمور عن صاحبه، لم ترق له، ولم يُعِر ذلك اهتماما ً، ثم ورد رجل آخر، يظهر عليه سمت وسيما صلاحٍ ونباهة في طلب العلم حسبما يصفه ابن الأمير؛ فأكد ما قاله الوافد الأول وأحضر حسب زعمه بعض رسائل ابن عبد الوهاب التي فيها تبرير تكفير سائر الأمة، والوجهة في قتل مخالفيه، وأخذ أموالهم، فلما تجمع ذلك كله وجد ابن الأمير نفسه مضطراً لمسح ما فعلته القصيدة الأولى، من دعاية لابن عبدالوهاب، فنظم قصيدته التي مطلعها:

رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي

 وأبان فيها ما بلغه عن ابن عبدالوهاب، مما لا يرتضيه وأهمه تكفير الأمة قاطبة، والتَّجاري على الدماء والأموال، وأقول:

 أما القضية الأولى فهي قطعاً غير صحيحة، وجميع مؤلفات الإمام ومؤلفات أبنائه وأحفاده وأعلام الدعوة النجدية موجودة متداولة، وليس فيها شيء من ذلك، أعني التكفير العام المطلق للأمة، وإنما فيها التحذير من الشرك والحكم العام دون التعيين لمن وقع في الشرك بأنه مشرك، مالم يكن مـعذوراً، وتـاب عن ذلك، فدعوى تكفير الأمة قاطبة مما افتراه عليه أعداؤه؛ لتشويه سمعته.

 وأما القضية الثانية وهي التجاري على دماء المسلمين وأموالهم فهي مبنية على حكم من يحاربهم، فمن اعتقد هو وأتباعه أنه مرتد معاند، لم يقبل النصح، ولم ينصع للدعوة، استحل قتاله، وغنم أمواله، وذلك بعد البلاغ والإعذار، كما تنص عليه كتبه وكتب أتباعه، وأما وصول الأمر إلى حد الاغتيال دون إنذار ودون دعوة، فما علمت أن الشيخ وأتباعه العلماء، يجيزون ذلك بهذه الصورة المذكورة، وأمـا أن يحصل من بعض الجنود وقُوَّادِهم شيء من التجاوز في القتل أو في نهب الأموال أو ما أشبه ذلك، فهذا ممكن، وليس العيب فيه على الشيخ، ولا على دعوته.

 وعلى كل حال فتأخُّر جواب الشيخ ابن عبدالوهاب علىالشيخ ابن الأمير؛ فتح المجال للطرف الثالث وهم الناقمون على الشيخين جميعاً، فسعوا للإيقاع بينهما، وخصوصاً أنهم لمسوا قضية حساسة لدى ابن الأمير، وهي قضية قتل الناس وأخذ أموالهم باسم الدين والشرع والجهاد في سبيل الله، التي كان قد سنّها بعض أئمة اليمن، وضاق بها علماء اليمن ذرعاً، ومن أشدهم ابن الأمير،فكم له في ذلك من مكاتبات وقصائد تعد ثورة على تلك الأوضاع، فخشي أن يذم أئمة اليمن، ويمقتهم لذلك الظلم،وفي نفس الوقت يمدح إمام نجد الذي يجاري أئمة اليمن في ذلك البغي والظلم.

 هذه في نظري هي الأسباب الحاملة على نظم القصيدة الأخيرة؛ ولذلك ومن أجـل أن يقطع الطريق على من يصطاد في الماء العكر، فقد أكد تمسكه بما جاء في القصيدة النجدية من العقيدة والمنهج، وإنما كان الرجوع عن تلك القضايا المحددة فقال:

 نعـم واعلـموا أني أرى كل بدعة ضلالاً على ما قلت في ذلــك العقـد

 ولاتحسبـوا أني رجعت عن الـذي تضمنه نظــمي القــديم إلى نجــد

 بلى كـل ما فيه هو الـحق إنمـا تجاريك في سفك الدمـا ليس من قصدي

 وتكفير أهل الأرض لست أقوله كمـا قلتـه لا عـن دليـل به تهدي) [39]

 والقصيدة ثابتة عن الإمام ابن الأمير، وليست مقولة على لسانه، والسبب فيها ماذكر، وليس هو تراجعاً عن ذلك المنهج، وقد أشار الشوكاني في "الدر النضيد" إلى شرح هـذه القصيدة لابن الأمير[40]، فمن أنكرها من علماء نجد وغيرهم كان إنكاره لها عن عدم اطلاع على ما ذكر من أسباب وملابسات، وماذاك إلا غيرة على الإمام ابن الأمير من أن ينسب إليه مايخالف ماعرف عنه من الدعوة إلى التوحيد والاتباع ومحاربة الشرك والابتداع.

 وأما الأمر الثاني فالدعوة إلى الاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى والتعصب المقيت، وهذا الأمر تطفح به كتبه التي خصص منها رسالة لهذا الغرض بعنوان: " إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد "، كما تعرض لهذا الأمر في الكثير من كتبه الكبيرة والصغيره، وأعلنه في العديد من قصائده، ومنها هذه القصيدة النجدية التي تكلمنا عنها آنفاً حيث قال:

 وأقبح من كـل ابتـداع سمعتــه وأنكاه للقـلب الموفـق للـرشـد

 مذاهب من رام الخـلاف لبعـضها يُعـض بأنيابِ الأسـاود والأسـد

 يـصب علـيه سـوط ذم وغـيبة ويجفوه من قد كان يهواه عـن عمد

 ويُعزى إليه كــل ما لا يقولــه لتنقيصـه عنـد التهامي والنجـدي

 فيرميه أهل الرفض بالنصب فــرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد

 وليس لـه ذنب سـوى أنـه غـدا يتـابع قـول الله في الحل والعـقد

 ويتبــع أقــوال النـبي محمـد وهل غيره بالله في الشرعي من يهدي

 لئن عـده الجهـال ذنـباً فحبـذا بـه حبذا يـوم انفـرادي في لحدي [41]

 وتجد هذا الاتجاه في ديوانه في عدة مواضع بارزاً، وقد جر عليه هذا ضروباً من المحن، كما مر.

 والأمر الثالث مقارعته للأئمة وتشديده النكير عليهم في المظالم التي يرتكبونها بحق الأمة في دمائها وأموالها، وهو فاشٍ في كتبه ورسائله وقصائده، ومن أشهر تلك القصائد وأذيعها وأبعدها ذكراً القصيدة التي مطلعها:

(سماعاً عباد الله أهل البصائر لقولٍ له يفنى منام النواظر) [42]

 وقد شجب فيها ظلم الأئمة وميل بعض القضاة عن مقتضى العدل، وسكوت العلماء عن قول كلمة الحق، وبالجملة فقد وهب نفسه وراحته ووقته وعلمه لإعلاء كلمة الحق ورفع راية التوحيد وقمع البدع والمنكرات، ومن طريف ما قام به في الحفاظ على التوحيد ومحاربة الشرك ما ذكره "زبارة" في " نشر العرف" تحت عنوان " صنم المخا وفتنة الخطبة بصنعاء " قال: (وأرشد المهدي العباس إلى إزالة أصنام كانت ببندر المخا لطائفة البانيان،وألف البدر رسالة في ذلك نفيسه، فبادر المهدي إلى الأمر بإزالتها وهدم بيوتها، وقبض جميع أموالها، وقد كان لها مال واسع يقدر بنحو خمسين ألف ريال، فأخذ وأوصل أحد الأصنام إلى حضرة الإمام والبدر لديه، فأمر البدر بكسره، وكان في صورة أنثى، فديس بالنعال) [43].

 وقد التف حوله نخبة كبيرة من طلاب العلم من طبقات متفاوتة مـن المجتمع، قال عنها الشوكاني: (وقد كان أكثر أتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده وتظاهروا بذلك، وقرأوا عليه كتب الحديث وفيهم جماعة من الأجناد، بل كان الإمام المهدي يعجبه التظهر بذلك، وكذلك وزيره الكبير الفقيه أحمد بن علي النهمي وأميره الكبير الماس المهدي، ومازال ناشراً لذلك في الخاصة والعامة غير مبال بما يتوعده به المخالفون له، ووقعت في أثناء ذلك فتن كبار، وقاه الله شرها) [44].

 وبواسطة طلابه والمقتدين به من العلماء والدعاة، وصلت إلينا الدعوة السلفية اليمنية، والحمد لله،كما خلّف ثروة ضخمة مـن الكتب التي تُشد إليها الرحـال في التحـقيق والتجديد ودقة الفقه والاستنباط، من أوسعها انتشاراً " سبل السلام " و"تطهير الاعتقاد " والعدة حاشية شرح العمدة " لابن دقيق العيد، ومؤلفاته كثيرة جداً، قال القاضي الأكوع: (وله رسائل كثيرة، يضيق المقام بذكرها) [45].ومعظمها في تلك الاتجاهات التي أشرنا إليها، وسيأتي التعريف بما يخص القبورية من مؤلفاته التي اطلعنا عليها أو بعضها، ولقد اهتم العلماء والمؤرخون وطلاب الدراسات العليا بدراسة جوانب مختلفة من حياته وفكره، فمنهم الإمام الشوكاني في " البدر الطالع "، والقاضي الحيمي في كتابه"طيب السمر"، والجرموزي فـي كتابه " سلافة العصر "، والقاضي أحمد قاطن في كتابه" الدمية والتحفة "، وعبدالله بن عيسى في كتابه "الحدائق"، وعبدالله الحبشي في كتابه "مصادر الفكر الإسلامي في اليمن "[46].

 وقد ترجمه ترجمة واسعة " زبارة "في " نشر العرف "، والقاضي الأكوع في " هجر العلم "، كما كُتبت عنه عدد من المؤلفات الخاصة والرسائل العلمية منها: كتاب " الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار " للدكتور" أحمد محمد العليمي "، وكَتب علي عبدالجبار ياسين السروري كتاباً بعنوان: " ابن الأمير الصنعاني حياته وفقهه "، نال بها درجة الماجستير، وكتب الباحث قاسم صالح ناجي الريمي رسالة بعنوان " الفكر التربوي عند ابن الأمير الصنعاني "، نال بها درجة الماجستير، وكتب عنه العلامة عبدالرحمن طيب بعكر كتاباً بعنوان " مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الأمير دراسة حياته وآثاره" وكتب الأساتذة قاسم غالب أحمد، وحسين أحمد السياغي، ومحمد بن علي الأكوع، وعبدالله ابن عبدالوهاب الشماحي، ومحمود إبراهيم زائد كتاب " ابن الأمير وعصره " [47].

 هذا هو الإمام محمد بن إسماعيل الأمير أحد أبرز مجددي اليمن ومن أوائل من فتح باب مواجهة القبورية في اليمن الأعلى.

جهود ابن الأمير في مواجهة القبورية:

 لقد احتلت مواجهة القبورية حيزاً واسعاً من حياة ابن الأمير وجهده وجهاده، ولن أستطيع الإحاطة بكل ما كتب في هذا الجانب، فبعضه مازال مخطوطاً، وبعضه ضمن مؤلفات كبيرة متناثر في ثناياها، والقصد هو إلقاء الضوء على منهج الرجل في مواجهة القبورية، وسيظهر ذلك - إن شاء الله - من خلال استعراض ما يقع عليه الاختيار من كتبه.

الأثر الأول من آثار ابن الأمير المفردة في مواجهة القبورية

" تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد "

 هذه الرسالة هي أشهر كتبه المفردة في هذا الموضوع، وقد تداولها الناس، وطبعت عدة طبعات في بلدان عديدة، قال في مقدمتها بعد الحمد والثناء والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: (وبعد فهذا " تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد "،وجب عليّ تأليفه، وتعين عليّ ترصيفه؛ لما رأيته وعلمته مـن اتخاذ العباد الأنداد، في الأمصار والقرى وجميع البلاد، من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة، وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور، لا يحضر للمسلمين مسجداً، ولا يُرى لله راكعاً ولا ساجداً، ولا يعرِف السنة والكتاب، ولا يهاب البعث والحساب، فواجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره) [48].

 وقد احتوى الكتاب على خمسة أصول وعدد من الفصول، كلها تدور حول إخلاص العبادة لله تعالى، وبيان ما وصل الناس إليه من جاهلية باعتقادهم في أصحاب القبور، ونقد كثير من الأوضاع المبتدعة المتعلقة بذلك.

 وللشيخ كتب أخرى مفردة في هذا الموضوع، منها كتاب بعنوان " الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف "، ألفه حينما اطلع على جواب لأحد القبوريين، أجاب به علىسؤال ورد إليه، فجاء في ذلك الجواب: (إن للأولياء مـا يريدون، وأنهم ممن يقول لأي شيء أرادوه كن فيكون، وأنهم من القبور لقضاء الحوائج يخرجون) [49]، إلى آخر ما ذكره المجيب من نواقض الاعتقاد الصحيح قال: (فتعين إيقاظ أهل الغفلة والمنام، من القاصرين والعوام، ببيان حقيقة الولي وماورد في صفته من الآثار، وبيانه من الكتاب والسنة والأخبار، ثم بيان رد ما أورده المجيب من الهذيان، وأنه جعل الأولياء من جملة الأصنام والأوثان، ووصفهم بأنهم كالإله تقّدسَ وتعالى، وأنهم يقولون للشيء كن فكان، فرأيته يتعين إبانة الصواب، وبيان حقيقة ما افتراه من الأوتاد والأنجاب والأقطاب، وما خالف فيه بهـذه البدعة من أدلة السنة والكتاب) [50].

 ثم تتبع ذلك المجيب، بأن يورد مقطعاً من كلامه، ثم يتعقبه بالرد وبيان الحق في تلك المسألة، وقد طُبع الكتاب عام (1417هـ) بتحقيق مجموعة من الطلاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت إشراف الشيخ "حسن علي حسين العواجي " المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين في نفس الجامعة.

 كما أن له كتاباً يتعلق بالقبورية، ولا يظهر علاقته بهم إلا بعد النظر الفاحـص فيما يمارسون، ذلـكم الكتاب هو المسمى " رسالة شريفة فيما يتعلق بـ (الأعداد للحروف، والأوفـاق، وكم بقي من عمر الدنيا،وذكر المهدي المنتظر "، والذي يخص موضوعنا منها هو ما يتعلق بالحـروف والأوفاق، وقد تكلم في المسألة الأولى عن حروف " أبجد، هّوز "، وأبـان أنها ليست في دلالتها علـى الأعــداد من وضع اللغة العربية، ثم انتهى إلى القول بأن جعلها دلالة على الأعداد أمر اصطلاحي، لا حجر فيه، ولا ضير على متعاطيه، ونهي ابن عباس عنه وأنه من السحر، يدل على أنه عرف أنه اصطلاح لليهود، يستعملونه في الأسحار، وهذا يأتي بحقيقته في المسألة الثانية [51].

 وفي المسألة الثانية قرر أن علم الأوفاق علم مبتدع وحادث، لايعرف له دليل من كتاب ولا سنة ولا فعل صحابي ولاغيره، وبعد أن فنّده، وحكم بعدم وجود أصل شرعي له، نقل تعريف داود الأنطاكي له، ثم قال: (قلت:وهذا شأن الأسحار والابتداع، لاشأن الطريقة النبوية والاتباع، ومعلوم أنها طريقة سحرية، إذ المطلوب بها أمور دنيوية محضة، من جاهٍ عند العباد، وجلب رزق من أيديهم، وإلقاء المهابة في قلوبهم وغير ذلك) [52].

 وإنما قلت: إن هذه الرسالة هي من ضمن مواجهة القبورية؛ لأنه سبق في الباب الثاني أن كثيراً من أولياء القبورية ذكروا أنهم يتعاطون علم الحروف والأوفاق، ويتصرفون بها، ويعدون ما ينتج عن ذلك كرامات لأولئك الأولياء، وهو في الحقيقة من السحر، فناسب جعل هذه الرسالة من جملة الردود عليهم، وقد حقق هذه الرسالة الأخ: مجاهد بن حسن بن فارع الوصابي المطحني، وراجعها شيخنا الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله - وطُبعت من قِبَل دار القدس بصنعاء عام (1412هـ - 1992م).

 كما إن هناك رسالة صغيرة هي عبارة عن إجابة على سؤال عن حكم الذبح على القبور بعنوان "مسألة في الذبائح على القبور وغيرها " حققها أخونا " الشيخ عقيل بن محمد المقطري "، وراجعها محدث اليمن العلامة " مقبل بن هادي الوادعي " [53]- رحمه الله -، وهي رسالة صغيره جداً، أبان فيها حرمة تلك الذبائح، وفصل فيها، وقد عد الذبح ـ على باب الدار وعلى جدرانها، وكذلك ما سمي عند العامة بـ "الهجر " ونحوه ـ من الذبائح المحرمة، ولكن الذابح لايكون بذلك مرتداً، وأما الذابح للقبور فإنه يكون مشركاً، وذبيحته ذبيحة مشرك:(... فإن الذابح لابن علوان مثلًا، لايكون إلا عن اعتقاد أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، ويشفي المرض ويذهب عن الأبدان العليلة الأدواء، وهذا بعينه الذي كان عليه عباد الأوثان وأتباع الشيطان، فإنهم كانوا ينحرون لها، ويهتفون بأسمائها، ويدعونها، ويخافونها، ويرجونها، ويطوفون بها، وينادونها بمثل " على الله وعليك "، كما يفعله الآن عباد القبور والقباب والمشاهد التي يجب هدمها) [54].

 كما يعد من هذا الباب شرحه على رجوعه عـن القصيدة النجدية المسمى " إرشـاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبدالوهاب " أو " النشر الندي بحقيقة أقوال ابن عبد الوهاب النجدي "، ذلك أن الرجل لم يرجع كما سبق عن أصل ما كان في قصيدته الأصلية " النجدية "، وإنما رجع عن مدح محمد ابن عبدالوهاب وبيان ما بلغه عنه مما لايرتضيه، وهذا كله لايغير من منهج تلك القصيدة، وبالتالي فالشرح يؤكد ما كان في تلك القصيدة من مواجهة للقبورية، ويوضحه، ويقيم الأدلة عليه، كيف لا وهو قد صرح فيها بأن القبوريين قد أصبحوا مشابهين لعباد " ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ".

 ولعل الله أن يهيىء نشر ذلك الشرح؛ ليتضح صحة هذا الكلام؛ وليخسأ من يتشدق أمام العوام وأشباه العوام، بأن الصنعاني رجع عما جاء في قصيدته النجدية مطلقاً، وأنه عاب على ابن عبدالوهاب دعوته إلى التوحيد من أصلها، ومحاربته للشرك والقبورية من أساسها. هذه بعض جهود الإمام الصنعاني - رحمه الله - في مواجهة القبورية.

 

العـلم الثـاني

من أعـلام مواجهة القبورية في اليمن الأعلى

الإمام شيـخ الإسـلام محمــد بن علـــي الشـوكاني

 هو الإمام شيخ الإسلام أحد مشاهير أعلام اليمن ومجددي الدين فيه، وأحد رواد النهضة الحديثة والصحوة المباركة ورموز السلفيين في العصور المتأخرة، محمد بن علي بن محمد الشوكاني ثم الصنعاني، ترجم لنفسه، وسلسل نسبه إلى آدم u [55]، ولد - رحمه الله - في "هجرة شوكان" وسط نهار يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة (1173هـ)، ونشأ بصنعاء في كنف والده الذي يعد من كبار علماء صنعاء في وقته، وقد أقبل على طلب العلم بشكل منقطع النظير، أعانه على ذلك الحال الميسور لأسرته، إذ وفَّر له التفرغ للطلب، وعدم الانشغال عنه بطلب المعاش، كما كان مـن أسباب نبوغه وترقيه في الطلب، وسرعة البلوغ إلى المطلب والأرب، النفس الأبية،والهمـة العلـية، وتشجيـع الأب، ودفعٌ به إلى الارتقاء وجود مجموعة من أكابر العلماء، من طلاب الإمام ابن الأمير والمتأثرين به، وهكذا واصل مشوار التعليم، ثم صار يعيد الدروس لزملائه وأقـرانه، ثم اشتهر بين أساتـذته وأشيـاخه قبل بلـوغ العشرين من عمره [56]،وما إن بلغ العشرين حتى أصبح مفتياً ترد إليه الفتاوى من جهات مختلفة من اليمن، وكان يفتي بدون أجر، وذلك أمر مستغرب في زمنه وفي وطنه.

 ولقد امتحنه الله تعالى بامتحان عظيم، وهو تولي القضاء، بل قضاء الأقضية أو بالتعبير العصري " رئاسة القضاء "، فنجح في الامتحان ونجى من الافتتان، وأجمع مترجموه على نزاهته، وحسن سيرته فيه،بل لم يعد رئيساً للقضاة فحسب،وإنما من أقرب المقربين إلى أئمة عصره الذين عايش حكمهم، وهم:الإمام المنصور علي بن المهدي العباس (1189 - 1224 هـ)،وابنه الإمام المتوكل على الله أحمد (1224- 1231 هـ)، وحفيده الإمام المهدي عبدالله (1231- 1251 هـ)، ولقد كان لـقربه منهـم أثـر كـبير في كـثير من الإصلاحات، ومنها حمله على الاستجابة لطلب الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود من الإمام المهدي هدم المشاهد والقباب المقامة على القبور في صنعاء ونواحيها، فصوّب الإمام الشوكاني ومن معه من العلماء ذلك، وحثوا الإمام عليه، فوقع الهدم لتلك المشاهد، كما سيأتي في مطلب الجهود العملية لمواجهة القبورية.

 كما أثر عليه في غير ذلك من جوانب الإصلاح، وهذا جانب مهم من جوانب شخصية الشوكاني، وهو جانب الإصلاح السياسي والاجتماعي، والذي مارسه عملياً ومن موقع القرار بخلاف الإمام ابن الأمير، الذي كان يمارسه من خارج نطاق السلطة.

 والجانب الثاني كما بدأه سلفه من علماء اليمن، من تمزيق قيود التقليد الأعمى والعصبية المقيتة، فقد قام في ذلك الجانب بجهود جبارة نظرياً من خلال دعوته إلى ذلك وتأليفه فيه وتأصيله في عـدد كـبير من كتبه ورسائله، حتى أنّا سنجد أنه جعل مدخله إلى نقد فتوى الإمام يحيى بن حمزة في رسالته "شرح الصدور بتحريم رفع القبور "، جعل مدخله إلى ذلك التأكيد على الرجوع إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليهما [57]، وقد أخذ ذلك حيزاً كبيراً من تلك الرسالة، وهكذا شأنه في كثير من رسائله، إضافة إلى كتابه الخاص في ذلك، المسمى " القول المفيد في أدلة الاجتهادوالتقليد ".

 وأما الجانب العملي فهو ما يراه كل مطالع لمصنفاته الفقهية والحديثية، وحواشيه وشروحه، فكلها ينطلق فيها من هذا المنطلق، ولا يبالي بمن خالف، أو وافق فيما يذهب إليه.

 والجانب الثالث هو دعوته إلى الاتباع ونهيه عن الابتداع، وجهاده في سبيل إخلاص كلمة التوحيد، وحربه لعقائد الشرك والتنديد، وسيأتي في آخر هذا المطلب دراسة بعض آثاره في ذلك.

 غير أني أود قبل الخروج من هذا الجانب أن أرد على قوم ظفروا بقصيدة للإمام الشوكاني في ديوانه، فهموا منها أنه يعادي الإمام محمد بن عبدالوهاب، ويرد عليه وعلى علماء نجد وأمرائها، فطاروا بذلك فرحاً، وانتسخوها، وصاروا يوزعونها على أتباعهم، والواقع أن القارىء لايجد فيها ما يفرح به أولئك، غير أنهم قد اتخذوا سياسة التأثير النفسي على الأتباع، فإنهم عندما يوزعونها هم، وربما جعلوا لها مقدمة تبين أن هذه القصيدة رد فيها الشوكاني على الوهابية، ونقض ما يدعون إليه من محاربة الأولياء والمعتقدين فيهم... الخ، فإن التابع المسكين سيتأثر بتلك المقدمة المكتوبة أو الشفوية، ويعتبر أن القصيدة مــن هذا البـاب دون تأمل لمــا فيها، مما هو في الحقيقة رد عليهم وتأكيد على منهج الشوكاني الذي كرس له حياته، ولم يحد في هذه القصيدة عنه، إذ عرف عنه تجويز التوسل بالصالحين، وقرره في أكثر من كتاب من كتبه، مع اعتباره دعاء غير الله شرك أكبر، وقد رد على ابن الأمير حين قال إنه من الشرك العملي،وذلك في الدر النضيد [58]، وكل ما في الأمر أن الإمام الشوكاني حذر من التسرع في تكـفير الأمـة بما دون الشرك من البدع،كالبناء على القبور،وجعل التوابيت عليها، أو التوسل الذي يراه هو مباحاً، أما مَن دعاهم من دون الله، واعتقد فيهم مالا يجوز اعتقاده إلا في الله، فقد اعتبره من الشرك المخرج من الملة، قال - رحمه الله في تلك القصيدة:

ومن يـأتي إلى عبـد حـقيٍر

فيزعم أنه الـرب الـودودُ

فهذا الكفر ليس بـه خـفاءٌ

ولا ردلـذاك ولا جحـودُ

ولست بمنكر هـدماً لقــبرٍ

إذا لعبـت بجانـبه القـرودُ

وقالوا: إن ربَّ القبر يقـضي

لنـا حاجاً فتـأتيه الوفـود

كذبتم ذاك ربُّ العرش حـتقاً

تعــالى أن تكـون له ندودُ

ومن يقصد إلى قبر لأمـــرٍ

تـوسل فهـو الكنودُ [59] بغير

 وهذا الكلام واضح في مراد الإمام - رحمه الله-، ومنسجم مع منهجه، ولئن كان فيه شيء من التعميم والإطلاق فيجب إرجاعه إلى كلامه البين الواضح، وأما قوله قبل هذه الأبيات:  فإن قلتــم قد اعتقدوا قبوراً فليـس لذا بأرضيـنا وجودُ

 فيجب أن يقارن بينه وبين ما في سائر كتبه،ومنه ماجاء في "الدر النضيد"،حيث قال: (وإذا علمت هذا، فاعلم أن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية، أمرٌ غير ما ذكرناه من التوسل المجرد، والتشفع بمن له الشفاعة، وذلك ماصار يعتقده كثير من العوام، وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء، من أنهم يقدرون على مالا يقدر عليه إلا الله Y، ويفعلون مالا يفعله إلا الله U، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم، فصاروا يدعونهم تارة مع الله، وتارة استقلالاً، ويصرخون بأسمائهم، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعاً زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء، وهذا إذالم يكن شركاً فلا ندري ماهو الشرك؟‍‍‍!، وإذا لم يكن كفراً فليس في الدنيا كفر.) [60].

 فإن قيل: هذا عام، ولايدل على أن هذا موجود في اليمن، قلت: يؤكد دلالته على ذلك ماجاء في نفس الكتاب بعد أن أسرد الأدلة على تحريم أنواع من الشرك ووسائله، حيث قال وهو يؤكد ما ينتج عن تعظيم القبور وتفخيمها من عقائد باطلة: (وروى لنا أن بعض أهل جهات القبلة، وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب " ذي بين " -رحمه الله -، فرآها وهي مسرجـة بالشمـع، والبـخور ينفـح من جوانبها وعلى القبر الستور الفائقة، فقال عند وصوله إلىالباب: أمسيت بالخير، يا أرحم الراحمين) [61].

 إذاً كيف نؤول قوله: (فليس لذا بأرضينا وجودُ)، قلت: يُؤوَّل - والله أعلم - أن هـذه القصيـدة هي في إطار المراسلات الرسمية بين إمام اليمن، ومعه الشوكاني، وبين أئمة نجد، الذين كانت العلاقات بينها يسودها الود حيناً والنفور حينا، وخوف إمام اليمن من زحف الجيوش النجدية على بلاده حيناً، فجاءت هذه لقصيدة، لتهدئة الأوضاع وإقناع النجديين بأنه ليس في اليمن مايستوجب محاربتهم له وزحفهم عليه، فجاز مثل هذا التعبير المخالف للواقع لأجل دفع فتنة الاقتتال بين الطرفين والله أعلم.

 وبعد معرفة هذه الجوانب المهمة أقول: إن الإمام الشوكاني خلّف لليمن ثروتين عظيمتين:

 أما الأولى: فهم طلابه وأصحابه الذين ساروا عل نهجه، وتعلموا منه المنهج السلفي النقي، وحملوه إلى أن وصلنا اليوم كما وضعه،وهم كُثر، وقد أورد منهم الأستاذ عبدالغني قاسم عدد اثنين وتسعين رجلاً [62]، منهم من هو عالم، ومنهم من أصبح إماماً مجتهداً، أو قاضياً عادلا،ً أو والياً كبيراً، وهؤلاء الطلاب هم أساس المدرسة السلفية القائمة في اليمن اليوم،والتي يعد رأسها اليوم القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني عضو مجلس الإفتاء حالياً.

 والثروة الثانية: هي كتبه ومصنفاته، التي اتفق على الثناء عليها في الجملة الموافق والمخالف، وصارت مراجعاً للكثير من المؤسسات العلمية في شتى بقاع العالم الإسلامي، وتنافس لاقتنائها العلماء وطلاب العلم في كل مكان، وهي كثيرة جداً، حصر الباحث عبد الغني قاسم منها (278) مائتين وثمانية وسبعين مؤلفاً، وأفاد أن المجال مازال مفتوحاً؛ لاكتشاف غيرها في مظـانٍ حددهـا،هـي: (المكتبات المنزلية للأسر اليمنية التي توارثت ملكية مخطوطات علماء اليمن، أو في مكتبات كل من الهند "حيث يوجد تلاميذه" وتركيا " إسطنبول "، وإيطاليا وبريطانيا، وسائر متاحف ومكتبات أوروبا الغربية والشرقية، حيث تسربت إلى خارج اليمن.

مترجمو الشوكاني:

 كما لايحصى عدد تلاميذه بالدقة، ولاتعرف مؤلفاته بالتحديد مـن كثرتها، كذلك لايحصى عدد من ترجم للشوكاني، وأشاد بعلمه، وأظهر جوانب من شخصيته، وحتى لا أطيل على القارئ، فلن أشغل نفسي بمن أفرده بالترجمة من الأقدمين، ولا من ترجم له في كتب التراجم والتواريخ العامة؛ وإنما أذكر بعض الباحثين الذين درسوا نواحي من حياة الشوكاني وعلمه وفكره، وقدموا في ذلك رسائل علمية؛ للحصول على درجات علمية من قبيل الدكتوراه والماجستير.

 فمنهم دون التزام بترتيب معين:

1) د. محمد بن حسن الغماري، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني مفسراً ".

2) د. عبدالغني قاسم الشرجبي، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني حياته وفكره ".

3) د. عبدالله نومسوك، له رسالة بعنوان: " منهج الإمام الشوكاني في العقيدة ".

4) د. صالح بن عبدالله الظبياني،له رسالة دكتوراه بعنوان: " اختيارات الإمـام الشوكاني الفقهية من خلال كتابيه نيل الأوطار والسيل الجرار ".

5) د. زياد علي " من ليبيا " له رسالة دكتوراه بعنوان:" الفكر السياسي والقانوني عند محمد ابن علي الشوكاني ".

6) د. عادل ياؤوز" من تركيا "، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني محدثاً ".

7) د. سمير حسين، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الشوكاني ومنهجه في الفقه الإسلامي من خلال كتابه السيل الجرار ".

8) صالح محمد صغير مقبل،له رسالة ماجستير بعنوان: "محمد بن علي الشوكاني وجهوده التربوية"

9) خالد بن إبراهيم بن عبدالله الديبان،له رسالة ماجستير بعنوان: "قضايا العقيدة عند الإمام الشوكاني ".

10) عبدالله فارع عبده العزعزي، له رسالة ماجستير بعنوان: " الشوكاني مؤرخاً،دراسة في منهجه التاريخي في كتابه (البدر الطالع لمحاسن ما بعد القرن السابع) ".

11) سالم بن محمد باكوبن،له رسالة دكتوراه تحت الإعداد بعنوان: "الإمـام الشوكاني وجهوده في الدعوة ".

12) برنارد هيكل اللبناني،له رسالة باللغة الإنجليزية بعنوان: "الشوكاني والوحدة الفقهية في اليمن".

قال القاضي إسماعيل الأكوع:(وتوجد رسائل دكتوراه وماجستير أخرىلم أذكرها؛لأنهالم تنشر بعد)[63].

 وهناك مئات المقالات الصحفية والأبحاث العلمية المتفرقة في الصحف والدوريات وغيرها، كل ذلك يدل على عظمة هذا الرجل واهتمام العلماء به. وقد توفي رحمه الله سنة (1250 هـ).

جهودالشوكاني في مواجهة القبورية:

 وأما عن جهوده في مواجهة القبورية فهي كثيرة مشكورة،وقد ترك عدة آثار في ذلك:

 الأثر الأول " شرح الصدور في تحريم رفع القبور " وهو رد على الإمام يحيى بن حمزة الذي قال كما نقل عنه صاحب البحر الزخار: (لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك لاستعمال المسلمين، ولم ينكر) [64]، فرد عليه، ومهد لذلك بالتذكير بالعودة إلى الكتاب والسنة والالتزام بما جاء فيهما، ومـاجناه التقليد علـى أهله وعلى الناس من كوارث، ثم جعل هذه المسألة كالمثال على تلك القاعدة، وقد نوَّه الشيخ العلامة محمد حامد الفقِّي بالشوكاني وكتابه في مقدمته لشرح الصدور فقال: (وله "الشوكاني " من الرسائل في مفردات المسائل كثير جداً، فمنها رسالته هذه " شرح الصدور بتحريم رفع القبور " وهي رسالة تنادي بأنه من الشجاعة وقوة اليقين، بحيث وقف هذا الموقف الفذ في وجـه جموع أهل اليمن وغيرهم، يرد على الإمام يحيى خطأه – وناهيك بمنزلة الإمام يحيى من نفوس الزيديين – هذا الرد المفحم، وينادي عليه في صراحة المؤمن الذي لايخشى في الله لومة لائم: أخطأت في تجويز رفع القباب والمشاهد على قبور الصالحين والملوك، ويالها من شجاعة لله وفي الله! ولو أن العلماء كانوا بهذه الشجاعة في قولة الحق، وكانوا بالصدق والإخلاص في النصيحة كذلك، لكان شأن المسلمين اليوم غير ماهم عليه من الذلة والهوان.

 والله يجزي الإمام الشوكاني وإخوانه الصادقين خير الجزاء، ويوفقنا لمثل ما وفقهم، ويحشرنا يوم القيامة مع إمامنا وإمامهم وإمام المهتدين عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم)[65].

 وقد اعتنى العلماء بهذه الرسالة وطبعت طبعات عديدة.

 الأثر الثاني كتاب " الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد "، وهو أيضاً جواب على سؤال ورد إليه عن ذلك الموضوع، وقد صدّر الجواب بتوضيح بعض المصطلحات التي يؤدي الخلط فيها إلى الغلط، وهي: الاستغاثة، والاستعانة، والتشفع، والتوسل، وقد شرح معانيها، وأبان الفروق بينها، وقد رجح جواز التوسل بالصالحين على اعتبار أن ذلك توسل بأعمالهم الفاضلة، واحتج لذلك، ورد على من منع منه، ومسألة التوسل من المسائل التي جرى فيها الخلاف قديماً وحديثاً، والصحيح والله أعلم أنها من البدع المحدثة التي لم يثبت لها دليل عنه صلى الله عليه وسلم،ولا عن أصحابه بالمعنى الذي يريده مجوزو ذلك التوسل، هذا في أصل المسألة، وأما ماهو حاصل اليوم عند جماهير المسلمين من عوام وأشباههم وصوفية وغيرهم من المنحرفين، فإن التوسل يستعمل، ويراد به الاستغاثة المجمع على المنع منها واعتبارها شركاً فلينتبه لذلك.

 ثم أنه بعد مافرغ من تقرير موضوع التوسل، قرر بقوة وحزم أن دعاء غير الله شرك، وأنه تعبير عما تنطوي عليه نفوس من يدعون غير الله من الاعتقاد فيهم ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى، وقد سبق نص كلامه كاملاً قبل قليل [66]، وقد نوّع الكلام، واستطرد استطرادات حسنة، وبيَّن كثيراً مما يقع فيه الناس من نواقض التوحيد، ومما هو وسائل إلى ذلك، ونبه على حرمة الحلف بغير الله والطيرة، وفرّق بين الشرك والكفر الأصغر والأكبر إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة.

الأثر الثالث " رسالة في وجوب توحـيد الله عـزوجل " وهي مأخوذة من كتابه الكبير المسمى " العذب المنير في جواب عالم بلاد عسير "، وقد كان السؤال متعلقاً بالتوحيد، وكون الدعاء عبادة، وهل يعذر الجاهل في ذلك... إلخ.

 فأجاب شيخ الإسلام جواباً شافياً مقنعاً مليئاً بالأدلة من الكتاب والسنة مستشهداً بأقوال أهل العلم، وبين منزلة الدعاء من الدين، وحكم صرفه لغير الله، وحقيقة شرك المشركين الأولين، وهو اتخاذهم لأصنامهم شفعاء عند الله، وأن من هذه الأمة من يتخذ أصحاب القبور شفعاء، وهو بذلك مساوٍ لمشركي الجاهلية، ومنهم من يدعوهم من دون الله، وهؤلاء أغلظ شركاً من مشركي الجاهلية، ثم تعرّض لتقسيم الكفر إلى كفر أكبر وكفر أصغر، وإلى خفاء الشرك وكثير من أنواعه على كثير من المسلمين حتى وقع فيه بعض من ينسب إلى الأدب والعلم، ثم بيّن خطورة اتخاذ المشاهد والقباب على القبور المبالغ في تعظيمها وتزيينها، ثم بين الحكمة من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم متخذي القبور مساجد.

 ثم أنكر إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وما بني عليه بعد ذلك، وكيف كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة القبور المشرفة بحيث بعث أميراً من أهله هو علي بن أبي طالب t؛ لطمس التماثيل، وتسوية القبور.

 هذا مجمل ما احتوت عليه الرسالة، وهي قيِّمة في بابها، فرحمه الله وغفر له وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وهذه الرسالة قد قام بتحقيقها ونشرها د. محمد بن ربيع بن هادي المدخلي الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالجـامعة الإسلامـية بالمدينة المنـورة، وقد طبعت للمرة الثانية عام (1419هـ).

 تلك ثلاثة نماذج من جهود شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله -، الخاصة في مواجهة القبورية، وهناك جهود أخرى كثيرة موزعة أثناء تراثه العظيم الذي خلّفه؛ ليستضيء به العلماء، ويتربى عليه الطلاب، ويرجع إليه المختلفون في كثير من القضايا، فهو لم يغفل مواجهة القبورية في تفسيره ولا أغفلها في شروحه للأحاديث وكتب الفقه، وما سهى عنها في فتاواه وردروده على الأسئلة عند أدنى مناسبة، فقد عاش هذه القضية بكل حواسه، وتفاعل معها بكل عواطفه، لذلك قال د. إبراهيم هلال، وهو يتكلم عن دعوة شيخ الإسلام الشوكاني إلى إخلاص شهادة لاإله إلا الله: (وقد أخذت هذه الدعوة منه حيزاً كبيراً، بحيث صار فيها في اليمن إماماً كابن عبدالوهاب في الحجاز من قبل، وابن تيمية في مصر والشام، ولاقى من جرائها الكثير من المتعصبين ومن المقلدين ورُمي بالنصب من أجلها، ومن أجل دعوته إلى الاجتهاد والرجوع بالتشريع، إلى طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين) [67].

المؤلفات المفردة في مواجهة القبورية لعلماء اليمن الأعلى سوى ما تقدم:

 ولعلماء اليمن الأعلى الآخرين جهود مشكورة مباركة في هذا المجال، وقد ألف الكثير منهم في الرد على القبورية رسائل مفردة، فمنهم:

1) محمد بن محمد السماوي، المتوفى سنة (1410هـ)، مترجم في هِجَر العلم (3/1407)، له رسالة بعنوان: " التوصل إلى تحريم التوسل " [68]، في الرد على القائلين بجواز التوسل.

2) يحيى بن محمد شاكر، المتوفى سنة (1370هـ)، مترجم في هجر العلم (4/2088)، له رسالة بعنوان: " دفع المشكك في وقوع شطر هذه الأمة في الشرك " [69]، في الرد على من يقول بامتناع وقوع أحد من هذه الأمة في الشرك، كما له رسالة أخرى بعنوان:" السيف القاطع لأماني أهل الشرك والمطامع " [70]، وجهها إلى الإمام يحيى حميد الدين، انتقد فيها عدداً من المنكرات، ومن أهمها المشاهد التي على القبور، وأوصاه فيها بهدمها وإزالتها وكذلك إزالة البدع والمنكرات والرجوع إلى الكتاب والسنة، وإفساح المجال للعلماء من أهل السنة؛ لتعليمها والعمل بها.

 هؤلاء بعض من اطلعت على تآليفهم في هذا الباب، ولاشك أنه يوجد سواهم، وعدم اطلاعي لا يعني عدم وجود شيء من ذلك.

 

المطلب الثاني:جهود علماء اليمن الأسفل (من إب إلى عدن) في مواجهة القبورية:

 

العلـم الأول

القاضي العـلامة عقيـل بن يحيى الإرياني

 القاضي العلامة النابغة عقيل بن يحيى بن محمد بن عبدالله الإرياني، وصفه القاضي إسماعيل بن علي الأكوع بقوله: (عالم أديب كاتب شاعر له مشاركة قوية في الفقه وعلوم العربية، سلك مسلك أهل السنة في اتباع أدلة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعى على المقلدين والمعتقدين بالأولياء جمودهم، وندد بمن يعتقد فيهم الخير، وأنهم يشفعون لمن يلتمس الخير عندهم، أو عن طريقهم، فاتهمه بعض الغلاة بأنه ينـزع إلى عقيدة الوهابية فقال:

إن أنـا نزّهت إلهـي عن الأ نْداد قالوا أنـت وهــابي

لكن لي بالمصطفى أســوة فقـومـه سمَّوه بـالصابي [71]

 وقد ترجم له ابن أخيه الأديب مطهر بن علي الإرياني ترجمة مطولة في التقديم لرسالته موضوع البحث، عندما نشرها أخوه القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد، وذكر ذكاءه ونبوغه، وعدد العلوم التي أتقنها رغم عمره القصير والمجالات التي شارك فيها، وأبرز السمات التي كان متميزاً بها: (إخلاص التوحيد كله لله، وتشدده في ذلك إلى حد عدم السكوت حيث سكت الآخرون عن بعض ممارسات العامة واعتقاداتهم الباطلة بالأولياء وزيارة أضرحتهم والتقرب إليهم والهتاف بأسمائهم عائذين بهم عند حدوث أي حادثة كزلة قدم طفل أو وقوع دابة من أنعامهم أو نحو ذلك مما نظر إليه على أنه إشراك صريح لله في وحدانيته، وبحكم تمسكه الشديد بمبدأ " إخلاص التوحيد كله لله "، لم ينظر إلى هذه المسألة على أنها شبهة إشراك أو جهالات مضلة مما يقع في الكثير من العامة، بل نظر إليها على أنها الشرك بعينه كما نرى في كتابه هذا) [72].

 ولم يعمّر طويلاً، بل اخترمته المنية في ريعان شبابه - رحمـه الله تعـالى -، فقـد كـان مولده سنة(1324هـ)، ووفاته سنة (1346هـ)، فكان عمره أقل من اثنين وعشرين عاماً رحمه الله رحمة واسعة) [73]،وأثره الوحيد هو كتاب " السيف البـاتر لأعـناق عباد المقابر "، وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب:

 الباب الأول: في أمور يجب التنبيه عليها، واشتمل على ستة تنبيهات: التنبيه الأول على قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لتتـبعن سنـن مـن كـان قبلكم))، ثم أورد تسع خصال وقع فيها التشبه بالمشركين في هذه الأمة، التنبيه الثاني في أن من مكائد الغلاة التشنيع على أهـل الحـق، التنبيه الثالث في أن من مكائد الغـلاة إفهامهم العوام بأن ما يحصل عند قبور الصالحين من محبتهم، ومن أنكر ذلك فهو من مبغضيهم، التنبيه الرابع في أن كثيراً من يظهر عقيدة الغلاة، وينتصر لهم، ويصوب أقوالهم المخالفة لما جاءت به الرسل هم زنادقة، لايعترفون أن للعالم إلهاً ولا صانعاً... الخ، التنبيه الخامس أن من مكائد الغلاة التي كادوا بها العوام قولهم لهم: إن مَن خالف ما نحن عليه من عبادة القبور، نزلت به المصائب، التنبيه السادس في أن الغلاة يدّعون رؤيتهم النبي صلى الله عليه وسلم عياناً بجسده يقظة.

 وأما الباب الثاني: فهو في الاستغاثة وما يتعلق بها، بيّن حال القبوريين في هذا الموضوع، ثم استشهد على أن ذلك شركاً بالآيات الكريمة، وقارنهم بمشركي العرب، وبيّن أن المشركين السابقين لم يعتقدوا أن أصنامهم تخلق أو ترزق، وإنما اتخذوها شفعاء عند الله كشأن هؤلاء المعتقدين للقبور وأصحابها، ثم أورد بعض الآيات الآمرة بالالتجاء إلى الله I، وقد تكلم على البسملة والفاتحة، وبيّن ما فيها من الوجوه الدالة على وجوب توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ثم عزز بذكر آيات أخرى، مما يبين ذلك المقصود، ثم نقل نقلاً طويلاً من إغاثة اللهفان لابن القيم - رحمه الله -، ثم نقلاً عن العلامة "محمد رشيد رضا " من تفسيره " تفسير المنار"، ثم عقد فصلاً للتفريق بين الاستغاثة والتوسل، ثم تحدث عن التوسل، وقرر أنه إن كان التوسل عقيدة في المتوسَّل به فهو من النوع الأول، وإن لم يكن له فيه عقيدة وإنما أراد ذكره عند دعاء الله U، متبركاً بذلك الاسم فقط، فقد اعتبر هذا القسم " بدعة من أعظم البدع وأشنعها "، ثم عقد فصلاً آخر، أكد ما مر الكلام فيه في شأن الدعاء والذبح ونحوه. وبعده فصلٌ آخر يتضمن ما قاله الخصم من إثبات للأقطاب وبطلان ذلك بالدليل الواضح، وبعد ماعرّف القطب على مصطلح الصوفية قال: (أما إثبات الأقطاب هذه الصفة فمروقٌ من الدين وعدول عن سبيل الموحدين وخروج عن الصراط المستقيم) [74]، ثم أورد الأدلة على بطلان قول الصوفية، ثم عقد فصلاً، قال في فاتحته: (ويلحق بذلك من شنيع مقالات أهل القبور في هذا الوقت قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لايخلو منه زمان أو مكان) [75]،ثم أبطل ذلك، ثم كر على "عباد القبور " حسب تعبيره واعتقادهم الفضل والولاية بمن قد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وعدد أولئك الأقطـاب في زعمهم من أمثال ابن عربي وابن الفارض وعبد الكريم الجيلي، ثم أورد أمثلة من كلامهم، ورد العلماء عليه وبيان حكم هؤلاء عندهم.

وأما الباب الثالث: فقد عقده " في حكم زيارة القبور والسفر إليها "، ذكر الأحاديث الناهية عن شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة، وما أخذه العلماء منها من منع السفر إلى مشاهد الصالحين، ثم عقد فصلاً نقل تحته كلاماً لابن القيم - رحمه الله - من "إغاثة اللهفان" يوضح فيه مكائد الشيطان التي كاد بها الناس حتى عبدوا القبور.

وأما الخاتمة فقد خصصها لشبه الخصم، والرد عليها بالآيات القرآنية والأحـاديث النبويـة،وجعل في آخره قصيدة تزيد على أربعين بيتاً في نفس الموضوع، لابأس من إيرادها هنا:

قـل الحق واصدع بالذي فيه تؤمر

وبالعـرف فأمر والتزم نهي منكر

ولله فاخـلص بالعبـادة وحـده

سميعٌ عليم شاهـد غـير غائب

سماعـاً عبـادالله مـني نـصيحة

نصحتكم أبغي الفـلاح لكم غداً

ألا نزهوا أوطانـكم ونفـوسكم

فهذي قبور الأولـيا بينكم لـهـا

وها هي كالأصنام بـين ظهوركم

جعلتم برب الـعالمين مشـاركـاً

أتدعـون ميْتـاً زاعـمـين بأنـه

ومـن بعد قلتـم إنهـم شفعاؤكم

و أقسـم بـالرحمـن جـل بأنـه

كمـا قلتمُ قالـوا فسيقـت إليهم

دعاؤكم مـخ العبـادة فاعـلموا

وكم منكم يدعو"ابن علوان " قائلاً

أيا حابـس الحنشان والفيل بل ويا

دعوتك أرجو أن تـلبي دعـوتي

فأنت الذي في كـل وقت تجيبنا

 فهذا هو الشرك الصريح الذي له

ولا تخــشَ غيـر الله والله أكـبرُ

لتنج غداً مـن حر نـار تسـعـر

فليس ســواه للأنـام يـدبــر

لـطيف خبــير رازق متكـبـر

هي الـحق فاصغوا وانصتوا وتدبروا

وحــق الذي يولي النصيحة يُشكر

عن الشرك والأوثـان كي تتطهروا

يحُـج ويستسقى لـديها وينـحـر

إليـها لـدى وقـع الشدائـد يجأر

 فيا ويـح مَن مِن بعدِ الايمان يكـفر

يجيـب الذي يدعو ويُغني ويفـقـر

إلى الله فهـو الخـالـق المتــجـبر

نظير مقـال الجاهـليـة فاحـذروا

خـيول متينـات الأعـنة ضـمـّر

كمـا قال طـه الصفـوة المتـخـير

دعوتـك مضطراً فجاهك أكبــر

مقيِّـد كـل الجان أنت المسـخِّر

وأيقنت أن الـنجـح لا يتعسـر

إذا ما إجابـات الإلـه تؤخــر

تكاد السماوات العـلى تتفـطر[76]

 

العَلَـم الثاني

من أهل هذه المنطقة

العلاّمة الكبير الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبَّادي - رحمه الله-

 العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبّادي - رحمه الله -،ولد بقرية من قرى إب، نشأ بها ثم سافر أسفاراً عديدة وطويلة، وصل خلالها إلى كابول، وأخذ بها عن الحافظ محمد تقي الدين الأفغاني في القرآن الكريم وفقه الشافعية وغيرهما من العلوم، ثم ارتحل إلى الهند، وطلب بها العلم ثمانية عشر شهراً تقريباً، ثم سافر إلى عمان، وتزوج من "صور"، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، وحج من هناك مرتين، ثم رجع إلى بلاده ومنها إلى لحج، ثم عدن حيث استقر في الشيخ عثمان إماماً لمسجده الذي عُرف باسمه ويسمى كذلك مسجد "زكُّوا " [77].

 وقد عرف في عدن بدعوته إلى الكتاب والسنة وتجريد التوحيد لله تعالى والمتابعة للرسولصلى الله عليه وسلم وكانت بينه وبين علماء عدن من الصوفية القبورية مصادمات وخصام بسبب ذلك، ولعله من أوئل الدعاة المعاصرين السلفيين في الشطر الجنوبي من اليمن سابقاً.

 غير أني لم أجد له ترجمة ماعدا النبذة اليسيرة التي قدّم بها العلامة البيحاني لمنظومته: "هداية المريد" [78] ولئن تجاهله المترجمون فلن يتجاهله رب العالمين - سبحانه -، أسأل الله أن يكتبه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً.

(2)          

(3)         أثره في مواجهة القبورية:

(4)    الأثر الوحيد المكتوب للعبّادي هو منظومته "هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد"، وهي منظومة متوسطة كلـها في العقيدة والـدعوة إلى التوحيد والاتباع، والتحـذير من الـشرك والابتداع، والرد على المخرفين والدجاجلة، كما وصفهم الشيخ البيحاني [79] - رحمه الله - في التعليق عليها.

(5)    وقد افتتحها بمقدمة أبان فيها منهجه وغرضه منها، فهي في اعتقاد السلف ونصيحة لإخوانه في الله، يحذرهم فيها من البدع والمحدثات [80]، ثم عرّف العلم، وحث عليه لا سيما علم التوحيد، فهو المقدم على كل العلوم، ثم معرفة حقيقة الإيمان بما يجب الإيمان به، ثم معرفة الفروع، وحذر من الجهل بالتوحيد ثم الجهل عموماً [81]، ثم ابتدأ في شرح العقيدة عموماً، وبدأ بتوحيد الأسماء والصفات، ثم انتقل إلى شروط التوحيد، ثم حذر من الاعتقادات الباطلة، وركز على قول من قال: "لو اعتقد أحدكم في حـجر لنفعه "، وحذره من هذا القول، وبيّن أن الأصنام إنما عبدت بهذا الاعتقاد، ثم استمر في شرح مراده حتى وصل إلى نقطة مهمة في مسيره، هي التحذير من الشرك، وبين قبحه وسوء عقابه في الدنيا والآخرة، وعدد هنا بعض المكفرات، ثم وقف مع بعض ما يفعله القبورية عند القبور من أنواع العبادات كالاستغاثة وحلق الرأس، والطواف والاعتكاف عند القبور [82]، ثم حذر من تكفير المسلم بغير بينة [83].

 ثم انتقل إلى الدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة، وأطال في هذا الفصل، وتعرض لرد بعض الشبهات التي يوردها المبتدعة؛لإثبات بدعهم، مثل جمع الناس على صلاة التراويح في زمن عمر والأذان الثالث للجمعة في زمن عثمان، وأبان أن ذلك قد أقره الصحابة؛ وبذلك يصير سنة بإجماعهم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلاها جماعة في حياته فلا حجة للمبتدعة [84]، ثم تعرض للحقيقة والشريعة، وأبان أن الحقيقة هي ماجاء بها الكتاب والسنة، لا ماجاء بها الصوفية المبتدعة، ثم انثنى عليهم في السماع الصوفي المبتدع والأوراد والأذكار البدعية، وفنّد ذلك، وسخِر منهم في رقصهم ووجْدهم؛ لأنهم إنما يفعلون ذلك عندما يذكر التشبيب والتغزل وتشبيه المرأة بغصن البان، ثم يزعمون أن ذلك من محبة الله، ثم أرشد إلى الذكر المشروع الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم [85]، ثم نهى عن الغلو المذموم [86]، وبعده حذر من التكييف والتشبيه في صفات الله تعالى، ثم تعرض لحكم البناء على القبور، وحذر من ذلك، وبين زيارة القبور الشرعية، وحث عليها والزيارة البدعية، وحذر منها، وما يترتب عليها من الغلو في أرباب القبور وما يحدث في تلك الزيارات من مفاسد عقدية وأخلاقية، وخلص إلى مشايخ الطرق وما يكيدون به الناس من الحيل والمكايد، لأجل ابتزازهم وأخذ ما في أيديهم والضحك على عقولهم [87]، وانتهى بيان التصوف المحمود، ويعني به الزهد والورع وتخليص القلب من أمراضه، والذي يكون مبنياً على العلم النافع جالباً للعمل الصالح، وعدّد الأعمال الصالحات والآداب الحسنة التي يتحلى بها سالك هذا السبيل، وما ينبغي له من مداومة ذكر الله تعالى على الصفة الشرعية لا البدعية.[88]

 هذه هي منظومة العلامة العبّادي، وقد علق عليها العلامة البيحاني - رحمه الله - تعليقات مهمة نافعة، وقد طبعت مرتين، الطبعة الأولى لم أطلع على تاريخها، ثم طبعت مرة أخرى عام (1389هـ) مع نفس التعليقات التي وضعت على الطبعة الأولى.

العَلـم الثالث

من أعلام هذه المنطقة

الإمام العلامة محمد بن سالم بن حسين الكدادي المشهور "بالبيحاني "

 هو الداعية السني الكبير محمد بن سالم بن حسين الكدادي البيحاني، مؤسس المعهد الإسلامي بعدن، ولد - رحمه الله – " ببيحان " سنة (1326هـ)، وعند بلوغه الرابعة عشر من عمره أرسله والده إلى تريم بحضرموت؛ ليتعلم هناك في رباطها المشهور الذي يقوم عليه السيد عبدالله بن عمر الشاطري، فمكث أربع سنوات، ثم عاد الى بيحان،فمكث فيها سنتين، ثم توجه إلى عدن سنة (1346 هـ)، فلازم الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبّادي، وتزوج ابنته، ثم رحل إلى مصر، للالتحاق بالأزهر، فدرس في بعض معاهده، ثم في كلية الشريعة فيه، غير أنه ما لبث إلا سنة دراسية واحدة، اضطر بعدها إلى العودة إلى عدن حيث استقر في مدينة كريتر، وأسس فيها مسجد العسقلاني، الذي عُرف بالشيخ، وعرف الشيخ به، ومكث هناك يدعو إلى الله، ويقيم الدروس العلمية والوعظية، وينشر السنة المطهرة ويحارب البدع والخرافات والشركيات، كما كان على وعي سياسي جيد، فكان ينبه قومه إلى خطورة الاستعمار والانسياق وراء ثقافته ومبادئه الكافرة، ويدعو للتخلص منه.

 ومن أبرز مآثره المعـهد الإسلامي الذي أسسه هناك على نفقة جمع من المحسنين، والذي أُمم في أيام الإشتراكيين، وأصبح مقراً لوزارة الداخلية، كما أنه كان نشيطاً في التأليف، فألّف أكثر من اثنين وعشرين كتاباً من أشهرها كتاب "إصلاح المجتمع "الذي لقي قبولاً واسعاً، وانتشر في أقطار المسلمين عموماً، وتعددت طبعاته.

 وقد أصبح الشيخ علماً بارزاً لا في محيط اليمن وحدها، ولكن على مستوى العالم العربي والإسلامي، وكانت شهرة الشيخ بدعوته للكتاب والسنة ومحاربة الجهل والشرك والبدعة والخرافة، يشهد بذلك مترجموه، وتنطق به كتبه، فقد تعرض في إصلاح المجتمع في أكثر من مناسبة إلى ماكان شائعاً من البدع والشركيات، ودعا إلى التخلص منها، وقد سبق نقل شيء من كتابه إصلاح المجتمع في الباب التمهيدي.

 كما ظهر توجهه ذلك ناصعاً جلياً في تعليقاته على منظومة شيخه أحمد العبّادي، الموسومة " هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد " فقد نقد الشركيات، ونعى على أربابها، وطالب بإزالتها، بل صرح أنه قام بمحاولة لدى حكومة عدن؛ لإزالة مايحدث من الشرور في الزيارات مثل " زيارة العيدروس والهاشمي" وغيرها، وكادت أن تنجح تلك المساعي، لولا اعتراض بعض الجهال وسدنة القبور [89].

 كما بين البدع العملية مثل السماع الصوفي وبدع الأذكار، وفنّد الكرامات الزائفة التي يروجها الصوفية، ويلبسون بها على العوام قال: (يزعم بعض أهل حضرموت أن دابة الفقيه المقدم كانت تعرفُ طرق السماء، وأن زوجته سئلت عن حالها،فقالت: (لسنا بخير بعد الفقيه، وقد كانت أخبار السماء في حياته تأتينا صباح ومساء)، وفي " المشرع الروي " من هذه الخرافات مالا يحصى كثرة، فليته لم يبرز إلى حيز الوجود، أو ليتها أكلته دابة الأرض التي أكلت عصا سليمان بن داود، والويل لمن كذّب بشيء من هذه الكرامات المكذوبة، فإنه يعد في نظر القوم كافراً ملحداً زنديقاً، وكان التصديق بها أعظم شأناً من التصديق بالمعجزات، فنسأل الله حماية الإسلام وصيانته من هذه الخزعبلات والخرافات. [90].

 وقد لاقى في سبيل دعوته تلك كثيراً من المحـن والمصـاعب، فصبر، وصابر، وكانت دعـوته مفتاحاً من مفاتيح الصحوة المباركة في جنوب اليمن آنذاك، وبعد الاستقلال ومجيء الاشتراكيين إلى عدن لاقى من الإهمال والتهميش، بل من المضايقة والتهديد مالا يطاق، ففر إلى الشطر الشمالي كما كان يسمى ذلك الوقت، فاستقر في مدينة تعز معززاً مكرماً من الدولة والشعب، واحتضنه محبوه فيها، وأغدقوا عليه، وأجلوه، وأكرموه بما لا مزيد عليه، وفي عام (1392هـ) حج حجته الأخيرة، ثم عاد إلى تعز وبعد عودته بيوم واحد انتقل إلى جوار ربه، رحمه الله رحمة واسعة، وكانت وفاته في (10/12/ 1972 م) في تعز [91].

 

الأثر الخاص بمواجهته القبورية من آثار البيحاني - رحمه الله -.:

 أما الأثر الخاص بمواجهة القبورية من آثار البيحاني- رحمه الله – فهو "الصارم القرآني في الرد على درر المعاني "،ودرر المعاني اسمه الكامل " درر المعاني في الرد على العبّادي وتلميذه البيحاني " وهو رد على منظومة العلامة العبادي المسماة هداية المريد، والتي عرفت بها سابقاً، وكان العلامة البيحاني قد علق عليها تعليقات مهمة وقوية، فانزعج القبورية للمنظومة والتعليقات عليها انزعاجاً كبيراً، فردوا بذلك الكتاب، فقام الشيخ البيحاني - رحمه الله - بالرد عليهم بكتابه الصارم القرآني.

 والكتاب ما يزال مخطوطاً عند أحد أقارب الشيخ لم يطبع بعد، ولم استطع الاطلاع عليه غير أنني بعد محاولات حصلت على صورة لفهرس الكتاب وأربع صفحات منه فقط، وبالنظر إلى الفهرس يمكن أن نتعرف على صورة مجملة للكتاب، فقد صدّر الكتاب بقصيدة للقاضي الإرياني، ولم يبين أي القضاة من بني الإرياني هو، ولكن ظني أنه القاضي عقيل بن يحيى، والقصيدة هي التي ختم بها " السيف الباتر لأعناق عباد المقابر " والتي مطلعها:

قل الحق واصدع بالذي فيه تؤمر ولا تخش غير الله والله أكبر

ومن أبياتها القوية في مهاجمة القبورية قوله:

لحــا الله عبَّاد القبور فإنهـم لقد بدلوا دين الإله وغيروا [92].

 ثم بعد الخطبة تكلم عن مصادر الكتاب، ثم تعرض للكلام عن الكتاب المردود عليه " درر المعاني " وذكر، أنه مدح الصحابة والسلف الصالح؛ متوصلاً بذلك إلى ذم شيخ الإسلام ابـن تيمية، والتهكـم به وبمن يتابعه، ثم إن الخصم تعرض لهداية المريد، وهاجمها فعلق الشيخ على ذلك، ثم ذكر أن الخصم كذب عليهم، لعله يريد نفسه وشيخه العبّادي، ثم ذكر عقائدهم في الله وصفاته وملائكته ورسله وأولياء الله وصفتهم وخوارق العادات، وبين بعد ذلك من هو الولي، ثم تعرض لتاريخ الدعوة وإلى من ينتسب مذهب الوهابية، وفي أي عصر ظهر، وكيف كان ظهوره، ثم ألمح لخيانة الخصم في النقل، بعد ذلك عرَّف بشيخ الإسلام ابن تيمية، وثناء الناس عليه، وما قيل فيه من الرثاء.

 ثم جاء عنوان " نقد وتحليل"، ولعله موضوع رسالة الخصم، ثم تعـرض لكـتاب "كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب " وهو لمؤلف شيعي من العراق اسمه " محسن الأمين العاملي "[93]، وتعرض كذلك لكلام ابن حجر " وهو المكي الهيتمي " في ابن تيمية ورد عليه، وذكر أن الخصم استعان في رده بشواهد الحق " للنبهاني "، وأنه تشبث بالصواعق الإلهية لسليمان بن عبدالوهاب أخي الشيخ، كما عرج على الشطي أحد خصوم الدعوة الوهابية، ويظهر أن الشيخ رد على الجميع، ثم ذكر اتفاق الشيخين ابن الأمير ومحمدبن عبدالوهاب في العقيدة، ثم عاد بعد ذلك؛ ليذكر كلام الناظم "العبّادي" والمعلق "البيحاني" في عموم المسلمين، وبعد ذلـك تكلم عن الحلف والذبح لغير الله، ثم نصوص زعماء الوهابية في عموم المسلمين، واستعرض بعد ذلك نصوص الكتاب والسنة الناهية عن دعاء المخلوق، وبعده عنوان " كلام المغالين في أصحاب القبور " ثم جهل الخصم بما يقول وكذبه على الصحابة والتابعين وجرأته في ذلك، ثم بشرية الرسول e، وبعد ذلك كله تعرض لتهمة الخصم له ولشيخه بكراهة الرسول e، ثم تكـلم على طلب الشفاعة وأدلة الخصم عليها، خلص بعده إلى الكلام عن التوسل ما يجوز منه وما لايجوز، وأبطل أدلة الخصم، ثم نقل كلام الشيخ محمد عبدُه المصري في التوسل ودعاء الصالحين، ثم أوضح كلام الناظم والمعلق في الاستغاثة واحتجاج الخصم بالمجاز العقلي والأحاديث الضعيفة والرد عليه في ذلك، وتوالت العناوين: (" استدلاله بالقرآن " وكلام العلماء " الشرك بالله والاستعانة بغيره " الحياة البرزخية " غلط الخصم ومغالطته " رفع القبور والبناء عليها " نصوص العلماء وأقوالهم " هدم المساجد والقبـاب المبنية على القبور، دفاع الخصم عن التماثيل " إنكاره على ابن القيم "شرقه بحديث أبي الهيـاج " " دفـاعه عن رفع القبور " " شد الرحال لزيارة القبور " كلام الناظم والمعلق في النذر " واحتجاج الخصم بما لا يفهم " الكلام على إهداء ثواب القراءة للميت ").

 هذه عناوين الكتاب ومنه يعرف مضمونه، فهو في الرد على القبوريـة فيما يعتقدون في القبور من العقائد الضالة، وفيما يأتون عندها من الأعمال القبيحة، وما يوجهونه من تهم وافتراءات لخصومهم دعاة التوحيد، ودفاع عن أولئك الدعاة ورد عن أعراضهم وتبرئة لمناهجهم من الانحراف الذي رماها به القبورية، هذا هو ما ظهر لي من ملامح الصارم القرآني للشيخ البيحاني عليه رحمة الله.

 وفي نفس السياق تأتي رسالته الصغيرة " زوبعة في قارورة " فجهود البيحاني في مواجهة القبورية ومواقفه منهم هي اللائقة بالعالم السني المتابع لمنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى.

 ولعل في رسالة الدكتور أحمد هجوان عن" الإمام البيحاني" ما يكشف مزيداً من هذه المواقف ولكني للأسف لم أطلع عليها.

 

المطلب الثالث: جهود علماء تهامة في مواجهة القبورية:

 لقد تميز علماء وفقهاء تهامة بموقفهم الصلب والقوي من أصحاب وحدة الوجود، وأمـا موقفهـم من القبورية العامة التي أبرز سماتها تعظيم القبور وأصحابها، فلم يكن بذلك الموقف القوي والواضح، وإن كنا لـم نلمس من علمائهم الذين لـم يتـأثروا بالصـوفية ذلك الانسياق وراء القبورية،كـالذين تأثروا بالصوفية مـن أمثال المحدث "أحمد بن أحمـد بن عبداللطيف الشرجي الـزبيدي صـاحب التجريد الصريح " [94] فإن الشرجي له كتاب " طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص " ملأه بالخرافات، ونقل فيه من الطامات ما يلحقه بركب الشعراني المشهور بنقل الطامات والهلوسة الصوفية، والشلي الحضرمي صاحب المشرع الروي الذي ملأه بالخرافات والدجل، بحيث يعجب القارىء كيف بلغت الجرأة به إلى هذا الحد، والاستخفاف بعقل القاريء إلى هذه الدرجة، فالشرجي لا يكاد يقل عنهما في كتابه "طبقات الخواص ".

 أقول: إن علماء تهامة الذين حاربوا أصحاب وحدة الوجود مع حسن ظنهم بالكثير من القبورية إلا أنهم لما يوافقوهم على الكثير من شطحهم وخرافاتهم، وكثيراً ما يجد القاريء لكتبهم - مثل كتب العلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل - نقدهم في بعض أمورهم وتصرفاتهم، ولكن لم تظهر المواجهة إلا بعد انتشار الدعوة السلفية التي قادها "الإمام ابن الأمير والإمام الشوكاني، رحمهما الله" ووصول دعاة وجنود الدعوة النجدية إلى تهامة في القرن الثالث عشر، فمنذ تلك الفترة، ظهر من يحارب القبورية بقوة وجرأة وعلم وبصيرة، ومع ذلك فموقفهم من القبورية إذا قورن بموقفهم من أصحاب وحدة الوجود عد ضئيلاً،وإذا قورن عدد من تصدى للقبورية بمن تصدى لأصحاب وحدة الوجود كان قليلًا، وأنا أكتفي بعلَم واحد من أعلام تهامة هو:.

 العلاّمة حسين بن مهدي النـُّعمي التهامي ثم الصنعاني

  قال عنه السيد محمد بن محمد زبـارة في " نشر العرف ": (السيد الـعلامة النبيل التقي الفهامة الحسين بن مهدي النعمي التهامي ثم " الصنعاني " [95]، ولـد كمـا يظهر بمدينة " صبيا " من أرض تهامة،ثم وفد إلى صنعاء للأخذ عن علمائها في حياة الإمام الصنعاني - رحمه الله - وصار من جملـة أصحابه، حتى لقد اتهم هو والإمـام الصنعـاني بمخالفة مذهب الهادي والتظاهر بذلك [96]، وقـد ذُكر عنه العمل بالسنة وإحياء ما اندثر منها [97]،ورغم ذلك فقد استمر العلامة النعمي في دعوته وتعليمه للسنن ومحاربة البدع مجللاً محترما ً[98]،حتى أن إمام العصر "المهدي " قـد أذن لـه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المخالف من خاصة المهدي، وقرأ "الإمام" على المترجم له أياماً في "شرح العمدة لابن دقيق العيد " [99]، وتوفي - رحمه الله - سنة (1187هـ)، هذا هو العلامة النعمي لم يحفل به المترجمون، ولكن كتابه العظيم الذي سنعرض له، يشهد بعظمته وسعة علمه، ويصور لنا منهجه الذي هو منهج السلف الصالح، مـنهج التجديد الذي عرفناه من ابن الأمير والشوكاني رحمهما الله.

 أثره في مواجهة القبورية:

 أثره المطبوع المتداول في مواجهة القبورية هو كتاب" معارج الألباب في مناهج الحق والصواب" هذا هو الاسم المختصر للكتاب، وقد وُجد على طرة النسخة الخطية مايلي:

(معارج الألباب، في مناهج الحق والصواب لإيقاظ من أجاب بحسن بناء المشاهد والقباب، ونسي ما تضمنته من المفاسد وهي، عجب من الخطوب عجاب، وأحال أخذ الحكم من دليله في هذه الأعصار فَسدَّ باب الحكمة وفصل الخطاب، وعطّل الانتفاع في هذه الأزمان بعلوم السنة والكتاب، إلى غير ذلك مما يأتيك بيانه وتحقيقه - إن شاء الله - بأحسن تحرير وجواب) [100].

 هذا ماكتب على طرة الكتاب وهو معرِّف به، مبين عن وجهته، مشير إلى السبب الدافع إلى تأليفه، وهو الرد على من أجاب باستحسان تلك المشاهد والقباب على قبور الأولياء، وقد نص على هذا السبب في مقدمته الكافية فقال: (وبعد، فلما كان في شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وسبعين ومائة وألف من الهجرة النبوية، وقفت على صورة سؤال، وغير مـاجواب في شأن مـا يسر الله هدمـه، وافتقـاده من المشاهد والقباب، وإزالة ما أزيل منها بالتدمير والخراب؛ لما تفاحشت خطوب مفاسدها في هذا الزمان، وضاهت رسوم الجاهلية الجهلاء النافية للتوحيد والإيمان، مع كون وضع القباب أمراً صادم المأثور الصحيح من النهي الصريح، فهو بمجرده ممنوع شرعاً، كما قد شرحت ماجاء فيه ضمن رسالة مستقلة وجيزة، أسفرت عن وجهة الصبيح واسمها: " مدارج العبور علىمفاسد القبور ".

 وكان قبل هذا التاريخ بمدة يسيرة، ألقى إليّ بعض أعيان الزمن بمدينة صنعاء اليمن - حاطها الله وسائر بلاد الإسلام من طوارق المحن والفتن - كتاباً ورد عليه من مكة المشرفة، ذكر فيه ما حاصله:

 أنه وصل إلى هنالك سؤال في هذه المسألة، وأنه أجاب فيه مفتو الأربعة المذاهب، بما يتضمن التشنيع على من دل على هدم القباب والمشاهد، وأشار بتخريب تلك المعاقل والمعاهد [101]. وبعد أن أبان خواء ذلك الجواب، وعدم استناده إلى سنة ولا كتاب، وإنما (أجابوا: بأنه صرح به في المنهاج وشرحه،وهو الذي فهمه ابن عبد الحق من عبارة الروضة بالجواز) [102]. كر على المجيبين، وندد بأصلهم الذي عليه يعتمدون، وإليه يرجعون، وهو التقليد المحض والمنع من إعمال النظر في الأدلة، وقد شنع عليهم، وأطال النفس في ذلك، شأنه شأن مشايخه وزملائه من المدرسة السلفية في اليمن، وقد استغرق ذلك باقي المقدمة.

 أما الباب الأول: فجعله في أبحاث متفرقة تتعلق بتلك الأجوبة، منها الرد عليهم في أخبار استدلوا بها، وقد أخلّوا بشروط الاستدلال إما دراية أو رواية، فالدراية كونهم لم يستدلوا بها على وجهها كاستدلالهم بحديث ((من آذى لي ولياً)) على حرمة المشاهد والقبور.

 وقد حاكمهم أولاً إلى أصلهم و(على جواز أخذ الحكم من دليله وإمكان الاجتهاد في هذه الأعصار) فكيف يجيزون لأنفسهم خلاف ما أصلوه، ثم ناقشهم في الجزم بكون هذا المدفون ولياً، وأبان جانباً مما ينسب إلى من يوصفون بالولاية من الشطح والتخريف، وكيف يكون هدم هذه القباب إيذاءاً لأولياء الله وهو امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم رد عليهم حديث: ((مارآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)) وأن ذلك لايثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [103]، وأخذ يبدي ويعيد في موضوع الاجتهاد والتقليد إلى نهاية الفصل[104]، وهكذا في الفصل الذي يليه، رد على من قال منهم: (ولا يدعي الاجتهاد في زماننا هذا إلا من جهل شروط الاجتهاد وعريَ عن أصول الفقه)، واستمر في رده إلى نهاية الباب الأول [105].

 أما الباب الثاني: فجعله (في ذكر جملة شافية من الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة، الشاهدة بأن وضع القباب والبناء على القبور من أصله وتشريفها والكتابة عليها وتجصيصها واتخاذها مساجد وما يتصل بذلك: أمر تقرر في الشرع منعه، وسبق الحكم الجازم بالنهي عنه)، وبعد أن نقل من ذلك جملة كثيرة علّق على بعضها، ونقل نقلاً طويلاً عن ابن القيم من " إغاثة اللهفان "، ثم علّق على بعض كلام ابن القيم وانتهى الباب) [106].

 أما الباب الثالث: فجعله للرد المباشر على تلك الأجوبة حيث يذكر جملة من الجواب،ثم يرد عليه، وقد استغرق هذا الباب بقية الكتاب، ولم يقتصر على تفنيد شبههم المتعلقة بالمشاهد والقباب، وإنما تطرق إلى ضلالات المتصوفة، وأنواع الشرك التي تُرتكب عند المشاهد والقبور، وما يجب على المسلمين والعلماء تجاه ذلك، وهو نقاش قوي ومنهج سوي مفيد لطالب العلم في رد شبه القبورية.

 فرحم الله العلامة النعمي، وغفرله، وجزاه خير الجزاء على ما قدم، وله أثر ثانٍ أخص في الموضوع بعنوان " مدارج العبور على مفاسد القبور " ذكره في مقدمة المعارج (27)، ولا أعلم عن وجوده شيئاً، وأما مضمونه فهو في النهي عن البناء على القبور، وما يلحق بذلك حسب إشارة المؤلف..

المؤلفات المفردة في مواجهة القبورية لعلماء تهامة:

 ولغير من تقدم مؤلفات ورسائل مفردة تعنى بمواجهة القبورية في بعض الجوانب،و إليك جدولاً بأسماء هؤلاء العلماء وأسماء مؤلفاتهم:

1) محمد بن أحمد الأهدل المتوفى سنة (1271هـ)، وله رسالة بعنوان " تحـذير الإخوان المسلمين من تصديق الكهان والعرافين " ووجه كونها في مواجهة القبوريين أن بعض القبوريين هم الذين يقومون بالكهانة والعرافة باعتبار ذلك من الكرامات، المرجع هجر العلم (4/ 2015).

2) حسن بن خالد الحازمي: المتوفى سنة (1234 هـ) أو (1235 هـ)، لـه رسالـة بعنوان " قوت القلوب بمنفعة توحيد علام الغيوب" واضح من العنوان أنها في الـدعوة إلى الـتوحيد وقطعاً في التحذير مما يضاده من عقائد وأعمال القبورية، المرجع هجر العلم (3/1224).

3) الحسين بن عبدالرحمن الأهدل المتوفى سنة (855 هـ) له رسالة بعنوان " الـقول النـضر على الدعاوي الفارغة بحياة الخضر) يرد بهاعلى عقيدة مشهورة من عقائد القبورية وهي القول بحياة الخضر وزعم الالتقاء به والأخذ عنه. المرجع هجر العلم (1/ 46).

4)قادري بن أحمد الأهدل مازال حياً - حفظه الله -له منظومة بعنوان" بهجة القلوب بتوحيد علام الغيوب " وهي مطبوعة مع هداية المريد للعبّادي، وقد تناول فيها الكثير من انحرافات القبورية، وأبان ضلالها وكشف عوارها.

 

المطلب الرابع: جهود علماء حضرموت في مواجهة القبورية:

 لم تترسخ القبورية في أي ناحية من نواحي اليمن كما ترسخت في حضرموت، حيث سيطر القبورية فيها على كل شيء، سيطروا على الحكام، ووجّهوا السلاطين وسعوا لجلب الاستعمار، وكان لهم عنده مكانة مرموقة، وأمسكوا بزمام القيادة العلمية والروحية في البلد بقبضة حديدية، لم تترك لسواهم وسوى الدائرين في فلكهم متنفساً؛ لذلك لا نرى تلك المعارضة للفكر الصوفي في حضرموت مثل ما عورض في زبيد وصنعاء أو غيرهما من أنحاء اليمن، وحتى كتابة التاريخ فقد احتكروها بين قادة التصوف وأنصارهم، فجاء تاريخ حضرموت كما يشاؤون لا كما هو في الحقيقة، لذلك لا غرابة أن يقل أو ينعدم المواجهون للقبورية فيها، ومن ظهر فإنما ظهر بعد أن حصلت للقبورية الهزات العنيفة بفعل الدعوة السلفية في صنعاء وفي نجد؛ حيث وصلت الجيوش النجدية إلى قلب وادي حـضرموت، والتقى دعاتها بالناس، فتأثر بهم رجال من شتى الطبقات حتى من السادة العلويين [107]، ثم دعوة الإرشاد باندونيسيا،

ومن هؤلاء الذين برزوا:

العَلَم الأول

الشيخ علي بن أحـمد باصــبرين

 وهو العلامة الفقيه المحدث الأديب الداعية علي بن أحمد باصبرين - رحمه الله - لم يُعرف تاريخ ولادته وتاريخ وفاته بالتحديد؛ ولكن العلامة الشيخ علي سالم بكيّر يرجح أنه (عاش في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري وأوائل القرن الرابع عشر)[108]، وكان هذا الإمام متميزاً بالشجاعة متظاهراً بحمل السلاح يقول عنه علوي بن طاهر الحداد: (كان شجاعاً ذا عزم لايزال متمنطقاً بمسدس أو مسدسين)[109].

 وكان ذا غيرة شديدة حملته على إنكار الكثير من المنكرات والعمل على تغيير بعضها باليد، يقول الحداد: (وأحسب أن له يداً في الثورة التي وقعت بجده على قناصل الدول وهي واقعة مشهورة، وقد تمكن من الفرار فسلم، وهو الذي أثار العوام على الأبنية التي جعلت على الجمرات الثلاث بمنى فهجموا عليها وأخربوها)[110].

 كما كان مبرزاً في العلم متفوقاً فيه، وصفه أحد العلويين بقوله: (وهو إمام في كل العلوم)[111]، وكان عاملاً بعلمه داعياً إلى ماهو مقتنع به، لم يجمد على ما كان عليه أهل مصره وعصره؛ بل دعا إلى التوحيد وحذر من الشرك وزيف الخرافات وحارب المنكرات؛ ومن أجل ذلك حاربه علماء حضرموت ونازعوه وحذروا منه، يقول ابن عبيدالله: (وجرت بينه وبين علماء تريم منازعات في عدة مسائل، منها التوسل والاستغاثة ومنها ثبوت النسب بمشجّرات العلويين المحررة، وكان الشيخ يبالغ في إنكار ذلك وألِّفت رسائل من الطرفين [112])، ونقل مستنكراً ما قاله أحمد بن حسن العطاس عن هذا الإمام فقال: (وفي مجموع كلام العلامة السيد أحمد بن حسن العطاس أن بعض العلماء المصريين قال له::" نعرف من الحضارم حدة الطبع، وأنت بعيد عنها " قال له:" من عرفت من الحضارم؟ " قال له:" عرفت الشيخ علي باصبرين، وجلست معه في الحرمين سنين، فرأيت من حدته ما لا مزيد عليه "، فقال السيد أحمد:" ذاك رجل من أهل البادية، وتلقى شيئاً من العلم، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلقين بهم الأخذ عنه؛ لأنه ليس بأهل للإلقاء ولا للتلقي، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء "، انتهى.وفي هذا غض من مقام الشيخ علي لايليق بالإنصاف، وقد علمت أن السيد عمر بن حسن الحداد قرأ عليه وهو من مراجيح العلويين)[113].

 ويبرز اتجاهه التجديدي من خلال بعض مؤلفاته ومنها:" إرشاد صالحي العبيد لتحقيق إخلاص كلمة التوحيد " ذكرها في المسألة التاسعة من " المهمات الدينية " المتعلقة بالنهي عن قول العوام (ياولي الله جئنا إليك وحططنا الذنب بين يديك) بعد أن علق عليها قال: (ومن أراد توضيح ما في المقام فعليه برسالتي المسماة " رشاد صالحي العبيد لتحقيق إخلاص كلمة التوحيد " [114].

 وهذه الرسالة لم نعثر عليها، ولكنا عثرنا على المهمات وسوف يأتي الحديث عنها حين نتكلم عن أثر هذا العالم في مواجهة القبورية،وله مؤلفات أخرى منها خمسةكتب في الفقه الشافعي،وكتاب عن أنساب السادة العلويين سماه " حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشجرة " فـرغ مـن تأليفـه سنـة (1298 هـ) قاله ابن عبيد الله [115]، ورسالة في الرد على بعض من اعترض عليه في رسالة الشجرة المذكورة. [116] إضافة إلى تلك الكتب هناك كتاب مخطوط في مكتبة الحرم المكي بعنوان "إتحاف الناقد البصيربخصوص صحيح الجامع الصغير" ذكره شيخنا الألباني في مقدمة كتابه صحيح الجامع الصغير وقال: إنه اطلع عليه في مكتبة الحرم المكي، وقد نقد المؤلف حيث أنه يتابع السيوطي على تصحيحه دون تحقيق من قبله [117].

 هذه نبذة عن الشيخ علي باصبرين رحمه الله وهو مترجم في " الشامل في تاريخ حضرموت "، و" إدام القوت أو معجم بلدان حضرموت "، " وتاج الأعراس " وكلها تراجم موجزة.

 

أثر هذا العلم في مواجهة القبورية

 كان الأولى أن أدرس رسالة " إتحاف صالحي العبيد " التي أشرت إليها سابقاً ولكنها مفقودة؛ لذا لجأت إلى الرسالة الأخرى وهي: " المهمات الدينية في بعض المرتكب من المناهي الربانية ".

 وهي رسالة صغيرة حصر فيها المؤلف مجموعة من المناهي التي قد ارتكبها الناس، ولم يتقيد بباب من أبواب العلم، وإنما نوعها بحسب أهمية تلك المناهي المرتكبة، فاشتملت الرسالة على خمس وسبعين مسألة، قال في مقدمتها: (ولقد جمعت في هذه العجالة خمساً وسبعين مهمة من مهمات الدين مما عم الابتلاء بالتلبس بها، وقد أرسلت منها نسخاً عديدة لكل كبير بلد أو قرية،كل هذا خروجاً من عهدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبلاغ الجهد في بذل النصيحة لهذه الأمة المباركة، لعل وعسى أن ينتفع بها مؤمن صالح، ويرتدع بها وينيب غاوٍ بجهالته طالح)[118].

 وقد مضى في تلك المهمات إلى أن قال:(التاسعة) مما يحرم ما يقال عند إقبال الزائرين إلى المزور:

(ياوليّ الله جئنا إليك وحططنا الذنب بين يديك)

 وقد علق على ذلك وبين مافيه من الغلو، وأنه لايغفر الذنوب إلا الله، ثم أحال على رسالته السابق ذكرها، ومضى إلى المهمة (الثامنة عشر) وفيها تعرض لما عند بعض جهات حضرموت أنهم: (إذا ميزوا زكاة أموالهم بنحو حَجْر والرِّيَد[119] يقولون: (هذا لله وللشيخ سعيد أو حق الله وحق الشيخ سعيد مثلاً)[120]، ثم تكلم عن ذلك من الناحية الاعتقادية والناحية الفقهية، وقد حكم أن هذا القول خلاف الصواب، وأنه مبني على اعتقاد أنهم (إذا فعـلوا ذلك يأمنون عاهات أموالهم وإلا فيصابون بعاهة في أنفسهم وأموالهم، أو من الله إذا أغضبوا الشيخ بمخالفة عادتهم من إعطائهم مالا يستحقه، مع نسبة الآثار إلى مايتوهم الجاهل أنه منه، وذلك خلاف الصواب والحق أن موجد الآثار وأسبابها هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد القائل سبحانه: ] ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولاخلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا [)[121]، والحق أنه لم يشبع المسألة وربما كان ذلك لأجل الاختصار، وفـي المهمة (العشرون) تحدث عـن النذر وأنه (لايصح إلا إن كان لمن يملك – ومنه المسجد- طاعة لله وقربة بها يتقرب إليه تعالى لا لميت وبهيمة ما لم يرد غيرهما المعتبر، ولا معصية أو مكروهاً أو مباحاً لآدمي أو جني أو معظم ما غير الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لرجاء مالم يقضهِ الله له لو لم يشفع له هذا المعظم، أو دفع ما قد قضاه الله وأبرمه عليه في سابق علمه، فهذا محرم بل كفر في حق العالم والجاهل الذي أخبره بمقتضى ما يتضمن ذلك من هو من أهل الإخبار والتعليم [122]).

 والشيخ قد أبان جانباً مهماً من الحق في هذه المسألة؛ وهو تحريم النذر للأموات، وأنه متى صاحبه ذلك الاعتقاد صار كفراً في حق العالم والجاهل الذي قد أخبره به من هو أهل للإخبار، ولكن هنا أمران:

الأمر الأول: تصحيح النذر عند إرادة المعتَبَر ممن له علاقة بالقبر فإن هذا موهم جداً ومغرٍ للعوام بالنذر لتلك المشاهد والقباب ومن فيها، وتَرتُب الاعتقاد إن لم يكن موجوداً حال النذر والغالب أنه لاينذر لها ولم يقصد من عندها من الزوار وغيرهم إلا مع وجود الاعتقاد فيهم، ولذلك فقد انتقد هذا المسلك الشيخ أبو بكر الخطيب في فتاواه معللاً بأن (الغالب أنهم يقصدون تعظيم ذات الولي أو قبره أو مشهده وذلك باطل والله أعلم بالصواب)[123]، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نذر الرجل أن يذبـح إبلاً ببوانه سأله: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا قال: (فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال:لا قال: فأوف بنذرك)) [124]، وهذا يدل على أن النذر لو كان لمكان فيه وثن أو عيد لما أجازه؛ لئلا يظن ظان أن ذلك لتعظيم تلك البقعة، وهكذا هنا فإن قصد تعظيم ذلك المشهد والقبر هو الغالب، فكان الواجب سد هذه الذريعة وعدم تصحيح النذر من أصله.

الأمر الآخر: جعل النذر شركاً -إن وجد الاعتقاد والتعظيم- هذا فيه قصور، إذ النذر عبادة لله تعالى وليس كما يفهمه بعض الفقهاء مجرد هبة أو عطية، ولذلك فجعله لهذا المشهد أو القبر هو في حد ذاته قربة وعبادة، وصرف ذلك لغير الله شرك، ولولم يوجد التعظيم؛ لأن الحامل عليه هو الخوف أو الرجاء كما ذكره الشيخ آنفاً، بخلاف ما لو نذر لحي فإنه في عرف الفقهاء بمعنى العطية أو الهبة، وعلى ذلك درج الناس فيما يتعاطونه بينهم فيقول قائلهم نذرت لابني أو أخي أو فلان بكذا أي وهبته، فما كان من هذا القبيل فلا يمنع إلا أن قارنه التعظيم والتقرب والله أعلم.

 أما المهمة (الحادية والعشرون) ففيها يقرر المؤلف أنه لايتقرب ولايعظم بالصلاة والنسك " الذبح " إلا لله تعالى، ولاينسب الإحياء والإماته إلا لله تعالى، وهـذه أمـور معلومة لا إشكال فيها وإن كان من الناحية العملية بعض القبورية أو جلّهم يخالفون في الذبح فيجيزونه لغير الله،ويتأولون ما يفعل من ذلك عند العوام، والذي لاعلة له إلا "تعظيم من ذبح له" يتأولون ذلك بتأويلات باطلة،وكذا الإحياء والإماتة، هذا أصل من الناحية النظرية متفق عليه، أما من الناحية العملية فالصوفية ينسبون لأوليائهم الإحياء والإماتة -كما جاء في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم من المشرع وغيره - وقـد تقدم إثبات اعتقادهم لذلك في الباب الثاني، وذلك غاية الإلحاد والعياذ بالله، ثم يرتب على ما تقدم تحريم العقيرة [125]، لكونها يهل بها لغير الله ولغير ذلك من المحظورات التي تترتب على ذلك، ويأتينا هنا بفائدة جديدة جليلة وهي أن الزامل[126] الذي يكون غالباً مصاحباً لزيارات الأولياء هو: (لتعظيم المقبور له بمنزلة تلبية وفد الله تعالى بالحج والعمرة وهذا من أعظم المنكرات وأعظم منها سكوت أهل العلم عنهم فيما لو فرض سكوتهم فضلاً عن رضى عاقل بذلك) [127]، وهذه النكتة لم أعرف من نبه عليها غيره ولكن لا استبعد صحة ما قرر في ذلك إذ أنّ هذا هو الشأن في معظم الزيارات إن لم يكن فيها جميعاً وهذا أولاً، وثانياً: أنها فعلاً تعتبر تعظيماً للولي وذلك برفع الرايات التي هي شعاره واشتمالها غالباً على أبيات شعرية في مدحه أو دعائه والاستغاثة به. وثالثاً: أن خليفة ذلك الولي المسمى عندنا " منصب مقامه " يعطى في هذه الزيارات من التعظيم والتفخيم وإظهار مقامه وقدره شيئاً عظيماً كـما نبه عليه " الصبان " في كتابه زيارات وعادات " زيـارة نبي الله هود " [128]، فرحم الله الشيخ باصبرين.

 والمهمة (الثانية والعشرون) يقرر فيها أن الحلف بغير الله تعالى وصفاته وأسمائه شرك، ثم قسم الشرك إلى جلي وخفي،وأن الجلي هو المخرج من الملة والخفي لايخرج من الملة،ثم تعرض لصيغ من الحلف وتكلم عنها، ثم فرق بين ماكان المقصود به تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو يخاف منه كخوفه، أو يرجى منه نفع لم يقضه الله،أو يدفع عنه ضر قد كتبه الله فهو الحرام الكفر اتفاقاً،أما إذا سلمت العقيدة من ذلك فلا كفر جلي وفي الخفي خلاف والورع تركه مطلقاً) [129] وهذا تفصيل جيد،,أجود منه لو صرح بتحريم النوع الثاني وإن لم يكن شركاً.

 والمهمة (الستون): قال لايجوز لأحد حكاية ماصورته منكر، وإن صدر عن بعض الأكابر محمول على أنه مؤول عنده بتأويل غير متبادر للعامة؛أو أنه صدر حال غيبة عن تعقل مقوله بوجه من الوجوه أو أنه من قول غيرٍ كجني كما قال بعضهم:

أنا عرشها والكرسي أنـا للسما بانيها

ولولا الحيا من جدي نار الجحيم أطفيها [130]

 والنهي عن ذلك في محله، وأما التأويل لذلك فبعيد وقد تقدم إيضاح ذلك [131]

 المهمة (الحادية والستون): قال فيها (من المحرمات قول بعض المعتقدة جواباً لقول المعتقد ادعُ الله لي بالجنة " أنت في الغدفة أو ضماني ") [132]، وهذا القول يتكرر كثيراً من بعض أقطاب القوم في مناسبات مختلفة وهو محرم كما ذكر الشيخ إن كان مجرد جرأة عن غير اعتقاد،أما من اعتقد أنه يملك ذلك فهذا طاغوت لأنه زعم لنفسه حقاً من خالص حق الله تعالى.

 هذه هي المهمات التي تعرض فيها الشيخ للقبورية ونقد بعض عقائدهم وأعمالهم، وأما بقية المهام فإنها منكرات يقع فيها الكثير من الناس وهي معاصي لاعلاقة لها بالقبورية.

 والشيخ -رحمه الله تعالى- قد تحرر من غل التقليد لمعلميه والتأثر بمجتمعه إلى حد كبير،وحسبه ذلك مادام مجتهداً باحثاً عن الحق جاداً في العمل به والدعوة إليه،وقد بقي لديه بعض آثار مدرسة حضرموت لم يستطع التخلص منها وهي قليلة في جانب ما حقق من إصابة للحق،فرحمه الله وغفر له.

 

العَلَم الثاني

من أعلام المواجهين للقبورية في حضرموت

الشيخ محـمد بن علي بافضل رحمه الله تعالى

 للأسف لم أعثر لهذا الشيخ على ترجمة مكتوبة،ويقال أن هناك ترجمة كتبها هو لنفسه بعنوان "حياتي" غير أنني لم أتحصل عليها،وهي عند بعض أولاده كما أخبرني بعض أقاربه، فلذلك أكتب ملامح عامة عنه فأنا أعرفه،وقد جالسته وحضرت درساً من دروسه في مدينة " القَطْنْ " بلده الذي ولد وعاش فيه معظم حياته.

 كانتدراسته الأولى في ربـاط تريم على يـد شيخه الشهير عبدالله بن عمر الشاطري، ثـم هاجر إلى الصومال ومكث هناك ردحاً من الزمن، ولعله هناك التقى ببعض المصريين من أنصار السنة وبذلك تحول إلى الاطلاع على كتب الإمامين ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله وأئمة الدعوة السلفية في مختلف العصور حتى صار بذلك من أعلام الدعوة السلفية.

 يقول فضيلة الشيخ " السيد السيد رجب " المدرس في جامعة الإمام محمـد بـن سعـود الإسلامية في تقديمه لكتابه " دعوة الخلف إلى طريقه السلف " وهو يتكلم عن أعلام الدعوة الذين أشعلوا المشاعل لينيروا الطريق وليوضحوا السبيل ليسترشد الحائر ويهتدي السائر: (ومن هؤلاء العالم الفاضل، والشيخ الوقور، والمربي الأمين، والقدوة الطيبة والمجاهد المكافح الذي صابر وثابر وأفنى شبابه وصحته في سبيل الدعوة وإبلاغ الحجة وأداء الأمانة وإيقاظ الغافلين،والأخذ بيد العاملين،والذي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ذلكم هو الشيخ " محمد علي بافضل "، بارك الله فيه وأطال عمره ونفع به وجزاه بكل خير، فقد جاهد وناضل في سبيل عقيدته، في كل مكان حل به وأقام فيه، ومن يذهب إلى الصومال يجد مسجداً فخماً سمي باسمه، أقامه وشيد أركانه، وكان إمامه وخطيبه ومدرس العلم والمعرفة لرواده وأحبابه وإخوانه ومعارفه، فهذا درس التفسير، وذاك درس الحديث، وهذا درس الفقه، بل كان يدرس النحو والصرف وهكذا.

 وكلٌّ حسب منهج دراسي منظم، ومستويات علمية متباينة، فربّى رجالاً فاهمين عالمين عاملين، جمعوا بين طلب الدنيا والدين، والشباب والشيوخ من حوله ملتفون، كان لهم العالم والمرشد والأخ والصديق والأب والرفيق، يلتفون حوله ويستجيبون لنصحه، ويعملون بتويجهاته ويستشيرونه في أخص أمورهم، وإن أنس لا أنسى ليلة وداعه وهو مغادر الصومال بعد إقامته فيه مدة طويلة إلى موطنه العزيز والجموع محتشدة في ذلك المسجد بمقديشو والرجل يفيض على الجميع من علمه وتجاربه ونصائحه وكانت كلماته مشوبة بأنفاس كبد محترق تلفح الآذان، والناس في حزن عميق وألم للفراق شديد، ثم يحمِّلني تبعة القيام بالمسجد ويعهد إلي بتحمل الأمانة ولكن أنّى لي ولأمثالي أن نملأ هذا الفراغ ونقوم بذلك العمل الكبير والمجهود العظيم فجزاه الله خير الجزاء) [133] هذه لمحة عن حياة الشيخ وجهده في المهجر.

 وأما في الوطن فأنا أسجل ما بلغني عنه وما شاهدته منه مباشرة:

 فلقد سمعت بالشيخ وجهوده ودعوته إلى الكتاب والسنة في آخر حياته رحمه الله،حوالي عام اثنين أو ثلاثه وتسعين وثلاثمائه وألف هجرية،حيث وصف بالدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة البدع والشركيات وبيان خرافات الصوفية وتزييفها، وماكان قائماً به من نشر العلم والإفتاء في مدينته القطن، ثم شاء الله بعد مدة أن أزور القطـن وأصلي المغرب والعشاء في مسجدها الجامع، حيث يـدرس الشيخ وقد كنت ذاهلاً عن الشيخ ودعوته التي وصفت لي من قبل، فلما كان بين العشائين فإذا بالشيخ يتصدر الحلقة العلمية ليدرس طلابه من كتاب فقه السنة " للسيد سابق " وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أذكر ما هو الكتاب الذي كان يدرس فيه وقتها،فجلست في الدرس وسمعت كلاماً قيماً غريباً على ما هو معروف في الأوساط العلمية الحضرمية آنذاك، وبعد انتهائه من الدرس أردت أن أتأكد مما سمعت، فسألته عن بعض الأمور المتعلقة بالبدع والشركيات المنتشرة في البلاد، فأجاب جواباً صريحاً واضحاً بما يشفي غليل محب السنة والتوحيد، فاطمأننت إليه واقتربت منه وتعرفت عليه وعـرفته علـى نفسي، فقال لي: (لقـد أجبتك على تلك الأسئلة بما سمعت لأنني هنا في القطن ولوكنت من شبام وحدرا لسبطونا على تلك الأجوبة) هكذا بهذه اللهجة الدارجة ومعناها: أنه لما أجابني بما أجابني لأنه في بلد القطن الذي قد استجاب أهله للدعوة السنية وآمنوا بها، ولو أنه كان في مكان آخر من بلد شبام أو ما كان شمالاً عنها لضرب على تلك الإجابة لما عليه أهل تلك الديار من التعصب والخرافة، وعندها عرفت أنه ذلك العالم السلفي الذي حُدَّثْتُ عنه من قبل، ثم دعاني إلى منزله فاعتذرت فواعدني من اليوم الثاني حيث أخذني إلى مسجد جديد كان يقوم على عمارته وفي أثناء تجولنا في المسجد كان يشكو إلي سوء الأوضاع في البلاد ومحاربة النظام الشيوعي للدين وأهله وما يلاقيه هو من رقابة ومتابعة شديدة، ثم إنه رحمه الله سافر إلى المملكة العربية السعودية، حيث وافاه الأجل في مدينة جده حوالي عام (1404هـ)، وقد ترك أثراً طيباً في بلده وكان له طلاب ومحبون فيها وفي غيرها، كلهم سائر على نهجه ومقتبس من طريقته - رحمه الله رحمةواسعة -.

 

الأثـر الـذي خلّـفه "دعوة الخلف إلى طريقة السلف":

 وواضح من عنوانه أنه دعوة إلى العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم في جميع الأمور من عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات وسائر شؤون الحياة،ولقد لخص موضوع الكتاب المؤرخ الشهير سعيد عوض باوزير في المقدمة التي قدم بها للكتاب فقال: (آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً) هذا هو موضوع الكتاب الذي جمعه المؤلف من أوثق المصادر.

 دعوة إلى التوحيد الخالص دون إشراك، وإيمان برسالة خاتم الأنبياء دون انحراف،وتمسك بتعاليم مستقاة من أصولها الصحيحة دون ابتداع،في ميدان الاعتقاد يدعو الكتاب إلى إصلاح كل ما أفسدت البدع والأباطيل من جوهر العقيدة،وفي ميدان السلوك والعبادة يدعو إلى رفض كل زيادة ليست في كتاب الله الكريم ولا في سنة رسوله المطهرة [134]).

 وبعد كلام عام عن أزمة المسلمين وأن لاحلَّ لها إلا بالرجوع الحق إلى الإسلام قال المقدم: (ربما تثير بعض النقاط التي عالجها الكتاب حساسيات بعض الناس، أو تصطدم بوجهات نظر خاصة بهم،ولكنني واثق بأن المؤلف لم يكتب ما كتب عن هوى أو غرض وإنما كان يصدر عن عقيدة امتزجت بروحه وقلبه، يدافع بها عن دين الله الحق،طالما تحدث بها لسانه، قبل أن يتناولها قلمه، فالمؤلف من خطباء الحضارم الموهوبين وأساتذتهم المستنيرين، تعرفه المنابر والحفلات،كما تعرفه فصول الدراسة،وقاعات المحاضرات[135]). والكتاب قد جعله المؤلف على طريقة السؤال والجواب:

وقد شمل توحيد الربوبية والألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وما يضاد ذلك من الإلحاد والشرك، وقد ركز على توحيد الربوبية بعض الشيء لوجود التشكيك فيه في تلك الفترة، فترة انتشار الإلحاد في العالم كله،وعندنا في حضرموت بسبب النظام الشيوعي الذي كان جاثماً على صدر البلاد وأهلـها،ثم تكلم على السنة ومايتعلق بها ومايضادها من البدع،كما عرج على الفكر الصوفي الحضرمي ونقد بعض خرافاته، وأبان بعض ما يحتوي عليه من الشعوذةوالدجل، وخصص بعض البدع التي تتفرد بها حضرموت مثل" صلاة الخمسة فروض" التي تؤدى آخر جمعة من رمضان، حيث يصلون الفرائض الخمسة الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء في آن واحد وذلك بنية قضاء ما فات أثناء السنة الماضية

 وأول من أحدثها في حضرموت " الشيخ أبو بكر بن سالم العلوي صاحب عينات "، ولذلك فإن أكثرمن يتعصب لها هم المنسوبون إليه، ولاتزال مستمرة بشكل رسمي وبطقوس واعتقادات، خاصة في بلده عينات إلى اليوم،كما تعرّض لبعض الأمور التي دعا الواقع إلى طرقها؛كمسألة المرأة في الإسلام،وتعدد الزوجات،وموضوع الإسلام والرق،هذا مجمل ما اشتمل عليه ذلك الكتاب فهو مهم جداً ومفيد للغاية فرحم الله مؤلفه وأجزل له الثواب.

 

العَلَم الثالث

العلامة القاضي عبدالله بن عوض بكير

 وهو العلامة الكبير والقاضي الشهير، داعية الـسنة في وقت تَغَلُّـب البدع،ورافع رايـة الـتوحيد في مجتمع تجوس خلاله أنواع من الشرك،ويتصدر فيه دعاة الخرافة الشيخ عبدالله عوض بكير.

 ولد رحمه الله في مدينة " غيل باوزير " سنة (1314هـ) [136]،قرأ القرآن في أحد كتاتيب قرية " القارة" من ضواحي الغيل،وبعد مرحلة من العمل والكدّ، التحق بركاب الشيخ عمرمبارك بادبَّاه في قرية "الصداع"، وأقام لطلب العلم لديه نحواً من خمسة عشر عاماً، قرأ خلالها عدداً مـن الـفنون حتى تقدم على أقرانه وأصبح شيخه يوكل إليه بعض المهام؛من تعليم طلاب وإمامة مسجد وردٍ على فتاوى) [137].

 ثم انتقل إلى رباط الغيل فترة،ثم ارتحل إلى بلاد الصومال " جيبوتي " و"مقديشو" مرتين لتحصيل العلم ولقمة العيش معاً، وهناك التقى ببعض علماء الأزهر [138]، ثم عاد واستقر إماماً لمسجد النور بالقارة،وقد حصل من العلم حظاً كبيراً مكَّنَه من أن يكون مرجعاً لمجتمعه الصغير، عليه يعرضون أسئلتهم وإليه يرجعون في حل مشاكلهم،ويراجعونه فيما يقع لهم من قضايا، ومنها ما قد يصدر لهم أو عليهم من أحكام قضائية وفتاوى شرعية، فكان يعلق عليها بما يراه الحق،وبذلك انتشر خبره وسار ذكره حتى وصل (مجالس العلماء ودخل مكاتب الحكام واستمع إلى آرائه الوزراء والسلاطين،فتوجهت إليه الأنظار ترقبه وتراقبه)[139]، (وبالإضافة إلى قوة عارضته الفقهية في المناظرات الشفوية والكتابية، مما أكسبه سمعة علمية طيبة،وحنكة في معالجة القضايا الفقهية،وإبراز خفاياها ودقائقها.. بالإضافة إلى ذلك كان صريحاً في الحق لايماري ولايداري،نزيهاً لا تمتد عينه إلى متع غيره،محارباً للبدع أياً كان القائم بها، لاتأخذه في الله لومة لائم، فقد كتب الرسائل وألـقى الخـطب، وكـاتب مـن يتوسم فيه الـقيام بالأمر بـالمعروف والـنهي عن المنكر،مشنعاًعلى كثير من البدع التي تعمل باسم الدين، وأظهر وأبان وجه الحق في كثير مما يُتخذ تحت شعار الدين،بينما هو في حقيقته باطل وجاهلي فألَّف من بين ماألَّف:

1)  مثالب المزار: وهي رسالة في منكرات زيارات القبور. وأن زيارة القبور مشروعة كما شرعها الدين الإسلامي، وبغير ذلك تعتبر منكراً يجب إنكاره وتجب إزالته وتغييره.

2) تطهير الفؤاد من سيّء الاعتقاد: وهي رسالة توضح كثيراً من المعتقدات الفاسدة الشائعة في الجهة سواء كانت مما يتعلق بالموتى أو بالأحياء أو بالجمادات أحياناً، ومايفعل باسم كبراء الجن، كما يقول أرباب تلك المعتقدات.

 3) الدفوف في المساجد: وتلك رسالة أوضح فيها حكم ضرب الدفوف في بيوت الله التي يجب أن تُنَزَّه عن مثل هذه المعازف والملاهي، ولقد ترسم فيها طريقة السلف الذين سبقوه وعنهم نقل مانقل)[140].كان هذا من الشيخ رحمه الله في عهد اشتدت فيه الخصومات بين الإرشاديين والعلويين في مهجرهم في أندونيسيا وسنغافورة،وألقت تلك الصراعات بظلالها على الوطن،وأصبح مَن يصنف أنه مِن الإرشاديين أو يتهم بذلك منبوذاً،بل مُعرّضاً لأنواع من الأذى، ولذلك فقد اتهم بالإرشادية كما اتهم بالوهابية،وإن لم يكن كما يقول ابنه الشيخ عبدالرحمن ملتزماً لواحدة من الطائفتين، بل قد يؤديه اجتهـاده إلى موافقته إحداهما في أمور ومخالفتها في أمور أخرى،ولكن الإرهاب الفكري الكبير الذي كان يمارس لايرضى بأنصاف الحلول ولا يعرف للاجتهاد معنى،"وإنما كُن معنا أوأنت ضدنا"، ولكن الشيخ - رحمه الله - ما بالى بذلك بل صمد في وجه كل تلك الزوابع،ولكن لما شاع عن الشيخ من سعة في الـعلم وبصـيرة في الرأي ونزاهة في المعاملة وعدل في الخصومة وقوة في الموقف،كل ذلك أرغم معاصريه على احترامه،وحَمَل المسؤولين على أن يخطبوا وده، وأن يطالبوه بتحمل مسؤولية القضاء الشرعي،والـقرب من السلطان للاستفادة منه في الرأي والمشورة، وقد نفر من ذاك بادىء الأمر،ولكنه رضخ له بعد إلحاح وبعد تأمل في المصالح والمفاسد،ودخل سلك القضاء وتدرج فيه بعد أن عُرف عدله ونزاهته وقوة إدراكه ونفوذ بصره حتى أصبح رئيس القضاء،وعضو مجلس الدولة، ولقد قام من خلال منصبه ذلك بإصلاحات قضائية وإدارية جبارة، سبق بها عصره وتفردت بها حضرموت عن سائر البلدان المجاورة، كما أصلح القضاء وطوره وحافظ على تحكيم الشريعة، فإن له بصمة أخرى عظيمة هي رئاسة لجنـة الشؤون الـدينية والتي كان من مهامها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ومراقبة الآداب الإسلامية،والدعوةإليها، والتنفير من كل مفسدة خلقية،والدعوة إلى السنة ومحاربة البدع في الدين) [141]، (فحاربت من البدع ما حاربت ونجحت ولاحقت من المفاسد الخلقية ما لاحقت وأصلحت) [142]،ولكن الأمر بالـمعروف والنهي عن المنكر ثقيل على أصحاب الشهوات، ومحاربة البدع شديد على أرباب الهوى والشبهات،وإلغاء بعض ما في البدع والزيارات البدعية مضر بالسدنة ومن يجنون من ورائها أنواع الثمرات، وحرك إبليس جنده؛ فحوربت هذه اللجنة من قبل أشخاص لهم في البدع والمحافظة عليها قَدَمُ راسخ،أَوْلَهُم في طقوس هذه البدع مصالح مادية ومصالح روحية، بل إن لهم في البدع مصالح رهيبة، وهي في نفس الوقت تمثل المخدِّر العام للشعب كي ينصرف عنهم ولايلاحقهم في بدعهم وأهوائهم، وبالمحافظة عليها وباستمرارها سيكون الشعب متلهيا بها منصرفاً إليها،غير متطلع لمستقبل، ولا عابىء بحاضر، كيف لا وهي تملأ أكثر أيام العام، ولاتنتهي مناسبة بدعة حتى تبدأ مناسبة جديدة لأخرى، ويتبع هذه البدع من المفاسد والمناكر والمحرمات مايندي له جبين الدين ويتصبب له عرقاً وجه الأخلاق... بل وتتبعها مفاسد اجتماعية تصل إلى حد التفريق بين الزوج وزوجه، والابن وأبيه.

 وما أكثر البدع اليوم وما أكثر مروِّجيها والمغشوشين بها، وأشدها شؤماً وأكثرها لؤماً؛ هو بدعة مايسمى بالزيارات لما يؤتى فيها من المنكرات، والصـد عـن دين الله بعبادات أعمق جاهليـة؛ لأنها

باسم.[143] تقام وباسم الدين تتحدث. والزيارات بدعة في الدين، وبدعة في حضرموت،وبحسبك أن تعلم أنها لاتستند لسند في العادات والتقاليد حضرمي أصيل.

 وقدكان للجنة الشؤون الدينية في عهد السلطان صالح مع هذه البدعة بصورة خاصة،مواقف خاصة،مما جعل السلطان عليه - رحمة الله - اقتناعاً منه بمضارها، يوقفها ويأمر بإلغاء طقوسها ومراسمها أياً كانت، ولكن القوم - هداهم الله - وغفر لهم ولنا، أعلنوا عدم تمسكهم بدينهم إذا كان يقف في طريق ما ألفوه، وأنت عليم بما يترتب على هذا من حكم شرعي) [144].

 وقد أخبرني أحد معاصري الشيخ رحمه الله، أنه منع الحضرة التي كانت تقام عند القبر الذي تحت مسجد عمر ويسمى قبر"علوية" أيام وجوده في القضاء،وأقفل المكان وعزم على تأجيره مستودعات أو نحو ذلك،ولكنه لم يتمكن من تأجيره، وإنما بقي مقفلاً مدة طويلة،ولكن بعد وفاته أعيد فتحه وأعيدت الحضرة التي تعمل له، وهاهو اليوم وصمة عار على جبين المكلا وأهل المكلا، وبقعـة سوداء يطالعها كل من يزور هذه المدينة من الغرباء، فيحكم على أهلها الطيبين محبي السنة أنهم من المخرفين والخاضعين لسلطان الدجل والشعوذة ولامنكر، بل المنكرون كثير ولكن من يستجيب لهم؟؟

 كما أنه كان قد أبطل الحضرة التي كانت تقام في مسجد الروضة بالمكلا،وقد أعادها القبوريون هذه الأيام،وكما كان الشيخ رحمه الله عالماً وقاضياً ومصلحاً؛كان كذلك شاعراً وأديباً مرهف الحس قوي العارضة،وبعد عمر طويل قضاه في التعلم والتعليم والإصلاح،انتقل إلى رحمة ربه في يوم الاثنين السابع عشر من جمادى الثانية عام ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين للهجرة؛ رحمه الله رحمة واسعة، وقد ترجمه الأستاذ سعيد عوض باوزير في الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي[145].

(4)            آثاره في محاربة القبورية:

 كما سبق فإن للشيخ ثلاثة آثار في مواجهة القبورية وسيكون الكلام هنا عن اثنين منها، وأما الثالث فسأذكره مع قائمة المؤلفات المفردة لأهل حضرموت.

 الأثر الأول: هو"رفع الخمار عن مثالب المزار"وهو عبارة عن رسالـة صغيرة أجاب فيها فضيلته على سؤال من محب كما يقول؛بعد أن تردد في الإجابة عليه لما في زمانه من الانتكاس ثم عزم فأجاب وأجاد وبين أن المزار المعروف في الجهة، أي جهة حضرموت، محرم لأنه يشتمل على جملة من المفاسد العقدية والاخلاقية، وقد أورد جانباً من الأحاديث الناهية عن الابتداع وطبقها على هذه الزيارات، ثم ذكر أنواعاً من المفاسد الأخلاقية مثل الاختلاط بين الرجال والنساء والذي قد تصل نتائجه إلى الزنا وقد يحصل اللواط كذلك، مع ما فيها من الملاهي التي هي مقصد أكثر الزوار وليس مقصدهم الاعتبار وتذكر الموت، وقد شن حملة على من يحضرها من المتزيين بزي العلم مع سكوتهم على تلك المناكر وقال: (إنهم أشرار لا أخيار)، وأجاب على شبهة يطرحها البعض وهي: أن هناك خيراً في هذه الزيارات، مثل الموالد التي تقام فيها والمواعظ، فأبان أن الموالد هنا لا تكون مشروعة أصلاً، ولو فرض أنها سائغة لكان الواجب تنزيهها عن هذه الأماكن التي يظهر فيها الفساد عياناً، وعلى افتراض أن في ذلك شيئاً من الخير؛ فإنه قليل لايساوي ما فيها من الشر.

 ثم ذكر داهية من دواهي المخرفين التي لقنوها العوام وهي: اعتقاد بعضهم (أن من حضر سبع مرات عند قبرٍ؛ على مثل تلك الحال فكأنما حج البيت الحرام) قال: (وهذا عين المحادة لله بل ربما كان كفر)[146].

 وقد كانت عاطفة الشيخ وغيرته بادية واضحة، وحرقته على ما يفعل قومه قوية بارزة، فها هو يصل به الانفعال إلى أن يقول: (وبعض الجهلة يوقِف على مثل هذه الجرائم وقائف، ويجعلها باسم المقام، ولاشك أن مثل هذا المقام، مقـام أئمة النار فيحرم الوقف عليه، وتحرم الصـدقة، لكون ذلك إعانة على المعصية، ولاتجوز الإعانة على مثل ذلك، فمن أعان فيه بشيء فهو من جملة العاصين الممقوتين)[147].

 والرسالة لم تتعرض لبعض الأشياء المهمة الحاصلة في تلك الزيارات، ومنها الاعتقادات الباطلة والأعمال الشركية، وليس ذلك لأن الشيخ لايرى ذلك من المخالفات ففي الأثر الثاني سيظهر قوله فيها ولكن الذي يظهر أن الرسالة مبتورة أوضائع منها بعض الأوراق، ويشهد لذلك قول ابنه الشيخ "عبدالرحمن بكير "في خاتمة الرسالة: (انتهى ما وجدناه بخط الوالد وبقلمه، عليه رحمة الله، وربما كان للموضوع بقية فلنحتفظ بالموجود ولنبحث عن المفقود، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه)[148].

 أما الأثر الثاني: للشيخ بكير فهو " تطهير الفؤاد من سيء الإعتقاد "، وهي رسالة صغيرة لازالت مخطوطة،اطلعت عليها بخط ابن المؤلف الشيخ عبد الرحمن عبد الله بكير،نسخها من خط والده، وفرغ من نسخها يوم (24) من شهر شعبان عام (1391هـ)، وقد كان الشيخ عبد الله رحمه الله كتبها عام (1343هـ)، وتقع في حوالي (40) صفحة،بدأها بعد المقدمة بتعريف الإيمان ثم التأكيد على الإيمان بالقضاء والقدر، ثم عنون (وجوب الاعتماد على الله وحده) وأورد تحت هذا العنوان الآيات والأحاديث الدالة على ذلك،ثم ثنّى بـ(لايجوز سؤال غير الله ولا دعاؤه) وأورد كذلك ما في الباب من الآيات والأحاديث واستمر على هذا المنوال يبرز العنوان المناسب ثم يسوق تحته من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم ويعلق على ذلك بما يناسبه، ومما يؤكد حرقته وغيرته على التوحيد والاتباع كثرة شكواه من المتزيين بزي أهل العلم الذين يرون المنكر فلا ينكرونه، بل يشارك بعضهم فيه، والبعض الآخر يُري العامة طريق الابتداع ويحثهم عليه.

 وكان من عناوين هذه الرسالة غير ما ذكر: (من يتوكل على الله فهو حسبه)[149]، و(الاستعانة لا تكون إلا بالله)[150]، و(دعاء غير الله شرك)[151]، و(ألفاظ شركية تلفظها العامة)[152]، و(اعتقادات شركية تعتقدها العامة)[153]، و(يجب التحذير من كل ما يجر إلى الشرك)[154]، و(وجوب تصحيح الاعتقاد وتصفية الباطن)[155]، واستمر متعرضاً للعلماء المفتونين، ثم انتقـل إلى البدع وركز على بدعـة الحضرات التي تقام في المساجد وغيرها،وما يصاحبها من دعوات شركية مع السماع الصوفي واستخدام الدفوف في المساجد، كما أخذ يكرر العناوين الدالة على كفر وشرك من يدعو غير الله وأن ذلك من الكفر الصريح، كما فرق بين التوسل والدعاء، وذكر أن التوسل مشروع عند أهل السنة والجماعة كما جاء في الأحاديث الصحيحة لكن ينبغي الدخول من بابه)[156]، وبين دعاء غير الله الذي عبر عنه بأنه إحداث دين لم يكن، ثم عاد ليقرر أن المبتدعين جهلة غير مؤتمنين على الشريعة [157]، وبعده تعرض لبداية عبادة الأصنام وأنها كانت بسبب الغلو في الصالحين، ثم عنون (البدع في الدين ابتداءً وسيلة من وسائل الشرك انتهاءاً)[158]، وهكذا يمضي مع البدع ليقول: (نهي الإسلام عن البدع حسم لوسائل الشرك)[159]، و(جميع بدع القبور منافية للدين)[160]، ثم ذكر أن الفعل المفضي إلى المفسدة ممنوع،ثم يأتي للقوم من الباب الذي لايستطيعون سده فيقول: (مع الشيخ ابن حجر في بدع القبور)[161]، ومن المعلوم أن ابن حجر المكي هو عمدتهم في الفقه، وبعد ذلك يعنون: الصلاة عند القبور والوقف والنذر عليها أو لها)[162]، ويواصل تحت هذا العنوان النقل عن ابن حجر، ثم يحذر من الحلف بغير الله وأنه من الشرك أو الكفر به، ثم يتعرض لفعل الموالد عند القبور لإنه إذا منعت الصلاة عندها مع أن المصلي لا يقصد إلا الله وحده وإنمـا يخشى مـن أن يجره الـتبرك بـذلك الـقبر إلى الشرك، فإن الموالد أولى من ذلك لإنها إنما أقيمت للتبرك بصاحب القبر وتعظيمه[163]، ثم يختم بنقد الزيارات القبورية وقد سبق تفصيل رأيه في ذلك عند الكلام على " رفع الخمار عن مثالب المزار "،ويطيل حتى ينهي الرسالة بذلك.

 بقي شيءٌ لفت نظري وهو نقده على من نسب كثيراً من البدع القبورية للسيد علي بن محمد الحبشي،واعتباره غير راض عن ذلك لما عرف عنه من العلم والورع والتمسك بما كان عليه سلفه من علماء آل باعلوي بحضرموت،وهذا إحسان ظن من الشيخ بالسيد علي المذكور،ربما لأنه لم يطلع على كتاب "كنوز السعادة الأبدية " والذي جمعه أحد طلاب علي الحبشي من كلامه،والذي يحوي من الخرافات ما لامزيد عليه،وكذلك نقل بعض صور القبورية والعقائد الضالة على وجه الاستحسان،بل في معرض التعليم للناس والحث على تلك البدع والأعمال والعقائد.

 ظني والله أعلم أن الشيخ عبد الله لو اطلع على هـذا الكلام لغيّر رأيه، ولم يدافع هذا الدفاع الكبير عن علي حبشي والله أعلم.

 

المؤلفات المفردة في الرد على القبورية لعلماء حضرموت:

1) العلامة الشيخ محمد بن عمر العماري وله رسالتان في مواجهة القبورية إحداهما " فتوى حول الاستغاثة بغير الله " مطبوعة وهي رسالة قصيرة، والثانية رسالة بعنوان " دق بالمسمار على الضاربين بالطار أو نصيحـة وإنـذار " وموضوعها الاعتراض علـى السماع الصوفـي أو مـايسمى عندنـا في حضـرموت " الحضرات " في المساجد والمشاهد.

2) العلامة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بكير عضو هيئة الافتاء الشرعية، من المعاصرين حفظه الله وله رسالة بعنوان: " شن الحروب على مقبرة الشيخ يعقوب" وهي رسالة كان الباعث عليها الهجمة الوقحة التي شنها رجال ومسؤولو الجبهة القومية أيام حكمها على مقابر المسلمين ودكها للبناء عليها وتمرير الطرق فيها دون مبرر، وقد تعرض فيها للزيارات الشرعية والبدعية.

2)  العلامة الشيخ الفقيه أبوبكر أحمد بن عبدالله الخطيب الأنصاري التريمي الحضرمي الشافعي المتوفى سنة (1356هـ)،له رسالة صغيرة اسمها: "نصيحة الإخوان عن إتيان السحرة والكهنة وأهل الجان " توجد ضمن مجموع فتاواه المسمى " الفتاوى النافعة في مسائل الأحوال الواقعة " جمع سالم بن حفيظ ابن عبدالله بن حسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم، من (301 – 321) من ذلك المجموع.

 

 --------------------------------

الرجوع للصفحة الرئيسية



[1] الحجــر (9) .

[2]  تقدم تخريجه ص (         ) .

[3]  رواه أبو داود (2/512  ) كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المائة ، والحاكم ( 4/542-543 ) كتاب الفتن والملاحم ..وانظر : تصحيح شيخنا الألباني - رحمه الله - للحديث في سلسلته الصحيحة ( 11/150-151) .

[4] طبقات فقهاء اليمن ص( 75-76 )

2 ابن جرير هو : إسحاق بن يحيى بن جرير الطبري الصنعاني ، توفي سنة ( 450 هـ ) صـاحب تاريخ صنعاء ، وقـد قـال الأكوع في تعليقه على السلوك ( 1/210 ) : أنه لم يعثر على هذه الرسالة فيما لديه من تاريخ ابن جرير ، وأنا كذلك لم أعثر عليها في النسخة المطبوعة غير أن ابن جرير كان لا يذكر ابن الفضل إلا وقال ( لعنه الله ) .

3 السلوك ( 1/210 ) .

4  العسجد ص( 39 ) .

5  قرة العيون ص ( 142 ) .

6 نشوان بن سعيد الحميري ، توفي سنة ( 573 هـ ) .انظر :الأعلام ( 8/20 ) ، ومقدمة الحور العين لنشوان الحميري      ص( 16- 25 ) تحقيق كمال مصطفى طبع دار آزال بيروت ، والمكتبة اليمنية صنعاء الطبعة الثانية( 1985م )   والسلوك   ( 1/92 9 ) .

[5]  قرة العيون تعليقاً ص( 122-123 ) .

[6]  الحور العين ص ( 253-254) .

[7]  بلوغ المرام ص( 21-22 ) .

[8]  المصدر السابق ص(4) .

[9]  الصليحيون ص( 297-298 )

[10]  مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن تأليف عبد الله محمد الحبشي الصفحات (95) و (100) و (102) و (106) و (111) و (112) و (11) و (121) و (123) و (125) و (126) طبع مركز الدراسات اليمنية صنعاء .

[11]  ابن أبي القبائل هذا الذي ذكره الأكوع في تحقيقه لكتابه كشف أسرار الباطنية ، وذكره فؤاد سيد في تحقيقه لكتاب طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة الجعدي ص( 78 ) ، ومنهم من ذكره بابن أبي الفضائل والله تعالى أعلم .

[12]  كشف أسرار الباطنية ص(45 ) .

[13]  السلوك (1/201 ) .

[14]  البقرة (43 ) .

[15]  الأنعام ( 120 ) .

[16]  الأعراف ( 33 ) .

[17]  هود ( 40 ).

[18]  سورة ص ( 24 ) .

[19]  سبأ ( 13 ) .

[20] كشف اسرار الباطنية وأسرار القرامطة ص( 63 – 65 ) .

[21]. المصدر السابق ص( 69 ).

[22]  الزخرف ( 19 ) .

[23]   المصدر السابق ص( 70 ) .

[24]  المصدر السابق ص(70 – 71 )

[25]   الإسماعيلية تاريخ وعقائد ص( 473 – 538 )

[26]  المصدر السابق ص( 546 – 592 )

[27]  البدر الطالع (2/331 )

[28]  المصدر السابق ( 2/332 )

[29]    المصدر السابق ( 2/332 ) .

[30] أعلام المؤلفين الزيدية ص( 1124 ).

[31]  هجر العلم (1/502 ) .

[32] انظر ترجمته في البدر الطالع (2/331 – 333 ) ، وهجر العلم ص( 501 – 506 ) ، وأعلام المؤلفين الزيدية                   ص( 1124 – 1131).       

[33] هجر العلم للأكوع (2/882) ، ومصادر الفكر للحبشي ص( 107 ) .

[34]  هجر العلم (3/1306) ، ومصادر الفكر ص(112 ) .

[35]  مصادر الفكر ص( 122 ) .

[36]  هجر العلم (4/1854) .

[37]  البدر الطالع ( 2/133 ) .

[38]  المصدر السابق  (2/ 113-136 ) .

[39]  الديوان وانظر مقدمةهذه القصيدة ص ( 171-173 ) .

[40]  الدر النضيدص ( 102 ).

[41]  الديوان ص( 167 )

[42]  الديوان ص( 244-247 ) .

[43]  نشر العرف ( 3/41)

[44]  البدر الطالع (2/137 ) .

[45]  هجر العلم ( 4/1857 )

[46]  مقدمة الديوان ص ( 47 ) بقلم حفيده الأستاذ عبدالرحمن علي الأمير ..

[47]  هجر العلم ( 4/1855 ) .

[48]  تطهير الاعتقاد ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد ص ( 27 – 28 ) .

[49]  الإنصاف للصنعاني ص ( 2 ) .

[50]  المصدر السابق ص (3) .

[51]  رسالة شريفة للإمام الصنعاني ص (18 ) .

[52]  المصدر السابق ص (22 ) .

[53]  كتبت هذه السطور بعد وفاة الشيخ بأربعة أيام ، حيث وافاه الأجل المحتوم آخر يوم السبت أول يوم من شهر جمادى الأولى عام 1422هـ تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وأخلف على المسلمين خيراً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

[54]  مسألة في الذبائح على القبور وغيرها ص ( 44 ) ، طبع مكتبة دار القدس صنعاء ودار ابن حزم بيروت ، الطبعة الأولى             ( 1413هـ - 1992م) .

[55]  البدر الطالع ( 1/478-480 ) .

[56]  انظر ترجمته لنفسه : في البدر الطالع (1/ 214-225 ) .

[57]  انظر : مقدمة شرح الصدور من مجموعة رسائل في علم التوحيد ص ( 65-69 ) .

[58]  انظر الدر النضيد ص( 102- 116 ) .

[59]  الديوان ص ( 163 ) ، قال المعلق على كلمة (كنود ) : الكنود الكفور . قلت : وكذلك هو في القاموس ص ( 403 ).

[60]  الدر النضيد ص ( 28 ) .

[61]  الدر النضيدص ( 48 ).

[62]  الشوكاني حياته وفكره ص( 238-266 )للدكتور عبد الغني قاسم غالب الشرجبي ،طبع مؤسسة الرسالة، بــيروت ، ومكتبة الجيل الجديد صنعاء، ط الأولى1408هـ -1988م ، وقد قال عقب أن سردهم : ( وقد اكتفى الباحث بهذا القدر من تلاميذ الشوكاني، وعددهم اثنان وتسعون تلميذاً " وإلا فهم مئات بل ألوف " ،وتلاميذ الشوكاني أكثر من أن يحصوا ).  

[63]  أئمة العلم المجتهدون في اليمن ، للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع، مصفوف بالكمبيوتر ( تحت الطبع ) .

[64]  شرح الصدور من مجموعة رسائل في التوحيد ص ( 70 ) .

[65]  المصدر السابق ص ( 63-64 ) .

[66] انظر: الصفحة السابقة من رسالتنا رقم (       )

[67]  قطر الولي على حديث الولي ص ( 37 ) تحقيق وتقديم إبراهيم هلال طبع دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

[68]  هجر العلم (3/1407 ) .

[69]  السابق ( 4/2093 ) .

[70]  السابق ( 4/2093 ) .

[71] هجر العلم ( 1 / 87 ) .

[72]  مجموعة رسائل في علم التوحيد ص(127 )

[73]  المصدر السابق ( 124) .

[74] السيف الباتر لأعناق عباد المقابر ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد ( 219 ).

[75] السيف الباتر ص( 231 ) .

[76] المصدر السابق ص(275-276).

[77]  انظر : مقدمة هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد لتلميذه العلامة محمد بن سالم البيحاني ص( 3 - 5 ).   

[78] المصدر السابق .

[79]  هداية المريد ص(5) .

[80]  المصدر السابق ص(6-7 )

[81]   المصدر السابق ص(7-8 ) .

[82]   المصدر السابق ص( 23-25 )..

[83]   المصدر السابق ص( 23-25 ) .

[84]   المصدر السابق ص(26-31 ) .

[85]   هداية المريد ص( 32-36) .

[86]  المصدر السابق ص(40-44 ) .

[87]   المصدر السابق ص(47-56 ) .

[88]  المصدر السابق ص( 56 ) إلى آخر المنظومة .

[89]  هداية المريد إلى سبيل الحق و التوحيد بتعليق الشيخ البيحاني ص( 50 ) .

[90]  التعليق على هدية المريد ص( 35 ) .

[91]  انظر ترجمته في أنباء الزمان فيمن رحل من علماء بيحان ص( 81 – 92 )  خلال قرنين من الزمان تأليف عبدالله عبدالقادر العليمي باوزير الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م .      .

[92] مجموعة رسائل في علم التوحيدص( 275 - 276 ) .

[93] انظر : دعاوى المناوئين ص( 56) لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب . تأليف : عبدالله محمد بن عبداللطيف ، طبع دار الوطن، الرياض الطبعة الأولى ( 1412 هـ )

 [94]  الشرجي المذكورهو أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشـرجي الزبيدي ، ولـد سنة (812هـ) بزبيــد، ومـــات بها سنة ( 893هـ ) ، وهو من أشهر محدثي زبيد وله "التجريد الصريح مختصر صحيح البخاري " وغيره من الكتب ، كما له في المقابل "طبقات الخواص" الذي تحدثت عنه في الأصل ، وهذا من التناقض العجيب ،كما ذكر له كتاب آخر بعنوان "الفوائد  في الصلات والعوائد" قال الحبشي في مقدمته للطبقات : (وهو مجموع من الأحاديث والأدعية المأثورة ، إلا أنه شابَهُ بكثير من الطلاسم والأوفاق المدسوسة ، قال : وقد طبع بالقاهرة سنة (1344هـ) ، وأعادت طبعه عدة مرات مكتبة الحلبي بالقاهرة ) الطبقات ص(6)،هـذا هو الشرجي رحمه الله ، لم ينفعه علم الحديث حين تأثر بأفكار وعقائد الصوفية .

[95]  مقدمة معارج الألباب في منهج الحق والصواب للنعمي ص(17)   ، تحقيق محمد حامد الفقي تخريج علي حسن عبد الحميد ، طبع مكتبة المعارف الرياض ، الطبعة الرابعة 1407هـ - 1987م .و كل ما في ترجمتي له مأخوذة عنه حيث لم أعثرله على ترجمة في موضع آخر والجزء الأول مـن نشر العرف ليس متوفراً هذه الأيام .

[96]  معارج الألباب في مناهج الحق والصواب ص( 18 ) .

[97]  المصدر السابق ص(18).

[98]  المصدر السابق ص(18).

[99]  المصدر السابق ص( 18 ) .

[100]  معرج الألباب ص (14 ) .

[101]  معارج الألباب ص( 26 – 27 ) .

[102]  المصدر السابق ص( 29 ) .

[103]   معارج الألباب ص( 39 – 49 ) .

[104]   المصدرالسابق ص( 45 – 101 ) .

[105]  المصدر السابق ص ( 101 – 118 ) .

[106]  المصدر السابق ص( 120 – 156 ).

[107]  انظر إدام القوت ص( 225-226 ) .

[108]  رجال وكتب للشيخ علي سالم بكيّر باغيثان طبع دار حضرموت للدراسات والنشر ص(109 ) .

[109]  الشامل (1/ 135 ) وانظر إدام القوت ص( 110 ) .

[110]  الشامل ( 1 / 135 ) .

[111]  إدام القوت ( 110 ) .

[112]  إدام القوت (111 )

[113]  إدام القوت ص(110-111 ) .

[114]  المهمات الدينية ص(6) .

[115] إدام القوت ص( 111-112 ) وانظر لمزيد الفائدة تعليق ابن عبيدالله بذكر مادار بين الشيخ علي وبعض السادة حول الرسالة المذكورة وفيه كلمة للمحضار لفظها ( وبعض الناس قوله وبوله سواء ) وهي تدل على مبلغ العنجهيةلدى هؤلاء الناس .

[116]  ذكرها ابن عبيد الله في نفس الموضع السابق .

[117] صحيح الجامع الصغير طبع المكتب الإسلامي( 1/ 14- 15 )  الطبعة الثانية ( 1406هـ - 1986 م ).

[118]  المهمات ص( 3 ) .

[119]  هما جهتان معروفتان من جهات حضرموت .

[120]  المهمات ص ( 8 )

[121]  الكهف ( 51 ) .

[122]  المهمات ص( 9 ) .

[123]  الفتاوى النافعة ص( 249 )

[124]  تقدم تخريجه في الباب التمهيدي ص( 29 ) .

[125]  قال في القاموس و ( العقيرة ما عقر من صيد أو غيره ) ص( 569 ) وفي العرف هي جمل أو ثور يسوقه الزوار عند زيارتهم للولي : إما إرضاءاً له لما قد يظنون أنه ساخط عليهم أو تقرباً لطلب حاجة منه .

[126] الزامل في العرف هو نوع من الرجز يؤتى به عند المناسبات كالأفراح ونحوها وكذا في الزيارات .

[127]  المهمات ص( 9-10 ) .

[128]   زيارات وعادات " زيارة نبي الله هود "ص ( 40- 41 ) تأليف عبد القادر محمد الصبان ، طبع المعهد الإمريكي للدراسات اليمنية .

[129]  المهمات ص(10 ) .

[130]  المهمات ص( 16 ) .

[131] المهمات ص( 16 )

[132]  المهمات ص ( 16 ) .

[133]  دعوة الخلف إلى طريقة السلف التقديم ص( ج – د ).

[134] دعوة الخلف ،المقدمة ص(5-6)

[135]  دعوة الخلف المقدمة ص( 5 – 6 ) .

[136]  القضاء في حضرموت في ثلث قرن لابن المترجم العلامة عبدالرحمن عبدالله بكير النسخة الخطية ص( 14 ) .

[137]  المصدر السابق ص( 26 – 28 ) .

[138]  القضاء في حضرموت ص( 28 - 29 ) .

[139]  المصدر السابق ص( 31 – 32 ) .

[140]  المصدر السابق ص( 32 – 33 ) .

[141]  القضاء في حضرموت ص( 183 ) .

[142]  المصدر السابق ص ( 183 ) .

[143] كذا في الأصل.

[144]  القضاء في حضرموت  ص( 183 – 184 ) .

[145]  الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي  ص( 181-183 ) تأليف سعيد عوض باوزير 1381هـ -1961م.

[146]  رفع الخمار ص(25- 26 ) .

[147]  المصدر السابق في نفس الموضع .

[148]  المصدرالسابق ص( 32 ) .

[149] تطهير الفؤاد من سيء الاعتقاد مخطوط ص( 4 ).

[150] المصدر السابق ص( 6 ) .

[151]  المصدر السابق ص( 7 ).

[152] المصدر السابق ص( 8 ) .

[153] المصدر السابق ص( 8 ) .

[154] المصدر السابق ص( 9 ).

[155] المصدر السابق ص( 9 ).

[156] المصدر السابق ص( 16 ).

[157] المصدر السابق ص( 18 ) .

[158] المصدر السابق ص( 21 ) .

[159] المصدر السابق ص( 22 ) .

[160] تطهير الفؤاد ص( 23 ) .

[161] تطهير الفؤاد ص( 25 ) .

[162] المصدر السابق ص( 29 ).

[163] المصدر السابق ص( 32 )