مواجهة علماء اليمن للقبورية

الباب الثالث

 مواجهة علماء اليمن للقبورية

الفصـل الأول

 أساليب القبورية في محــاربة مخــالفيها

 

وفيه ثلاثة مباحث

المبحث الأول

أسلوب الاحتـواء والاختراق

وفيه مطلبان:

 

المطلب الأول:محاولة احتواء المخالف:

 إن رواد القبورية في الأمة الإسلامية وهم الباطنية الشيعة، ومن جاء بعدهم من الصوفية، إنما هم تلاميذهم وأتباعهم والناقلون لعقائدهم وأساليب دعوتهم وطرق تثبيت دولتهم، مع شيء مــن التطوير الــذي يتناسب مع وضعهم بين أهل السنة،ولا يخفى على من قرأ التاريخ براعة الباطنية في احتواء المخالف، والتأثير عليه بالطرق والأساليب الملتوية الكثيرة، وسنرى في هذا المطلب صورة منها، وهكذا تلاميذهم الصوفية استخدموا تلك الطرق والأساليب مع مخالفيهم هنا في اليمن، وإليك بعض الأدلة على ذلك:

 سبق عند الحديث عن الإسماعيلية بيان طرقهم في الدعوة، وكيفية الوصول إلى إقناع المدعو، والترقي به درجة درجة حتى يصل إلى القناعة التامة بما هم عليه، وهناك صورة واضحة في طريقة الاحتواء وتحويل الخصم إلى أن يصبح من أقوى المناصرين لهم، وهي احتواء علي بن محمد الصليحي الذي كان أبوه قاضياً من علماء أهل السنة خصوم الإسماعيلية، وكيف استطاع داعية الإسماعيلية احتواء ابنه علي حتى كان هو الذي أسس دولة الإسماعيلية الفاطمية في اليمن، قال الخزرجي: (أجمع علماء التاريخ ورواة الأخبار من أهل اليمن أن القاضي محمد بن علي الصليحي والد الأمير علي بن محمد الصليحي كان فقيهاً عالماً سنيّ المذهب، وكان قاضياً في بلده حسن السيرة مرضي الطريقة، وكان أهله وجماعته يطيعونه ولا يخرجون عن أمره، وكان الداعي عامر بن عبدالله الزواحي يلوذ به، ويركب إليه كثيراً؛ لرياسته وسؤدده وصلاحه وعلمه، فرأى يوماً ولده علياً فلاحت له فيه مخايل النجابة، وكان يومئذ دون البلوغ، وكان الداعي عامر بن عبدالله الزواحي كلما وصل إلى القاضي يتحدث مع ولده علي المذكور، ويخلو به، ويطلعه على ما عنده حتى استماله، وغرس في قلبه ولبِّه ما غرس من علومه وأدبه ومحبة مذهبه، وقيل: كانت عند الداعي عامر بن عبدالله الزواحي حلية الصليحي في كتاب " الصور "، وهي من الذخائر القديمة، فأوقفه منه على مستقبل حاله وشرف مآله، وأطلعه على ما أطلعه عليه سراً من أبيه القاضي محمد وأهله جميعاً، ثم مات الداعي عامر بن عبدالله الزواحي، فأوصى له بجميع كتبه، وأعطاه مالاً جزيلاً قد كان جمعه من أهل مذهبه، وقد كـان رسخ في ذهن الصليحي ما رسخ، فعكف على الدرس، وكان ذكياً فلم يبلغ الحلم حتى تضلع في معارفه التي بلغ بها، وبالجد السعيد تدرك غاية الأمل البعيد، فكان فقيهاً في مذهب الإمامية، متبصراً في علم التأويل، ثم صار يحج بالناس دليلًا على طريق السراة، ولم يزل كذلك نحواً من خمس عشرة سنة، وكان الناس يقولون له: بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، فكره ذلك، ونكره على من يقوله مع كونه قد شاع على ألسنة الخاصة والعامة، فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ثار في رأس مسار وهو أعلى جبل في تلك الناحية) [1107].

 تلك صورة من صور الاحتواء الإسماعيلي للمخالفين، وفي تاريخ الصوفية الكثير من تلك الصور، من ذلك قصة الصوفي عبدالرحمن بن عمر باهرمز مع الفقيه عمر بن عبدالله بامخرمة، فقد كان الصوفي باهرمز له طريقة قبيحة في تصوفه، وهو أنه عندما يرد عليه الحال - كما يقولون - يجمع النساء الحسان متزينات بأحسن الزينة فيغنين ويرقصن حتى يذهب ما به، وهذا أمر منكر لا إشكال فيه، وقد سمع عمر بامخرمة بذلك فأنكره، وعزم على الذهاب إليه للإنكار عليه، فرحل أول مرة، ثم رجع من الطريق، ثم عزم وصمم حتى دخل عليه فلما رآه الشيخ كاشفه بنيته وعزمه وقال له: (عاد وقتك ما جاء)، فرجع إلى بلاده، ثم عاد الثالثة، وعند دخوله عليه أمر بعض النساء الحسان اللاتي يرقصن عنده أن تعتنقه، قال العيدروس: (فما هو إلا أن فعل به ذلك خر مغشياً عليه، فلما أفاق تلمذ للشيخ، وحكمه في ذلك الوقت، وفتح الله عليه ببركة الشيخ، وصار من كبار العارفين المربين، وقيل: إن الفقيه لما طلب التحكيم من الشيخ قال: له: صلِّ ركعتين إلى المشرق، فامتثل، فلما أحرم رأى الكعبة تجاه وجهه) [1108].

 

المطلب الثاني: محاولة اختراق صفوف المخالفين وبث الفتنة في أوساطهم:

 إن البدع في الغالب تكون مخالفة للفطرة، مناقضة لأدلة الشرع وأصوله، يرفضها العقل السليم الذي لم يتلوث بأمراض الشبهات؛ ولهذا لم يبق أمام دعاة البدع إلا الكيد والمكر وأساليب اللف والدوران لمقاومة الخصوم والتغلب عليهم، وقبورية اليمن من أولئك المبتدعة، لم يدعوا أسلوباً من أساليبهم إلا اتبعوه، ومن ذلك أسلوب الدس والمكيدة وبث الفتنة في صفوف المخالفين، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:0

المثال الأول: مـا فعله والي الدولة الصليحية على الـجند من بث الفتنة بين فقهائها حتى يسلم هو وأهل نحلته من انصرافهم لمقاومتهم والعمل على إزالة دولتهم، قال الجندي في ترجمة الفقيه الإمـام زيد ابن عبدالله اليفاعي: (وكانت مدرسة الفقيه عن يمين المنبر، وربما اتكأ وقت التدريس على المنبر، وكان أصحابه فوق ثلاثمائة متفقه، في غالب الأيام يقوم بإعالتهم قوتاً وكسوة، وكانوا يملئون ما بين الباب والمنبر كثرة، وكان الفقيه أبو بكر شيخه يقرئُ في الزاوية التي تحت جدار بئر زمزم [1109]، وكان أصحابه في غالب الأحوال نحو خمسين طالباً، هكذا ذكر بعض معلقي أخبارهم، ولم يزل ذلك من شأنهم حتى تمت الحيلة من المفضل [1110] في التفريق بينهم، وذلك أنه مـات ميت من أهل الجند، فخرج الإمام زيد والإمام أبو بكر بن جعفر في أصحابهما يقبرون، وعليهم الثياب البيض لبس الحواريين، والمفضل يومئذ بقصر الجند فحانت منه نظرة إلى المقبرة، فــرأى فيها جمـعاً عظيماً مبيضين، فسأل عن ذلك، فقيل: قُبرانُ ميتٍ، غالب من حضره من الفقهاء، فعرض بذهنه ما فعله ابن المصوع [1111] مع أخيه حيث قتله، وقال: هؤلاء يكفروننا ولا نأمن خروجهم علينا مع القلة، فكيف مع الكثرة؟ ثم قال لحاضري مجلسه: انظروا كيف تفرقون بينهم، وتدخلون البغضاء عليهم بالوجه اللطيف، فجعلوا يولّون القضاء بعض أصحاب الإمام زيد أياماً، ويعــزلونه، ويولّون مكانه من أصحاب الإمام أبي بكر بن جعفر، ثم يولّون إمامة الجامع كذلك، ثم النظر في أمر المسجد كذلك حتى ظهر السباب بين الحزبين، وكاد يكون بين الإمامين، فعلم الإمام زيد ذلك، فارتحل مهاجراً إلى مكة) [1112].

 فانظر كيف لجأ هذا الباطني الإسماعيلي إلى الدس بين هؤلاء الفقهاء الطيبين! وكيف استطاع بخبثه وطيبتهم أن يفرقهم، وأن يملأ صدورهم حقداً على بعضهم البعض حتى قضى على دعوتهم!.

المثال الثاني: ما ذكره الأستاذ صلاح البكري في " تاريخ الإرشاد بإندونيسيا " من عمل القبورية أصحاب الرابطة العلوية لزرع الفتنة بين أصحاب الإرشاد- لولا أن سلم الله - وقُضيَ على الفتنة قبل استفحالها.

 قال الأستاذ البكري تحت عنوان " أول مؤامرة ضد جمعية الإرشاد ": (من الأحداث الخطيرة التي قام بها دعاة العنصرية، تلك المؤامرة ضد حياة جمعية الإرشاد الإسلامية، فقد اتصل بعض آل باعلوي وأنصارهم برئيس الجمعية الشيخ سالم بالوعل، وسيطروا على عواطفه بأوهام فارغة، وهيمنوا على أفكاره حتى صار كالآلة الصـماء في أيديهم، ولا غرابة، فهو أمي ساذج أو كما يقول الحضارم: "على تَوّه"، واقترحوا عليه إبدال اسم " جمعية الإرشاد " بالجمعية الكثيرية؛ ليدخل في الإدارة أعضاء من قبيلته آل كثير؛ ليفوزوا بالأكثرية عند اجتماع الإدارة، وأزمع الشيخ بالوعل على ذلك، ثم أعلن لجميع الإرشاديين في العاصمة وفي خارجها ليجتمعوا في جاكرتا (بتافيا)، وأقبل الإرشاديون أفراداً وجماعات من العاصمة ومن خارجها، فشك البوليس الهولندي في هذا التجمع الذي لم يسبق له مثيل، فاتصلوا بنقيب العرب الشيخ عمر منقوش، يستفسرون منه الأمر حتى اطمأنوا، ولما رأى الشيخ بالوعل قدوم الإرشاديين أعلن تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى. ولكن وفود الإرشاد قررت إقامة الاجتماع كما نُشر في الصحف، وفعلاً اجتمعوا في دار الجمعية وأحضروا كاتب عدل ومحامياً، وتقرر في هذا الاجتماع فصل الرئيس الشيخ سالم بالوعل من الإدارة ومن الإرشاد، وتكونت إدارة جديدة للإرشاد من كبار الشخصيات وهم:

الشيخ غالب بن سعيد بن تبيع رئيساً

الشيخ محمد عبيد عبود كاتباً

الشيخ عبدالله بن عبدالقادر بن هرهرة أميناً للصندوق

الشيخ سالم عمر بالفاس مستشاراً

كان ذلك عام 1920م.

 بذلك سلمت جمعية الإرشاد من المكيدة التي دبرها المرجفون والرجعيون ودعاة العنصرية ومن على شاكلتهم من الأغبياء والمخدوعين.

 أما الشيخ بالوعل فقد اعتبر فصله من إدارة الإرشاد ومن عضويتها إهانة شنيعة؛ لذلك رفع دعوى ضد جمعية الإرشاد هي والأعضاء الجدد الذين أدخلهم في العضوية قبيل حضور الوفود، وذهب بهم إلى دار الجمعية فوجدها تحت حراسة البوليس، فعاد إلى منزله بزملائه الأعضاء، وهناك قرروا إبطال قرار الفصل وحل جمعية الإرشاد، ثم رفع دعوى ضـد الإدارة الجديدة بأنها غـير شرعية، ولكــن أراد الله لجمعية الإرشاد أن تزدهر ويتألق نجمها في إندونيسيا، ثم أُسدل الستار على الدعوتين إلى الأبد) [1113].

 

 

المبحث الثاني

الإرهاب الفكري من أقوى أسلحة القبورية

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تربية المجتمع على التسليم المطلق لأوليائهم وأقطابهم:

 وهذه سمة أخرى من سمات الباطنية أن يربوا المجتمع بشكل عام على التسليم لهم وعدم معارضتهم، وأن المعارضة سبيل إلى الحرمان، وما أفلح من اعترض، والفوز والقبول في التسليم للقادة والأئمة والأولياء؛ وذلك أن علومهم الباطنة المزعومة لا يمكن إقامة الحجة عليها، فلا كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عقل يمكن أن يدل عليها، فما بقي إلا أن يسلّم السامع، وأن يلغي عقله حتى لا يحرم، وكذلك تصرفاتهم المخالفة للشرع والعقل لا يمكن تبريرها إلا بذلك، ولو ذهبتُ أبحث عن الأمثلة، وأحصرها لضاقت عنها مساحة هذا المطلب، ولكن أضرب أمثلة قليلة تدل على أمثالها وأشكالها:

المثال الأول: في كتاب " السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية "التي ألقاها صاحبها (علي الحبشي) في مجالسه التي كان يعقدها؛ لتعليم الناس وإرشادهم؛ ولتدريس وتربية طلابه، وتلقاها وجمعها أحد طلابه وهو (محسن بن عبدالله بن الحبيب الإمام محسن بن علوي السقاف)، وردت هذه الحكاية، قال: (وأورد الشيخ عبد العزيز الدباغ كلاماً في حسن الظن وكونه نافعاً، وإن لم يكن المعتقَد فيه متصفاً بذلك، فقال: كان رجل تاجراً وله مال كثير، فاشتاقت نفسه إلى ما مع الرجال أهل الكمال، وعزم أن يتجرد إلى الله، وينقطع إليه، وكان في البلد رجل مشهورٌ بالصلاح وتربية المريدين، وهو في الباطن على خلاف ذلك، فكان إذا رجع إلى خلوته يأتون إليه ناس من أصحابه على طريقته، فيلهون ويسكرون، فباع الرجل التاجر جميع ما معه وصيره نقداً، ثم سار إليه ومعه ذلك المال؛ ليتحكم له ويوصله إلى الله، فصادف وقت خلوته، فلما دق الباب أشرفت جارية، فقالت: من بالباب؟ فقال: عبدالعال، وكان واحد من أصحابه أهل الملاهي اسمه عبدالعال، فلما أخبرت الشيخ باسمه ظن أنه صاحبه، فقال لها: افتحي له الباب، فطلع الرجل، فوجد الجواري والشراب وآلات اللهو عنده، فما التفت إلى شيء قط بل جثا بين يدي الشيخ، فخجل لما رآه غير صاحبه، وهو يظهر الصلاح، فقال له: يا سيدي، أنا رجل أريد الطريق إلى الله، وأريد أن تسلّكني، وتدلني على الله، وهذا ما معي من المال، فلما وضعه بين يديه تقاصرا لخجل، فقال: إن الوظائف جميعها مشغولة إلا عمل في حديقة لنا بعيدة، خذ المكتل والمسحاة، وسر إليها، واشتغل فيها إلى أن يفتح الله عليك، فامتثل أمره، ولم يغـير حسن ظنه فيه مـا شاهده عنده، وحين وصل إلى الحديقة، ابتدأ في العمل، ومات أحد الأبدال في تلك الليلة، فاجتمعوا هم والقطب، فقالوا: من يصلح بدله؟ فقالوا: فلان، يعنون ذلك الرجل الذي في الحديقة؛ بسبب حسن ظنه، فدعوا منه، وقالوا له: خذ هيل بلا كيل، واتصل بربه، فاطلع على حالة شيخه، فقال:أنا قد أدركت مطلوبي، وهو يصطلح هو وربه) [1114].

 هذه هي التربية التي يربون بها أتباعهم، وينشئون عليها أجيالهم، فهل سيكون لدى خريج هذه المدارس أي غيرة أو نخوة تدفعه لإنكار منكراتهم، والاعتراض على أي شيء يقدمون عليه من أقوال أو أفعال مهــما بلغت في القبح والسوء؟! وليس هذا هو المثال الوحيد، ولكن الأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

المثال الثاني:ما ذكره الشلي، وهو يتحدث عن كرامات الأولياء ووجوب التسليم لهم فيها، وإن ظهر منهم أي مخالفة، فإنهم لاشك أن لهم في الباطن ما يسوِّغ ذلك، قال: (وأنا أورد قصة، فيها أبلغ زجر وآكد ردع من الإنكار على أولياء الله تعالى وأتمّ حث على اعتقادهم والتأدب معهم وحسن الظن بهم ما أمكن، وهي ما حكاه إمام الشافعية في زمنه " أبو سعيد عبدالله بن أبي عصرون " قال: دخلت بغداد في طلب العلم، فرافقت ابن السقاء بالنظامية، وكنا نزور الصالحين، وكان ببغداد رجل يقال له الغوث يظهر إذا شاء، فقصدنا زيارته، ومعنا الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وهو يومئذ شاب، فقال ابن السقاء: لأسأله مسالة لا يدري جوابها، وقلت: لأسأله مسألة، وأنظر مـا يقول، وقال الشيخ عبدالقادر: معاذ الله أن أسأله شيئاً وأنا بين يديه أنتظر بركته، فدخلنا عليه، فلم نره إلا بعد ساعة، فنظر إلى ابن السقاء مغضَباً، وقال: ويحك يا ابن السقاء تسألني مسألة لا أدري جوابها، وهي كذا وجوابها كذا، إني لأرى نار الكفر تتلهب فيك، ثم نظر إليّ وقال: يا عبدالله تسألني؛ لتنظر ما أقول فيها وهي كذا وجوابها كذا، لتخران [1115] عليك الدنيا إلى شحمة أذنيك بإساءة أدبك، ثم نظر إلى الشيخ عبدالقادر، وأدناه منه، وأكرمه، وقال له: يا عبد القادر، لقد أرضيت الله ورسوله بأدبـك كـأني أراك ببغداد، وقـد صعدت الكـرسي متكلماً على الملأ، وقلت: قدمي هذه على رقبة كل ولي، وكأني أرى الأولياء في وقتك، وقد حنوا رقابهم؛ إجلالاً لك، ثم غاب عنا، فلم نره بعد. قال: فأما الشيخ عبدالقادر فقد ظهرت أمارات قربه من الله، وأجمع عليه الخاص والعام، وقال: قدمي هذه على رقبة كل ولي، فأجابه في تلك الساعة أولياء الدنيا، قال جماعة: وأولياء الجن، وطأطأوا رؤوسهم وخضعوا إلا رجلاً بأصبهان فسُلِب حاله، وممن طأطأ رأسه أبو النجيب السهروردي، وأحمد الرفاعي، وأبو مدين، والشيخ عبدالرحيم القناوي، قال ابن أبي عصرون: وأما ابن السقاء فإنه اشتغل بالعلوم حتى فاق أهل زمانه، واشتهر بقطع من يناظره في جميع العلوم، وكان ذا لسان فصيح، وسمت مليح، فأدناه الخليفة، وبعثه رسولاً إلى ملك الروم، فأعجب به، وجمع له القسيسين، وناظرهم، فأفحمهم،وعظُم عند الملك، فأراد فتنته فتراءت له بنت الملك، فافتتن بها، فسأله أن يزوجها له،فقال: لا إلا أن تتنصر، فتنصر والعياذ بالله، وتزوجها، ثم مرض، فألقوه بالسوق يسأل القوت، فمر عليه من يعرفه، فقال له: ما هذا؟ فقال: فتنة حلّت بي بسببها ما ترى، فقال: هل تحفظ القرآن؟ قال: لا إلا قوله تعالى: ] رُبَما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين [ [1116]، ثم جاز عليه وهو في النزع، فقلبه إلى القبلة، فاستدار عنها، فعاد فاستدار عنها، فخرجت روحه لغير القبلة، وكان يذكر كلام الغوث، ويعلم أنه أصيب بسببه. قال ابن أبي عصرون: وأما أنا فجئت إلى دمشق، فأحضرني السلطان نور الدين الشهيد، وأكرهني على ولاية الأوقاف، فوليتها، وأقبَلت علي الدنيا إقبالاً كثيراً، فقد صدق الغوث فينا كلنا انتهى.

 فهذه الحكاية التي كادت تتواتر في المعنى بكثرة ناقليها وعدالتهم فيها أبلغ زجر عن الإنكار على أولياء الله تعالى خوفاً أن يقع المنكر فيما وقع فيه ابن السقاء نعوذ بالله من ذلك) [1117].

 قلت: هذه من خرافات القوم ولا يرهبنا وصفه لها بأنها كادت أن تتواتر، فأين أسانيده بذلك؟ ثم لو فرض تواترها، فلا تعدو أن تكون من أخبار الكهنة الذين يخبرون ببعض المغيبات،ويصدقون في بعضها؛ لأن الولي الحق ليس من شأنه أن يظهر متى شاء، ويختفي عن الأبصار متى شاء، وليس من شأنه أن يبشّر عبدالقادر بذلك العلو والاستكبار الذي يجعله يتحدى الأولياء ويقول: (قدمي على رقبة كل ولي)، ولكن الرجل قد بلغ بعض ما يريد من إقناع قرّائه بالتسليم للأولياء وعدم الاعتراض عليهم؛ لما يترتب على التسليم من الفوز والفلاح، وعلى الاعتراض من الطرد والحرمان.

المثال الثالث: ما نقله الشرجي عن أبي بكر بن أحمد بن دعسين في ترجمته أنه: (كان يقول: أقل درجات الإيمان أن تسلم للأولياء أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم، فإن لم تعرف معناها،ولا اهتديت إليه، فاحمل جميع أمورهم على أحسن الأشياء وأعدلها، وما صح عنهم فسمع وطاعة وحب وكرامة) [1118].

 قلت: هذه أقل درجات الإيمان فما أعلاها يا ترى؟.

المثال الرابع: ما ذكره صاحب تذكير الناس، قال: (وقال سيدي أحمد: وقد أمدّ الله الوقت للشيخ عمر أبا مخرمة من بعد العصر إلى المغرب ثلاثين ألف سنة، فاستشكل بعضهم هذا، فقال له سيدي: أما في بالك حديث يوم القيامة طوله خمسون ألف سنة، وأنه يكون على المؤمن كأخف صلاة صلاها في الدنيا وهذا منه، فقيل له: وكيف صارت تلك المدة ليالي أو أياماً أو غير ذلك، فقال: هذا علم تصديق وإيمان، ما هو علم ها توه أشوفه) [1119]. فقوله: (هذا علم تصديق وإيمان ما هو علم هاتوه أشوفه)، واضح جداً أنه ليس من علم الدليل والحجة التي يصح أن يطالب بها السامع، وإنما هو علم تصديق وإيمان لا اعتراض وانتقاد، وقوله: (هاتوه أشوفه) يعني أرني إياه حتى أنظر إليه.

المثال الخامس: من قواعدهم المسلّمة وكلماتهم الدارجة المنتشرة، قول عبدالله بن علوي الحداد:

وسلِّم لأهل الله في كل مُشْكِلٍ لديك،لديهم واضحٌ بالأدلةِ [1120]

وقول الآخر:

وإذا لم تر الهلال فسلِّم لأناسٍ رأوه بالأبصار

 هذه خمسة أمثلة تدل كلها على ما عنونا له في هذا المطلب، وهو تربية الأمة على الرضوخ والاستسلام وإلغاء العقول وتجاوز القواعد والأصول الشرعية؛ لأجل أن يمشي ما يريده القوم، ويسلم لهم ما يأتون من أقوال وأفعال دون حاجة إلى أدلة شرعية أو عقلية، وقد اقتصرتُ على هذه الأمثلة الخمسة مع وجود الكثير من الأمثلة في تراث صوفية اليمن، أما صوفية البلاد الأخرى فلا أخال قواعدها في هذا الموضوع خافية على المتابع لتواريخهم.

 

المطلب الثاني: استخدام الخرافة [1121] والشعوذة [1122] والاستعانة بالجن لإرهاب المخالف:

 لقد سعى الصوفية والباطنية لترسيخ وتعميق القدرات الخارقة للأئمة والأولياء، حتى لقد بالغوا في ذلك، فوصفوهم بعلم الغيب وتصريف الكون والقدرة على إظهار الخوارق التي لم يُظهر مثلها الأنبياء، وأنهم قادرون على أن يتجزءوا بأجسادهم، وأن يكون الواحد منهم في عدة أماكن في آن واحد، وكل ذلك قد مر، حتى أصبح حكم الناس على صلاح الشخص هو إظهاره تلك الخوارق مع ادعاء الولاية، وعندما ترسَّخ ذلك في أذهان المجتمع، وتربى عليه، بادروا بافتراء الأكاذيب ورواية الخرافات عمن يريدون أن يسبغوا عليهم صفة الولاية حتى يقنعوا الناس بولايتهم، كما بادر طلاب الجاه والمناصب في الرياضات الموصلة إلى خرق العادات، وتعلموا أنواعاً من علوم السحر، حتى أتقنوا ذلك، وعملوا به، وعقدوا الصلح مع الجن؛ ليقوموا لهم بأعمال خارقة يطلعونهم على مغيبات واقعة، ثم جعلوا ذلك كله سلاحاً يشهرونه في وجه كل من يخالفهم، وينكر عليهم، وهذه عدة أمثلة توضح ذلك وتثبته:

المثال الأول: ما ذكره الشلي في ترجمة محمد بن علي مولى الدويلة، قال: (وتواجد يوماً بحضرة عمه الشيخ الإمام عبدالله بن علوي حتى غُشي عليه، ثم أقيمت الصلاة، فصلى معهم، فلما فرغوا، قال العارف بالله علي بن سلم لعمه عبدالله: صلى ابن أخيك بلا وضوء؛ لأنه زال عقله، فأخبره عمه بقول الفقيه علي بن سلم فقال: وعزة الحق إني توضأت، وشربت من الكوثر، ونفض لحيته، فتقاطر منها الماء، ثم قال:يا فقيه، نزل علينا شيء لو نزل على الجبال لدكت، ثم أنشأ يقول:

 الـحب حبي والحبيب حبيبي والسبق سبقي قـبل كــل مجيب

 نوديت فأجبت المنادي مسرعاً وغطست في بحر الهوى وغدي بـي

 لي تسعة وثلاثة مع تسعــة والعقد لي وحدي وعـلا نصـيبي

 ما تعلموا أني المقدم في الـملا ليلة سرى باليثربي ســـرى بي)[1123].

 فانظر إلى هذه الدعوى العريضة والتي برهانها أنه نفض لحيته، فتقاطر الماء منها، ولو كان ذلك الماء من ماء الكوثر، هل سيذهب هكذا هدراً ولا يعرف له ميزة عن غيره من المياه، ولا تظهر له رائحة، ولا يبقى في موضعه؟ إلى آخر ما يمكن أن يظهر من الدلائل، ثم أعجبُ لهذا الفقيه وسرعة تصديقه وتسليمه واقتناعه بما حكى هذا الرجل عن نفسه!.

المثال الثاني: ذكر الشلي في ترجمة الشيخ عمر المحضار أنه قال: (قال لابن أخيه الشيخ عبدالله العيدروس: أن رجلاً يغضب لغضبه جبار السماوات، وأشار إلى نفسه) [1124]، ثم استدل الشلي على إثبات ذلك بقوله: (وكان إذا غضب على أحد أصابه الجذام وغيره من الأسقام بعد ثلاثة أيام، فقيل له: أما تخشى أن ينالك بهذا شيء؟ فقال: إني لم أدعُ على أحد، ولكني إذا غضبت على أحد، وقع في باطني نار لا تنطفئ إلا بعد ما يصيبه ذلك المرض، أو يتوب) [1125]. هذه الحكاية الله أعلم بصحتها ولكن على فرض صحتها، فإنها رادع قوي لكل من يفكر أن يخالف هذا الشيخ، وربما كان ذلك من السحر إذ الصحيح أن الساحر قد يصيب المسحور بعوار واختلال في عقله أو في بدنه، والقصة بغضِّ النظر عن صحتها أو عدم صحتها فالغرض منها حاصل حين تُروى، ويتداولها الناس، فإنه يترتب عليها هيبة عظيمة من التعرض لإغضاب من يدّعي الولاية.

 

المثال الثالث: ما قدمناه في الباب الثاني في مطلب التصرف في الكون [1126] عن " مرآة الجنان " [1127] في قصة أحمد ابن أبي الجعد وسعيد بن عيسى العمودي، حيث ذكر أنه عندما أقام ابن أبي الجعد الشيخ سعيد؛ للإنصاف من نفسه، قال: (من أقامنا أقعدناه فقال الشيخ أحمد: ومن أقعدنا ابتليناه، فأصاب كل واحد منهما ما قال لصاحبه، وصار الشيخ أحمد مقعداً إلى أن لقي الله تعالى، وصار الشيخ سعيد مبتلىً في جسمه حتى لقي الله تعالى)، وهذه الحكاية تصب في نفس الغرض، وهو إرهاب الناس من التعرض للأولياء ومخالفتهم.

المثال الرابع: ما ذكره صاحب " تذكير الناس " عن أحمد بن حسن العطاس أنه ذكر حكاية طويلة منها أن عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس دخل مصر، قال: (وحصلت بينه وبين أهل مصر مناظرة في الإمامة، وقال لهم: أنا أحق بها منكم؛ لِمَا اجتمعَ فيَّ من الشرف والعلم والتبرع، فقالوا له: لا نسلم لك إلا بدليل، فتوجه بحاله إلى القناديل التي في المسجد فابتلعها، فقالوا له: هذه ولاية، ومسلّمون لك فيها) [1128].

 والحكاية ظاهرة الدلالة على أن برهان الولاية هو هذه الخوارق التي لا يبعد أن تكون من السحر.

المثال الخامس: ما حكاه الشلي في ترجمة محمد بن علي مولى الدويلة، قال: (وأكثر أعماله قلبيات، وكان يخفي أعماله عن أصحابه حتى عن أهله، وربما اعترض عليه بعض من اتصف بالعلم وليس من أهله، حتى إن بعضهم قام يصلي، والسيد عنده نائم، فقال في نفسه: أنا ساجد وقائم وهذا مضطجع نائم، ويدّعون أنه قدوة للعالم. فلما سجد عجز عن رفع رأسه، فتاب عما وقع له في نفسه، فأمر صاحب الترجمة بعض من عنده بأن يرفع رأسه من السجود، ولما فرغ اعتذر إليه، وعاهده على أن لا يعود) [1129].

 فانظر إلى ما لقي هذا العالم من العقوبة والتأديب لقاء اعتراضه على هذا الولي، ثم كيف سلَّم له ولايته، وتاب من الاعتراض عليه.

المثالان السادس والسابع: ما تقدم [1130] نقله عن " تاج الأعراس " في مطلب استخدام الجن حيث نقلنا هناك حكاية سالم العطاس الذي كان له جني، اسمه " مزنقب "، وكيف سلطه على تلك القبيلة التي أبت أن تستقبل الركب العطاسي حسب تعبير المؤلف: (فصرخ بهم مزنقب صرخات، روّع بها نساء القبيلة وأطفالها؛ مما اضطر رجال القبيلة إلى الرضوخ لآل العطاس واسترضائهم والاعتذار إليهم وضيافتهم).

 وحكايته مع شريف مكة وكيف فجّر"مزنقب" الماء في مجلس الشريف مما اضطره للتسليم له كذلك.

 

المبحث الثالث

 استخـدام القـوة في محاربة الخصـم

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: اللجـوء إلى السلطان:

 اللجوء إلى السلطان شأن المبتدعة والباطنية في كل زمان ومكان؛ لفقدهم الدليل المقنع، فيلجَئون إليه، يداهنونه، ويطْرُونه، ليدافع عنهم وعن باطلهم، ويدفع خطر خصومهم

لا يفزعون إلى الدليل وإنما في العجز مفزعهم إلى السلطان

 ويقول العلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل في كلامه عن الصوفية: (فإن عادة هذه الطائفة أعني "ابن عربي "وأتباعه التحبب إلى الدولة وإيراد أحاديث وروايات في فضائلهم، حتى يجعلوا السلطان الجائر من الأبدال [1131] والعادل هو القطب، وربما ألقوا في سمعه أن له درجة التحكيم والتفويض فيما فعله بلا حرج؛ ولذلك لم يكد يتبع [1132] إنكار العلماء من قديم الزمان وهذا من مكرهم، قاتلهم الله) [1133]، وكلام الأهدل هذا هو الذي استفاض، بل تواتر معناه، وهناك مواقف كثيرة جداً للصوفية في التزلف إلى السلاطين والتمكين لأنفسهم لديهم منذ نشأة الصوفية إلى اليوم، والذي يعنينا هم صوفية اليمن وقبوريتها، فإليك بعض تلك المواقف: من ذلك تبشيرهم بالـمُلك أو بخلوده في أعقابهم، ومنه ما ذكره الخزرجي في "العسجد " في ابتداء أمر الدولة الرسولية، قال: (قال صاحب السيرة المظفرية: أخبرني الشيخ الصالح سليمان بن منصور بن حزينة قال: لما وصل الملك المسعود [1134]، وعبر طريق خبت القحرية، وكان على قارعة الطريق شيخان من مشايخ الصوفية الصالحين، يسمى أحدها المغيث، والآخر الهدس، فقال أحدهما للآخر: هل ترى ما أرى؟ فقال له: وأي شيء تراه؟ قال: أرى شخصاً إن سار سار العسكر جميعه. فقالوا: لعله الملك المسعود فقال: لا، بل هو الملك المنصور عمر بن علي بن رسول، والملك في عقبه إلى آخر الدهر) [1135].

 ومن ذلك بشارة صاحبَي عواجة محمد بن أبي بكر الحكمي ومحمد بن حسن البجلي مؤسس الدولة الرسولية عمر بن علي بن رسول المذكور سابقاً بانتقال الملك إليه وتقوية عزمه عليه.

 قال الأستاذ عبدالله الحبشي تحت عنوان " تاريخ الصوفية في عهد بني رسول ": (ولعل بداية تاريخ الصوفية مع الرسوليين يبتدئ ببداية هذه الدول، بل قبل البداية بسنوات عدة، فالمؤرخون يذكرون تلك الصداقة الوطيدة بين مؤسس الدولة الرسولية الملك المنصور عمر بن علي بن رسول.- حكمه من 629 – 647هـ - وبين الفقيه الصوفي محمد بن أبي بكر الحكمي سنة 617هـ وصاحبه الصوفي محمد بن حسين البجلي المتوفى سنة 621 هـ وهما من كبار الصوفية في اليمن. ويقال أنهما اللذان قويّا عزمه في الاستيلاء على الحكم بعد مشاهدتهما تضعضع الدولة الأيوبية وتنافس أمرائها فيما بينهم على الحكم. ونحن إذا أدركنا أن موت الحكمي كان قبل قيام الرسولي بالحكم بنحو عشر سنوات، ندرك مدى العلاقة التامة بين الصوفية ودولة بني رسول، ولندع الباحث المعاصر الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي، يشرح هذه المسألة، فيقول:(عرف ذلك الشاب المتطلع لملك اليمن عمر بن علي الرسولي وهما قد تنبآ له بالملك ما يمكن لطموحه المتطلع من الاستفادة من نفوذهما الروحي، فأخذ في تقديرهما، وكانا عند قدوم مساح الأرض الزراعية لتقدير الخراج علـى المزارع، يكتبان أغلب أراضي أهل جهاتهما، فلما جاء دور الفقيهين لمسح أراضيهما وأخذ الضرائب عنهما، عفا عنهما الأمير عمر بن علي الرسولي وقد بلغ ذلك نحو خمسة عشرة ألف دينار، وأدركا بلا شك مطمعه البعيد، فأخذا يروجان مقالتهما السابقة بملك اليمن له ويشيعان ذلك سراً، ثم يذيعانه مقدماً؛ لتهيئة النفوس والعقول لوثبته، وشاعت كلمتهما، فتقبلها الناس بالترقب) [1136].

إذاً فالدولة الرسولية، تدين للصوفية بوجودها بعد أن مهدوا لها عند الناس، وأصبحت مما ينتظر وقوعه. ولا أحتاج إلى تعليق على ما قرره الأستاذان الحبشي والعقيلي.

 ومن تلك البشارات بشارة الصوفي إبراهيم بن الحسن بن أبي بكر الشيباني للملك المظفر، قال الشرجي في ترجمته: (وكانت له كرامات ظاهرة، من ذلك أنه زاره الملك المظفر في أيام والده الملك المنصور ابن رسول، ولازمه في الملك بعد أبيه، فضرب الفقيه بيده على كتف المظفر، وقال له: الـمُلك لك ولذريتك لا أسد الدين ولا فخر الدين، يعني بني عمه. وكان المظفر يخاف أن ينازعوه في الملك بعد أبيه،فكان كما قال: تولى الملك المظفر وذريته من بعده وبطل أسد الدين وفخر الدين، فلما صار الملك إلى الملك المظفر، سامح الفقيه في خراج أرضه وأراضي أهله، ولم يزالوا على الجلالة والاحترام مدة المظفر وبعده) [1137].

 ومن تلك البشارات بشارة إسماعيل الجبرتي للملك الأشرف بانهزام جند قصدوه، فكان كما قال الشوكاني: (وصارت له عنده منزلة وكلمة لا ترد) [1138]. ذلك بعض ما لدى صوفية تهامة، ولدى صوفية حضرموت ما يشابهه، أو يزيد عليه، من ذلك ما ذكره صاحب " تاريخ الدولة الكثيرية " في ترجمة بدر أبي طويرق تحت عنوان " نسبه واهتمام العلويين به " قال: (تصدّى جماعة من السادة العلويين في أوائل ظهوره للبحث والتنقيب عن سلسلة نسبه، ثم أسفرت نتائج بحوثهم عما يأتي:

 هو بدر بن عبدالله بن جعفر بن عبدالله بن علي بن عمر بن جعفر بن بدر بن محمد بن علي بن عمر ابن كثير بن ظنة بن عبدالله بن حرام بن عمر بن سبأ الأكبر، ثم ينتهي النسب إلى يشجب بن يعرب ابن قحطان بن هود u.

 هكذا جاء في دشتة العلامة زين العابدين بن عبدالله بن شيخ العيدروس العلوي، قال: ولما أن تحققوا صحة هذه النسبة ذهب سبعة منهم إلى ضريح النبي هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، واعتكفوا هناك متضرعين إلى الله سبحانه، أن يقيض هذا السلطان؛ لحفظ القطر كله. قال وظهرت آثار الإجابة في السنة نفسها، إذ طرق بدر جميع الجهة الحضرمية، واستولى عليها من عين با معبد غرباً إلى ظفار شرقاً، وذلت له رقاب أهلها في بضعة شهور، ولم يبق بها إلا مواضع حقيرة، استكملها فيما بعد، كما سيأتي) [1139]. فالقوم عندما لاحظوا أمارات النجاح وعوامل النصر واستعداد هذا السلطان، لتكوين سلطنة قوية واسعة ذات نفوذ، أحبوا أن يكون لهم عنده يد، فمثلوا هذه الرواية، وأحكموا فصولها، وأقنعوا بها السلطان، وكسبوا وده.

 وقريباً من ذلك فعل بعضهم مع منصب آل عمودي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو ست، قال علوي بن طاهر الحداد، وهو يتكلم عن نسب آل العمودي الذي أثبته محمد بن ياسين باقيس إلى أبي بكر الصديق في كتاب له باسم " النبذة ": (وفي هذه النبذة التصريح بنسبهم على ما يقوله السادة الأشراف العلويون وهو مخالف، لما يقوله المؤرخون، وسيأتي بسط القولين ومستندهما في بابه قال: قال: " أي الحبيب عبدالله الحداد " فزرنا الشيخ العارف بالله معروف باجمال مؤذن بضرفون [1140] ومن في تربته،وطلعنا بضة، واجتمعنا فيها بكثير من أهل الفضل من آل العمودي وغيرهم. منهم السيد عمر باعقيل باعلوي وزوجته الصالحة بنينة ومن آل العمودي الشيخ عبدالقادر والشيخ مطهر والشيخ عبدالرحمن والشيخ سعيد أولاد الشيخ الكبير الشهير عبدالله بن عبدالرحمن بوست، وهو والي منصب آل العمودي أعني الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن، وسمي بوست؛ لأن له في كل يد ست أصابع لأنه شبيه، بعبد الله بن عبدالرحمن ابن سيدنا أبي بكر الصديق t؛ لأنه جدهم، وينسبون إليه على ما ذكره بعض سادتنا آل أبي علوي، نفع الله بهم في بعض مكاشفاته، ولا تكون إلا حقيقة؛ لأن الكشف الصادق إخبار عن عين اليقين وهو، حق وصدق، وقد أمر r بالأخذ بأقوال الصالحين في الأثر المروي عنه r، وهذا منه) [1141]، ثم قال: وأما ما ذكره الشيخ محمد بن ياسين عن الحبيب عبدالله الحداد عند ذكر الشيخ عبدالرحمن ابن عبدالله أبو ست وانتساب آل العمودي إلى أبي بكر الصديق، وقوله: " على ما ذكره بعض سادتنا آل أبي علوي، نفع الله بهم " فمراده بالبعض المذكور السيد الشريف أستاذ الفقهاء والمتكلمين، وإمام الزهاد الورعين أحد الأولياء المعتقدين عبدالرحمن بن علي بن أبي بكر السكران بن عبدالرحمن السقاف، له كتاب فيه الوقائع التي وقعت له في اليقظة والمنام وما بينهما، وهي إطلاعات روحية، تتمثل لهم فيها المعاني والأرواح، ذكر أنه اجتمع بروح الشيخ الكبير سعيد بن عيسى، وسأله عن نسبه، فذكرله سلسلة نسبه إلى أبي بكر الصديق t، والقصة أطول مما ذكرنا، وقد رأيناها بقلم بعض أشياخ آل العمودي) [1142]، ثم قال:(وقد نقل الشيخ عبدالرحمن بن عثمان - الآنف الذكر - تلك الواقعة،وكتبها في مصحفه، ومنه نقلتها، وهي: وذكر الشريف عبدالرحمن بن علي: أن عبدالله بن عبدالرحمن بن الإمام أبي بكر الصديق كان له ست أصابع، السادسة على صورة الإبهام تليها. وكان ذا فراسة وفهم في الأمور. كان إذا دخل البلد، لا يستطيع أحد من أهل البلد، أن يكذب خشية أن يعرفه، ويسمع كذبه بفراسته. وكان يقول له والده عبدالرحمن: سيخرج من صلبك ولدٌ اسمه كاسمك، وصورته كصورتك، والله إني أنظر إلى أصبعه الزائدة تتحرك عند حركتك،وتكون له فراسة كفراستك، وفهم كفهمك ووالله لولا أنه في غرة كل موجود ليس كمثله شيء، لقلت أنك هو، وهو أنت. وكان الشيخ محمد بن عمر باعفيف يقول لشيخه الشيخ عبدالرحمن: يا سيدي، أهو قد ظهر؟ فيقول. لا، إلا أنه قريب الظهور انتهى. والحبيب السيد الشريف عبدالرحمن بن علي المنسوب إليه هذه الواقعة الكشفية الروحية ولد سنة(850)، وتوفي سنة (923 هـ). وقد تحققتْ بولادة الموعود به الشيخ المعمر عبدالله بن عبدالرحمن المذكور في أواخر القرن العاشر، وتوفي سنة (1072 هـ)، وكان له في كل يد ست أصابع، الزائدة على صورة الإبهام تليها. وهذه الحكاية من أغرب ما يروي) [1143]،وقد كان عبدالرحمن أبوست العمودي حاكماً على منطقة دوعن مدة طويلة.

 وهذه النماذج وغيرها كثيرة كافية للدلالة على منهج القوم في استرضاء السلاطين والحكام؛ لكسب تأييدهم، وضمان وقوفهم معهم ضد مخالفيهم، ولم ينتهِ هذا المنهج أو يتغير، فصوفية اليوم هم صوفية الأمس، وإن ما حدث أيام حرب الانفصال - ربيع الأول 1415 هـ من صوفية حضرموت لكافٍ في الدلالة على ذلك. فقد وقفوا مع الانفصاليين بكل ما أوتوا من قوة، وقد تبارى خطباؤهم في تأييد حركة الانفصال، وأصدروا البيانات المؤيدة لها، وأفتوا بأن القتال في صفوف الاشتراكيين جهاد في سبيل الله؛ لأنه دفاع عن الأنفس والأعراض والأموال إلى غير ذلك من المواقف، بل إن بعض من يكتب اليوم في التنظير للصوفية والدفاع عنها قد قَبِل أن يكون وزيراً للأوقاف في حكومة الاشتراكيين الانفصاليين، ولكن سرعان ما تغيرت المواقف، وتبدل الولاء، وتناقضت الخطب والبيانات بمجرد انتصار القوات (الحكومية) وأصبحوا يتظاهرون بتأييدها، وأنهم كانوا مؤيدين لها طيلة المحنة التي مرت بها البلاد، ولا أدري كيف يثق الحكام بمن هذه مبادؤهم ومواقفهم؟! أم أنها مناورات من الطرفين على حد قول الأول: (كلانا عالـمٌ بالترهات).

 وإليك أخي القارئ الكريم بعض المواقف التي استعان فيها الصوفية بالحكام ضد مخالفيهم:

الموقف الأول: ما ذكره الخزرجي في ترجمة الفقيه حسين بن أبي بكر السودي، قال: (وكان فقيهاً صالحاً فاضلاً مشهوراً بالفقه والصلاح، وشهدت له كرامات كثيرة، وكان معظماً عند الناس، ولكن بلغ الملوك عنه أنه يتصل بإمام الزيدية في عصره، وهو محمد بن مطهر، فكرهوه، وهموا بأذيته، فكان لا يستقر في موضع ينالونه فيه، وكان ينكر على الفقراء الرقص والسماع؛ فلذلك أجمع الفقراء والفقهاء عليه، ولم يزل حذراً من السلطان حتى توفي في السنة المذكورة سنة "704هـ ") [1144].

الموقف الثاني:ذكره شيخ الإسلام الشوكاني - رحمه الله - في ترجمة إسماعيل الجبرتي، قال: (وكان أول ظهور أمره أنه بشر السلطان الأشرف بانهزام جند قصدوه، وكان الأمر كذلك. وصارت له بذلك عنده منزلة وكلمة لا ترد، وكان منزله ملجأ لأهل العبادة ولأهل البطالة وأهل الحاجات، فأهل العبادة يحضرون للذكر والصلاة، وأهل البطالة للسماع واللهو، وأهل الحاجات لوجاهته، فأنه تتلمذ له أحمد بن الرداد، ومحمد المزجاجي، فجالسا السلطان، وكان مغرى بالسماع والرقص داعياً إلى نحلة ابن عربي حتى صار من لا يحصل نسخة من الفصوص، تنقص منزلته عنده، واشتد البلاء على العلماء الصادعين بالحق، بسببه وفيه يقول بعض الأدباء، وكان منحرفاً عنه ومعتقداً لصلاح صالح المصري:

 صالح المصري قالوا: صالح ولعمري إنه للمنتخب

 كان ظني أنه مـن فتية كلهم إن تمتحنهم تختلب

 رهط إسماعيل قطاع الطر يق إلى الله وأرباب الريب

 سفل حمقى رعاع غاغة أكلب فيهم على الدنيا كلب

 وقد كان قام صالح المصري هذا على صاحب الترجمة، فتعصبوا له حتى نفوه إلى الهند، ثم كان الفقيه أحمد الناشري عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه، ولا يستطيع أن يغيرهم عما هم فيه؛ لميل السلطان إليه) [1145]. فانظر كيف استُغِلَّ نفوذ هذا الصوفي على السلطان إلى هذه الدرجة من الظلم والاضطهاد للخصوم، وهناك مواقف كثيرة سيجدها المتتبع لو بحث عنها.

 ولصوفية حضرموت مواقف تندرج في نفس هذا المسلك الدنيء، وتسير على ذات المنهج الرديء، وكان أبرزها في أثناء الصراع الذي نشب في إندونيسيا بين العلويين والإرشاديين:

 فمن ذلك سعيهم لدى حكومة بريطانيا وإقناع قنصلها في العاصمة الإندونيسية بتافيا (جاكرتا) بأن الإرشاد، تعمل ضد السياسة البريطانية، قال صلاح البكري: (وقد تأثر القنصل لجهله حقيقة الإرشاد، فأرسل إلى الحكومتين القعيطية والكثيرية؛ ليأخذوا حذرهم من كل إرشادي يدخل حضرموت، ويرسل المسؤولون في الحكومتين منشوراً على كافة الحضارم بإندونيسيا) [1146]. ثم ذكر نص البلاغ الذي يتهدد ويتوعد كل من بقي في جماعة الإرشاد، ويصفه بأنه عدو لوطنه ولمواطنيه عاقاً لهم مخالفاً لجماعتهم في كل مقوماتهم ساعياً في تسميم عقولهم وأفكارهم [1147]، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تحول إلى اضطهاد حقيقي للإرشاديين في بلدهم الأصلي حضرموت، قال البكري: (لم يكتف آل باعلوي وغيرهم من المعارضين لثورة الإرشاد الدينية الحرة عند هذا الحد، فاتجهوا بوشاياتهم إلى حضرموت، واستطاعوا أن يؤثروا على السيد حسين بن حامد المحضار وزير الحكومة القعيطية بمدينة المكلا. فقد كان هذا الوزير يتلقى الرسالة تلو الرسالة من قريبه السيد محمد المحضار ببندووسو بجاوه، يحرضه على عرقلة كل إرشادي يأتي من إندونيسيا إلى وطنه بحضرموت. وقد تأثر الوزير بتلك الرسائل إلى حد كبير، فأخذ يضطهد كل إرشادي قادم إلى حضرموت، وأسهم في ذلك والي دوعن عمر بن أحمد باصرة، أسهم في التعذيب؛ إرضاء لوزير الحكومة القعيطية) [1148].

 ولم يكتفوا بالتنكيل بالمنتمين إلى جمعية الإرشاد فحسب، بل تعدى الضرر والاضطهاد إلى أسرهم وأقربائهم للضغط عليهم وحملهم على إخراج أقاربهم من جمعية الإرشاد، وقد شرح ذلك الأستاذ البكري، وأوضح أن نائب السلطنة بدوعن، تولى ذلك، وأورد على ذلك دليلاً هو رسالة من أحد أقرباء عضو من أعضاء الإرشاد. هذا نصها:

(الحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

 إلى جناب الأكرم المكرم المحترم العزيز الأخ سالم بن أحمد با مصفّر سلمه الله تعالى آمين. وعليه مني السلام وأزكى التحية والإكرام ورحمة الله وبركاته على الدوام. صدر المرقوم من قيدون، والعلم خير ولطف وعافية، نرجو الله الكريم أنك وكافة المعارف بخير وعافية.

 قد سبقت إليك جملة كتب وفيها من الحقائق كفاية، وعرفناك أن نحن بغيناك تخرج من هذه الجمعية "جمعية الإرشاد"؛ الله الله لحيث المشقة ضاوية علينا، وقد وصّالنا المقدم، وبتينا إلى عنده، وأعطى لنا مهلة لما شهر شعبان، من خرج من هذه الجمعية يخبر الحبيب محمد بن أحمد المحضار ولعاد عليه شيء، ومن لا خرج بايوصي المقدم لأهله،وأنت بُصْرك. الله الله في الجواب مطلوب وأما فينا فما تحتاج إلى وصاه والسلام.

حرر في 12 ربيع الثاني سنة: 1338 هـ

 طالب الدعاء

 محمـد بن أحمــد بامصفـر) [1149]

 

 ولم يكتف العلويون بذلك، بل ذهبوا إلى أبعد منه حيث وشوا إلى شريف مكة، وحذروه هؤلاء الإرشاديين، ووصفوهم له بأنهم نواصب، يبغضون آل البيت، ولديهم أفكار سامة، يريدون منعهم من الحج والعمرة ودخول أراضي الحجاز؛ حرصاً على سلامة أهله وسائر الحجاج من انتقال عدوى هذه الأفكار إليهم؛ ومنعاً من أن يلتقي هؤلاء الخوارج بإخوانهم الذين على شاكلتهم، يعنون أتباع الدعوة النجدية، وقد أورد البكري نص الرسالة المتضمنة لذلك [1150].

 هذه بعض الأدلة على لجوء القبوريين إلى السلطان أياً كان هذا السلطان مسلماً أو كافراً، مادام أن الالتجاء إليه سيحقق لهم غرضاً.

 وقد لفت نظري سقاف بن علي الكاف في مؤلفه " حضرموت عبر أربعة عشر قرناً ". حين أرخ لهذه الحوادث، وقد حاول أن يضبط نفسه، وأن يقاوم مشاعره، فلم يتحامل تحاملاً ظاهراً على أصحاب الإرشاد، ولكنه أورد رسالتهم إلى وزارة الخارجية البريطانية ليومئ إلى القارئ أن هؤلاء القوم حملهم بغضهم لخصومهم وهواهم المتبع على أن يلجئوا إلى العدو الكافر، ويستعينوا به على خصومهم وقد نسي أن أصحابه قد فعلوا أكبر من ذلك وأكثر وليس فقط مع بريطانيا، بل مع بريطانيا وهولندا وغيرهما من دول المسلمين والكفار وأن بريطانيا استجابت لطلب العلويين وجارتهم على رغبتهم، وضايقت الإرشاديين في بعض مستعمراتها [1151].

 

المطلب الثاني: اللجوء إلى القبائل وحملها على إخضاع خصومهم:

 تقدم بيان ما وصلت إليه الصوفية القبورية من سلطة ونفوذ على القبائل، والإشارة إلى أنها تستخدم ذلك النفوذ ضد كل من يخالفها، وتسخرها؛لتهديد وأذية خصومها، وقبل أن نذكر تسخير الصوفية للقبائل في ضرب الخصوم الأباعد، نذكر قصة طريفة تؤدي الغرض، وتظهر مدى استخدامهم لذلك النفوذ والزج بالقبائل في فتن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، قال محمد بن هاشم تحت عنوان" قضية التابوت ": (الذي يظهر أن نفسيات السراة والزعماء من السادة وغيرهم من أهل ذلك القرن قاسية متصلبة، لا تعرف المرونة، ولا تجنح إلى المجاملة. وربما تغلّب على القوم التعسف الأناني، والتعصب الأعمى الذي تنكره العقول، وتمجه الأذواق، وتقف الطباع السليمة حسرى دون شأوه. وقضية التابوت يستنتج منها ما ذكرناه، ويعلم منها مبلغ التخبط السياسي الذي تعانيه حضرموت في ذلك العهد وإليك ما قالوه عنها، قالوا: "وفي سنة 1161هـ كانت واقعة التابوت الذي أرسله الشيخ العمودي لضريح الحداد، وهو شبيه التابوت الذي على قبر المحضار ". فاختلف رأي السادة فبعضهم رضي ذلك كالحبيب أحمد بن علي ابن الشيخ أبى بكر بن سالم ومنهم من لم يرض كالسادة آل العيدروس، وكذلك اختلف رأي القبائل على هذا حتى وقعت الحرب على وضعه. وأصابت رصاصة رأس السيد صالح بن علي بن أحمد ونفذوا به إلى عينات حيث قضى نحبه. وبقي التابوت موضوعاً في بعض الديار بأمر من يافع أشهرهم أحمد غرامة البعسي، وصمم الحبيب أحمد بن علي على وضعه على الضريح فجاء الرتبة من يافع ووضع بحضورهم قيل على رضى من آل همام ممزوج بخداع.

 وبعد وضعه قام السادة آل العيدروس وعظم عليهم الأمر واستنجدوا بالشنافر وساروا على أحيائهم فصار بعد ذلك ما صار من حريق التوابيت كلها التي على القبور. ثم تراجع الناس واجتمع الرأي على إرجاع التوابيت فأعيدت على حالها وأصلحن بأعواد هندية مصهرة) [1152].

 ومما يظهر نفوذ أولئك الصوفية وتسخيرهم للقبائل ما قاموا به إزاء الحملة النجدية على حضرموت، والتي استهدفت وادي حضرموت من المشهد جنوباً غربياً إلى عينات في الشمال الشرقي، أو إلى قبر هود شرق عينات، فبعد الكر والفر والأخذ والعطاء، وحينما همَّ النجديون بدخول وادي عمد والذي أول مُدنهِ مدينة حريضة، جمع آل العطاس قبائل تلك المنطقة وكونوا منهم جيشاً كبيراً تصدى للنجديين وكسروهم وذلك عندما بدأ الضعف يَدبُّ فيهم بسبب هجوم محمد علي باشا على عاصمتهم الدرعية وقد فصل ذلك صاحب تاج الأعراس في عدة مواضع [1153]، ومما قال وهو يتحدث عن القائد العام لجيش حضرموت علي ابن جعفر العطاس:(ومما أكرمه الله به من دقة النظر، فمن فطانته ودقة سياسته أنه جعل على كل قبيلة من تعتقده وتحترمه من السادة المتقدم ذكرهم زيادة على غيره) [1154]، وكانت القبائل التي جمعها آل العطاس وقادوها بأنفسهم قبائل الجعدة قال: (ومما يجدر بالذكر هنا أن المقدم عمر بن علي باصليب المشجري لما بلغه الخبر بهجوم الوهابيين على بلد حريضة جاء إليها في ثلاثمائة رامي من قومه آل باصليب سكان حالة باصليب والمعقل بوادي عمد منجداً للسادة آل العطاس وقبائل الجعدة ففرحوا بهم ومنهم وشكر الحبيب علي بن جعفر المقدم باصليب وقومه.. الخ) [1155].

 وهذا نموذج آخر من استخدام القبائل للحفاظ على مصالح آل باعلوي وإلا فالجيش النجدي ما كان يريد إلا أن يطهر البلاد من أدران القبورية، وأن يصلح ما أفسده الصوفية والقبورية من عقائد الناس، وصاحب المصلحة الحقيقية في ردعه وصده هم القبوريون أما سائر الأمة فكان من صالحهم أن ينتصر وأن يزيل مظاهر القبورية التي أفسدت عقائد الناس وأن يعلموهم دينهم كما حصل في المناطق التي استولوا عليها في كثير من أرجاء الجزيرة العربية كما قرر ذلك شيخ الإسلام الشوكاني في ترجمة "الشريف غالب بن مساعد "من البدر الطالع قال وهو يتكلم عن حروبه مع صاحب نجد " عبدالعزيز بن سعود ": (فإن صاحب نجد تبلغ عنه قوة عظيمة لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة. فقد سمعنا أنه قد استولى على بلاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز. ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعده غالبهم إما رغبة وإما رهبة، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم بها من عوج. وبالجملة فكانوا جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها، ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد وممتثلاً لأوامره خارج عن الإسلام) [1156].

 وقد أكد ما قلت عن الجيش النجدي العلامة ابن عبيد الله في مادة المحيضرة من "إدام القوت " حيث قال: (ولم يفسد حرثاً ولا أهلك نسلاً، وإنما هدم القباب، وسوى القبور المشرفة، وألقى القبض على المناصب وأهانهم، وأتلف قليلاً من الكتب، كثره بعض العلويين، كصاحبنا الفاضل السيد علوي ابن سهل بدون مبرر من الدليل) [1157].مع أن أهل حضرموت في تلك الفترة بأمس الحاجة إلى من يعلمهم أمر دينهم ويبصرهم بما هم عليه من أخطاء في العقائد والأعمال. فكان قيام تلك القبائل تضحية بمصالحها الحقيقية للحفاظ على مصالح سادتهم، ولما لم يكن هناك مقاومة تذكر من علماء حضرموت تستحق التصدي القوي لها باستخدام القبائل لم أر شيئاً واضحاً في ذلك إلا في الصراع العلوي الإرشادي، فقد حاول آل باعلوي أن يستفيدوا من نفوذهم الروحي على قبائل يافع، فكاتبوهم يحرضونهم على مواجهة الإرشاديين وقمعهم ولكن الأحوال قد تغيرت، والعقول قد تفتحت، والعقائد التي كانوا يعتقدونها فيهم قد ظهر زيفها، فلم يسعفوهم ولم يستجيبوا لمطالبهم، بل سخروا بها وإليك بعض رسائلهم إلى قبائل يافع لذلك الغرض:

 الرسالة الأولى: من محمد بن أحمد المحضار إلى علي بن حسن بن نقيب اليافعي قال فيها: (الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله مهدي السلام الخاص من الشيخ المكرم والمحب المحترم علي بن حسن ابن نقيب وعلى من بقي له اتصال بالحبيب والشيخ مولى الكثيب [1158] وأما من خرج عن دائرة أهل البيت فيأكله الكلب أو الذئب، وماله في الأمر من نصيب وكتاب الشيخ علي وصل وفرحنا به وزواج الأولاد صالح وصالح مبارك وقدوم إلى خير وبودنا أن نرسل واحداً من الأولاد ولكنهم معذورون وبالنية حاضرون، والسلام وسلموا على الخال طالب عوض وسمعنا بعزمه إلى الحج والزيارة وربح التجارة وفرحنا له، ومن الله على الجميع، والسلام منا ومن الأولاد عليكم ولأهل الوداد أما أهل الفساد "يعني الإرشاديين" فلهم الإبعاد وأشد من بعد عاد والمولى بالمرصاد والشفيع سيد الرسل يوم الميعاد والتناد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وبلغنا أن الإمام " يحيى إمام اليمن " مجهز على يافع، ويافع لا يصلح الأمر ويطفي الجمر إلا الأخ محمد بن علي الحييد لأن الإمام يكاتبه ويافع قد هم حقه [1159] أن بغيته يعزم أجمعوا على الذي يليق به من الخرج والفتح على يده، وخبر الإمام واجب الانتباه له - يعني إمام اليمن – لأن الأمر مهم جم جم، ومعه قصد – لعل الكاتب يقصد من سؤاله غزو حضرموت – لا يقدرون يافع ولا غيرهم بمقاومته وهو هزم التركي ومعه دولة كبيرة والله يختار.

حرر في بندووسو في 7 جمادى الآخرة سنة 1338هـ

 الداعي / محمد بن أحمد المحضار. [1160]

 

والرسالة الثانية:- أيضاً من المحضار ذاته (الحمد لله ونسأله بالاسم الأعظم والحبيب الأكرم rومحبهم يغنم نخص المحبين بني مالك لا يزالون ملوك الممالك مازال الكل في مسلك المصطفى سالك،والشيخ أبو بكر ضامن لهم بذلك وفوق ما هناك [1161] ونهدي السلام للجميع ونخص منهم الشيبان والشبان،جاء العزم إليكم بعد مولد ربيع الأول، والحذر شيء يدخل عليكم مما دخل على الكثير من أهل الزمان الذين استحوذ عليهم الشيطان وخرجهم من الأمان وسيخرجهم من الإيمان. بلغنا أنه وصل عندكم باعشر العشير وحمار الحمير وخنزير الخنازير قطعوا حباله وصفعه بالنكير وخبث الحديد ما يصفيه إلا الكير وشنو النكير. وإن بلغنا دخول شيء المكان تركنا كليران (بومي أيو) والله المستعان.

  محمد بن أحمد المحضار) [1162]

 وقد علق الأستاذ البكري على هذه الرسائل فقال: (لم يستطع السيد المحضار الوقوف أمام تيار النهضة الفكرية ولم تؤثر رسائله في يافع فلم يقيموا لكلامه وزناً ولا لتهديداته ثمناً، بل كان الأمر بالعكس، كانوا يهزءون برسالته كل الهزء)[1163].

 

المطلب الثالث: اعتماد التصفية الجسدية للخصوم:

 مرّ بنا الأذية الكبيرة التي قام بها إسماعيل الجبرتي وأعوانه ضد الذي كان ينكر عليهم في زبيد " صالح المصري " [1164]، وقد ذكر الشوكاني العجائب من ذلك مما يحاول القبورية والمنحرفون فعله بدعاة السنة كما في كتابه أدب الطلب سواء ما وقع للإمام محمد بن إسماعيل الأمير أو له شخصياً أو لغيرهما، وقد تناقل الناس ذلك في أنحاء اليمن في الجبال والتهائم وحضرموت وما بين ذلك ومما تناقلوه: الضرب ومحاولة القتل بالسلاح واستخدام السم ولكني في مثل هذه القضايا لا أعول على ما كان متداولاً بين الناس دون أن يكون مكتوباً وعليه فإنني أقتصر على ما ذكره صلاح البكري مما حدث ضد أصحاب الإرشاد بإندونيسيا. فقد قال تحت عنوان "محاولة اغتيال رائد النهضة الدينية ":

 (حاول جماعة من آل باعلوي اغتيال الشيخ أحمد محمد السوركتي، وذلك بدس السم داخل فاكهة تسمى " بلمنبنق " وكان الشيخ مولعاً بأكلها فابتاع منها كمية وأكلها وبعد لحظات شعر بمغص شديد وأخذ يئن من شدة الألم فاستدعى طبيباً، وبعد الفحص قرر الطبيب أنه مسموم، ولولم يسعفه الطبيب بالدواء لذهب الشيخ إلى رحمة ربه، وهكذا أراد الله تعالى للشيخ أن يعيش ليستمر في تأدية رسالة الإسلام. وفي مدينة بوقور هاجم جماعة من العلويين وأنصارهم الشيخ عبد العزيز الكويتي ضيف إندونيسيا ومؤيد الحركة الإرشادية الحرة وضربوه بآلة حادة في رأسه ولكن عناية الله أحاطت به وأنقذته من الموت.) [1165].

 وهناك حادثة أخرى ذكرها ابن عبيد الله وهو يتحدث عن حاكم تريم، فيقول: (وكان ينكر بطبعه غلوا القبوريين، فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعليق بوحيد عصره، وفريد دهره، مقدم الجماعة، وشيخ الصناعة، الذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم، العلامة الجليل السيد أبي بكر بن عبد الله الهندوان، المتوفى بتريم سنة 1248هـ، وقد اتهمه العلويون بأنه هو الذي يعلم عبدالله عوض غرامة آراء الوهابية، ويحثه على الالتزام بها، ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتاله، فهرب إلى بيت جبير)[1166].

 وأما الإمام الشوكاني فقد طالت شكواه من الخصوم الجهلة والمتعصبة القبورية وغيرهم وذكر أنواعاً من الأذى الذي حاولوا أن يلحقوه به وبغيره من دعاة السنة والتوحيد، فقال - رحمه الله -: (ومن عجيب ما أشرحه لك أنه كان في درس الجامع بعد صلاة العشاء الآخرة في صحيح البخاري يحضره من أهل العلم الذين مقصدهم الرواية وإثبات السمع جماعة، ويحضره من عامة الناس جمع جم لقصد الاستفادة بالحضور، فسمع ذلك وزير رافضي من وزراء الدولة وكانت له صولة وقبول كلمة بحيث لا يخالفه أحد وله تعلق بأمر الأجناد، فحمله ذلك على أن استدعى رجلاً من المساعدين له في مذهبه فنصب له كرسياً في مسجد من مساجد صنعاء، بمكان يسرج له الشمع الكثير في ذلك المسجد حتى يصير عجباً من العجب فتسامع به الناس وقصدوا إليه من كل جانب لقصد الفرجة والنظر إلى ما لا عهد به، والرجل الذي على الكرسي يملي عليهم في كل وقت ما يتضمن الثلب لجماعة من الصحابة صانهم الله، ثم لم يكتف ذلك الوزير بذلك حتى أغرى جماعة من الأجناد من العبيد وغيرهم بالوصول إليَّ لقصد الفتنة، فوصلوا وصلاة العشاء الآخرة قائمة ودخلوا الجامع على هيئة منكرة وشاهدتهم عند وصولهم، فلما فرغت الصلاة قال لي جماعة من معارفي إنه يحسن ترك الإملاء تلك الليلة في البخاري فلم تطب نفسي بذلك، واستعنت بالله وتوكلت عليه، وقعدت في المكان المعتاد، وقد حضر بعض التلاميذ وبعضهم لم يحضر تلك الليلة لمَّا شاهدَ وصول أولئك الأجناد، ولما عقدت الدرس وأخذت في الإملاء رأيت أولئك يدورون حول الحلقة من جانب إلى جانب ويقعقعون بالسلاح ويضربون سلاح بعضهم في بعض، ثم ذهبوا ولم يقع شيء بمعونة الله تعالى وفضله ووقايته. ثم أن ذلك الوزير أكثر السعاية إلى المقام الإمامي هو ومن يوافقه في هواه ويطابقه في اعتقاده من أعوان الدولة واستعانوا برسائل بعضها من علماء السوء، وبعضها من جماعة من المقصرين الذين يظنهم من لا خبرة له في عداد أهل العلم. وحاصل ما في تلك الرسائل إني قد أردت تبديل مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأنه إذا لم يتدارك ذلك الخليفة بطل مذهب آبائه ونحو هذا من العبارات المفتراة والكلمات الخشنة والأكاذيب الملفقة. ولقد وقفت على رسالة منها لبعض أهل العلم ممن جمعني وإياه طلب العلم ونظمنا جميعاً عقد المودة وسابق الألفة فرأيته يقول فيها مخاطباً لإمام العصر: إن الذي ينبغي له ويجب عليه أن يأمر جماعة يكبسون منزلي ويهجمون مسكني، ويأخذون ما فيه من الكتب المتضمنة لما يوجب العقوبة من الاجتهادات المخالفة للمذهب، فلما وقفت على ذلك قضيت منه العجب، ولولا أن تلك الرسالة بخطه المعروف لديَّ لما صدقت، وفيها من هذا الزور والبهت الكلمات الفظيعة شيء كثير، وهي في نحو ثلاثة كراريس،وعند تحرير هذه الأحرف قد انتقم الله منه فشَّردَه أمام العصر إلى جزيرة من جزائر البحر مقروناً في السلاسل بجماعة من السوقة وأهل الحرف الدنيئة وأهلكه الله في تلك الجزيرة، ولا يظلم ربك أحداً) [1167].

 

المطلب الرابع: تشويه صورة الخصم بالإشاعات الكاذبة:

 هذا مسلك لأهل الباطل قديم، فأعداء الرسل قد استخدموه وقريش قد أكثرت منه لتشويه صورة النبي r فقالت " ساحر " و"شاعر " و" مجنون " و: كذاب " و)إنما يعلمه بشر ( [1168] الخ تلك الألقاب الكاذبة والإشاعات المغرضة المضللة، ومازال ذلك شأنهم مع العلماء القائمين مقام النبي r والوارثين له، وهو نفسه يتكرر مع علماء اليمن ودعاته كلما واجهوا جهّال ومنحرفي قومهم في سائر أنحاء اليمن، فأئمة التجديد قد عانوا أشد المعاناة من ذلك المسلك الظالم لدى خصومهم، وعبروا عنه بأساليب مختلفة، يقول العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير حاكياً ما لقيه من متعصبة عصره: (وإني لما تمسكت بعروة السنن الوثيقة، وسلكت سنن الطريقة العتيقة، تناولتني الألسنة البذيئة من أعداء السنة النبوية، ونسبوني إلى دعوى في العلم كبيرة، وأمور غير ذلك كثيرة حرصاً على ألا يُتَّبَع ما دعوت إليه من العمل بسنة سيد المرسلين والخلفاء الراشدين والسلف الصالحين، فصبرت على الأذى وعلمت أن الناس مازالوا هكذا:

ما سلم الله من بريته ولا نبي الهدى فكيف أنا) [1169]

 ثم جاء دور المقبلي ولقي من الأذى ما لقي حتى أنه حين قال بيته المشهور:

قبَّح الإلهُ مفرِّقاً بين الصحابة والقرابة

أجابه أحد غلاة الزيدية فقال:

 أطرق كرا يامقبلي فلأنت أحقر من ذبابة

وقال الآخر:

 المقبـلي ناصـبي أعــمى الشقا بصره

 فرق ما بين الـنبي وأخـيـه حيــدره

 لا تعجبوا من بغضه للعــترة المـطهـرة

 فأمـه مـعرفــة لكن أبــوه نكـره [1170]

 والبيت الأول فيه وقاحة وخسة، والأبيات الأخرى فيها قذف له ولأمه. وقد أعرب الإمام العلامة محمد بن إسماعيل عن ذلك وشكى منه أمر الشكوى قال في قصيدته النجدية:

 وأقبح من كل ابتداع سمعــته وأنكاه للقلـب الموفـق للرشــد

 مذاهب من رام الخلاف لبعضها يعض بأنياب الأسـاود والأســد

يصب عليه سوط ذم وغــيبة ويجفوه من قـد كان يهواه عن عمد

 ويعزى إليه كـل مالا يقــوله لتنقيصه عند التهامي والنجــدي

 فيرميه أهل الرفض بالنصب فرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد

 وليس له ذنب سوى أنه غــدا يتابع قول الله في الحل والعـــقد

 ويتبع أقوال النبي محمــــد وهل غيره بالله في الشرع من يهدي

 لئن عدّه الجهال ذنباً فحــبذا به حبذا يوم انفرادي في لحــديد [1171]

 وأما الشوكاني فقد جمع إلى همه هموم المتقدمين عليه، وشكى مما أصابه وأصابهم وحل به وبهم، وهو لاشك أصدق تعبيراً فالنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، وقد تقدم كلامه في المطلب الثالث فأرجع إلية

 وعندما نشب الخلاف بين العلويين وأصحاب الإرشاد في إندونيسيا تفنن العلويون في تشويه سمعتهم وإطلاق الألقاب المنفرة عليهم فكان مما أطلقوا عليهم من ألقاب: (أنهم وهابيون، ونصارى، وأنهم يعملون ضد مصالح هولندا وإنجلترا والقعيطي والكثيري، وأنهم خوارج يبغضون أهل البيت) [1172].

 وهذه عبارة مقتطعة من رسالة محمد بن أحمد المحضار إلى يافع في منطقة " يومي أيو " في إندونيسيا يقول أثناءها عن أحد الإرشاديين: (وصل عندكم باعشر العشير وحمار الحمير وخنزير الخنازير قطعوا حباله وصفعه بالنكير وخبث الحديد ما يصفيه إلا الكير وشنوا النكير) [1173]. وقد وصفوهم في رسالتهم إلى شريف مكة بما يلي: (وينهون إلى مقامكم السامي أنها نجمت من مدة قريبة من الخوارج في هذه البلاد، عقيدتها بغض أهل البيت الطاهر وتحقير النبي r وبث الدسائس وإيقاد الفتن، ولهم من النشرات الجمة ما يبين خبيث قصدهم)[1174] هذه شذرات مما صدر عن القوم من تشويه وطعن لخصومهم.

 ------------------------------

[1107] العسجد المسبوك ص (56) ، وانظر : قرة العيون ص (173-174).

[1108]  النور السافر ص( 59 ).

[1109]  بئر في مسجد الجند يسمى بذلك .

[1110]  المفضل والي الصليحين على الجند .

[1111]  ابن المصوع أحد فقهاء أهل السنة ثار في جماعة على أخي المفضل أحد أمراء الصليحين فقتلوه واستولوا مدة على قصره ثم أمسك بهم .

[1112]  السلوك ( 1/263 ) .

[1113] تاريخ الإرشاد في إندونيسيا ص( 22- 23 ) تأليف صلاح عبد القادر البكري ، الإدارة المركزية لجمعية الإرشاد الإسلامي، جاكرتا - إندونوسيا ط الأولى ( 1992 م ) .

[1114]  كنوز السعادة ص( 374 – 375 ) .

[1115] كذا في الأصل.

[1116]  سورة الحجر ( 2 ) .

[1117]  المشرع ( 1/167 ) .

[1118]  الطبقات ص(390 ) .

[1119]  تذكير الناس ص( 125 ).

[1120] الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم لعبدالله بن علوي الحداد ص(41 )،طبع مطبعة المدني بالقاهرة سنة (1388هـ - 1968 م)

[1121]  تقدم تعريف الخرافة في الباب الثاني ص ( 364 )

[1122]الشعوذة : خفة في اليد وأخذ كالسحر ، يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين ، وهو مُشعْوِذ ، ومشعوَذ . انظر:القاموس المحيط ص(427 ) .

[1123]  المشرع (1/200-201 ) .

[1124]  المصدر السابق (2/242).

[1125]  المصدر السابق ( 2/242-243 ) .

[1126]  انظر : ص (  235  ) .

[1127]  وانظر أيضاً : طبقات الخواص ص(73 )  .

[1128]  تذكير الناس ص( 129-130 ) . و انظر: تاج الأعراس ( 1/ 342-343 ) .

[1129]  المشرع ( 1/200) .

[1130]  انظر ما تقدم ص ( 351 ) .

[1131]  في الأصل ( الأنذال ) وهو غلط واضح وقد صححه كذلك عبدالله الحبشي عند نقله في الصوفية والفقهاء ( 74 ) .

[1132]  كذا هو يتبع ، وهو محتمل ، ومحتمل أن يكون ( ينفع ) هو الصحيح

[1133]  كشف الغطاء ص( 218 ) .

[1134]  آخر ملوك الأيوبيين في اليمن .

[1135]  العسجد ص( 192 ) .

[1136] التصوف في تهامة ص (119) ، الصوفية والفقهاء ص (45-46).

[1137]  الطبقات ص(47 -48).

[1138]  البدر الطالع ( 1/139 ) وسيأتي كلام الشوكاني كاملاً في هذا المطلب .

[1139]  تاريخ الدولة الكثيرية ص( 36 ) .

[1140]  موقع بالقرب بضة بوادي دوعن .

[1141]  الشامل ص( 163 ) .

[1142]  المصدر السابق ص( 165 – 166 ) .

[1143]  المصدر السابق ص( 166 ) .

[1144]  العقود اللؤلؤية (1/302 ) .

[1145]  البدر الطالع (1/139 – 140 ) وقد ذكر طرفاً من قصة صالح المصري الخزرجي في العقود اللؤلؤية ( 2/225 ) في حوادث سنة ( 797هـ ) ، وعبد الله الحبشي في الصوفية والفقهاء ص( 118 ) .

[1146]  تاريخ الإرشاد ص( 79 ) .

[1147]  المصدر السابق ص( 81 ) .

[1148]  المصدر السابق ص( 84 ) .

[1149]  تاريخ الإرشاد ص(121).

[1150]  المصدر السابق ص(82-83) .

[1151] قد يقول قائل : وأنت فعلت نفس الشيء ، فذكرت ما صدر عن العلويين ، ولم تذكر ما صدر عن الإرشاديين . قلت :       لا سواء ، فالكاف مؤرخ لحضرموت ومن المفترض أن يكون عادلاً منصفاً لكل أهل حضرموت ، وأما أنا فقد حددت منهجي وهو الكلام عن الصوفية فقط ناقداً وكاشفاً عن حقيقتها ، ولست مجرد مؤرخ ناقل للأحداث .

[1152]  تاريخ الدولة الكثيرية ص( 115-116 ) . وانظر : جواهر تاريخ الأحقاف (ج2/218-219)..تأليف العلامة محمد بن علي بن عوض باحنان,طبع مكتبة الفجالة الجديدة ، القاهرة (1382هـ-1963م).

[1153]  انظر: ( 1/ 174 ) و ( 1/ 230 – 231 ) و ( 1/ 234 )

[1154] تاج الأعراس ص(233-234).

[1155]  المصدر السابق (1/ 234 ) .

[1156]  البدر الطالع (2/5) .

[1157] إدام القوت ص(122-123) الحلقة (40) المنشور في مجلة العرب .

[1158]  مولى الكثيب هو أبو بكر بن سالم صاحب عينات سمي مولى الكثيب لأنه عندما قربت وفاته حاول بعضهم أن يستخلفه فأبى وقال : ( إذا ما لحقنا حد متأهل با نطرحه في كثيب عينات ) فاشتهر الكثيب منذ ذلك الوقت وقالوا عنه أنه ترياق مجرب ودواء ناجع للأمراض المستحكمة المعدية ) ... الخ، انظر:الجواهر في مناقب الشيخ أبي بكر تاج الأكابر ص ( 117 ) .

[1159]  قوله : "قدهم حقه" أي إنما هم حقه أي ملكه وهذه العبارة كثيراً ما يطلقها السادة على أتباعهم والمتعلقين بهم أنهم حقهم أو فقراؤهم أو عسكرهم وهكذا .

[1160]  تاريخ الإرشاد ص( 118 – 119 ) .

[1161] انظر : هذه العبارة وقارنها بكلام دعاتهم اليوم الذين يقولون إنهم موافقون لخصومهم بأن من أعتقد الضر والنفع لغير الله فهو مشرك فأي نفع أعظم من هذه الضمانة باستمرار السلوك على سبيل النبي r .

[1162] تاريخ الإرشاد ص( 119 – 120 ) .

[1163]  المصدر السابق ( 120 ) .

[1164] تقدم في هذا المبحث .

[1165]  تاريخ الإرشاد ص( 135 ) .

 [1166] إدام القوت ص(122).الحلقة (40) من مجلة العرب .

[1167] أدب الطلب ص ( 32-33 )للإمام محمد بن علي الشوكاني ، تحقيق مركز الدراسات والأبحاث اليمنية صنعاء .

[1168]  النحل ( 103 ) .

[1169]  من مقال محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم و القواصم للقاضي إسماعيل الأكوع( 1/21-22 )  .

[1170]  هجر العلم ( 1/271 ) .

[1171]  ديوان الأمير الصنعاني ص( 167 ) طبع منشورات المدينة الطبعة الثانية ( 1407هـ - 1986 م ).

[1172]  الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية في حضرموت ص ( 152 ) .

[1173]  تاريخ الإرشاد ص ( 120 ) .

[1174]  المصدر السابق ص ( 82 ) .

 


الرجوع للصفحة الرئيسية