الفصل الثاني
موقف علماء اليمن من القبورية وبيان جهودهم المشكورة في مواجهتها
المبحث الثالث
الردود الوارده على القبورية في كتب الفنون المختلفة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الردود على القبورية في كتب التاريخ:
إن جميع من له إدراك وفهم - ولوكان بسيطاً - يدرك بسهولة ضلالات القبورية وانحرافاتها، وقد تناثر نقد العلماء وردهم على تلك الضلالات والخرافات في ثنايا ماكتبوا من شتى الفنون، وأنقل إليك جملة مما ظفرت به من كلامهم:
فمن المؤرخين القاضي العلامة محمد بن علي الأكوع رحمه الله يقول في مقدمة السلوك للجندي منتقداً عليه شدة ولوعه بتتبع الكرامات والزيارات ومايقال عن المقابر وما لها من فضائل: (ومؤرخنا رحمه الله ولوع بشدة وبشكل جدي وكبير بذكر كرامات الأولياء والمنامات والمرائي الخلابة التي هي أغرب من الخيال وتلحق بقسم المستحيل وبحديث خرافة.
وكان يصدر أحكامه بتلك الكرامات عن عقيدة راسخة لاتقبل الجدل والمناقشة وعن نفس مؤمنة بذلك خصوصاً إذا تلقاها عن الثقات فإنها تصير عنده من القطعيات.
والحق أن أكثرها بالخرافات أشبه وبخرق العادات اعلق،وبالبله السذج ألصق، لأن البعض منها يخرجها عن حد المعقول إلى حيز المحال والتجديف، على أنا لاننحي باللائمة على مؤرخنا الجندي الذي انساق وراء هذه العاطفة الروحانية الزايفة لأن الوسط الذي كان يعيش فيه الجندي كان ملغماً بهذه الخرافات،ومنغمساً في هذا الجو القدسي في نظرهم كما سبقه إلى هذا غيره، وسير الأئمة وغيرهم مليئة بهذه الحكايات.
خدعة الملوك:
ومما يستغرب أن الملوك والرؤساء انجرفوا وراء هذه الظاهرة ومع السواد الأعظم وفي هذا المسار كما يحكي لنا الجندي في بعدة مواقف عن ملوك عصره ومن قبلهم.
وأعتقد جازماً أن انسياق الملوك والرؤساء وراء هذه الروحانية الزائفة "خدعة سياسية" لاتمت إلى عقيدتهم بصلة،كيف لا وبعض الملوك مهزوز العقيدة مضطرب في الإلهيات. وإنما يقصدون من وراء ذلك تضليل العامة وجعلهم في متاهة الجهالات وحتى يبتعدوا عن تتبع مساوئ الحكام والبحث عن كبائر جرائمهم وقد يكون البعض منهم صادقاً في ذلك والله من وراء العلم.
ويبدو أن هذه الظاهرة وهذه البلوى عمت جميع الأقطار الإسلامية، وما السيد البدوي والدسوقي والسيدة زينب وأضرابهم في القطر المصري والشيخ عبدالقادر الجيلاني والبسطامي وغيرهم في بغداد والنابلسي وابن عربي بالشام وقل في المغرب العربي وإفريقية المسلمة وإيران وغير ذلك إلا من هذا القبيل.
أما كرامة أولياء بلادنا اليمن الأعلى فهم الأولياء المسلحون الذين يحملون السيف والرمح ويجالدون على الإمامة ويقاتلون دونها، وذلك مثل الإمام الهادي والإمام أحمد بن الحسين صاحب ذي بين وسيل الليل أحمد حسن وغيرهم، والعجب أن تخرج من ثنايا هذا الصراع الدموي كرامات وعجائب وغرائب. وتعليل هذه الظاهرة والموجه العارمة التي نزلت في بلاد الإسلام، هو ابتعاد المسلمين عن روح الدين الحنيف الصحيح الذي جاء عن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وأتباعه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وبما أدخله أعداء الإسلام من الشوائب والبدع التي صدأت جوهره الصافي النقي وولدت مثل هذه القضايا وكانت سبباً لتأخر المسلمين كما قيل.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم((لتتبعن سنن من قبلـكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه))[1] هذا وليس هنا بسط القول عن هذه المسألة، فمن شاء معرفة ذلك فعليه بكتب ابن تيمية وكتب تلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى، وفي كتاب الله جل شأنه مافيه مقنع، وحسـبنا ذلك) [2]. وهكذا نرى هذا العلامة المؤرخ ينتقد هذه الظواهر، ويحللها، وبيبن موقف الحكام منها، ويربط بين تبنيهم لها وسياسة الملك التي يعمبلون على تثببيتها وأنهم ما جاروا القبورية إلا للاستفادة منهم في ذلك.
المؤرخ الثاني: القاضي العلامة إسماعليل بن علي الأكوع وهو أخو القاضي محمد وقد تعرض للقبورية في عدة مواضع من كتابه "هجر العلم "منها ما في بيت الفقيه في ترجمة "أحمد بن موسى بن العجيل "حيث قال في معرض الترجمة: (وكان على قبره تابوت وقبة أزالهما الإمام أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين سنة 1348هـ حينما كان ولياً للعهد بعد أن تغلب على معارضة قبيلة الزرانيق -التي كانت تعرف من قبل بالمعازبة - لامتداد نفوذ الإمام يحيى إلى بلادها، ودخولها تحت حكمه.كما أزال الإمام أحمد كذلك التابوت من على قبر أحمد بن علوان في يَفْرُس من ناحية جبل حبشي سنة 1362هـ لاعتقاد جهلة العامة في صاحبي القبرين الضر والنفع، وتالله لقد أحسن الإمام أحمد صنعاً في كلتا الحالين ولو أن يده امتدت إلى سائر القباب والتوابيت الأخرى التي يعتقد عامة الناس في أصحابها الضر والنفع لأجزل الله مثوبته وأحسن إليه، ولاسيما القبور التي يلتمس عندها العامة الخير والبركة، ويرجون منها النفع،ودفع الضر والشر)[3]، ثم ذكر كلام الشوكاني في وصف قبة الإمام "أحمد بن الحسين " نقلاً عن الدر النضيد وتقدم ذلك النقل [4]، ثم ذكر رسالتين مهمتين لإمامين من أئمة الزيدية يأمران فيهما ببناء مشاهد على قبور بعض المقربين إليهما ثم قال حفظه الله: (وكان الواجب على الإمام أحمد هدم القبور التي يلتمس العامة منها الخير والبركة امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب t بهدم القبور، كما ورد في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: " قال لي علي بن أبي طالب t ألا أبعثك علىمابعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته "[5]. وأفضل التشيع بالإمام علي رضي الله عنه الاقتداء به، والعمل بسيرته التي هي مقتبسة من سيرة المشرّع العظيم رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم إذ لايكفي المحبة باللسان والمخالفة في العمل) [6].
وفي ذي الجنان "قرية أحمد بن علوان " قال في ترجمة ابن علوان: (وقد فتن به العامة في عهده وبعد وفاته وحتى اليوم فقبره مقصود للزيارة وكنت أعتقد أن افتتان الناس به إنما حدث بعد وفاته)[7]، وبعد أن ذكر موضوعاً عن الزبيري وقصيدة له فيهدم قبر ابن علوان وستأتي إن شاء الله في موضعها ثم قال: (ولكن الأخ القاضي فضل بن علي الأرياني أطلعني على قصيدة لأحمد بن علوان تدل على أنه كان يدعي لنفسه أموراً خارقة للعادات، نذكرها هنا، ونذكر كذلك جواب الفقيه علي المقصري السرددي عليها ومن يطلع عليهما لا بد أن يحكم عليه بأنه كان يزعم لنفسه كرامات أختص بها وأن أتباع طريقته قد فتنوا به في حياته. نسأل الله الهداية والتوفيق إلى اتباع أحكام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي يرضاه)[8]. وهذا كله يدل على توجه الرجل وحرصه على سلامة المعتقدة ومقته للقبورية والقبوريين.
المؤرخ الثالث: الأستاذ صلاح البكري وهو من مؤرخي حضرموت المنتمين إلى جمعية الإرشاد بإندونيسيا وقد عنون في كتابه "تاريخ حضرموت السياسي" هذا العنوان " الخرافات " عدّد تحته الكثير من تلك الخرافات المتعلقة بالقبور وبالاعتقاد بالجن وتقديم ما يدفع شرهم من ذبائح أو كسر بيض على باب الدار لئلا يحتلها الجن وأبان من يقف وراء تلك الخرافات، ولا أطيل فهذا نص كلامه: (ولقد ابتنى بعض العلويين قباباً كثيرة لبعض موتاهم رحمهم الله، ووضعوا على أجداثهم التوابيت، ودعوا الناس لزيارتها، والتبرك بها، والتوسل إليها لقضاء الحاجات واستنزال البركات، وقد يوجد في القبة خزانة " تيحه " في داخلها إناءان: أحدهما للنقود والآخر للزيت الذي يقدمه المريـض لطلب الشفاء، وأقرباء الميت هم الذين يتمتعون بهذه القرابين والنذور، وقد يبالغ بعض المرضى في الضلال فيأكلون قليلاً من تراب ذلك القبر لطلب الشفاء، وإني لأذكر أني حينما كنت في حضرموت وأنا يومئذ لم أبلغ سن الرشد أصبت بحمى، فذهبت إلى قبة المرحوم عمر بن محمد الهدار العلوي الواقعة على مقربة من حوطة أحمد ناصر،وأكلت قليلاً من تراب قبره ’ وقبلت تابوته، وتوسلت إليه ليذهب الآلام، ويعيد إلي صحتي كاملة غير منقوصة، ووضعت في الخزانة أوقية وربعاً، وعدت إلى البيت وأنا أرتعد من حمى الورد، ومن حسن حظي أني في اليوم الثاني شفيت من مرضي، ولكن من سوء حظي أن ازداد اعتقادي في الهدار واعتمادي عليه من دون الله، فذهبت في الحال إلى السوق وابتعت رطلاً من زيت السمسم، ثم ذهبت إلى قبة الهدار، ووهبت له الزيت في الخزانة، وهكذا ذكرت صاحب القبة في السراء والضراء خفية وجهرة، وهو لاينفعني بشيء، ولم أذكر الله عزوجل، الذي هو أقرب إلي من حبل الوريد، وبيده كل شيء.
ويوجد في الروحانيين وبوجه أخص في العلويين من يصنع التمائم والعزائم للمرضى وغيرهم من طلاب الحاجات، ويبالغ بعض الدجالين من أصحاب السلطة الروحية فيسقون المريض ماءً ممزوجاً ببزاقهم للشفاء، ويتجرع هذا المريض " المغفل " ذلك البزاق القذر، وهو مسرور كل السرور متوهماً أن الشفاء آت لاريب فيه.
وهناك كتب ألفت ورسائل دونت كان لها أثرها السيء في عقلية الشعب، وتسميم أفكاره،وإفساد عقيدته، وفي مقدمة هذه الكتب " المشرع الروي " لصاحبه الشيخ محمدبن أبي بكر الشلي المشحون بالكفريات والخزعبلات، ثم كتاب: " الجوهر الشفاف " وغيرهما.
ويقسم كثير من الناس بالأضرحة ويخافونها إذا حنثوا في أيمانهم أكثر مما يخافون الله، فقد يطلب المشتكي من خصمه أن يقسم على ضريح مقدس خيراً من أن يقسم بالله أو بالقرآن، ويعتقدون أن لتلك الأضرحة قوة الانتقام إذا كان المقسم حانثاً، وأهم الأضرحة التي يقسمون بها هي:
المـــــكان |
الاســــم |
المــــــكان |
الاســـم |
عينات |
الشيخ أبو بكر بن سالم العلوي |
حوطة أحمد بن زين |
أحمد بن زين الحبشي العلوي |
قيدون |
سعيد بن عيسى العمودي |
تريم |
عبدالله العيدروس العلوي |
بضـة |
معروف باجمال |
حوطة أحمد ناصر |
عمر بن محمد الهدار العلوي |
الغرفة |
عيدروس بن عمر الجيشي العلوي |
المشهد |
علي بن حسن العطاس العلوي |
تريم |
عمر المحضار العلوي |
ذي أصبح |
حسن بن صالح البحر العلوي |
وفي زعمهم أنه إذا أراد الشخص أن يأتيه كساء من أبيه أو من أحد أقربائه المهاجره في جاوة أوفي غـيرها، فما عليه إلا أن يذهب إلى إحدى القباب ويقطع جزءاً صغيراً من ثوبه، ويربطة باللعاب، ويقذف به في الحائط، ولا تمضي سنة إلا وقد نال مطلوبة ولذلك تظهر الحيطان في بعض القباب كأنها مغطاة بطبقة من الورق المزخرف أو زينت بنقوش مختلفة الألوان.
وبعض المرضى وبالأخص إذا كان صغيراً يُطاف حوله حَمَل مراراً، ثم يقطع جزءً من أذنه ويعلقه في ذراع المريض، ويذبح ذلك الحمل ويوزع لحمه على الجيران بعد أن يأخذ الدجال الذي أشار لهم بتلك العملية جزءً كبيراً منه. وأول ما يعمله الشخص الذي يريد أن يبني بيتاً أن يدق أربعة أوتاد في البقعة التي سيبني فيها المنزل لطرد عين السوء،وذلك بعد أن أخذ رأي أحد الروحانيين، وعندما يتم بناء البيت يذبح حملاً على عتبته كما يفعل الفرنجة عند الاحتفال بإنزال السفينة لأول مرة في البحر بكسر زجاجة خمر، وفي بعض أجزاء حضرموت يذبح صاحب البيت شاة، ويأخذ من دمها بيده ويخضب الباب. وبعضهم في أثناء عملية البناء ويأكل البناؤون لحمها، ويريقون دمها على الحيطان، وعندما يدخل صاحب البيت لأول مرة يكسر بيضتين على عتبة الدار، وأخريين على الدرج، وأخريين عند الطابق العلوي) [9]
والمؤرخ الرابع: الذي نستشهد ببعض كلامه هو الأستاذ كرامه سليمان بامؤمن صاحب كتاب" الفكر والمجتمع في حضرموت" وهو كتاب حديث تناول موضوعاً مهماً جداً وجانباً حساساً من جوانب الحياة في حضرموت،هو جانب الفكر مرتبطاً بالمجتمع،وقد كشف أسراراً وأبان مخبآت لم يرق للبعض ظهورها ولذلك فالكتاب ومؤلفه مستهدفان بالتشهير وهذا أقل ما يمكن أن أقوله،وإلا فيمكن أن يكون أكثر من التشهير، وإليك نموذجاً واحداً من ألصق ما ا حتوى عليه الكتاب بموضوعنا "القبورية " قال - حفظه الله - تحت عنوان"نقد الفكر الصوفي ماله وماعليه": (الإنسان كما أشرنا سابقاً مكون من جسم وروح لايفترقان إلا عند الموت. والتوازن بين نشاطهما هو مادعا إليه الإسلام. والتصوف جنوح نحو نشاط الروح مقتبساً فلسفته من ثقافات الأمم السابقة للإسلام، خاصة الثقافة المسيحية التي سنت الرهبنة والتنسك والخلوة في الكهوف والأديرة، وترك طيبات الحياة المباحة كعدم الزواج عند الرهبان والراهبات قال الله تعالى: ] وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها["الحديد: 27 "، والاعتدال في التصوف قولاً وعملاً والإلتزام بالكتاب والسنة دون تأويل ومغالاة لا يخرج المتصوف عن عقيدته التوحيدية وشريعته الإسلامية. وكم من هؤلاء الصوفية المستقيمين قد عرفهم العالم الإسلامي واليمن وحضرموت.وقد وقفوا في وجه الغلو والانحراف الصوفي واستنكروا ما صدر من المغالين من شذوذ وانحراف ومحذور قولاً وعملاً. ومما يعقّد مشكلة التصوف الضعف البشري أمام حالات مذهلة تتراءى للمتصوفة فتفقدهم توازنهم ولايثبت إلا الراسخون في العلم والعقيدة. ولاسيما أن كثيراً من مثل هذه الأحوال وخوارق العادات تحصل للبر والفاجر وللمسلم وغير المسلم. ناهيك عن أن للشيطان أحابيله لغواية الإنسان كما أن للعلم والسحر دورهما في كثير مما يصوره بعض الصوفية أنه كرامات كما تستغل الصدف والفراسة للإدعاء بالكرامات. ولا تقتصر الخطورة في غلو الصوفية وانحرافاتهم وشذوذهم، عليهم أنفسهم فحسب فهذه أمرها سهل ومحصور. وإنما الخطر كل الخطر في التأثير على الناس والمجتمع وخاصة على العوام والسذّج لأنهم أكثر فئات المجتمع تأثراً وانصياعاً لمؤثرات الفكر الصوفي المنحرف. ويجب أن ننظر إلى المتصوف وأحواله حالة خاصة به وحده. أما أن يجعل من أحواله وتصرفاته منهاجاً يقتدى بها - وأمامنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحاب رسول الله والتابعين ومن اهتدى بهديهم- فهذا مما يجب أن لا يكون ولايصح إطلاقاً أن نجزىء القرآن الكريم والحديث الشريف الصحيح إلى ظاهر للعامة وباطن للخاصة يؤلون معاني ألفاظ القرآن الكريم كما نزلت من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألفاظ السنة كما تحدث بها الرسول صلى الله عليه وسلم لعامة المسلمين ويطلقون عليها علوم الشريعة وفي تقديرنا إن أخطر وأوسع ثغرة فكرية تهدد بنيان الإسلام وتشوه عقيدة المسلم هو هذا المدخل في تجزئة القرآن الكريم والسنة إلى ظاهر وباطن وإلى شريعة وحقيقة. ولا تقف الخطورة عند تجزئة الإسلام إلى منهاجين وعلمين أحدهما للخاصة والآخر للعامة،بل تتعداها إلى تقسيم المجتمع الإسلامي إلى طبقتين أو فئتين اجتماعيتين هما فئة التعالي وهي فئة الخاصة المحدودة في المجتمع وفئة الأتباع- وهي فئة العامة العريضة في المجتمع -, ويتمادى التمييز الاجتماعي في غيه عندما تكون فئة الخاصة هي المدبرة والمسيرة لحياة ومعاش وسعادة فئة العامة من خلال سلطتها الروحية المطلقة التي يمثلها الديوان المصرفي وجهازه التنفيذي الهرمي اللذان تطرقنا إليه فيما سبق.
وإذا رجعنا إلى آداب وتراث الفكر الصوفي الحضرمي؛ نجده مليئاً بحالات التصرف المطلق من قبل الأقطاب والأولياء والأحياء والأموات في حياة الناس من شفاء الأمراض، ورزق الأطفال، وغفران الذنوب، ورد الكوارث، وتأديب المتطاولين، وقتلهم أحياناً بالقدرة، واستئناف حياة الأموات من جديد واللقاء بالأحياء. يقول السيد علي بن حسن العطاس (من قام لله بالقدرة كلامه يتم). وهناك من يقول تأكيداً لمقولة العطاس هذه: (إن بعضهم كان يكلم الصوفي الشهير بدوعن الشيخ سعيد بن عيسى العمودي بعد موته ويشاوره). في أموره. كما يروي البعض الآخر أنه كان يخاطب الفقيه المقدم أمام قبره بل ويخرج الفقيه المقدم من قبره ليتناول مع زائره القهوة، ويتبادل أطراف الحديث.
إن عودة الروح مسألة قديمة وكان فراعنة مصر يعتقدون بعودة الروح إلى الجسد بعد الموت. ولهذا كانوا يهيئون مدافنهم كالأهرامات كل ما سيحتاجه الميت من أدوات ومأكولات وغيرها. ينما يروي لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن روح المؤمن بعد وفاته تُعَلَّق على[10] شجر الجنة ولا تعود إلى الجسد إلا عند البعث. وفي الواقع إن كيفية حياة الإنسان بين الموت والبعث وعلاقة الروح بالجسد وعذاب القبر ونعيمه، وتلاقي الأرواح هي من الغيبيات، ونكتفي بالتسليم بما جاء نصه في القرآن والحديث ولا نزيد. ويعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ورثه لعلماء ينفعون به الناس، وصدقة جارية تصدق بها قبل مماته، وابن صالح يدعو في حياته لأبيه الميت. إن التطرف في تمجيد الأولياء والأقطاب يؤذي الأولياء أنفسهم ويخرجهم عن بشريتهم. وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم من الغلو في الدين. أو طلب شيء منه لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ]قل إنما أنا بشرمثلكم يوحى ألي أنما إلهكم إله واحد [ "الكهف -110")[11].
ونقد المؤرخين لهذه العقائد والأعمال ليس مختصاً بمؤرخي أهل السنة والمعارضين للقبورية، ولكن بعض المؤرخين المحسوبين على القبوريين هم كذلك ينقدون هذه الأمور ويحذرون منها، وقد تقدم كلام المؤرخ العلوي علوي بن طاهر الحداد في مباحث الزيارات القبورية وقد كان شديد الانتقاد لهم مصرحاً بأن بعض تلك العقائد والأعمال هي كفر بالله تعالى فارجع إلى هناك [12].
المطلب الثاني الٍردود على القبورية التي جاءت على ألسنة الشعراء:
وهذا الباب واسع جداً فقد تفنن الشعراء في الرد على القبورية من جوانبها المختلفة، فمن ناقد لبعض العقائد، ومن ناقد لبعض البدع والأعمال كالسماع ونحوه، ومنهم من ينتقد المتظاهرين بالولاية ممن هم في الحقيقة من المحتالين على خلق الله، ومنهم من يصف القبور المعظمة وما يفعل عندها من مناكر وضلالات، وهذه بعض تلك القصائد:
وأبدأ بشاعر من شعراء حضرموت وكبير من كبرائها العلامة الشاعر الصوفي المتشيع أبوبكر بن شهاب الدين العلوي المتوفى سنة (1341هـ)، وله قصيدتان الأولى في كشف مخاريق من يدعي الولاية ويتظاهر بمظاهرها ويتقمص لباسها، ثم من وراء ذلك يختل الغافلين ويصطاد أموال الجاهلين، بل ويتعدى الأمر إلى النساء ومايفعل تجاههن باسم الدين والولاية.
قال جامع ديوانه (وقال نفع الله به في وصف دجاجلة المتصوفة بزماننا:
أو عالـم يقضـي بحكم فاصـل |
|
هل للغرائـب من حكيـم عاقـل |
||
في صـورة البشـر السوي الكامل |
|
أمِـنَ الذئاب المُعـط صنفٌ ناطق |
||
كـلا بل المفـتي أسـير السائـل |
|
أأقـول: كـلا والعيان مكـذبي |
||
جعلـوا التصـوف صنعة للداجـل |
|
معـط الذئاب الناطقات هم الأُلى |
||
صوفيـة مثل الفضيـل الفاضـل |
|
فترسمـوا برسومـه كي يحسبـوا |
||
مشـكاة نور الحـق نار الباطـل |
|
يضعـون للتمويـه والتغريـر في |
||
والطيلسـان يـدار فوق الكاهـل |
|
لبسـو العبايا والمسابـح والحـبى |
||
مـان التنسـك خدعة للجاهل [13] |
|
والمظهـرين الـبر والتقـوى وإد |
||
مـن لاعـب أو شـارب أو آكل |
|
و إذا خلـوا عكفـوا على شهواتهم |
||
حــان السماع ورقصه المتداول |
|
هجروا كتاب الله واستغنوا بألــ |
||
أوتـار تنعـش كل قلـب ذاهل |
|
زعماً بأن الطار والمزمار والـــ |
||
ذي مزهـر أو زامـر أو طابـل |
|
أيقــوم دين الله بالسفـهاء من |
||
مرمـى سـوى جمع الحطام الزائل |
|
بئس الطـوائف لا مـرام لهم ولا |
||
تـدرك غوائلـها لغيـر الفاتـل |
|
ولهــم حبائل لاجتلاب المال لم |
||
ودهاتهـم من كل صـل صائـل |
|
ويطــوف أطراف البلاد دعاتهم |
||
بيـع المـزاد ولـو بشـاة شائل |
|
ممن يبيــع ولايبـالـي دينــه |
||
مـع كل حاف يَحْفِـدون وناعل |
|
فـي كل واد لاتطيش ســهامهم |
||
خهم الغـوي ولو خرافـة هـازل |
|
ويذيع كل ما افترى من نعت شيـ |
||
جنـح الظـلام وزهـده في العاجل |
|
من صومـه وصلاتـه وقيامــه |
||
وقعـت ولا اتفقـت لساحر بابل |
|
يـروون عنـه خوارقاً للرسـل ما |
|
||
حلفـوا لسامـع إفكهم والقابـل |
|
ولأجـل نفـي الريب مهما حدثوا |
|
||
فـي سلـب ثـروة كل غر غافل |
|
وهنـالك الأسـتاذ يجهـد فكره |
|
||
ـع الصـيد يبدو مكثبـاً للنابل |
|
يترقـب الفرص التي فيها قطيــ |
|
||
أفعالـهـم مستـدرجـاً للفاعـل |
|
يثـني على أهـل الثراء مصـوبـاً |
|
||
مِ كـذا وبكـرٌ في الرعيل الواصل |
|
زيدٌ ربيعُ نَدى وعمروٌ في مقــا |
|
||
يحكيـه مـن إلهـام غيـب نازل |
|
ويشير رمـزاً في الحديـث بأن ما |
|
||
ومشـت عليـهم حيلـة المتحائل |
|
حتى إذا اعتقـدوا علـو مقامــه |
|
||
سـاً للتبرك فـي المقـر العائلـي |
|
غمـروه جـوداً واستزاروه التمـا |
|
||
يده الكريمـة فـوق بطـن الحامل |
|
ولمسحه رأس الصغيـر ووضعــه |
|
||
جعل البخيـل فريسـة للبــاذل |
|
ومتى تحكَّم مصلحـاً فـي حالة |
|
||
في القـوم بهـرة كل جمـع حافل |
|
وتـراه يصدع بالمواعـظ خاطباً |
|
||
متباكيـاً ليرق قلـب النــاكل |
|
يملـي زخـارف زوره متأوهـاً |
|
||
أخـرى ينــدد باللئيم الباخـل |
|
طوراً يـرغب في الثـواب وتارة |
|
||
مـلأىمن التبر الوفيـر الطائــل |
|
وإذا رأى في الجمــع من أكياسه |
|
||
منهـم تعـوذ كل غـول غائـل |
|
أوحى إلى أحـد الشياطـين الأُلى |
|
||
ـوخ تنل بـه أقصـى أماني الآمل |
|
فيقول: يامسكين زر شيخ الشيـ |
|
||
جـد وشغـل بالعبـادة شاغــل |
|
وإذا أتـى ألفـاه في المحـراب في |
|
||
أدخـل فأنت اليـوم أسعد داخل |
|
ويقـال بعـد الانتظار هـنيهةً: |
|
||
بالانتشال من الحضيض السافــل |
|
ولك البشـارة إن رزقـت ولاءه |
|
||
ـلاً يابـني ومرحبـاً بالواصـل |
|
فإذا تقدم قال شيـخ السوء أهـ |
|
||
ري سر هـذا الابتهـاج الحاصل |
|
إنـي لرؤيتك ابتهجت ولسـت أد |
|
||
سـر اتصـال بالأواصـر واغـل |
|
فلعل في لـوح السوابـق بيننــا |
|
||
نيـا علـى دعـة ولطف شامـل |
|
ولعـل حالك في أمور الدين والد |
|
||
تقـوى بـه وتقيـم ميـل المائـل |
|
إن كنـت محتاجاً فخـذ ما تبتغي |
|
||
ـك فنحن في كنف الرسول الكافل |
|
لا تخشَ إملاقاً علـيَّ ولا عليــ |
|
||
سحَـراً أعرتنـي غفوة المتـثاقـل |
|
أعلمتَ أني بعد ختم وظيفتـــي |
|
||
ـتسمـاً يقول وكان أصدق قائل |
|
فرأيته صلـى عليـه الله مبـــ |
|
||
ورعايتـي لمقيمكـم والراحــل |
|
أبشـر فأنـت وتابعوك بذمتــي |
|
||
ة المعـوزين وفي عظـاة الجاهــل |
|
نِـب عن نبيك في مواساة العفـا |
|
||
مـى والأيامـى والفقير العائـل |
|
جُد بالنوافل ما استطعت على اليتا |
|
||
|
ـحسـنى ولم يعبأ بعذل العـاذل |
|
خذ ما تشاء من امرىءٍ سبقت له الـ |
||
طول الحيـاة وفي الجنـان مخاللـي |
|
وأنا الضمين لمـن يعينك بالغنـى |
|
||
ممـزوجـة بزعـاف سـمٍّ قاتـل |
|
فيصدِّق المسكـين كاذبَ قصـة |
|
||
لسـداد ذي عـوزٍ ورفد أرامـل |
|
فيشـاطر الأستـاذ خالص تبـره |
|
||
إبليس لـم يطمع لها بممـاثــل |
|
ولكَـم لهـم في السر غامض حيلة |
|
||
أبَتِ المـروؤة شرحـها للناقــل |
|
ولهـم من الجنس اللطيـف لطائف |
|
||
ت فهـم أشـد بلادة من باقــل |
|
لكن على الأزواج عار المرســلا |
|
||
تعسـاً لهـم من خائـن ومخاتـل |
|
هـذي طرائقهـم وهـذا شأنهم |
|
||
إسـلام أربـاب السلوك الـعادل |
|
أفهكذا كانت طريق مشايخ الــ |
|
||
ـد الحبـر والشبلي أو كالشاذلي |
|
كالتستري وكالسري والكالجنـيـ |
|
||
وسحائـب الفيض العميم الهاطـل |
|
كلا وحاشى بل هم عمد الهـدى |
|
||
بربهـم من كل بـر عامـــل |
|
الزاهدون المتقون العارفــــون |
|
||
حضراتهم وخصومهـم في الآجـل |
|
وهـم البراء من الأُلى كذبـواعلى |
|
||
ذ من انتقامـك والعذاب الهائـل |
|
فإليك ربـي المشتكى وبك العيـا |
|
||
ـق الحق واصفح عن خطايا الخاطل |
|
واسمـح بإرشاد الجميع إلى طريـ |
|
||
والمرتضـى تعداد طش الوابــل |
|
وتغش بالرحمـات روح المصطفى |
|
||
وبنيهمـا مدد الوجـود الشامـل |
|
ضاعف صلاتك والسلام عليهمـا |
|
||
ش الشرك واندرست رسوم الباطل |
|
والصحب من بسيوفهم ثلت عرو |
|
||
وأناب عبـد في العتيـم الحائـل)[14] |
|
ما تاب ذو خطـأٍ وآب مفــرط |
|
||
وهذه القصيدة تجسد حال الكثير ممن يدعي الولاية على امتداد الأرض اليمنية، بل على امتداد البلاد الإسلامية وللأسف الشديد، وهؤلاء لاشك يخرجون من تحت عباءة المتصوفة والشيعة القبورية.
وهناك قصيدة أخرى لهذا الشاعر في نفس المعنى أضيفها هنا.
قال جامع ديوانه:(وقال
نفع الله به:
العـلم والمجد رضيـعا لــبان والجــهل يرمي ربّه بالهـــوان
لايدعي العلــم امرؤ جاهــل يخــاف أن يفضحه الامتــحان
و إن جرى البحث الشرودُ الجبانُ |
|
فهـو لـدى أشـكالـه باسـل |
العلـم نـور مشـرق في الجنـان |
|
بـلى يقـول الجاهـل المدعــي |
فـي القلـب لا لقلقـة باللسـان |
|
العلـم ســــر الله إلهـامـه |
ـكتـب وللأحكام فيـه البيـان |
|
العلـم إمـا ظاهـر وهو في الـ |
وهـو لديهـم واجـب أن يصان |
|
أو باطــن يعرفـه أهلــــه |
في أشـرف القسميـن رب العنان |
|
يومـي بما يملـي إلـي أنـــه |
بمثـل هـذا فالأمـان الأمــان |
|
وقـد علـت أصـوات أمثالـه |
ـغوغاء شكوى من رمـاه الزمـان |
|
نشكو إلـى الرحمـن من هذه الـ |
ء قـارىء همسـاً وذي طيلسـان |
|
مـن ماكـر ذي سبحـة أو مرا |
يلفـظ بالقـول الكثير المعــان |
|
ورامـز بالغيـب فـي حيلــة |
فـي الرمـي لايصطاد إلا السمان |
|
رواد صيـد كلهــم حــاذق |
ـكشف وتزوير المرائـي الحسـان |
|
شباكهم دعـوى الكرامات والـ |
وذاك يستخبــره بالعيـــان |
|
هـذا يـرى المختـار فـي نومه |
يحضـر فـي كـل مـكان وآن |
|
كأنـه مـن بعـض أتباعهـــم |
ـموتـى شقـي أو سعيـد فلان |
|
ومنهـم المخبـر عن بـرزخ الـ |
جماعـة رجـلاه مصـفرتـــان |
|
وقـد أرانـي الله شيخـاً لــه |
وطء حشيــش الجنـة الزعفران |
|
فقلـت: ماذا نابـه؟ قيل: مـن |
وجمعهـم للمـال من حيث كان |
|
أف لقـوم همهـم كيدهـــم |
يسكر من يشـرب خمـــر الدنان |
|
بالمـال تلقاهـم سكارى كمــا |
مُثْـرٍ رأوا تطهيـره بالختــــان |
|
إن أحــسن الظــن بتلبيسهـم |
مستقبل الدارين يعطـي الضمـان |
|
من كل ما الإنسـان يخشاه مـن |
باعـوه في الدنيـا قصور الجنـان |
|
وإن رأوا فـي عقلــه خفــةً |
فظنـه البلـه ثميـن الجمـــان |
|
وكـم وكـم قد موهوا زائفــاً |
ـع الغـوث والمفـزع والمستعان |
|
يارب يامنـان أنـت السريـــ |
إخـلاص والإعراض عن كل فان ـل المكـر والتـدليس كيلا يهان قلوبنا اغـسل كــل ريب وران مـن أشرقت من نوره الخافـقـان أمـالت الريح الغصون اللــدان)[15] |
|
وفـق رجـال الدين للصدق والـ ونـزه الإسـلام عـن غش أهـ واغفر ذنوب الكل واصفح ومـن وصـل أزكــىماتصلـي عـلى والآل أهـل المجد والصحـب مـا |
وللشاعر الأديب والعالم الثبت - مفتي حضرموت في زمانه والشاعر المبرز على أقرانه العلامة عبدالرحمن ابن عبيدالله السقاف - نقد لاذع وبيان ساطع في نقد دجاجلة الصوفية والمتاجرين بالولاية حسب تعبيره، إليك بعضاً منه وهو مقدمته لإحدى قصائده في الموضوع: (وقد اتفق لي في شرخ الشباب أن أفضت في درسي كجاري عادتي في النعي على الخرافيين وتفنيد مزاعمهم وأنكرت قول بعضهم: إن أتان الفقيه المقدّم - قدّس سره - كانت تعرج الى السماء وتأتي بخبرها طرفي النهار، مع أن البراق لا يقدر على ذلك، فلو أنها حضرت ليلة المعراج لأغنت عنه؛ لأن البراق لم يجاوز إيلياء على الأصح، وقول بعض آخر عن بعض العلويين: إنه كانت له زوجة شريفة مضى لحملها ستة أشهر فتزوج فلاحة، فنشزت الشريفة؛ فخيرها بين الرجوع أو يأخذ الحمل من بطنها إلى بطن الفلاحة، ولما أصرت فعل ما تهدَّدها به، وولدت الأخيرة لثلاثة أشهر من حين الدخول! وقول آخر أن أحد الأولياء مات عن زوجة صالحة من غير ولد فاشتد حزن تلك الصالحة وعظم وجدها عليه فكان يتردد عليها من ضريحه حتى أحَبَلها بعد موته، فجاءت بولد نسبوه إليه.!
وطالما أنكرتُ مثل هذه الأضاليل التي لها يتذمر الإسلام، وتنتكس الأعلام، وتكل عن عد شرها الأقلام، فما حصلتُ إلا على الملام، وذلك هو الذي استغرق جهدهم في تشويه سمعتي والتمضمض بعرضي والتقول عليّ والسعاية بي - لولا وقاية الله.
ومع هذا فلا يتظنّى امرؤ أني أحط من مراتب الأولياء السامية، أو أغمط من فضائلهم النامية، كلا والله فانني أتبرك بمواطئ أقدامهم وأتشرف بأن أعدّ في جملة خدّامهم، وبحمد الله قد حصل لي الحظ الأوفى من اعتنائهم، والنصيب الأكبر من صدق ولائهم، أولئك الذين لا اعتراض للشرع عليهم بحال. ولا للنقد في طريقهم أبداً مجال، ومن زعم أن بين الشريعة والحقيقة تخالفاً وقع في الضلال، وقد قال الشعراني سمعت المرصفي يقول: لا يكمل الرجل في مقام العلم والمعرفة حتى يرى الحقيقة مؤيدة للشريعة وأن التصوف ليس بأمر زائد على السنة المحمدية وإنما هو عينها، وقال سمعت الخواص يقول مراراً: ومن ظن أن الحقيقة تخالف الشريعة أوعكسه فقد جهل. انتهى.
وجاء عن غير واحد من العارفين أن الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول e، وقال: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء وقد أخلّ بحكم واحد من الشريعة فقولوا إنه زنديق، والأدلة في هذا عن الصوفية فضلاً عمن سواهم من الفقهاء لا يضبطها الحصر.
ولئن اشترط القشيري الحفظ للأولياء فالعصمة بالاتفاق لا تكون إلا للأنبياء، وقد أثر عن إمام دار الهجرة أنه كان دائماً يقول: كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر الأعطر.
ويعجبني من الآلوسي تأويله ما ذكره ابن عربي " الطائي" من حياة أربعة من الأنبياء وأنهم لايزالون في الأرض وقوله بعد ذلك ما معناه: حسب الشيخ منا أن نؤول كلامه حتى يتفق مع كلام الله تعالى وكلام رسوله e وأما العكس فمما لا سبيل إليه إذ الدين يصير بذلك لعبة لعّاب انتهى بمعناه)[16].
وقال في القصدة الرابعة عشرة: (وهذه في وصف بعض حال المموِّهين ووجوب الاعتماد على والإطراح لما عداها.
كأن ما فيه من درّ الكمال حصـى |
|
سوق الفضيلة في أيامنا رخصــا |
نمته أم حصان كابد الغصـصــا |
|
لا حظّ إلا لأبناء السفاح ومــن |
يلقون من قلة الأحرار والخلصــا |
|
ما زالت الناس قبلي يشتكون لـما |
ولم أجد غير وحش تلبس القمصـا |
|
واليوم أطلب إنسان فأعـــوزني |
أم لا فإشكال هذا الأمر قد عوصـا |
|
فهـل حقيقة هذا الجيل ثابــتـة |
والخير فيه على أعقابه نكـصــا |
|
ما للزمان قد استشرى الفساد بـه |
تفرح بآت ولا تحزن لمن شخصــا |
|
غنيمة المرء بعد الناس عنه فــلا |
فكم تنسك دجال ليقتنصــــا |
|
ولا يغرّك زي النسك من أحــد |
كأنه الرّوق لكن في امتداد عصــا |
|
يمشي الهويـنا بشئ في عمامتــه |
رقـطاء يغوي بها من عقله نقصــا |
|
كأنـما هو حــاو لا تفــارقه |
بذكرهم من صغار الأنفس الفرصـا |
|
ممـوّه يذكر الأخيار منتهـــزاً |
وربما اختلق الأخبار والقصـصــا |
|
يروي غريب كرامات بلا سـند |
ديناً قويماًمن الأوهام قـد خلصــا |
|
خلوا الخرافات والأحلام إن لـنا |
لكن عزائم صدق مازجت رخصـا |
|
مـا في شريعتنا وهم ولا شبــه |
من حاد عنها ولو قيد البنان عصـى |
|
وهـذه سيرة الهادي وسنتـــه |
أهل النهى قـد غدا من حبه قفصـا |
|
خير النبيين من شباكه لنـــهى |
غنّى الحمام وما بان النّقا رقصــا |
|
لـه وللمرتضى منّا التحية مـــا |
انضى الدليل بأنواعه الحدا القلصا)[17] |
|
وما هدي الركب بالريح النسيم وما |
الأستاذ الزبيري:
وللأستاذ الشاعر محمد محمود الزبيري مشاركة في نقد القبورية قالها حينما أمر الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بإزالة قبر ابن علوان وتسويته ونقل رفاته إلى مكان مجهول، فأهتبل الزبيري هذه الفرصة وأنشأ قصيدة طويلة مدح الإمام فيها ببيتين أو ثلاثة ثم أخذ في نقد القبورية فقال:
أو باعثـاً أممـاً أو هادماً صنمـا |
|
(كذلك المجـد إمـا رافعاً علمــاً |
مالو رأى جـده المختـار لابتسما |
|
يا مـن يجـدد من آثـار أمتــه |
وضعت فيه ذباب السيـف فالتأما |
|
جرح علـى كبـد الإسلام متسع |
بـأن مـن دينهـا أن تعبـد الوهما |
|
خديعـة للجماهيـر التي زعمـت |
ينهـى ويأمـر أنـى شـاء محتكما |
|
قالوا له كتـب في القبــر يكتبها |
أم أنــه اتخـذ القرطاس والقـلما |
|
فليت شعـري أسحـر ذاك يزعمه |
عرشـاً يدبـر فيه اللوح والأمما[18] |
|
أم أنـه اتخـذ القبر المقيـم بــه |
يسعـى بأكفانـه للعرش مستلمــا |
|
كاد ابن علوان إذ بَرَّدتَ مضجـعه |
ما كان وصاهـم فيها ولا علمــا |
|
يشكو إليك أناساً أحدثوا بدعــا |
هـول السؤال يخـاف الويل والنقما |
|
جاؤوه وهو رهين القـبر منتـظرٌ |
وقتـاً تضيع فيه الألسـن الكلـما |
|
يعتـد منطقه كـي يستجاب لـه |
صغيرةً فيـه فيمـا قـال أو زعمـا |
|
فبينما هو يخشـى هفوةً سلفـت |
جهـراً وتجعلـه ربـاً، وإن رغمـا |
|
إذا بـه يجـد الدهـماء تعبــده |
وبقـرع السـن مـن أعدائه ندمـا |
|
فظل يرجف من خوف ومن خجل |
إليـه لو أنـه أحيـى له قدمــا |
|
فكاد يهـرب من مـولاه معتذراً |
وكيـف أرضى ربـي عندك التهمـا |
|
ربّاه، إنيَ لم أرض الذي صنعوا!! |
إليك صيّرنـي أهـل الهـوى صنما |
|
قد عشت عبـداً فلما آن منقلبـي |
ترسمـوا الديـن والآيات والحكما |
|
ما كان أخلص توحيـدي لو أنهم |
عبادتي دون مـن أولاهـم النعمـا |
|
وكيـف تخلق حلقاً ثم أسألهــم |
ـقهـار تأخذ مـن ناواك واجترما |
|
وكيف أطلب حقاً أنت مالكه الـ |
أفلاك والشمس والأقمار والديمـا |
|
وكيف أجعل نفسي ندّ من خلق الـ |
للمـوت طعمـاً ولا ذاقـت له ألما |
|
لو كنت أدفع عن نفسي لما وجدت |
بـين التـراب وصارت جيفة ودمـا |
|
لو كنـت أزعمها ربـاً لما دفنت |
به الأناجـيل والقرآن والحكمــا |
|
ما كنـت آمرهم إلاّ بما أمــرت |
وكنـت أزجـر من ثنّى ومـن ظلما |
|
مادمت فيهم فقد كنت الشهيد لهم |
مـا يصنعون، وكنت الشاهد الحكما |
|
لما توفيتني كنـت الرقيب علــى |
نفسي وأعدل من جارى ومن حكما)[19] |
|
وأنت أعلم من نفسـي بما صنعت |
وقد أطال الزبيري الاعتذار عن ابن علوان وأنه غير راض عما يعمله الناس عند قبره، ولكن القاضي الأكوع كما سبق في المطلب الذي قبل هذا قد صرّح أنه وجد من كلام ابن علوان نفسه ما يدل على افتتان الناس به في حياته وادعائه تلك الخوارق التي تحمل الناس على التعلق به، وهذا شأن كثير من أقطاب الصوفية.
وفي نفس الحادث يقول الشاعر المناضل زيد الموشكي:
وهـذه "يفــرس " والمنــكر |
|
(ياعيـن هـذا الصنـم الأكبــر |
يعبــده العالــم لا يفتـــر |
|
هـذا ابـن علـوان وذا قبــره |
وقــد يفـوق الأول الآخـر)[20] |
|
ياعيـن هــذا هبـل آخـــر |
وأما علي أحمد باكثير الشاعر الكبير والأديب الشهير ففي مسرحيته " همام، أو في بلاد الأحقاف " قد شخص لنا الولي " ولي الله" الذي عرفه مجتمعه الحضرمي تلك الحقبة من الزمن الذي لم يبق علم ولا تصوف كما يصرح بذلك جمع من عقلاء تلك البلاد في ذلك الزمن، وإنما رسوم ومظاهر وراءها نفوس فارغة من الصلاح، وقلوب خاوية من الإيمان،وعقول مردت على الكيد والاحتيال،وياليت القوم كانوا عصابة سرقةٍ أو قطعِ طريق أو شبه عصابات " المافيا " إذن لهان الأمر إذ يوجد ذلك في كل مكان، ويأخذ الناس حذرهم منهم،وتتحمل السلطات مسؤولية ملاحقتهم، ولكن باسم الدين وباسم الولاية وباسم الكرامات هذا ما لا يطيقه مسلم عرف الإسلام، لذلك جاء نقد الأديب باكثير عنيفاً وفي صورة صارخة من السخرية والهزء بهذا النوع من الناس فاسمعه يصف الولي المحتال:
ة والأرديـــــة الخضـــر! |
|
(ولـــي الله ذو الـــحبو |
قــد أربــى علــى الشـبر![21] |
|
وذو والعمَّــــة المســواك |
ق فـي التسبيــح والذكـــر |
|
ورب السبحــة الغــــار |
ولا يذكــر فـــي الســـر |
|
بـهــا يذكــر فـي النـاس |
مـــن أتباعـــه الكُثـــر |
|
ومــن يمشــي بعكازيــن |
ض كالبــاحث عــن ســر)[22] |
|
يطـأطـىء رأسـه لــــلأر |
وبعد أن كشف باكثير عن شخصية الولي الحي الذي يعتقد الناس فيه الصلاح وهو يمكر بهم ويحتال عليهم، يتجه اتجاهاً آخر إلى ولي ميت وماذا يدور حول قبره وأثناء زيارته، وماذا يريد الناس منه، ثم ختم المشهد بغضب همام وثورته على هذه الخرافات وهذا الجهل والتجهيل،وقد صرح بذلك في وجه داعية الخرافة:
فهذا همام بطل المسرحية يسأل محمداً أحد أشخاصها قائلاً:
ن مــاذا كـان مـن أمــر؟ |
|
(محمــد هــات عـن قيــدو |
|
مــن عــرف ومــن نـكر؟ |
|
ومــا شاهــدت فـي الموسـم |
|
والتذكيـــــر والزجــــر؟ |
|
وهــل وفقـت فـي الإنــكار |
|
|
|
فيجيبه محمـــد: |
|
إلــى قيــــدون كالـــذر |
|
توافــى النــاس أفـواجـــاًً |
|
|
ومـــن راكبــة الحمـــر |
|
فمِـــن سـا عِيـَـة تمشــي |
|
تحاكــي ساحـــة الحشــر |
|
هنـاك السـاحـــة الكبــرى |
|
ومــن لغــو ومــن هــذر |
|
بـهـا ما شئـت مــن لهـــو |
|
مــن الآســـاد والعفــر! |
|
وقـــد غصــت بأشتــات |
|
الحليــة والأبــــــراد والخمـــر |
|
تبــارت ثــــم فـــــي |
|
أو بالنظـــر السحــــري!! |
|
وقـد يقتلـــن بالمعصــم |
|
إلــى منبلــج الفجــــر! |
|
مــن الظهـر إلــى العصــر |
|
وحسـب النـاس مـن خســر |
|
هنــاك الخســر فـي الديــن |
|
ـزيـارات ســوى التجـــر |
|
ولا يربــح فـي تــلك الــ |
|
فهــو الرابـــح المـثـري! |
|
وأمـــا ســـادن القبـــة |
|
س مـن حـب ومـن تمــــر |
|
تســاق لـــداره الأكيـــا |
|
ع مـــن ورق ومـن تبـــر! |
|
و " للصنــدوق " مــا يبــا |
|
|
* |
|
|
تداعــوا كضحــى النفــر |
|
ولمــا حضـــر الوقـــت |
|
ـخ بالطبــــل وبالزمــر |
|
وأمُّــوا نحـو قبـر الشيــــ |
|
جئنـــاك إلـى القبــــر! |
|
يصيحـــون ولــي اللـــه |
|
عنّـــا ثقــل الــــوزر |
|
أتينــاك لكــي تحمــــل |
|
علينـــا ضافــي الستـــر |
|
وكــي تسبــل ياقطــــب |
|
بهـا ياسيــدي تــــدري! |
|
وفــي الأنفــس حاجـــات |
|
ونحظـــى منــك بالســـر |
|
أتينــاك لكــي تقضــــى |
|
|
* |
|
|
داروا دورة الحمــــــــر |
|
ولمـــا وصلـــوا القبـــة |
|
ـعِ فـي التابـوت بالنقــــر |
|
وأهـــوت راح ذاك الجمــــ |
|
يصيـــب السمــع بالوقــر |
|
فــلا تسمــع إلاَّ مــــــا |
|
فــي الإخبــات والذكــر! |
النــاس |
هنــــاك النــاس غيـــر |
|
وهـــــذا دمعــه يجــري |
|
فهـــذا خاضــع شــــاك |
|
تستعصـــي علــىالصــدر! |
|
وهـــذا ينشــج النشجــة |
|
ة فــي أعضـائــه تسـري! |
|
وهـــذا يرعــد الرعـــد |
|
وهـــذا جــاء بالنــــذر |
|
وهـــذا ينـــذر النـــذر |
|
عطفــــاً علــى فقـــري |
سيــدي |
وهـــذا صـائــح يــــا |
|
علــى ضعفــي علـى ضـري |
|
علــى عجــزي وإهمــالـي |
|
بالزينــــــة والستــــر |
|
وقــدجُلِّلَــت القبــــة |
|
ر علقــت علــى الجــدر! |
|
وبيضــات مــن البلـــو |
|
إلــى زرق إلـــى خضــر |
|
فمــن حمــر إلـى صفــر |
|
مثــل الكوكــب الـــدري |
|
ومصبــاح كبيــر الضــوء |
|
جـــلال العتــق والقــدر[23] |
|
وللتابــوت معنــى مـــن |
|
فـــي مختلـــف العصــر! |
|
قــد اســود مـن التقبيـل |
|
فـــي أســـود كالحبـــر |
ضـــة |
عليـــه ضـــبب الفـــ |
|
ـج إذ تضـحـك مـن أمــر! |
|
فتبـــدو كثغــور الزنــ |
|
بالثغــــــر وبالنحــــر |
التقبـيـل |
فثـــــم الضـــــم و |
|
والجاريــــــة البكــــر |
الشــاب |
تــلاقـى فيــه دمعـــا |
|
|
* |
|
|
سكــون المـوج فـي البحــر |
|
ولمــا سكــن الجمــــع |
|
شقـاشــق فيهــم هـــدر |
|
تــراءى النــاس شيخــاً ذا |
|
ـنـأوا بالفــــوز والنصــر |
|
ينــادي أيهــا النـاس إهـ |
|
بنيــل الفضـــل والفخــر |
|
بهــذي النعمــة العظمــى |
|
وذي جـــود وذي بـــــر |
|
قصـدتـم بـاب ذي عطـف |
|
مــن زار بـــلا أجـــر! |
|
وأنَّ الشيـــخ لا يتــــرك |
|
فـي الســر وفــي الجهــر |
القصــد |
عليـــــكم بخلــــوص |
|
ب والخدمـــة والصبـــــر |
|
وبالتسليــــم للأقــــطا |
|
ــن بالصوفيـــة الغــــر |
|
وإيّــاكم وســـوء الظــ |
|
منــاط النهــي والأمــــر |
|
فأهــل الله هــم جــازوا |
|
ــف فـي البـر وفـي البـحر |
|
ملــوك لهــم التصــر يـ |
|
|
* |
|
|
تبا شيـــر مــن الكفــر[24] |
|
سمعنـا أن فــي (حــدرى) |
|
بـــلاه اللـــه مـن غــّر! |
|
تصــدى ناشــيء غـــر |
|
ق إذ يعنـــون بالشعـــــر |
|
يربــي الشعــر كالفســا |
|
ــم مــازاد علــى القــدر |
|
تلقــى مـن فنــون العلــ |
|
وجــاء النفــع بالضــــر |
|
فأغـــــــــواه وأرداه |
|
حميـــــم الأدب المـــزري |
|
ومــن شقوتـه استحلـــى |
ــأُ بالتهديـــد والزجـــر |
|
جـــرى القلــب لايعبــ |
ــل والعــلامــة الحبـــر |
|
يبــث الســم فـي الجا هــ |
ب أهــل المــدد الســري! |
|
يســيء الظـن بالأقطــــا |
ـهم يدعـــو إلــى الشــر |
|
لــه أتبـــاع ســوء كلـ |
|
* |
|
بــي الواسـع مـن صــدري |
|
هنــا قمــت وقـد ضــاق |
ءِ فــي عسكرهــا المجــــر |
|
ومــا باليــت بالغوغـــا |
ءِ يــا داعيـــة النكــــر |
|
وقلـت اسكـت عجـوز السـو |
ح! هـل تهـذي ولا تــدري؟ |
|
عـــدو الله والإصــــلا |
وتهجــو داعــي الخيــــر |
|
أتدعــو النـاس للنكــــر |
فــذا مــن شيعـة الغـــر |
|
فصــا ح الشيــخ غــولوه |
مـــن الجمهـــور بالفــر |
|
فلــــولا أن تســـللت |
ـجتـي بالضـرب والدفـــر [25] |
|
لكانــوا أعدمونــي مهـــ |
|
* |
|
همــام يضحـك ويقــوم إ لى محمــد ويضـرب علـى كتفيه: |
||
وقــاك اللــه مــن شــر |
|
حمــاك الله مــن ســـوء |
يـــوازي عظمــة شكــري |
|
لقــد قمــت مقامـــاً لا |
ح مــن عــزم ومـن صبـر!)[26] |
|
ولا بـــد لــذي الإصـلا |
هذه بعض القصائد في نقد القبورية العامة، وهناك قصائد أخرى كثيرة في هذا الباب ولكنني أكتفي بما سبق لئلا يطول هذا المطلب.
المطلب الثالث نقول عن بعض من يعتقدهم القبورية في نـقد عقائدهم وأعمالهم:
الباطل لايمكن الإجماع عليه لأنه لو حصل ذلك للبَّس على الناس دينهم ولبطلت خصيصة من خصائص هذه الأمة، وهو أنها " لا تجتمع على ضلالة "، فالطائفة المنصورة دائماً ظاهرة في مخالفة الباطل وإنكار المنكر في أي جانب كان.
وفوق ذلك فإن من المحبين لأهل الباطل الواثقين بهم المقلدين لهم من هو من أهل الخير والصلاح، ولو رجع إلى نفسه ودرس الأمر بعيداً عن المؤثرات لميز الحق من الباطل ولظهر له خطأ كثير مما استصوبه أصحابه، فلذلك عندما تتاح لهذا النوع من الناس تلك السوانح فإنهم يقتنصونها وتظهر على أقوالهم وأفعالهم، وهناك من هو متمكن في الضلال ولكن يأبى الله إلا أن يجري كلمة الحق على لسانه أو قلمه، فمن أجل ذلك كله عقد هذا المطلب لإيراد نماذج من تلك الفتاوى والتقريرات التي وردت إما من القبورية أو ممن هو محسوب من أنصارهم وأتباعهم من علماء وفقهاء اليمن، ولن أخوض في نوايا أولئك الناس أو أحكم عليهم بضلال أو هداية، إذ المقصود هنا فقط هو تأييد الحق الذي يعرفه أهل السنة، ويقررونه ويستدلون عليه بالأدلة الشرعية المعتمدة بما يقوله من يحسب القبورية أنه منهم أو من أنصارهم وأشياعهم.
النموذج الأول:
فتوى السيد عبدالله بن محفوظ الحداد مفتي ساحل حضرموت في زمنه [27] إذ سأله بعض أهالي تريم عن الاستغاثة بالأموات: وماحكم تلفظ القائل عند حدوث مكروه،مثل سقوط طفل: يالله ياشيخ سعيد أو يالله يامحضار، وأحياناً يقول: يامحضار احضر..... الخ.
فأجـاب: (الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد، إن مثل هذه العبارات من العبارات الشركية التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن قال: ماشاء الله وشئت: "أجعلتني لله نداً " وهذه الاستغاثات ممنوعة لأنها موهمة وتؤدي إلى خلل في العقيدة خصوصاً العامي الذي يعتقد أن لهؤلاء الأولياء تصرفاً وأنهم يحضرون عند الاستغاثه بهم – وإنما يستغاث بـ الله جل جلاله – لا بغيره من الملائكة أو الرسل أو الأولياء والصالحين فكل مما يجب منعه ومحاربته. ومع الأسف فإن هذه الألفاظ يكررها العوام، والعلماء يسمعون فلا ينهونهم ولا ينبهونهم على خطرها لأنها تتصل بالعقيدة. فالله هو النافع الضار المحيي المميت مالك الملك لاشريك له، ليس لأحد معه شرك ولا تصرف.
قال في " بغية المسترشدين ": " مسألة ك [28]" جعل الوسائط بين العبد وربه فإن صار يدعوهم كما يدعو الله في الأمور ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله فهو كفر، وإن كان نيته التوسل بهم إلى الله في قضاء مهماته مع الاعتقاد أن الله هو النافع الضار المؤثر في الأمور دون غيره، فالظاهر عدم كفره وإن كان فعله قبيحاً أ.هـ.
قلت: فإن قوله الظاهر عدم كفره أن ذلك حرام لأنه يؤدي إلى الكفر خصوصاً من العوام الذين أصبحوا يعلنون مثل ذلك في كلامهم وحتى عند الجنائز – فأهل السوق يقولون: يامحضار، وأهل النويدره يقولون: ياشهاب الدين – وهذا إن لم يكن كفراً صريحاً فهو قريب منه، ويجب على العلماء التنبيه عليه والتحذير منه ومنع إعلانه في المجتمعات كالجنائز ونحوها من الحريق وغيره، وليأخذوا بالسبيل القويم الأسلم. وإذا كنا نعذر بعض العلماء مما ورد في أشعارهم لأنهم علماء يعلمون مايقولون فإذا نادى ميتاً فإنما لأجل مدحه لا للاستغاثة به. وإن كان فيه استغاثة حملناه على المحمل السليم لعلمه، أما أن نترك العامة يأخذون الألفاظ ويعلنونها كأنها من الأذكار فهذا مالا يجوز قطعاً. والساكت عن الحق شيطان أخرس. والله المستعان) [29].
ولما انتشرت هذه الفتوى ومضت مدة لانتشارها شكك البعض فيها فعاد أحد طلابه إليه وذكر له ذلك فأصر على صواب تلك الفتوى، وأصدر فتوى أخرى فرق فيها بين الاستغاثة التي يحرمها ويعتبرها من الشرك وبين التوسل المعروف بالأولياء بأشخاصهم أو بأعمالهم وهو ممن يجيز التوسل، وهذا نص الفتوى الثانية:(إن المتوسل متوجه بطلبه إلى الله، وذكر المتوسل به على سبيل التحبب، وأما الاستغاثة فيمكن اعتبارها توسلاً ظنياً لمن يفهم وينوي طلب الدعاء، وإلاّ فإنها ممنوعة وبالذات للعوام الذين قد يعتقدون في المستغاث به القدرة على تحقيقها استقلالاً، ولهذا فهي محرمة على العوام وعلى إظهارها الفتوى بها، ونعذر العلماء الذين جاءت في أشعارهم لعلمنا بصحة عقيدتهم وأنهم إنما يقصدون التوسل بالمستغاث به وطلب دعائه) [30].
وهذه الفتوى وسابقتها للعلامة الحداد لم تصل إلى المستوى المطلوب أو لم تخلُ من بعض المآخذ ولكن المراد من إثباتها هنا إثبات أن مبدأ اعتبار الاستغاثة بغير الله شرك شائع ومعروف عند كل من خلع ربقة الهوى والتقليد ومن تعصب بدون بصيرة، وإن اختلفت العبارات وتفاوت مستوى التحقيق والتدقيق في الفتاوى.
ويقرب من ذلك ما قرره العلامة عبدالله بن أحمد باسودان - رحمه الله - وهو من أكابر فقهاء حضرموت في وقته، ومن المنطوين في السادة العلويين؛ بل يعتبر شيخاً للكثير منهم في كتابه "ذخيرة العباد شرح راتب الحداد " (وقد فشت في العامة اعتقادات فاسدة في أولياء الله، فإن مرضوا، قالوا: هذا صدر من فلان، وإن شفوا؛ قالوا: بركة سيدي فلان، فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم؛ حلفوا بهم ونذروا لهم من دون الله، واستشفوا بهم من دون الله، فإن أجرى الله سبحانه الوادي؛ قالوا: شيء لله يافلان، وإن قبض الله عليهم المطر؛ قالوا: قبضها فلان.. والله سبحانه القابض الباسط المحيي المميت وكل شيء بيده في ملك ملكوت، ولو ذهبنا لما في الكتاب والسنة من التحذير في ذلك لعرف الناس أنهم قد هلكوا، وأكثر هؤلاء بل كلهم أتباع الدجال نعوذ بالله من الضلال، ويقع من هؤلاء في زيارة قبور الأولياء أو غيرهم كثيرٌ من الجهالات والمآثم المتكررة، هذا ما قاله الشيخ عبدالخالق المزجاجي الزبيدي.) [31].
والمهم في هذا النقل قوله: (فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم حلفوا بهم ونذروا لهم من دون الله واستشفوا بهم من دون الله)، وهذا هو الرد الحاسم على المزايدين من المعاصرين، الذين يقولون: إن تلك الأفعال التي يفعلها العامة [32] إنما هي مجرد أعمال لاتقوم على اعتقاد ضر ولانفع، ولو صح أن هناك اعتقاد ضر أو نفع لقلنا بشركهم، فهذا العالم الذي تعتبرونه من أجل علمائكم يصرح بأن هذه الأعمال ما صدرت إلا عن اعتقاد.
أما نحن فنقول: إن مجرد فعل هذه الأعمال وصرفها لغير الله شرك ولولم يصحبه اعتقاد وانظر ما قرره الإمام الشوكاني رحمه الله في هذه المسألة في الدر النضيد. [33]
ويشبه ذلك - أيضاً - ما نقله علوي بن طاهر الحداد عن " الإمام " الحداد المشهور " عبدالله بن علوي " حيث قال: (وأما الغلو في الأولياء فسببه الجهل وقلة المعرفة بعقائد الدين وقد ينتهي ببعض الناس إلى أن يثبت لهم القدرة على الضر والنفع كما يثبت لله عزوجل، وهذا انتكاس على أم الرأس وفقد لحقيقة الإيمان والإسلام: قال الإمام العارف بالله محيي الطريق وداعي الفريق الحبيب عبدالله بن علوي الحداد العلوي: التصرف الحقيقي الذي هو التأثير والخلق والإيجاد لله تعالى وحده لاشريك له ولا تأثير للولي ولا غيره في شي قط لاحياً ولاميتاً، فمن اعتقد أن للولي أو غيره تأثيراً في شيء فهو كافر بالله تعالى انتهى). [34]
وهو كالذي قبله يثبت أن للعامة اعتقاداً منحرفاً في الأولياء بفقد حقيقة الإيمان والإسلام وأن (من اعتقد أن للولي أوغيره تأثيراً في شيء فهو كافر بالله تعالى)
وفي مسألة الذبح لغير الله قال العلامة عبدالرحمن المشهور في "بغية المسترشدين " " مسألة ب"[35]: (القنيص المعروف بحضرموت من أكبر البدع المنكرات والدواهي المخزيات، لكونه خارجاً عن مطلوبات الشرع، ولم يكن في زمن سيد المرسلين والصحابة والتابعين صلى الله عليه وسلم أجمعين، ومن بعدهم من الأئمة ولم يرجع إلى أساس ولم يبن على قياس، بل من تسويلات الرجيم وتهويسات ذي الفعل الذميم والعقل الغير المستقيم؛ لأن من عاداتهم أنه إذا امتنع عليهم قتل الصيد قالوا: بكم ذيم. [36] فيذبحون رأس غنم على الطوع - يعني العود الذي تمسك به الشبكة - تطهيراً للقنيص من كل شك ووسواس فالذبح على هذه الصفة لايعجل قتل مالم يَحْضُر أجله، إذ الأجل كالرزق والسعادة والشقاوة له حدّ ووقت مقدر كما قال تعالى: ] لكل أجل كتاب [ [37]، وفي الحديث: " فرغ الله من أربع: من الخلق والأجل والرزق والخلق " ثم الذبح علىمثل هذه الحالة يتنوع إلى ثلاثة أمور: إما أن يقصد به التقرب إلى ربه، ولم يشرك معه أحداً من الخلق، طامعاً في رضاه وقربه وهذا حسن لابأس به، وإما أن يقصد به التقرب لغير الله تعالى كما يتقرب إليه معظماً له كتعظيم الله كالذبح المذكور بتقدير كونه شيئاً يتقرب إليه ويعول في زوال الذيم عليه فهذا كفر والذبيحة ميتة، وإما أن لا يقصد ذا ولا ذا بل يذبحه على نحو الطوع معتقداً أن ذلك الذبح على تلك الكيفية مزيل للمانع المذكور، من غير اعتقاد أمر آخر فهذا ليس بكفر ولكنه حرام والمذبوح ميتة أيضاً وهذا هو الذي يظهر من حال العوام؛ كما عرف بالاستقراء من أفعالهم، كما مقت هذه الصور الثلاث أبو مخرمة فيمن يذبح للجن)[38] والشاهد في النص اعتبار الذبح لغير الله على سبيل التعظيم شرك بالله تعالى، وتصريح هؤلاء الثلاثة العلماء الكبار به وهم من مشاهير علماء حضرموت المحسوبين من قدوات الصوفية:بامخرمة، وبافقيه،والمشهور.
وفي نفس الموضوع يقول ابن عبيدالله مفتي حضرموت في وقته: (ولنضرب مثلاً بأولياء الرحمن فإن من استخف حقهم وأنكر خصوصيتهم اقتحم الغلط وأتى بأكبر شطط ومن طلب منهم مالا يطلب إلا من جبار السماوات واعتقد أن لهم تأثيراً من دون الله فقد وقع في صريح الإشراك)[39].
وفي الحلف بغير الله يقول عبدالله بن حسين بن طاهر: (وأحذركم الحلف بالله في جميع شؤونكم (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم)[40]، وأما الحلف بالآباء والجدود وبكل مخلوق - وإن عظم - فهو محذور ويختلف الحكم فيه باختلاف المقصود فبعض صوره قادح في التوحيد ومادون ذلك فمكروه؛ للنهي الشديد وأشدّ من ذلك الحلف بالأمانة فالمحتاط من كف عن ذلك لسانه)[41]
والشاهد جعله بعض صور الحلف قادحاً في التوحيد ولعله يقصد إذا قصد الحالف تعظيم المحلوف به.
وهذا ظاهر عند الذين يصرون على ألا يقبلوا الحلف إلا بالولي ويرفضون الحلف بالله وكذلك الذين يتهيبون من الحلف بالولي ولا يتهيبون الحلف بالله
وفي النذر قد سبق ما قاله العلامة أبو بكر الخطيب وموضع الشاهد قوله: (أقول وأنت خبير بأن العامي الجاهل الصرف يخفى عليه ملاحظة أن هذا التصدق لايعتقد إلا في القرب ومعرفة ما هو قربة، فليتنبه لما يجيئون به للولي أو قبره أو مشهده وهو ميت فإن الغالب أنهم يقصدون به تعظيم ذات الولي أو قبره أو مشهده وذلك باطل؛ كما تقدم والله أعلم بالصواب)[42]، أقول والذي تقدم قوله: (الذي تحصل للفقير من كلام أئمتنا الشافعية - رحمهم الله تعالى - ملخصاً من كلام طويل لهم في مثل هذه المسألة أن ما تصدق به على النبي أو الولي الميتين أو على قبرهما أو مشهدهما مثلاً سواءاً كان بنذر أو وقف، ومثل ذلك الأمل[43] المعروف بالجهة عندنا أنه قصد به تمليك الميت أو القبر أو المشهد بطل؛ لعدم صحة تمليك من ذكر وكذا لو نوى بذلك التقرب إلى من ذكر؛ لأن القرب إنما يتقرب بها إلى الله تعالى لا إلى خلقه ومثل ذلك ما إذا كان المتصدق به شمعاً أو زيتاً، ومثله السليط والقاز عندنا وقصد به الإسراج للتنوير تعظيماً للبقعة أو القبرأو التقرب إلى من دفن فيها أونسبت إليه كما يعتقده بعض العامة فإنهم يعتقدون أن لهذه الأماكن خصوصيات بنفسها ويرون أن التصدق عليها مما يندفع به البلاء..) [44] أقول واضح من هذا النقل أن هذا الفقيه يوافق في قوله هذا القول الصحيح من أن النذرلغير الله شرك إذا كان عن اعتقاد في المنذورله، وهذا على قول من يجعل النذر بمعنى الهبة أو العطية، وأما من يقول إن النذر لايسمى نذراً إلا إذا كان عبادة؛ فإنه يكون النذر - على قولهم - وعلى من نذر على هذا الوجه - شركاً ولولم يصحبه تعظيم.
يقول السيد عبدالرحمن المشهور في التفريق بين الكرامة والسحر والإشارة إلى أن بعض من يدعي الولاية قد يكون من السحرة المشعوذين والتنصيص على بعض المجاذيب من أتباع الرفاعي أو أحمدبن علوان أن بعضهم إنما يفعل ذلك بطريق السحر وتأكيده على أن الكرامة لا تكون على يد فاسق ولا يتعلم من حصلت على يده سببها ولا يسعى إليها وأن من التشبه بأصحاب الكرامات من ليسوا منهم من يستعملون الجان يقول في ذلك كله: "مسألة ى" [45] (خوارق العادة على أربعة أقسام: المعجزة المقرونة بدعوى النبوة المعجوز عن معارضتها الحاصلة بغير اكتساب وتعلم،والكرامة وهي ما تظهر على يد كامل المتابعة لنبيه من غير تعلم ومباشرة أعمال مخصوصة، وتنقسم إلى ما هو إرهاص وهو ما يظهر على يد النبي قبل دعوى النبوة، وما هو معونة وهو ما يظهر على يد المؤمن الذي لم يفسق ولم يفتر به‘ والاستدراج وهو مايظهر على يد الفاسق المغتر، والسحر وهو ما يحصل بتعلم ومباشرة سبب على يد فاسق، أو كافر، كالشعوذة وهي خفة اليد بالأعمال وحمل الحيات ولدغها له، واللعب بالنار من غير تأثير، والطلاسم والتعزيمات المحرمة، واستخدام الجان وغير ذلك. إذا عرفت ذلك علمت أن ما يتعاطاه الذين يضربون صدورهم بدبوس أو سكين أو يطعنون أعينهم أو يحملون النار أو يأكلونها وينتمون إلى سيدي أحمد الرفاعي أو سيدي أحمد بن علوان أو غيرهما من الأولياء أنهم إن كانوا مستقيمين على الشريعة قائمين بالأوامر تاركين للمناهي عالمين بالغرض العيني من العلم عاملين به لم يتعلموا السبب المحصل لهذا العمل فهو من حيز الكرامة وإلا فهو من حيز السحر إذ الإجماع منعقد على أن الكرامة لا تظهر على يد فاسق وأنها لاتحصل بتعلم أقوال وأعمال وأن ما يظهر على يد الفاسق من الخوارق من السحر المحرم تعلمه وتعليمه وفعله ويجب زجر فاعله ومدعيه، ومتى حكمنا بأنه سحر وضلال حرم التفرج عليه؛ إذ القاعدة أن التفرج على الحرام حرام؛ كدخول محل الصور المحرمة، وحرم المال المأخوذ عليه، والفرق بين معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء وبين نحو السحر أن السحر والطلسمات والسيمياء وجميع هذه الأمور ليس فيها شيء من خوارق العادة؛ بل جرت بترتيب مسببات على أسباب، غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس، بخلاف المعجزة والكرامة فليس لهما سبيل في العادة، وإن السحر مختص بمن عمل له، حتى أن أهل هذه الحرف إذا طلب منهم الملوك مثلاً صنعتها طلبوا منهم أن يكتب لهم أسماء من يحضر ذلك المجلس فيصنعون ذلك إن سمي لهم فلو حضر آخر لم ير شيئاً وأن قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي المحتفّة بالأنبياء والأولياء من الفضل والشرف وحس الخلق والصدق والحياء والزهد والفتوة وترك الرذائل وكمال العلم وصلاح العمل وغيرهما، والساحر على الضد من ذلك) [46].
وهذا تفصيل حسن لخوارق العادات وتمييز للمعجزة عن الكرامة من الاستدراج والسحر. والفائدة الكبيرة والقاعدة العظيمة التي تجلي الفرق بين الكرامة والسحر، أن الكرامة لا تكون بتعلم لما يحدث ذلك الأمر فإن كان ذلك الخارق ناتجاً عن سبب ظاهر وتعلم له، كان الخارق من حيز السحر لا من حيز الكرامة ولو أننا مع الصوفية جميعاً وقفنا عند هذه القاعدة وطبقناها تطبيقاً حاسماً وسليماً لاتضح أن معظم ما تطفح به كتب الصوفية في مناقب أوليائهم مما صح نسبته إليهم من باب السحر لا من باب الكرامة لأن جماعات منهم اشتهروا أو ثبت عنهم تعلم السمياء أو علم الحروف وذلك من السحر كما في هذا النقل وغيره، فمن ثبت أنه عالم بذلك مستعمل له فاسم الفسق قد وقع عليه، ثم ذلك الخارق قد أصبح صادراً عن تعلم فانتفى أن يكون من حيز الكرامة ولم يبق إلا أن يكون من حيز السحر وكذلك من يتعاطى الرياضة التي هي في صورة عبادات لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم فإن تلك الرياضة سبب يتوصل به إلى إظهار خوارق للعادات، وقد نص الشعراني على أن بعض النصابين يمارسون الرياضات ليوهموا الناس أنهم من الأولياء ذوي الكرامات [47]
فاتضح أن هناك فارقين أساسيين بين الكرامة والسحر أوالاستدراج وهما: التعلم واتخاذ الأسباب، فمتى وجد هذا الفرق حكم على الخارق بأنه سحر، ولو كان على يد من يظهر عليه سيما الصلاح؛ لأنه قد يكون في الباطن بخلاف ذلك. وأما الفرق الثاني: وهو الاستقامة للكرامة، والفسق للسحر والاستدراج؛ فإنه قد تحايل عليه الصوفية ولم يبق له أثر لديهم ولا لدي أتباعهم؛ حيث قرروا أصلاً خطيراً وهو أن الولي يتجزأ ويظهر بمظاهر مختلفة وأن ما تراه لديه مما ظاهره الفسق فإنه في الباطن شيء آخر، بل إن الخمر إذا رأيته يشربها فإما أنها خمر لَدُنِّية من الحضرة الربانية وإما أنها مشروب آخر ظهر لمصلحة في صورة الخمر، وكل ذلك قد ضربت عليه أمثلة،وأيضاً نقلت عنهم كيف يعتذرون لمن لم ير يصلي قط وأنه فحص فظهر أن له عشر صور، صورة واحدة هي التي رآها المعترض لا تصلي بينما تسع صور دائبة في العبادة وصدقهم من رأى ذلك ونقل الحادث على أنه كرامة من أشهر وأكبر كرامات ذلك الولي. فلنتأمل هذا الفرق ثم نحكم بموجبه على كل خارق من الخوارق على يد من كان من الناس.
شهادة حــق من أصحاب وحــدة الوجــود:
قلت في مبحث سابق إنني لم أجد لعلماء حضرموت قولاً فاصلاً واضحاً في أصحاب وحدة الوجود مع عموم إحسان الظن بهم واعتبارهم من الأولياء، ولكني اطلعت أخيراً على نقل نقله علوي بن طاهر الحداد عن الشيخين الشافعيين الشهاب الرملي وابن حجر المكي يدل على أنه موافق لها فيه، وهذا النقل مهم جداً خصوصاً عن ابن حجر المكي الذي اشتهر عنه التأويل لأصحاب وحدة الوجود يقول الحداد:
(وسئل الشيخ أحمد الرملي عن القائل بوحدة الوجود فقال: يقتل هذا المرتد وترمى جيفته للكلاب؛ لأن قوله هذا لايقبل تأويلاً. وكفره أشد من كفر اليهود والنصارى، واستحسن الشيخ ابن حجر منه هذه الفتوى، وكان قبل ذلك يتمحل لبعض المتصـوفة القائلين بها ويؤول كلامهم فرجع عن التأويل.) [48]
وأخيراً طعنة من الحداد في صميم دعاوى قومه:
قال جامع كتاب النفائس العلوية في المسائل الصوفية: (وسأله بعض الأصحاب أيضاً عن الكبش الذي يعتاد أهل الغيل تركه في بيوتهم ويسمونه مسايراً. فأجاب رضي الله عنه ونفعنا به: أما الكبش الذي يعتاد تركه أهل الغيل في بيوتهم ويسمونه " مسايراً " وكلما ذهب أبدلوه بغيره. فهذا والعياذ بالله من الشرك بالله والشرك ظلم عظيم،وهو وأمثاله سبب تسلط الشيطان وجنوده على العاملين به. فإن الله تعالى قد سلط الشيطان على من يتبعه من بني آدم، وهذا من الاتباع له قال الله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سبلطان إلا من اتبعك من الغاويين)[49])[50] موضع الشاهد أنه جعل اتخاذ هذا الكبش شركاً. ومن المعلوم ضرورة أن متخذه لم يعتقد أنه يضر وينفع من دون الله قطعاً؛ لأنه يعرف هذا الكبش ويعرف حقيقته ومن أين جاء، وكيف يموت وينتهي، ومع ذلك كان اتخاذه شركاً. إذن فكيف لايكون من يدعو غير الله مشركاً إلا إن كان يعتقد استقلاله بالضر والنفع من دون الله، وصورة الدعاء لغير الله أظهر في الإشراك من صورة اتخاذ هذا الكبش؟
المطلب الرابع: فتاوى وبيانات جماعية للتحذير من عقائد وأعمال القبورية:
لكي يعلم القاريء الكريم أن موقف علماء اليمن المعاصرين هو موقف أسلافهم الكرام الرافض للقبورية بعقائدها وأعمالها، أسوق في هذا المطلب عدداً من الفتاوى والبيانات الجماعية، التي انتقد كاتبوها والموقعون عليها أعمالاً من أعمال القبورية أو أيدوا خلافها وهي تتناول البناء على القبور وبعض الزيارات والشعائر القبورية وادعاء علم الغيب.
الفتوى الأولى: كانت رداً على سؤال بعث به أحد القائمين على بعض القباب في جهة تهامة ونص السؤال هو: (ماقولكم سادتي العلماء رضي الله عنكم في قضية عظيمة الخطر هي مايمارس الناس من أعمال،فهم يقربون الذبائح إلى القبور وينذرون لها ويذبحون لها ويستعيذون بها ويعتقدون فيها النفع والضر والحياة والموت " ورأس برأس " فهل هذا يرضاه الإسلام ياعلماء الإسلام، وهل ارتفاع القبور والقباب من الإسلام في شيء، وهل يؤجر عليها فاعله،فأنا منصوب قبة الشيخ داود بن الزين والناس يأتون إلي بريالات وكباش وعجلان وأشياء أخرى يقولون هذه حق الشيخ داود وإذا نهيتهم قالوا الولي سيضرك،أولئك كانوا يعملون ويقبلون، فلماذا لا تسير على ما ساروا عليه، قولوا لنا كلمة الإسلام في الموضوع - وفقكم الله -، والسائل مستفيد وهناك قباب كثيرة ومناصيب أخرى والعمل هو العمل ويأتي جهلة بدوان ويقومون بحركات ورعشات،أفتونا لا خلا عنكم الوجود؟
وقد جاءت الفتوى هكذا (الحمد لله حيث كان الحال ماشرحه السائل، فالتقرب بالذبائح إلى القبور والأولياء والإستعانة بهم والنذر لهم دائر بين أمرين خطيرين، إما كفر بواح، وإما وسيلة إلى الكفر، ذلك أنه إذا صدر هذا الفعل الشنيع ممن نشأ في دار الإسلام عالماً بأحكام الشرع في مثل هذا معتقداً النفع والضر من الولي يكفر فاعله، فتجري عليه أحكام الردة جميعها وإن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ في غير دار الإسلام،أو في دار الإسلام نائياً عن أماكن المعرفة، فيكون هذا الفعل في حقه وسيلة من وسائل الكفر، فيجب تعليمه وتبيين الأدلة له وإقامة الحجة عليه فإن انتهى بعد ذلك منها وإلا فحكمه أن يكفر.
فعلى كل يجب على ولاة الأمر الردع من مثل هذه الأمور والأخذ بيد من حديد، لكل مـن يقـدم على هذا المنكر الفظيع ولو أدى ذلك إلى هدم القباب الموضوعة على القبور سداً للذرائع،هذا مـا نعتقده في هذا الموضوع والله على ما نقول وكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
وقد كتب الفتوى أحد كبار علماء زبيد المعاصرين وهو الشيخ أسد بن حمزة بن عبدالقادر وصادق عليها جمع من علماء زبيد وغيرها، ومنهم: محمد بن محمد بن سليمان الأهدل، محمد بن علي البطاح الأهدل، أحمد بن عبدالقهار بن صالح، محمد بن عبد الجليل العزي، عبدالجليل بن علي خليل، محمد ابن عبدالله بازي، محمد بن عيدروس علوي، عبد المجيد بن عزيز الزنداني، عمر بن أحمد سيف، علي ابن محمد واصل، حامد بن مختار شرف، محمد بن أحمد كديش " عضو محكمة الحديدة التجارية "، محمد بن علي مكرم، حسين بن محمد عثمان الوصابي، أحمد بن عبدالله سعيد الضافري، عبدالله بن قاسم الوشلي، أحمد بن محمد عامر، وعلي بن محمد الوشلي، محمد بن محمد عزيز القديمي، وإبراهيم ابن حسين صائم الدهر، عبدالرحمن الوشلي، عبدالرحمن بن عبدالله الأهدل، هذة الأسماء التي تبيَّنْتُها وهناك أسماء لم أتبيّنها.
وقد علق حاكم زبيد السابق – رحمه الله – عبدالله الأنباري على الفتوى فقال: (أنا أقرر ما قرره الأئمة السادة العلماء بمنع كل بدعة قبيحة تخالف منهج الشريعة المطهرة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فالضر والنفع بيدالله سبحانه وتعالى، والذبح لغير الله لايجوز، ومن ثبت تعاطيه لذلك فيمنع ويضبط حتى يتوب. وفق الله الجميع لخدمة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهدية وجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم وصلى الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.)[51]
الفتوى الثانية:كما وزعت فتوى أخرى على شكل ملصق علق في المساجد وغيرها يحتوي على فتوى مقاربة للفتوى السابقة ملخصة من مجموع ما أفتى به العلماء، وإليك نص السؤال وملخص الجواب:
نص السؤال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإن في بلادنا قبور رجال صالحين، مرفوعة ببناء فوق الأرض، فيها حفرة صغيرة، بداخلها تراب يتبرك به ويستشفى به، وتقام لهذه القبور زيارات سنوية موسمية في شهر رجب الحرام وغيره،، يذبح فيها الكباش لأصحاب القبور، ويجتمع عندها الرجال والنساء والباعة والألعاب، ويحتفل بهذه الزيارات كالاحتفال بيوم العيد، وتهان فيها القبور أيما إهانة.
فما هو قول السادة العلماء والأئمة الفضلاء في رفع القبور بالبناء؟ وما حكم هذه الزيارات؟ وهل هي الزيارات الشرعية التي حث عليها أبو القاسم محمد e؟ أفتونا مأجورين. نفع الله بكم الإسلام والمسلمين.
وقد تفضل أصحاب الفضيلة العلماء بالإجابة على هذا الاستفتاء. ننشر هنا خلاصة إجاباتهم:
أولاً: أوضح العلماء في فتاواهم على أنه لا أحد من الخلق لا ملك ولا نبي ولا ولي يضر أو ينفع، وأن الأموات لا ينفعون الأحياء ولا يغنون عنهم من الله شيئاً بل الأموات بحاجة إلى دعاء الأحياء لهم، والاستغفار لهم، وإذا كان سيد الأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك ذلك غيره ممن هو دونه، وعليه فلا يجوز اعتقاد النفع والضر في أصحاب القبور مطلقاً،لأنه من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام.
ثانياً: أوضح العلماء أن شد الرحال إلى القبور بدعة محدثة منكرة وقد جاء الشرع بالنهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
ثالثاً: أكد العلماء على حرمة رفع القبور أكثر من شبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب:((لاتدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)) أخرجه مسلم.
رابعــاً: أكد العلماء على حرمة البناء على القبور مطلقاً، وتجصيصها، والكتابة عليها، والقعود عليها، لحديث جابر بن عبدال له: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد على القبر،وأن يجصص أو يبنى عليه)) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وفي رواية: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتـب على القبر شيء)) أخرجه أبو داود وابن ماجه.
خامساً: بيّن العلماء الفرق بين الزيارة الشرعية للقبور، التي تكون للعظة، والاعتبار، وتذكر الآخرة، والدعاء والاستغفار للميت. وبين الزيارات البدعية والشركية التي يتقرب فيها إلى أصحاب القبور، بالذبائح،والنذور، والاستغاثات، وما إلى ذلك من أمور الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام،وأن هذه الأمور لا تكون إلا لله Uوحده لا شريك له، لقوله تعالى: ] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [ ولقوله تعالى: ] فصـل لـــربك وانحـر [ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) أخرجه مسلم.
سادســاً: أكد العلماء على أن وضع حفرة على القبر وجعل التراب فيها للتبرك والاستشفاء به من وسائل الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.
سابعــاً: أكد العلماء على تحريم، وخطورة ما يجري في هذه الزيارات، من الاختلاط بين الرجال، والنساء،وخروج الباعة، والطبول، ومايجره من الفتن، والفواحش والموبقات، علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم:((لعن زوَّرات القبور)) أخرجه أحمد والترمذي.
ثامنــاً: أوضح العلماء تحريم تخصيص شهر من السنة، لزيارات قبور الأولياء، خاصة في شهر رجب الحرام، وأن ذلك وسيلة من وسائل الشرك، الذي لايغفره الله U- إن مات صاحبه عليه - لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تجعلوا قبري عيداً)) أخرجه أبو داود.
وإليك أسماء بعض العلماء والمشايخ الذين أفتوا ووقعوا على هذه الفتوى.
(1) محمد بن إسماعيل العمراني (2) مقبل بن هادي الوادعي (3) د. إبراهيم القريبي (4) د. عبدالوهاب الديلمي (5) محمد الصادق مغلس (6) عبد المجيد الزنداني (7) عبدالعزيز الدبعي (8) عبدالمحسن ثابت (9) عبدالمجيد الريمي (10) عقيل المقطري (11) محمد بن عبدالوهاب الوصابي (12) د. أحمد محمد زبيلة (13) أحمد حسن المعلم (14) إسماعيل العنسي (15) محمـد المهـدي (16) عبدالرحمن ابن عبدالله شميلة (17) حسين بن محفوظ (18) عمر أحمد سيـف (19) عبدالقادر الشيباني (20) صالح الوادعي (21) طارق عبدالواسـع (22) عبدالله الحاشدي (23) ناصر الكريمي (24) عيسى شريف (25) أحمـد حسـان (26) علي بارويس (27) علي بن فتيني (28) عبدالله الحميري (29) أحمـد أهيـف (30) أميـن جعفـر (31) عمّار ناشــر (32) محمد الوادعـي (33) عـارف أنـور (34) علي مقبول الأهدل (35) محمد سالم الزبيدي (36) محمد سعد الحطامي (37) حسن صغير الأهدل (38) مراد القدسي (39) إسماعيل عبد الباري (40) حسـن الزومـي (41) حاكم زبيد عبدالكريم النعماني (42) محمد المعمـري (43) عبدالله فيصل الأهدل (44) عمر سقيــم.
الفتوى الثالثة: نص السؤال: ما حكم الشرع في هذه النتيجة التي يصدرها هذا الرجل، والتي يذكر فيها ما سيحدث للأشخاص والبلدان، وكذلك مختلف الأحداث والتغيرات السياسية والاقتصادية والكوارث وغير ذلك، معتمداً كما يقول على علم الجفر والنجوم وغيرها؟ وهل يجوز إصدارها أو بيعها وشراؤها؟
وقد تفضل أصحاب الفضيلة بالإجابة عن التساؤل، ننشر هنا خلاصة تلك الإجابات، آملين أن نتمكن مستقبلاً من نشر إجابات العلماء مفصلة.. والله الموفق.
ركز العلماء على أن عمل هذا الرجل هو ادعاء لعلم الغيب، وأن من أصول العقيدة الإسلامية المقررة عند أهل الملة أن الله استأثر بعلم الغيب فلا يعلمه أحد سواه، وأدلة ذلك جدّ كثيرة، ومنها:
1- قوله تعالى:] قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ["النمل 65"
2- وقوله تعالى: ] وما كان الله ليطلعكم علــــــى الغيب ولكــــــن الله يجتبي مـــــن رسله مــــن يشاء [ "آل عمران179"
3- وقوله تعالى: ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. [ "الأنعام 59 ".
4- وقوله تعالى: ] ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله [ " يونس 20 ".
5- وقوله تعالى: ] ولله غيب السموات والأرض [ " النحل 77 ".
6- وقوله تعالى: ] عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً [ "الجن 26 ".
وعلى هذا فعلم الغيب محجوب عن جميع الخلق، بما في ذلك الملائكة والنبيين، قال الله تعالى حكاية عن الملائكة: ] قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا[ " البقرة 32 ". وقال الله حكاية عن محمد صلى الله عليه وسلم: ] ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير [ "الأعراف 188 ". وقال الله آمراً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ] قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب [ " الأنعام 50 "، وقال الله: ] عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول [ " الجن 26 ". وقال الله عن الجن: ] فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ "سبأ 14 "، ويقول تعالى: ] وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت [ "لقمان34".
فالله قد حجب علم الغيب عن أكرم خلقه وهم الأنبياء والملائكة إلا ما أعلمه الله لهم، أبعد هذا يأتي هذا ويدعي معرفة الغيب؟!. إن من ادعى علم الغيب قد نازع الله، وكذب القرآن، وفارق هذه الملة.
ركز العلماء في إجابتهم على أن هذا العمل من الكهانة التي جاء الإسلام بتحريمها؛ إذ أن الكاهن هو الذي يدعي معرفة علم الغيب، وما سيقع من أحداث مستقبلية، وأن صاحب هذا العمل كاهن، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من تطيّر أو تُطيِّر له أو تكهَّن أو تُكهِّن له)) رواه البزار والطبراني.
وأن من أتى كاهناً، فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين يوماً، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما إن سأله وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه،وصححه الألباني في الإرواء "2006"،هذا في السائل فما بالك بالمسؤول.
-علم النجوم الذي يدّعي صاحب هذه النتيجة الاعتماد عليه في معرفة علم الغيب - يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)). رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد،وصححه الألباني في السلسلة " 793 ".
وقد جاء في البخاري عن قتادة: (خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة السماء، وعلامات يهتدى بها، ورجوم للشياطين، فمن تأوّل فيها غير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
وقال الإمام الخطابي في معالم السنن: (علم النجوم المنهي عنه هو: ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، ويدعون أن لها تأثيراً في السفليات، وهذا منهم تحكّم على الغيب، وتعاط لعلم قد استأثر الله به، فلا يعلم الغيب سواه).
- وأما علم الجفر (وأنه العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر والذي يحتوي على ما كان ويكون وأن الرسول خَصّ به علياً وذريته من بعده)، فأمر وهمي لا حقيقة له. وأدلة ذلك كثيرة ويكفي منها:
ما جاء عند البخاري من سؤال أبي جحيفة لعلي -t -: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن أو ليس عند الناس؟. فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهماً يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر. وما جاء عند مسلم برقم" 1987 " عن علي قوله: (ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا) وأخرج صحيفة مكتوب فيها: ((لعن الله من ذبح لغير الله...)).
فعلم الجفر باطل، وما بني على باطل فهو باطل.
وبناءً على ما سبق؛ فقد أكد العلماء على أنه لا يجوز التصريح بإصدارها، كما أنه لا يجوز طبعها،ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا تداولها. وأنه يجب على الجهات المختصة مصادرتها والأخذ على يد صاحبها ومحاكمته، وأنه يجب عليه التوبة إلى الله والابتعاد عن هذه الضلالات، وأنه يجب إسداء النصيحة لكل من يقتنيها أو يطلع عليها، وتبيين مخاطر ذلك على العقيدة والتوحيد لعموم المسلمين. تلك هي بعض أهم النقاط التي ركز عليها العلماء سارعنا في إخراجها؛ إقامة للحجة؛ وتوضيحاً للحق؛ ونصحاً للخلق.
أما العلماء الذين تكرّموا بالإجابة على هذا التساؤل فهم:
محمد بن إسماعيل العمراني، عمر أحمد سيف، عبد المجيد الريمي، محمد الصادق، حسين عمر محفوظ، محمد المؤيد، حسن حيدر الوصابي، على العديني، مراد القدسي، أحمد حسان، عارف أنور عمار بن ناشر، عبدالله بن أحمد المرفدي، أحند مقبل بن نصر، عبد الرحمن قحطان، عقيل المقطري، عبد الله سيف، عبد الله سنان، طارق عبد الواسع، عبد الملك داود، عبد القادر الشيباني، فاضل محمد عبدالله، يحيى الجهراني، د0 حسن الأهدل، أمين عبدالله جعفر، د0 عبد الله الأهدل، محمد سعيد الحطامي، عمر علي سقيم، حسن صغير الأهدل، عبد الرحمن عبد الله الأهدل، أحمد حسن المعلم، عبده عبدالله الحميدي، حميد عقيل، محمد المهدي، القاضي علي البعداني، محمد بن علي الرحبي، عبد الله بن غالب الحميري، عبد الرحيم الشرعبي، عبد الله عبده الإِبي، يحيى السوسوة.
كما تم الاعتماد على فتوى حول الموضوع لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ومعه لجنة الافتاء الدائمة المكونة من كل من:، عبد العزيز آل الشيخ، صالح الفوزان، بكر أبو زيد، عبد الله الغديان.
الفتوى الرابعة:السؤال: ما حكم شد الرحال إلى الجند من قبل الرجال والنساء؟ وما صحة ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟
- ما حكم الموالد التي تقام داخل المسجد ليلة ذلك اليوم؟ وما حكم ما يفعله المجاذيب من طعن الرؤوس؟
- ما حكم اختلاط الرجال بالنساء داخل المسجد؟
- ما صحة ما يشاع من أن الذهاب هو حج الفقراء؟
وقد تفضل أصحاب الفضيلة العلماء بالإجابة على تلك الأسئلة. ننشر هنا خلاصة إجاباتهم، آملين أن نتمكن من نشرها كاملة ومفصلة.
أولاً: أكد أصحاب الفضيلة على شد الرحال إلى الجند بقصد التقرب والتعبد بدعة محدثة منكرة. وقد جاء الشرع بالنهي عن الابتداع. فالنص النبوي يقول: ((وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ويقول: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وفي رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
هذا وقد جاء نص نبوي آخر له صلة بحرمة شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا))، وأما ما يردده بعض الجهال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إلى أربعة مساجد)) بإضافة مسجد الجند، فكذِب على النبي صلى الله عليه وسلم والرسول يقول: ((ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار)).
ولا يخفى على أحد خطورة الابتداع في الدين، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدعها)) حسنه الألباني.
ومما يزيد النكارة،ويشدد الحرمة ممارسة منكرات أخرى في ليلة ذلك اليوم في ذلك المكان، ومنها: (السحر الذي يفعله المجاذيب، وامتهان المسجد باختلاط الرجال والنساء – وهو منكر في حد ذاته – ومضغ القات وغير ذلك..
ثانياً: أكد العلماء على أن تخصيص أول جمعة من رجب، هو بدعة أخرى لا دليل عليها، وكذلك اتخاذ ذلك المكان بعينه في ذلك الوقت ومن باب اتخاذه عيداً، مع العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، نهى عن اتخاذ قبره عيداً، فهذا المكان من باب أولى.
ثالثاً: أكد العلماء على أهمية محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أنها من الأمور الواجبة على كل مسلم، بل لا يتم إيمان المرء حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، كما أكدوا على أهمية تدارس سيرته وتعلمها وتعليمها، وليس من ذلك إقامة الموالد، سواء في تلك المناسبة أو في غيرها، بل الموالد أمر محدث لم ينص عليه كتاب ولا سنه، ولم يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد صحابته الكرام، ولا في عهد التابعين، ولا في عهد الأئمة الأربعة، وهم أكمل الناس حباً لرسول الله، وأكثرهم تعظيماً له وقد كمّل الله دينه، وأخبر عن ذلك بقوله: ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي [ وليست هذه الموالد من الدين الذي أكمله الله، بل تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
رابعاً: أكد العلماء على أن ما يحصل ممن يُسمَّون بالمجاذيب هو نوع من السحر المعلوم حُرْمته، ومعلوم ما جاء في صحيح البخاري أن عمر كتب إلى ولاته: (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة) وقوله تعالى: ] وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر [ الآية وقوله تعالى: ] وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر [ الآية.
خامساً: أكد أصحاب الفضيلة على حرمة الاختلاط في ذلك المكان وفي غيره، وعلى النكارة الشديدة لشد الرحال من قبل النساء إلى ذلك المكان، فإذا كانت المرأة لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها للصلاة جماعة؛ إذا ترتب على خرجوها فتنة، فهذا من باب أولى.
والاختلاط أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات وسبب في كثرة الفواحش.
سادساً: أشار العلماء إلى أنه لم يثبت في فضل رجب أو في فضل العمل فيه رجب شيءٌ، وأنه كغيره من الشهور. غير أنه فقط من الأشهر الحرم، وقد ألف الحافظ ابن حجر رسالة في ذلك..
سابعاً: ذكر بعض الباحثين ممن أجاب على السؤال: أن مسألة بناء معاذ لمسجد في الجند بحاجة إلى مزيد من البحث والتحري وحتى لو ثبت ذلك فليس في ذلك أدنى دليل على ما يفعل من شد الرحال إلى هناك، فالصحابة بنوا العديد من المساجد في الشام والعراق ومصر وغيرها، ولم يكن ذلك البناء مدعاة إلى شد الرحال إليها.
ثامناً: أكد العلماء على أهمية دور العلماء والمرشدين في إنكار مثل هذه البدع؛ قياماً بواجب النصيحة ((الدين النصيحة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه...))
وأكدوا على أهمية دور أصحاب السلطات في ردع المنتفعين من ذلك؛ لما يقومون به من التغرير بالعامة والتلبيس عليهم، وأكدوا - أيضاً – على أهمية تظافر الجهود في إزالة هذا المحدث وغيره من المحدثات.
تاسعاً: أكد العلماء على أن القول بأن الذهاب إلى هناك يعدل حجة هو من الكذب على الله، ومعلوم قوله تعالى: ] لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاعٌ قليل ولهم عذاب اليم [.
عبد الله سيف الحيدري، أحمد حسن المعلم، عقيل بن محمد المقطري، عبد الله بن غالب الحميري، محمد بن محمد المهدي، عبده عبد الله الحميدي، علي بن علي البعداني، عبد الرحيم الشرعبي، محمد بن علي الرحبي، علي بن يحيى شمسان، حميد قاسم عقيل، عبد الملك داود عبد الصمد، عبد القادر الشيباني، يحيى بن محسن الجهراني، فاضل محمد عبدالله، عبد العزيز الدبعي، سعيد بن سعيد حزام، أحمد مقبل
ابن نصر، عبد الله سنان، د0 حسن شبالة، عبد الله بن فيصل الأهدل، عبد المجيد الريمي، عبد الرحمن سعيد البريهي، عبد الله بن سعيد الحاشدي، كمال بن عبيد القادر بامخرمة، محمد الصادق مغلس ن عبدالله علي صعتر، عبد المجيد الزنداني ن عبد الوهاب لطف الديلمي، صالح الضبياني، علي ابن عبد الله العديني، حسن بن محمد حيدر الوصابي، مراد بن أحمد القدسي، مهيوب بن حسين المعولي، د0 علي مقبول الأهدل، عبد الله عبده الإبي،القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، محمد عبد الرحمن غنيم، د0 صالح صواب، حسين عمر محفوظ ن محمد بم على الوادعي، صالح ابن علي الوادعي، أحمد حسان، محمد بن علي المؤيد، طارق بن عبد الواسع، عبد العزيز البرعي.
الفتوى الخامسة: فتوى بمنع ما يسمى " زف الختاميات " التي يقيمها القبورية في بعض مدن حضرموت كالمكلا والشحر وغيرها، والزف هو السير الجماعي من المسجد الذي يقام فيه الحفل " حفل ختم القرآن" إلى قبر ومشهد معين, ويصحب ذلك السماع الصوفي بالدفوف والطبول وأنواع من الملاهي ويحتشد لحضوره جمع كبير من الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً, ويحصل فيه مفاسد كبيرة، يقول أخونا الشيخ أحمد برعود في كتابه " الأضواء المضيئة على بعض العادات الحضرمية " وهو يتكلم عن تلك العادة " البدعة " بدعة الختاميات:(ولقد أمليت على هذه الفتوى وكتبتها بيدي ووقع عليها المشايخ المذكورون في نفس الجلسة عدا السيد عباس حامد الحداد لم يكن حاضراً، كما زكى الفتوى السيد عبدالله بن محفوظ الحداد. فإليك أخي القارىء نص الفتوى:
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وبعد: فقد اتفق طلبة العلم بمدينة الشحر على أن تمنع زفوف الختاميات بعد نهاية الصلاة والقرآن لما يترتب على ذلك من المفاسد والمنكرات التي لاتتفق مع الشرع الشريف، فعليه نطلب من حكومتنا الموقرة أن تمنع وأن تلاحظ من يخالف هذا الأمر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))، كما نطلب من السيد الفاضل عبدالله بن محفوظ الحداد في هذا الموضوع أن يصدر فتوى لمنع الزفوف منعاً لما يحصل بسببها من المنكرات والمفاسد، وبعد هذه الفتوى ينبغي ويلزم كل مسلم أن يمنع أهله من الحضور لمثل هذه المجموعات التي تحصل فيها المنكرات حصولاً ظاهراً, ومع العلم أنه ليس هناك ختم حقيقي للقرآن الكريم كما كان السلف يقرأون من أوله في الصلاة ثم يختمونه في إحدى اليالي ويدعون اللعه بعد الختم ويحضره الناس في المسجد ثم يتفرقون إلى بيوتهم هذا وبالله التوفيق.
وكذلك نعلم حكومتنا الموقرة أن هذه الليالي من رمضان يجتمعن كثير من النساء في الأسواق لشراء حوائجهن، فيجتمع بسببهن كثير من السباب فيحتكون بالنساء احتكاكاً متعمداً يأباه الشرع الحكيم وأهل النفوس الزكية، فالمطلوب من حكومتنا الموقرة أن تقوم بملاحظة هؤلاء الناس، ودفعهم عن النساء وهم المسؤولون بين يدي الله سبحانه وتعالى. والله الموفق
21/ رمضــان 1411هـ
التوقيـع:
" الشيخ عبد الكريم عبدالقادر الملاحي، الشيخ سالم خميس حبليل، الشيخ السيد عباس حامد الحداد ".
الحمد لله وأنا بدوري أزكي ما قاله مشايخ الشحر وعلماؤها وأضم صوتي إلى صوتهم لتقوم الحكومة بمنع هذه المنكرات المحدثه.
التوقيع:
عبد الله بن محفوظ الحداد)[52].
بيان بشأن أحداث تسوية القبور بعدن بعد انتهاء حرب الانفصال سنة (1415هـ/1994م)
وقد صدرت ردود فعل كثيرة تجاه تلك الحوادث معظمها كانت في معرض النقد والاستهجان لذلك العمل منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي إسلامي أو غير إسلامي كما صدرت عدة بيانات تعبر عن مواقف أصحابها منه ومعظمها إما رسمي يراعي سياسة الدولة التي كانت في موقف محرج أمام الجهة الإعلامية التي جوبه بها الحدث أو كانت منطلقة من منطلق حزبي تعبر عن الموقف الرسمي للحزب فلذا لم يبرز فيها الحكم الشرعي كما هو عند علماء الشرع السالمين من تلك الضغوط والحسابات الأخرى وما رأيت في تلك البيانات والكلمات والمواقف ما يمثل الحكم الشرعي الصريح الا هذا البيان الذي وقعه مجموعة من خيرة من علماء اليمن ونشرته مجلة المنتدى التي كانت تصدر تلك الفترة من صنعاء في عددها.
وهذا نص البيان وأسماء الموقعين عليه: (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين محمد ابن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فقد تابع العلماء الموقعون على هذا البيان الأحداث الأخيرة في عدن:
الأول منها نتج عنه تسوية القباب والقبور التي تعلق بها عوام الناس من قديم حتى أضفوا عليها من القداسة والتعظيم إلى درجة عبادتها من دون الله تعالى متمثلة في دعائها لكشف الضر وتفريج الكرب والذبح والنذر لها.
والحدث الثاني وهوحدث لا صلة له بالأول ألا وهو اشتباك مسلح بين رجال الأمن وبعض الشباب وذلك حول مقر ما يسمى بمليشيا الحزب الاشتراكي وسببه خلاف في ملكية المنزل.
كما تابع العلماء البيانات السياسية والمقالات الصحفية ورأوا أن الحقيقة الشرعية ضاعت بين دهاء سياسي وسبق صحفي، وكلا الأمرين لم ينطلقا من ضوابط شرعية وثوابت عقدية في ديننا الإسلامي.
لهذا رأى الموقعون على هذا البيان أن يبينوا الحكم الشرعي في هذه القضية حتى لا يشملهم قوله تعالى:]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون[، كما أن هذا البيان ينطلق من قوله e فيما رواه مسلم من حديث أبي سعيد [53] الخدري ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
الشرك وخطره:
من المعلوم من الدين بالضرورة ومن قطعيات الشريعة ويقينياتها خطورة الشرك وأنه مخرج من ملة الإسلام وموجب لصاحبه عدم المغفرة وحبوط العمل؛ قال تعالى:]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [، وقال تعالى:]أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار [، وقال تعالى:]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك [.
وإن أصل دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام قام على محاربة الشرك وتأسيس التوحيد، قالى تعالى:]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[، وإن من وسائل الشرك التي ابتليت بها الأمة تعظيم الصالحين ونصب القباب لهم فكانت نتيجة ذلك الغلو أن دعوهم من دون الله بحجة أنهم أولياء صالحون، وهذا من تزيين الشيطان وإضلاله، لأن الغلو في التعظيم يجر إلى العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى.
نعم الواجب توقير أولياء الله ومحبتهم وإثبات الكرامات لهم؛ ولكن لا يجوز دعاؤهم والاستعانة بهم والذبح والنذر لهم كما يفعله الخرافيون.
والزيارة الشرعية لأموات المسلمين سنة لأنها تذكرهم بالآخرة، أما الزيارات المبتدعة التي تكون موسمية ويجتمع لها الرجال والنساء ولاعبو القمار ويحدثون حول تلك القبور من المفاسد البدعية والشركية والسلوكية ما لا يرضى بها عاقل، بل هي من المنكرات والصور التي شوهت جمال الإسلام وصفاءه، ويجب على العلماء إنكارها والبراءة منها.
وقد أنكر العلماء قديماً وحديثاً هذه الظواهر، وهذه أقوالهم:
1- قال ابن حجر الهيتمي المكي:
(وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسول الله e لأنه نهى عن ذلك وأمر e بهدم القبور المشرفة وتجب إزالة كل قندل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره) اهـ.- الزواجر عن اقتراف الكبائر " 1/149".
2- الإمام الشوكاني:
وقال في الدر النضيد ص 22:(وروي لنا أن بعض أهل جهات القبلة وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب " ذي بين " رحمه الله فرآها وهي مسرجة بالشمع والبخور ينفح في جوانبها وعلى القبر الستور الفائقة فقال عند وصوله إلى الباب: " أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين".
3- قال الإمام الصنعاني في " تطهير الاعتقاد ":
(وكذلك تسمية القبر مشهداً ومن يعتقدون فيه ولياً لا تخرجه عن اسم الصنم والوثن، إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام ويطوفون بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونهم استلامهم لأركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية من قولهم: " على الله وعليك " ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها.
فأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي يابن العجيل، وأهل الجبال: يا أبا طير، وأهل اليمن: يابن علوان).
4-فتوى دار الإفتاء المصرية:
هذا وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية في عهد الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ "2/7/1928م"، ونصها:(اعلم أنه يحرم رفع البناء على القبر ولو للزينة ويكره للإحكام بعد الدفن بل تكره الزيادة العظيمة من التراب على القبر لإنه بمنزلة البناء وهو منهي عنه لما في صحيح مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله e أن يجصص القبر وأن يبنى عليه.انتهى من الدر المختار وحاشية رد المحتار.
وحين نقول يجب إنكار الشرك ومظاهره فلا يعني ذلك إعطاء الفرصة للذين يصطادون في الماء العكر ولكن لا بد من الحكمة في ذلك واتخاذ الوسائل الناجحة في استئصال كل المظاهر التي تسيء إلى ديننا وأمتنا ومراعاة المصالح والمفاسد وهدم كل مظاهر الشرك من النفوس والقلوب أولاً بواسطة نشر الوعي بين المسلمين بالوسائل المشروعة حتى يتيسر هدمها في الواقع، ألا ترى أن النبي e أوكل إلى خالد ابن الوليد بعد أن استقر في قلبه هدم العزى، حتى قال خالد t:
ياعزُ كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك
ولقد حرص الحزب الاشتراكي على دعم الخرافيين الذين تحالفوا معه وأيدوه في قرار الإنفصال وذلك سعياً منهم في طعن الإسلام وتدميره باسم الإسلام.
وإنه من ما ينبغي التنبيه عليه ان الحامل لبعض الشباب المسلم على تسوية القبور التي قدست من دون الله هو ما قدمنا من مسلمات الدين وضرورياته، وما ثبت عن النبي e،أنه قال:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) - متفق عليه -.
وروى مسلم في صحيحه أن علياً t قال لأبي الهياج الأسدي: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله e أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته..)).
إلا أن بعض الساعين إلى الفتنة والحاقدين على وحدة الأمة استغل الحدث أبشع استغلال بغية ضرب المسلمين بعضهم ببعض وشق صفهم ولبس الحق بالباطل، وتشويه الحقائق حتى صيروا المنكر معروفاً والمعروف منكراً.
وأدخلت قضيتان في بعضهما مع أن كلاً منهما منفصلة عن الأخرى، فقضية تسوية القبور كانت يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1415هـ وما قبلها من أيام ومرت بسلام.
وقضية الصراع حول مركز المليشيا كانت يوم السبت 28 ربيع الأول 1415هـ وهي القضية المؤسفة جداً التي أدت إلى سفك دماء الأبرياء سواء من الأمن أو الشباب، فسفك الدماء بهذه الطريقة يدل على عدم مسؤولية وتصرف أرعن يجب التحقيق المنصف لمعرفة المتسبب لهذه الحادثة، وحتى لا يكون بداية سيئة وخطرة يستغلها أعداء شعبنا لتفجير صراعات داخلية واستغلالها سياسياً في الخارج وتلك هي أمنية الانفصاليين.
وعلى ضوء ما تقدم نوصي بالتالي:
1- على ولاة الأمر والعلماء القيام بواجبهم الشرعي في محاربة الشرك ومظاهره واتخاذ الوسائل الشرعية لذك وتكوين هيئة للأمر بالمعروف والنهي لتتولى محاربة جميع ظواهر الفساد، وهذا يسد أبواب الفوضى والاضطراب.
2- اتحاد كلمة العلماء وخصوصاً في مثل هذه المواقف الخطرة وأن يصدروا عن مواقف مشتركة ومنسقة تخدم دين الله U.
3- على الشباب الرجوع إلى العلماء والالتفاف حولهم وأن لا يقدموا على عمل دون الرجوع إلى العلماء ومعرفة توجيهاتهم والحكم الشرعي في ذلك، مع العلم أن ما حصل في عدن لم يكن بمشاورة العلماء مما أدى إلى هذه النتيجة غير المرضية.
4- أن يتم تغيير المنكرات بالحكمة ومراعاة الواقع وقاعدة المصالح والمفاسد.
5- أن يحذر المسلمون الفرقة والتنازع لأن هذا مما يضعفهم ويقر عيون أعداء الإسلام.
6- تشكيل لجنة من العلماء والالتقاء بالشباب لمعرفة ملابسات الحادث والعمل على إطلاق سراحهم.
7- أن يقوم ولاة الأمر برعاية مصالح الأمة وشبابها وصيانة دينها فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
8- يجب عدم إعادة الأضرحة وتشييدها وخاصة بعد معرفة الحكم الشرعي في ذلك ويجب إنفاق الأموال المرصودة لذلك للمتضررين من الحرب وخاصة في المحافظات الجنوبية.
والله من وراء القصد
صادر عن مجموعة من علماء اليمن بتاريخ 11 ربيع الآخر 1415هـ
العلماء الموقعون على البيان هم:
عقيل المقطري، عمار بن ناشر، طارق عبد الواسع، عبد العزيز الدبعي، عبد القادر الشيباني، أحمد علي معوضة، علي محمد بارويس، عارف أنور، أحمد الشيباني، عبد الكريم الضراسي، زيد بن ثابت، عبد الله سنان، مجاهد الوصابي، علي صالح عنان محمد، عبد المجيد الريمي، محمد عبد الله الإمام، يحيى الجهراني، د. عبد الوهاب الديلمي، حمود علي ناصر السعيدي، علي العديني، عبد الله الحاشدي، مراد القدسي، يحيى علي محمد جغمان، صالح الوادعي، محمد الوادعي، أحمد مقبل، خالد أحمد سعيد.
المبحث الرابــع
الجهود العملية لمواجهة القبورية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول:أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب على القبورية:
التعريف:
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة تجديدية، هدفها إعادة الأمة إلى ماكان عليه الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وذلك بالدعوة إلىالتوحيد الخالص، وتنقية عقائد الأمة مما داخلها من عقائد ومفاهيم منحرفة،أدت إلى الشرك بالله تعالى، ودعوة للاتباع الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم،وتنقية عبادات الأمة مما ألصق بها من البدع والمحدثات، والمجاهدة؛لإقامة الشرع في حياة الأمة وإزالة ما يخالفه.هذا ملخص ما يمكن أن تُعرَّف به دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
نشأت الدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبدالوهاب "دعوة الإسلام الأولى" في ذهنه، بعد أن بدأ في طلب العلم،وبدأ يقارن بين ما يتعلمه من مبادئ الشرع وأحكامه وما يرى عليه الناس، ثم بدأ فعلاً عندما عاد من رحلاته إلى بلده، ولكن الدعوة راوحت مكانها بل كـاد أن يُقضى عليها بالقضاء على الشيخ نفسه،حينما عزم أمير العيينة على تصفيته جسدياً [54]، فهاجر من العيينة إلى الدرعية وفيها نشأت الدعوة النشأة الأخيرة العملية، ومنها انطلقت حينما وجد الشيخ المناصرة الكاملة من قبل أميرها محمد ابن سعود -رحمه الله -وذلك سنة (1157 هـ).
وبعد أن تقبلت الدرعية وأهلها دعوة الشيخ وآمنت بها، وصَدَقتْ في ولائها، انطلق دعاتها حاملين مبادئها إلى ما حولها من ديار نجد،ثم إلى الإحساء والمناطق الشرقية،وإلى الحجاز وسائر أرجاء الجزيرة العربية، وكان بعض ذلك في حياة الشيخ والإمام محمد بن سعود وبعضه بعدموتهما في أيام عبد العزيز ابن محمد بن سعود على يد ابنه سعود، وكان من فضل الله على عباده أنه في زمن قصير تحقق للدعوة نجاح كبير،وطُهِّرت نجد وما حولها من البدع والشركيات ووسائلها،ثم أخذ أئمة الدعوة من أبناء وأحفاد الإمامين يسيرون في الأرض دعاة مجاهدين، فمن أجاب قبلوا منه،ومن أبى قاتلوه.
وعندما تكاثر الأتباع والأنصار حدث من بعضهم حوادث غير مرضية، وقضايا على خلاف مقتضى الشرع.
وهذا طبيعي فليس كل الجند بل ولا كل القادة هم من العلماء العاملين والـدعاة المخلـصين، وإنـما هناك من يركب الموجة، وهناك من يطمع في الغنيمة،وهناك أصناف من الناس مختلفو المقاصد وجرائرهم كلها تلقى على كاهل الشيخ ودعوته، ولقد صار لتلك الدعوة صدىً واسع، وانتشر لجيوشها رعب كبير بين الناس،وخاف كل ذي سلطة على سلطته من أمراء وأشراف وشيوخ طرق،كلهم رأوا أن الدعوة تهددهم، فبدأت الحرب بشتى وسائلها،الحرب العسكرية والحرب الدعائية، وغيرها من أنواع الحروب، وكان الذي تولى كبر ذلك الدولة العثمانية بإسطنبول،وذلك لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: السياسة، إذ خشيت على أجزاء كبيرة من أطراف مملكتها، ومن أهم تلك الأطراف الحجاز بما فيه مكة والمدينة،أن تخرج عن سيطرتها.
الأمر الآخر: إن الصوفية الاتحادية،كانت هي المسيطرة على الخلفاء،وهم أعدى أعداء هذه الدعوة للاختلاف العقدي بينهما.
فمن هناك طارت الدعايات، وانتشرت الشائعات ضد دعوة الشيخ -رحمه الله تعالى- وكانت كما وصفها الشيخ الإمام ابن الأمير (وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة ومن البصرة وغيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف[55])واستغل خصومها بعض الهفوات التي يقع فيها بعض المحسوبين على الدعوة فضخموها، وزادوا فيها، واتخذوها أدلة على ضلال الدعوة وانحرافها، ولكن ذلك كله مازاد الدعوة التجديدية هذه إلا رسوخاً وانتشاراً وقبولاً في الأرض؛ خصوصاً بعد أن دخلت الحجاز، وحكمت الحرمين، والتقى دعاتها بالحجاج من كل مكان مباشرة، فعرف الناس الحقيقة، وتبين لهم زيف الدعايات التي كانوا يسمعونها، فحملوا هذه الدعـوة إلى بلادهم، ونشروها بين أهليهم وإخوانهم، وهاهي الدعوة " الوهابية " كما سميت وشاع ذلك عنها، هاهي لا يخلو بلد من بلدان المسلمين من حاملين لها فيه، وكم من علماء وجمعيات وهيئات علمية ودعوية تسير على الخط السلفي الذي جدده الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- في مشارق الأرض ومغاربها،رغم أن الدولة العثمانية وبواسطة واليها على مصر محمد علي باشا قد حاولوا القضاء عليها، وتمكنوا من القضاء على الدولة والقوة العسكرية والكيان السياسي، ولكنهم لم يتمكنوا من القضاء على ما أشربته قلوب الناس من الحق، فما خرج الجنود الغزاة من نجد حتى عادت الدعوة والقوة والدولة بشكل قوي، ربما أقوى من ذي قبل، وهاهي قائمة إلى اليوم في أوسع مداها وأقصى انتشارها.
من الطبيعي أن الداعية الموقن بصحة ما يدعو إليه المخلص لمبادئه محب الخير لأمته، لا تقف همته عند حد، ولا يكتفي في نشر دعوته ببلد دون بلد؛ لذا فإنه قد كان اليمن كل اليمن مستهدفاً للدعوة مُعرّضاً لدعاتها وجيوشها، ولقد شقت جيوشها الطريق إلى اليمن من جهتين، من الغرب عبر الحجاز وجبال السراة حتى وصلت إلى مناطق عسير جبالها وتهائمها، فكانت القاعدة لها بعد أن انضم أهلها إليها، وفتنوا بمبادئها، ودخل بعض أشرافها وأمرائها مع النجديين، وآزروهم على نشر الدعوة حتى وصلوا إلى الحديدة، بل إلى زبيد وحيس وما حولها [56].
وحينما بلغت الدعوة النجدية تلك المكانة من الاستيلاء على البلاد ودخول القبائل معها والقبول بما تدعو إليه، تجاوبت القبائل اليمنية لذلك، وشعرت بضعف دولة صنعاء في عهد الإمام " المنصور " أحد الأئمة الذين عـاصرهم الإمـام الشوكاني، وتقدمت تلك القبائل حتى حـاصرت صنعاء بعد عـام (1216هـ)[57]، وكانت الرسل في أثناء ذلك ترد إلى صنعاء من الدرعية بالدعوة إلى التوحيد وهدم القباب والمشاهد، وحينما أحس الإمام المتوكل بالضغط الشديد شاور من بحضرته في هدم تلك القباب والمشاهد، فقالوا له: إن كان هذا الهدم لوجه الله وتنفيذاً للشريعة فنعمَّا هو، وإن كان إنما هو مجاملة لأصحاب نجد فلا فائدة [58]، قال الشوكاني: (ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها وفي جهة ذمار وما يتصل بها) [59]،كما أنني لا أشك أنهم عندما مروا بمدن وقرى تهامه قد أزالوا ما فيها من مشاهد وقباب وسووا ما فيها من قبور مشرفة؛ لأن هذه هي عادتهم في كل مكان يستولون عليه، وإن لم أظفر بذلك في مرجع خاص، والفرقة الأخرى من جهة الصحراء حتى وصلت حضرموت.
وصول الدعوة النجدية إلى حضرموت:
وصلت الدعوة النجدية إلى حضرموت رسمياً بوصول الجيش النجدي الذي يقوده ناجي بن قملا وكان ذلك في سنة (1224هـ)، فاستولوا على الكسور، وفيها حورة وهينن وحواليهما،وصَالَحَ ابن قملا القبائل اليافعية والنهدية والشنفرية، وهدم غالب رؤوس القباب المبنية على القبور من دوعن غرباً إلى قبر هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام شرقاً [60]، ولم يكن التأثير مقتصراً على هدم القباب فقط، بل وصل إلى إقناع القبائل وجماعات من أبناء حضرموت بهذه الدعوة وحملهم لها ورفضهم للخرافات والعقائد القبورية التي كانت سائدة في البلاد، ومـن تلك القبائل قبيلة " آل علي جابر " ببلد خشامر ومـا حولها في منطقة العقّاد بين القطن وشبام، وحتى بعض رجال السادة العلويين تابعوهم على ذلك، كما ذكر ابن عبيدالله في "إدام القوت" عند كلامه على الحوطه "حوطة أحمـد ابن زيـن" [61]وبشكـل أوسع في منطـقة " المحيضرة " إحدى ضواحي تريم وهو يتكلم، عن السلطان عبدالله عوض غرامة، فقد قال: (وكان ينكر بطبعه غلو القبوريين، فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعلق بوحيد عصره وفريد دهره مقدم الجماعة، وشيخ الصناعة والذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم،العلامة الجليل السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان،المتوفى بتـريم سنة (1248هـ)،وقد اتهمه العلويون بأنه هو الذي يعلم عبدالله عوض غرامة آراء الوهابية، ويحثه على الالتزام بها، ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتاله، فهرب إلى بيت جبير،ولم يقدر عبدالله غرامة على حمايته بتريم؛ لأن غرامة لا يملكها كلـها، وفي أيـامه كــان وصـول الوهابـية إلى تريم سنة (1224 هـ)،بقيادة الأمير علي [62] بن قملا، فطوى بهم حضرموت، ولم يفسد حرثاً،ولا أهلك نسلاً، وإنما هدم القباب،وسوى القبور المشرفة،وألقى القبض على المناصب، وأهانهم،وأتلف قليلاً من الكتب،كثره بعض العلويين، كصاحبنا الفاضل السيد علوي بن سهل، بدون مبرر مـن الدليل، وأقاموا بتريم نحـو أربعين يوماً، وعاهده عبدالله عوض غرامـة، وعبدالله بن أحمد بن يماني على أن يكف الأذى عـن بـلادهما، عـلى شـرط أن يـقومـا بنشـر دعـوته، الـتي لاقـت هـوى مـن نفـوسـهـم وقـبـولاً من خواطـرهـم) [63].
إذاً فهذا إمام كبير وعلامة شهير من سادة تريم،كان يوافق أهل نجد على منهجهم،وقد اتهم بنشر هذا المنهج وتعليمه لهذا السلطان،حتى أن السلطان عبدالله عوض غرامة أرسل رسـالة عـزاء في قـتيل قـتل في مشاجرة بغير قصد، جاء فيها: (إننا لا نريد ذلك ولانحبه، وإنما كان قتله على غير اختيار منا، ولكن شؤم أعمالكم والتفاتكم إلى غير الله وعبادتكم للأموات والقبور هو الذي جر عليكم المصائب، وسيجر عليكم ما هو أعظم)، قال ابن عبيدالله: (ويقال أن هذه المكاتبة كانت من إنشاء إمام تريم لذلك العهد المتقدم، ذكره السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان، والله أعلم) [64]، بل هناك نص أوضح وأصرح في استجـابة الكثير من قبائل حضرموت وبعض السادة العلويين للدعوة الوهابية، بل وطلبهم وصول دعاتها إلى حضرموت، يقول ابـن عبيد الله في ترجمة أحمد بن سـالم منصب عينات: (وفي أيامه كان وصول الوهابية إلى حضرموت، بطلب من بعض السادة وآل كثير، ولم يكن لهم عسكر كثير، وإنما كانوا ينشرون دعوتهم، ويستجيب لهم الناس، وكان ممن استجاب لهم آل علي جابر بخشامر، غربي شبام، وبعض السادة وبعض آل كثير وعبدالله عوض غرامة بتريم) [65]، ولكن وجود النجديين في حضرموت لم يدم طويلاً حيث كان وصولهم إليها في آخر عمر الدولة السعودية الأولى، والتي انتهت بـوصول القوات المصرية إلـى الـدرعيـة سنـة (1233هـ) [66]، وكانت جيوشهم قد وصلت إلى ساحل ينبع سنة (1226 هـ) [67]، وما بين هذين التاريخين كان أهل نجد مشغولين بقتال القوات المصرية، ومن هنا قلّت إمداداتهم إلى جيوشهم التي تقاتل في أطراف الجزيرة العربية ومنها الجيش الذي بحضرموت؛ ولذلك فقد هـزم هـذا الجيش بالقرب من حريضة على يد قبائل الجعده وقيادة السادة آل العطاس[68]، ورجعوا إلى بلادهم.
ولكن آثار دعوتهم مازالت موجودة، وكان أشهر بلد استقرت على مبادئ هذه الدعوة هي بلد خشامر وأهلها آل علي جابر؛ لذلك كانت من النوادر أن أحداً إذا أراد من وليٍّ كرامة فلم تحصل يهدَّده باللجوء إلى آل علي جابر في خشامر، كما ذكر في تذكير الناس قول الذي قال في زيارة المشهد:
زوار جينا بانــزورك ياعلي لي تكرم القاصد وترحب بالغريب
إن شيء كرامة با تقع ذا حلها والا رجعـنا لا قَـدَا صالح حبيب [69]
أي إذا لم تكرمنا فإننا سنذهب إلى صالح حبيب شيخ آل علي جـابر الوهابيين، وقول الآخر حينما جاء إلى الحسن بن صالح البحر، وله ولد مريض، فخاطبه بقوله: (وعزة المعبود إن لم تذهب الحمى من
ولدي محمد لأصبح في خشامر عند بن علي جابر) [70]. وكل ذلك قد تقدم.
ومالبث الناس بعد ذهاب النجديين إلا يسيراً، فنشأت جمعية الإرشاد بإندونيسيا، فتواصل التأثير، ولله الحمد،حتى جاء الله بهذه الصحوة التي هي سلفية سنية منابذة للقبورية متمسكة بمنهج السلف الصالح رضوان الله، عليهم نسأل الله أن يتم نوره، ويعلي كلمته، ويهدي الجميع للتمسك بما يرضيه
المطلب الثاني: دعوة الإرشاد بإندونيسيا وأثرها على القبورية في اليمن:
من خلال العوامل التي أدت إلى قيام دعوة الإرشاد يمكننا أن نتعرف على أهم ملامحها، فالعوامل التي أدت إلى قيامها هي:
1) الجهل المركّب الذي يسود العرب في إندونيسيا.
2) تمادي العنصريين في استعلائهم على الناس واستغفالهم لهؤلاء ماديّا واجتماعيّا.
3) كثرة البدع والخرافات.[71]
من خلال هـذه العوامل يتضح أن هذه الدعوة كانت ثـورة على الجهـل الذي كان يسود العرب في مهجرهم، ووسيلة إزالته العلم، وثورة على التعالي العنصري، والمطلوب هو التساوي والعدل الذي جاء به الإسلام، وثورة على البدع والخرافات،وسبيل ذلك هو نشر التوحيد والاتباع وتعلم الإسلام الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن مجموع ذلك نتعرف على جمعية الإرشاد الإسلامية بإندونيسيا، فنراها تقوم على ثلاثة أصول:
1) نشر العلم وإفشائه بين سائر الطبقات.
2) المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الشرائح في المجتمع.
3) محاربة البدع والخرافات ونشر ضدها من التوحيد والاتباع.
وهذه الأصول كلها نقض لبعض أركان القبورية في اليمن، وقد سبق ذكرها مفصلة في الباب الثاني في آثار القبورية.
وقد وصلت هذه الدعوة إلى اليمن وإلى حضرموت بوجه خاص موطن، مؤسسي هذه الجمعية، وكان لها أثرها الطيب؛حيث تنبه الناس من غفلتهم واستيقظوا من رقدتهم، فهرعوا إلى العلم، ورفضوا التمايز الطبقي، ودعوا إلى التوحيد والسنة ورفض البدع والخرافات والشركيات، وقام بعضهم بتسوية بعض القبور في مناطقهم، وأذكر أن أحدهم في قريتنا عَمَدَ إلى ثوب كان يكسى به صناديق مكتبة الشيخ عمر بن أحمد العمودي الشهيرة والمعروفة عند المؤرخين بـ " المكتبة الشُعبية " وعند العوام بخزانة
الشيخ عمربن أحمد، قام بأخذ هذا الثوب الذي تكسى به صناديق الكتب -على جهة التعظيم- وألقاه في بئر معطلة بالقرب من الخزانة، وذلك الرجل هو الشيخ عبدالرحيم ابـن محمد المهجوس العمودي رحمه الله، وكان أول من أعلن الدعوة إلى السنة ومحاربة البدع والشركيات في ذلك البلد.
وهكذا لم يبق وادٍ أو منطقة مـن مناطق حضرموت إلا ووجـد فيها مثل ذلك الرجـل، وفي كثير من الأماكن كان لهؤلاء أنصار وأعوان، يحملون هذه الدعوة ولو في أنفسهم وأقاربهم.
ومما يدل على وجود هذا الأثر ضجة القبوريين من هذه الدعوة والشكوى منها ونشر الدعاية ضدها، من ذلك ما هو مكتوب، ومنه ما هو على الألسنة.
المطلب الثالث: جهود أئمة وعلماء اليمن الأعلى في المواجهة العملية للقبورية:
إن القبورية لم تترسخ في اليمن الأعلى مثلما ترسخت في بقية مناطق اليمن، وذلك أن الفرقة الزيدية والمذهب الهادوي ليس فيهما من الغلو ما في مذاهب أهل الرفض والباطنية من الإسماعيلية والصوفية الغلاة، لذلك؛لم يكن في أصل المذهب الهادوي ترخيص في البناء على القبور، ولا في عقائد الزيدية اليمنية الأولى شيء من ذلك، وإنما طرأت تلك الأقوال في القرن السابع عندما توافد الصوفية على اليمن وحينما بنى بنو أيوب المشاهد على قبور سلاطينهم،وميزوها عن قبور الناس، عند ذلك سرت العدوى إلى ديار الزيدية، وبقيت محصورة علـى الأئمة الحاكمين وأسرهم ومقربيهم، فهي فتوى سياسية أكثر منها شرعية واعتماد على إلحاح الواقع لا على أدلة الشرع؛ ولذلك فليس هناك تعظيم للقبور التي في ذلك الجزء من اليمن كما هو في بقية الأجزاء الأخرى، وليس هناك فلسفة لزيارتها كما يوجد عنـد الصوفية؛ لذلك كله كان من السهل على علماء تلك البلاد وبعض حكامها أن يدركوا الحكم الصحيح لتلك المشاهد وأن يتمكنوا من هدمها وإزالتها بيسر أكثر مما عليه الحال في مناطق الصوفية، كذلك فقد كانت هناك جولات لبعض العلماء وبعض الأئمة وجهود عملية؛لإزالة بعض تلك المشاهد وتسوية القبور المعظمة عند بعض العامة،وقد اطلعت على جولتين من تلك الجولات.
الجولة الأولى: على عهد الإمام المهدي العباس بن الحسين بن القاسـم المولود (1131هـ) والمتوفى سنة (1189هـ) والذي كان معاصراً للإمام ابن الأمير الصنعـاني رحـمه الله المتـوفى (1182هـ)، فقد قام هذا الإمام بهدم كثير من تلك المشاهد والقبور المعظمة بتحريض جماعة من العلماء رحمهم الله تعالى، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (وقـد تكلم جماعة من أئمة أهل البيت -رضوان الله عليهم- ومن أتباعهم رحمهم الله، في هذه المسألة بما يشفي ويكفي، ولا يتسع المقام لبسطه، وآخر مـن كـان منهم نكالاً على القبوريين،وعلى القبور الموضوعة على غير الصفة الشرعية، مولانا الإمام المهدي العباس بن الحسين ابن القاسم رحمه الله، فإنه بالغ في هدم المشاهد التي كانت فتنة للناس وسبباً لضلالهم، وأتى على غالبها، ونهى الناس عن قصدها والعكوف عليها فهدمها،وكان في عصره جماعة من أكابر العلماء ترسلوا إليه برسائل، وكان ذلك الحامل لـه على نصرة الدين بهدم طواغيت القبوريين [72].
وفيها وقعة السرايم خارج جبلة، وخاب السعي من النفوذ على تهامة، فكلما هيأهم المتوكل للتحضير على المخالفين طلبوا المغلَّبات، وما مقصدهم إلا الفساد، ووقع لهم شيء من المال ورجعوا بلادهم، ورجع الإمام إلى صنعاء، ورجح مكاتبة النجدي ومداهنته، حتى وصل من الدرعية المطاوعة الآخرون الأمير محمد، ويوسف القرماني وجماعة معهم، وخاطبوا المتوكل في خراب المشاهد والقباب المنصوبة على قبور الصالحين والأئمة الهادين، فجمع الإمام أعيان دولته وعلماء حضرته، وأجاب عليه العلماء بأنه إذا كان العمل بالشريعة حقيقة لا على أنها مداهنة للنجدي وقبول قوله فهذه القباب ورفع القبور بدعة لاعلى الوجه المشروع،كما روي عن أمير المؤمنين بهدمها وتسويتها بالأرض، فرجح المتوكل الأمر بهدمها وهدمت الذي في صنعاء وما حولها قبة صلاح الدين، وقبة المنصور حسين في الأبهر،وقبة الفليحي،وسدة قبة المهدي العباس التي فيها القبر، ولم يبق إلا قبة المتوكل للصلاة، وهدمت قبة أحمد بن أحسن في الغراس وأرسل على بقية النواحي بهذا [74].
ومن هذا النص نفهم أن أصحاب نجد قد شددوا على الإمام في صنعاء في هذا الأمر وقد وجد الإمام نفسه مضطراً لقبول ضغوطهم والعمل بمايدعون إليه، ولكن أراد أن يحمل المسؤولية العلماء بدل أن يتحملها بمفرده، وكان العلماء يتحينون هذه الفرصة؛ لأنها تحقق جـزءاً مهماً مـن دعوتهم،ولذلك كان جوابهم: (بأنه إذا كان العمل بالشريعة حقيقة لا على أنها مـداهنة للنجـدي، وقبول لقوله فهذه القباب ورفع القبور بدعة على الوجه المشروع، كما روي عن أمير المؤمنين بهدمها وتسويتها بالأرض،فرجح المتوكل الأمر بهدمها)[75]. فهذا جهد كبير كان الدافع له دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتنفيذه برغبة وقناعة تامة من علماء اليمن، والنتيجة هي هدم تلك القباب وتسوية تلك القبور المشرفة وإن كانت قد أعيدت إلى سالف عهدها فيما بعد،ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
ونموذج آخر قام به أحد الأئمة ولكن، هناك شكوك في دوافعه، تلك الجهود هي التي قام بها الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين حينما كان ولياً للعهد في أيام أبيه وحاكماً للواء تعز، فقد قام بهدم قبة أحمد ابن موسى بن العجيل في مدينة بيت الفقيه عام (1348هـ)، وتحطيم تابوت أحمد ابن علوان وإخراج رفاته ثم دفنه في مكان مجهول عام (1372هـ)، وهذا العمل من حيث أنه تحقق به أمر مطلوب شرعاً فهو جيد، ولكن الشكوك ساورت الناس حينما اقتصر على هدم مشاهد البلاد الشافعية بينما البلاد الزيدية فيها مشاهد كثيرة،ومنها ما قد فتن به بعض الناس، ومع ذلك لم يمسها بشيء من ذلك، قال القاضي إسماعيل الأكوع في "هجر العلم" بعد أن ذكر هدم الإمـام أحمد لهذين المشهدين: (وتالله لقد أحسن الإمام أحمد صنعاً في كلتا الحالين، ولو أن يـده امتدت إلى سـائـر القباب والتوابيت الأخرى التي يعتقد عامة الناس في أصحابها الضر والنفع لأجزل الله مثوبته وأحسن إليه، ولاسيما القبور التي يلتمس عندها العامة الخير والبركة، ويرجون منها النفع ودفع الضر والشر [76]، ثم استطرد في الموضوع إلى أن قال: (وكان الواجب على الإمام أحمد هدم القبور التي يلتمس العامة منها الخير والبركات؛ امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)[77].
قلت: وفي هذا إشارة إلى أن الإمام أحمد ما فعل ما يجب عليه،وما كان مقصده تطبيق أمر الشرع بشكل خالص؛ وإلا لعمم ذلك، وربما يعتذر له بأن هذه المشاهد تحت سلطته بينما غيرها ليس له عليها سلطة، فقد مر أن أباه كان يؤيد تلك المشاهد التي على قبور الأئمة، وقد أمر ببناء واحد منها في منطقة أرحب على قبر الإمام أحمد بن هاشم الـويسي المتـوفى سنة (1269 هـ) والمدفـون في (دار أعـلا من أرحب للتبرك به، وهددهم بأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإنه سينقل رفاته إلى مكان آخر، فما كان من أهل أرحب إلا أن بنوا له قبة، ووضعوا على قبره تابوتاً) [78].
والخلاصة أن هناك جهوداً عملية قام بها أئمة وعلماء في هذه المناطق، وقضوا ما عليهم، وقاموا بما أمروا به، فمن كان منهم مخلصاً فأجره على الله، ومن كان له مقصد آخر؛فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى.
المطلب الرابع: الجهود العملية المختلفة التي قام بها أناس مختلفون في سائر أنحاء اليمن:
إن الجهود العملية لتسوية القبور المشرفة كانت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تزال إلى اليوم، وقد مر في الباب التمهيدي حديث علي -رضي الله عنه- حين قال لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)[79]، وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بـذل جهوداً في محاربة القبور المشرفة، وكذلك علي -رضي الله عنه- في أيام خلافته وقبل ذلك في أيام عثمان حيث كان يتفقد المقابر بنفسه، ويأمر بتسويتها، وقد مر هناك.
ثم مازال ولاة الأمور يتابعون هدم ما بني في المقابر، كما صرح الإمام الشافعي -رحمه الله- بذلك في الأم ونقلته في الباب التمهيدي، وإنما تخاذل ولاة الأمر في ذلك بعد تمكن الباطنية من مقاليد الأمر في القرن الرابع كما مر كذلك، وفي القرون المتأخرة أصبح السلاطين يؤيدون القبورية؛لأغراض سياسية فعمقوها وجذروها في الأمة،وأصبحت الجريمة ليست هي بناء المساجد والمشاهد على القبور، وإنما هدم وإزالة تلك الأبنية.
وبالمناسبة أقول: إنه لدينا في اليمن تجري السلطة على نفس منهج السلاطين المتقدمين من مجاراة للقبورية ومداهنة لهم، ونتوهم أنهما بذلك يكسبونهم ويكسبون الأمة من ورائهم، وهذا وهم كاذب، فالصوفية لا تحب هذا النظام أوتنصح له، وأكبر دليل ما حصل منها أثناء حرب الانفصال وكل الناس يعرفون موقفها من ذلك، وعندما يقوم فرد أو مجموعة من الغيوريين بتنفيذ أمر سول الله صلى الله عليه وسلم فيسوون قبراً أو يهدمون مشهداً،تقوم عليهم الدنيا ولا تقعد ويساقون إلى السجون، وتشهر بهم الصحف المأجورة، ويتناولهم بأنواع السباب والشتائم من لا علم ولادين ولاخلق له، والعلة في ذلك حسب زعمهم هي: إثارة العوام، وإثارة القلاقل، والإخلال بالأمن، واحتمال وقوع الفتن والقتل، ونحو ذلك من العلل.
وأقول: إنه قد يحصل شيء من هذا،لكن أليس ما يقوم به القبورية اليوم على مرأى ومسمع من الجميع من بناء مشاهد جديدة وترميم وإصلاح المشاهـد القديمة وبعث العادات والبدع القبورية الميتة، أليس هذا كله يستفز الأمة التي قد وعت وعرفت أن ذلك حرام ووسيلة من وسائل الشرك؟ وجميع المسؤولين والمهاجمين لمعارِض القبورية معترفون به، فإذن لِمَ تجوز الإثارة من قبلهم ولا تجوز من قبل معارضيهم؟ مع أنهم على باطل ومعارضوهم على حق باعتراف قيادات الأمن وقضاة المحاكم وأساطين الصحافة؟ هل لأن الدعاة لا يلجأون للإثارة وتهييج الجموع؟ والقبورية يتقنون ذلك؟ أم أن هناك إيحاءً بذلك من جهات لا نعرفها؟ يجب أن نسمع جواباً شافياً على هذا التساؤل وعدلاً وإنصافاً مـع الأطراف المختلفة والـتخلي عن محاباة طرف على حساب الآخر.
ويجب أن يزول كذلك وهم أن الصوفية القبورية ومن على شاكلتهم قادرون على أن يحققوا لبعض الأحزاب أهدافها، فوالله ماهم بفاعلين؛ لأنهم إنما يسعون لمصلحة مبادئهم ومناهجهم لالمصلحة أحد سواهم، ولو فرض إرادتهم نفع هذا الحزب أو ذاك فلم يعودوا قادرين عليه؛لأن الأمة قد سحبت ثقتها منهم ولم يعد نفوذهم يسيّرها.
بعد هذه المقدمة التي أطلت فيها حيث لم أستطع تجاوز هذا الموضع بدونها أقول: (إن هناك نماذج مشرقة في مواجهة القبورية في اليمن مواجهة فعلية، وتقدم قريباً ما فعل علماء صنعاء عندما واتت الفرصة لهم، كما سبق في مبحث من مباحث هذا الباب، ما فعله القاضي العلامة عبدالله عوض بكير وزملاؤه أعضاء لجنة الشؤون الدينية حينما قامت اللجنة الشرعية وأعطي لها الصلاحيات من إزالة الكثير من مناكر الزيارات القبورية، وكذلك ما فعله بحكم منصبه القضائي من إغلاق لمشهد " علوية " بمدينة المكلا ومنع إقامة الحضرة فيه.
ولقد تساند بعض القضاة الصالحون مع بعض مسؤولي النواحي في -ما كـان يعـرف بالشطر الشمالي من اليمن- فقاموا بجهود مشكورة ومساندة للدعاة لإزالة بعض المشاهد وتسوية بعض القبور المعظمة وهاك مثالاً على ذلك وهو مـا أخبرني به الأخ الشيخ محمد بن علي الغيلي مـن احتساب، قام به الشاب الغيور الداعية إلى الله في بلاد المحابشة من محافظة حجة الأستاذ الشهيد -إن شاء الله- " أحمد بن أحمد الأمين " مع مجموعة من إخوانه طلبة العلم والدعاة حيث قرروا إزالة هذه المشاهد وما يترتب عليها من مفاسد،وبدأوا بالتوعية والتهيأة لذلك،ثم اتصلوا بالعلماء فوجدوهم مجمعين على أن ذلك من البدع المنكرة، غير أنهم ما كان بمقدورهم الإفصاح عن ذلك، ثم اتصلوا بالمسؤولين "العامل والقاضي ومسؤول الأوقاف"، وقد وافقهم الجميع، ثم أخذوا أمراً من القاضي " محمد بن علي الخزان " حاكم القضاء، هذا نصه:
(نأمر المذكورين المحررة أسماؤهم بالعزم بمعية الولدين محمد علي الغيلي، وأحمد الأمين لهدم مشهد "الصوفرة" ليزول الاعتقاد والفساد لدى العوام وفي ذلك عمل صالح تخدمون به الإسلام والعقيدة الحقة، اعتمدوا هذا.
11/شعبان سنــة 1394هـ حاكم القضاء
محمد بن علي الخــزان
وذكـر أسماء المكلفين بذلك، وقد نفذت العملية صبيحة يـوم الرابـع عشر مـن شعبان عـام (1394هـ) وذلك من قبل الشباب المذكورين، ومعهم عدد من الجنود المسلحين، ولم يحدث شيء يذكر من فتنة ولاغيرها ثم قضى على بقية المشاهد في المنطقة، والحمد لله رب العالمين.
هذا ملخص ما حكاه الشيخ محمد الغيلي حفظه الله، وصورة أمر القاضي موجودة لدي،
وإليك مثالاً ثانياً على المواجهة العملية للقبورية في اليمن من محافظة شبوة حيث قام مجموعة من المهاجرين إلى الحجاز الذين جالسوا علماء مكة والمدينة وعرفوا منهم الحق في موضوع القبورية قاموا بعمل ملفت حيث اتفقوا مع الشيخ الجليل والداعية المعروف الشيخ محمد بن عبدالوهاب البناء المصري أحد أعضاء جماعة أنصار السنة المحمدية،والذي كان مقيماً في المدينة حيناً وفي مكة حيناً آخر، اتفقوا أن يصحبوه إلى بلادهم للدعوة إلى الله عزوجل ونشر السنة والتوحيد وإصلاح ما أفسدته القبورية، فارتحل معهم وذلك قبيل استقلال البلد عن الاستعمار البريطاني بقليل،حتى وصلوا إلى بلادهم والتي كانت تسمى"سلطنة الواحدي " ومكثوا مدة طويلة فيها، يدعو الشيخ ويعلم الناس، وتلك المجموعة تناصره وتحميه، وقد اتصل بالمسؤولين والعلماء وكبار الناس في المنطقة، وكان لدعوته أثر طيب،منه قيام أولئك النفر ومن تأثر بهم بهدم بعض القباب والمشاهد وتسوية بعض القبور المعظمة،ومنها القبر المزعوم والمنسوب إلى من قالوا أنه النبي (دانيال ابن هادون بن هود)،ولا أدري كيف أجازوا إضافة نبي لم يخبر به كتاب ولاسنة ولا أثر صحيح، المهم اكتُشف القبر ورسخ في عقول ونفوس الناس أنه قبر هذا النبي " المزعوم "، فصار مشهداً تقام له زيارة سنوية في رجب،وتحصل فيها اجتماعات وكرامات، هذا القبر الذي فتن الناس به،هدمه أولئك الرجال جزاهم الله خيراً [80].
ومن العجب -وكل أمر القبورية عجب- أن بعض الإخوة الذين عاصروا هدم ذلك القبر أخبرني أنه عندما هدمت القبة، وأزيل ما على القبر لم يوجد به أي قبر وإنما وجدوا صفاة صماء لا حفر فيها ولا أي أثر يدل على أنه قد دفن فيه أحد.
ومثال ثالث أخير على المواجهة العملية وهو من محافظة عدن، وهي الحادثة التي كان من نتائجها تسوية القبور المشرفة، وهدم القباب المرتفعة، وتحطيم التوابيت التي على قبور من يدعون أنهم أولياء، فيفتتن بهم عامة المسلمين، تلك الحادثة وقعت في عـدن عقـب انتهاء حـرب الانفصال في عـام (1415هـ) والتي قام بها مجموعة كبيرة من شباب الصحوة من سائر فصائل العمل الإسلامي، بعد أن رتبوا أو على الأقل أبلغوا الجهات الأمنية ولم تجد معارضة لفعلهم، غير أنه وبعد يومين من بداية الحملة انعكس توجه الحكومة ويبدو أن ذلك كان تحت ضغوط داخلية وخارجية كبيرة، وبـدأوا يلاحقـون الشباب الذين شاركوا في تلك الحملة، وزجوا بمجموعة كبيرة منهم في السجون، وقد ضخمت تلك الحادثة في وسائل الأعلام تضخيماً كبيراً، ووصف القائمون بذلك العمل بشتى الأوصاف القبيحة من إرهابيين ومجرمين وجبناء وغير ذلك، وكان من نتيجة ذلك هدم قبة الهاشمي وتسوية ما بداخلها من القبور المشرفة وكذلك قبة العثماني وكلاهما في الشيخ عثمان، وتحطيم تابوت العيدروس وما بجواره من القبور المشرفة، وعددها حوالي اثني عشر قبراً، ثم إخراج القبور من المساجد وهي قبر العراقي من مسجد حسين، وقبر مجاور للمسجد، وقبر المهدلي وقبر حسين الأهدل وقبر في مسجد العلوي بالقطيع وقبر الحامد من مسجد بالزعفران وتسوية قبر أو قبرين بـ (صيره).
وربما كان هناك أخطاء في تلك الحملة قبل البدء فيها حيث لم ينظر بدقة إلى عواقب الأمر، وما سيترتب على ذلك العمل من نتائج وفي ظل أجواء مشحونة بالتوتر ووجود فئات مهزومة،لم يبقَ لها إلا سلاح الدعاية والإشاعات الخبيثه،وتوجه إعلامي كامل نحو اليمن إثر الحرب التي انتهت قبل أيام.
كما حصل أثناء الحملة بعض الأخطاء، مثل: الحفر عن بعض القبور، وإخراج جثث الموتى منها، ولا أدري في أي مكان دفنت بعد ذلك، فهذه بعض المفاسد وهي طفيفة،وأما المصالح فكانت كثيرة فمنها: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخاص بتسوية القبور المشرفة، ومنها: إزالة أماكن المنكـر والفتـنة التي يضل بها فئام من الناس كل حين، ومنها: إقامة البرهان على كذب الدعاوى العريضة التي كان سـدنة تلك المشاهد يرددونها حول الكرامات الخارقة التي يزعمونها لأولئك الأولياء، ومنها: هذه الكرامة التي ينسبونها للعيدروس حيث يقولون: (إن القطب أبابكر العيدروس كان يمازح الولي الشهير سعد السويني، والعيدروس بعدن، والسويني بحضرموت، إذ ضجر السويني من ممازحة العيدروس، فرماه بمسواكه فأقبل المسواك " كالصاروخ سكود " فاكتشفه العيدروس وأمر طلابه بأن يخفضوا رؤوسهم حتى لايصيبهم، ولكـن المسـواك ارتفع عن المسجد ومن فيه ووقع في الجبل القريب منهم فأحدث فتحة كبيرة، لاتزال موجودة إلى اليوم)، هكذا يقولون للسذج من الناس ويصدقهم الكثير منهم، ويلغون عقولهم فلا يفكرون في إمكانية ذلك من عدم إمكانيته، فلما كسر التابوت وحطم أجزاء من المباني حوله بل وحفر القبر ورفع الرفات المتبقي من تلك الجثة، أيقن العقلاء أن ذلك هراء ودجل صريح، فهذه الفائدة كبيرة جداً، وإن كان بعض المخدوعين مازالوا يعتقدون بتصرف العيدروس في الكون حياً وميتاً، ولم يعدم السدنة والمضللون من القبورية حيلاً يبررون بها ما جرى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولعمري لقد أدى أولئك الشباب واجباً، وقاموا بفرض تخلى عنه الآخرون، فجزاهم الله خير الجزاء، وغفر لهم ما فيه من أخطاء.
ولقد تباينت ردود الأفعال كثيراً حول تلك الحادثة، وقال كلٌّ بما أراد أن يقول، إمـا عن اجتهاد أو هوى، وقد صدرت على إثر ذلك الحادث بيانات وكتبت مقالات، كان الغالب عليها مراعاة الحالة السياسية والوضع الذي تمر به البلاد والتأثر بما قامت به وسائل الإعلام العالمية من هجوم ضد منفذي هذه العملية، ولم أر من تلك البيانات والمقالات أكثر تجرداً، ولا أوضح تناولاً، ولا أنصح من بيان العلماء الذي سبق نقله في المبحث الثالث من هذا الفصل؛لأن الموقعين عليه من العلماء العاملين والدعاة المخلصين والمتجردين من الضغوط والأهواء المختلفة، فهو بحق يمثل الموقف الشرعي الصحيح إزاء ذلك الحادث، ويعتمد على الأدلة الصحيحة والبراهين الناصعة، فجزى الله من أصدره خير الجزاء.
الخاتمة:
الحمد لله الذي أتم عليَّ نعمه، ووالى عليَّ مننه، وأعانني فأكملت هذا البحث بهذه الصورة التي أرجو أن أنال بها رضاه،وأن يكون البحث نافعاً محققاً للغرض منه،وقد توصلت من خلاله إلى عدة نتائج من أهمها:
1. أن بني آدم كانوا على التوحيد الكامل حتى طرأ عليهم الشرك وذلك بالغلو في الصالحين ولم يعرف شرك في البشرية قبل ذلك.
2. أن اليهود والنصارى واليونان كانوا قبورية متعلقين بالقبور معظمين لها معتقدين فيها عقائد باطلة وقد أخبر الرسول r أن هذه الأمة ستتبعهم في ذلك.
3. أن العرب كانوا موحدين على ملة أبيهم إبراهيم، حتى حرفهم عمرو بن لحي الخزاعي وكان من أسباب انحرافهم الغلو في بعض البشر، كما حصل عندما أحبوا (اللات) وعظموا موضعه،ثم اتخذوه إلهاً، وبالغلو في آثار الأنبياء حتى عظموا الحرم وحملوا حجارته معهم تعظيماً له، ثم أنهم عبدوا تلك الأحجار بعد مدة.
4. أن الشرك بعد ذلك عمّ جزيرة العرب والعالم كله حتى مقتهم الله تعالى إلا بقايا من أهل الكتاب ومعهم عدد قليل من حنفاء العرب.
5. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد طهر الجزيرة العربية من الشرك وعلم أمته طرق حماية التوحيد وحذرهم من الشرك ووسائله أبلغ تحذير.
6. أن القرون المفضلة كانت خالية من جميع مظاهر القبورية، وأن الصحابة والتابعين وأتباعهم من علماء وأمراء عملوا على إزالة أي مظهر من مظاهر القبورية المتمثلة في البناء على القبور، وتعظيمها بأي نوع من أنواع التعظيم حتى أن الخلفاء والأمراء كانوا يتولون ذلك بأنفسهم أو بوكلائهم، وأن ما يستدل به القبورية على وجود مبان وقبور مرتفعة في ذلك الوقت إنما هو مجرد شبه لا وزن لها
7. أن الشيعة كانوا يحاولون منذ زمن مبكر إنشاء مبان على قبر الحسين t وإقامة مراسيم بدعية له، ولكن الخلفاء كانوا يمنعونهم من ذلك، ويشددون في المنع، ويزيلون ما يحدث في حين الغفلة، وأن ذلك كان بدافع الحرص على منع الابتداع في الدين وليس كما يقول الرافضة بسبب بغض الحسين وأهل بيته.
8. أن الشيعة الغالية من رافضة وإسماعيلية وباطنية هم الذين أنشأوا المظاهر القبورية في العالم الإسلامي ضمن بدع كثيرة ابتدعوها حينما حكموا بلاد المسلمين أواخر القرن الثالث وسائر القرن الرابع وبعض الخامس وأن تلك المظاهر قد ألفها المسلمون منذ ذلك الحين ولذلك فإن الدول السنية التي جاءت بعدهم قد قلدتهم في ذلك ونشرت تلك المظاهر في البلاد التي لم تصلها الدولة الشيعية.
9. أن الصوفية المتأخرة القائمة على الفلسفة هي نبته غريبة على الإسلام ولا علاقة لها بالزهد الذي حث الشرع عليه، وليس لها قدوة من صحابي أو تابعي أو إمام معتبر من أئمة المسلمين.
10. لقد أخذت باطنية الشيعة جملة من العقائد عن الفلاسفة وغيرهم من الأمم الكافرة وطبقتها على أئمتها وصاغتها صياغة تناسب ملتها ثم نشرتها بين اتباعها وحملتهم عليها ثم إن المتأخرين من الصوفية أخذوا ذلك عنهم ودمجوه في منهجهم وعملوا به واعتقدوه ومن ذلك عقيدة القطبية والتصرف في الكون التي انبثقت عنها معظم العقائد الضالة في الأولياء والكرامات.
11. كما أخذت الباطنية الشيعية والصوفية بعلة الزيارة التي قررها الفلاسفة وأصبحوا يزورون القبور بمقتضاها لا بمقتضى العلة الشرعية التي علمها رسول الله r لأمته وتلك العلة المأخوذة عن الفلاسفة هي الاستشفاع والاستمداد من أرواح الأموات المزورين واعتقاد أنها تمد من استمد منها
12. إن الصوفية الغالية الحريصة على إظهار الخوارق وعدها كرامات تدل على ولاية من جرت على يديه قد اخذوا بعدد من علوم السحر واستخدموها ونشروها في الأمة ومنهم من كان يعاني أنواعاً من الرياضات للوصول للكشف وخرق العادة على طريقة سحرة الهند وغيرهم.
13. ليس ما ذكرته عن الصوفية منطبقاً على كل من انتمى إليهم أو وصف بولاية منهم، بل ممن نسب إليهم مَن هو برئ مما نسب إليه، وهناك من اعتقد عقائدهم وعمل ببدعهم؛ تقليداً لهم وإحساناً للظن بهم، فهؤلاء أمرُهم إلى الله، وأما ما نسب إليهم من ذلك فهو باطل وانحراف وهو إدانة للمنهج الصوفي ودليل على بطلانه؛ لأن الصوفية هم الذين نسبوا ذلك إلى شيوخهم ونشروه مرتضين له، بل يعدونه من أعظم فضائلهم.
14. أثبتت هذه الدراسة أن أهل اليمن كانوا على منهاج السلف الصالح في عقيدتهم وأحكامهم وأن مصادر علمهم هي كتب السنة قبل دخول الكتب الفقهية والمذاهب المختلفة وكتب الفرق المخالفة لذلك المنهج،وأن منهج السلف الصالح ظل قائما ًحتى بداية القرن الثامن في البلاد الشافعية وأنه ما كاد يغلب على تلك البلاد المذهب الأشعري حتى قام منهج السلف الصالح في البلاد الزيدية على يد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وأتباعه وهذا المنهج ما زال قائماً إلى اليوم والحمد لله.
15. كما عرفنا أن جميع المذاهب المخالفة لمذهب السلف الصالح إنما هي وافدة على اليمن وليست أصيلة فيه وأن الصوفية القبورية لم تعرف بفلسفتها المبتدعة في اليمن إلا منذ القرن السادس ولم تستقر ولم تنتشر إلا في القرن السابع.
16. أن جميع ما لدى صوفية العالم الإسلامي من عقائد ضالة وبدع باطلة ومخالفات ظاهرة أو خفية أو دعاوى وشطح كل ذلك قد قلدهم فيه صوفية اليمن في وقت ما أو مكان ما.
17. كما أظهرت الدراسة أن لسلاطين اليمن السنيين وأئمته الزيديين دوراً كبيراً في نشر القبورية وتعميقها في البلاد
18. كما أظهرت الدراسة أن لوجود القبورية وانتشارها آثاراً سيئة كثيرة منها:
أ) إفساد عقائد كثير من الناس بالشرك الأكبر والأصغر لتعلقهم بالأولياء وإيهامهم أنهم يمدون من استمد منهم، ويعطون من دعاهم، وينفعونهم ويضرونهم بما لا يقدر عليه إلا الله.
ب) نشر الخرافة في الأمة حتى أصبحت جزءاً من حياتها.
ج) نشر السحر واستخدامه باسم الكرامة والولاية، حتى أصبحت تقرأ عن أولياء يوصفون بأوصاف جليلة جداً، وتنسب إليهم كرامات عظيمة، وربما في نفس الترجمة يوصف بأنه يتقن علم أسرار الحروف والأوفاق والرمل وما أشبه ذلك،ويتصرف بها وهي من علوم السحر والكهانة مما يجعل الباحث في شك كبير من غالب أولئك الأولياء وتلك الكرامات لاختلاط الكرامة بالسحر والكهانة وعدم التقيد في صفة الأولياء بالضوابط الشرعية.
د) كما أنه ترتب على ذلك نقص العلم الشرعي وتجهيل الأمة وحصر التعلم في فئات محدودة.
هـ) وترتب على ذلك أيضاً وجود تمايز طبقي وترفّع بعض الفئات على بعض مما كان له نتائج سيئة على المجتمع.
19. واجه علماء اليمن القبورية وتصدوا لها رغم ما كانت تقوم به من أساليب كثيرة لمواجهة هؤلاء العلماء، منها اللجوء إلى السلطان، وتسخير القبائل لضرب من ينازعها واستخدام الاختراق والاحتواء والتشويه للخصم، وقد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية أو الضرب المبرح.
19.لعلماء اليمن مؤلفات قيمة نافعة في مواجهة القبورية كتبها علماء من سائر الجهات اليمنية.
020لقد كان لحركات التجديد السنية أثرها البالغ على القبورية في اليمن من حيث كبــح جماحها، وتبصير الناس بمعايبها، وصدهم عن متابعتها، والحركات التي كان لها بالغ الأثر هي مدرســة التجديد والاجتهاد التي ابتدأها ابن الوزير وتبعه عليها ابن الأمير والشوكاني وغيرهم من علمـاء
اليمن ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، ودعوة الإرشاد بإندونيسيا، وقد ترتـب على ظهور هذه الدعوات هدم الكثير من المشاهد والقباب المقامة على أضرحة الأئمـة والأوليـاء في فترات مختلفة.
هذه أهم النتائج التي خرجت بها، ولا شك أن هناك فوائد ونتائج أخرى سيلمسها القارئ من خلال مطالعته لهذه الرسـالة، أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه، سالمة من الأغراض والأهـواء، نافعـة لي ولإخواني المسلمين إنه سميع مجيب، والحمد لله أولاً وآخراً.
[1] تقدم تخريجه ص ( ) .
[2] مقدمة السلوك للجندي ( 1/ 27-28 )
[3] هجر العلم (1/222-223 ) .
[4] انظر : ص ( ) .
[5] تقدم تخريج الحديث ص ( ) .
[6] هجر العلم (1/225 ) .
[7] المصدر السابق ( 2/750 ) .
[8] هجر العلم ( 2/751 ) .
[9] تاريخ حضرموت السياسي ( 119-121 ) .
[10] الصحيح " تعلق في " والمعنى أنها تأكل .
[11] الفكر والمجتمع ( 228-230 ) .
[12] ص ( ) .
[13] في الأصل للجافل .
[14] ديوان ابن شهاب ( 193 – 196 ) طبع مكتبة التراث الإسلامي صعدة ، ودار التراث اليمني صنعاء ، الطبعة الثانية سنة ( 1417هـ - 11996م ).
ديوان ابن شهاب ص : ( 237 – 238 ) .
[16] ديوان ابن عبيد الله (258-259).
[17] ديوان ابن عبيد الله (238-239).
[18] مجلة الإكليل (39 ) مقال لعبدالله البردوني .
[19] هجر العلم ( 2/750 – 751 ) .
[20] مجلة الإكليل مقال البردوني (39 )
[21] في الأصل تقديم المسواك والصواب ماذكر .
[22] همام أو في بلاد الأحقاف لعلي أحمد باكثير ص (47) منشورات الصبان وشركاه ، الطبعة الثانية (1385-1965) .
[23] العتــق : القـــدم .
[24] تطلـق حدرى على ما سـفل من حضرموت كشبام وسيئون وتريم ، وعلوى على ما علا منها كدوعن وعمد ووادي العين.
[25] الدفر : الدفع في الصدر .
[26] همام ( 48-52) .
[27] السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهو ممن عاصرته مدة وعملت معه في بعض الدورات الشرعية التي أقامتها وزارة الأوقاف والإرشاد بحضرموت ، والرجل درس في رباط تريم ثم سافر مبتعثاً إلى السودان وتخرج من هناك وعاد ليتولىرئاسة محكمة الاستئناف بالمكلا ثم رئاسة القضاء بحضرموت واستمر فيه إلى عام 1970م ثم استقال منه .
وهو قد استفاد من تفرغه أيام الحزب الاشتراكي في أول عهده وعهد الجبهة القومية فقرأ كثيراً ومما قرأ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولكنه مع ذلك ظل متمسكاً بالأشعرية على طريقة الغزالي ، وكان يكره الخوض في مجال البدعة بل إن له كتاباً أيد فيه أصل الابتداع في الأمور العملية ورد على صاحب كتاب "السنن والمبتدعات "وكان يغضب عندما يسأل عن حكم القباب التي على القبور ، ثم بعد اشتداد موجة التصوف تعاطف مع المتصوفة أكثر وكان يقول إن علي بن حسن السقاف - صاحب الأردن الذي ألف رسائل في تأييد بعض البدع ورد على الشيخ الألباني وابن تيمية وغيرهما - يقول عنه أنه مجدد هذا القرن .ومع ذلك كان يفتي هذه الفتاوى في أن الاستغاثه بغير الله شرك إلى آخر حياته - رحمه الله - .
[28] حرف الكاف رمز للشيخ العلامة محمد بن سليمان الكردي مفتي الشافعية في زمانه معزو إلى فتاواه .
[29] هذه الفتوى صدرت بخطه وتوقيعه وختمه ثم طبعت في ورقة أخرى ووزعت في حياته ولازالت النسختان محفوظتين .
[30] وهذه الفتوى حررت يوم الاثنين 12 صفر 1416هـ وهي كذلك محفوظة بخظ المفتي وتوقيعه .
[31] ذخيرة العباد شرح راتب الحداد ( 124-125 ) بواسطة طريقة الساده العلويين نقلاً عن كتبهم ( 7-8 ) كتبها مجموعة من الشباب كنوا عن أنفسهم بـ ( مخلصون ) وقدم لها السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهي مخطوطة لدى.
[32] إن هذا القول إنما هو تنصل من الحقيقة وإلا فهو قول العامة وكثير من الخاصة ولئن كان العامي تربى على ذلك واعتقده تقليداً، فإن بعض من يحسب من الخاصة من يقوله ويدافع عنه ويقيم الحجج بزعمه على صحته ، ثم عند المناظرة يراوغ ويقول إنما هذا فعل العامة ومن اعتقد الضر والنفع في غير الله فقد أشرك ، فله مذهبان مذهب عند الأتباع هو تأصيل ذلك وتأييده ومذهب عند الخصوم هو المراوغة والتقية وإسكات الخصم بما يوافقه وإن كان خلاف مايعتقده ذلك المناظر .
[33] الدر النضيد ص ( 110 ) .
[34] عقود الألماس بمناقب الإمام العارف بالله الحبيب أحمد بن حسن العطاس (1/47)
[35] يعني أن هذه المسألة فتاوى عبدالله بن الحسين بن عبدالله بافقيه كما في مقدمة العينية (2 ).
[36] ( الذيم ) يظهر أنه اصطلاح خاص بالقوم ولم يفسره المصنف ولعله مانع من موانع حصول الصيد بسبب معين .
[37] سورة الرعد ( 38 ) .
[38] بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين تأليف عبدالرحمن بن محمد باعلوي طبعة دار الفكر بدون تاريخ ص ( 255-256 ) .
[39] مذكرة طريقة السادة العلويين كتبها مجموعة من الشباب كنوا عن أنفسهم بـ ( مخلصون ) وقدم لها السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهي مخطوطة لدى ص ( 10 ) عن رسالتي ( المساواة والملكية ) للسيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف .
[40] البقــرة ( 224 )
[41] المجموع لعبدالله بن حسين بن طاهر ص ( 237 ) بواسطة طريقة السادة العلويين ص ( 8- 9 ) .
[42] الفتاوى النافعة ص ( 249 ) .
[43] الأمل يشبه نذر المكافأة كأن يقول إن شفي مريضي فللولي الفلاني كذا كذا .
[44] المصدر السابق ص (248-249).
[45] أي أن هذا النقل عن الشيخ عبدالله بن عمر بن أبي بكر بن يحيى كما في المقدمة (2) .
[46] بغية المسترشدين ص ( 298 – 299 ) .
[47] انظر الطبقات الكبرى (1/ 108 ) .
[48] عقود الألماس ( 1/104 ) .
[49] الحجر ( 42 ) .
[50] النفائس العلوية في المسائل الصوفية ص ( 127 – 128 ) لعبدالله بن علوي الحداد طبع دار الحاوي الطبعة الأولى ( 1414هـ - 1993م ) .
[51] لدي صورة طبق الأصل من هذه الفتوى وقد وردت ضمن كتيب بعنوان" الفتاوى اليمنية في تحريم رفع القبور والزيارات البدعية والشركية "وهو من سلسلة باسم ( السلسلة الدعوية ) رقم (9) ويوزع مجاناً بدون تاريخ .
[52] الأضواء البهية على بعض العادات الحضرمية تأليف أحمد بن علي برعود ص ( 37 ).، الطبعة الأولى: ( 1421 – 2001 ) .
[53] االصحيح أن لحديث من رواية أبي رقية تميم بن أوس الداري
[54] عنوان المجد في تاريخ نجد ص( 11 ) تأليف عثمان بن بشر – طبع مكتبة الرياض الحديثة – بدون تاريخ.
[55] الديوان ص( 172 ) .
[56] البدر الطالع – ترجمة الشريف حمود بن محمد صاحب أبي عريش ( 1/ 240-241 ) .
[57] فرجة الهموم والحزن للواسعي ص( 234 ) و الشوكاني حياته وفكره ص( 55 ) .
[58] حوليات يمانية ص( 22-23 ) .
[59] البدر الطالع (1/262-263 ) .
[60] تاريخ حضرموت المسمى بـ ( العدة المفيدة ) ( 1/321 ) للشيخ العلامة سالم بن محمد بن سالم بن حميد الكندي . تحقيق عبدالله محمد الحبشي . مكتبة الإرشـاد . صـنعاء ( الطبعة الأولى ، 1411 هـ - 1991 م ) ، وتـاج الأعـراس ( 1/ 174 ) .
[61] انظر إدام القوت لابن عبيدالله ص(227 ) .
[62] كذا قال والصواب ناجي بن قملا .
[63] إدام القوت الحلقة (40 ) في مجلة العري التي تصدر في الرياض .
[64] إدام القوت ص(123 ) .
[65] إدام القوت ص( 43 ) .
[66] عنوان المجـد (ص 191 – 214 ) .
[67] المصدر السابق ص( 157 ) .
[68] انظر تاج الأعراس ( 1/230-237 )
[69] تذكير الناس ص( 219 ) .
[70] تذكير الناس ص( 220 ) .
[71] تاريخ الإرشاد ص(6) .
[72] الدر النضيد ص( 126 – 127 ) .
[73] البدر الطالع ( 1/262-263 ) .
[74] حوليات يمانية ص ( 22-23 ) .
[75] هنا في التعليق على الكتاب ص( 22 ) رقم ( 7 ) قلت : وفي هذه المناسبة ألف العلامة محمد بن علي الشوكاني رسالة ( شرح الصدور في تحريم رفع القبور ) .
[76] هجر العلم (1/ 223 ) .
[77] المصدر السابق ( 1/ 225 ) .
[78] المصدر السابق ( 1/225 ) .
[79] انظر الباب التمهيدي ( ) .
[80] انظر ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان تأليف السيد / محمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر الحوت المحضار لم تذكر له دار نشر وتاريخ ص( 33 ) .