جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

 جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

 

الباب السابع

في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في

استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وعرض

عقيدة القبورية في الاستغاثة وتحقيق أنهم أشد شركا

من الوثنية الأولى

وفيه فصول ثلاثة:

- الفصل الأول: في عرض أمثلة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

- الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وتحقيق أنها شرك بل هي أم لعدة أنواع من الإشراك بالله تعالى .

- الفصل الثالث: في تحقيق علماء الحنفية أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى، وأنهم أشد خوفا ورجاء وأكثر خضوعا وخشوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات.

 

الفصل الأول

في عرض أمثلة لعقيدة القبورية

في استغاثتهم بغير الله

وفيه مباحث ثلاثة:

- المبحث الأول: في أن الاستغاثة بغير الله أهم العقائد القبوريات عند القبورية.

- المبحث الثاني: في أن الاستغاثة بغير الله، ولا سيما الأموات ، أنفع للمكروب وأسرع لقضاء الحاجات عند القبورية من الاستغاثة بخالق الكائنات.

- المبحث الثالث: في بيان أمثلة متفرقة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله عند الكربات.

المبحث الأول

في أن الاستغاثة بالأموات

أهم العقائد القبوريات عند القبورية

تعتقد القبورية عدة عقائد وثنية، كعقيدة التصرف في الكون للصالحين، وعقيدة علم الغيب لهم، وعقيدة سماع الموتى أصوات المستغيثين بهم، وعقيدة حياة الأموات حياةً نبويةً، وعقيدة بناء القبب والمساجد على القبور، وعقيدة الحج إلى القبور، وعقيدة النذر لأهل القبور ، وغير ذلك من العقائد الوثنية والغلو في القبور وأهلها، ولكن الهدف الأسمى للقبورية والغاية العظمى، والمقصد الأعلى لهم من هذه العقائد كلها- هو استغاثتهم بالأموات عند إلمام الملمات * لدفع الكربات والمضرات، وجلب المنافع والخيرات*

أما سائر عقائدهم الوثنية - فهي وسائل لهذا المقصد الأسنى، والغاية الكبرى عندهم؛ ولذلك ترى القبورية يحاولون إثبات علم الغيب للأموات*

والغائبين الذين يستغيثون بهم عند الكربات والملمات* ويعتقدون فيهم التصرف المطلق في الكائنات* كما أنهم يحاولون إثبات أن حياة الأموات بعينها حياة الأحياء، بل أقوى، وأن الموتى يسمعون نداء المستغيثين بهم في كل زمان ومكان، ويهتمون بوفاء النذور لهم أشد من أداء كل فريضة لله، كما أنهم ينفقون ملايين الملايين من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة- على بناء القبب والمساجد على قبور المستغاث بهم، كما ترونها في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، وعربها وعجمها، وسهلها وجبالها، وتشاهدون أنهم يحجون إلى قبورهم من كل فج عميق، يعجون ويثجون، ويضرعون ويخشعون عند قبورهم، ولا سيما وقت مواسم موالدها* وأداء مناسك مشاهدها* كل ذلك لتحقيق الاستغاثة بهم لدفع الكربات* وجلب الخيرات*

ولذلك ترى القبورية يستدلون بعلم الغيب للأموات* وبتصرفهم في الكائنات، وبسماعهم للاستغاثات* وبحياتهم كحياة الأحياء ، بل أقوى، لا كحياة الأموات* وبجميع ما يفتعلونه من الحكايات والأساطير والكرامات* على جواز الاستغاثة بهم بل على ترجيحها على الاستغاثة برب البريات* فيجعلون جميع تلك العقائد الوثنيات* أدلة على جواز الاستغاثة بالأموات*

ومن المعلوم عند المؤلف والمخالف: أن المقصد الأسمى، والغاية العظمى- إنما هو المدلول، والدعوى ، والثمرة، والنتيجة،

وإنما يساق الدليل، وتورد الحجة، ويؤتى بالبرهان ، لإثبات المدلول، والدعوى، فالدليل لا يكون مقصودا بالذات، - وإنما هو وسيلة للتوصل إلى المقصود، وهو الدعوى، فثبت بهذا كله: أن المقصود للقبورية- هو الاستغاثة بالأموات لدفع الكربات، وجلب الخيرات، وأما سائر عقائدهم الوثنية:

كعقيدتهم في علم الغيب للأموات* أو عقيدتهم في تصرف الأموات في الكائنات* أو عقيدتهم في سماع الموتى للاستغاثات*؛ ونحو ذلك من عقائدهم الوثنية - فشبهات تشبهوا بها لجواز الاستغاثة بالأموات* ووسائل للقبورية توصلوا بها إلى الاستمداد من الأموات * فالغاية العظمى للقبورية، ومقصدهم الأسمى ، وهدفهم الأسنى، ومطلوبهم الأعلى بهم- هو الاستغاثة بالأموات لدفع البليات، وجلب الخيرات، وأما بقية عقائدهم، فهي لها تبع؛ ولذلك صرح علماء الحنفية، بأن الاستغاثة بغير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله- أمّ الشركيات؛ إذ هي متضمنة لعدة أنواع من الشرك، أبْيَنُها ثلاثة:

الأول: اعتقاد المستغيث: أن المستغاث يعلم الغيب.

الثاني: اعتقاده: أنه يسمع نداءه.

الثالث: اعتقاده: أنه قادر على دفع الضر وجلب الخير.

وإلا لما دعاه ولا فتح بالاستغاثة فاه وكل واحد من هذه الأنواع أبيَنُ أنواع الشرك، كما سبق نصوص علماء الحنفية على ذلك في البابين السابقين، وكما ستأتي نصوصهم الأخرى في هذا الباب إن شاء الله.

ولأجل اهتمام القبورية بالاستغاثة بالأموات عند الكربات * ألف كثير من أئمتهم الوثنية في الدعوة إلى الاستغاثة بالأموات* كتبا سموها بأسماء تشعر بالاستغاثة بغير الله تعالى :

1 - منهم : أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي (634هـ)، وسمى كتابه : " مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام " .

2 - ومنهم : ابن النعمان المالكي المغربي (683هـ)، واسم كتابه الوثني هو الأول بعينه، مخطوط حتى الآن فيما أعلم.

وهذا الوثني قدوة كل قبوري بعده، وعمدته، فتراهم ينهلون من مستنقعاته.

وقد ذكر هذا الوثني في سبب تأليف كتابه هذا:

أن كثيرا من أئمة الإسلام قد صنفوا في الاستغاثة بالله تعالى وحده- فأردت أن أؤلف في الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم والالتجاء إليه، فصنف : " مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام ".

3 - ولهذا الوثني كتاب آخر في الدعوة إلى الوثنية، سماه:

" سفينة النجاء لأهل الالتجاء في كرامات أبي النجاء ".

4 - ومنهم : النبهاني (1350هـ)، فقد ألف في الدعوة إلى الوثنية كتابه الفاضح المفضوح الكاسر المكسور:

" شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ".

5 - ومنهم: أحمد رضا خان الأفغاني، الملقب بعبد المصطفى، إمام البريلوية (1340هـ) فقد ألف كتابا سماه:

" أنوار الانتباه بحل النداء بيا رسول الله ".

6 - وله كتاب آخر سماه: " بركات الاستمداد ".

7 - وآخر سماه: " حدائق بخشش " يعني حدائق الهبات، كله

استغاثات بالأموات.

8 - ومنهم : الميرغني الحنفي الوثني ( 1207هـ)؛ فقد ألف كتابا سماه: " تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء ".

9 - ومنهم : الحموي الحنفي القبوري (1098هـ)، له كتاب وثني سماه:

" نفحات القرب والاتصال بإثبات التصرف للأولياء بعد الانتقال ".

وأما عقد القبورية أبوابا وفصولا في كتبهم الوثنية للاستغاثة بالأموات عند الكربات- فحدث ولا حرج.

المبحث الثاني

في أن الاستغاثة بغير الله ولا سيما الأموات

أنفع للمكروب وأسرع لقضاء الحاجات عند القبورية

من الاستغاثة بخالق الكائنات

تمهيد: لذكر عدة أمثلة لعقيدة القبورية: من أن الاستغاثة بغير الله أنفع للمكروب، وأسرع لقضاء الحاجات*- من الاستغاثة برب البريات* تعتقد القبورية أن الاستغاثة بالله تضر بالمكروب، وتؤخر جلاء كربته، وأن الاستغاثة بغير الله تعالى أنفع للمكروب، وأسرع لقضاء حاجته، فإن الله لا يهمه أمر المبتلى بالمصائب، أما الولي فيهتم بأمر من يستغيث به، بل الاستغاثة بالله تعالى قد تؤدي إلى عدم استجابة دعاء المضطر عندهم؛ ولذلك ترى القبورية يرجحون الاستغاثة بالأموات على الاستغاثة برب البريات جهارا دون إسرار، جرأة على الله بلا حياء من العباد، ولا من رب العباد، ولا خجل ولا ندامة، وإليك بعض الأمثلة من وثنياتهم لتحقيق ذلك:

المثال الأول:

ما قاله أحمد رضا خان الأفغاني، الملقب بعبد المصطفى، إمام البريلوية (1340هـ):

إن سيد الطائفة: الجنيد البغدادي (298هـ)- جاء إلى نهر دجلة ليعبره، فقال: " يا الله " ، ومشى عليه كما يمشي على الأرض!!! فرآه شخص، وأراد أن يعبره فلم يجد سفينة، فقال للجنيد : إني أريد أن أعبر هذا النهر، فكيف السبيل..؟ فقال له الجنيد : " قل : يا جنيد . يا جنيد - مُرَدِّدا لهذا النداء ، فتعبره ".

فقال الرجل : يا جنيد ، يا جنيد - مُرَدِّدا له ومكررا له كالورد والذكر، ومشى على النهر كما يمشي على الأرض، فلما وصل إلى وسط النهر- وسوس إليه الشيطان، وقال له:

إن الجنيد كان يقول: " يا الله. يا الله. "، ويقول لك : " قل : يا جنيد . يا جنيد ! فَلمَ لا تقول أيضا: يا الله .يا الله "؟؟؟.

فجعل الرجل يقول: " يا الله ، يا الله "،

فغرق في الماء، فصرخ ونادى الجنيد وقال: " أيها الحضرة!! قد غرقتُ "!!! فقال له الجنيد : " قل: يا جنيد . يا جنيد .، مكررا مرارا ".

فجعل الرجل يقول: " يا جنيد . يا جنيد . "مرارا وتكرارا، فنجا من الغرق، وعبر النهر، ثم قال الرجل للجنيد : " أيها الحضرة، ما السر في أنك كنت تقول: يا الله. فتعبر النهر.؟؟ ولما قلتُ: يا الله... غرقتُ!!! فقال له الجنيد : نعم أيها الأحمق! إنك لم تصل بعد إلى منزلة الجنيد، وتطمع في الوصول إلى الله مباشرة؟؟؟ الله أكبر!!!

المثال الثاني: ما استدل به النبهاني (1350هـ) قائلا:

( إن سيدي محمد الحنفي قدس الله سره (؟؟؟) فرش سجادته على البحر وقال لمريده: قل : يا حنفي، وامش ، فمشى المريد خلفه، فخطر له: لِمَ تقول: يا حنفي؟؟؟ هلا قلت: يا الله؟؟؟؟

فلما قالها ( أي قال: يا الله) - غرق، فأمسك الشيخ ( الحنفي ) بيده وقال له :

" أنت الحنفي تعرفه، فكيف بالله؟؟؟ فإذا عرفت الله فقل: يا الله ".

يشير إلى أن الوسائط لا بد منهم..., لولا الوسائط لكنا من الوسائط ...)

المثال الثالث: ما قاله الإمام الآلوسي (1270هـ) في تفسير قوله تعالى:

{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [54 من سورة النحل]:

( وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام اليوم: من اللجوء إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم، بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا- عند إصابة الضر لهم، وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية- سفه عظيم،

وضلال جديد، لكنه أشد من الضلال القديم، ومما تقشعر منه الجلود* وتصعر له الخدود الكفرة* أصحاب الأخدود * فضلا عن المؤمنين باليوم الموعود * أن بعض المتمشيخين قال لي وأنا صغير:

" إياك ثم إياك [و] أن تستغيث بالله تعالى- إذا خطب دهاك، فإن الله تعالى لا يعجل في إغاثتك * ولا يهمه سوء حالتك* وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين، فإنهم يعجلون في تفريج كربك* ويهمهم سوء ما حل بك* فمج ذلك سمعي* وهمي ودمعي * وسألت الله تعالى أن يعصمني والمسلمين* من أمثال هذا الضلال المبين * ولكثير من المتمشيخين اليوم كلمات مثل ذلك).

المثال الرابع: ما قاله الآلوسي أيضا في تفسير قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45]- وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ):

(وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين: يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم، ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم توافق هواهم، واعتقادهم فيهم،

ويعظمون من يحكي لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل، وسرد ما يدل على مزية عظمته وجلاله، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره، وقد قلت- يوما لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات، وينادي : يا فلان! أغثني- فقلت: له : قل : يا الله ، فقد قال سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة: 186]- فغضب، وبلغني أنه قال: فلان [ الآلوسي ] منكر على الأولياء، وسمعتُ عن بعضهم أنه قال:

" الولي أسرع إجابة من الله عز وجل " !!! وهذا من الكفر بمكان * نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان *).

المثال الخامس: ما قاله كثير من القبورية الصوفية في تحريف قوله تعالى : { عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا } [ النجم : 29] :

( أي أعرض عمن استغرق واستهلك في ذات الله تعالى، فلا يذكره. وإن ذكره حصل له فتور في الشهود، فلا تكلفه بالذكر !!، وإليه يشير خاتم الأولياء الشيخ الأكبر محيي الدين رضي الله عنه بقوله:

بذكر الله تزداد الذنوب ... وتنطمس البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل منه حالا ... فإن الشمس ليس لها غروب

المثال السادس: ما استدل به النابلسي الحنفي الوثني (1143هـ)؛ قال: ( وكذلك وقع لسيدي محمد الحنفي الشاذلي :

أنه كان يعدي من مصر إلى الروضة ماشيا على الماء هو وجماعته، فكان يقول لهم:

" قولوا: يا حنفي، وامشوا خلفي، وإياكم أن تقولوا : يا الله، تغرقوا "، فخالف شخص منهم وقال: يا الله، فزلقت رجله فنزل إلى لحيته في الماء، فالتفت إليه الشيخ وقال: يا ولدي إنك لا تعرف الله تعالى ، حتى تمشي باسمه على الماء، فاصبر حتى أعرفك بعظمة الله تعالى ، ثم أسقط الوسائط " . انتهى).

المثال السابع: ما قال واستدل به ذلكم النابلسي الحنفي الوثني المذكور:

( إن معروف الكرخي كان يقول لأصحابه: " إن كان لكم إلى الله تعالى حاجة فأقسموا عليه بي، ولا تقسموا عليه به تعالى " ، فقيل له في ذلك : [لِمَ] ؟.

فقال: " هؤلاء لا يعرفون الله تعالى، فلم يجبهم ، ولو أنهم عرفوه لأجابهم "...)

المثال الثامن: أن بعض كبار الصوفية القبورية الوثنية ركب البحر ومعه مريد، فهاجت ريح خيف منها، فجعل يقول: " يا الله "، فطفق المريد يقول " يا الله " أيضا، فكاد أن يغرق؛ فأشار إليه الشيخ: أن يهتف باسمه، فهتف باسمه فنجا.

المثال التاسع: ما اطلعتُ عليه من عجائب الوثنية:

وهو: ( أن امرأة كف بصرها، ومات ولدها، فنادت وليها [أي إلههَا ومعبودَها الباطلَ] وقالت: " أما الله، فقد صنع ما ترى !!! ولم يبق إلى حسبك فيّ" ...).

المثال العاشر: ما قالوه من أنّ ( الاستغاثة بالمخلوق ليكون شافعا إلى الله ووسيلة إليه لا شك أن ذلك أرجح، لا كراهة فيه، إذا كان المستغاث أهلا لذلك).

المثال الحادي عشر: ما قاله القضاعي أحد أئمة القبورية الوثنية (1376هـ) ونصه:

( إن الاستغاثة به [ صلى الله عليه وسلم ] من موجبات تنزل الرحمات وسرعة قضاء الحاجات).

المثال الثاني عشر: قوله:

( إن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين، ونداءَهم والاستغاثةَ بهم، والتوسل بهم إلى الله عز وجل ، وبما يتعلق بهم [ كالتوسل، والتبرك بآثارهم، وقبورهم، ومجالسهم، ونحوها] - من أقوى الأسباب التي وضعها الحكيم العليم لاجتلاب البركات واستنزال الرحمات، واستجابة الدعوات، وسرعة قضاء الحاجات).

المثال الثالث عشر: عنوان القضاعي بقوله:

بيان أن من ودِّه عز وجل لأحبائه سرعة إغاثة المستغيثين بهم في غيبتهم وبعد وفاتهم).

المثال الرابع عشر: قول هذا الوثني جهارا بدون حياء:

( إن دعاءهم [أي دعاء المضطرين] لله [ بدون الواسطة مباشرة] من غير توسل به [صلى الله عليه وسلم ] كالمفتاح بلا أسنان ، أو بأسنان غير تامة، والمفتاح إذا كان كذلك [ بلا أسنان...] قلما يقع الفتح به).

المثال الخامس عشر : ما قاله هذا القضاعي أيضا بدون حياء:

( إن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والشكوى إليه والاستغاثة به في الملمات* من أقوى الأسباب التي وضعها الله لإزالة البليات، وكشف الكربات *

ونيل الحاجات، والفوز بسعادة الدارين ).

المثال السادس عشر: ما قاله أيضا، [ وتبعه محمد علوي المالكي القبوري المعاصر ]:

( إن الاستغاثة بأكابر المقربين من أعظم مفاتيح الفرج، ومن موجبات رضى رب العالمين ).

المثال السابع عشر:

ما قاله أيضا دعوةَ منه إلى الشرك السافر:

إنّ التوجهَ إليه صلى الله عليه وسلم ونداءَه بقوله: " يا محمد ! "والاستنجادَ به - ليس شركا، ولا حراما، ولا مكروها، ولا خلاف الأولى؛ بل ذلك أفضل في الأدب من الربوبية، وأشد اجتلابا للرحمة، واستنزالا للقبول، وأقوى مظنة بالإجابة، وأدنى للرشد، وأبعد من الرد والحرمان.

المثال الثامن عشر:

ما قاله الكوثري، إمام الجهمية والقبورية * ومجدد الماتريدية وشيخ عصبة العصبية والوالغ في أئمة السلفية * (1371هـ) ، وهذا نصه:

( لا بد لأهل السلوك والرشاد من التوسل والاستغاثة والاستمداد بأرواح الأجلة، والسادة الأمجاد، إذ هم المالك لأزمة الأمور في نيل ذلك المراد).

قلت: إنما أطلت بعض الإطالة في ذكر الأمثلة من اهتمام القبورية بالاستغاثة بغير الله تعالى ، وترجيحها على الاستغاثة بالله تعالى مباشرة - ليعلم المسلمون أن هؤلاء القبورية قد وصلوا في الوثنية إلى حد رجحوا الاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة برب البريات*

بل صرحوا بدون حياء من العباد* ولا من رب العباد* مستخفين برب الكائنات* بأن الاستغاثة بالله تضر المكروب، وتمنع قضاء الحاجات* وأن الاستغاثة بغير الله أنفع للمضطر، وأسرع لدفع الملمات* فإن الله لا يهمه سوء حالة المضطرين * وإن الأولياء يهتمون بإزالة كرب المكروبين* إلى آخر إلحادهم الشنيع* وشركهم الفظيع* والله المستعان على ما يصفون *وتعالى الله عما يشركون*

المبحث الثالث

في بيان أمثلة متفرقة لعقيدة القبورية

في استغاثتهم بغير الله عند الكربات

وتوسلهم البدعي بالأحياء والأموات

وفيه مطالب ثلاثة:

المطلب الأول: في عرض عقيدة القبورية في الاستغاثة بالأحياء الغائبين وبالأموات بعدة من التعبيرات وفي جميع الحالات.

المطلب الثاني: في بيان ترجيح القبورية الاستغاثة بالأموات على الاستغاثة بالأحياء عند الكربات، وأن الميت أقدر على إنجاح الحاجات.

المطلب الثالث: في بيان استغاثات القبورية المتفرقات من المنظومات والمنثورات الوثنيات.

المطلب الأول

في عرض عقيدة القبورية في الاستغاثة والتوسل بالأحياء

الغائبين وبالأموات بعدة من التعبيرات وفي جميع الحالات

لقد سبق في المبحث الأول، أن الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى- أهم عقيدة للقبورية على الإطلاق بالنسبة إلى سائر عقائدهم الوثنية القبورية ، وأن بقية عقائدهم إنما هي أدلة لهم لدعم الاستغاثة بغير الله، ووسائل لهم يتوصلون بها إلى استغاثتهم بغير الله سبحانه.

وسبق في المبحث الثاني: أن القبورية وصلوا في الإلحاد والكفر والشرك إلى حد استخفوا بالله تعالى، فرجحوا الاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة برب البريات* وهذا من الكفر بمكان، ونهاية في الإلحاد* وعدم الحياء من رب العباد والبلاد* وأود أن أسوق في هذا المبحث أمثلة أخرى من عقيدتهم في الاستغاثة بالغائبين والأموات* لدفع الملمات وجلب الخيرات* بأنواع من الكلمات والتعبيرات * في جميع الأوقات والحالات*

وأبين أن القبورية يرجحون الاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة بالأحياء عند الكربات* وأذكر أيضا عدة أمثلة لاستغاثاتهم المتفرقات*

من المنظومات والمنثورات دعوة منهم إلى الوثنيات* فأقول وبالله أستعين * إذ هو المستعان وهو المعين*:

إن وضع هذا المبحث يقتضي أن يشتمل على مطالب ثلاثة، وإن المطلب الأول منها يشتمل على أمرين:

الأمر الأول: في بيان عدة من التعبيرات * لاستغاثة القبورية بالغائبين والأموات * لقد توسعت القبورية الضلال* للإغواء والإضلال * في الاستغاثة بالغائبين والأموات* بعدة أنواع من الكلمات والألفاظ والتعبيرات* فارتكبوا صرائح الوثنيات* الفاضحات الواضحات*

1 - فقالوا : ( إن الدعاء والاستغاثة بغير الله تعالى يكون على وجوه ثلاثة:

الأول: أن يهتف باسمه مجردا، مثل أن يقول: " يا محمد، يا علي، يا عبد القادر، يا أولياء الله، يا أهل البيت " ونحو ذلك.

الثاني: أن يقول: " يا فلان، كن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي، أو ادع الله أن يقضيها" أو ما شابه ذلك.

الثالث: أن يقول: [ يا فلان] " اقض ديني ، أو اشف مريضي، أو انصرني على عدوي " وغير ذلك.

وليس في شيء من هذه الوجوه الثلاثة مانع، ولا محذور، فضلا عما يوجب الإشراك والتكفير...) .

2 - وقال القضاعي - أحد أئمة الوثنية القبورية الصوفية الكوثرية (1376هـ)-:

اعلم أن التوسل بالسادة على أنحاء:

الأول: أن يدعو الله بهم، كأن يقول: اللهم إني أسألك بأنبيائك، أو بالصالحين، أو بحرمتهم، أو بجاههم، أو بحقهم.

الثاني: أن يطلب المستغيث من المستغاث به: أن يشفع له إلى ربه في قضاء حاجته.

بأن يقول: ادع لي أن يرد عليّ بصري.

الثالث: أن يطلب المستغيث من المستغاث به قضاء حاجته، بأن يقول: يا فلان، ردّ عليّ بصري.

3 -9- وقال ابن الحاج ( 737هـ) في آداب الزيارة، وتبعه كثير من خلطائه الوثنية:

ثم يتوسل بالأنبياء عليهم السلام إلى الله في قضاء حوائجه ويستغيث بهم، ويطلب منهم الحوائج، ولا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يخيب من استعان به، أو استغاث به، فإنه قطب دائرة الكمال، وعروس المملكة، فمن توسل به، أو استغاث به، أو طلب منه حوائجه، فلا يرد ولا يخيب،

والزائر يشعر نفسه بأنه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام كما هو في حياته، إذ لا فرق بين موته وحياته في مشاهدته لأمته ، ومعرفته بأحوالهم، ونياتهم، وخواطرهم، وذلك جلي عنده ، لا خفاء فيه.

10 - وقد جوز المتمرد الحسيني الحصني، أحد كبار أئمة القبورية والمعطلة والوالغين في أئمة السلفية في آن واحد (829هـ) - طاعنا في

شيخ الإسلام* وداعية إلى الشرك والوثنية للعوام*:

أن يقول المضطر والمكروب عند الاستغاثة بميت أو غائب طالبا منه قضاء الحاجات:

يا سيدي الشيخ فلان، أنا في حسبك، أو في جوارك، أو يقول عند هجوم العدو: يا سيدي فلان، يستوحيه، أو يستغيث به، أو يقول نحو ذلك عند مرضه، وقال: إن من يرى ذلك حراما، وشركا وكفرا- [ يعني شيخ الإسلام]- فهو زنديق، تابع لليهود، وتقشعر الجلود من قوله، لما في قوله من الخبائث والفجور.

11 -20- وقال التقي السبكي (756هـ)، وتبعه السمهودي (911هـ) ، والقسطلاني (923هـ) ، والهيتمي (974هـ)، والزرقاني (1122هـ)، وابن جرجيس الحنفي العراقي (1299هـ) ، ودحلان (1304هـ) ، والنبهاني (1350هـ) ، وغيرهم من القبورية * وخلطائه الخرافية*

واللفظ للثالث: ( واعلم أن الاستغاثة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث منه، فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو

التجوه، أو التوجه، لأنها من الجاه والوجاهة، ومعناه علو القدر والمنزلة، وقد يتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه...).

الأمر الثاني: في بيان عقيدة القبورية في الاستغاثات والتوسلات* بغير الله في جميع الأوقات والحالات * تقدم في الأمر الأول: بيان عقيدة القبورية في الاستغاثة بغير الله تعالى ، وأنها تجوز بأية لفظة كانت، فتوسعوا في التعبيرات عن الاستغاثات* بعدة ألفاظ وصيغ وكلمات * وأبين للقراء ههنا: أن القبورية قد توسعوا أيضا في الدعوة إلى الاستغاثات بغير الله من المخلوقات* في جميع الأوقات والحالات دعوة منهم إلى الوثنيات*

وإليكم نصهم بحرفه:

قال ابن النعمان المغربي المالكي (683هـ) ، وتبعه كثير من خلطائه القبورية، كالسبكي (756هـ) ، والسمهودي (911هـ) ، والقسطلاني (923هـ) ، والهيثمي (974هـ)، والزرقاني (1122هـ) ، وابن جرجيس الحنفي العراقي (1299هـ) ، ودحلان (1304هـ)،

والنبهاني (1350هـ) ، والقضاعي (1376هـ) ، وغيرهم من القبورية الوثنية، واللفظ للرابع:

(...، ثم إن كلا من الاستغاثة والتوسل والتشفع، والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، - كما ذكره في " تحقيق النصرة " ، و" مصباح الظلام " - واقع في كل حال:

قبل خلقه، وبعد خلقه في مدة حياته، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة...).

هذه أربع أحوال.

المطلب الثاني

في بيان ترجيح القبورية الاستغاثة والتوسل بالأموات

على الاستغاثة بالأحياء عند الكربات

وأن الميت أقدر على إنجاح الحاجات

لقد سبق في المطلب الأول: أن القبورية توسعوا في الاستغاثات* بغير الله من الأحياء الغائبين وبالأموات* بأنواع من العبارات والكلمات * وفي جميع الأوقات والحالات* وأذكر في هذا المطلب : أنهم في الحقيقة يرجحون الاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة بالأحياء عند الملمات والكربات* وذلك لعقيدتهم الفاسدة الباطلة* الكاسدة العاطلة* الوثنية الشركية* القبورية الكفرية*:

أن الأموات أقوى تصرفا من الأحياء* إلى آخر خرافاتهم الجاهلية الجهلاء الخرقاء الحمقاء * وفيما يلي عدة نصوص لهؤلاء القبورية الوثنية لتشهد على وثنيتهم:

1 -2- قال النبهاني (1350هـ): ( قال قطب الإرشاد عبد الله بن علوي الحداد رضي الله عنه : الولي يكون اعتناؤه بقرابته واللائذين به بعد

موته أكثر من اعتنائه بهم في حياته؛ لأنه في حياته كان مشغولا بالتكليف، وبعد موته طرح عنه الأعباء وتجرد، والحي فيه خصوصية وبشرية، [ الخصوصية: أي الألوهية والربوبية ]!؟! وربما غلبت إحداهما على الأخرى ، وخصوصا في هذا الزمان، فإنها تغلب البشرية، والميت ما فيه إلا الخصوصية فقط، وقال القطب الحداد أيضا: إن الأخيار إذا ماتوا لم تفقد منهم إلا أعباؤهم وصورهم، وأما حقائقهم فموجودة، فهم أحياء في قبورهم، وإذا كان الولي حيا في قبره؛ فإنه لم يفقد شيئا من علمه وعقله وقواه الروحانية؛ بل تزداد أرواحهم بعد الموت بصيرة وعلما وحياة روحانية، وتوجها إلى الله تعالى فإذا توجهت أرواحهم إلى الله تعالى في شيء- قضاه سبحانه وتعالى وأجراه إكراما لهم...، فأهل البرزخ من الأولياء في حضرة الله تعالى، فمن توجه إليهم وتوسل بهم- فإنهم يتوجهون إلى الله تعالى في حصول مطلوبه).

2 - وقال عن أبي المواهب :

(ومعلوم أن الأولياء أحياء في قبورهم إنما ينقلون من دار إلى دار...، ومن الأولياء من ينفع مريده الصادق بعد موته أكثر مما ينفعه حال حياته، ومن العباد من يتولى تربيته بنفسه غير واسطة، ومنهم من تولاه بواسطة بعض أوليائه، ولو ميتا في قبره، فيربي مريده وهو في قبره، ويسمع صوته من القبر).

4 -7- وقالوا دعوة إلى الوثنية جهارا دون حياء:

(الولي في الدنيا كالسيف في غمده، فإذا مات تجرد منه، فيكون أقوى في التصرف).

8 -9- وقال الرازي (606هـ) فيلسوف الأشعرية، وتبعه الكوثري خاتمة الماتريدية وأحد أئمة الوثنية (1371هـ)، واللفظ للأول: (إن تلك النفوس لما فارقت أبدانها- فقد زال الغطاء والوطاء، وانكشف لها عالم الغيب...).

10 -12- وقال الرازي (606هـ) أيضا، وتبعه الكوثري والداجوي الديوبندي، واللفظ للأول: ( ثم الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية المشتاقة إلى الاتصال العلوي- بعد خروجها من ظلمة الأجساد- تذهب إلى عالم الملائكة، ومنازل القدس على أسرع الوجوه...؛ ثم إن هذه الأرواح الشريفة العالية لا يبعد أن يكون فيها ما يكون لقوتها وشرفها- يظهر منها آثار في أحوال هذا العالم؛ فهي { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } ...).

قلت: الحاصل أن تصرف الأموات عند القبورية أقوى من تصرف الأحياء، فلذا يرجحون الاستغاثة بالأموات * على الاستغاثة بالأحياء عند إلمام الملمات* وهذا من أعظم الحجج على أنهم أبعد غورا في الوثنيات*، ولأجل أن الاستغاثة بالأموات* أرجح عند القبورية منها بالأحياء عند الملمات*- ترى القبورية يدعون ويرغبون في الحج إلى القبور* ولا سيما القبور المعظمة للاستغاثة بالمقبور * وإليك بعض الأمثلة لذلك:

المثال الأول: قبر موسى الكاظم (183هـ):

قالوا: ( قبر موسى الكاظم ترياق مجرب لإجابة الدعاء).

وللقبورية الوثنية عجائب في زيارة مشهده.

المثال الثاني: قبر معروف الكرخي (200هـ).

قالوا : ( قبره ظاهر هناك يتبرك به، وأهل بغداد يستسقون به ويقولون: قبره ترياق مجرب).

وقالوا : ( قبره معروف بقضاء الحوائج).

وللشعراني الوثني نصيب في ذلك.

والعجب من إمامنا الهمام* ناقد الرجال ومؤرخ الإسلام*!!! كيف سكت على هذه الأسطورة الوثنية* ولم يعلق عليها كعادته السلفية*؟ ولكن الله تعالى قد وفق لمحقق هذا المجلد التاسع من السير الشيخ كامل الخراط الحنفي فرد على هذه الأسطورة الوثنية في تعليقه عليها فأجاد وأفاد، فجزاه الله خيرا على التوحيد وأهله.

مع كون هذا الشيخ كامل الخراط منخرطا بكامله في طامات خليطه الكوثري من الطعن في كبار أئمة الإسلام؛ دفاعا عن الحسن بن زياد الحنفي الكذاب (204هـ)- الذي كذبه ابن معين الحنفي - عند الكوثري - وأبو داود ، وأبو ثور، ويعقوب بن سفيان، والنسائي والدارقطني وغيرهم، وجروح أمثال ابن المديني، ويزيد بن هارون، وصالح جزرة له واسعة الذيل، فولغ هذا المنخرط الخراط في أعراض هؤلاء الأئمة وطعن في دينهم وديانتهم، وأمانتهم، لأجل سواد عيني ابن زياد، ذلكم الكذاب- سامحه الله وإيانا-؛ والعجب كل العجب من الشيخ شعيب الأرناؤوطي الحنفي المشرف على هذا المجلد التاسع من السير الذي حققه هذا المنخرط الكامل!!! كيف أقر خبث الكوثري، وكيف سكت على مسايرة هذا المنخرط الكامل في تلبيسات الكوثري وطعونه في أئمة الإسلام...؟؟؟.؛

ولكن التعصب للتمذهب يلعب بأهله!؟!.

المثال الثالث: قبر محمد السلطان الحنفي (847هـ):

قال الشعراني الوثني (973هـ)، وتبعه كثير من خلطائه الوثنية:

(قال سيدي محمد رضي الله عنه في مرض موته:

من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجته- أقضها له؛ فإن ما بيني وبينكم غير ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل).

قلت: أساطير القبورية الوثنية التي تتعلق بالقبور والمقبور خارجة عن نطاق البيان، والبنان، وفي هذه الأمثلة كفاية لبيان وثنيتهم.

المطلب الثالث

في بيان استغاثات القبورية المتفرقات

من المنظومات والمنثورات الوثنيات

وفيه أمران:

الأمر الأول: في الاستغاثات* المنظومات*:

لقد أكثرت القبورية من الاستغاثات بالأموات في أشعارهم، ليفتكوا بالقلوب دعوة منهم إلى الوثنية؛ لما للشعر من التأثير على القلوب ما ليس للكلام المنثور.

وإليكم عدة أمثلة لاستغاثة القبورية بالأموات في أشعارهم :

1 - قال البوصيري (694هـ)، وتبعه خلطاؤه الوثنية:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

2 -3- وقولتِ البريلوية ، والديوبندية الإمامَ أبا حنيفة أنه قال:

يا أكرم الثقلين يا كنز الورى ... جد لي بجودك وأرضني برضاك

أنا طامع بالجود منك ولم يكن ... لأبي حنيفة في الأنام سواكا

4 -5- واستدل بعض الديوبندية بما قوِّلَهُ الإمام زين العابدين (94هـ):

يا رحمة للعالمين ... أدرك لزين العابدين

محبوس أيدي الظالمين ... في موكب والمزدحم

6 -8- ومن استغاثات الديوبندية والبريلوية قولهم:

يا شفيع العباد خذ بيدي ... أنت في الاضطرار معتمدي

ليس لي ملجأ سواك أغث ... مسني الضر سيدي سندي

غشني الدهر ابن عبد الله ... كن مغيثا فأنت لي مددي

9 -11- ومن وثنيات القبورية * في استغاثاتهم الشعرية* بالشيخ الجيلاني (561هـ) قولهم الوثني الركيك:

المدد يا شاه شاهان المدد ... المدد يا بير بيران المدد

المدد يا فخر قطبان المدد ... المدد يا شمس جيلان المدد

المدد يا غوث غوثان المدد ... المدد محبوب رحمان المدد

12 -13- وقال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية (1340هـ) مستغيثا به:

أي ظل الإله الشيخ عبد القادر ... شيئا لله الشيخ عبد القادر

عطفا عطفا عطوف عبد القادر ... رأفا رأفا رؤوف عبد القادر

اصرف عنا الصروف عبد القادر

14 -15- وقال عن بعض الوثنية مستدلا به:

ناد عليا مظهر العجائب ... تجده عونا في النوائب

كل همّ سينجلي ... بولايتك يا علي يا علي

16 -17- وذكر الديوبندية والبريلوية عن الشيخ زروق أنه قال:

أنا لمريدي جامع لشتاته ... إذا ما سطا جور الزمان بنكبة

وإن كنت في ضيق وكرب ووحشة ... فناد بيا زروق آت بسرعة

18 - ومن عجائب وثنيات هؤلاء القبورية الوثنية:

أنهم لما غزتهم التتار في بلاد الشام- جعلوا يستغيثون بقبر أبي عمر، وفي ذلك يقول أحد شعرائهم:

يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر

19 -20- وقال أبو المواهب (1037هـ) في قصيدة استغاثية:

أغث يا سيدي يا لهفي ... وإلا من له أذهب

بك استنصرت فانصرني ... فمن تنصره لا يغلب

وقد استدل بقصيدته النبهاني لدعم وثنيته، ومنها هذان البيتان.

والعجب من الخفاجي الحنفي (1069هـ) حيث قال:

(وله استغاثات يعجبني منها قوله...) فذكرها ومنها هذان البيتان !.

الأمر الثاني: في الاستغاثات* المنثورات*:

بعد ما ذكرت أمثلة من استغاثات القبورية المنظومة ، يجدر أن أذكر على سبيل المثال بعض استغاثاتهم المنثورة ، فأقول: للقبورية استغاثات كثيرة أذكر منها ما يلي:

1 - قالوا: الإنسان إذا ضاع له شيء فليقف على مكان عال وليقل: (يا أحمد بن علوان إن لم ترد عليّ حاجتي نزعتك من ديوان الأولياء ).

2 - أسطورة مثلها بعينها ولكنها في الاستغاثة بعمر بن حمدان .

3 - 5- استغاثاتهم بالشيخ معصوم السرهندي (1099هـ) الحنفي الصوفي.

قالوا: ( ومن كراماته: أن أحد خلفائه الكرام الخواجة محمد صديق كان في سفر على فرس فجفلت، فسقط إلى الأرض وبقيت رجله في

الركاب، وجعلت الفرس تعدو به حتى أيقن بالهلاك؛ فاستغاث بشيخه المذكور [ محمد معصوم ] قال: فرأيته حضر، وأوقفها ، وأركبني.

ومنها : أن الشيخ محمد صديق المذكور وقع في البحر ولم يكن يعرف السباحة فكاد أن يغرق؛ فناداه مستغيثا به، فحضر وأخذ بيده، وأنقذه من الغرق، ومنها : أنه رضي الله عنه كان جالسا يوما مع أصحابه في رباطه، إذ ابتلت يده الشريفة وكمه إلى إبطه؛ فعجبوا من ذلك، وسألوه عنه ، فقال قدس الله سره: استغاث بي رجل من المريدين تاجر كان راكبا في السفينة وقد كادت أن تغرق، فخلصتها من الغرق، فابتل لذلك كمي ويدي...).

6 - أسطورة استغاثتهم بالسلطان محمد الحنفي المصري الصوفي (847هـ):

قال الشعراني أحد أئمة القبورية (973هـ): ( كان يتوضأ يوما فورد عليه وارد فأخذ فردة قبقابه [إحدى نعليه، وحذائه] فرمى بها وهو داخل الخلوة [أي في داخل الغرفة]؛

فذهبت في الهواء، وليس في الخلوة طاق تخرج منها [أي لم يكن في الغرفة منفذ ولا شباك ]، فقال لخادمه : " خذ هذه الفردة [ إحدى نعليه الباقية ] عندك حتى تأتيها أختها؛ فبعد زمان جاء رجل من الشام مع جملة هدية وقال: جزاك الله عني خيرا إن اللص لما جلس على صدري ليذبحني- قلت في نفسي: يا سيدي محمد يا حنفي؛ فجاءته [ أي فجاءت فردة القبقاب من الغيب فأصابته ] في صدره فانقلب مغمى عليه، ونجاني الله عز وجل ببركتك).

7 - أسطورة وثنية أخرى في الاستغاثة:

قالوا: كان وليان متعاصران صديقان، وكان بينهما بحر، فطبخ أحدهما الحلوى فأعطى خادمه شيئا منه ، وقال له : اذهب إلى صديقي وأعطه، فقال: يا مرشدي كيف أعبر البحر؟؟؟ فقال: إذا وصلت إلى شاطئ البحر- فقل له: إني جئت من قبل الذي لم يجامع زوجته إلى اليوم- فتحير الخادم، لأن هذا الولي كان له أولاد!!!، ولكنه امتثل أمره واستغاث به وقال ما لقنه، فعبر البحر، فوصل إلى

الولي الآخر وأعطاه الحلوى فأكله، وقال له سلم على مرشدك، فقال الخادم: كيف أعبر البحر؟؟؟ فقال له : إذا وصلت إلى البحر فقل له: إني جئت من قبل الذي لم يأكل شيئا منذ ثلاثين سنة، فتعجب الخادم، لأنه قد رآه يأكل الحلوى !!!، ولكنه سكت تأدبا، ومشى، فلما وصل إلى البحر استغاث به وقال ما لقنه، فعبر البحر، فلما وصل إلى مرشده سأله عن حقيقة أمرهما؛ فقال: أفعالنا ليست لأنفسنا.

قلت:

هذه كانت عدة أمثلة لوثنيات هؤلاء الوثنية في استغاثاتهم بالأموات عند الكربات* قد ذكرتها لتكون شاهدة على وثنيتهم وارتكابهم لأوضح الشركيات* وقد سئمت منها مع أنها بمنزلة القطرة من بحر وثنياتهم، والآن ننتقل إلى جهود علماء الحنفية في إبطالها وقلعها وقمع أهلها، والله المستعان، فإياه نعبد، وإياه نستعين* إذ هو المستغاث المغيث المعين*

الفصل الثاني

في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية

في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله

وفيه مبحثان:

- المبحث الأول: في استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

- المبحث الثاني: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في شرع الله ، وأنه إشراك بالله تعالى، بل هو أم لعدة أنواع من الإشراك بالله جل وعلا .

المبحث الأول

في استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة

على إبطال عقيدة القبورية

في استغاثتهم بغير الله

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في استدلال علماء الحنفية بعدة من الآيات القرآنية على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله.

المطلب الثاني: في استدلال علماء الحنفية بعدة من الأحاديث النبوية على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله.

كلمة تمهيدية بين يدي هذا الفصل

لقد ذكرت في الفصل الأول عدة أمثلة من شركيات القبورية في استغاثتهم بالأحياء الغائبين، والأموات* التي تدل وتشهد على أنهم مرتكبون لأوضح الشركيات* وواقعون في أصرح الوثنيات باستغاثتهم بغير الله عند الكربات* وأذكر في هذا الفصل بعون الله تعالى جهود علماء الحنفية في استدلالهم بالكتاب والسنة النبوية* على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله عند الكربات، لتحقيق أن صنيعهم هذا من صنائع الوثنية* كما سأذكر جهود علماء الحنفية في الفصل الآتي إن شاء الله؛ لتحقيق أن القبورية بتلك الاستغاثات مرتكبون للشرك الأكبر، بل أنهم أشد شركا من الوثنية الأولى، وأنهم أعظم خوفا وتضرعا وعبادة للأموات* منهم لرب البريات* وهذه المقارنة العلمية في غاية من الدقة والقوة والمتانة، وفيها عبرة بالغة للمعتبرين* ونكال شديد للمعاندين المستكبرين * ثم أذكر بتوفيق الله تعالى في الباب الذي بعده أشهر شبهات المستغيثين بغير الله ولا سيما

بالأموات* لجلب الخيرات ودفع الملمات فيما لا يقدر عليه إلا خالق الكائنات * مع جهود علماء الحنفية في إبطالها وقلعها من أصلها، وقمع أهلها، وبذلك يكون الرد على القبورية مستوفيا بحمد الله تعالى؛ لتتم عليهم الحجة* وتتضح لهم المحجة* إن شاء الله تعالى ، وبناء على هذا التفصيل، تقتضي طبيعة مباحث الاستغاثة: أن تكون في بابين لطولها وكونها لب هذه الرسالة، وبيت قصيدها ، وكونها الغاية العظمى للقبورية أهم عند القبورية من بقية عقائدها؛ فأقول وبربي أستغيث وأستعين* إذ هو المستغاث المستعان وهو المعين*:

المطلب الأول

في استدلال علماء الحنفية بعدة آيات من كتاب الله

على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله

لقد اطلع القراء الكرام على عجائب من وثنيات القبورية * وغرائب من شركيات هؤلاء الخرافية* في استغاثتهم بالأحياء الغائبين والأموات* عند إلمام الملمات لدفع المضرات وجلب الخيرات* ومن هنا أبدأ بالرد عليهم لإبطال عقيدتهم من كتب علماء الحنفية مظهرا بعض جهودهم.

فأقول: إن علماء الحنفية قد استدلوا بعدة آيات قرآنية للرد على القبورية وإبطال عقيدتهم في الاستغاثة بغير الله، أذكر بعضها مع تقرير استدلالهم بها، فأقول وبالله التوفيق:

ذكر بعضهم الآيات القرآنية التي استدل بها علماء الحنفية على إبطال عقيدة القبورية في الاستغاثة بغير الله :

1 - قال الله تعالى : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ } [ الأنعام : 71] .

2 - وقال سبحانه وتعالى : { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } [ الرعد : 14].

3 - وقال جل وعلا : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } . [ المؤمنون : 117] .

4 - وقال تعالى : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } . [ فاطر :14].

5 - وقال عز وجل : { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا } [ الجن: 20].

6 - وقال تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } [ يونس : 106].

7 - وقال سبحانه : { يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } . [ الحج : 12].

8 - وقال عز وجل : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } [ الأحقاف : 5] .

9 - وقال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } .[ الجن: 18].

10 - وقال جل وعلا : { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } [الشعراء:213 ] .

11 - وقال سبحانه : { وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } . [ القصص : 88].

12 - وقال سبحانه : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [الأنعام : 56 ] .

13 - وقال تعالى :

{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] .

14 - وقال تعالى عن أصحاب الكهف : { لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } [الكهف: 14] .

15 - وقال جل وعلا : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } [ الأعراف: 197] .

16 - وقال عز وجل : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [ النمل: 62] .

17 - وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } [الحج : 73].

18 - وقال تعالى : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13].

19 - وقال جل وعلا : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ } [ الأحقاف : 4] .

20 - وقال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ } [ فاطر : 40] .

21 - وقال عز وجل : { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } .[ الزمر: 38].

22 - وقال عز وجل : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } [ الرعد : 14] .

23 - وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }

[ النحل: 20].

24 - وقال سبحانه : { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ } [الزخرف: 86].

25 - وقال جل وعلا : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } [الإسراء :56] .

26 - وقال سبحانه : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ } [سبأ : 22].

27 - وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الأعراف: 194].

28 - وقال عز وجل : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } [ الإسراء : 67] .

29 - قال تعالى : { أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } . [ الصافات : 125] .

30 - وقال عز وجل : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } [ يونس : 22-23 ] .

31 - وقال تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ }

[ الزمر: 8] .

32 - وقال سبحانه : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90].

33 - وقال سبحانه وتعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186].

34 - وقال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } [السجدة: 16] .

35 - وقال سبحانه : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء : 110] .

36 - وقال جل وعلا : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف: 180] .

37 - وقال تعالى : { وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ الأعراف 29] .

38 - وقال سبحانه : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ غافر : 65 ] .

39 - وقال سبحانه : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [غافر :14].

40 - وقال تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة:5].

41 - وقال سبحانه : { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا } [ الأعراف: 128].

42 - وقال تعالى عن نبيه يعقوب : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } .

[ يوسف : 18].

43 - وقال تعالى : { قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [الأنبياء : 112].

44 - وقال عز وجل : { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } [الأعراف : 56] .

وقد استدل علماء الحنفية بهذه الآيات وغيرها على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله تعالى من الغائبين الأحياء، والأموات، عند المصائب والكربات* وتقرير الاستدلال عندهم بهذه الآيات المباركات يتلخص فيما يلي من الفقرات*:

1 - أن هذه الآيات المباركات تدلّ دلالة قاطعة على أنّ دعاء غير الله تعالى فيما وراء الأسباب العادية كفر وشرك.

2 - وأنه عبادة لغير الله عز وجل .

3 - وأنه ظلم.

4 - وأنه ضلال بعيد.

5 - وأنه منهي عنه.

6 - وأن جزاء فاعله جهنم.

7 - وأنه شطط.

8 - وأن الذين يدعونهم هؤلاء القبورية ويستغيثون بهم - لا يملكون نفعا ولا ضرا؛ لا لأنفسهم ولا لغيرهم.

9 - وهم عن دعائهم غافلون، فلا يعلمون بحالهم ولا يسمعون دعاءهم.

10 - وهم براء عن شركهم، ويكونون لهم أعداء يوم القيامة.

11 - وأن الله تعالى زجر وخوّف المستغيثين بغيره بعذاب أليم.

12 - وأن الله أمر أمرا باتا قاطعا ألا ندعوا إلا الله وحده لا شريك له.

13 - وأنه رغّب في دعائه، والاستعانة منه وحده لا شريك له.

14 - وأن الله تعالى وحده هو المستعان وحده لا شريك له.

15 - وأن دعاء الله تعالى وحده رغبا ورهبا- هو منهج الأنبياء والمرسلين* وطريق عباد الله الصالحين*

المطلب الثاني

في ذكر بعض الأحاديث التي استدل بها علماء الحنفية على

إبطال عقيدة القبورية من نداءهم غير الله تعالى من الأحياء

الغائبين والأموات واستعانتهم بهم عند إلمام الملمات

لقد استدل علماء الحنفية في صدد ردّهم على عقائد القبورية، واستغاثتهم بغير الله تعالى بعدة أحاديث، أذكر منها ما يلي:

الحديث الأول:

« عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » . الحديث.

أقول: لقد استدل بهذا الحديث المبارك علماء الحنفية على إبطال عقيدة القبورية من استغاثتهم بغير الله تعالى .

وقد تقدم تقرير الاستدلال به، وتخريجه ، وتصحيحه، والردّ على

خيانات الكوثري، وقدحه في هذا الحديث. كل ذلك بنصوص علماء الحنفية ، فلا حاجة إلى الإعادة.

الحديث الثاني:

عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدِكم، يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أُطْعِمْكم . يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوت فاستكسوني أكْسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم » . الحديث.

وقد استدل به علماء الحنفية في صدد الرد على القبورية على إبطال استغاثتهم بغير الله عند الملمات.

والحديث واضح في أن الله يأمر عباده بأن يدعوه في جميع الملمات والكربات وحده لا شريك له.

الحديث الثالث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من »

« يستغفرني فأغفر له؟ » .

وقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث في الرد على القبورية على إبطال نداء غير الله تعالى عند الكربات والملمات.

قال العلامة الآلوسي في شرح هذا الحديث:

هذا الحديث أصل الدين، ولكن القبورية الغلاة الذين يستحبون الاستغاثة بغير الله، ويجعلون الوسائط بينهم وبين الله- يهدمون هذا الأصل، ويسدون بابه؛ فهم بضد هذا الحديث- يستغيثون بالأنبياء والصالحين [ بل الطالحين ] *ويرغبون إليهم في الحاجات الطالبين والسائلين * وضرورات المضطرين * من خلق الله أجمعين *.

الحديث الرابع:

قول النبي صلى الله عليه وسلم : « استعن بالله ولا تعجز » . الحديث . قال الشيخ الرستمي : " ففي هذا الحديث أمر للعباد بأن يستعينوا بالله في كل ما أصابهم من شيء ".

الحديث الخامس:

عن جابر بن سليم قال: « قلت: " أنت رسول الله "؟ »

« قال: " أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته ردّها عليك " » .

ولقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله تعالى ، والحديث واضح في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه هو وحده المستعان، وهو وحده يُدعى ، وهو وحده يُنادى عند البليات ، والكربات.

قلت: هذا الحديث وأمثاله من النصوص تدلّ دلالة قاطعة على أنّ الله تعالى هو وحده يردّ الضالة، وأنّه هو وحده يستغاث به عند الكربة، وأنه هو وحده المستعان لا شريك له، فتبا لهؤلاء القبورية الذين يرجحون الاستغاثة بالأموات على الاستغاثة بالله، ويقولون: الولي أسرع إجابة من الله! أو يقولون: الولي الفلاني يرد الضالة، كما ذكرناه فيما ذكرنا من خرافاتهم.

الحديث السادس:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « قال رجل: يا رسول »

« الله : " أي الذنب أكبر عند الله؟ " قال: " أن تدعوا لله ندا وهو خلقك " ...؛ فأنزل الله تعالى تصديقها:

{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } » [الفرقان:68].

قلت: الحديث صريح في أن دعاء غير الله تعالى ما وراء الأسباب شرك أكبر ، وهو أكبر الذنب على الإطلاق.، ولقد استدل علماء الحنفية به في الرد على القبورية على أنّ نداء غير الله تعالى من الأحياء الغائبين أو الأموات عند البلايا والكربات شرك بالله تعالى.

وقال القاري : " أن تدعو لله ندا، أي أن تجعل نظيرا لله في دعائك، وعبادتك ".

وقال الكاندلوي : " أكبر الذنوب أن تدعو لله ندا شريكا مع علمك بأنه لم يخلقك أحد غيره، ولم يقدر على أن يدفع عنك السوء والمكاره غيره، بل لله عليك الإنعام بما لا تقدر على عدّه ".

الحديث السابع:

قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : « من لم يسأل الله يغضب عليه » .

وفي لفظ : « من لم يسأل الله غضب الله عليه » .

وفي لفظ : « من لم يسأله يغضب عليه » .

وفي لفظ : « من لم يدع الله سبحانه غضب عليه » .

قلت: هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن.

وقد استدل به كثير من علماء الحنفية على أهمية دعاء الله تعالى وحده عند الكربات ونزول الملمات، وذكروا في معناه قول القائل:

"

الرب يغضب إن تركت سؤاله ... وبُنيّ آدم حين يُسْأل يغضب

"

قال الشيخ فضل الله الجيلاني الحنفي (1979م) في شرح هذا الحديث، مبينا أهمية دعاء الله تعالى ، ووجوب الالتجاء إليه عند

الكربات: " فيه دليل على أنّ دعاء العبد ربّه من أهم ما يجب عليه من حق الله تعالى ، وأعظم ما فرض، لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه ".

الحديث الثامن:

قول النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث سلمان رضي الله عنه :

« إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا » .

وفي لفظ : « إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا- أو قال: خائبتين- » .

وفي لفظ : « إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما خائبتين » .

وفي لفظ : « إن الله حيي كريم يستحيي من عبده أن يبسط إليه يديه ثم يردهما خائبتين » .

وفي لفظ : « إن الله عز وجل يستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله »

« فيهما خيرا فيردهما خائبتين » ).

أقول: لقد استدل كثير من علماء الحنفية بهذا الحديث على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله تعالى من الأحياء الغائبين ، والأموات عند نزول النوازل وإلمام الملمات.

ولا شك أن هذا الحديث صريح في معناه، وهو يحرك همم المكروبين، ويرغبهم في الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى ، ويزيدهم رجاء، ويبشرهم بكشف الكربات، ويثير عواطف المضطرين، ويبين أن الله تعالى حيي كريم ، رحيم ، رؤوف ، يستحي من عبده إذا استغاث به أن لا يغيثه .

الحديث التاسع:

قوله صلى الله عليه وسلم : « الدعاء هو العبادة » .

وسيأتي تحقيقه وتخريجه، وتقرير استدلال علماء الحنفية به على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله سبحانه وتعالى إن شاء الله عز وجل .

وبعد أن ذكرت استدلال علماء الحنفية بهذه الآيات والأحاديث - على إبطال عقيدة القبورية في الاستغاثة بغير الله عند الكربات- انتقل إلى المبحث الآتي لأذكر بعض جهود علماء الحنفية ونصوصهم على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك بالله؛ بل أمّ لعدة أنواع من الشرك به سبحانه، وتحقيقهم أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى، وأنهم أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات.

المبحث الثاني

في نصوص علماء الحنفية في تحقيق أن الاستغاثة بغير

الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في دين الله، بل

إشراك بالله، بل أم لعدة أنواع من الإشراك بالله تعالى

وفيه مطالب ثلاثة:

- المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم في دين الله تعالى .

- المطلب الثاني: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله إشراك بالله سبحانه.

- المطلب الثالث: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أم لعدة أنواع من الإشراك بالله جل وعلا .

كلمة بين يدي هذا البحث

لقد سبق في المبحث السابق بيان بعض جهود علماء الحنفية في استدلالهم بعدة آياتٍ قرآنيةٍ، وأحاديث نبويةٍ، على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بالأموات عند الكربات، وتبين أن ذلك من أعظم أنواع الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وأذكر في هذا المبحث بعض نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى : أمرٌ محرم في شرع الله ، بل إشراك بالله، بل أمُّ الإشراك به تعالى، وبناء على ذلك تقتضي طبيعة هذا المبحث أن يكون مشتملا على مطالب ثلاثة، فأقول وبربي أستغيث وأستعين* إذ هو وحده المستعان وهو وحده المعين*:

المطلب الأول

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله

فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في شرع الله

ومحذور في دين الله

لقد حذر علماء الحنفية، ولا سيما أئمتهم القدامى أمثال: الإمام أبي حنيفة (150هـ) ، والإمام أبي يوسف (182هـ) ، والإمام محمد (189هـ):

الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق، وكذا الإمام أبو جعفر الطحاوي (321هـ) ، وغيرهم- من دعاء غير الله، والاستغاثة بغيره سبحانه، فيما لا يقدر عليه إلا هو تعالى، ولهم في ذلك نصوص قاطعة للنزاع، كما هي قاطعة لدابر القبورية، ولا سيما الحنفية منهم، وقالعة لشبهاتهم، وفيما يلي بعض نصوصهم التي فيها عبرة للمعتبرين* ونكال وتنكيل للمعاندين المستكبرين*

1 - نص الإمام أبي حنيفة (150هـ) فيما رواه عنه الإمام أبو يوسف (182هـ)، وعنه الإمام بشر بن الوليد (238هـ) ، ونقله كثير من علماء

الحنفية وأقروه، مستدلين به على منع الاستغاثة بغير الله سبحانه.

للإمام أبي حنيفة رحمه الله مقالة مهمة، تقطع دابر القبورية المستغيثين بالأموات* لدفع الملمات، وجلب المنافع والخيرات* معرضين عن الاستغاثة برب البريات، وخالق الكائنات* وهي مقالة قد حمى بها الإمامُ أبو حنيفة حمى التوحيد من كل شرك، ووسائله، وسد بها جميع الذرائع الموصلة إلى ما يناقض التوحيد:

توحيد الأنبياء والمرسلين* على ما فهمه خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين* وهي مقالة سارت بها الركبان * واشتهرت واستفاضت عند علماء الحنفية بحيث لم يختلف في صحتها اثنان* ولم يناطح فيها كبشان* وهي مقالة فيها قرة عيون للموحدين السنيين* وسخنة أعين للمشركين والقبوريين* وشجى في حلوق المستغيثين بغير الله من الأموات والغائبين* وهذه المقالة الحنفية لها أهمية عظيمة في باب توحيد الألوهية* كما أن للمقالة المالكية أهمية عظيمة في باب توحيد الصفات الإلهية*

فكما أن المقالة المالكية قطع بها الإمامُ مالك دابرَ كل جهميّ، وفرخه من كل ماتريديّ وأشعريّ* كذلك المقالة الحنفية قد قطع بها الإمام أبو حنيفة دابرَ كل مشركٍ وثنيٍّ، وفرخه من كل صوفيّ وقبوريّ* فالمقالة المالكية هي قولة الإمام مالك (179هـ) : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول...).

وأما المقالة الحنفية الحنيفية: فهي قولة الإمام أبي حنيفة (150هـ) ونصها:

(لا ينبغي لأحد أن يدعو الله تعالى إلاّ به، وأكره أن يقول [المرء]: أسألك بمعاقد العز من عرشك، وأكره أن يقول: وبحق أنبيائك، ورسلك ، وبحق البيت الحرام).

2 -4- وقد رواها الإمام القدوري (428هـ) عن الإمام بشر بن الوليد (238هـ) : أنه قال: سمعت أبا يوسف (182هـ) يقول : قال أبو حنيفة (150هـ):

(لاينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به...) فذكرها بتمامها في كتابه الذي شرح به مختصر الإمام الكرخي (340هـ) .

5 -10- ونقلها عن شرح الإمام القدوري (428هـ) لمختصر الإمام الكرخي (340هـ) - كثير من كبار علماء الحنفية ، مستدلين بها على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بالأموات عند الكربات، فحققوا بها أن القبورية مخالفون لشرع الله، كما أنهم مخالفون لأئمة هذه الأمة في المعتقد، ولا سيما أئمة الحنفية، وبهذه المقالة قد اجتثوا جميع شبهات القبورية في الاستغاثة بغير الله من أصلها، واستأصلوا جميع مزاعمهم في التوسل الباطل من جذورها.

11 - لفظ آخر لمقالة الإمام أبي حنيفة (150هـ) رحمه الله- 12- فيما رواه عند الإمام أبو يوسف (182هـ) رحمه الله.

13 -فقد قال الإمام الحصكفي (1088هـ):

14 -15- (وفي التتار خانية معزيا للمنتقى ، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة ، [أنه قال]:

لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه، المأمور به:

ما استفيد من قوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }

(الأعراف: 180) - وكره قوله : بحق رسلك، وأنبيائك، وأوليائك، أو بحق البيت..).

16 -20- ونقله عن العلاء الحصكفي آخرون من الحنفية.

21 - وقال الإمام ابن عابدين الشامي (1252هـ) في شرح كلام الإمام أبي حنيفة :

(" إلا به ": أي بذاته ، وصفاته ، وأسمائه).

22 - وتبعه العلامة الرستمي فنقل قوله وأقره، ثم قال في الرد على القبورية عامة والقبورية من الحنفية خاصة:

(فعلم من هذا القول [أي قول أبي حنيفة ] حصر التوسل الأسمى في الأدعية في أسماء الله تعالى وصفاته.

والحال أن هؤلاء المقلدين يتركون قول إمامهم، ويتبعون أهواءهم بغير علم فضلوا وأضلوا ).

23 - ولشيخنا الفاضل العلامة الأديب، جامع المعقول والمنقول، أحد أفاضل الحنفية المنصفين، والرادين على القبورية، كلام مهم في الاستدلال بمقالة الإمام أبي حنيفة، ونقل أقوال علماء الحنفية- يقطع دابر القبورية، ولا سيما الحنفية منهم.

24 -32- وقد ذكر هذه المسألة عدة من كبار علماء الحنفية غير من ذكر وأقروها.

33 - 36- وقال الإمام البركوي (981هـ).

وتبعه العلامتان : شكري الآلوسي (1342هـ)، والرباطي، واللفظ للأول:

(قال ابن بلدجي، في شرح المختار:

" ويكره أن يدعو الله إلاّ به، فلا يقول: أسألك بفلان، أو بملائكتك، أو بأنبيائك، ونحو ذلك؛ لأنه لا حق للمخلوق على خالقه [ وجوبا أوجبه عليه غيره]،

أو يقول في دعائه: أسالك بمعقد العز من عرشك...، وما يقول فيه أبو حنيفة وأصحابه:

" أكره كذا "- هو حرام عند محمد ، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف : هو إلى الحرام أقرب* وجانب التحريم عليه أغلب * ).

قلت: هذا النص هو في الحقيقة نص أبي حنيفة ، وصاحبيه السابق، وهو يدل دلالة قاطعة على بطلان استغاثات القبورية وتوسلاتهم البدعية؛ كقولهم : "بفلان ، أو ببركة فلان ، أو بحرمة فلان، أو بحق فلان، أو بطفيل فلان، أو بخاطر فلان، أو لأجل فلان، أو بجاه فلان، أو شيئا لله، ونحو ذلك من العبارات* فضلا عن قولهم في ندائهم الأموات*:

يا فلان اشفع لي، أو اشفني ، أو اقض حاجتي، أو أغثني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو أنا تحت نظرك، أو أنا تحت ظلك، أو لا تحرمني ، أو لا تطردني، ونحو ذلك من الاستغاثات بالأموات* عند إلمام الملمات، ونزول الكربات* التي هي وثنيات صريحات* تحت ستار التوسل والكرامات*

37 -40- قول الأئمة الثلاثة للحنفية * فيما قاله الإمام الطحاوي أحد كبار أئمة الحنفية* لقد ألف الإمام الطحاوي (321هـ) كتابه المعروف في عقيدة

أهل السنة والجماعة، وصرح في أوله بأن هذه العقيدة- عقيدة الأئمة الثلاثة، وقولهم جميعا، جاء في أوله النص الآتي:

( هذا ما رواه الإمام أبو جعفر الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ، رضوان الله عليهم أجمعين* وما يعتقدون من أصول الدين* ويدينون به لرب العالمين*).

قال رحمه الله تعالى في أهمية دعاء الله والاستغاثة به وحده لا شريك له : ( والله تعالى يستجيب الدعوات * ويقضي الحاجات* ويملك كل شيء ، ولا يملكه شيء *، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين* ومن استغنى عن الله طرفة عين*- فقد كفر، وصار من أهل الحين*).

قلت: هذا النص واضح في معناه ، قاطع لدابر القبورية الذين يقولون بدون

حياء من العباد، ورب العباد:

إن المضطر ينبغي له أن يستغيث بالأموات عند الكربات* لأن الولي أسرع إجابة من الله تعالى في دفع المضرات، وجلب الخيرات* إلى آخر هذيانهم الكفري الإلحادي الذي ذكرتُ أمثلة منه في ترجيحهم الاستغاثة بالأموات * على الاستغاثة برب البريات* ؛ لأن هذا النص مشتمل على عدة من الأمور المهمات * التي تبطل جميع مزاعم القبورية في استغاثتهم بالأموات* :

الأول: أن الله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات ، فبطل كفر هؤلاء القبورية: أن الولي أسرع إجابة من الله.

الثاني: أن الله يملك كل شيء ، وقادر على كل شيء، فهو المالك المطلق، والغني القادر المطلق، وحده لا شريك له.

فبطلت خرافات القبورية في زعمهم التصرف في الكون للأولياء .

الثالث: أنه لا غنى لأحد عن الله تعالى طرفة عين.

فبطل بذلك زعم القبورية في دعوة العباد إلى الاستغاثة بالعباد ولا سيما الأموات.

الرابع: حكم هؤلاء المستغيثين المستكبرين عن الاستغاثة بالله، المعرضين عنها، الراغبين في الاستغاثة بالأموات، الداعين إليها:

وهو أنهم قد ارتكبوا كفرا بواحا، وشركا صراحا.

هذا هو حكم الأئمة الحنفية القدامى على مثل هؤلاء القبورية الوثنية المرجحين للاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة بخالق الكائنات*، والمعتقدين فيهم العلم بالمغيبات* وسماع أصوات الاستغاثات*

والتصرف في الكون، وغير ذلك من الخرافات والشركيات*.

41 -46- ولقد شرح هذه العقيدة كثير من كبار علماء الحنفية، ولهم كلام مهم في شرح قول الإمام الطحاوي المذكور- الذي هو في الأصل قول للأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق، ويطول المقام أن أسوق كلام كل واحد من هؤلاء الشراح في شرح هذا القول الفيصل؛ لذلك أود أن أذكر حاصل مجموع كلام هؤلاء الحنفية * وهم ستة أعلام، ليكون ذلك إجهازا على هؤلاء الجرحى القبورية *:

قالوا :إن الله تعالى أمر عبادة بالدعاء، ووعد بالإجابة، فرغب العباد إلى دعائه وحده لا شريك له؛ لأن الله سبحانه حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يدعهما صفرا؛ فالله سبحانه وتعالى قد أكد وأمر عباده أن يدعوه وحده عند الكربات، وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تؤكد هذا المطلوب، وتوجبه على العباد، ليدعوا رب العباد عند الكربات، لا غيره من المخلوقات؛ لأن الله تعالى هو وحده يملك كل شيء، فلا يتعذر عليه شيء ، ولا يصعب عليه إعطاء شيء ؛ ثم هو حيي، كريم، رحيم، جواد، وهاب، يعطي ، ويجيب، وقادر على قضاء الحوائج، وهو موصوف بكمال الرحمة، وقادر على كل شيء؛ فلا تلحقه مشقة في قضاء حاجات المحتاجين، ولا غنى لأحد من المسلمين والكافرين عن الله تعالى طرفة عين؛ فإن المشركين أيضا محتاجون إلى الله تعالى ،

فقد كانوا إذا مسهم الضر في البحر لم يكونوا يدعون إلا الله سبحانه وحده لا يشركون معه غيره، فهؤلاء الكفار قد فهموا هذه النكتة المهمة، فكانوا يعتقدون أنه لا غنى لأحد عنه سبحانه عند الكربات؛ ولأجل أن كل ما سوى الله مفتقر إليه، وأنه هو الغني وحده- قد ندب الله سبحانه إلى دعائه، ورغبهم في أن يسألوه حوائجهم وحده لا شريك له، لأن ذلك يتضمن عدة من المطالب العالية، والصفات الكمالية، وهي الوجود، والغنى ، والسمع، والعلم، والكرم، والرحمة، والقدرة، لأن المعدوم، والفقير، والأصم، والبخيل، والقاسي، والعاجز- لا يُدْعَوْنَ، فالله سبحانه وتعالى يفرح بدعاء عبده وسؤاله منه، وإظهار تضرعه إليه، فمن لم يسأل الله عند الكربات* ولم يدعه عند الملمات* يكرهه ويغضب عليه، بخلاف ابن آدم، كما قيل:

الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبُنيُّ آدم حين يسأل يغضب

فمن رأى نفسه مستغنيا عن الله طرفة عين، معرضا عنه، مستغيثا بغيره تعالى- فقد كفر، ويكون مخلدا في النار، فأي هلاك أشد من هذا!!!؛ لأن من لا يدعو الله تعالى- فهو لا يعرفه، وإن ادعى أنه يعرفه؛ لأنه وإن أقر به- فقد نقض إقراره بترك دعائه وسؤاله عند الكربات* وعدوله إلى غيره سبحانه من المخلوقات*.

قلت: هذا الكلام لا يحتاج إلى أي تعليق فهو واضح في معناه وقاطع لدابر القبورية .

47 -49- وقال الإمام الآلوسي محمود المفسر، مفتي الحنفية ببغداد( 1270هـ)، وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ)، والعلامة الخجندي (1379هـ) ، واللفظ للأول: (وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن الاستغاثة بمخلوق، وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه- لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيا...؛ وأما إذا كان المطلوب منه ميتا أو غائبا- فلا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف ...؛ ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم- وهم أحرص الخلق على كل خير- : أنه طلب من ميت شيئا ...).

المطلب الثاني

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله تعالى

فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه إشراك بالله عز وجل

لقد سبق نصوص علماء الحنفية وأئمتهم القدامى على أن الاستغاثة بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله - أمر محرم في شرع الله، وينافي دين الله عز وجل، ويناقض توحيده جل وعلا.

وأذكر في هذا المطلب عدة نصوص لعلماء الحنفية- على أن الاستغاثة بغير الله- ليست محرمة في دين الله فحسب، بل هي شرك، من أقبح أنواع الشرك بالله.

وإليكم بعض تلك النصوص على سبيل المثال* لتكون فيها عبرة ونكال للقبورية الضّلال، أهل الإضلال*:

1 -4- سبق في كلام الإمام الطحاوي، وهو في الحقيقة كلام للأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق: أبي حنيفة ، وصاحبيه أبي يوسف، ومحمد - رحمهم الله تعالى- قولهم : ( ومن استغنى عن الله طرفة عين * فقد كفر، وصار من أهل الحين*).

قلت: هذا النص ينطبق تماما على القبورية الذين يزعمون أن الاستغاثة بالله تعالى تضر المكروب المضطر، وتؤخر قضاء حاجته؛ لأن الله تعالى لا يهمه أمر المضطر المكروب الملهوف، بخلاف الولي، فإنه أسرع إجابة من الله تعالى، وإنه يهتم بأمر المضطرين أكثر من الله تعالى .

فهؤلاء الوثنية هم في الحقيقة مستغنون عن الله تعالى، المستكبرون عن دعائه وحده، المعرضون عن الاستغاثة به عند الكربات* الراغبون في الاستغاثة بالأموات* المرجحون للاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة برب البريات* فهؤلاء قد ارتكبوا كفرا بواحا* وأمرا إمْرًا نُكرا إدّا ، وشركا صراحا*

5 -7- وقال الإمام الفتني الملقب عند الكوثري، والكوثرية، بملك المحدثين وهو أحد الأئمة الحنفية الكبار (986هـ)- في صدد الرد على القبورية، وتبعه بعض علماء الحنفية، واللفظ للأول:

( فإن منهم من قصد بزيارة قبور الأنبياء والصلحاء: أن يصلي عند قبورهم، ويدعو عندها، ويسألهم الحوائج، وهذا لا يجوز [ لأن ذلك من العبادة ] فإن العبادة ، وطلب الحوائج، والاستعانة ، حق لله وحده ).

قلت: هذا النص المهم لهذا الإمام العظيم المبجل عند الحنفية، والملك

للمحدثين عند الكوثري، أحد أئمة القبورية، والجهمية الماتريدية، ولا سيما الكوثرية (1371هـ)- دالّ على أن الاستغاثة بغير الله شرك بالله، إذ هي من قبيل العبادة لغير الله تعالى .

8 -11- وقال الإمامان: البركوي (981هـ)، وأحمد الرومي (1043هـ) ، وتبعه آخران من الحنفية، واللفظ للأول:

( إن فتنة الشرك بالصلاة فيها [ أي عند القبور]، ومشابهة عبادة الأوائل- أعظم بكثير من مضرة الصلاة بعد العصر، والفجر...؛ فكيف بهذه الذريعة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك بدعاء الموتى وطلب الحوائج منهم ).

قلت: هذا النص صريح في أن الاستغاثة بالموتى وطلب الحوائج منهم ودعائهم، شرك بالله عز وجل ، فدل على أن القبورية مرتكبون للشرك الأكبر ، بالله جل وعلا .

12 - وقال الإمام البركوي (981هـ) رحمه الله - أيضا- مبينا مخازي القبورية وفضائحهم وقلبهم دين التوحيد إلى دين الشرك:

( فقلب هؤلاء الأمر ، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصودَ بالزيارة الشرك بالميت، ودعاءَه، وسؤاله الحوائجَ، واستنزال البركات منه، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت).

قلت:

هذا النص لهذا الإمام صريح في أن الاستغاثة بالأموات عند

الملمات، إشراك بخالق الكائنات، وأن القبورية بزيارتهم الوثنية- للشرك مرتكبون * وإلى أنفسهم ، وإلى الميت مسيئون* 13-17- وقال الإمامان: البركوي (981هـ)، وأحمد الرومي (1043هـ)، وتبعهما الشيخان: سبحان بخش الهندي، وإبراهيم السورتي، والعلامة محمود شكري الآلوسي (1342هـ) ، في بيان المفاسد الشركية بسبب جعل القبور أعيادا:

واللفظ للأول:

( إن غلاة متخذيها عيدا إذا رأوها من موضع بعيد ينزلون* من الدواب ويضعون الجباه على الأرض ويقيلون* ويكشفون الرؤوس وينادون من مكان بعيد* ويستغيثون بمن لا يبدي ولا يعيد* ويرفعون الأصوات بالضجيج* ويرون أنهم قد زادوا في الربح على الحجيج* حتى إذا وصلوا إليها يصلون عندها ركعتين* ويرون أنهم قد أحرزوا من الأجر أجر من صلى إلى القبلتين* فتراهم حول القبور سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا* وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا* فلغير الله تعالى ، بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات* ويرتفع من الأصوات* ويطلب من الميت الحاجات* ويسأل من تفريج الكربات* وإغناء ذوي الفاقات * ومعافاة أولي العاهات والبليات* ).

قلت: هذا النص الفصيح البليغ الذي يثير عواطف أهل التوحيد، ويشن

الغارة على أهل الشرك- يدل دلالة قطعية على أن حج القبورية إلى القبور* ودعاء من في القبور* والاستغاثة بهم- من أعظم أنواع الشرك بالله جل وعلا؛ لأن كل ذلك من أعظم أنواع العبادة لله عز وجل، فصرفها لغير الله من أعظم أنواع الإشراك بالله عز وجل.

فهذا النص من قبيل القضايا التي قياساتها معها كما قيل:

وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد

18 -22- وقال البركوي رحمه الله تعالى ، والإمام أحمد الرومي، والشيخ سبحان بخش الهندي، والشيخ السورتي، والعلامة الخجندي، كاشفين الأستار عن أسرار القبورية واستغاثتهم الشركية، ومقارنين للقبورية بالوثنية، واللفظ للأول:

(وأمّا الزيارة البدعية:

فزيارة القبور لأجل الصلاة عندها، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها، وتعفير الخدود عليها، وأخذ ترابها، ودعاء أصحابها، والاستعانة بهم، وسؤالهم النصر، والرزق والعافية، والولد، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفان، وغير ذلك من الحاجات التي كان عبّاد الأوثان يسألونها من أوثانهم- فليس شيئا من ذلك مشروعا باتفاق أئمة الدين؛ إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة، والتابعين، وسائر أئمة الدين، بل أصل هذه الزيارة البدعية الشركية مأخوذة عن عباد الأصنام).

23 - ثم طوّل البركوي رحمه الله النّفَسَ في تحقيق مقارنة القبورية بالوثنية الأولى.

قلت: هذا النص يدل دلالة قاطعة على أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم أنواع الإشرك برب البريات* وأنها من دين الوثنية الأولى * وجاهلية من الجاهلية الجهلاء الحمقاء*.

24 -25- قول ابن الرومي في شرح المختار في بيان أن استغاثة القبورية شرك، على ما قاله العلامة الخجندي :

( وقال ابن الرومي في شرح المختار: " قد قرّر الشيطان في عقول الجهال: أن الإقسام على الله بالولي، والدعاء به، أبلغ في تعظيمه، وأنجح لقضاء حوائجه، فأوقعهم بذلك في الشرك " ..).

26 -30- قول جمع من كبار علماء الحنفية :

أولهم الإمام صنع الله الحلبي (1120هـ) ، وتبعه آخرون- محققين أن الاستغاثة بالأموات* عند الكربات* إشراك برب الكائنات* وأن القبورية في ذلك على طريقة الوثنية الأولى- في كلام طويل مهم قد سبق فلا حاجة إلى إعادته.

31 - وقال الإمام ولي الله الدهلوي الملقب عند الحنفية " بحجة الله على العالمين "(1176هـ) .

في بيان شركيات القبوريين ، وأن استغاثتهم بغير الله تعالى شرك به سبحانه وتعالى :

( وأمّا الإشراك بالله استعانة- فحده : أن يطلب حاجة عالما بأن فيه قدرة إنجاحها من صرف الإرادة النافذة: كالشفاء من المرض، والإحياء، والإماتة، والرزق، وخلق الولد، وغيرها مما يتضمنه أسماء الله تعالى ، والإشراك بالله تعالى دعاء:

فحده : أن يذكر غير الله تعالى، عالما بأنّ فعله ذلك نافع في معاده، أو قربه إلى الله تعالى، كما يذكرون شيوخهم إذا أصبحوا ).

32 - وقال رحمه الله محققا أن القبورية باستغاثتهم بالأموات* مثل الوثنية الأولى عبدة العزى واللات*:

(كل من ذهب إلى بلدة أجمير، أو إلى قبر سالار

مسعود، أو ما ضاهاها: لأجل حاجة يطلبها، فإنه آثم إثما أكبر من القتل والزنى ، ليس مثله إلا مثل من كان يعيد المصنوعات، أو مثل من كان يدعو اللات والعزى).

قلت: هذا النص، لهذا الإمام، يقطع دابر القبورية المستغيثين بالأموات* فقد حكم عليهم هذا الإمام الهمام، بأنهم في استغاثاتهم وثنية كعباد اللات والمصنوعات*

33 - وقال رحمه الله في الرد على القبورية المستغيثين بالأموات* معرضين عن الاستغاثة برب البريات* ، مبينا أن استغاثتهم بغير الله إشراك بخالق البريات*:( يا أيها الناس ما لكم أشركتم بالله ما لم ينزل به سلطانا، اتخذ أهل كل بلد من أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ يستغيثون بهم ، معرضين عن الله]، أتعلمون أن الله بعيد عنكم [ حتى أعرضتم عنه ] ؟!؟، وأنّ هؤلاء [الأموات أو الأحياء الغائبين ] أقربُ إليكم منه؟؟؟ [حتى اخترتموهم للاستغاثة بهم عند الملمات!!!]،

كلا، إن الحق العلي الكبير، مع كونه منزها غاية التنزيه، تدلى إلى خلقه، فما من أحد يقول: يا ربي يا ربي، إلا وهو يقول بإزائه: يا عبدي).

34 - وقال رحمه الله في الرد على القبورية مبينا أن طلب الحوائج من الأموات كفر يناقض الإسلام، وكلمة التوحيد:

( واعلم أن طلب الحوائج من الموتى، عالما بأنه سبب لإنجاحها- كفر يجب الاحتراز عنه، تُحرِّمه هذه الكلمةُ [ كلمة التوحيد ]، والناس [القبورية ] اليوم فيها منهمكون).

35 -36- ونقله آخرون من الحنفية مستدلين به رادين به على القبورية، حاكمين على أن الاستغاثة بغير الله كفر وشرك.

37 -42- وقال رحمه الله مبينا عقائد المشركين الأولين وأنواع إشراكهم بالله تعالى ، ذاكرا منها الاستغاثة بغير الله، محققا أنها شرك بالله، وتبعه في هذا التحقيق عدة من كبار علماء الحنفية، واللفظ له:

( ومنها [ أي من أنواع شرك المشركين الأولين]: أنهم كانوا يستعينون بغير الله في حوائجهم من : شفاء المريض، وغناء الفقير، وينذرون لهم، يتوقعون إنجاح مقاصدهم بتلك النذور، ويتلون أسماءهم رجاء بركتها:

فأنزل الله تعالى عليهم أن يقولوا في صلاتهم: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5]، وقال تعالى : { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [ الجن: 18]، وليس المراد من " الدعاء " : " العبادة". كما قاله بعض المفسرين، بل هو الاستعانة كقوله تعالى : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ } [الأنعام: 41] ..).

43 -45- وقال رحمه الله ، وتبعه بعض الحنفية، مبينا أن أوراد القبورية التي فيها استغاثتهم بالأموات- هي أوراد شركية:

( الأوراد الشركية من علامات القبورية، أنهم يعتقدون في مشائخهم ،أنهم يعلمون أسرارهم، وينادونهم عند الكربات، فيقول بعضهم: يا بهاء الدين مفرج الكربات، وبعضهم يستغيثون لبسط الرزق: يا نظام الدين أولياء واهب الرزق، وبعضهم يقولون- قياما وقعودا- عند الكربات: يا شيخ عبد القادر

الجيلاني شيئا لله).

46 -49- وقال القاضي ثناء الله الباني بتي الملقب عند الحنفية ببيهقي الوقت (1225هـ) وتبعه كثير من علماء الحنفية ، منهم الشيخ الجنجوهي ( 1323هـ) ، مبينا أن استغاثات القبورية بالأموات شرك بالله تعالى وكفر به:

( لا يجوز عبادة غير الله، ولا استعانة من غيره تعالى ، لأن ذلك من حق الله تعالى وحده، كما قال سبحانه بصيغة الحصر: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] فلا يجوز النداء للأولياء ، لأنه من العبادة [ العبادة لغير الله شرك ]، كما لا يجوز الانحناء إلى القبور، ولا الطواف بها، لأن الطواف لا يكون إلا بالكعبة، ولأن الطواف كالصلاة، فلا تجوز لغير الله، ولا يجوز أيضا دعاء الأنبياء والأولياء في الكربات* سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات * لأن الدعاء من العبادة بصريح الكتاب والسنة، ولكن بعض الجهال يقولون عند الكربات: " يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله "، ويقول بعضهم : " يا خواجة شمس الدين الباني بتي شيئا لله " ، فهذا لا يجوز، بل هو شرك، وكفر؛ لأن الله تعالى قال: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

[ الأعراف: 194]، فالذين يدعونهم القبورية- هم عباد مثلهم، لا قدرة لهم على النفع والضر وإنجاح الحوائج.

فإن قال قائل من هؤلاء القبورية:

إن هذه الآية نزلت في حق الكفار، وهم كانوا يدعون الأصنام ، أما نحن فلا ندعوا الأصنام. بل ندعوا أولياء الله تعالى.

فالجواب:

أن لفظ من دون الله بمعنى " غير الله "- لفظ عام، فالعبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص النزول، فيدخل فيه: الأنبياء، والأولياء، وكل ما سوى الله تعالى ، فلا يجوز نداء غير الله عند الكربات.

سواء كان من الأصنام، أو الأحياء، أو الأموات* ).

50 - ولقد عد الإمام الشاه عبد القادر، أحد كبار علماء الحنفية الملقب عندهم بالإمام الكبير (1230هـ)- عدةَ أنواع للشرك ذكر منها الاستغاثة بغير الله.

51 -53- وقال الإمام الشاه عبد العزيز الملقب عند الحنفية بسراج الهند (1239هـ) وتبعه آخرون من الحنفية مبينين أن الاستغاثة بغير الله

شرك من أفعال المشركين:

( إن بعض المشركين [ القبورية] يدعون غير الله لدفع البليات).

54 -55- وقال الإمام المجاهد الشاه إسماعيل الدهلوي (1246هـ) حفيد الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) ، وتبعه الشيخ أبو الحسن الندوي، مبيِّنين أن الشرك بالاستغاثة بأهل القبور قد عم وطمّ، واللفظ للثاني:

( استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس:

اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد غريبا...؛

مظاهر الشرك:

ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستغيثون بالمشايخ، والأنبياء، والأئمة، والشهداء، والملائكة، والجنيات، عند الشدائد، فينادونها بأسمائها، ويصرخون بأسمائها، ويسألون عنها قضاء الحاجات وتحقيق المطالب...).

56 -75- وقالا- واللفظ للثاني أيضا- في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى:

(حقيقة شرك أهل الجاهلية وضلالهم...؛

فما كان كفرهم وشركهم إلا نداءهم لآلهتهم، والنذور التي كانوا ينذرونها...؛ واتخاذهم لهم شفعاء ووكلاء، فمن عامل أحدا بما عامل به الكفار آلهتهم- وإن كان يقر بأنه عبد ومخلوق- كان هو، وأبو جهل في الشرك بمنزلة سواء ).

58 - وللإمام الشاه محمد إسحاق الدهلوي (1262هـ) تحقيق مهم في أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم أنواع الإشراك بخالق الكائنات*

59 -60- وقال الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، محققا تحريم استغاثة هؤلاء المفرطين* وأنه من الذنوب العظائم، ومن أفعال الملعونين المشركين* المعرضين عن الاستغاثة برب العالمين* المستغيثين بالأموات المحتاجين العاجزين الغافلين عن إغاثة هؤلاء المستغيثين *:

(والناس قد أفرطوا اليوم في الإقسام على الله، فأقسموا عليه عزّ شأنه بمن ليس في العير ولا في النفير* وليس عنده من الجاه قدر قطمير* وأعظم من ذلك أنهم يطلبون من أصحاب القبور* نحو إشفاء

المريض وإغناء الفقير* ورد الضالة وتيسير كل عسير * وتوحي إليهم شياطينهم خبر: " إذا أعيتكم الأمور..... إلخ ".

وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم : عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن على ذلك، فكيف يتصور منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالاستغاثة من أصحابها؟!؟ سبحانك ! هذا بهتان عظيم!!!!).

61 -66- وقال الإمام محمود الآلوسي، مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ)- أيضا- وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) ، وآخرون من الحنفية:

مبينين أن القبورية بارتكاب شركهم بالاستغاثة بالأموات على طريقة الوثنية الأولى:(وفي قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا } ... إلخ [الحج: 73]- إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى؛ حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى ...؛ ولا يخفى أنهم ....- أشبه بعبدة الأوثان القائلين : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر : 3]...؛ وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة* وكلام سلف الأمة*

وقد أفسد هؤلاء [القبورية] على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى، وكذا لأهل الملل والنِحل والدهرية، نسأل الله تعالى العفو والعافية ).

67 -69- وقال العلامتان نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وابن أخيه شكري الآلوسي (1342هـ) عن شيخ الإسلام (728هـ) ، في تحقيق أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم الإشراك برب البريات * وأنها من أعظم أسباب دمار البلاد* وأعظم موجبات غضب الله القهار على العباد* المستغيثين بالأموات* عند إلمام الملمات * [ والكلام في الأصل لشيخ الإسلام (728هـ)]:

(ونحن نعلم بالضرورة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام- لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات: لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، كما أنه [ عليه السلام] لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا إلى ميت، ونحو ذلك، وأن ذلك من الشرك الذي حرّمه الله تعالى ورسوله [ صلى الله عليه وسلم ]، لكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين- لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم ] مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن

بها، وقال : " هذا أصل دين الإسلام "، وكان بعض أكابر الشيوخ من أصحابنا يقول: " هذا أعظم ما بينته لنا "، لعلمه بأن هذا أصل دين الإسلام، وكان هذا وأمثاله يدعون الأموات ، ويسألونهم، ويستجيرون بهم، ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه أعظم؛ لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم، فيدعون دعاء المضطر راجين قضاء حاجاتهم بدعائه، أو الدعاء به، أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم لله تعالى؛ فإنهم يفعلونها في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف، حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام [التتار] لما قدم دِمَشق الشام:

خرجوا [أي القبورية ] يستغيثون بالموتى عند القبور، يرجون عندها كشف الضر، وقال بعض الشعراء [القبورية ] " كامل ":

يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عمر ... ينجيكم من الضرر

فقلت لهم : هؤلاء الذين تستغيثون بهم، لو كانوا معكم [أحياء] في القتال، لانهزموا [ولانهزمتم معهم أيضا، لأنكم تشركون بالله بالاستغاثة

بهم]، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين، والمكاشفة [أي العارفون للواقع]، لم يقاتلوا في تلك المرة، لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولما يحصل بذلك من الشر، والفساد، وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا، ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا...؛ [لأن هذا القتال كان تحت قيادة القبورية وإمرتهم وتحت رايتهم]، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين [أي التوحيد] لله تعالى، والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا به، لا يستغيثون بملك مقرب، ولا نبي مرسل، فلما أصلح الناس أمورهم ، وصدقوا في الاستغاثة بربهم عز وجل- نصرهم على عدوهم نصرا عزيزا لم يتقدم نظيره، ولا انهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك!!!، لما صح من توحيد الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم- ما لم يكن قبل ذلك ؛ فإن الله ينصر رسله { وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } .

انتهى باقتصار ).

قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة!!! وما أشبه كارثة أفغانستان بكارثة الشام!!! فإن الله تعالى لم يسلط عليها الدمار والشنار !! إلا لأسباب أعظمها الإشراك بالله، وعبادة القبور وأهلها، ولما كان قتالهم مشوبا بالشرك وعبادة القبور، وقتل أهل التوحيد والسنة- حصل ما حصل بعد قتال طويل، ودمار مستطير، وسيل دماء جرار، فهل من مدكر!؟! وإن كنا لا نعني بذلك الطعن في الجهاد* فكل يبعث على نيته يوم المعاد*

70 - وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) رحمه الله ، في الرد على القبورية والتحذير من الاستغاثة بالأموات* وتحقيق أنه إشراك بخالق البريات*:

(ومما يفتى به في هذا المقام* ما أنشد فيه لنفسه مفتي مصرنا مدينة السلام* وهو قوله " بسيط ":

لا تدع في حاجة بازا ولا أسدا ... الله ربك لا تشرك به أحدا

وهو كلام يترشح منه التوحيد * ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد*).

71 -72- وقال العلامتان : نعمان الآلوسي (1317هـ)،

والخجندي (1379هـ) في بيان أن استغاثة القبورية شرك من قبيل عبادة الأصنام:

( إن الدعاء لغيره تعالى سواء كان المدعو حيا [غائبا] أو ميتا، وسواء كان من الأنبياء عليهم السلام ، أو غيرهم:

بأن يقال: يا سيدي فلان أغثني، أو أنا مستجير بك، أو نحو ذلك؛ فهذا شرك بالله تعالى، وهو مثل عبادة الأصنام في القرون الماضية .....).

73 -74- وقال الأديب الناثر* والشاعر المجيد الماهر* إلطاف حسين الحالي (1333هـ) ، وتبعه الأستاذ أبو الأعلى المودودي (1979م)، في بيان أن القبورية باستغاثتهم بالأموات* مرتكبون للشرك الأكبر بخالق الكائنات: ( هل يعقل ؟.؟ أن من عبد الصنم يكون كافرا* وأن من اتخذ لله ولدا يكون كافرا* وأن من سجد للنار يكون كافرا* وأن من رأى التصرف في الكواكب يكون كافرا* !!! ولكن القبورية الذين ينتمون إلى الإسلام قد فتحت لهم الطرق

كلها، وهم أحرار في أن يعبدوا من شاءوا من دون الله، وهم مع ذلك لا يكفرون ؟.؟ وفي أن يرفعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلة الله تعالى ، وهم مع ذلك لا يكفرون؟.؟ وفي أن يرفعوا الأئمة فوق منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في التحليل والتحريم، ومع ذلك لا يكفرون ؟.؟ وفي أن ينذروا للقبور نذورا، وهم مع ذلك لا يكفرون ؟.؟ وفي أن يستغيثوا بالشهداء، ويطلبوا منهم الحاجات، وهم مع ذلك لا يكفرون ؟.؟ سبحان الله!!! لا يكفرون ؟.؟ ، ولا يقع الخلل في توحيدهم؟.؟ ولا يختل إسلامهم؟.؟، ولا يذهب إيمانهم؟.؟ ).

75 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) ، كاشفا حال ابن جرجيس العراقي الحنفي الوثني (1299هـ)، مبينا أن الاستغاثة بالأموات* إشراك برب الكائنات * حاكما على القبورية * بأنهم على طريقة الوثنية*:

(وحقيقة حال هذا العراقي مصادمة ما في القرآن من النهي عن دعوة غير الله [ فوق الأسباب]، والقرآن ينهى عن دعوة كل ما سوى الله [ فيما لا يقدر عليه إلا الله ]، وهذا [العراقي] يقول: يجوز أو يستحب أن يدعى، أو يستغاث مع الله غيره، وليس عنده إلا تشكيك، وتخميش ، وتغير على التوحيد * ونصرة الشرك والتنديد*

ولا يخفى أن جل شرك المشركين في حق من عبدوه مع الله تعالى - إنما هو بدعائه وسؤاله قضاء حاجاتهم * وتفريج كرباتهم *).

76 - وقال رحمه الله في كلام شواظ من النار* أرسله على القبورية الأغمار* مبينا أن استغاثتهم بالأموات* إشراك برب البريات كاشفا الأستار عن بعض الأسرار* لبعض أئمة القبورية المضلين الأشرار* حاكما عليهم بأنهم فسقة زنادقة فجار* فأنى لهم أن يكونوا من أولياء الله الأخيار الأبرار*: ( وليس كل من ادعى أنه صوفي يسلم له الزهد والورع، ولا سيما صوفية هذا العصر، فإنهم ذئاب* عليهم من جلود الشياه ثياب * !!!! كما نسمع عن شيخ مبتدعة الرفاعية في دار السلطنة - فإنه فاق على إبليس في مكره ، وحيله ، وخبثه ، وزندقته،

كما نسمع عن شيخ القادرية في بغداد ممن ينتمي إلى الكيلاني ويرشدون الناس، وعندهم خاتم كبير يختمون به ما يعطون لمن يسلك عليهم مكتوب فيه:

" * لا إله إلا الله* عبد القادر شيئا لله* "، وقد كفروا بذلك، كما ذكر فقهاء السادة الحنفية، ففي منظومة ابن وهبان :

" * (بدر ويش در ويشان) كفر بعضهم * كذا قول شيء لله بعض يكفر* " والنقيب أولاده وسائر أفراد عائلتهم- هم أعظم الناس بلاء على الأمة، ليست معصية في الدنيا إلا وقد

استباحوها، وكبيرهم النقيب * بل الذيب* - هو بريد الشر على العراق وهم أرفاض زنادقة، يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علنا، ويشربون الخمور، ويتعاطون كل منكر، وعسى الله يعين على إفراد كتاب ينبسط فيه أحوال هؤلاء الزنادقة تحذيرا للمسلمين منهم هؤلاء شيوخ صوفية عصرنا، والأمر لله، وابن حجر [الهيتمي القبوري] إن عظم أمثال هؤلاء الفجرة- فهو لا شك من أعداء الله).

77 - وله رحمه الله كلام آخر من هذا القبيل في بيان فضائح القبورية، ولا سيما الصوفية منهم، وتحقيق أن استغاثتهم بالأموات* من أعظم الإشراك والوثنيات*

78 - وقال رحمه الله أيضا- بعد تحقيق مهم في وجوب سد ذرائع الشرك، وحماية حمى التوحيد بذكر عدة أمثلة- مبينا أن الاستغاثة بالأموات عند الكربات* من أعظم الإشراك بخالق الكائنات*:

(...، فمن المستحيل شرعا، وفطرة ، وعقلا:

أن تأتي هذه الشريعةُ المطهرةُ الكاملةُ، وغيرُها- بإباحة دعاء الموتى والغائبين [عند الكربات*] والاستغاثة بهم من الملمات والمهمات* كقول النصراني: " يا والدة المسيح اشفعي لنا إلى الإله ".

أو: " يا عيسى ، أعطني كذا "، أو : " افعل بي كذا "، وكذلك قول القائل [القبوري]: " يا علي ، أو ياحسين ، أو يا

عباس، أو يا عبد القادر ، أو يا عيدروس ، أو يا بدوي، أو يا فلان، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله، والتسوية به تعالى وتقدس؛ فهذا لا تأتي شريعة، ولا رسالة بإباحته قط، بل هو من شعب الشرك الظاهرة الموجبة للخلود في النار* ومقت العزيز الغفار* وقد نص على ذلك مشايخ الإسلام* حتى ذكره ابن حجر في الأعلام * مقررا له).

79 - قال الشيخ الجوهر - وهو من كبار مشاهير علماء الحنفية المعاصرة- عن شيخ الإسلام (728هـ)، في تحقيق أن الاستغاثة بالغائبين والأموات* من أعظم أنواع الشرك برب البريات*:

(فهذه أنواع من خطاب الملائكة، والأنبياء ، والصالحين بعد موتهم عند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم- هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب، والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات، ما لم يأذن به الله تعالى :

[قال الله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } [الشورى:21]، فإن دعاء الملائكة، والأنبياء بعد موتهم ، وفي مغيبهم، وسؤالهم، والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم، بمعنى طلب الشفاعة منهم- هو من الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا]، وليس هو واجبا، ولا مستحبا باتفاق المسلمين* ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين* لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين* [وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون حكايات ومنامات]،

فهذا كله من الشيطان ، [وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت، والاستشفاع به، والاستغاثة به، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين* فهذا كله ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين* ومن تعبد بعبادة ليست واجبة، ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة، لا بدعة حسنة، باتفاق أئمة الدين].

قلت: هذا النص لا يحتاج إلى تعليق، فهو واضح ، ونص على أن الاستغاثة بالغائبين والأموات * من أعظم أنواع الشرك بخالق الكائنات*

والآن ننتقل إلى المطلب الثالث لنعرف على لسان علماء الحنفية أن هذه الاستغاثة ليست شركا بالله فحسب، بل هي أم لعدة أنواع من الشرك بالله.

المطلب الثالث

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله

فيما لا يقدر عليه إلا الله أم لعدة أنواع من الشرك بالله

لقد صرح علماء الحنفية أن الاستغاثة بغير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله ليست بإشراك بالله سبحانه فحسب، بل هي أمّ لعدة أنواع من الإشراك بالله تعالى، وإليكم تحقيق ذلك على لسان علماء الحنفية وشهادتهم:

1 - قال جمع من علماء الحنفية: إن الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه - متضمنة لثلاثة أنواع من الشرك الصريح-:

الأول: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يعلم الغيب، وإلا لما دعاه البتة.

الثاني: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يسمع صوته ونداءه، وإلا لما هتف باسمه.

الثالث: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يقدر على قضاء حاجته، من دفع المضرات، وجلب الخيرات* وإلاّ لما ناداه عند الكربات وإلمام الملمات*

وقد سبق في البابين (الخامس، والسادس) أن هذه العقائد كلها شركية وثنية.

11 -12- قال الإمام محمود الآلوسي - مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ)، وتبعه ابنه العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ)، والعلامة الأديب الرباطي، واللفظ للأول:

( إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم: مثل : يا سيدي فلان، أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء ، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك، وقد عده أناس من العلماء شركا، وإن لا يكنه [على سبيل فرض المحال]- فهو قريب منه، و[الحق أنه أمّ أنواع الإشراك ، لأنني لا أرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد [عقائدَ ثلاثا :] [الأولى]: أن المدعو الحي الغائب، أو الميت المغيب يعلم الغيب، و[الثانية أنه] يسمع النداء.

و[الثالثة أنه ]يقدر بالذات، أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى.

وإلا لما دعاه * ولا فتح فاه*

{ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } .

فالحزم التجنب عن ذلك، وعدم الطلب إلا من الله تعالى، القوي الغني، الفعال لما يريد ).

13 -14- وقال شارح مختصر القدري على ما قاله العلامة الخجندي (1379هـ) في بيان أن استغاثة القبورية ليست من الشرك فحسب، بل أمّ الشركيات، ومتضمنة لعدة أنواع من الشرك:

( وها أنا أذكر لك نصوص المذهب الحنفي عن الكتب المعتبرة، والفتاوى المشهورة:

ففي شرح القدوري : " أن من يدعو غائبا أو ميتا عند غير القبور، وقال: يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة، زاعما أنه يعلم الغيب ويسمع كلامه في كل زمان ومكان* ويشفع له في كل حين وآن* فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى.

وكذا إذا قال عند قبر نبي، أو صالح:

يا سيدي فلان ، اشف مريضي أو اكشف عني كربتي، وغير ذلك- فهو شرك جلي، إذ نداءُ غير الله تعالى طالبا بذلك دفع شر، أو طلب

نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاءٌ، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك، وهذا أعم من أن يعتقد فيهم : أنهم مؤثرون بالذات، أو أعطاهم الله تعالى التصرفات في تلك الأمور، أو أنهم أبواب الحاجة إلى الله تعالى ، وشفعاؤه، ووسائله، وفيه اعتقاد علم الغيب لذلك المدعو، وهو شرك، نسأل الله الحفظ والعصمة عن الشرك والكفر والضلال).

15 -16- وقال الإمام المجاهد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي (1246هـ)، والشيخ أبو الحسن الندوي، واللفظ للثاني- مُحَقّقين: أن الاستغاثة بالأموات متضمنة لأنواعٍ أخرى من الشرك :

(نداء الأموات من بعيد، أو من قريب، للدعاء - إشراك في العلم.

وقال الله تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } [الأحقاف: 5]، وقد دلت هذه الآية على أن المشركين قد أمعنوا في السفاهة، فقد عدلوا عن القادر العليم [السميع] إلى أناس - لا يسمعون دعاءهم ، وإن سمعوا ما استجابوا ، وهم لا يقدرون على شيء ...؛ وقد يكتفي بعض الناس فيقولون:

" يا سيدنا : ادع الله لنا، يقضي حاجاتنا "

ويظنون أنهم ما أشركوا ، فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة ، [أي أنهم لم يقولوا: اقض حاجتنا ] ، وإنما طلبوا منهم الدعاء [أي الشفاعة] وهذا باطل؛ فإنهم وإن لم يشركوا عن طلب قضاء الحاجة- فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا : أنهم يسمعون نداءهم...؛ مع أن الله سبحانه وتعالى قال: { وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } ...).

قلت: هذا النص مشتمل على أن الاستغاثة بالأموات- متضمنة للشرك في العلم، وللشرك في السماع، وللشرك في التصرف.

16 - وللإمام الشاه محمد إسحاق الدهلوي (1262هـ) تحقيق حقيق بالقبول في الرد على القبورية، حاصله:

أن الاستغاثة بالأموات * متضمنة لعدة أنواع من الإشراك برب البريات* كالشرك في العلم، والشرك في التصرف، والشرك في السماع.

أقول: بعدما عرفنا: أن الاستغاثة بالغائبين والأموات* شرك بل أمَّ

لعدة أنواع من الإشراك برب البريات*

ننتقل إلى الفصل الآتي؛ لنطلع على تحقيق الحنفية: أن القبورية- أعظم شركا من الوثنية الأولى، وأعظم عبادة للأموات* منهم لخالق الكائنات* في باب الاستغاثات*

الفصل الثالث

في جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركا

من الوثنية الأولى، وأنهم أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم

عبادة للأموات منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات

وفيه مبحثان:

- المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى.

- المبحث الثاني: في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات.

المبحث الأول

في جهود علماء الحنفية في تحقيق

أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى

لقد تبين في المباحث السابقة على لسان علماء الحنفية:

أن الاستعانة بالأموات محرمة في شرع الله، بل إشراك بالله، بل أُمّ لعدة أنواعٍ من الشرك بالله.

وفي هذا المبحث أذكر نصوص علماء الحنفية على أن القبورية باستغاثتهم بالأموات أشد شركا من الوثنية الأولى، حيث يدعون غير الله عند إلمام الملمات* ويتركون رب البريات* كما سأذكر في المبحث الذي يليه نصوص علماء الحنفية على أن القبورية أشد خوفا، وأكثر خضوعا، وأعظم عبادة للأموات* منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات*

وبهذه المباحث يتحقق لكل منصف، طالب للحق ، ذي عينين: أن القبورية باستغاثتهم بالأموات، لم يرتكبوا إشراكا بالله تعالى فحسب، بل ارتكبوا أمّا لعدة أنواعٍ للشرك.

وأن القبورية قد وصلوا في إلحادهم وإشراكهم بالله، ووثنيتهم، وعبادتهم للقبور وأصحابها- إلى حد صار شركهم أشد من الوثنية الأولى.

وأنهم وصلوا في الاستخفاف برب الكائنات* واستغاثتهم بالأموات عند الكربات* إلى حد قالوا: إن الاستغاثة بالله تضر بالمكروب، وتؤخر قضاء الحاجات* وإن الولي أسرع إجابة من الله حينما يدعوه المكروب لدفع الكربات* بل يتبين أن القبورية قد وصلوا في التهوين بشأن الله تعالى وعبادته وخوفه والتضرع إليه إلى حد صاروا أشد خوفا، وأكثر خضوعا، وأعظم عبادة للأموات* منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات* وفيما يلي بعض نصوص علماء الحنفية * لتحقيق هذه المباحث، كشفا عن فضائح هؤلاء القبورية * * فأقول وبالله أستغيث * وبه أستعين* * إذ هو المستغاث المغيث* وهو المستعان المعين *:

1 -5- قال الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد ( 1270هـ)- وتبعه العلامتان ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ)، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ)، والشيخان: الأديب الأريب الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول، والرستمي الملقب بشيخ القرآن والحديث- في تفسير قوله تعالى : .... { دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ... [يونس : 22] ، واللفظ للأول:

(.. الآية دالة على أن المشركين [ السابقين كانوا ] لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال [من الشدة ]، وأنت خبير بأن الناس [القبورية ] اليوم- إذا اعتراهم أمر خطير*

وخطب جسيم* في بر أو بحر- دعوا من لا يضر ولا ينفع* ولا يرى ولا يسمع * فمنهم من يدعو الخضر وإلياس* ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس* ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة* ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة* ولا ترى فيهم أحدا يخص مولاه* بتضرعه ودعاه* ولا يكاد يمر له ببال* أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال* فبالله تعالى عليك: قل لي: أي الفريقين [ القبورية والوثنية] من هذه الحيثية [في الاستغاثة عند الشدائد] أهدى سبيلا*؟؟؟، وأي الداعيين [المشرك المستغيث بالله في الشدة، أو القبوري المستغيث بالميت في الشدة] أقوم قيلا *؟؟؟ وإلى الله المشتكى من [أهل] زمان عصفت فيه ريح الجهالة* وتلاطمت [فيه عليهم] أمواج الضلالة* وخرقت سفينة الشريعة* واتخذت الاستغاثة بغير الله للنجاة ذريعة* وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف* وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف*).

6 -7- وقال رحمه الله تعالى أيضا مبينا أن ضلال القبورية في باب

الاستغاثة بالأموات أشد من ضلال المشركين الأولين، وأن القبورية عندهم من الاستخفاف بالله تعالى وإجلال الأولياء ما لا يوجد عند الوثنية الأولى، وذلك في تفسير قوله تعالى : { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [النحل: 54]، وتبعه الشيخ غلام الله الملقب بشيخ القرآن (1980م)، واللفظ للأول:

( وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام* [القبورية وأئمتهم الطغام*]- من الجؤار إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم ، بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا عند إصابة الضر لهم، وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية - سفه عظيم* وضلال جديد، ولكنه أشد من الضلال القديم* [لأن المشركين الأولين كانوا يدعون الله عند الشدائد، بخلاف القبورية اليوم] ومما تقشعر منه الجلود* وتصعر له الخدود* الكفرة أصحاب الأخدود* فضلا عن المؤمنين باليوم الموعود* أن بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير:

إياك، ثم إياك* أن تستغيث بالله تعالى إذا خطب دهاك* فإن الله تعالى لا يعجل في استغاثتك* ولا يهمه سوء حالتك* وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين* [دون الاستغاثة برب العالمين*]؛

فإنهم يعجلون في تفريج كربك* ويهمهم سوء ما حل بك* فمجّ ذلك سمعي* وهمي ودمعي * وسألت الله تعالى أن يعصمني والمسلمين* من أمثال هذا الضلال المبين*، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات* مثل ذلك[ من الوثنيات*]...).

8 -12- وقال الإمام محمود الآلوسي (1270هـ) أيضا. وتبعه العلامتان: ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ)، والشيخان: الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول، والرستمي، في تفسير قوله تعالى:

{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45]، مبينين أن القبورية شاركوا الوثنية الأولى في الإشراك بالله تعالى باستغاثتهم بالأموات* ولكن فاقوهم في الكفر بسبب قولهم: إن الولي أسرع إجابة من رب البريات عند الكربات* وهذه غاية في الاستخفاف بخالق الكائنات* ونهاية في الإجلال والتعظيم للأموات* واللفظ للألوسي الجد:

( وقد رأينا كثيرا من الناس * [القبورية الضلال بوساوس الخناس ] على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين [ حيث سلك هؤلاء القبورية مسلك المشركين الأولين*] يهشون لذكر أموات يستغيثون

بهم، ويطلبون منهم* ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم توافق هواهم واعتقادهم فيهم * ويعظمون من يحكي لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده ، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل، وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره، وقد قلت يوما لرجل- يستغيث في شدة ببعض الأموات ، وينادي: يا فلان! أغثني.

فقلت: له : قل : يا الله.

فقد قال سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186].

فغضب، وبلغني أنه قال فلان [ يعني الآلوسي ] منكر على الأولياء [مستخف بهم]، و[لقد فاق كفرُ بعض القبورية كفر المشركين الأولين من حيث إنني ] سمعت عن بعضهم أنه قال:

" الولي أسرع إجابة من الله عز وجل ".

وهذا من الكفر بمكان* [لم يعرف عن عباد الأوثان*] نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان).

13 -14- وقال العلامتان: نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وابن أخيه شكري الآلوسي (1342هـ) مُبَيِّنين أن كفرَ القبورية شر من كفر الوثنية، واللفظ للأول، والثاني شريكه في المضمون فقط:

( وهذا الكفر شر من كفر عباد الأصنام:

فإن أولئك لم يكونوا يطلبون من الأوثان كل ما يطلبونه من الرحمن، بل [كانت] لهم مطالب لا يطلبونها إلا من الله، كما قال الله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 40-41]، فبين أنه إذا جاء عذاب الله، أو أتت الساعة- لا يدعون إلا الله، فلا يطلبون كشف الشدائد* وإنزال الفوائد* إلا منه، فمن جوز طلب ذلك من المخلوق- كان أضل من هؤلاء المشركين؛ وقال تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء:67]).

15 -16- وقالا رحمهما الله في بيان أن القبورية أشد شركا من المشركين السابقين،واللفظ للثاني:

(.... سيما إذا استغيث بهم لدفع الشدائد والملمات* ولدفع الكرب والمهمات*:

مما لا يقدر على دفعه ورفعه إلا خالق الأرض والسماوات* وقد كان المشركون الأولون إذا وقعوا في شدة- { دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } ، ومن فعل هذا بحالتي الشدة والرخاء* بل في قسمي المنع والعطاء* - فقد غلا وجاوز حده* واستحق أن يكون سيفُ الرسالة غِمْدَه *...).

17 -18- وقال العلامتان السهسواني (1326هـ)، والخجندي (1379هـ) في بيان أن القبورية أعظم شركا من الوثنية الأولى ، في باب الاستغاثة بالأموات عند الكربات والملمات- واللفظ للأول:

( فقد اعتقدوا في الأموات ما اعتقده أهل الأصنام في أصنامهم...؛ بل هؤلاء القبوريون قد وصلوا إلى حد في اعتقادهم في الأموات لم يبلغه المشركون في اعتقادهم في أصنامهم، وهو أن [أهل] الجاهلية كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله وحده، وإنما يدعون أصنامهم مع عدم نزول الشدائد عند الأمور كما حكى الله عنهم بقوله: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا }

[الإسراء: 67]، وبقوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الأنعام : 40] ...؛ وبقوله تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [لقمان: 32]، بخلاف المعتقدين في الأموات فإنهم إذا دهمتهم الشدائد- استغاثوا بالأموات ونذروا لهم.

وقل من يستغيث بالله سبحانه في تلك الحال، وهذا يعلمه كل من له بحث عن أحوالهم.

ولقد أخبرني بعض من ركب البحر أنه اضطرب اضطرابا شديدا، فسمع من أهل السفينة من الملاحين وغالب الراكبين معهم ينادون الأموات ويستغيثون بهم، ولم يسمعهم يذكرون الله قط ، قال : ولقد خشيت في تلك الحال الغرق لما شاهدته من الشرك بالله).

19- وقال العلامة السهسواني رحمه الله (1326هـ):

(فإذا عرفت هذه فاعرف أن المشركين الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف شركا من عباد مشركي زماننا؛ لأن أولئك كانوا يخلصون لله في

الشدائد، وهؤلاء يدعون مشائخهم في الشدة والرخاء، والله المستعان).

20 -21- ولقد حقق العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) رحمه الله ، والشيخ فضل الله أحد المعاصرين : أن القبورية أشد كفرا، واشنع شركا في باب الاستغاثة بالأموات عند الكربات من الوثنية الأولى - من جهتين:

الأولى: أن المشركين السابقين كانوا يخلصون الاستغاثة لله سبحانه عند الكربات بخلاف هؤلاء القبورية فإنهم يدعون الأموات عند أشد الكربات والبليات الملمات.

والثانية: أن المشركين السابقين كانوا يدعون الأنبياء والأولياء والملائكة، بخلاف هؤلاء القبورية ، فإنهم كثيرا ما يدعون الفسقة والفجرة الأموات.

والنص للأول رحمه الله : فاستمع له وأنصت لتعرف حقيقة شرك القبورية :

( اعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل عصرنا من وجهين:

أحدهما : أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى:

{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } [الإسراء: 67].

وقال تعالى :

{ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 40-41] .

وقال تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ } ... إلى قوله: { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } [الزمر: 8].

وقال تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ لقمان: 32].

فمن فهم هذه المسألة التي أوضحها الله تعالى في كتابه:

وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدعون الله، ويدعون غيره في الرخاء.

وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله تعالى وحده لا شريك له وينسون ساداتهم- تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخا والله المستعان.

والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله، إما أنبياء، أو أولياء، وإما ملائكة...؛ وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور في الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك .

ومن يعتقد في الصالحين، ومن يعبد ما لا يعصي كالخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به).

22 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) رحمه الله ، في بيان أن القبورية وصلوا في الشرك إلى حد أشركوا بالله حتى في الربوبية، فصار إشراكهم عند الاستغاثة بالأموات واعتقادهم التصرف بهم أعظم وأشد من شرك المشركين الأولين:

(...، ما يعتقده عباد القبور في معبوداتهم من الصالحين وغيرهم، وأن لهم قدرةً على إجابة المضطر وإغاثة الملهوف وقضاءِ حوائج السائلين- فهذا شرك في الربوبية، لم يبلغه شرك المشركين من أهل الجاهلية، بل هو قول غلاة المشركين الذين يرون لآلهتهم تصرفا وتدبيرا).

23 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) رحمه الله- أيضا- في بيان إبطال قول البوصيري (694هـ) الصوفي الخرافي، رادا على من حاول تأويله ممن كان على شاكلة البوصيري من القبورية، مبينا ما فيه من شناعة وشرك أعظم، وأن شرك القبورية في باب الاستغاثة بالأموات عند الكربات والملمات أشنع وأبشع وأعظم وأشد من شرك مشركي الجاهلية الأولى:

(وأما ما انتقده أهل العلم والدين على كلام البوصيري - فكثير جدا، من ذلك قوله:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

...، إن قول البوصيري هذا أشنع وأبشع...؛ لما تضمنه من الحصر،

ولما فيه من اللياذ بغير الله في الخطب الجلل، والحادث العمم، وهو قيام الساعة، وقد قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [الأنعام: 40]؛ فدعاء غير الله في الأمور العامة الكلية- أبشع من دعاء غيره في الأمور الجزئية، ولذلك أخبر أن عباد الأصنام لا يدعون غيره عند إتيان العذاب أو إتيان الساعة التي هي الحادث العمم.

وأما من قال من الغلاة في الاعتذار عنه:

إن مقصوده الشفاعة والجاه- فهذا لا يفيده شيئا؛ لأن عامة المشركين إنما يقصدون هذا، ولم يقصد الاستقلال إلا معطلة الصانع، وعامة المشركين إنما قصدوا الجاه والشفاعة، كما حكاه القرآن في غير موضع ).

24 - وقال العلامة شكري الآلوسي رحمه الله (1342هـ)، مبينا أن القبورية أعظم شركا من أهل الجاهلية الأولى في باب الاستغاثة بالأموات* عند الكربات ونزول البليات وإلمام الملمات*:

(ومن ذهب إلى مشاهد أهل البيت وغيرهم من الأولياء في بغداد في موسم الزيارات- تحقق ما ذكرناه، واستقل بالنظر إلى فعل هؤلاء ما كان يفعله المشركون عند آلهتهم

كاللات والعزى، وقد رأيت والله بعيني رأسي من سجد للأعتاب * معرضا عن رب الأرباب* ولا أقول: إن العوام فقط على هذا المنوال* فكم قد رأينا وسمعنا عمن يدعي العلم- قد فعل هذه الفعال* ).

25 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) رحمه الله ذاكرا أنواعا كثيرة من الشرك الذي وقع فيه أهل الهند وغيرها من أهل البلاد، مبينا أن القبورية قد وصلوا في الشرك إلى حد عجزت الجاهلية عن أقل قليل شرك القبورية، وأن القبورية أشركوا الأحجار، والآبار، والصخور ، والأشجار، بالله سبحانه:

( ومن ذلك عند الناس شيء كثير من أحجار، وآبار، وصخور، وأشجار ، يزعمون منها شفاء الأمراض، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ولو بسطت الكلام في ذلك- مما يستعمله الرجال والنساء ، أو يختص بالنساء من أشياء يعلقنها عليهن، ويبين خواصها وتأثيراتها في أزواجهن، ويسمينها بأسماء- لو رجعتِ الجاهلية الأولى لعجزت عن أقل القليل من هذه الجهالات، وسوء الاعتقادات- لاحتمل مجلدات).

26 - وقال رحمه الله- بعد الاستدلال بقوله تعالى : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } ... [النمل : 65 ] ، مبينا أن القبورية أشد شركا من

المشركين الأوائل:

(انظر إلى هذا الاستفهام، وحسن موقعه، بعدما تقدم من الاستفهامات التي هي حجج وآيات على ما بعدها، تعرف به فحش ما جاء به عباد القبور من دعائهم آلهتهم، والاستغاثة بهم في الملمات * والشدائد المذهلات* وأن أهل الجاهلية كانوا يخلصون في الشدائد* ويعترفون بأنه المختص بإجابة المضطر وكشف السوء، وهؤلاء [القبورية ] يشتدُّ شركهم عند الضر ونزول الشدائد *).

27 - وقال رحمه الله ، مبينا أن عباد القبور أشد شركا من عباد الأصنام:

(والرسول صلى الله عليه وسلم أبطل دين المشركين ومداره على الاستغاثة والالتجاء إلى غيره، وهي كانت عبادة الوثنيين، وكالذبح، والنذر، غير أنهم كانوا عند النوائب ليستغيثون بالله سبحانه، بخلاف عباد القبور في عصرنا).

28 - وقال رحمه الله مبينا أن شرك القبورية أدهى وأمر من شرك المشركين السابقين:

(.... يغالون في الصالحين بما لا يرضى الله به، ويبنون على قبورهم المساجد والمشاهد، ويوقدون السرج، إلى غير ذلك من البدع، ثم إنهم يندبونهم في المهمات* ويستغيثون بهم عند طلب

الحاجات* وكل ذلك وأمثاله مما لا يرضى به الله ورسوله، ولا أهل العلم والدين ، فإنه من أفعال مشركي العرب في الجاهلية، بل هو أدهى وأمر).

قلت: لأن المشركين الأولين كانوا لا يستغيثون بغير الله عندما كربتهم الكروب، بخلاف القبورية فإنهم يستغيثون بالأموات* حتى في أعظم الشدائد والكربات * فصار شركهم أدهى وأمر من شرك المشركين السابقين.

29 - وقال العلامة محمد سلطان المعصومي الخجندي ( 1379هـ) رحمه الله ، مبينا أن القبورية أشد شركا في باب الاستغاثة من الوثنية الأولى:

( إن هؤلاء القبوريين قد وصلوا إلى حد في اعتقادهم في الأموات* لم يبلغه المشركون في اعتقادهم في أصنامهم، وهو أن [أهل] الجاهلية كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله وحده، كما حكاه الله تعالى عنهم في [عدة] آيات، بخلاف المعتقدين في الأموات، فإنهم إذا دهمتهم الشدائد- استغاثوا بالأموات، ونذروا لهم النذور، وقل من يستغيث بالله سبحانه وحده في تلك الحال ).

30- وقال رحمه الله في الرد على مؤلف كتاب " آه مهجوران " الحنفي، مبينا أن القبورية، ولا سيما هذا المؤلف أخبث حالا وأشد شركا من مشركي الجاهلية في باب الاستغاثة:

(اعلموا أيها المسلمون، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أن مخمود مؤلف " آه مهجوران "- أخبث حالا ، وأشد شركا وكفرا من مشركي الجاهلية - الذين ذمهم الله تعالى، وأوعدهم؛ لأنهم كانوا يدعون الله تعالى وحده عند الشدائد، كما قال تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } [لقمان:

32 ]، بخلاف المخمود ، فإنه إنما دعا عبد القادر الجيلاني وحده، وطلب منه كشف الشدائد، ودفع البلاشفة، فهو أشد كفرا وشركا من كل المشركين ، نعوذ بالله منه ومن شركه).

31 - ولقد ذكر الشيخ الغلام الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1980م)- عدة آيات تدل على أن المشركين كانوا يدعون الله وحده عند الملمات والكربات، ثم قال:

( تنبيه : لقد تبين من هذه الآيات أن مشركي مكة لم يكونوا يدعون عند نزول الملمات إلا الله عز وجل وحده لا شريك له ، ومع ذلك كانوا مشركين؛ لأنهم كانوا يدعون غير الله في غير ذلك الوقت، ولكن مشركي اليوم القبورية، قد سبقوا مشركي مكة وتجاوزوا الحد؛ لأنهم يدعون غير الله حتى وقت نزول الملمات بهم، فيقول أحدهم:

إن السفينة قد وقعت في بحر البلاء : المدد يا معين الدين الجشتي .

ويقول الآخر: يا بهاء الحق ادفع السفينة وأخرجها).

32 -33- وقال ابن آصف الملقب بشيخ القرآن (1407هـ)، والعلامة الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول، مبينين أن شرك القبورية أشد، وكفرهم أعظم من الوثنية الأولى: (وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه:

أن كثيرا من هؤلاء القبورية أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه- حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني- تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إن الله تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة، فيا علماء الدين* ويا ملوك المسلمين* أي رزء للإسلام أشد من هذا الكفر ؟؟؟ وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟؟؟ وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟؟؟ وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟؟؟).

34 - وقد ذكر العلامة الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول في

صدد رده على القبورية، وإبطال استغاثاتهم بالأموات عند الكربات:

قولهم: " يا سيدي فلان اشفني، أو اشف مريضي، أو اكشف كربتي، واقض حاجتي، أو أهلك عدوي، وعليك أن تفعل كذا وكذا، وأنت وكيلي ، وأنت كفيلي، ثم قال في إبطال قولهم مبينا أنهم في هذه الاستغاثات بالأموات عند الكربات أشد شركا من المشركة الأولى:

(ليس [هذا] من التوسل المباح في شيء ، بل هو كفر بواح، وإشراك بالله في التصرف والقدرة والدعاء، يجب استتابة المبتلى به، فإن تاب وإلا يقتل، وليس هذا أقل من شرك المشركين الذين أنزل لإصلاحهم القرآن ، وبعث لدعوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو أزيد من شركهم بكثير، وذلك لأن مشركي مكة وغيرهم كانوا قائلين بوجود الله تعالى ، وأنه خالق السماوات والأرضين ، وخالقهم ، وخالق آبائهم الأولين، وأن بيده ملكوت السماوات والأرض وأنه يدبر الأمر، وأنه يجير ولا يجار عليه، وأنه سخر الشمس والقمر، وأنه يجري السحاب، وينزل الأمطار، { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [" فإذا.... " العنكبوت: 65]؛ ولم يكن أحد من المشركين يثبت لله شريكا يساويه في العلم والقدرة وسائر الصفات، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، وإنما اتخذوا من دون الله أولياء قصدوا بعبادتهم التقرب إلى الله، وقالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وكانوا يحجون ، ويعتمرون، ويطوفون بالبيت، ويلبون ، ويقسمون

بالله، وكانت أصنامهم تماثيل الأنبياء، والملائكة ، والجن، والصالحين من عباد الله والكواكب العلوية، وكان مبدأ شركهم هو الغلو في الصالحين).

ثم ذكر ثلاثين آية لتحقيق هذه المطالب، كما ذكر عدة أحاديث لبيان عقائد المشركين السابقين.

35 - وقال أيضا بعدما ذكر عدة آياتٍ وأحاديث وأقوال أهلِ العلمِ في بيان عقائد المشركين الأولين ، مبينا أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى في استغاثاتهم بالأموات عند الملمات والكربات:

( وإذا أحطت بما ذكرنا علما- أدركت أن كفرَ المشركين من المؤمنين في أمة رسولنا صلى الله عليه وسلم من العرب والعجم، أعظمُ من كفر الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت أن الله تعالى ذكر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا غير الله من السادة والقادة والطواغيت، فلم يدعوا أحدا منهم ، ولم يستغيثوا بهم، بل أخلصوا لله وحده لا شريك له، وأنت ترى أن المشركين المدعين للإيمان من المسلمين- وفيهم من يدعي أنه من أهل العلم والفضل، وفيه الصلاح والزهد، والاجتهاد في العبادة- إذا مسه الضرر وأهمه أمر من أمور الدنيا- قام يستغيث بغير الله من الأولياء،

كمعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني، وسالار مدار ونحوهم...؛ وأشنع وأفظع وأقبح وأعظم جرما وأطم ضلالة- أنهم يستغيثون بالطواغيت، والأجداث، وأهل القبور، والمردة من الجن والشياطين، ويذبحون لهم ، وينذرون لهم، ويسافرون إلى أنصابهم، ويفزعون إلى أحبارهم ورهبانهم).

36 - وقال شيخ القرآن الفنجفيري رحمه الله (1407هـ) بعدما ذكر عدة نصوص، مبينا أن شرك القبورية أقبح، وأشد ، وأشنع، وأبشع من شرك الوثنية الأولى:

( فتبين أن شرك هؤلاء وكفرهم أعظم من شرك العرب وكفرهم، وأن اتخاذ هؤلاء الشفعاء الذين يشركون بهم أعظم كفرا من اتخاذ أولئك).

37 - وقال رحمه الله أيضا مبينا أن القبورية أعظم شركا من المشركين الأولين أضعافا مضاعفة :

( ولا شك أن هذا الشرك قد شاع أضعافا مضاعفة مما كان عليه مشركو العرب ، كما قيل

والمشركون أقل شركا منهم ... هم خصصوا ذا الاسمَ بالأوثان

)

38 - وقال رحمه الله أيضا لتحقيق هذا المطلوب:

(فالمشركون كلهم أجمعون كانوا يقرون بالخالق الواحد، كما أخبر سبحانه في غير ما آية، لكن شركهم أقل من شرك المستنجدين بالقبور اليوم، فإنهم كانوا يدعون الله تعالى في المصائب الشديدة، والأهوال العظيمة، كما قال تعالى : / 30 { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت: 65]...).

39 - وقال رحمه الله محققا أن القبورية أشد شركا من المشركين السالفين:

(....لكن المشركون الذين أنزل فيهم القرآن- كانوا يدعون الله في الأمور العظام، وهؤلاء المشركون [القبورية ] يدعون غيره، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }

[يونس: 22]، وقال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65] ، وقال تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } [لقمان : 32] ، وقال تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } [الإسراء : 67] ...).

ثم ذكر قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل التي تدل على أن المشركين كانوا يدعون الله في الشدائد فقط.

40 - وقال رحمه الله : ( وقد زادوا أوصافا للأولياء الكرام والأنبياء العظام مشركين بالله العظيم، فقالوا: بعلم الغيب لهم، وأن لهم التصرف فيما يختارون ويهبون للناس ما يشاءون وتقربوا بهم إلى الله العظيم بالوسائل الشركية كالمشركين، الذين كانوا يقولون:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3]، ويستغيثون بهم في الشدائد ويتضرعون إليهم ويتقلبون أعتابهم، ويطوفون حول قبورهم ، وينذرون لهم ويسجدون،

فوق عابدي اللات والعزى...؛ ويسألون من الموتى النصر، والرزق ، والعافية من الأمراض، وقضاء الدين، وتفريج الكربات التي كان عباد الأصنام يسألون منهم، وجعلوا من العبادة غير الله كالدعاء، والاستغاثة ، والنذر ، والنحر وغيرها).

41 - وقال الرستمي الملقب بشيخ القرآن والحديث بعد ما ذكر قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل، وحقق أن المشركين الأولين كانوا لا يدعون في الملمات إلا الله تعالى وحده- مبينا أن القبورية أشد شركا منهم:

(فلا يخفى على من تدبر وتفكر أن الناس [القبورية ] اليوم أعظم شركا من المشركين السابقين؛ لأنهم كانوا يدعون في الشدائد الإله الحق [ فحسب]، وأهل هذا الزمان [ من القبورية ] يدعون في البليات الأولياء، ويقول أهل ناحيتنا:

" يا بير بابا ، أدركني "،

ويقول بعضهم : " يا بهاء الحق، ادفع السفينة وأخرجها "، ومثل هذا ، فما هذا إلا شرك أعظم).

42 - وقال بعدما ذكر عدة آيات ونصوص بعض العلماء في بيان عقيدة المشركين السابقين، وتحقيق : أنهم كانوا معترفين بتوحيد الربوبية، وأنهم لم يكونوا يدعون غير الله تعالى عند الملمات، مبينا أن القبورية من هذه الناحية أعظم شركا منهم:

(فعلم من جميع هذا التحقيق الأنيق* والتفصيل الدقيق*: أن المشركين السابقين كانوا يجحدون توحيد الإله فقط [ولا ينكرون توحيد الرب]، فليتأمل الذين يعتقدون : أن الأنبياء أعطاهم الله التصرف في أمورنا وأموالنا وأنفسنا، وهم يدفعون عنا البلايا بالقوة العطائية، ولذا ينذرون لهم، ويستبشرون بقصصهم، ولو كان مما لا يستمع له أولو العقل، والبصيرة،

كما اشتهر في شأن الشيخ عبد القادر جيلاني، من أنه بدل التقدير لرجل في اللوح المحفوظ، أو أنه أخرج سفينة مشحونة غريقة بعد اثني عشر سنة، فليتدبر !! أي فرق بين هذه الطائفة الضالة [القبورية ]، وبين الذين قبحهم الله، وأنذرهم بالعذاب المهين الأليم؟؟؟، [ بل القبورية أشد شركا منهم لدلالة هذه الآيات الكريمة التي مرت]....).

المبحث الثاني

في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد خوفا

ورجاء وأكثر خضوعا وتضرعا وأعظم توجها وعبادة للأموات

منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات ولو كانوا في أفضل

البقاع وأشرف الأوقات

لقد سبق في المباحث السابقة على لسان علماء الحنفية أن القبورية باستغاثتهم بالأموات* عند الكربات والملمات* مرتكبون للشرك الأكبر بخالق الكائنات* ، بل هم مرتكبون للشرك الذي هو أمّ لعدة أنواع من الشرك برب الأرضين والسماوات* وتحقق أيضا على لسان علماء الحنفية في بيان مقارنتهم للقبورية بالوثنية الأولى - مقارنة دقيقة* علمية عميقة*- أن القبورية أشد شركا من المشركين السابقين.

وأذكر في هذا المبحث بعض جهود علماء الحنفية لتحقيق:

أن القبورية أشد خوفا ورجاءً، وأكثر خضوعا وتضرعا، وأعظم توجها وعبادة للأموات * منهم لخالق البريات في باب الاستغاثات، ولو كانوا في أفضل البقاع، وأشرف الأوقات* وسيظهر بحمد الله تعالى للمنصفين الطالبين للحق على لسان علماء الحنفية: أن القبورية يستغيثون بالأموات* بغايةِ التوجهِ، وإقبالِ القلوب إليهم عند الملمات* ونهاية التذللِ والخضوعِ والتضرعِ لهم لدفع المضرات* وأعظمِ الرجاء منهم عندما يريدون منهم جلب

الخيرات* وذلك لا يتصور منهم لخالق الكائنات* ولو كانوا في بيوت الله من المساجد، والأسحار في الأوقات* وأن ما تفعله القبورية من بعض العبادات* لرب الأرضين والسماوات*- فهو إنما يفعلونه له على سبيل التكلف والعادات* وفيما يلي بعض نصوص علماء الحنفية، لتحقيق هذا المطلوب، والله المستغاث المغيث، وهو المعين المستعان* وبه الثقة والحول والقوة، وعليه الاعتماد والتكلان*:

1 -4- قال الإمامان: محمد البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي (1043هـ)، والشيخان: سبحان بخش الهندي ، وإبراهيم السورتي، واللفظ للأول:

محققين أن القبورية أعظم نشاطا وأكثر اهتماما بالحج إلى القبور وأهلها الأموات* منهم بالحج إلى بيت خالق الأرض والسماوات* وأن الحج إلى القبور عند هؤلاء الطغام*- أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام*:

(ثم في اتخاذ القبور عيدا من المفاسد العظيمة- التي لا يعلمها إلا الله- ما يغضب لأجله كل من كان في قلبه وقار لله تعالى، وغيرة على التوحيد، وتقبيح للشرك ، وتهجين للكفر والبدع، ولكن [غالب العلماء* والأمراء والوزراء* - بين قبوريين أو أموات،

أو نيام* وفي المثل: ] ما لجرح بميت إيلام*،

فمن مفاسد اتخاذها عيدا:

أن غلاة متخذيها عيدا [ عند حجهم إليها]- إذا رأوها من موضع بعيد- ينزلون من الدواب* ويضعون الجباه على الأرض [تحقيقا للآداب*]، ويكشفون الرؤوس، وينادون من مكان بعيد* ويستغيثون بمن لا يبدي ولا يعيد*، ويرفعون الأصوات بالضجيج* ويرون أنهم قد ازدادوا في الربح على الحجيج*، حتى إذا وصلوا إليها يصلون عندها ركعتين* ويرون أنهم قد أحرزوا من الأجر أجر من صلى إلى القبلتين* فتراهم حول القبور سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا* وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا*، فلغير الله تعالى، بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات* و[ما] يرتفع من الأصوات* ويطلب من الميت من الحاجات* [ما لا يطلب إلا من رب البريات*] ويسأل من تفريج الكربات* وإغناء ذوي الفاقات* ومعافاة أولي العاهات والبليات* [ما لا يسأل إلا من خالق الكائنات*]، ثم إنهم ينتشرون حول القبر طائفين* تشبيها له بالبيت الحرام الذي جعله الله تعالى مباركا وهدى للعالمين*،

ثم يأخذون في التقبيل والاستلام* كما يفعل بالحجر الأسود في المسجد الحرام* ، كذلك يخرون على الجباه، والخدود* والله تعالى يعلم أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود*، يكملون مناسك حج القبر بالتقصير، والحلاق* ويستمتعون من ذلك الوثن، إذ لم يكن لهم نصيب عند من هو الخلاق*، ثم يقربون لذلك الوثن القرابين* وتكون صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين*، ثم نراهم يهنىء بعضهم بعضا [ جاهرا] * ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا* ثم إذا رجعوا [ من هذا الحج * بعد أداء مناسك العج والثج*]- يسألهم بعض غلاة المتخلفين* [المتأسفين على فوات الحج إلى المقبورين ]*:

أن يبيع ثواب حجة القبر بحجة البيت الحرام* فيقول: لا، ولو بحجك كل عام*، هذا ولم نتجاوز فيما حكينا عنهم [مما جرى على لساني قالهم، وحالهم]* ولا استقصينا جميعَ بدعِهم وضلالِهم [مما في أقوالهم، وأفعالهم]*، إذ هي فوق ما يخطر بالبال* ويدور في الخيال* ).

5 -10- وقال الأئمة الثلاثة: محمد البركوي (981هـ)، وأحمد الرومي (1043هـ)، والشاه ولي الله الدهلوي (1176هـ)، والشيوخ الثلاثة: سبحان بخش الهندي، وإبراهيم السورتي ، ومحمد علي المظفري، والفظ للأول:

مبينين أن القبورية بدلوا شرع الله في زيارة القبور، كتبديل اليهود، ولكن القبورية فاقوهم بكونهم أشد خضوعا عند قبور الأموات* الذين يستغيثون بهم، منهم لله في المساجد والأسحار من الأوقات*:

(فبدل أهل البدع ، والضلال، قولا غير الذي قيل لهم[ في زيارة القبور]، فإنهم بدلوا الدعاء له [ أي الميت] بدعائه نفسه ، أو بالدعاء به، وبدلوا الشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم- -إحسانا إلى الميت، وإلى الزائر- سؤال الميت، والإقسامَ به على الله تعالى، وخصصوا تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وجعلوا حضورَ القلب، وخشوعه عندها أعظمَ منه في المساجد، وأوقات الأسحار....).

11 -17- وقال الإمامان: محمد البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي (1043هـ)، والشيخان : سبحان بخش الهندي، وإبراهيم السورتي، والعلامتان: شكري الآلوسي (1342هـ) ، والخجندي (1379هـ)، وابن آصف الملقب بشيخ القرآن (1407هـ) ، واللفظ للأول، مبينين : أن القبورية أشد تضرعا وخشوعا وخضوعا وعبادةً عند قبور الأموات* الذين يستغيثون بهم لدفع الكربات وجلب الخيرات، منهم لخالق البريات في المساجد والأسحار من الأوقات*:

(فإن الشركَ بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه- أقربُ إلى النفوس من الشرك بشجر ، أو بحجر، ولهذا نجد كثيرا من الناس عند القبور- يتضرعون، ويخشعون، ويخضعون ، ويعبدون بقلوبهم- عبادةَ لا يفعلونها في مساجد الله تعالى، ولا في وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وكثير منهم يرجون من بركة الصلاة عندها، ولديها- ما لا يرجون في المساجد ).

18 - وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) مبينا أن الشرك قد عم

وطم بسبب الجهل بآثار الرسالة، ومن ذلك الاستغاثة بالأموات عند الكربات* وأن القبورية أعظم تضرعا وعبادة للأموات، منهم لرب السماوات*:

( ولا يُجوِّزُ ذلك إلا مَنْ جهَلَ آثارَ الرسالةِ، ولهذا عمت الاستغاثة بالأموات عند نزول الكربات* يسألونهم ويتضرعون إليهم، فكان ما يفعلونه معهم أعظم من عبادتهم واعتقادهم في رب السماوات*).

19 -20- وقال العلامتان: نعمان الآلوسي (1317هـ) ، ومحمود شكري الآلوسي (1342هـ) رحمهما الله، في بيان أن القبورية أشنع شركا، وأعظم عبادة للقبور، وأهلها وأشد تعظيما، وخشوعا عند الاستغاثة بالأموات عند الكربات:

(....، وربما كان ما يفعلونه أعظم؛ لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم، فيدعون دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم بدعائه، أو الدعاء به، أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم لله تعالى، فإنهم يفعلونها في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف ).

ولهذا النص بداية، ونهاية مهمتان قد سبقتا.

21 - وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) مبينا أن القبورية أعظم عبادة للأموات* منهم لله عز وجل ، حيث أنهم يرجحون النذور للأموات، والسفر إلى قبورهم على الحج والعج والثج لرب البريات*:

...، كيف لا، وقد اتسع الخرق على الراقعين* وقدّمَ السفر إلى مقابر الأولياء على سائر الفرائض كثيرٌ من الجاهلين* بل يقدمه عامة أهل البدع على الحجّ* ويُعد إيفاءُ نذرِه لأصحابها أفضل من العج والثجّ* ويُحسب الطواف حول ذلك الميتِ * شبهَ الطوافِ بينَ أركانِ البيتِ* فألهاهم عن الواجبات التفاخرُ بذلك والتكاثر* وظنوا أن أصلح الأمة من واظب على السفر إلى المقابر *).

22 - وقال العلامة السهسواني (1326هـ) مبينا أن القبورية أعظم عبادة، وأشد خوفا وأكثر تعظيما للأموات* منهم لله سبحانه في الحرم وأشرف الأوقات*:

(وقد علم كل عالم أن عبادة الكفار للأصنام لم تكن إلا بتعظيمها، واعتقاد أنها تضر وتنفع، والاستعانة بها عند الحاجة والتقريب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم، وهذا كله قد وقع من المعتقدين في القبور- فإنهم قد عظموها إلى حد لا يكون إلا لله سبحانه، بل ربما يترك العاصي منهم فعل المعصية إذا كان في مشهد من

يعتقده، أو قريبا منه لمخافة تعجيل العقوبة ذلك الميت، وربما لا يتركها إذا كان في حرم الله أو في مسجد من المساجد، أو قريبا من ذلك ، وربما حلف بعض غلاتهم بالله كاذبا ولم يحلف بالميت الذي يعتقده).

23- وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) ناقلا كلام شيخ الإسلام (728هـ) رحمهما الله تعالى ، مستدلا به على أن القبورية أعظم عبادة، وأكثر خضوعا للأموات * منهم في المساجد لخالق الأرضين والسماوات في باب الاستغاثات* محققا أن بعض الغلاة يرجح الحج إلى القبر الشريف على الحج إلى الكعبة المشرفة، وأن القبورية في استغاثتهم بالأموات على طريقة الوثنية الأولى، وأن هذا حال كثير من أهل الزهد والعبادة والعلم من القبورية، فما ظنك بالعوام الطغام* الذين هم أضل من الأنعام*:

( ومما يبين حكمة الشريعة، وأنها كسفينة نوح [ عليه السلام]، [من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق]- أن الذين خرجوا عن المشروع- خرجوا إلى الشرك، وطائفة منهم يصلون [ إلى الميت]، ويدعو أحدهم الميت فيقول:

" اغفر لي ، وارحمني "،

ومنهم من يستقبل القبر، ويصلي إليه مستدبر الكعبة، ويقول: " القبر قبلة الخاصة، والكعبة قبلة العامة "، وهذا يقوله من هو أكثر الناس عبادة وزهدا، وهو شيخ متبوع [فما ظنك بمريده العامي]، فلعله أمثل أصحاب شيخه يقوله عن شيخه، وآخر من أعيان الشيوخ المتبوعين أصحاب الصدق، والاجتهاد في العبادة والزهد- يأمر المريد أول ما يتوب: أن يذهب إلى قبر الشيخ،

فيعكف عليه عكوف أهل التماثيل عليها، وجمهور هؤلاء [القبورية ] المشركين بالقبور- يجدون عند عبادة القبور من الرقة، والخشوع، وحضور القلب [والخوف والرجاء من المقبور]- ما لا يجدونه في المساجد [والأسحار]، وآخرون يحجون إلى القبور، وطائفة صنفوا كتبا، وسموها " مناسك حج المشاهد "، وآخرون يسافرون إلى قبور المشايخ، وإن لم يسموها منسكا وحجا، فالمعنى واحد، [ومن هؤلاء من يقول: " وحق النبي الذي تحج إليه المطايا "، فيجعل الحج إلى النبي لا إلى بيت الله عز وجل، وكثير من هؤلاء أعظم قصده من الحج قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، لا حج البيت]، وبعض الشيوخ المشهورين بالزهد والصلاح- صنف كتابه " الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام "،

[ وهذا الضال استعان بهذا الكتاب، وذكر في مناقب هذا الشيخ، أنه حج مرة، وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى قصده، ثم رجع ولم يذهب إلى الكعبة، وجعل هذا في مناقبه].

وبسبب الخروج عن الشريعة- صار بعض [أكابر ] الشيوخ [عند الناس]:

ممن يقصده [الملوك، والقضاة، والعلماء، والعامة- على طريقة ابن سبعين ]، قيل عنه: إنه كان يقول : " البيوت المحجوجة ثلاثة، مكة، وبيت

المقدس، والبلد الذي بالهند الذي للمشركين" ، لأنه [كان ] يعتقد أن دين اليهود والنصارى حق، وجاء بعض إخواننا العارفين قبل أن يعرف حقيقته، فقال: " أريد أن أسلك على يديك "، فقال له: " على دين اليهود، أو النصارى، أو المسلمين؟ "، فقال له : " واليهود والنصارى ليسوا كفارا؟ "، قال: " لا تشدد عليهم ، ولكن الإسلام أفضل "، [ ومن هؤلاء من يرجح الحج إلى المقابر على الحج إلى البيت، لكن قد يقول أحدهم:

" إنك إذا زرت قبر الشيخ مرتين ، أو ثلاثا- كان كحجة]، ومن الناس من يجعل مقبرة الشيخ كعرفات- يسافرون إليها وقت الموسم فيعرفون بها، [كما يعرف المسلمون بعرفات]،

كما يفعل بالمغرب والمشرق، [ومنهم من يجعل السفر إلى المشهد والقبر الذي يعظمه- أفضل من الحج، ويقول أحد المريدين للآخر- وقد حج سبع حجج إلى بيت الله العتيق-:

" أتبيعني زيارة قبر الشيخ بالحجج السبع؟ "، فشاور الشيخ ، فقال: " لو بعت لكنت مغلوبا "، ومنهم من يقول: " من طاف بقبر الشيخ سبعا- كان كحجة "، ومنهم من يقول: " زيارة المغارة الفلانية ثلاث مرات كحجة "، ومنهم من يحكي عن الشيخ الميت أنه قال: " كل خطوة إلى قبره كحجة ، ويوم القيامة لا أسع بحجة "، وأنكر بعض الناس ذلك- فتمثل له الشيطان بصورة الشيخ في منامه، فزبره على إنكاره ذلك،] وهؤلاء، وأمثالهم صلاتهم، ونسكهم لغير الله، فليسوا على ملة إبراهيم، [ وليسوا من عمار مساجد الله...، فعمار مساجد الله لا يخشون إلا الله، وعمار مساجد المقابر يخشون غير الله ، ويرجون غير الله، حتى أن طائفة من أصحاب الكبائر الذين لا يتحاشون فيما يفعلونه من القبائح-

كان إذا رأى قبة الميت، أو الهلال الذي على رأس القبة- خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه: " ويحك هذا هلال القبة "، فيخشون المدفون تحت الهلال، ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض، وهؤلاء إذا نوظروا- خوفوا مُناظرهم، كما صنع المشركون بإبراهيم عليه السلام ...؛ وآخرون قد جعلوا الميت بمنزلة الإله، والشيخ الحي المتعلق به كالنبي ، فمن الميت يطلب قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وأما الحي فالحلال ما حلّله، والحرام ما حرّمه، وكانوا في أنفسهم قد عزلوا الله عن أن يتخذوها إلها، وعزلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن أن يتخذوه رسولا...؛ فهل هذا إلا محض دين المشركين والنصارى، وفيه من الكذب والجهل ما لا يستجيزه كل مشرك ونصراني....، ]،

والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته موجودة في كلام بعض الناس [من القبورية ] مثل يحيى الصرصري، ومحمد بن النعمان، و[بعض] هؤلاء لهم صلاح، ولكن ليسوا من أهل العلم، بل جروا على عادة كعادة من يستغيث بشيخه في الشدائد، ويدعوه، وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم- وله فضل وعلم وزهد- إذا نزل به أمر- خطا إلى جهة [قبر] الشيخ عبد القادر [الجيلاني] خطوات، واستغاث به، وهذا يفعله كثير من الناس [أهل العلم من القبورية فضلا عن عوامهم الجهال ] ، وهؤلاء [ القبورية المستغيثون بالأموات علماؤهم وجهالهم] مستندهم- [على جواز الاستغاثة بالأموات* عند الكربات

والملمات*] مع العادة [ العامية الجاهلية التي ألفوها وعاشوا عليها في بيئتهم القبورية]- قول طائفة [ من القبورية ]: " قبر معروف ، أو غيره ترياق مجرب "؛ ومعهم [ شبهة أخرى أقوى من الأولى، وهي :]، أن طائفة استغاثوا بحي، أو ميت ، فرأوه قد أتى في الهواء، وقضى بعض الحوائج، وهذا كثير واقع [حتى ] في المشركين الذين يدعون الملائكة والأنبياء، أو الكواكب، أو الأوثان [، فلا مستند للقبورية في هذه الحكايات]، فإن الشياطين تتمثل لهم ، [لاستدراجهم وإضلالهم ]، ولو ذكرت ما أعلم من الوقائع الموجودة في زماننا من هذا- لطال

المقام).

24- ثم علق العلامة الآلوسي (1342هـ) على كلام شيخ الإسلام السابق، مستدلا به قاطعا دابر القبورية عامة، ودابر النبهاني (1350هـ) خاصة، محققا أن القبورية أشد خوفا، وأكثر رجاء، وأعظم عبادة للأموات* منهم لخالق الأرض والسماوات في باب الاستغاثات* قائلا: ( فتأمل هذا الكلام* [كلام شيخ الإسلام *]، فإنه يستبين منه ضلال النبهاني، وأضرابه من الغلاة، وقد صرح شيخ الإسلام* [في كلامه هذا، وما أطيب هذا الكلام* بعدة من الفوائد* التي هي من الدرر الفرائد*:

منها] : أن السنة كسفينة نوح، ومعلوم أن دعاء الأنبياء [والأولياء] ليس من السنة، بل هو من البدع الشركية.

ومنها: أن بعضهم [ من هؤلاء القبورية ]أفضى به ذلك- إلى أن يصلي للميت، ويقول: " اغفر لي ، وارحمني "، وهذا جائز عند النبهاني، وإخوانه من عباد القبور، سائغ لا ينكر.

ومنها : أن بعض المستغيثين يعكف على القبر عكوف أهل

التماثيل، وهذا واقع منهم أيضا [ وليس مجرد اتهام وخيال * ولا فرض مقال محال *]، وهذا من لوازم قولهم بجواز الاستغاثة [ بالأموات* عند الكربات].

ومنها: أن جمهور هؤلاء المشركين بالقبور [وأهلها]- يجدون عند عبادتها [ وعبادة أصحابها]:

من الرقة، والخشوع ، وحضور القلب- ما لا يجدونه في المساجد ، [ ولا في أوقات الأسحار!!!، ويجدون من الخوف والرجاء من الأموات* ما لا يجدونه من رب البريات*] !!!.

ومنها: أن بعضهم يحج إلى القبور، وهذا عند النبهاني، ومن على شاكلته- من الفضائل التي لا تنكر.

ومنها : إنكار الشيخ [شيخ الإسلام] على من صنف كتاب الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، [وهو: مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام] في اليقظة والمنام.

ومنها : أن هذا المصنف [من طاماته القبورية: أنه قد ] حج مرة،

وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى قصده، ثم رجع ، ولم يذهب إلى الكعبة، وفاعل ذلك عند الغلاة أفضل من الحاج!!! ومنها : أن ذلك أفضى ببعضهم إلى أن قال: " البيوت المحجوجة ثلاثة: مكة، وبيت المقدس، والصنم الذي في الهند ".

و[منها: أن] بعضهم لا يرى ذلك للصنم الذي في الهند، ويراه لمن يعتقده ، وما يتأله به من المشايخ.

ومنها : أن بعضهم يعرف عند مقابر الشيوخ، كما يفعل بعرفة.

و[منها] : أن هذا وقع في المغرب والمشرق [وليس بمجرد اتهام].

ومنها : أن الشيخ [شيخ الإسلام] نفى العلم عمن يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كالصرصري، وابن النعمان، [وأمثالهما من القبورية الجهلة بحقيقة التوحيد، وإن كانوا علماء فضلاء في علوم أخرى].

و[منها:] أنهم جروا على عادة العامة الذين يستغيثون بالمشايخ في الشدائد ويدعونهم، [بحكم البيئة وعادة العوام فحسب، لا بحكم الكتاب والسنة].

ومنها : أن من له فضل، وعلم، وزهد ، قد يقع منه الشرك، والاستغاثة بغير الله، [لأجل جهلة بعلم التوحيد، وإن كان في نفسه فاضلا].

و[منها:] أن مستندهم [في الاستغاثة بالأموات] مع العادة [ العامية الجاهلية]- قول طائفة [من القبورية]:

" قبر معروف، أو غيره ترياق مجرب "، [وليس مستندهم كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا آثار السلف].

و[منها: أنه] من المعلوم أن هذا القول صدر عن غير معصوم،

وجمهور أهل العلم والإيمان قد ردوه، وأنكروا على فاعله.

و[منها: أنه] قد مضى فيما مر من عبارات شيخ الإسلام:

أن هذا لا يعرف في عهد القرون المفضلة، وكفى بهذا ذمّا.

ومنها : قوله: إن طائفة استغاثوا بحي، أو ميت، فرأوه قد أتى في الهواء، وقضى بعض الحوائج ، [وهذا من تلبيس إبليس].

و[منها: أن هذا ليس مجرد الخيال والاتهام، بل ] هذا كثير واقع في المشركين الذين يدعون الملائكة، أو الأنبياء، أو الكواكب، أو الأوثان...).

25 - وقال رحمه الله تعالى أيضا- مبينا أن القبورية أعظم عبادة، وأشد خوفا ورجاء، وأكثر خضوعا وخشوعا وتعظيما للأموات* منهم لخالق البريات* محققا أن شرك القبورية أشنع وأبشع في باب الاستغاثة بالأموات* عند الكربات والملمات*:

(ومن أعظم البدع في هذا الزمان:

معابد يعتقدون أن الصلاة عندها أفضل من الصلاة في جميع بيوت الله، وهم وإن لم يصرحوا، ولكن طبعت قلوبهم على ذلك، فتراهم يقصدونها من الأماكن البعيدة، وربما أن تكون بحذائهم مساجد مهجورة، فيعطلونها، وإذا ألجِئوا

للصلاة فيها- صلوا كارهين، وتلك [المعابد] يهرعون إليها !؟! ولو في أوقات الكراهة، وهي أفضل عندهم من الصلاة في الأوقات الفضيلة في المساجد. وتلك المساجد التي بحذاء القبور- ليست مقصودة، لكونها بيوتا لله، بل لكونها حضرات لمن انتسبت إليه من أهل تلك القبور، يدلك على ذلك كله أنهم لا يسمونها إلا حضرات، فإذا قلت لأحدهم: أين صليت؟- قال لك : صليت في حضرة الشيخ فلان، وليس مقصودهم به إلا التقرب به، وبحضرته، وكلما أكثر الرجل الترداد إلى القبور- - ولو كانت مشتملة على أنواع المنكرات من ستور الحرير والديباج، والترصيع بالفضة، والعقيان، فضلا عن غيرها- كان مشهورا بين الناس بالديانات* مغفور الزلات* مقربا عند أصحاب تلك الحضرات*، ولقد امتلأت قلوب العوام، [ بل قلوب كثير من الخواص]- من رجائهم ومخافتهم،

فتراهم إذا عضلت عليهم الأمور*- أوصى بعضهم بعضا بقصد أصحاب القبور* وكذلك إذا وقع على أحد يمين الله- حلف به من غير أدنى وجل* أو حذر [أو خجل*]، وإذا قيل له : احلف بفلان عند قبره- خصوصا إذا أمره بالغسل لهذا اليمين ، ليكون ذلك من أقوى العبادات- خاف خوفا يظهر على جميع جوارحه، فلو أنه أدخل إلى قبره- ارتعدت فرائصه، وانحلت قواه [ من شدة الخوف والهيبة]، وربما أن أحدهم- لكثرة أوهامه، وشدة خوفه- تبطل حواسه، فيزدادون كفرا * وتضحك عليهم الشياطين جهرا*

وترى كثيرا منهم يعلقون مرضاهم عليهم، فيأخذون المريض- وهو في غاية شدته-، فيدخلونه على قبره، والسعيد عندهم من يدخلونه داخل شباكه، ويتعلق بستر قبره، والرزية العظمى: أنهم في حالتي السراء، والضراء، يتلاعب إبليس بهم، فإن مات مريضهم- قالوا: ما قَبِلنَا الشيخُ فلان- يعنون به صاحب القبر-.

وإن صادف القدر ، فعوفي- - لا سيما إذا وافق مطلوبهم ذلك الوقت- فرحوا بما عندهم من الكفر، فأرسلوا القرابين، ومعها شموع العسل موقدة من بيوتهم- إظهارا لقدرة صاحب القبر [ على قضاء الحوائج]، وتنبيها على إلهيته [ بل ربوبيته]، وكثيرا ما ينشرون الرايات له على طريقة أهل الجهل من الأعراب:

من أن من يفعل شيئا عظيما نشرت له راية بيضاء، وقد رأيت من لم يفعل ذلك،

ولكنه ينصب راية بيضاء على سطح داره ثلاثة أيام- يصيح كل يوم وقت المغرب بأعلى صوته:

الراية البيضاء لفلان بيض الله وجهه، وبالجملة: فأكثر البدع الخبيثة نشأت من هنالك، حتى إني رأيت بدمشق الشام أناسا ينذرون للشيخ عبد القادر الجيلي قنديلا يعلقونه في رؤوس المنائر، ويستقبلون به جهة بغداد، ويبقى موقدا إلى الصباح، وهم يعتقدون: أن ذلك من أتم القربات إليه، كأنهم يقولون بلسان حالهم:

" أينما توقدوا، فثم وجه عبد القادر "،

فيا لله العجب، ما هذه الخرافات؟* وأين دين الله الذي قد مات؟* بال الشيطان في عقولهم* وأضلهم عن سبيلهم* ولا ترى أحدا ينهى عن أمثال ذلك* وأعظم ما هنالك * ومن أقبح المنكرات* ما يستعمله جميع النساء [القبوريات*] عند وضع الحمل، ولا سيما في شدة الطلق، فإنهن يستغثن بعلي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] ، وكلما اشتد الطلق- صاحت النساء بأعلى أصواتهن داعيات ومستغيثات به، ليفرج عنهن ما قد كربهن، ومن يسمعهن- يتيقن إشراكهن، وقلما تسلم امرأة منهن في هذا الحال العظيم* والخطب الجسيم* وكثير منهن يزعمن: أنه الموكل بالأرحام* والموكول إليه في هذه الأحوال العظام* والحاصل: أنه لو أراد الإنسان أن يفصل منكرات القبور* وتكيات المتصوفة ومنكرات الحيطان، والآبار، والصخور* والأحجار،

والتماثيل...،- لضاق عنه نطاق التحرير* وعجز عن ضبطه من تصدى للتسطير*).

26 - وقال رحمه الله تعالى، في بيان الزيارة الشركية التي يرتكبها القبورية، مبينا أن إشراكهم أعظم وأشنع* وأكبر وأبشع* حيث إن أحدهم يجد في قلبه من الخشية والرهبة عند القبور، وعند الاستغاثة بأصحابها- ما لا يجد لخالقه عز وجل في المساجد والأسحار:

(... وجد هذا الزائر في فؤاده من الخشية والرهبة- ما لا يجد أدنى معشار جزء من عشرة بين يدي خالق السماوات والأرضين* وإله جميع العالمين*، فيدخل إلى القبر خاشعا ذليلا ، متواضعا، لا يخطر في قلبه مثقال ذرة من غير إجلاله* منتظرا فيض كرمه، ونواله).

27 - وقال التهانوي (1362هـ): مبينا أن القبورية أشد خوفا من الأموات* منهم من رب البريات*:

إن كثيرا من عابدي القبور، بسبب تعظيم قبور الأولياء، وإرخاء الستور عليها- حصل لهم الضرر العظيم في اعتقادهم، حتى اعتقدوا في الأولياء التأثير مع الله، فتراهم يتركون النذر لله، وأكثروا النذور للأولياء، والتقرب إليهم، وتركوا الحلف بالله حتى صار عندهم الحلف بالله كالعدم، ولا

يتجاسرون الحلف بالأولياء، لاعتقادهم: أن من حلف بولي خائنا كاذبا- يضره في بدنه، وماله ، وأولاده، وهذا من الشرك، والعياذ بالله، ثم ذكر عن بعض علماء الروم وقضاتهم الموصوفين بالعلم والصلاح:

أنه قال: " لو مكنت من هدم قبور الأولياء لهدمتها، كما فعل عمر بشجرة الرضوان، والمصيبة: أن فقهاء القرى يأمرون العوام عند توجه الحلف بالولي، ويقولون: إن فيه إظهارا للحق!؛ فانظر إلى هؤلاء الفقهاء [السفهاء] كيف يتوسلون إلى إظهار حق الخصم الدنيوي، بضياع الدين من أصله؛ [لأن من نذر لغير الله ، أو حلف بغير الله، أو سجد لغير الله- فهو مشرك بالله].

28 - وقال شيخ القرآن الفنجفيري (1407هـ) بعدما حقق أن شرك القبورية أعظم من شرك أهل الجاهلية الأولى، مبينا أن القبورية أعظم عبادة للقبور وأهلها في المشاهد*، منهم لله، في المساجد*:

(ولهذا يرى هؤلاء دعاء الموتى عند القبور، ويتوجهون إليهم ، ويستغيثون بهم، ويقولون: إن أرواحنا إذا توجهت إلى روح المقبور في القبور- اتصلت به ففاضت عليها المقاصد من جهته؛

وكثير منهم، ومن غيرهم من الجهال- يرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء عليهم السلام، والصالحين من أهل البيت وغيرهم- أفضل من الصلوات الخمس، والدعاء في المساجد، وأفضل من حج البيت العتيق).

29 - وقال الشيخ أبو الحسن الندوي، مبينا أن القبورية أعظم خوفا من الأموات* منهم لخالق الكائنات* كاشفا عن حال القبورية في الشام وغيرها:

( يخشون القبور وأصحابها ، ولا يخشون الله !! حتى أن طائفة من أصحاب الكبائر الذين لا يتحاشون فيما يفعلون من القبائح - كان إذا رأى قبة البيت، أو الهلال الذي على رأس الميت- خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه: ويحك هذا هلال القبة، فيخشون المدفون تحت الهلال، ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض ....).

وقال: ( وقاحة المشركين [ يعني القبورية ] وجرأتهم !!؛ ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذبا [ يعني بالله ] ، ولا يجترئ أن يحلف بشيخه اليمين الغموس كاذبا ...).

30 - وقال العلامة الرستمي، مبينا أن القبورية أعظم خوفا من الأموات* منهم لخالق البريات*:

(بعضهم يذهبون إلى قبور الأولياء من بعيد، ومعهم الضأن والمعز والدجاجة وغيرها، نذرا لصاحب القبر، ويتقربون إليها بذبحها هناك...؛ يلتزمون على أنفسهم...؛ ولا يقصرون فيه، ولا يتأخرونه عن وقته، ولا ينقصون منه خوفا من الضرر، ولا يكون في قلوبهم ميلا إلى الصلاة لله تعالى ، ولا إلى أداء الزكاة له تعلق ، والتصدق له تعالى، بل تركوه نسيا منسيا، فلو لم يكن هذا شركا- فلا يكون الشرك إلا اسما، ولا يكون له مصداق).

قلت:

هذه كانت بعض نصوص علماء الحنفية الدالة على أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم الإشراك بخالق الكائنات* وأنها ليست بشرك فحسب، بل هي أمّ لعدة أنواع من الإشراك برب البريات* وأن القبورية أعظم شركا من الوثنية الأولى في باب الاستغاثات* وأنهم أشد خوفا ورجاء وأكثر خشوعا وخضوعا، وأعظم عبادة للأموات*

منهم لخالق الأرضين والسماوات* ولو كانوا في أشرف المقامات وأسعد الأوقات* وقد تحقق بهذه التحقيقات الحنفية * أن القبورية فرقة مشركة وثنية من الفرق الوثنيات* وبعد هذا ننتقل إلى الباب الآتي لنعرف شبهات المستغيثين بالأموات* كما نعرف جهود علماء الحنفية في قلعها، وقمع أصحابها- مستغيثين برب البريات*

 

الرجوع للصفحة الرئيسية