جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

 جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

-الباب الخامس -

 

الباب الخامس

في بيان غلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين من اعتقاد علم الغيب لهم والتصرف في الكون لهم ووصفهم بصفات رب العالمين

وفيه قسمان:

- القسم الأول: في عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين.

- القسم الثاني : في جهود علماء الحنفية في إبطال القبورية في الصالحين.

كلمة بين يدي هذا الباب

لقد بينت في الأبواب السابقة وفصولها ومباحثها ومطالبها جهود علماء الحنفية في أهمية العقيدة عامة، وأهمية توحيد العبادة خاصة، وتحقيق أن توحيد الألوهية غير توحيد الربوبية، وتعريف التوحيد، والعبادة، وبيان أركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وتعريف الشرك وبيان أنواعه، وتاريخ القبورية ونشأتهم وانتشارهم في شرق الأرض ومغربها وتحقيق أن الشرك موجود في القبورية ، وأنهم على طريقة الوثنية الأولى؛ وأنهم وثنية عباد القبور، وعبدة الأنصاب، وأهل الشرك.

كما ذكرت مساعي علماء الحنفية في حماية حمى التوحيد، وسد جميع ذرائع الشرك ووسائله، وسقت نصوصهم لإبطال عقائد القبورية في ذلك كله وقطع دابرهم وقلع شبهاتهم التي تتعلق بالتوحيد والشرك وقمع جموعهم وكسر جنودهم ونصر أهل التوحيد بحمد الله تعالى .

ولما كان أصل سبب ضلال هؤلاء القبورية خاصة والوثنية عامة- هو الغلو في الصالحين، ورفعهم فوق منزلتهم، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون- أردت أن أسوق في القسم الأول من هذا الباب عدة أمثلة من غلو القبورية في الصالحين، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون، ثم أذكر جهود علماء الحنفية في إبطال ذلك كله في القسم الثاني من هذا الباب ، والأبواب الآتية؛ فأقول * بربي أستعين وأحول * وبه أثق وأصول*:

* * * * *

القسم الأول

في عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين

وفيه فصول ثلاثة:

- الفصل الأول: في بيان غلوهم في رسول الله .

- الفصل الثاني: في بيان غلوهم في بعض الأولياء خاصة.

- الفصل الثالث: في بيان غلوهم في الأولياء عامة.

القسم الأول

في عرض نماذج من غلو القبورية في الصالحين بل الطالحين

لقد غالت القبورية في تعظيم الصالحين* بل الطالحين* ومحبتهم ورفعهم فوق منزلتهم- كدأب الوثنية الأولى ، بل أشد- فاعتقدوا فيهم عجائب من العلم بالمغيبات* وأثبتوا لهم غرائب من التصرفات في الكون، وغير ذلك من الصفات *؛ بحيث جعلوهم آلهة يعبدونهم خصوصا عند الكربات * وإلمام الملمات، لدفع المضرات، وجلب الخيرات* بل جعلوهم أربابا لهذا الكون يتصرفون فيه كيف يشاؤون* يدمرون ويعمرون، يمنعون ويعطون، يعلمون ويسمعون كما يريدون* كل ذلك تمهيدا للاستغاثة بهم عند الملمات* طلبا لحاجات ورفعا لمضرات* وفيما يلي بعض الأمثلة لغلو القبورية في الصالحين*، ووصفهم إياهم بصفات رب العالمين*:

ويقتضي هذا القسم أن يشتمل على فصول ثلاثة:

الفصل الأول: في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الفصل الثاني: في غلوهم في بعض الأولياء خاصة.

الفصل الثالث : في غلوهم في الأولياء عامة.

*********

الفصل الأول

في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفيه خمسة أقسام من الغلو:

- القسم الأول : في علم الغيب له صلى الله عليه وسلم .

- القسم الثاني: في التصرف في الكون له صلى الله عليه وسلم .

- القسم الثالث: في سماع أصوات المستغيثين به صلى الله عليه وسلم .

- القسم الرابع : في حياته صلى الله عليه وسلم حياة دنيوية في البرزخ.

- القسم الخامس: في جعلهم إياه صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا.

كلمة بين يدي هذا الفصل

لقد غالت القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطروه بعدة أنواع من الغلو وأصناف من الإطراء - أجملها في خمسة أقسام :

- القسم الأول : غلوهم في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

- القسم الثاني: غلوهم في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون .

- القسم الثالث: غلوهم في سماعه صلى الله عليه وسلم لأصوات المستغيثين به صلى الله عليه وسلم .

- القسم الرابع : غلوهم في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية بجعلها دنيوية .

القسم الخامس: غلوهم من ناحية جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا.

القسم الأول

غلو القبورية في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد غالت القبورية في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فوصفوه بأنه عالم بجميع ما كان وما يكون أزلا وأبدا، وأنه يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ؛ بل هذا بعض علومه صلى الله عليه وسلم ؟ وأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما في الضمائر والقلوب من الأسرار، وأنه لا تخفى عليه خافية، وأنه لا يخرج من علمه شيء، والكلام ههنا في عدة أنواع:

النوع الأول: علم ما كان وما يكون:

تعتقد القبورية أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع ما كان وما يكون من المخلوقات والموجودات أزلا وأبدا لا تخفى عليه منها خافية، وهذه العقيدة من أعظم عقائد البريلوية خاصة، صراحة.

وتوجد عند غيرهم أيضا، وقالوا :إن الله تعالى أعطى المصطفى صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين، وعلم ما كان وما يكون وعلم ما في السماوات وما في الأرض؛ فمن اعتقد هذا فهو مؤمن ومن لم يعتقد هذا فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام.

النوع الثاني: علم جميع ما في اللوح والقلم وزيادة:

تعتقد القبورية : أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع ما في اللوح والقلم، وأن هذا العلم جزء من بحر علومه صلى الله عليه وسلم ، قلت: وأول من عرفته قال بهذه الخرافة- هو البوصيري (694هـ) ؛ حيث قال:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

وتبعه الكوثرية وزادت عليهم البريلوية: أن علم اللوح والقلم سطر من سطور علمه صلى الله عليه وسلم ونهر من بحور علمه بل ذرة منها.

النوع الثالث: علمه صلى الله عليه وسلم محيط بجميع الكون.

لم يحجب عن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، فهو المطلع على عرشه، وعلوه وسفله ودنياه وآخرته وناره وجنته؛ فعلمه محيط بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية.

النوع الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم يعلم علم جميع علوم المخلوقين من الأولين والآخرين والجن والإنس والملائكة وغيرهم من العالمين.

قلت: يدخل في ذلك علوم السحرة والكهنة والمغنين والمطربين والشعراء والعشاق ، والمعشوقات والماجنين والشياطين والكافرين والمنجمين والمهندسين والفلاحين والصناعيين والبنائين وغيرهم؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم جميع علوم هؤلاء أجمعين عند هؤلاء القبورية الخرقاء * الوثنية الحمقاء * ؟!؟

النوع الخامس : أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع المخلوقات وجميع أحوالهم تماما وكمالا في الماضي والحال والمستقبل ، فلا تخفى عليه خافية.

النوع السادس: علمه بخفيات الأمور وضمائر القلوب.

قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع يده على حيوان- لعلم الحاضر والغائب؛ فما ظنك بالولي الذي وضع عليه النبي صلى الله عليه وسلم يده - ؟! ألا يصير عالما بالشاهد والغائب، والذي يعلم أحوال قلوب الجمادات والحيوانات- ألا يعلم أحوال قلوب عشاقه؟!؟

تنبيه مهم: أقدم من عرفته ممن ارتكب هذه الخرافة الوثنية باهتمام وتفصيل الدعوة السافرة إليها- هو ابن الحاج (737هـ), فقد قال في بيان آداب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، وشد الرحال إليه للاستغاثة به: (فصل: وأما في زيارة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه- فكل ما ذكر يزيد عليه أضعافه أعني في الانكسار والذل والمسكنة؛ لأنه الشافع المشفع الذي لا ترد شفاعته، ولا يخيب من قصده،

ولا من نزل بساحته، ولا من استعان به أو استغاث به؛ إذ أنه عليه الصلاة والسلام- قطب دائرة الكمال ، وعروس المملكة...؛ فمن توسل به، أو استغاث به أو طلب حوائجه منه فلا يرد، ولا يخيب...؛

وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: " إن الزائر يشعر نفسه بأنه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام، كما هو في حياته؛ إذ لا فرق بين موته وحياته "؛ أعني في مشاهدته لأمته، ومعرفته بأحوالهم ونياتهم، وعزائمهم، وخواطرهم، وذلك عنده جلي، لا خفاء فيه...) إلى آخر خرافاته.

وقد تبعه في هذه الخرافات جمع من القبورية؛ فنقلوا كلامه هذا بنصه وفصه، واستدلوا به وعدوه رطبا جنيّا* ونعمة غير مرتقبة وغنيمة باردة ولحما طريّا* منهم القسطلاني (923هـ).

فقد وقع في طامتين:

الأولى: خرافة قبورية.

والثانية: خيانة علمية حيث نقل كلامه بالنص والفص بدون العزو إليه.

ومنهم الزرقاني (1122 هـ)، ومنهم النبهاني (1350 هـ) وغيرهم من القبورية ولا سيما البريلوية، والكوثرية.

النوع السابع: قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر في كل مكان وزمان وهو يشاهد العالم كله من المدينة.

لا تستقر نطفة في فرج أنثى إلا ينظر إليها.

وقولهم : إن السماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى جميع الناس في زمان واحد وفي جميع الأقطار المتباعدة بدون أي إشكال كما قيل:

كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

روح النبي صلى الله عليه وسلم حاضر في بيوت أهل الإسلام، وإن القطب يملأ الكون ويكون حاضرا وناظرا وشاهدا في كل مكان في الكون فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقالوا : كل ما يحدث في الكون من المشرق إلى المغرب ومن السماء إلى الأرض حتى قبل إبراهيم بآلاف السنين فهو صلى الله عليه وسلم يعلمه ويراه حيث إنه موجود في كل مكان وزمان.

النوع الثامن : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الأمور الخمسة: وقت الساعة ، وقت نزول الغيث ، وما في الأرحام، وأوقات موت الأنفس، وأين تموت.

ولم يكن يعلم علوم هذه الأمور الخمسة فحسب، بل كان يعطي علوم هذه الخمسة من يشاء من خدمه .

النوع التاسع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم علم كل شيء ويعلم كل شيء، لأن الله تعالى قال: { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

قالوا: إن ضمير " هو " يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم بكل شيء عليم.

وقد أعطي صلى الله عليه وسلم علم كل شيء قبل أن يفارق الدنيا.

النوع العاشر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم القرآن قبل ولادته لأنه كان يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ.

القسم الثاني

غلو القبورية في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون

لقد غالت القبورية في اعتقاد التصرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصرفا مطلقا في الكون بحيث جعلوه ربّا لهذا الكون ومالكه يتصرف فيه ما يشاء كل ذلك تمهيدا للاستعانة منه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم ؛ وإليكم بعض نصوصهم:

1 - إن النبي صلى الله عليه وسلم يقضي كل قسم من الحاجات؛ إن جميع أمور الدنيا والآخرة في اختياره.

2 - ماذا في كفة الله تعالى سوى الوحدة؛ إن كنت تريد شيئا فاطلبه من محمد صلى الله عليه وسلم .

3 - قالوا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عين الله تعالى ، فالذي كان مستويا على العرش - قد نزل إلى المدينة فصار المصطفى .

إن الله الذي أرانا حسنه وجماله قد جاء في صورة محمد .

4 - إن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مالك الكل ،

وإنه النائب الأكبر للقادر، وهو الذي يكلم كلمة " كن ".

5 - كل ما ظهر في العالم فإنما يعطيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بيده المفاتيح، فلا يخرج من الخزائن الإلهية شيء إلا على يديه، وإنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد شيئا لا يكون خلافه؛ لأنه ليس لأمره صارف في الكون.

قلت: أقدم من عرفته في القبورية المنتسبة إلى أحد المذاهب الأربعة ممن قال بهذه الخرافات الوثنية- هو القسطلاني ( 923هـ) ثم الزرقاني (1122هـ) ثم البريلوية:

6 - فقد قال القسطلاني :

(فهو صلى الله عليه وسلم خزانة السر، وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خير إلا عنه ، ولله در القائل:

ألا بأبي من كان ملكا وسيدا ... وآدم بين الماء والطين واقف

إذا رام أمرا لا يكون خلافه ... وليس لذاك الأمر في الكون صارف).

7 - وقال النبهاني ( 1350هـ):

( إن المسلمين ...، من أهل السنة والجماعة- وهم جمهور الأمة المحمدية- [يعني القبورية]- يعتقدون فيه صلى الله عليه وسلم . أنه يعلم الغيب، ويعطي ويمنع ، ويقضي حوائج السائلين ، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء ، ويدخل الجنة من يشاء، فهذا من أصح الاعتقادات، وإنكاره من أقبح المنكرات).

8 - وقال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية الوثنية (1340هـ)- في ديباجة كتابه : " الأمن والعلى لناعتي المصطفى بدافع البلاء ":

( وصلى ربنا وسلم على دافع البلاء والوباء والقحط والمرض والألم*؛ سيدنا ومولانا ومالكنا ومأوانا محمد مالك الأرض ورقاب الأمم * ...؛ قال الفقير المستدفع البلاء * من فضل نبيه العلي الأعلى * صلى عليه الله تعالى * عبد المصطفى أحمد رضا *المحمدي الحنفي القادري البركاتي البريلوي-

دفع بنبيه عنه البلاء * ومنح قلبه النور والجلاء * ).

9 - وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبرئ من السقم والآلام والكاشف عن الأمة كل خطب، وهو المحيي ، وهو الدافع للمعضلات والنافع للخلق، والرافع للرتب ، وهو الحافظ والناصر، وهو دافع البلاء، وهو الذي برد على الخليل النار، وهو الذي يهب ويعطي وحكمه نافذ، وأمره جار في الكونين.

10 - وقال: (*

منه الرجاء منه العطاء منه المدد ... في الدين والدنيا والأخرى للأبد

*).

11 - وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة الله الأعظم، وإنه متصرف في الأرض والسماء.

12 - وقالوا : المعاملة كلها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي من شاء ما شاء لأن الدنيا والآخرة من جوده وعلم اللوح والقلم من علومه، فإن كنتم تريدون خيري الدنيا والآخرة فأتوا إلى بابه ثم اطلبوا ما شئتم.

13 - وقالوا: إن الله تعالى قد مكن النبي صلى الله عليه وسلم من إعطاء كل ما أراد من خزائن الحق، ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما يشاء، ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أقطعه أرض الجنة يعطي منها ما يشاء من

يشاء.

14 - وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك الأرضين ومالك الناس، ومالك الأمم ، ومالك الخلائق، بيده مفاتيح النصر والمدد، والجنة والنار، وهو يكون صاحب القدرة والاختيار يوم القيامة، ويكشف الكروب ويدفع البلاء، وهو حافظ للأمانة وناصر لها، وإليه ترفع الأيدي للاستنجاد.

15 - وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم نائب مطلق عن الله تعالى، فالعالم كله تحت تصرفه، فهو يفعل ما يشاء، ويعطي ما يشاء من يشاء، ويسلب ما يشاء من يشاء؛ لا راد لقضائه في العالم كله، والعالم كله محكوم له، وهو مالك لجميع بني آدم ، والأرض كلها والجنة كلها ملكه، وملكوت السماوات والأرض تحت أمره، مفاتيح الجنة والنار في يده، والرزق والخير وكل قسم من العطاء يوزع من عنده، إن الدنيا والآخرة حصة من عطاءه .

16 - وقالوا : قال الله تعالى : يا محمد كلهم يطلبون رضاي وأنا أطلب رضاك، وجعلت ملكي كله من العرش إلى الفرش فداء لك؛ حكمك جار على الشمس والقمر ؛ لا يطلع الشمس حتى تسلم على ابنك الجيلاني غوث الثقلين وغيث الكونين .

القسم الثالث

غلو القبورية في سماعه صلى الله عليه وسلم لنداء المستغيثين به ورؤيته لجميع ما في الكون

لقد غالت القبورية في سماعه صلى الله عليه وسلم ورؤيته إلى حد زعموا أنه صلى الله عليه وسلم يسمع نداء المستغيثين في العالم كله مع اختلاف أصواتهم وألسنتهم وبلدانهم، ويراهم ويبصرهم.

ونصوصهم التي ذكرتها في غلوهم في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، تدل على هذا، ولكن لمزيد من التحقيق أذكر نصوصهم الخاصة بالسماع والرؤية.

قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمع صرير الأقلام في اللوح المحفوظ، ويسمع أصوات تسبيح الملائكة تحت العرش وهو كان في بطن أمه؛ بل كان يعلم الغيب من بدء الأمر.

 

* * * * *

القسم الرابع

غلو القبورية في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية

لقد غالت القبورية جميعا حتى الديوبندية ولا سيما البريلوية في حياته صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فأنكروا حياته البرزخية، وجعلوها حياة دنيوية تماما، بل أقوى منها، يصلي في قبره، حتى قالت البريلوية إنه صلى الله عليه وسلم يجامع زوجاته.

وهكذا جميع الأنبياء يصلون ويحجون، وينكحون، ويقاتلون الكفار ويأكلون ويشربون؛ وإليكم بعض نصوصهم التي قالوها جهارا دون إسرار ولا حياء من العباد* ولا من رب العباد*.

1 - قال جميع أئمة الديوبندية وعلى رأسهم السهارنفوري (1346هـ) الذي قد شرحت بعض قبورياته: مبينا عقيدة جميع الديوبندية بلا استثناء:

(الجواب: عندنا وعند مشايخنا حضرة [صاحب] الرسالة صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف، وحياته صلى الله عليه وسلم دنيوية من غير تكليف؛ وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم ، وبجميع الأنبياء صلوات الله عليهم، والشهداء؛

لا برزخية كما هي حاصلة لسائر المؤمنين؛ بل لجميع الناس؛ كما نص عليه العلامة السيوطي في رسالته:

" أبناء الأذكياء بحياة الأنبياء "، حيث قال: " قال الشيخ تقي الدين السبكي : حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا... "؛ فثبت بهذا أن حياته دنيوية برزخية لكونها في عالم البرزخ؛ ولشيخنا شمس الإسلام والدين محمد قاسم العلوم على

المستفيدين ، - قدس الله سره العزيز-.

في هذا المبحث رسالة مستقلة دقيقة المأخذ- بديعة المسلك لم ير مثلها ، قد طبعت ، وشاعت في الناس، واسمها " آب حيات ": أي ماء الحياة).

قلت: هذه كانت عقيدة الديوبندية قاطبة ، وقد عرفت ما فيها من الدعوة السافرة إلى القبورية .

2 - والآن استمع لما يقوله إمام الديوبندية على الإطلاق ذلكم النانوتوي ( 1297هـ)، وغيره من كبائر أئمة الديوبندية : أمثال الجنجوهي الملقب عندهم بالإمام الرباني ( 1323هـ) ،

والكشميري الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) ، والتهانوي الملقب عندهم بحكيم الأمة ( 1362هـ) أمة الخرافات ، والعثماني (1369هـ) ، وحسين أحمد الملقب عندهم بشيخ الإسلام إسلام القبورية (1377هـ):

إن النبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ الآن في قبره، فهو كمن انعزل عن الناس واعتكف أربعين يوما؛ فهو حي حياة دنيوية بجسده العنصري حياة مستمرة؛ وحياة حقيقية جسمانية لا روحانية بل هي حسية جسمانية ولذا لا تورث تركته ولا تنكح أزواجه، لأنه حي فلا معنى لتوريث الأحياء ، وإنه يصلي في قبره بأذان وإقامة، ولذا يسمع صلى الله عليه وسلم صلاة الناس عليه وسلامهم، وهذه عقيدة جمهور الأمة وعقيدة أهل السنة بالاتفاق، وعقيدة جميع أكابرنا وأئمتنا كما هو المذكور في المهند، خلافا للوهابية؛

فإنهم منكرون لحياته صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة.

قلت: إن الديوبندية قد ورثوا هذه الخرافة القبورية عن شيخهم وإمامهم الذي لقبوه ببيهقي الوقت ذلكم القاضي ثناء الله الباني بتي (1225هـ)؛ فقد صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ولذلك لم يورث ولم يتأيم أزواجه، فلا يحل نكاحهن لأحد لأجل ذلك.

بل قالوا : إن الأولياء لا يموتون، ولكن ينقلون من دار الفناء إلى دار البقاء فما ظنك بالأنبياء عليهم السلام.

قلت: هذه كانت خلاصة عقيدة الديوبندية وغلوهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرزخ؛ وهذا من البراهين القاطعة على أنهم قبورية خرافية إلا من رحم ربك منهم.

ما امتازت به البريلوية:

لقد امتازت البريلوية بشيء لم أجده عند الديوبندية وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم

يجامع أزواجه أيضا؛ فقد قال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية الوثنية (1340هـ):

إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في القبر حياة دنيوية ، وقد طرأ عليه الموت لآن واحد ( ثانية أو أقل) تحقيقا للوعد، ثم أعيدت إليه الحياة فورا، كما هي كانت في الدنيا، ولذا تربت عليها أحكام الدنيا كعدم توريث التركة وعدم حل نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم وعدم طروء العدة عليهن ، بل قال سيدي محمد بن عبد الباقي الزرقاني :

إن الأنبياء عليهم السلام تعرض عليهم أزواجهم فهم يبيتون معهن، ويجامعونهن في قبورهم، وإنهم يصلون ويحجون.

لطيفة : لقد رد أحد الديوبندية على البريلوية فقال: إن القول بجماع الأنبياء بأزواجهم توهين واستخفاف بهم وبهن.

فأجابه : أحد البريلوية بجواب معقول أفحم ذلك الديوبندي، بل أسكت الديوبندية جميعا؛ حيث قال: إذا كانت حياة الأنبياء حياة دنيوية جسمانية حسية حقيقية- فأي مانع من استلذاذ الأنبياء بهذه النعمة العظيمة، كما كانوا يجامعون أزواجهم في حياتهم الدنيوية فأي توهين في ذلك !؟!

أقول: القول بخرافة جماع الأنبياء عليهم السلام في قبورهم أزواجهم يوجد عند القبورية قبل الديوبندية ؛ فقد قال بهذه الخرافة الزرقاني ( 1122هـ) كما شهد عليه خلفه أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية الوثنية (1340هـ) كما سمعته آنفا، وقال بها علوي بن أحمد بن الحسن الحداد الحضرمي (1232هـ) ، وابن جرجيس الحنفي إمام القبورية البغدادية العراقية (1299هـ) ، وغيرهما من القبورية ، وهذا نصهم : ( أما الأنبياء- فلأنهم أحياء في قبورهم- يأكلون ويشربون ، ويصلون ويحجون؛ بل ينكحون؛ كما وردت بذلك الأخبار؛ وتكون الاستغاثة معجزة منهم؛ والشهداء أيضا أحياء عند ربهم، شوهدوا نهارا جهارا، يقاتلون الكفار...).

الحاصل: أن القبورية يعتقدون أن العارفين لا يموتون .

وقالوا : إن الحياة البرزخية أقوى من الحياة الدنيوية ؛ بل الحياة الدنيوية موت بالنسبة إلى الحياة البرزخية؛ فهم يقتدرون على السمع والبصر* والعلم و الاقتدار على النفع

والضر*.

هكذا ترى القبورية والوثنية يجعلون عقيدة حياة الأنبياء والشهداء بل الأولياء عامة- تمهيدا لجواز الاستغاثة بهم عند الملمات؛ حيث قالوا: إنهم إذا كانوا أحياء في قبورهم حياة حقيقية حسية فأي مانع من الاستغاثة بهم.

قلت: أشهر سلف القبورية في جعل الحياة البرزخية كالحياة الدنيوية تمهيدا لجواز الاستغاثة بالأموات- هو السبكي (756هـ) ؛ فقد أفرد لهذه الخرافة الباب التاسع، وجعل الفصل الأول في حياة الأنبياء عليهم السلام، والفصل الثاني في حياة الشهداء، والفصل الثالث في حياة سائر الموتى وسماعهم، وتبعه القبورية بعده إلى يومنا هذا؛ فهم يرددون صدى هذا السبكي ويبوبون في كتبهم ويعقدون فصولا في حياة الأنبياء والشهداء وكذا الأموات عامة؛ لجواز الاستغاثة بالأموات* عند إلمام الملمات* فيجعلون حياة الأموات* دليلا على جواز الاستغاثة بهم عند الكربات*.

القسم الخامس

غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية جعلهم إياه نورا لا بشرا وجعلهم إياه شفافا لا ظل له

لقد غالت القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قديما وحديثا؛ فزعموا أنه صلى الله عليه وسلم نور، ولم يكن له ظل في شمس ولا قمر؛ وعلل كثير منهم بأن الأنوار شفافة لا ظل لها.

ولا سيما البريلوية فإنهم قد غالوا في هذا الباب* إلى حد خرقوا للهيبة الحجاب فأتوا بأعجب العجاب*؛ فلإمام البريلوية أحمد رضا خان الأفغاني (1340هـ) عدة كتب في كون النبي صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا ولا ظليلا، وجعله شفافا عديم الظل:

1 - صلاة الصفا في نور المصطفى صلى الله عليه وسلم .

2 - قمر التمام في نفي الظل عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم .

3 - نفي الفيء عمن أنار بنوره كل شيء .

4 - هدي الحيران* في نفي الفيء عن سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم .

وكلامهم في هذا الصدد يرمي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من الله تعالى وأنه صلى الله عليه وسلم مظهر لصفات الله تعالى ، 1- قال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية ( 1340هـ):

(اللهم لك الحمد يا نور * يا نور النور * يا نور قبل كل نور * ونور بعد كل نور * يا من له النور * وبه النور * ومنه النور * وإليه النور * وهو النور * !

2 - صل وسلم وبارك على نورك المنير الذي خلقته من نورك ! وخلقت من نوره الخلق جميعا؛ وعلى أشعة أنواره* وآله وأصحابه نجومه وأقماره* ).

2 - وقال : ( الحمد لله الذي خلق قبل الأشياء نور نبينا من نوره * وفتق الأنوار جميعا من لمعات ظهوره *؛ فهو صلى الله عليه وسلم نور الأنوار* ومهد جميع الشموس والأقمار*).

3 - ويخاطب البريلوي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إنك نور * وكل عضو من أعضائك نور* أنت عين النور* .

4 - وقالوا جهارا دون إسرار: إن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل ليسوا بشرا ؛

وإن القول ببشرية الرسل من دأب الكفار.

5 - وقالوا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس عين الله ولا هو غير الله، بل هو مظهر صفات الله ، محيي الأرواح، منه خلق الجن ومنه الإنس، ومنه ظهر العرش والكرسي، ومنه حواء ومنه آدم عليه السلام.

6 - والملائكة شرر تلك الأنوار.

7 - قلت: لقد اطلعت على قصيدة لأحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية (1340هـ) سماها " قصيدة النور "، وهي في ديوانه الذي سماه حدائق بخشش ( حدائق الهبة )، وهي (59) بيتا؛ وموضوع هذه العقيدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نور وكله نور وجميع أعضائه نور، وأنه لا ظل له ؛ لأن النور لا يوجد له ظل.

8 - وقال البريلوي الأفغاني (1340هـ) : إن ظل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع على الأرض لأنه كان نورا فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يرى له الظل، والأنوار لا ظل لها؛ لأنها شفافة لطيفة لا تحجب.

9 - وكان صلى الله عليه وسلم يُرى في الظلمة كما يُرى في الضوء.

الفصل الثاني

في غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة

وفيه أمثلة غلوهم في أربعة:

- الأول: الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) إمام القادرية.

- الثاني : أحمد الرفاعي (578هـ) إمام الرفاعية .

- الثالث : أحمد البدوي (675هـ) إمام البدوية .

- الرابع: الشاه نقشبند الحنفي إمام النقشبندية (791هـ)

كلمة بين يدي هذا الفصل

لقد غالت القبورية في كثير من الصالحين إلى أن جعلوهم آلهة يعبدونهم من دون الله- بل في كثير من الطالحين- بل جعلوهم أربابا لهذا الكون متصرفين فيه كيف يشاؤون واعتقدوا فيهم علم الغيب مطلقا، فوصفوهم بصفات الله تعالى ، تحت ستار الولاية والكرامة؛ وأشركوهم بالله عز وجل في إلهيته وربوبيته فصار إشراكهم بالله أشنع وأبشع من إشراك المشركين السابقين، وفيما يلي أمثلة أربعة لهؤلاء الصالحين الذين غالت القبورية فيهم أنواع الغلو:

الأول

الشيخ عبد القادر الجيلاني 561 هـ مؤسس الطريقة القادرية

لقد غالت القبورية في كثير من الصالحين منهم الجيلاني ، فقد عظموه إلى حد جعلوه إلها يعبدونه وجعلوا قبره وثنا يعبدونه من دون الله؛ بل جعلوه ربا لهذا الكون متصرفا فيه تصرفا مطلقا، كما جعلوا قبره وثنا يعبدونه من دون الله تعالى، وكفريات القبورية في الغلو فيه واسعة الذيل وفيما يلي بعض الأمثلة:

1 - تعتقد فيه عامة القبورية ولا سيما الديوبندية والبريلوية:

أنه " الغوث الأعظم " و" غوث الثقلين " و" الغوث " و" غوث

الأقطاب " و " غيث الكونين "، و" القطب الرباني ".

2 - كان الجيلاني يحيي الطيور الميتة والدجاج والمأكول، فكان يأمر العظام المأكولة أن تقوم فتحيى وتصير دجاجة سوية.

3 - يا غوثي ! أنت المحيي، وأنت المميت.

4 - إن منزلة " كن " و " لا تكن " قد حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم منه للجيلاني .

5 - إن الجيلاني متصرف في العالم ، ومأذون له ، ومختار، ومدير للعالم.

6 - لا يمكن للشمس أن تطلع إلا بعد أن تسلم على غوث الثقلين الجيلاني وغيث الكونين.

وكان الجيلاني يمشي في الهواء على رؤوس الأشهاد، ولا يمر سنة، ولا الشهر، ولا الأسبوع، ولا اليوم إلا ويسلم عليه وتخبره بما يجري، وإن السعداء والأشقياء يعرضون عليه، وعينه في اللوح المحفوظ، وهو غائص في بحار علم الله ومشاهدته.

7 - إن الجيلاني له استطاعة على كل شيء سوى الله.

8 - إن الجيلاني قد أخذ زنبيل الأرواح من عزرائيل، ورد كل روح

إلى جسدها.

9 - إن الجيلاني قد غير القدر وبدل التقدير لرجل في اللوح المحفوظ ، وأخرج سفينة غرقت قبل اثنتي عشرة سنة.

10 - إن الجيلاني كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.

11 - ولابن حجر الهيتمي القبوري (974هـ) أعاجيب وأباطيل حول الجيلاني وغيره ممن يزعم أنهم أولياء متصرفين في الكون.

12 - وقالوا في الجيلاني : إنه : " سيد السماوات والأرض " و" النفاع الضرار " و" المتصرف في الأكوان " و " المطلع على أسرار الخليقة " و " محيي الموتى " و " مبرئ الأعمى والأبرص والأكمه " و " أمره من أمر الله " و " ماحي الذنوب " و " دافع البلاء " و" الرافع الواضع " ، و" يا صاحب الثقلين أغنني وأمدني بقضاء حاجتي ، وتفريج كربتي " و " يا حضرة الغوث الصمداني! عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة ".

13 - وقال فيض أحمد البدايوني الهندي ( 1274هـ) مغاليا في

الجيلاني :

ملك الورى بكماله ... وهب الهدى لرجاله

سمح العلى لعياله ... فطر الندى بنواله

بضيائه ببهائه ... بغنائه ببقائه

بولائه بوفائه ... قسما بكل خصاله

برع العوالم كلها ... ملك المكارم جلها

جمع المحاسن جمعها ... بجماله وجلاله

وله الدهور مطيعة ... ولحكمه أسيرة

وإليه مرجع كلها ... بكماله وجماله

بلغ الأقاصي والأدا ... ني رشح بحر فيوضه

أسف على أسف على ... متكبر وضلاله

والعجب من هذا الوثني! أنه مع هذا الكفر البواح والشرك الصراح حتى في الربوبية يفتخر بهذه الأبيات ويدخرها لآخرته قائلا مستغيثا بالجيلاني :

لا يفزعنك أنواء وساعات ... ولا يهمك أيام وليلات

وناد شيخك واستشفع به عجلا ... ولا تؤخر ففي التأخير آفات

ويوم حشر من الأعمال إن سألوا ... أقول لي في مديح الشيخ أبيات

قلت: كفريات القبورية في غلوهم في الصالحين عامة وفي

الجيلاني خاصة لا يعدها عاد* ولا يحصيها إلا رب العباد* وفيما ذكرت كفاية وبرهنة على ارتكابهم الشرك في الربوبية فضلا عن الشرك في الألوهية، والله المستعان على ما يصفون* { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } * [ الزمر: 67] .

الثاني الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية 578 هـ

1 - لقد غالت القبورية في هذا الرجل مغالاتهم في كثير من الناس، فجعلوه إلها كما جعلوا قبره وثنا يعبدونها من دون الله؛

بل جعلوه ربا لهذا الكون متصرفا فيه كيف يشاء؛ يعطي ويمنع * يرى ويسمع * ويعلم المغيبات* ويفرج الكربات*.

2 - قالوا فيه: " الغوث الأكبر " ، و" القطب الأشهر "، و" غوث الثقلين ".

3 - بل قالوا فيه : إنه تجاوز مرتبة القطب والغوث.

4 - قعد مرة على الشط، وقال أشتهي سمكة مشوية، فلم يتم كلامه حتى امتلأ الشط سمكا ، وسألته بحق الله أن يأكلها؛ إلى آخر القصة العجيبة التي فيها تصرف في الكون وتسخير لحيوانات البحر.

5 - وقالوا فيه : إنه كان قطب الأقطاب في الأرض ثم انتقل إلى قطبية السماوات ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال.

6 - وقالوا فيه : كان يفقر ويغني ، ويسعد ويشقي، ويميت ويحيي، والسماوات السبع في رجله كالخلخال.

7 - قالوا : إن الرفاعي قد اشترى بستانا من شخص بقصر في الجنة، وكتب له في ذلك صكا بحدوده الأربعة، من جانبه جنة عدن، وبجانبه الآخر جنة المأوى، وبجانبه الثالث جنة الخلد وبالجانب الرابع جنة الفردوس، مع جميع حوره، وولدانه، وفرشه، وأسرته، وأنهاره، وأشجاره؛ ثمنا لذلك البستان.

8 - قالوا: قيل له : ( ما صفة الرجل المتمكن؟ فقال: أن يعطي التصريف العام في جميع الخلائق، وعلامته: أن يقول لبقايا هذه الأسماك ( المشوية) :

قومي، فاسعي ! فتقوم فتسعى؛ ثم أشار إليها فكان كما ذكر).

9 - قالوا : ( رجل قد نزل عليه، فقال له : مرحبا بوتد المشرق، فقال له : إن لي عشرين يوما لم آكل ولم أشرب ؛ وأريد أن آمر هذا الإوز الذي في السماء فتنزل واحدة مشوية، ففعل فنزلت كذلك؛ ثم أخذ حجرين من جانبه فصارا رغيفين، ثم مد يده إلى الهواء فأخذ كوز ماء؛ فأكل وشرب ؛ ثم طار؛ فقال الشيخ لتلك العظام: " اذهبي باسم الله "؛

فذهبت وطارت).

10 - قالوا: إن الصوفية أكلوا الطعام ثم غنوا ورقصوا بعد العشاء فداسوا طفلا بأرجلهم طول الليلة وهم يرقصون حتى ترضرض وبقي وجهه كالرغيف لا يعرف من ظهره؛ فأخبر به الرفاعي فنادى الطفل وقال " يا فلان اقعد ، فرفع الطفل رأسه فقام كأن لم يكن به ألم ، هكذا أحيى الطفل المقتول .

11 - قالوا: ( وكان إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء، ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئا فشيئا حتى يرد إلى حجمه المعتاد ويقول: لولا لطف الله بي ما رجعت إليكم).

هكذا كان ينقلب ماء ثم يتحول إنسانا !؟!

12 - قالوا : لقد أوصل رجلا من العراق إلى جزيرة في البحر المحيط في لحظة ثم أرجعه في لحظة ، وذلك بمناسبة قصة أشد خرافة من هذه .

13 - كان يقول للزائر بصوت جهوري من القبر : الحاجة قضيت.

14 - قالوا: إن الرفاعي كان يقول: إذا أراد الله عز وجل أن يرقى العبد إلى مقامات الرجال كلفه أولا بأمر نفسه، ثم بأهله، ثم بجيرانه، ثم

بأهل محلته، ثم بأهل بلده، ثم كلفه بالبلاد ثم كلفه بما بين السماء والأرض من الخلائق، ( ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق تعالى؛ وأطلعه على غيبه؛ حتى لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا بنظره؛ وهناك يتكلم عن الله بكلام لا يسعه عقول الخلائق؛ لأنه بحر عميق غرق في ساحله خلق كثير...)

15 - قالوا : إنه كان يقول : ( إن العبد إذا تمكن من الأحوال- بلغ محل القرب مع الله تعالى ، وصارت همته خارقة للسبع السماوات وصارت الأرضون كالخلخال برجله، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيء ....) ، إلى آخر تلك الكفريات التي في آخرها:

أنه يصل إلى حد يقول للشيء كن فيكون.

16 - قالوا : فيه : إن الرفاعي مر على جهنم فأراد أن يطفئها ببزاقه، فحالت الملائكة بينه وبينها .

17 - قالوا : كان الرفاعي ينقل الأمراض كالجرب عن مريض إلى آخر، ومن إنسان إلى خنزير، كما أنه كان يرد البصر إلى العميان.

18 - قلت: هذا عجيب؛ لأن الرفاعي كان أعور؛ فلم يستطع أن يهب نفسه عينا سليمة؛ فكيف يهب لغيره؟؛

ولذلك يسبه أعداؤه ويطعنون فيه بقولهم: يا أعور، يا دجال، يا من يستحل المحرمات، يا من يبدل القرآن، يا ملحد يا كلب ابن كلب ، يا مبتدع ، يا من جمع بين الرجال والنساء.

19 - إن الرفاعي كان يقول: الولي المتمكن يحيي الموتى، ثم قالوا : إنه أحيا الدجاجة، ومرة أحيا شاة مذبوحة، ومرة أحيا ثورا افترسته السباع، ومرة أحيا أكثر من مئة طير فطارت.

20 - قالوا : إن الرفاعي قد أمر كل من كانت له حاجة:

إن يولي وجهه شطر قبر الرفاعي من أي مكان في العالم، ويخطو ثلاث خطوات ، ويقسم على الرفاعي أن يقضي له حاجته.

21 - من أعظم كراماته وتصرفاته الكونية ما قالوا فيه من :

أن الرفاعي كان يصلي الصبح في مكة، والظهر في المدينة، والعصر في بيت المقدس، والمغرب في بعلبك، والعشاء في جبل قاف.

تنبيه: على خرافة لم تحدث للأولين ولا للآخرين غير الرفاعي .

لقد ذكرت القبورية ولا سيما الديوبندية خصوصا الشيخ زكريا إمام جماعة التبليغ (1402هـ):

وهي أن الرفاعي ( لما حج وقف تجاه الحجرة الشريفة النبوية، وأنشد:

في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض عني فهي نائبتي

وهذه نوبة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك قد تحظى بها شفتي

فخرجت اليد الشريفة من القبر حتى قبّلها والناس ينظرون).

وزاد شيخ التبليغية الديوبندية قوله : إن الذين زاروا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا تسعين ألفا تقريبا، ومنهم حضرة المحبوب السبحاني القطب الرباني الشيخ الجيلاني ، وذلك سنة ( 555هـ) .

قلت: كم من خلائق لا يعدهم العاد ولا يحصيهم إلا رب العباد قد أضلتهم القبورية بهذه الخرافة ، ولا سيما شيخ الإسلام زكريا إمام التبليغية؛ فإنه قد سجل هذه الخرافة في كتاب هو منهج لجماعة التبليغ؛ بل هو من أعظم مصاحف أهل البدع.

أقول: عند الديوبندية أمور أعظم من هذه الخرافة؛ فإن خروج اليد من القبر أهون بكثير من إتيان الموتى إلى الأحياء لقطع المنازعات، وفصل الأقضية، بأجسادهم العنصرية يقظة لا مناما. وهذه الخرافات القبورية والوثنيات الصوفية من تصرف الأرواح في الكون وتجسدها وإتيانها بالأجساد العنصرية أحياء يقظة لا مناما، مما تكتظ به كتب الديوبندية والتبليغية.

وللعلامة محمود شكري الآلوسي كلام مهم في إبطال هذه الأسطورة الرفاعية الديوبندية التبليغية، وإبطال خروج اليد الشريفة من القبر الشريف للرفاعي، ورؤية الجيلاني إياها، وتحقيق أنها أكذوبة قبورية وثنية. وكلامه هذا مما يقطع دابر القبورية عامة والديوبندية خاصة ولا سيما التبليغية منهم.

*******

الثالث

البدوي 675 هـ

لقد قرأت كثيرا من خرافات القبورية الوثنية* واطلعت على عجائب وغرائب من كفرياتهم في كتبهم الصوفية؛ فلم أجد أحدا غالت القبورية فيه كما غالت في هذا البدوي .

فأيها القارئ الكريم! إنك لو اطلعت على كفرياتهم ووثنياتهم

وغلوهم وزندقتهم وإلحادهم حول هذا البدوي، وجعلهم إياه إلها معبودا مطلقا، بل ربّا لهذا الكون كله علوه وسفله بره وبحره شرقه وغربه جنوبه وشماله سهله وحزنه ظاهره وباطنه، ومتصرفا فيه بما يشاء- نسيت غلوهم وكفرهم حول الجيلاني، والرفاعي وغيرهما؛ ممن جعلوهم آلهة وجعلوا قبورهم أوثانا يعبدونها من دون الله.

كما أنني لم أر نظيرا لاحتفال هؤلاء الزنادقة الملاحدة الوثنية بمولد البدوي من حيث ارتكابهم أنواعا من الكفر والشرك والفسق والفجور.

ومع ذلك كله تقول القبورية الكذبة: إن الشرك غير موجود* والكفر في هذه الأمة غير معهود*؟!؟

وأود أن أكتفي ببعض ما سجله الشعراني ذلكم الملحد الزنديق الوثني (973هـ) حول البدوي وتصرفه في الكون؛ مع ما سجله من قصة

فضاضة بكارة زوجته بدون حياء من العباد ولا من رب العباد؛ لأن هذا الوثني يعد من أعظم الأولياء في الأمة عند القبورية ، حتى الديوبندية، ولتكون في ذلك عبرة للمعتبرين ونكال للقبوريين الوثنيين:

قال الشعراني الوثني جهارا دون إسرار ولا حياء:

( وسبب حضوري مولده كل سنة:

1 - أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه أحد أركان بيته رحمه الله قد أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد [ البدوي ] رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح وقبضت على يدي.

2 - وقال [ الشناوي : يا ] سيدي [ البدوي ] ! يكون خاطرك عليه [ أي الشعراني ] ؛ واجعله تحت نظرك.

3 - [ قال الشعراني ] فسمعت سيدي أحمد [ البدوي ] رضي الله عنه من القبر يقول: نعم.

4 - ثم إني رأيته [ أي البدوي ] بمصر مرة أخرى...

5 - ثم رأيته بعد ذلك ، وقد أوقفني على جسر قحافة تجاه طندتا [ طنطا] ، فوجدته سورا محيطا.

6 - وقال [ لي ] : قف هنا أدخل علي من شئت وامنع من شئت.

7 - ولما دخلت بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن ، وهي بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها [ لعل البدوي سلبه قوة الجماع؟!؟].

8 - فجاءني [ البدوي ] وأخذني وهي معي.

9 - وفرش لي فرشا [ غرفة النوم للعروسين] فوق ركن القبة [ المبنية على قبر البدوي ] على يسار الداخل.

10 - وطبخ لي حلوى [ ليكون وليمة ] .

11 - ودعا الأحياء، والأموات [ من الأولياء ] إليه [ ليأكلوا من هذه الوليمة ] .

12 - وقال [ البدوي لي ] : أزل بكارتها هناك [ أي فوق قبة قبره] .

13 - [ قال الشعراني بدون حياء ] : فكان الأمر [ أي إزالة بكارتها] تلك الليلة [فوق قبة قبر البدوي ] .

14 - [ قال الشعراني ] : وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد [ للبدوي ] ، سنة ثمان وأربعين وتسع مئة. وكان هناك بعض الأولياء ؛ فأخبرني: أن سيدي أحمد[ البدوي ] رضي الله عنه [ ولعن أولياء الشيطان]

كان ذلك اليوم [ يوم مولده] يكشف الستر عن الضريح.

15 - ويقول- أبطأ عبد الوهاب [ الشعراني الوثني عابد البدوي ] ما جاء.

16 - [ قال الشعراني ] : وأردت التخلف [ عن مولد البدوي ] ، فرأيت سيدي أحمد [ البدوي ] ومعه جريدة خضراء.

17 - وهو يدعو الناس [ إلى الاحتفال بمولده والحضور إليه جبرا وقهرا وقسرا].

18 - من سائر الأقطار، والناس خلفه ويمينه وشماله : أمم لا يحصون [أفواجا كلهم يساقون قسرا وقهرا إلى مولده].

19 - فمر [ البدوي ] علي وأنا بمصر؛ فقال : أما تذهب [إلى مولدي] ؟!؟، فقلت: بي وجع. فقال: الوجع لا يمنع المحب [عن حضور مولدي].

20 - ثم أراني خلقا كثيرا من الأولياء وغيرهم الأحياء والأموات من الشيوخ [كلهم كانوا يساقون إلى مولده جبرا وقسرا وقهرا].

21 - وألزمني [ أي ربطني البدوي ] بأكفانهم يمشون ويزحفون معه؛ يحضرون المولد.

22 - ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الأفرنج، مقيدين، مغلولين، يزحفون على مقاعدهم ، [ للحضور لمولد البدوي ] ؛ فقال [ لي البدوي ] : انظر إلى هؤلاء في هذا الحال! ولا يتخلفون [ عن مولدي] .فقوي عزمي على الحضور [ لمولد البدوي ] ؛ فقلت له : إن شاء الله تعالى سنحضر.

23 - فقال: لا بد من الترسيم [ أي الرقابة والحجر والحرس ]

عليك!!!

24 - فرسم [ أي وكل ] علي سبعين عظيمين أسودين كالأفيال.

25 - وقال [ البدوي لهما ] : لا تفارقاه حتى تحضرا به ...

26 - [ قال الشعراني عن شخص إنه ] تخلف سنة عن الحضور [ للمولد] ، فعاتبه سيد أحمد [البدوي ] رضي الله عنه ، وقال [في إجلال مولده]: موضع يحضر فيه رسول الله والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه ، وأصحابهم والأولياء رضي الله عنهم ! ما تحضره !؟!...

27 - [قال هذا الوثني الشعراني ] : وقد اجتمعت مرة ...؛ بولي من أولياء الهند بمصر المحروسة...، فقلت له : من أي البلاد [أنت] ؟؛ فقال: من الهند! فقلت: ما حاجتك في مصر؟ فقال: حضرنا مولد سيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه . فقلت له : متى خرجت من الهند؟

28 - فقال: خرجنا يوم الثلاثاء، فنمنا ليلة الأربعاء عند سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم [بالمدينة] ، [وبتنا] ليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر [الجيلاني ] ببغداد ، [وبتنا] ليلة الجمعة عند سيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه بطندتا [ طنطا بمصر] . [قال الشعراني ] : فتعجبنا من ذلك!.

29 - فقال: [ ذلكم الولي الهندي الكذاب] : الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل .

30 - [ قال الشعراني الوثني ] : واجتمعنا به [ أي بذلك الولي الهندي] يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس [ أي بعد انتهاء الاحتفال بمولد البدوي بعد طلوع الشمس ] ؛ فقلنا لهم [ أي لهذا الولي الهندي ورفقته] : من عرفكم بسيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه في بلاد الهند !؟!.

31 - فقالوا : يا لله العجب ! أطفالنا الصغار لا يحلفون إلا ببركة

سيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه ، [ فلا يحلفون بالله ليكونوا أشنع شركا من الوثنية الأولى].

32 - وهو من أعظم أيمانهم . [ لأنه من أعظم إشراكهم بالله!].

33 - وهل أحد يجهل سيدي أحمد [ البدوي ] رضي الله عنه ؟!

34 - إن أولياء ما وراء البحر المحيط، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه [انتهى كلام الولي الهندي الكذاب] .

35 - [ ذكر الشعراني ] : أن شخصا أنكر حضور مولده [أي البدوي ] ؛ [لأجل ما في مولد البدوي من الشرك والكفر والفسق والفجور] ؛ فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام؛ [ أي جعله البدوي كافرا مسلوب الإيمان لأجل إنكاره على مولده].

36 - فاستغاث بسيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه ، [فأشرك بالله تعالى بجعل البدوي إلها ليعود إلى إسلام البدوية الشعرانية الوثنية القبورية ].

37 - فقال له البدوي : أقبل توبتك وأدخلك في إسلامنا [ بشرط أن لا تعود إلى الإنكار على ما يرتكب من الفسق والكفر في مولدي ] .

38 - فقال: [ ذلك المنكر على المولد] : نعم.

39 - فرد [ البدوي ] عليه ثوب إيمانه.

40 - ثم قال [ البدوي ] له : وماذا تنكر علينا [ في مولدنا] !؟! قال: [أنكر] اختلاط الرجال والنساء [ وما يرتكبونه من الفسق والفجور في مولدكم]!!! .

41 - فقال له سيدي أحمد [ البدوي ] رضي الله عنه : ذلك واقع في الطواف [بالكعبة]؛

ولم يمنع أحد منه !!! [فلم تنكر على مولدنا لأجل ما فيه من الفسق والفجور؟!؟].

42 - ثم قال [له البدوي ] وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي [سواء كان كفرا أو شركا أو زنا أو غيرها من الفسق والفجور] إلا تاب وحسنت توبته.

43 - [ قال الشعراني : قال البدوي ]: وإذا كنت أرعى الوحوش، والسمك في البحار،

44 - وأحميهم من بعضهم بعضا! 45- أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي؟!؟

46 - [ذكر الشعراني أن ] أحد العلماء بالمحلة الكبرى وأحد الصالحين بها، كان بمصر فجاء إلى بولاق فوجد الناس مهتمين بأمر المولد، والنزول في المراكب، فأنكر ذلك وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم صلى الله عليه وسلم مثل اهتمامهم بأحمد البدوي ...؛

47 - [قال الشعراني ] : فعزم عليه شخص فأطعمه سمكا؛ فدخلت حلقة شوكة تصلبت فلم يقدروا على نزولها بدهن عطاس ولا بحيلة من الحيل ، وورمت رقبته حتى صارت كخلاية النحل تسعة شهور؛ وهو لا يلتذ بطعام ولا شراب ولا منام.

48 - وأنساه الله تعالى السبب [ أي سبب دخول شوكة السمكة في حلقومه لأجل أنه أنكر على مولد البدوي ] ، فبعد التسعة شهور ذكره الله

بالسبب؛ 49- فقال- احملوني إلى قبة [ قبر] سيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه فأدخلوه [ إلى قبة قبر البدوي ليتوب ويخرج البدوي الشوكة من حلقومه].

50 - فشرع يقرأ سورة يس، فعطس عطسة شديدة ، فخرجت الشوكة مغمسة دما؛ 51- فقال: تبت إلى الله تعالى يا سيدي أحمد البدوي [ من الإنكار على مولدك].

52 - وذهب الوجع والورم من ساعته [ بكرامة البدوي ] .

53 - [ لما تاب عن الإنكار على مولد البدوي وأشرك بالله تعالى واستغاث بالبدوي وحمل إلى عبادة هذا الوثن ] .

54 - [ قال الشعراني ] : وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية إبيار بالغربية حضور أهل بلده إلى المولد؛ فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي [ أن لا تنكر على مولد البدوي ] ، فلم يرجع [ عن الإنكار على مولد البدوي ] .

55 - فاشتكاه [ الشناوي ] لسيدي أحمد [ البدوي الميت من زمان] فقال [ البدوي للشناوي : لا تحزن ]؛ 56- ستلطع له [ أي في هذا الرجل الذي ينكر على مولدي ] حبة [ دمل] ترعى فمه ولسانه .

57 - فطلعت [الحبة أي الدمل في فمه] من يومه ذلك؛

58 - وأتلفت وجهه ومات بها [ لأجل أنه أنكر على مولد البدوي ].

59 - [قال الشعراني ]: ووقع ابن اللبان في حق سيدي أحمد [البدوي ] رضي الله عنه ؛ 60- فسلب [ البدوي منه ] القرآن والعلم والإيمان [فصار جاهلا كافرا]؛ 61- فلم يزل يستغيث بالأولياء [ويشرك بالله عز وجل ]؛ 62- فلم يقدر أحد [من هؤلاء الأولياء] أن يدخل في أمره [ويشفع له عند البدوي خوفا منه وهيبة]؛ 63- فدلوه على سيدي ياقوت العرشي .

64 - فمضى [ العرشي في شفاعته] إلى سيدي أحمد [ البدوي ] رضي الله عنه ، 65- وكلمة في القبر [الذي كالقصر] ، وأجابه [ البدوي ]؛ 66- وقال [ العرشي ] له [ أي البدوي ] : أنت أبو الفتيان ! رد على هذا المسكين [ ابن اللبان ] رأسماله؛ 67- فقال [ البدوي : أرد عليه رأس ماله: القرآن والعلم والإيمان، ولكن] بشرط التوبة [من الإنكار عليّ]؛ 68- فتاب [ ابن اللبان من الوقوع في البدوي ]؛ 69- ورد [ البدوي ] عليه رأسماله [الذي سلبه منه البدوي، وهو

القرآن والعلم والإيمان]...

70 - [قال الشعراني عن خرافي آخر: إن البدوي ] بحر لا يدرك له قراره، 71- وأخباره ومجيئه بالأسرى من بلاد الإفرنج، 72- وإغاثة الناس من قطاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين من استنجد به - لا تحويه الدفاتر رضي الله عنه . [ عامله الله بما يستحقه].

73 - [قال الشعراني الوثني]: وقد شاهدت أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسع مئة أسيرا على منارة سيدي عبد العال رضي الله عنه ، مقيدا مغلولا، وهو مخبط العقل؛ 74- فسألته عن ذلك فقال [ ذلك الأسير القبوري الوثني] : بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد [ البدوي ] [لأن الاستغاثة بالله تضرني !؟!] .

75 - فإذا أنا به [ أي جاءني البدوي فورا ] فأخذني [ ورفعني من السجن] ، 76- وطار بي في الهواء، 77- فوضعني هنا [ أي أوصلني من بلاد الأفرنج إلى طنطا] ؛ 78- [قال الشعراني ] : فمكث [ ذلك الأسير] يومين ورأسه دائر عليه من شدة الخطفة[ التي خطفها البدوي لهذا الأسير] ، رضي الله عنه [ إذا

كان يستحق ذلك وإلا لعنة الله تخطفه وأمثاله] ...).

قلت: انظر أيها المسلم إلى هذه الوثنيات التي ذكرها هذا الوثني العشراني إضلالا مزيدا لإخوانه الوثنية القبورية!!

الرابع

الشاه نقشبند البخاري 791 هـ مؤسس الطريقة النقشبندية

فروعها المجددية، والديوبندية ، والتبليغية ، والفنجفيرية ، ونحوها.

1 - لقد غالت القبورية في هذا الرجل إلى حد جعلوه إلها كما جعلوا قبره وثنا يعبدونهما من دون الله سبحانه ، بل جعلوه ربّا لهذا الكون متصرفا

فيه حيث شاء؛ يعطي ويمنع* ويضر وينفع* ويرى ويسمع *ويعلم ويشفع* ويقلب ويدفع * ونحو ذلك.

2 - أقل ما قالوا فيه: إنه " الغوث الأعظم " و" غوث الخليقة " و " قطب الحقيقة " و"غوث الورى السبحاني ".

3 - كان يحيي ويميت.

4 - ولو شاء لجعل الجبل ذهبا.

5 - لو حرك كمه لجعل جميع أهل بخارى كبيرهم وصغيرهم والهين هائمين، ويتركون البيوت والدكاكين .

6 - وقال الشيخ أحمد السرهندي إمام الطريقة النقشبندية المجددية

(1034هـ) في بيان منزلة الشيخ نقشبند، بل في بيان منزلته نفسه أيضا: (كثيرا ما يعرج بي فوق العرش المجيد ، ولقد عرج بي مرة، فارتفعت فوقه بقدر ما بين مركز الأرض وبينه رأيت شاه نقشبند رضي الله عنه ).

7 - لقد رأيت عجائب من الكرامات وغرائب من المكاشفات والاطلاع على المغيبات التي سجلتها النقشبندية حول إمامهم نقشبند .

8 - ذكر النقشبندية في مناقب إمامهم نقشبند أنه قال: ( إن التعلق بالسوى حجاب عظيم للسالك ) ، ثم أنشد يقول:

إن التعلق بالسوى أقوى حجاب ... والتخلص منه فاتحة الوصول

فقال بعض مريديه : لقد خطر ببالي ساعتئذ: أن التعلق بالإيمان والإسلام أيضا كذلك؟!؟ فالتفت الشيخ نقشبند بالحال إليّ وتبسم ، ثم قال: ( أما سمعت قول الحلاج قدس الله سره وروحه : [هل روح الملحد الكافر مقدسة!؟!]:

كفرت بدين الله والكفر واجب ... لدي وعند المسلمين قبيح

9 - قلت: لو ثبت هذا على نقشبند وصح عنه، فلا أشك في أنه من كبار الملاحدة الزنادقة الكفرة بدين الله عز وجل ، ومن أتباع الحلاج إمام الملاحدة الزنادقة الحلولية الاتحادية، فضلا عن أن يكون وليا من أولياء الله

سبحانه.

هذه كانت نبذة عن منزلة نقشبند : إمام النقشبندية، المجددية، الديوبندية ، التبليغية ، الصفدرية، الفنجفيرية، وغيرهم من أكثر الحنفية.ألا يستحي الفنجفيرية والديوبندية أن ينتسبوا إلى نقشبند ؟!؟ مع دعواهم للتوحيد والسنة!.

وبعد ما عرفنا غلو القبورية في هؤلاء الأعلام الأربعة خاصة- ننتقل إلى الفصل الآتي لنعرف غلو القبورية في الأولياء عامة؛ * فأقول وبالله أستغيث وأستعين*؛ * إذ هو المستغاث المستعان المغيث المعين*:

الفصل الثالث

في غلو القبورية في الأولياء عامة

وفيه مباحث ثلاثة:

- الأولى: في بيان أمثلة متفرقة لغلو القبورية في الصالحين عامة.

- الثاني: في التنبيه على أمر مهم.

- الثالث: في التنبيه على أمر أهم من الأول .

المبحث الأول

في بيان أمثلة متفرقة لغلو القبورية في الصالحين عامة

لقد غالت القبورية في الصالحين عامة فاعتقدوا فيهم الألوهية، وعبدوهم من دون الله، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد.

بل جعلوهم أربابا لهذا الكون متصرفين فيه كيف يشاؤون.

واعتقدوا فيهم أنهم يعلمون المغيبات؛ حتى الأمور الخمسة.

وفيما يلي بعض أقوال القبورية التي تشهد لما ذكرت:

1 - هذه الأمور الخمسة يعلمها الأقطاب، فكيف بالغوث.

2 - الأولياء الذين يكون نظرهم في اللوح المحفوظ يعلمون هذه الأمور الخمسة.

3 - اللوح المحفوظ صدر العارف، متى توجه لشيء وجده أمامه.

4 - عند بعض الأولياء قدرة إن شاء ليسقط السماء على الأرض ويهلك من في الأرض ليفعلن ذلك.

5 - من شروط كمال الولاية أن لا يستقر نطفة في فرج أنثى إلا ينظر إليها ذلك الرجل.

6 - لا تجلس العصافير على قبر الولي إلا وهو يعرف الذكر منها والأنثى.

7 - الأولياء يرون اللوح المحفوظ.

8 - إن الأولياء هم أطفال الله تعالى، فهم يعلمون الغيب والشهادة.

9 - إن الأولياء تنكشف لهم العلوم الغيبية مما كان وما يكون وجميع علوم اللوح المحفوظ، وهم أحياء في قبورهم حياة أبدية وعلمهم وإدراكهم أقوى ، وسمعهم وبصرهم أقوى مما كان في حياتهم في الدنيا.

10 - إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه، وعند سؤال منكر ونكير له وعند الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط، ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف. وجميع الأئمة يشفعون في أتباعهم ويلاحظونهم في شدائدهم في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة حتى يجاوز الصراط.

11 -18- قالوا: إن من تصرفات الأولياء إحياء الموتى، من الناس

والطيور ، وكلام الموتى ، وانفلاق البحر وجفافه ، والمشي على الماء ، وانقلاب الأعيان كانقلاب الخمر عسلا أو سمنا ، وانزواء الأرض؛ بحيث يصل أحدهم من بلد إلى آخر في لحظة، وكلام الحيوانات والنباتات والجمادات، وإبراء العلل والعاهات، وطاعة الأسد والوحوش كركوب الأسد، وطي الزمان ونشره ، والإخبار بالمغيبات، والبلوغ إلى درجة مقام التصريف في الكون ، ورؤيته الأماكن البعيدة من وراء الحجب، والتطور والتشكل بأشكال مختلفة في صور متعددة، ورؤيته الكعبة والطائفين بها من مكان بعيد كمصر وغيرها ، بل طواف الكعبة بالأولياء، وخروج الكعبة لاستقبال الأولياء ، ووضع الحصير في الهواء والصلاة عليه، وسماع صوت الهواتف [ الهاتف الغيبي] ، وغيرها، وهذه كلها كرامات للأولياء.

19 - خروج الأولياء من القبور للمهمات من أعظم عقائد القبورية .

20 - وحصول الأبدان المتعددة لولي واحد في أمكنة متباعدة.

21 - بل قالوا : إن الولي إذا صلى المغرب ثم خطا خطوة إلى بلد آخر لم تغرب فيه الشمس لم تلزمه إعادة صلاة المغرب.

22 - وقال الكوثري (1371هـ) أحد أئمة القبورية والجهمية في آن واحد، ومجدد الماتريدية: ( إن الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية المشتاقة إلى الاتصال بالعالم العلوي بعد خروجها في ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة ، ومنازل القدس، ويظهر منها آثار في أحوال هذا العالم؛ فهي المدبرات أمرا).

23 - وقال التفتازاني فيلسوف الماتريدية (792هـ) ثم الكوثري واللفظ للأول: (ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع الملمات فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا بالبدن وبالتربة التي دفن فيها ؛ فإذا زار الحي تلك التربة وتوجهت نفسه تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات ).

24 - قلت: هذه الوثنية التفتازانية الكوثرية بعينها وثنية الفارابي (339هـ) وابن سينا الحنفي القرمطي (428هـ) .

25 - وقال الجرجاني الحنفي الصوفي الاتحادي (818هـ) ثم الكوثري (1371هـ) واللفظ للأول: ( ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين).

26 - وقال الكوثري الوثني الجهمي (1371هـ):

(إن النفس في الإفاضة والاستفاضة لم تكن مفتقرة إلى الآلة، فهي

أقوى بعد المفارقة عن البدن؛ فلا بد من الاستمداد بأرواح الأجلة؛ إذ هم المالكون لأزمة الأمور في نيل المراد.

والحاصل أن التصرف للأولياء كما هو ثابت في الحياة كذلك ثابت بعد الممات، بل هو أقوى، إذ هو أمر روحاني لا يعتريه الفوات).

27 - قلت: هكذا يعتقد هؤلاء الوثنية أن تصرف الولي بعد الموت أقوى مما كان في حياته.

28 - بل صرحوا بأن الميت أسرع قضاء للحاجة.

29 - وأن الولي بعد الموت أقوى تصرفا وسمعا لأصوات العالم ونصرا لهم.

30 - وقالوا : إن الولي في الدنيا كالسيف في الغمد، فإذا مات تجرد ، فيكون أقوى في التصرف .

31 - ومن وثنيات هؤلاء الوثنية: أن السماوات لا تقوم بغير الغوث.

32 - ومن كفريات القبورية قولهم: إن العارف يملك التصرف من العرش إلى الفرش .

قلت: فما بالك بالقطب والغوث ؟!؟

33 - ومن أوضح وثنيات القبورية ما قاله أحمد بن محمد الحموي الحنفي القبوري الوثني (1098هـ) إن تصرف الأولياء قد وصل إلى حد كانوا يبيعون المطر، وهذا مقام التصريف.

قلت: تعالى الله عما يشركون ؟.؟

34 - ومن خرافاتهم زعمهم : أن الأولياء في اليقظة يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى حالهم إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، وأنهم يشاهدون ملكوت السماوات والأرض، وينظرون الأنبياء أحياءً غير أموات.

35 - ومن أعظم كفرياتهم الفاضحة ووثنياتهم الواضحة ما قالوا : ( إن من كرامات الولي أن يقول للشيء كن فيكون ) .

36 - ومن أكبر وثنيات القبورية في بيان سعة علم الغيب للأولياء ، وسعة قدرتهم وتصرفهم في الكون ، وسرعة وصولهم إلى جميع الأمكنة لإغاثة المستغيثين بهم، وسماعهم لجميع الأصوات من قريب ومن بعيد، ولا سيما أصوات المستغيثين بهم ، وسرعة قضاء حوائجهم، ما قالوه : إن

جميع العالم في يد الأولياء أصحاب الأرواح القدسية، وأصحاب القوى والقدرة القدسية، كالكف أمام كل إنسان ، فهم مع كون أحدهم في مكان واحد، ينظرون إلى الكون نظر أحدنا إلى الكف، فهم حاضرون وناظرون في كل مكان من الكون، وإذا ناداهم أحد واستغاث بهم من أية بقعة كانت قريبة أم بعيدة، فهم يسمعون جميع تلك الأصوات ، ويغيثون جميع هؤلاء المستغيثين بهم ، ويقضون حوائجهم ، وهم يصلون إليهم لقضاء حوائجهم بأسرع سير، سواء كانوا يذهبون إليهم بأجسامهم المثالية، أم بأجسامهم العنصرية التي دفنت في قبورهم ، أم يذهبون إليهم بروحانيتهم . وهذه القدرة والتصرف والسماع والعلم والحضور في كل مكان ونظرهم إلى جميع الكون، كل ذلك ثابت لجميع الأولياء.

إلى غير ذلك من كفرياتهم ووثنياتهم التي سئمت من سرد بعضها وفيه كفاية.

وبعد هذا كله ننتقل إلى أمرين مهمين، والثاني أهم من الأول؛ لتعلقهما بخرافات من القبورية في غلوهم في الصالحين بل الطالحين، فأقول والله المعين المغيث المستعان * فبه أستعين وأستغيث وعليه التكلان*:

المبحث الثاني

في التنبيه على أمر مهم

لقد رأيت في كلام صبغة الله المجددي - أحد قادة الأفغان- كلاما يعج بكفر سافر وشرك ماكر يفوق شرك مشركي العرب، أذكره ههنا للعبرة، ولما فيه من شرك واضح في ربوبية الله سبحانه فضلا عن الألوهية:

قال: إن الأولياء الكرام والصوفية العظام يعتقدون : أن جميع أمور الحل والعقد في هذا العالم تصدر أولا من الله سبحانه وتعالى إلى الملائكة ، ثم تطبيق هذه الأمور كلها يكون من قبل الأولياء الكرام.

وقد جاء في بعض كتب التصوف : أن كل سنة ينعقد مؤتمر من قبل الأولياء الكرام المتصرفين في الأرض باسم " ديوان الصالحين "، والغالب أنه يحضره روح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون أعضاء هذا الديوان غوث الوقت وقطب الوقت وأفراد الأولياء. وإذا حضر روح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الديوان يكون غوث الوقت منشئا لذلك الديوان ونائبا عنه، وإذا لم يحضر روح رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون غوث الوقت رئيس مجلس الديوان، وقطب الوقت يكون منشئا للديوان ونائبا عن الغوث، ووظيفة هذا الديوان هي تنفيذ الأوامر الصادرة من الله عز وجل وتطبيقها بالقدرة التي منحهم الله تعالى إياها. وقد نقل عن الصوفية الكرام: أن لكل بلد من البلدان الموجودة على وجه

الأرض مدبرا ، ومتصرفا يتصرف فيه من هؤلاء الأولياء، وطريقة التصرف : أن الله تعالى يصدر الأوامر إلى هذا الولي ويكون هذا الولي موظفا لتطبيق تلك الأوامر وتنفيذها، فوضع البلاد من الاضطراب والسكون مرتبط بطبيعة ذلك الولي المدير لتلك البلاد، وحسب مزاج ذلك الولي المتصرف فيها:

فإذا كان الولي المتصرف في بلد صاحب الجلال والنشاط والحركة والشدة؛ تكون في ذلك البلد انقلابات واضطرابات وأخذ ورد، أما إذا كان الولي المتصرف في بلد هينا لينا يكون السكون هو السائد على ذلك البلد كما هو المشاهد.

فالمتصرفون في البلاد نوعان؛ نوع من حيث الشدة في المزاج، ونوع من حيث اللين في المزاج.

والآن أضرب مثالين:

المثال الأول: هو أن رجلا من محبوبي الله تعالى نزل مدينة بخارى، فرأى أن الأمن والاستقرار سائدان على هذه المدينة، فأراد أن يفتش عن ولي مدبر متصرف في هذه المدينة، فبينما هو كذلك ، إذ رأى رجلا في السوق يبيع الكراث، - وكان متصرفا ومدبرا لهذه المدينة-، فسلم هذا الولي الزائر عليه ودفع إليه شيئا من المال ليشتري منه حزمة من الكراث، فهذا البائع للكراث - الذي كان متصرفا في هذه المدينة- عمد إلى أحسن نوع من الكراث وأعطاه حزمة جيدة.

فغضب هذا الولي المشتري وقال للولي البائع المدبر لهذه المدينة: إن كل ما عندك من الكراث فاسد غير صالح. فقال الولي البائع للولي المشتري: لا تغضب ولا تحزن أعطيك حزمة أخرى؛ فلما سمع الولي

المشتري كلام البائع المتصرف في هذه المدينة عرف أنه هو المدبر القائم على تدبير هذه المدينة، وقبل يديه، وقال له : إن هذا الأمن والاستقرار السائدين في هذه المدينة لأجل أن في مزاجك لينا وسماحة وصبرا وتأنيا وحلما.

المثال الثاني: هو أن هذا الولي الزائر المذكور قد زار مدينة بخارى مرة ثانية بعد سنين متطاولة، فرأى فيها الانقلاب والاضطراب والهرج والمرج ، فأراد أن يفتش عن الولي المدبر لهذه المدينة المتصرف فيها القائم بأمورها، فبعد تفتيش وسعي وتعب رأى رجلا سقاءً حاملا قربة ماء ليسقي الناس- وكان وليا متصرفا في هذه المدينة- فذهب إليه وقال له اسقني ماء. فهذا السقاء الولي المتصرف في هذه المدينة ناوله كأسا ، ولكن هذا الولي الزائر قال له : إن ماءك غير صالح، وأريد منك ماءً طاهرا. فغضب هذا السقاء الولي المدبر لهذه المدينة لكونه جلاليا، وقال : هل ظننت بي أنني مثل ذلك الولي بائع الكراث.

فعلم هذا الولي الزائر أن هذا السقاء الجلالي هو المدبر لهذه المدينة القائم بأمورها؛ حيث إن ذلك الهرج والمرج والاضطراب مطابق لجلالية هذا الولي.

وبعد ذلك كله سلط ناس على مدينة بخارى فحرقوا المدارس والمكتبات وقتلوا العلماء وأبادوا الروحانيين [يعني الصوفية] ، وصاروا مهاجرين مثلكم [ يعني أنتم الأفغان]، فوقع في بال أحد محبوبي الله فقال لم وقعت مدينة بخارى في مثل هذه الكارثة بعد حضارتها وعظمتها؟ ثم رأى في توجهه الروحاني حضرت شاه نقشبند بهاء الدين مصرف البلاد الشمس المشرقة بعالم فخر قطر

بخارى قطب ظاهرة الولاية بهاء الحق والدين، رآه بعيدا بعيدا، فقال: " قيدونا أولا، ثم جاءوا بالروس ثانيا "...).

قلت: هذا الذي ذكره صبغة الله المجددي الأفغاني هو دين الصوفية الوثنية الزنادقة الملاحدة، فلهم عجائب من الكفر والمروق في وصف ديوان الأولياء، وما فيه من تصرفات الأغواث والأقطاب في هذا الكون وتدبيرهم له.

وأقول : هذا هو دين المجاهد العظيم القائد صبغة الله المجددي الحنفي الصوفي الخرافي الذي انتخب أول رئيس للدولة الإسلامية في أفغانستان !؟!؛

أهذا هو نتيجة ذلكم الجهاد المستطر !؟!؛ أهذا كان هو المرجو والمنتظر !؟!؛

إذا كان رب البيت بالطبل راضيا ... فلا تلم الأولاد فيه على الرقص

إذا لم يكن صدر المجالس سيدا ... فلا خير فيمن صدرته المجالس

وبعد معرفة الأمر المهم الأول، ننتقل إلى الأمر الثاني الأهم من الأول؛ لنعرف ماذا يعتقد أئمة الفنجفيرية والتبليغية: الديوبنديون * والله المستعان على ما يصفون*

*********

المبحث الثالث

في التنبيه على أمر أهم من الأول

لقد كنت أحسن الظن بالديوبندية؛ لما عندهم من العلوم الجمة والعقول والرد على القبورية في كثير من البدع والشركيات.

ولكن رأيت عندهم من الشركيات والقبوريات الوثنيات، وتصرف الأرواح، والاستفاضة من القبور والاستمداد من روحانية المشائخ شيئا كثيرا، هو كنموذج من خرافاتهم القبورية التي لم أطلع عليها وهي تدل على ما وراءها مما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

ولقد توصلت إلى أنه لا فرق بين البريلوية وبين الديوبندية في هذه القبوريات إلا في أمور :

الأول: الإفراط في الغلو: فإن البريلوية قد أفرطوا في الغلو في الصالحين؛ فهم غلاة الغلاة، بخلاف الديوبندية فإنهم من الغلاة ، ولكنهم دون البريلوية .

الثاني: أن البريلوية يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما كان وما يكون بخلاف الديوبندية .

الثالث: أن البريلوية يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم نور لا بشر، بخلاف الديوبندية .

الرابع: أن البريلوية صرحاء في القبورية والوثنية، بخلاف الديوبندية؛ فإنهم يتظاهرون بالتوحيد!!! الخامس: أن البريلوية مطردون لأقوالهم في الوثنية؛ فهم غير متناقضين، بخلاف الديوبندية؛ فإنهم تارة يردون على القبورية، ثم تراهم يرتكبون أفكارا قبورية ، فهم بالنسبة إلى البريلوية كالماتريدية والأشعرية بالنسبة إلى الجهمية الأولى.

السادس: أنه يوجد بين الديوبندية من وفق لمطالعة كتب الأئمة الأعلام: شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الإمام (751هـ) ومجدد الدعوة الهمام( 1206هـ) ، فعرفوا جانبا كبيرا من توحيد الألوهية فتجردوا للرد على القبورية كالفنجفيرية ونحوهم ممن عرفوا بعض جوانب التوحيد، بخلاف البريلوية؛ فهم كلهم قبورية وثنية والله المستعان على ما يصفون.

ولذلك ألف أرشد القادري أحد كبار كتاب البريلوية كتابا بعنوان " الزلزلة "؛ ذكر فيه نصوصا كثيرة جدا من كتب الديوبندية المقدسة عندهم لكبار أئمة الديوبندية؛ أمثال: "الأرواح الثلاثة " و" السوانح القاسمية " و" أشرف السوانح " و " الأنفاس القدسية " و" الكرامات الإمدادية " و" تذكرة الرشيد " و" نقش الحياة " و" حياة الولي "، وغيرها من كتبهم المقدسة.

وهذه النصوص التي ذكرها ذلك البريلوي في كتابه " الزلزلة " تنادي وتصرخ بالوثنية القبورية.

وإنما جمع ذلك البريلوي تلك النصوص في كتب الديوبندية؛ ليبين لأهل الإنصاف أن البريلوية ليسوا متفردين بتلك العقائد القبورية، بل

الديوبندية شركاؤهم وخلطاؤهم في ذلك كله.

فلم هذا الطعن في البريلوية فقط ؟ ولم هذا التنابز والتنابذ والتقاطع للبريلوية دون الديوبندية؟ هذا هو موضوع كتاب " الزلزلة ".

وهذا الكتاب قد زلزل الديوبندية كلهم بدون شك، ولا محيد لهم ولا مفر إلا أن يتوبوا إلى عز وجل ؛ أو يقولوا للبريلوية: نحن وأنتم إخوان خلطاء في القبورية.

قلت: أصل السر والسبب الوحيد لانخراط الديوبندية في العقائد القبورية هو أنهم صوفية نقشبندية أصحاب بيعة.

ولذلك اعترف بهذا السبب أحد كبار كتاب الديوبندية؛ ألا وهو الشيخ " عامر العثماني مدير مجلة التجلي بديوبند " في صدد كلامه على كتاب " الزلزلة " معترفا بجميع ما نسب فيه إلى الديوبندية من الخرافات القبورية ، مبينا سبب انخراط مشايخه الديوبندية في القبوريات؛ وقال: إن السبب الوحيد لوقوع مشايخنا الديوبندية في الخرافات القبورية هو أنهم كانوا صوفية مع علومهم الجمة، والشخص مهما كان محتاطا في التصوف ، وعلى حذر منه؛ يدخل عليه تصوفه أنواعا من الكشوف والكرامات؛ وأنواعا من الأساطير في التصرفات في الكون.

ثم مما زاد الطين بلة: أن هؤلاء المريدين للمشايخ لأجل غلوهم في المشايخ يبالغون في تعظيمهم، فينسجون حولهم ما يضاد الكتاب والسنة والعقائد الإسلامية، ولذا يقول الذين يرون الكتاب والسنة معيارا وميزانا للحق: إن التصوف أفيون وتخدير وسفسطة وعدو للشريعة، وكل ما أورده أرشد القادري من النصوص عن كتب مشايخنا الديوبندية فهو موجود في كتب مشايخنا؛ وإن صاحب الزلزلة لم يرتكب أي

نوع من الخيانة في النقل؛ فهو قد نقل تلك النصوص بغاية الأمانة والدقة.

وقد كشف لنا أرشد القادري بكتابه الزلزلة عجائب من الخرافات التي توجد في كتبنا المقدسة؛ بحيث اندهشت من تلك الخرافات وأقول: أستغفر الله ثم أستغفر الله.

وأقول : إن جرائد الفسق والفجور لم تضر الإسلام كما ضرت تلك الكتب التي نقدسها ونعظمها. وأقول أيضا: إن ما أورده أرشد القادري في كتابه " الزلزلة " على مشايخنا من الإيرادات والاعتراضات فهي حق وثابتة لا يمكن أن يجيب عنها شخص منطقي كبير، ولا علامة الدهر؛ لأنها حقائق ثابتة موجودة في كتب مشايخنا.

وقد ذكر الشيخ عامر العثماني سببا آخر أيضا: وهو أن التقليد الأعمى الذي هو داء عضال قد سرى في عروق الديوبندية؛ فهم يزعمون أن مشايخنا محفوظون عن الخطأ ، ويعظمون مشايخهم إلى حد لا يرون الفضل إلا فيهم؛ فكل ما يصدر عنهم فهم يسلمونه كالحقائق المسلمة... إلى آخر ما ذكره واعترف به الشيخ عامر العثماني أحد كبار كتب الديوبندية .

أقول: بعد هذا يحسن أن أذكر بعض الأمثلة من خرافات الديوبندية التي تشهد عليهم بأنهم قبورية لتكون شواهد قواطع لما قلت، ويكون ذلك تصديقا لكتاب " الزلزلة " ، وتأكيدا لما اعترف به الشيخ عامر العثماني الديوبندي، وبيانا للحقيقة التي خفيت على كثير من الناس، حتى على كثير من أهل التوحيد من أن الديوبندية أهل التوحيد والسنة.

وليس ذلك من باب تتبع العورات ، بل من باب الجرح والرد على أهل البدع وقلع بدعهم؛ لأن الديوبندية مع تلك الخرافات القبورية المكشوفة السافرة الظاهرة لم يرجعوا إلى التوحيد الصحيح، بل هم مصرون على ما في كتبهم القبورية الخرافية الصوفية ؛ فبها يعتنون وبها يدينون وبها يوالون ويعادون، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فأمرهم الآن كما كان :

المثال الأول: أنه قد تقدم أن الديوبندية يعتقدون في الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) أنه " الغوث الأعظم " و" غوث الثقلين " ، كما قالوا في إمام النقشبندية: إنه " غوث الورى السبحاني "، وهذه جريمة قبورية ووثنية سافرة.

ولا تنس أيها القارئ معنى " الغوث " عند الصوفية.

المثال الثاني: أنه قد بالغت الديوبندية وأفرطت في نصب العداء لأهل التوحيد الذي يسمونهم " الوهابية "، ولهم في شتمهم وسبهم عجائب يستحي منها من عنده حياء ولا يرتكب مثل هذه الأفعال إلا من لا يخاف الله رب العالمين . وقد تقدم نماذج من ذلك.

ولذا أتمثل بقول الشاعر:

عجبت لشيخ يأمر الناس بالتقى ... وما راقب الرحمن يوما وما اتقى

المثال الثالث: أنه قد ألف الشيخ خليل أحمد السهارنفوري

(1346هـ) كتابه المعروف " المهند على المفند "، والشيخ حسين أحمد المدني (1377هـ) كتابه المشهور " الشهاب الثاقب "؛ وكلاهما في البراءة من عقائد أهل التوحيد الذين يسمونهم " الوهابية ".

وهما من أعظم أكابر الأئمة الديوبندية؛ وهذان الكتابان مكتظان بالخرافات القبورية والخزعبلات الصوفية، وكلاهما من أقدس كتب الديوبندية المعول عليها، ولا سيما " المهند على المفند "؛ فإنه في صلب عقيدة الديوبندية؛ ولذا سمي " عقائد علماء أهل السنة الديوبند" . وقرظه كبار أئمة الديوبندية .

المثال الرابع: أن كتاب " المهند على المفند " باللغة العربية، وقد ترجم قريبا إلى اللغة الأردية، وطبعت الترجمة مع الأصل، وسميت الترجمة " ماضي الشفرتين على خادع أهل الحرمين "؛ وكم أضلت هذه الترجمة من خلائق لا يحصون..

*وهذا برهان على أن الديوبندية الآن * على ما كانوا عليه في سابق الزمان*

المثال الخامس: أن لكبار أئمة الديوبندية كتبا يقدسها الديوبندية، وهي مكتظة بالخرافات القبورية والوثنيات الصوفية ، نحو " الأرواح الثالثة " و " إمداد المشتاق " و " تذكرة الخليل " و " تذكرة الرشيد " و " السوانح القاسمية " و " أشرف السوانح " و " نقش الحياة " و " أب حيات " أي " ماء الحياة " و " تبليغي نصاب " أي " نصاب التبليغ " و" منهج التبليغ " وغيرها.

وهؤلاء الديوبندية لم يعلنوا البراءة من هذه الكتب ولا حذروا منها ولا أوقفوا طباعتها ولا منعوا بيعها ولا شراءها، وأسواق الهند وباكستان وغيرها مكتظة بها.

المثال السادس : أن الشيخ حمد الله الداجوي الباكستاني - هو من أكبر علماء الديوبندية في مناطق بشاور والديار الأفغانية وقد تجرد للدعوة السافرة إلى الوثنية، وقد ألف كتابا ضخما في الدعوة إلى القبورية سماه " البصائر " ونقل جل نصوصه عن كتب الديوبندية، ولم ينقل نصا واحدا عن البريلوية. والديوبندية في تلك البلاد كلهم تبعوا هذا الوثني، ولم يعارضه من الديوبندية إلا عدة أعيان خرجوا عن خرافات الديوبندية في توحيد الألوهية فقط كالفنجفيرية.

المثال السابع: أنه قد ظهر كتاب جديد بعنوان " إمام الزنادقة ابن تيمية " لمجموعة من علماء الديوبندية في مناطق بشاور ومردان وسوات ودير من مناطق باكستان؛

* وفي هذا الكتاب عجب العجاب* من الوثنيات والشتائم والسباب*

المثال الثامن : أنه من ذا الذي لم يعرف الكوثري؟ فالكوثري إمام القبورية والجهمية وشيخ عصبة التعصب في آن واحد، وشتائمه لأئمة السنة وولوغه في علماء الأمة، ولا سيما شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الإمام (751هـ) ومجدد الدعوة الهمام ( 1206هـ) مما لا يخفى على من يهتم بالتوحيد وأهله، ويعرف البدعة وأهلها.

ومن أخبث كتب الكوثري على الإطلاق كتب ثلاثة؛ " تبديد الظلام " ( الرد على النونية ) ، و " المقالات "، و " التأنيب ". وهذه الكتب كلها معظمة عند الديوبندية.

وإن كنت في شك من ذلك فعليك بمقدمة البنوري الكوثري أحد أئمة الديوبندية (1397هـ) التي كتبها في إجلال هذه الكتب الثلاثة.

وفي الكتابين الأولين عجائب من الوثنيات السافرة والقبوريات الماكرة الفاجرة.

الحاصل: أن للكوثري موقعا عظيما في قلوب الديوبندية ومن الإعظام له ولكتبه ومقالاته الوثنية الجهمية والإجلال ما لا يخطر بالبال.

المثال التاسع: أن المفتي عبد الشكور بن عبد الكريم - هو من كبار علماء الديوبندية المعاصرة، وهو مدير المدرسة الحقانية بمدينة ساهيوال بباكستان- قد ألف كتابا بعنوان " فيض روحاني أو أولياء رباني " يعني " الفيض الروحاني من الأولياء الربانيين "، وألف كتابا آخر سماه " عقائد أهل السنة والجماعة "، واسمه الآخر: " خلاصة عقائد علماء الديوبندية "؛ والكتاب مشتمل على (52) عقيدة، والكتاب فيه دعوة سافرة إلى الوثنية، وعليه تقريظات لخمسة عشر علما من كبار أعلام الديوبندية، منهم تقريظ

لرئيس المدرسة الديوبندية: الشيخ محمد طيب الملقب عند الديوبندية بحكيم الإسلام، وحجة الإسلام (1404هـ).

ومن عجب العجاب أن هذا الكتاب الوثني قد طبع في آخر كتاب " المهند على المفند " طبعة جديدة حديثة؛ وهذا سلطان قاهر وبرهان باهر على أن الخلف على قبورية السلف من الديوبندية !؟!.

المثال العاشر: أن الشيخ غلام الله الديوبندي الباكستاني (1980م) رحمه الله قد ألف كتابا في التفسير سماه " جواهر القرآن "؛ أجاد فيه الرد على القبورية وبين وثنيتهم فجزاه الله عن التوحيد وأهله خير الجزاء.

ولما كان شاذا عن عقائد الديوبندية عند جمهور الديوبندية تصدى له الشيخ عبد الشكور المذكور وكيل الديوبندية؛ فألف في الرد عليه كتابا سماه " هداية الحيران في جواهر القرآن " حقق فيه أنه قد شذ عن الديوبندية وخرج على عقائدهم. وكتابه " هداية الحيران " أيضا دعوة إلى القبورية، وقد شحن فيه نصوصا من كتب كبار أعلام الديوبندية لمناصرته والرد على مؤلف " جواهر القرآن ".

المثال الحادي عشر: أن الشيخ محمد طاهر بن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1407هـ) ، من معاصري الديوبندية الباكستانية-رحمه الله تعالى- قد وفقه الله تعالى لمطالعة كتب أئمة الإسلام ولا سيما شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الهمام (751هـ) ومجدد الدعوة الإمام (1206هـ) فتجرد للرد على القبورية ، وشن الغارة عليهم، فنفع الله به خلقا كثيرا، وانتشر تلاميذه في مناطق بشاور والقبائل الحرة وأفغانستان ( مع ما عنده من العقائد الماتريدية والأفكار الصوفية النقشبندية وطامات الديوبندية والتعصب للمذهب الحنفي الكوثري).

ولكن الديوبندية عارضوه وصاروا ضده وعليه يدا واحدة ورموه عن قوس واحدة وحاربوه وشنوا عليه الغارات زعما منهم أنه شذ عن جماعة الديوبندية والتحق بالوهابية.

قلت: كان رحمه الله حنفيّا متعصبا ماتريديا جلدا نقشبنديا صوفيا بحتا، ولكن كان ذنبه عند الديوبندية أنه كان حربا شعواء على القبورية، فرحمه الله رحمة واسعة وإيانا، وسامحه وغفر لنا وله.

المثال الثاني عشر: أن الديوبندية في مناطق بشاور قد أعادوا طباعة كتاب خرافي وثني لرجل خرافي وثني ألا وهو كتب " غوث العباد " لمصطفى أبي سيف الحمامي الزيني الأزهري المصري (1368هـ).

وهؤلاء الديوبندية وعلى رأسهم إمامهم في الوثنية: الشيخ حمد الله الداجوي الباكستاني الأفغاني قد نشروا هذا الكتاب وطبعوه في آخر كتاب " البصائر " لحمد الله الداجوي المذكور ؛ كأنه تتمة للأول وجزء ثان له..

قال الداجوي الديوبندي في سبب إلحاق " غوث العباد " بكتابه " البصائر " :

(خاتمة الطبع: الحمد لله الذي وفقنا لطبع كتاب " غوث العباد "؛ فإنه لما كان في كتاب " البصائر " [ للداجوي نفسه] بيان أحوال ابن تيمية ، وبعد ما طبع الكتاب المذكور [أي البصائر] - وصل إليّ كتاب " غوث العباد " فيه تأكيد ما أقول ومزيد تفصيل وتحقيق في بعض المسائل؛ فإن صاحب البيت أدرى بما فيه- أردت أن ألحقها بكتاب " البصائر "

تأييدا ومن الله التأييد، وبه الاعتصام. وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

العبد الأواه محمد حمد الله الداجوي، 20 \ رمضان المبارك سنة 1385هـ) .

المثال الثالث عشر: أن الديوبندية كلهم جميعا صوفية نقشبندية أصحاب بيعة .

حتى الفنجفيرية الرادين على القبور منهم.

أقول : لا تنس أيها القارئ الكريم اعتراف الشيخ عامر العثماني أحد كتاب الديوبندية: بأن سبب انخراط مشايخنا الديوبندية في الخرافات القبورية إنما هو التصوف.

والديوبندية الفنجفيرية يوصون تلاميذهم: أن يكونوا صوفية، وأن تكون الطرق الأربعة الصوفية عندهم كالمذاهب الأربعة الفقهية.

المثال الرابع عشر: عقيدة الديوبندية في تصرف الأموات وتجسد الأرواح وتدمير الأعداء ونصر الأولياء:

قال القاضي ثناء الله الباني بتي أحد كبار أعاظم أئمة الديوبندية الملقب عندهم ببيهقي الوقت (1225هـ) ، في تفسير قوله تعالى : { بَلْ أَحْيَاءٌ } [البقرة: 154]: ( يعني أن الله يعطي لأرواحهم قوة الأجساد، فيذهبون من الأرض والسماء والجنة حيث يشاؤون؛ وينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم).

قلت: تدبر أيها المسلم إلى هذه الوثنية السافرة...

ولقد استدل بكلام هذا القاضي ونقله الداجوي الديوبندي، وغيره.

واحتج البريلوية على الديوبندية بكلام إمامهم هذا إتماما للحجة عليهم.

هكذا عقيدة تصرف الأرواح وإتيانها إلى أبواب بيوتهم، وتسرفها في

الإنسان الحي وغيره، من أوضح عقائد الديوبندية.

تنبيه: لقد شن الفنجفيرية الغارة على هذا الداجوي لأجل هذه الخرافات، والفنجفيرية في ذلك على حق.. ولكن هذا الداجوي إنما تبع أئمته الديوبندية، فما بال الفنجفيريه يعظمون الباني بتي ويحكمون على الداجوي بأنه مشرك؟!؟

المثال الخامس عشر: أن عقيدة إتيان الموتى في أجسادهم العنصرية البشرية المادية للقضاء والفصل يقظة - من أعظم عقائد كبار أئمة الديوبندية، ولهم في هذا الباب أساطير عجيبة غريبة؛ ومنها إتيان إمام الديوبندية ومؤسس مدرستهم: الشيخ النانوتوي (1297هـ) لفصل القضاء على المخاصمة التي وقعت في مدرسة ديوبند.

وللشيخ أشرف علي التهانوي الملقب بحكيم الأمة عند الديوبندية (1362هـ) عجائب في التعليق على هذه القصة، فزاد الطين بلة* والمريض علة*

وللديوبندية أعاجيب في الدفاع عن هذه الأساطير.

وقد احتجت البريلوية على الديوبندية بهذه الأسطورة الوثنية. وفي ذلك عبرة ونكال فهل من مدكر ؟!؟ .

قصة أخرى: في إتيان إمام الديوبندية بعد موته لمناظرة عالم ديوبندي في مناظرته لرجل بريلوي، ولم يكن لهذا الديوبندي المسكين بمناظرة هذا البريلوي القوي أي قبل وقوة، وكاد أن ينهزم لولا إتيان النانوتي لمناصرته ؟!؟

أسطورة ثالثة: في إتيان الخواجة الأجميري الجشتي إمام الصوفية الجشتية ( 627 هـ ) لمناصرة الشيخ إمداد الله إمام أئمة الديوبندية في التصوف والبيعة (1317هـ) وذلك يقظة دون منام وبجسده العنصري البشري الدنيوي ، والقصة طويلة ، ولكنها وثنية محضة.

المثال السادس عشر: أن عقيدة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما في هذه الحياة الدنيا من أبرز العقائد الديوبندية .

و الديوبندية قد ادعوا وقوع ذلك، ولهم في ذلك أساطير.

وقد ادعى ذلك قبلهم كثير من الصوفية؛ ومنهم التفتازاني فيلسوف

الماتريدية والقبورية (792هـ) ؛ حيث إنه ادعى رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه تفل في فيه فتضلع علما ونورا.

وقد صدقه في هذا الإفك البواح كله بعض الديوبندية.

وللسيوطي في ذلك رسالة خرافية، سماها: " تنوير الحلك في إمكانية رؤية النبي والملك " .

فالديوبندية قد ورثت ميراث الخرافة من سلفهم أهل الخرافة!؟!. ولا يخفى مفاسدها.

المثال السابع عشر: خرافة أسطورة خروج يد رسول الله صلى الله عليه وسلم للرفاعي (578هـ) سنة (555هـ) وقد زارها حوالي (90000) شخص؛ منهم القطب الرباني الشيخ الجيلاني (561هـ) .

المثال الثامن عشر: أن عقيدة الاستمداد من أهل القبور وروحانية المشايخ وحصور الفيض من قبورهم وصدورهم من أعظم عقائد أكابر الديوبندية .

وقد صرح الشيخ أنور شاه الملقب عندهم بإمام العصر ( 1352هـ) بأن الاستفاضة من أهل القبور تجوز لكونها ثابتة عند أرباب الحقائق

الصوفية.

قلت: هذه ظاهرة وثنية قبورية ؟!؟

وللديوبندية في ذلك عجائب وغرائب واهتمام بالغ واعتناء كامل.

وقد احتجت البريلوية بهذه النصوص الوثنية على الديوبندية وقالوا للديوبندية: أنتم إذا تجوزون الاستمداد من الأموات إلى هذا الحد فلم تنكرون علينا؟!؟

المثال التاسع عشر: أن عقيدة الاستغاثة والاستعانة بالأموات من أكبر عقائد الديوبندية ، وإليكم نص ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني (1369هـ) ؛ قال في تفسير قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5]:

( علم من هذه الآية الشريفة : أنه لا يجوز الاستمداد في الحقيقة من غير الله؛ ولكن إذا جعل شخص مقبول واسطة لرحمة الله، ويطلب منه العون على اعتقاد أنه غير مستقل في الإعانة، فهذا جائز ؛ لأن هذه الاستعانة بهذا الولي في الحقيقة استعانة بالله تعالى ).

وقالوا: إن الاستمداد من أرواح الأموات هو عقيدة جميع أهل السنة بدليل أن الله تعالى قد سخر الملائكة لإعانة خلفه ومددهم.

قلت: هذا الذي قاله هؤلاء الديوبندية هو اعتقاد جميع القبورية في استغاثتهم بالأموات* والاستعانة منهم عند إلمام الملمات * فكلهم يقولون : إننا لا نستغيث بالأولياء على اعتقاد أنهم مستقلون بالنفع والضر؛ بل إن الله تعالى جعلهم وسيلة وواسطة بينه وبين عباده لقضاء حوائجهم.

وقالوا : لا يتحقق الشرك إلا إذا اعتقد أحد فيهم الاستقلال بالنفع والضر والقدرة دون العطاء من الله تعالى .

وقد أبطلت هذه العقيدة بكلام علماء الحنفية بحمد الله وبينت على لسان علماء الحنفية: أن المشركين السابقين أيضا لم يعتقدوا في آلهتهم القدرة الذاتية والاستقلال بالنفع والضر، وإنما كان شركهم شرك الشفاعة والواسطة والتوسل.

فكلام الديوبندية وغيرهم من القبورية لا يختلف عن كلام المشركين السابقين.

المثال العشرون: أن العكوف والمراقبة إلى القبور من سمات أكابر علماء الديوبندية .

فقد ذهب الشيخ خليل أحمد السهارنفوري (1346هـ) مؤلف المهند على المفند، وبذل المجهود، وأحد كبار أئمة الديوبندية بمرافقة الشيخ أشرف علي التهانوي الملقب عند الديوبندية بحكيم الأمة الديوبندية (1362هـ) إلى ضريح الخواجة معين الدين الأجميري إمام الصوفية الجشتية ( 627هـ) وبمجرد وصوله إلى قبره جلس إلى القبر مراقبا، واستغرق في المراقبة إلى حد لم يشعر بما جرى وبما يجري ، والناس كانوا يسجدون إلى القبر ويطوفون به ويرتكبون أنواعا من الشرك.

قلت: مع هذا الشرك البواح لم تتمعر جباه هؤلاء الأئمة، ولم ينكروا على هؤلاء الوثنية الذين جعلوا هذا القبر وثنا يعبدونه من دون الله بكلمة واحدة؛ بل جلس هذا الإمام للمراقبة إلى القبر لأن هذا كان يهمه وقد فعل! وقد صرح الشيخ رشيد أحمد الجنجوهي ( 1323هـ) الإمام الثاني للديوبندية بأن الشيخ الحاج [ أظنه إمداد الله (1317هـ) شيخ الديوبندية ] قد جلس مراقبا إلى قبر الحضرة قلندر إلى آخر القصة التي فيها عبرة ونكال .

ومن العجاب العجاب أن أئمة الديوبندية قد يذكرون هذه الأساطير الوثنية بدون أي إنكار عليها كأنها وحي من السماء ؟!؟ بل يعدونها من أعظم المناقب وأكبر الكرامات ، سبحان قاسم العقول !!!

وكل هذا من آفة التصوف والجهل بحقيقة توحيد الأنبياء والمرسلين.

ومع ذلك كله يقول الديوبندية إن أئمتنا جمعوا بين الشريعة والطريقة وجعلوا الطريقة خادمة للشريعة، وأخذوا لب التصوف وتركوا قشره، ونظفوا التصوف من كل باطل وخرافة، وأخذوا التصوف النقي الطاهر.

المثال الحادي والعشرون : أن عقيدة وحدة الوجود من العقائد الصوفية القبورية التي تسربت إلى كبار مشايخ الديوبندية وأئمتهم الأجلة وأكابرهم.

1 - وقد اعترف الشاه أنور الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) بأن مشايخنا مولعون بعقيدة وحدة الوجود ولكني لست بمتشدد فيها .

2 - وقال الشيخ حكيم الأمة ( أمة الديوبندية ) أشرف علي التهانوي (1362هـ) أحد كبار أئمة الديوبندية وشيخهم الثالث في التصوف ، عن الشيخ إمداد الله إمام الديوبندية وشيخهم الأول في التصوف (1317هـ) أنه قال: ( أعجبني بعض الأمور الطيبة في الحرمين :

منها أن عقيدة وحدة الوجود انتشرت كثيرا في الناس وارتكزت فيهم حتى الأطفال، فقد ذهبت مرة إلى مسجد قباء، فسمعت شخصا يقول: يا الله يا موجود فقال الآخر : بل في كل الوجود.

فلما سمعت ذلك- طرأ علي حال؛ ثم رأيت الأطفال يلعبون،

فقال أحدهم: يا الله ليس غيرك. فطربت منه إلى حد زالت قواي؛ فقلت لهم: لم تذبحونني ؟!؟).

تنبيه : الذي يعتقد عقيدة وحدة الوجود يقال له : " الموحد " عند الصوفية الوجودية الاتحادية.

بناء على هذا الاصطلاح الوثني استمع أيها المسلم للقصة التالية:

3 - قال حكيم أمة الديوبندية (1362هـ) عن الشيخ إمداد الله الشيخ الأول في التصوف للديوبندية ( 1317هـ) : (قيل لموحد: إذا كان الحلوى والخرء شيئا واحدا فكل الحلوى والخرء جميعا!!! فجعل هذا الموحد شكله شكل الخنزير، فأكل الخرء ثم حول نفسه من صورة الخنزير إلى صورة الآدمي، فأكل الحلوى )...

وقد علق على هذه الأسطورة الإلحادية الوثنية والوجودية الصوفية الشيخ أشرف علي الملقب بحكيم الأمة فقال:

(إن هذا المعترض على هذا الموحد كان غبيا؛ ولذلك تكلف هذا الموحد هذا التصرف، وإلا فالجواب ظاهر وهو أن الحلوى والخرء متحدان في الحقيقة لا في الأحكام والآثار).

قلت: أيها المسلم دقق النظر في هذه الأسطورة الإمدادية الديوبندية الصوفية الاتحادية، وهذا التعليق الأشرفي الحكيمي الديوبندية الصوفي الإلحادي يتبين لك فيها الطامات الآتية:

الأولى: تسمية هذا الاتحادي الصوفي الإلحادي " موحدا " ؛ فالصوفية الاتحادية والحلولية الإلحادية لا يسمون الشخص موحدا إلا إذا أنكر توحيد الأنبياء والمرسلين، واعتقد أن الله تعالى هو كل شيء وهو الاتحاد أو أنه تعالى هو كل شيء، وهو الحلول.

وأما الجهمية الأولى: فيسمون معطل الصفات والأسماء موحدا.

وأما المعتزلة : فيسمون معطل الصفات موحدا.

وأما الماتريدية والأشعرية: فيسمون معطل بعض الصفات موحدا.

وأما القبورية : فيسمون المستغيث بالأموات موحدا.

الطامة الثانية : أن هذا الولي الموحد الاتحادي الإلحادي الوثني- !!! قد وصل في القدرة والتصرف إلى حد كان قادرا على قلب الأعيان والحقائق !!!؛ حتى قلب نفسه خنزيرا ثم انقلب من الخنزير آدميا بقدرة كن فيكون !!!

الطامة الثالثة : عقيدة وحدة الوجود:

وأن جميع ما في هذا الكون شيء واحد في الحقيقة ؛ وإنما الفرق في الأحكام والآثار؛ وأن الخالق والمخلوق شيء واحد في الحقيقة؛ فما ثم إلا هو؛ وإنما الفرق بالاعتبار لا بالحقيقة.

الطامة الرابعة: تناول هذا الولي الموحد الإلحادي الاتحادي الوثني الخرء وأكله إياه بعدما انقلب خنزيرا أنجس الحيوانات في خلق الله تعالى ؛ ويلزم هذا الخنزير أن يجامع أمه وأخته وبنته ومحارمه؛ لأن هذا الولي لما انقلب خنزيرا حل له أكل أغلظ النجاسات وهو الخرء؛ فيحل له وطء المحارم أيضا؛ لأن الخنزير غير مكلف فلا محارم له ؟!؟

الطامة الخامسة: مناصرة ذلك الولي الاتحادي الإلحادي الوثني والدفاع عنه؛ والطعن فيمن ينكر على هؤلاء الملاحدة، ممن لا يعتقد عقيدة وحدة الوجود بأنه غبي أحمق في الاعتراض على ذلك الولي الموحد الإلحادي الاتحادي الوثني !!؟!!

4 -ولقد قال بعض الصوفية الملاحدة الاتحادية:

إنني قد سجدت لله حينما لم تكن ذات الله ولا صفاته.

فقال الشيخ أشرف علي التهانوي عن شيخ الديوبندية إمداد الله : إن معناه : أنني عبدت الله حينما كان الله في مرتبة الأعيان، ولم يكن وقت الظهور العيني لذاته وصفاته.

5 - وقد قال كثير من الصوفية الملاحدة الزنادقة الاتحادية الإلحادية بقدم العالم؛ فقال الشيخ أشرف علي حكيم أمة الديوبندية (1362هـ) عن

الشيخ الأول في التصوف للديوبندية إمداد الله (1317هـ ):

إن معناه أن العالم قديم في مرتبة الأعيان ؛ لأن هذا النور والشعاع لصفات الله تعالى؛ وصفاته قديمة.

6 - وقد صرح شيخ الديوبندية إمداد الله بعقيدة وحدة الوجود في صدد الثناء على الله تعالى .

7 - كما صرح بأن عقيدة وحدة الوجود هي عقيدته وعقيدة جميع مشايخه وعقيدة جميع مريديه وذكر فيهم الشيخ النانوتوي الإمام الأول للديوبندية والشيخ الجنجوهي الإمام الثاني للديوبندية.

8 - ومن شعار الديوبندية في باب وحدة الوجود قولهم: ( لا موجود إلا الله ولا مقصود إلا الله ولا محبوب إلا الله).

9 - ومن شعارهم ما يرددون من قول الحلاج ( 309هـ) : ( سبحاني ما أعظم شأني).

10 - ومن مظاهر عقيدة وحدة الوجود عند أئمة الديوبندية ما ذكره الشيخ أشرف علي الملقب بحكيم الأمة عند الديوبندية عن شيخ الديوبندية في التصوف إمداد الله (1317هـ) : أنه قال : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان واصلا بالحق سبحانه صح أن يقال لعباد الله: عباد الرسول؛ كما قال

تعالى : { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } [ الزمر : 53] ، فضمير ياء المتكلم في قوله : يا عبادي يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ).

وقد علق عليه الشيخ حكيم الأمة بقوله : ( إن القرينة أيضا تؤكد هذا المعنى ؛ لأن الله تعالى قال بعده : { لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } ، ولو كان ضمير ياء المتكلم في قوله : يا عبادي يرجع إلى الله تعالى- لكان المناسب أن يقول : لا تقنطوا من رحمتي ... ) .

11 - وقد حكى الديوبندية عن شيخهم إمداد الله (1317هـ) أنه قال: ... لي انشراح الصدر في مسألة وحدة الوجود، وقالوا : إن الشيخ كان إذا تكلم في وحدة الوجود يطرأ على السامعين الاطمئنان والوجد.

قلت: هذا هو التصوف التقي النقي اللب الخالص من القشور كما تزعم الديوبندية !؟! نعم تصوف الديوبندية نقي خالص، ولكن عن توحيد الأنبياء والمرسلين * وعن سنة السلف الصالح أئمة هذا الدين*

المثال الثاني والعشرون : خرافة عجيبة غريبة ذكرها حكيم الأمة عن شيخ الديوبندية إمداد الله : أنه قال : ( لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم والتقى بموسى عليه السلام؛ استفسره موسى عليه السلام ، وقال : إنك قلت: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " !! ، كيف يصح هذا ؟!؟

فحضر حجة الإسلام الغزالي، وسلّم بإضافة: " وبركاته

ومغفرته " .

فقال له موسى عليه السلام: ما هذا الطول أمام الأكابر " ؟! فقال له الغزالي : إن الله تعالى قال لك : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى } [ طه :17]، فلمَ طولت في الجواب، وقلت: { هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [ طه : 18] ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغزالي : " أدب يا غزالي ")..

وقد علق على هذه الأسطورة حكيم أمة الديوبندية فقال: قوله : " أدب يا غزالي " يمكن أنه كشف لأحد الأكابر، وأن هذه المكالمة بين الغزالي وبين موسى في المعراج أيضا كشفت له لأن هناك اجتماع الأرواح وليس المراد المعراج الجسدي..).

أقول: تفكّر أيها القارئ طالب الحق في هذه الأسطورة كم فيها من الطامات:

الطامة الأولى: نسبة حديث " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه حديث لا أصل له موضوع * باطل مختلق مصنوع *.

الطامة الثانية: تصرف روح الغزالي وقدرته إلى أن وصل إلى مجلس الأنبياء والمرسلين في السماوات العلى ؟!؟

الطامة الثالثة: انهزام موسى عليه السلام . في المناظرة أمام الغزالي، وغلبة الغزالي على موسى عليه السلام !؟!

الطامة الرابعة: نسبة قول " أدب يا غزالي " إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس بكلام عربي فصيح، بل هو كلام ركيك عربية نحوية. والعبارة الفصيحة أن يقال : " الأدب أيها الغزالي ".

قلت: هذا كله من آفات التصوف النقي اللب الخالص من القشور الذي يدعيه الديوبندية ؟!

المثال الثالث والعشرون: أسطورة الكلب الولي صاحب الكرامة :

قال الشيخ حكيم أمة الديوبندية عن شيخ الديوبندية إمداد الله (1317هـ) أنه قال : ( كان الحضرة الجنيد البغدادي جالسا ، فمر كلب أمامه ، فوقع نظره عليه ؛ فصار الكلب صاحب الكمال إلى حد تبعته كلاب تلك المدينة، ثم جلس ذلك الكلب في مكان ، وجلست تلك الكلاب حوله كالحلقة، وانشغلت كلها في المراقبة).

قلت: هذه حالة الكلب في الكمال والولاية والكرامة لأجل نظرة وقعت عليه من نظرات الجنيد؛ فما ظنك بإنسان وقعت عليه نظرة من نظراته ؟!؟

المثال الرابع والعشرون : قول الديوبندية في قدرة الأولياء أحياء وأمواتا ومدهم لزوارهم :

1 - قال الشيخ نصر الدين الغورغشتوي إمام الديوبندية في مناطق بشاور وأفغانستان ( 1388هـ):

( إن للأولياء مددا ظاهرا بالغا لزوارهم بحسب أدبهم).

2 - قالوا : ( إن للأولياء قدرة من الله تعالى إلى حد يستطيعون أن يقدروا على السهم المتدفق المرسل من القوس؛ فيردوه إلى القوس قبل أن يصل إلى الهدف، ويستطيعون أن يجعلوا " قل " [ أي كن ] بدل " لا تقل " [أي لا تكن ] ، وأن هذا من الكرامات الحسية).

3 - قالوا : ( إن شخصا صاحب الكشف أراد زيارة قبر الحافظ محمد ضامن رحمة الله عليه ليقرأ عليه سورة الفاتحة؛ فلما ذهب إلى قبره وقرأ عليه سورة الفاتحة، قال لرفقته : إن هذا الولي مزّاح عجيب إلى الغاية؛ لأنني حينما كنت أقرأ عليه سورة الفاتحة قال لي : اذهب إلى ميت فاقرأ عليه الفاتحة !!! ماذا تصنع ههنا ؟!؟ جئت لتقرأ الفاتحة على الأحياء)!!!

يعني : أن هذا الولي يقول: أنا حي لا حاجة لي أن تقرأ عليّ الفاتحة، اذهب إلى ميت فاقرأ عليه !؟!

قلت: انظر أيها المسلم إلى قدرة هذا الولي المقبور الحي في قبره؛ حيث إنه قد سمع سورة الفاتحة وعلم بالزائر ثم كلمه ذلك الكلام الذي فيه سخرية ومزاح ، وإخبار بأنه حي لا يحتاج إلى الفاتحة ، وأن الفاتحة لا تقرأ إلى على ميت !؟!

ثم انظر إلى صاحب هذا الكشف الزائر وقدرته على سماع كلام المقبور، مع أنه لم يرد السفر إلى زيارة القبور؛ كما أنه لم يرد قراءة الفاتحة عليها.

ولكن كل ذلك من شؤم التصوف القبوري الذي يزعمون أنه نقي وتقي ولب خالص عن القشور!؟!

المثال الخامس والعشرون: أن شد الرحال إلى القبور والسفر والحج إليها من أفصح عقائد الديوبندية .

فقد تقدم عدة أقوال لهم في هذا الباب.

بل قالوا : إنه ينبغي أن يجرد الزائر نيته للسفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المسجد تابعا للقبر الشريف .

المثال السادس والعشرون: التبركات البدعية:

عند الديوبندية ولا سيما أئمتهم وأكابرهم عجائب وغرائب من التبركات البدعية، كل ذلك من ظواهر الصوفية ومظاهر القبورية .

وإليكم بعض النماذج من تلك التبركات البدعية:

1 - التبرك بختم كتاب " إحياء العلوم " للغزالي (505هـ).

قلت: هل يتبرك بكتاب صوفي قبوري خرافي ؟!؟.

وللقبورية الصوفية شغف عظيم بهذا الكتاب، وهو مصحف من مصاحف الصوفية والقبورية جميعا؛ وقد حكوا عن الإمام النواوي رحمه الله تعالى ( 676هـ) أنه قال: " كاد الإحياء أن يكون قرآنا ".

قلت: لم يحققوا ثبوت هذه المقالة على النووي وما أظنها إلا كذبا عليه.

2 - التبرك بالمثنوي للرومي الحنفي ( 672هـ) إمام الصوفية المولوية .

للديوبندية شغف بهذا المصحف وختمه والاحتفال به، وقد تهافت عليه القبورية الرومية والتركية والإيرانية والأفغانية والهندية تهافت الفراش على النار.

وقد سماه القبورية : " قرآنا بهلويا "؛ أي : القرآن الفارسي.

وقال الرومي نفسه في الثناء على كتابه المثنوي مضاهئا به القرآن : (... بأيدي سفرة كرام بررة* يمنعون أن لا يمسه إلا المطهرون * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...) .

3 -11- التبركات بالحجرة النبوية والتبرك بالغلاف والتبرك بتمر المدينة النبوية والتبرك بنوى التمر والتبرك بتراب الحجرة الشريفة والتبرك بأقمشة المدينة وثيابها، بل التبرك بالزيت المحروق في الحجرة الشريفة والتبرك بإدخال الأطفال إلى الحجرة الشريفة.

12 -15-التبركات بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وموضع جلوسه، وما مسته يده الشريفة، وما مرت عليه قدمه صلى الله عليه وسلم وكذا المنبر.

المثال السابع والعشرون : اهتمام الديوبندية بدلائل الخيرات للجزولي الخرافي (863هـ) أو (870هـ) .

درسا وقراءة ورواية وإجازة.

وهذه آية القبورية الواضحة الفاضحة.

المثال الثامن والعشرون: شغف الديوبندية بقصيدة البردة، للبوصيري (696هـ) الخرافي القبوري الصوفي.

درسا وقراءة ورواية وإجازة وهي متوارثة عندهم.

وللقبورية عامة إعظام وإجلال لها وتبرك بها.

وقال الشيخ حسين أحمد أحد كبار أئمة الديوبندية (1377هـ) في المقارنة بين أهل التوحيد الذين يسمونهم " الوهابية " وبين الديوبندية :

( إن الوهابية الخبيثة تستقبح جدّا قراءة دلائل الخيرات، والقصيدة البردية ، والقصيدة الهمزية ، ويجعلون بعض آيات قصيدة البردة من قبيل الشرك؛ كقول البوصيري :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

مع أن أئمتنا وأكابرنا كانوا يأمرون مريديهم بقراءة مثل هذه الكتب ويجيزونها؛ والشيخ محمد قاسم النانوتوي والشيخ الجنجوهي رحمهما الله أجازا قراءتها لآلاف من الناس، وكانا يقرآنها. وقد أنشد الشيخ محمد قاسم النانوتوي مثل هذا البيت الذي في قصيدة البردة فقال:

انصر أيها الكرم الأحمدي لأنه ليس لقاسم أحد سواك، فإذا أنت لم تسأل عن حالنا فمن يسأل، ومن يكون معينا لنا غيرك؟!؟).

المثال التاسع والعشرون : إجلال الديوبندية للملاحدة الزنادقة الوجودية الإلحادية الاتحادية الحلولية ؛ من الصوفية القبورية الوثنية؛ فقد قال الشيخ حسين أحمد صدر المدرسين بدار العلوم ديوبند وأحد كبار أئمة الديوبندية (1377هـ) في المقارنة بين أهل التوحيد الذين يسمونهم " الوهابية " وبين الديوبندية :

( إن الوهابية يطعنون في أئمة الطريقة أمثال الخواجة بهاء الدين نقشبند والخواجة معين الدين الجشتي وغوث الثقلين عبد القادر الجيلاني والشيخ الأكبر ابن عربي والشيخ عبد الوهاب الشعراني وغيرهم قدس الله أسرارهم أجمعين، ويسيئون الأدب في حقهم.

لكن أئمة الديوبندية يحبون هؤلاء ويعظمونهم، ويرون أن التوسل بمحبتهم وتعظيمهم مفيد إلى الغاية وضروري وباعث للبركات وموجب لرضا الله سبحانه وتعالى .

الحاصل: أنه لا علاقة لعقائد الوهابية بأكابر الديوبندية ).

المثال الثلاثون : أن التوسل بالصالحين أحياء وأمواتا، بل التوسل بأمثال ابن عربي الاتحادي الملحد الوجودي (638هـ) والشعراني الوثني (973هـ) من أعظم عقائد الديوبندية.

وقد جعلوا مسألة التوسل بالأحياء والأموات من المسائل التي امتازت الديوبندية بها عن الوهابية .

المثال الواحد والثلاثون: غلو الديوبندية في التقليد الأعمى إلى حد اعترفوا بأن الحق في مسألة كذا مذهب الشافعي . ولكن مقلدون يجب علينا تقليد إمامنا أبي حنيفة .

وقالوا: المنتقل من مذهب إلى آخر يستوجب التعزير ولو باجتهاد وبرهان.

قلت: هذا الغلو في التقليد هو في الحقيقة نوع من أنواع الشرك إذ هو من اتخاذ الأئمة أربابا من دون الله تعالى . وهذا النوع من الطاعة المطلقة لغير الله شرك بالله عز وجل .

ومن هذا القبيل عدم تجويز إمام الفنجفيرية الانتقال من مذهب إلى آخر.

المثال الثاني والثلاثون: عقيدة الديوبندية في اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ :

قال القاضي الباني بتي (1255هـ) شيخ الديوبندية والملقب عندهم ببيهقي الوقت، وتبعه الشيخ صفدر الديوبندي، واللفظ للأول:

( ومن هذا القبيل ما قيل: إنه قد ينكشف على بعض الأولياء في

بعض الأحيان اللوح المحفوظ: فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق ...).

المثال الثالث والثلاثون: خَلْعُ إمامِ الديوبندية * على الجيلاني خِلْعةَ الألوهية *

لقد وقفت على كفر بواح * وشرك صراح * لم أره عند الأولين* ولا عند الآخرين* من قبورية هذه الأمة الإسلامية* إلا عند مشركي الجاهلية * وهو أنّ إمداد إمام الديوبندية * قد نص على أنّ الجيلاني فاز بمرتبة الألوهية * حيث قال: ( لقد تناظر رجلان فقال أحدهما: إنّ الشيخ معين الدين الجشتي رحمة الله عليه أفضلُ من الحضرة الغوث الأعظمِ [ الجيلاني ] قدس سره.

وقال الآخرُ: إنّ الحضرة الغوث المطهر [ الجيلانيّ ] أفضل من الشيخ [ الجشتيّ ]؛ فقلت: لا ينبغي لنا أن نفضل بعض الأولياء على بعض، وإن كان الله تعالى قال: { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } .

فقال [ مُفَضِّلُ الجيلانيّ على الجشتيِّ ] : لما قال الحضرة الغوث المطهر [ الجيلانيُّ ]: " قدمي على رقاب أولياء الله "-

قال الحضرة معين الدين [الجشتي ] : " بل على عيني ".

فثبت أفضليةُ الغوث [ الجيلانيِّ ] [ على الجشتيِّ ] .

[ قال إمداد الله إمام الديوبندية ] فقلت: هذا يدل على أفضلية الحضرة معين الدين [الجشتيِّ ] على الحضرة الغوث [ الجيلانيِّ ]؛ لأن الحضرة الغوث [ الجيلانيَّ ] في ذلك الوقت كان في مرتبة " الألوهية " وكان الحضرة الشيخ [الجشتيّ ] في مرتبة " العبودية ".

قلت: سبحانه وتعالى عن أن يكون معه أحد في مرتبة " الألوهية " !!!، والغوثية ؟؟؟.

وأقول: ما كنت أظن أن الديوبندية قد وصلوا في خرافاتهم القبورية الصوفية إلى حد التنصيص على " ألوهية " الجيلاني .

ولكن تبين أن الديوبندية كمن قيل فيه:

"

وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذ إنه عبد القفا واللهازم

" وأقول أيضا: قد كنت أسمع أن كتب الديوبندية مكتظة بالخرافات القبورية الصوفية، ولكن كنت أستنكر تلك الأخبار ، وأستكبرها، وأستكثرها عليهم، وكنت أقول: لعلها كذب عليهم؛ لما عندهم من العلوم الجمة وتظاهرهم بالسنة؛ ثم لما أمعنت النظر في كتبهم- وجدت عندهم من الطامات القبورية والخزعبلات الصوفية ما لا يخطر بالبال، فكان الأمر كما قيل:

"

وأستنكر الأخبار قبل لقائه ... لما التقينا صدّق الخبرَ الخبرُ

"

هذه عدة أمثلة كقطرة من البحر أو حبة من الصبرة، ذكرتها لبيان أن الديوبندية قبورية إلا من شاء الله منهم.

فهل يشك أحد في قبوريتهم؟ وقد رأيتم تصوفهم النقي فما ظنكم بغير النقي؟!؟

"

فحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح

"

وللتفصيل موضع آخر؛ "

ولو كان هذا موضع القول لاشتفى ... به القلب لكن للمقال مواضع

"

وبعد هذا ننتقل إلى ذكر جهود علماء الحنفية* في الرد على هذه العقائد القبورية* والله المستعان * وعليه التكلان .

القسم الثاني

في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين

وفيه فصول ثلاثة:

- الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال الغلو إجمالا.

- الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات، وسماعهم نداء المستغيثين بهم عند الكربات.

- الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية بجعلهم النبي نورا لا بشرا.

الفصل الأول

في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين إجمالا

وفيه مطالب ثلاثة:

- المطلب الأول: في استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال غلو القبورية في الصالحين.

- المطلب الثاني: في استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال غلو القبورية في الصالحين.

- المطلب الثالث: في نصوص علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين.

الفصل الأول

في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين

لعلماء الحنفية جهود كثيرة في ذم الغلو وإبطاله وذم أهله ، وقد صرحوا بأن الغلو في الصالحين هو من أعظم أسباب وقوع بني آدم في الشرك.

وعلماء الحنفية قد استدلوا في صدد إبطالهم الغلو بالكتاب والسنة. لذا أرى من المناسب أن أجعل هذا الفصل في ثلاثة مطالب:

المطلب الأول:

في استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين.

المطلب الثاني:

في استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين.

المطلب الثالث:

في نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين.

المطلب الأول

في استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين

لقد استدل علماء الحنفية بعدة آيات من آي الذكر الحكيم على إبطال الغلو في الصالحين، أكتفي بذكر آيتين منها مع تفسير الحنفية:

الآية الأولى : قوله تعالى : { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ } [ النساء : 171 ] .

الآية الثانية: قوله تعالى : { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [ المائدة: 77] .

قد استدل علماء الحنفية بهاتين الآيتين على إبطال الغلو في الصالحين وتقرير استدلالهم هو : أن الله تعالى قد بين : أن النصارى قد ضلوا بسبب أنهم قد غلوا في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام .

حيث إنهم رفعوه فوق منزلته البشرية العبدية الرسولية إلى درجة الألوهية.

وأن اليهود قد ضلوا وأضلوا كثيرا من الناس عن التوحيد بسبب غلوهم في الدين وتجاوزهم الحدود في الشرع.

وفيما يلي بعض نصوص علماء الحنفية في تقرير استدلالهم بهاتين الآيتين:

1 - قال الإمام أبو الليث السمرقندي (375هـ) في تفسير الآية الأولى:

(قال بعض أهل اللغة: " الغلو " مجاوزة القدر في الظلم ، ويقال : " الغلو " أن تجاوز ما حد لك ...، يعني: لا تفرطوا في دينكم ، فإن دين الله بين المقصر والمغالي، وغلا في القول: إذا تجاوز الحد ).

ثم ذم رحمه الله النصارى بسبب غلوهم في عيسى عليه السلام.

2 - وقال رحمه الله في تفسير الآية الثانية:

(يقول: لا تجاوزوا الحد ، و" الغلو " هو الإفراط، والاعتداء، ويقال: لا تتعمقوا..).

3 -6- وقال الزمخشري (538 هـ)، والنسفي (710 هـ) ، والعمادي (983 هـ)، والألوسي (1270 هـ) ، واللفظ للأخير:

( { لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } : أي لا تتجاوزوا الحد، وهو نهي للنصارى عن رفع عيسى عليه الصلاة والسلام عن رتبة الرسالة إلى ما تقولوا في حقه من العظمة، وكذا عن رفع أمه عن رتبة الصديقية إلى ما تنحلوه لها عليها السلام، ونهي لليهود- على تقدير دخولهم في الخطاب- عن وصفهم له عليه السلام، وكذا لأمة عن الرتبة العلية إلى ما افتروه من الباطل والكلام

الشنيع، وذكرهم بعنوان أهل الكتاب، للإيمان إلى أن في كتابهم ما ينهاهم عن الغلو في دينهم، { غَيْرَ الْحَقِّ } : نصب على أنه صفة مصدر محذوف : " أي غلو غير الحق "، وتوصيفه به للتوكيد، فإن الغلو لا يكون إلا غير الحق على ما قاله الراغب ..).

7 - وقال البروسوي (1137 هـ) في تفسير الآية الأولى:

( أي لا تجاوزوا الحد في دينكم بالإفراط في رفع شأن عيسى وادعاء ألوهيته ، والغلو: مجاوزة الحد .

واعلم : أن الغلو والمبالغة في الدين والمذهب حتى يجاوز حده غير مرضي، كما أن كثيرا من هذه الأمة غلوا في مذهبهم.

فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حتى ادعوا ألوهيته...).

قلت: هذه كانت نصوص لهؤلاء العلماء من الحنفية في تفسير هاتين الآيتين ، وهي كما ترى رد على اليهود والنصارى وإبطال لغلوهم.

كذلك رد على القبورية وإبطال لغلوهم في الصالحين ووصفهم بصفات رب العالمين.

وقد استدل كثير من علماء الحنفية بهاتين الآيتين وغيرهما على ذم الغلو وإبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين، وصرحوا بأن الغلو في الصالحين من أعظم أسباب الكفر والشرك وعبادة غير الله.

المطلب الثاني

في استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين

لقد استدل علماء الحنفية بعدة أحاديث على إبطال الغلو في الصالحين وذم أهل الغلو، أذكر منها ثلاثة أحاديث مع أقوال الحنفية في شرحها:

الحديث الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » .

وقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث على ذم الغلو.

الحديث الثاني:

قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما »

« أنا عبده، فقولوا : عبد الله ورسوله » .

وقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث على ذم الغلو في الصالحين.

وذكروا : أن الإطراء هو المديح بالباطل والإفراط في المدح ومجاوزة الحد والكذب فيه. كما فعلته النصارى في شأن عيسى عليه السلام حيث ادعت فيه الألوهية.

واستدلوا به على إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين، وصرحوا بأن سبب وقوع القبورية في أنواع من الشرك إنما هو غلوهم في الصالحين.

الحديث الثالث:

قول النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا: « هلك المتنطعون » .

وقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث على ذم الغلو، وقالوا: إن المتنطع هو المتعمق المغالي في الكلام.

ولا شك أن القبورية من أعظم المتنطعين المغالين في الصالحين الناذرين لهم والمستغيثين بهم عند الكربات * والعابدين لهم بأنواع من العبادات *.

المطلب الثالث

في نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين وتحقيق علماء الحنفية أن الغلو من أعظم أسباب وقوع القبورية في أنواع من الشركيات

لقد ذكرت استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة على إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين.

وفي هذا المطلب أذكر عدة أقوال لعلماء الحنفية في الرد على غلو القبورية في الصالحين وتحقيق أن سبب وقوع القبورية في الشرك- هو غلوهم في الصالحين:

1 -6- قال الإمام محمود الآلوسي (1170هـ) ، وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ)، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) ، والشيخ غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن ، والعلامة الرباطي، والعلامة الرستمي :

(وفي قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا } [ الحج :73] إلخ..- إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون : إنهم وسائلنا إلى الله...

ورأيت كثيرا منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعا في قبورهم..

وإذا طولبوا بالدليل قالوا : ثبت ذلك بالكشف...

قاتلهم الله. ما أجهلهم. وأكثر افتراءهم.

ومنهم من يزعم : أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة، وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم متشكلة، وتطوف حيث شاءت ، وربما تشكلت بصورة أسد ، أو غزال ، أو نحوه...

وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة * وكلام سلف الأمة* وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة: من اليهود والنصارى ، وكذا لأهل النحل والدهرية ، نسأل الله تعالى العفو والعافية ).

7 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ):

( وقد علمت : أن الذي أوقع المشركين السابقين في شبكة الشرك هو غلوهم في المخلوق، وإثبات خصائص الألوهية لغير الله سبحانه، كما هو ديدن غلاة زماننا، كالعراقي [ابن جرجيس ] وأضرابه).

8 - وقال رحمه الله : ( إن أريد بها [ أي بالمبالغة في التعظيم] -

المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيما- حتى الحج إلى قبره، والسجود له، والطواف به، واعتقاد: أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين* ويفرج كربات المكروبين* وأنه يشفع فيمن شاء * ويدخل الجنة من يشاء *-

فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك وانسلاخ من جملة الدين.

9 - وقال رحمه الله : (ومن خصالهم [أي المشركين] الغلو في الصالحين من العلماء والأولياء ...، فاتخاذ أحبار الناس أربابا، يحللون ويحرمون ويتصرفون في الكون وينادون في رفع ضر أو جلب نفع- من جاهلية الكتابيين ، ثم سرت إلى غيرهم من جاهلية العرب، ولهم بقايا في مشارق الأرض ومغاربها، وهم الغلاة في أهل القبور، فإنك ترى غالب الناس اليوم معرضين عن الله، وعن دينه الذي ارتضاه متوغلين في البدع، تائهين في أودية الضلال الأشنع، معادين لكتاب الله والسنة ومن قام بهما، فأصبح الدين منهم في أنين* والإسلام في بلاء مبين*، والنبهاني له من ذلك الحظ الوافر ... والله المستعان ).

10 - وقال رحمه الله : ( الثانية والأربعون : الغلو في الأنبياء، والرسل عليهم السلام... والغلو في المخلوق أعظم سبب لعبادة الأصنام والصالحين، كما كان في قوم نوح من عبادة لنسر، وسواع ، ويغوث، ونحوهم، وكما كان من عبادة النصارى للمسيح عليه السلام ) .

11 - وقال رحمه الله : ( وكذلك الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ، ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية:

مثل أن يقول: يا سيدي فلان، انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو اجبرني ، أو أنا في حسبك ، ونحو هذه الأقوال- فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل...).

11 - ومثله كلام للعلامة الخجندي رحمه الله (1379هـ) .

12 - وقال العلامة الخجندي (1379هـ) أيضا:

( إن من أعظم مكائد الشيطان على بني آدم قديما وحديثا- إدخال الشرك فيهم في قالب تعظيم الصالحين وتوقيرهم بتغيير اسمه بالتوسل، والتشفع، ونحوه، فالمشرك مشرك شاء أم أبى، والزنا زنا وإن سمي جماعا ، والخمر خمر وإن سمي شرابا...

ومن الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره...، فلا أضل ممن دعا غير الله، وقد ثبت أن سبب كفر أكثر بني آدم وتركهم دينهم- هو الغلو في الصالحين، واتخاذهم شفعاء بدعائهم، وطلب رغبتهم والالتجاء إليهم، وهم أموات غافلون عنهم لا يقدرون ولا يسمعون لما طلبوه منهم وأرادوه).

الفصل الثاني

في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات وسماعهم نداء المستغيثين بهم عند الكربات

وفيه ثلاثة مباحث :

- المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في حياة الأموات، وجعلها حياة دنيوية.

- المبحث الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى نداء المستغيثين بهم عند النوازل.

- المبحث الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية في حياة الأموات وسماعهم نداء المستغيثين بهم.

 

المبحث الأول

في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في حياة الأموات حياة دنيوية

لقد سبق أن ذكرت: أن القبورية تعتقد أن الأموات من الصالحين ولا سيما الأنبياء والشهداء- أحياء في قبورهم حياة دنيوية جسدية، حسية، حقيقية، عنصرية، بل أعلى وأقوى من حياتهم الدنيوية، وقصدهم بذلك أن الأموات من الصالحين أحياءٌ يسمعون نداء المستغيثين بهم ويعلمون أحوال المستنجدين بهم، ليبرروا بهذا التمهيد الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات.

ولعلماء الحنفية نصوص ترد على عقيدة القبورية هذه، وحاصلها : أن الحياة البرزخية ثابتة لجميع الموتى، ولكن تلك الحياة تختلف عن الحياة الدنيوية لا تقاس عليها، فإن الحياة البرزخية لا تُحَسّ ولا تدرك بمشاعر الأحياء، قال الله تعالى : { بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [ آل عمران : 169] .

1 - قال الإمام النسفي (710هـ) في تفسيره قوله تعالى : { وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ } [البقرة: 154] : ( لا تعلمون ذلك ، لأن حياة الشهيد لا تعلم حسا).

2 - وقال الإمام أبو السعود العمادي ( 982هـ):

(ولكن لا تشعرون بحياتهم، وفيه رمز إلى أنها ليست مما يشعر به المشاعر الظاهرة من الحياة الجسمانية ، وإنما هي أمر روحاني لا يدرك بالعقل، بل بالوحي ).

3 - وقال الإمام أبو منصور الماتريدي (333هـ):

(إن أرواح الشهداء في الغيب...).

4 - وقال الإمام الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1170هـ) :

( أي لا تحسون ولا تدركون ما حالهم بالمشاعر، لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها، ولا طريق للعلم بها إلا بالوحي).

5 - وقال رحمه الله : ( وعندي : أن الحياة في البرزخ ثابتة لكل من يموت شهيد وغيره، وأن الأرواح- وإن كانت جواهر قائمة بأنفسها- مغايرة لما يحس به من البدن، لكن لا مانع من تعلقها ببدن برزخي مغاير لهذا البدن الكثيف ).

6 - وقال رحمه الله أيضا: ( وما يحكى من مشاهدة بعض الشهداء الذين قتلوا منذ مئات السنين،

وأنهم إلى اليوم تشخب جروحهم دما إذا رفعت العصابة عنها، فذلك مما رواه هيان بن بيان، وما هو إلا حديث خرافة * وكلام يشهد على مصدقية تقديم السخافة* ). قلت: الحاصل : أن الحياة البرزخية ليست من جنس الدنيوية، فللحياة الدنيوية أحكامها، كما أن للحياة البرزخية أحكامها، فلا تقاس الحياة البرزخية على الحياة الدنيوية البتة.

وأقول: لقد بطل بتصريح هؤلاء الأعلام من الحنفية جميع أباطيل القبورية وأساطيرهم من سماع الأموات نداء الأحياء، وعلمهم بأحوال المستغيثين بهم، وتصرف الأرواح في الكون، وتشكلها بأشكال مختلفة، وإتيانها إلى بيوت أهل الدنيا، وإتيان الموتى بالأجساد العنصرية المادية الدنيوية، وخروجها من القبور لإغاثة المستغيثين وإنجاد المستنجدين ، إلى غير ذلك من وثنيات القبورية التي ذكرت بعض الأمثلة منها.

ولذلك قال الإمام الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد مبطلا مزاعم

القبورية الذين يزعمون أن الأرواح تتشكل وتأتي إلى بيوت أهل الدنيا وتنصر الأولياء، وتدمر الأعداء، ونقل كلامه كل من العلامتين : نعمان ، وشكري ، وشيخ القرآن ، والشيخين الرباطي والرستمي :

(ومنهم [ أي من القبورية الغلاة] من يثبت التصرف لهم جميعا في قبورهم..، وإذا طولبوا بالدليل قالوا : ثبت ذلك بالكشف، قاتلهم الله تعالى .. ما أجهلهم.. وأكثر افتراءهم..

ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة، وعلماؤهم [ أي أئمة القبورية ] يقولون:

إنما تظهر أرواحهم متشكلة وتطوف حيث شاءت، وربما تشكلت بصورة أسد، أو غزال، أو نحوه؛ وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة* وكلام سلف الأمة*، وقد أفسد هؤلاء [ أي القبورية وعلماؤهم] على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى ، وكذلك لأهل النحل والدهرية.

نسأل الله العفو والعافية ).

وقال رحمه الله أيضا في إبطال قول من زعم : أن أرواح الأولياء

مدبرات لأمر هذا العالم، وتبعه حفيده شكري الآلوسي ( 1342هـ) واللفظ للجد:

(وفي حملها [ أي في حمل { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } ، [ النازعات : 5] على النفوس الفاضلة [أي أرواح الأولياء] المفارقة [ بعد موتهم]- إيهام صحة ما يزعمه كثير من سخفة العقول: من أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم: بنحو من شفاء المريض، وإنقاذ الغريق ، والنصر على الأعداء، وغير ذلك مما يكون في عالم الكون والفساد على معنى : أن الله تعالى فوض إليهم ذلك ، ومنهم من خص ذلك بخمسة من الأولياء .

والكل جهل، وإن كان الثاني أشد جهلا ... ) .

قلت: الحاصل: أن الحياة البرزخية ليست حياة دنيوية ، فلم يثبت أن الميت يتصرف في الأمور كما يتصرف الحي فيما تحت الأسباب.

فبطل زعم القبورية : أن الأولياء بعد موتهم يسمعون نداء المستغيثين بهم وأصوات المستنجدين بهم، وأنهم يغيثونهم، ويعلمون بحالهم، بحجة أنهم أحياء حياة دنيوية جسدية محسوسة، ولذلك قال العلامة شكري الآلوسي ( 1342هـ):

(وكون الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وكذا الخلص من عباد الله- أحياء في قبورهم حياة برزخية-

لا يقتضي أن يثبت لهم شيء من خصائص الإلهية، كما أن حياتهم الحقيقية لا تقتضي ذلك).

وقال جده الإمام محمود الآلوسي ( 1270هـ) في الرد على هؤلاء القبورية المعتقدين أن الأموات أحياء حياة دنيوية، المستغيثين بالأموات مبينا لهم: أن الأموات غافلون عن ندائهم:

( إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات ، وغيرهم : مثل يا سيدي فلان .. أغثني..

وليس ذلك من التوسل المباح في شيء ...

واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك ، وأن لا يحوم حماه ، وقد عده أناس من العلماء شركا، وإن لا يكنه [ على سبيل الفرض ] فهو قريب منه ، ولا أرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد:

أن المدعو الحي الغائب ، أو الميت المغيب، يعلم الغيب، أو يسمع النداء، ويقدر بالذات، أو بالغير على جلب الخير، ودفع الأذى، وإلا لما دعاه * ولا فتح فاه * وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله القوي الغني الفعال لما يريد، ومن وقف على سر ما رواه الطبراني في معجمه من : " « أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال الصديق رضي الله عنه : " قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من »

« هذا المنافق " . فجاءوا إليه فقال: " إنه لا يستغاث بي ، إنما يستغاث بالله تعالى » ".

لم يشك في أن الاستغاثة بأصحاب القبور - الذين هم بين سعيد شغله نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شقي ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه* والإصاخة إلى أهل ناديه*- أمر يجب اجتنابه * ولا يليق بأرباب العقول ارتكابه*، ولا يغرنك أن المستغيث بمخلوق قد تقضي حاجته، وتنجح طلبته، فإن ذلك ابتلاء ، وفتنة منه عز وجل ، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به ، فيظن : أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات ... هيهات..

إنما هو شيطان أضله وأغواه* وزين له هواه*، وذلك كما يتكلم الشيطان في الأصنام* ليضل عبدتها الطغام* وبعض الجهلة يقول: إن ذلك من تطور روح المستغاث به ، أو من ظهور ملك بصورته كرامة له ... ولقد ساء ما يحكمون .... ) .

قلت: الحاصل : أنه قد تبين من نصوص هؤلاء الأعلام من الحنفية أمور مهمة آتية، كلها تقضي على عقائد القبورية :

الأول: أن الحياة البرزخية ليست حياة دنيوية محسوسة.

الثاني: قياس الحياة البرزخية على الحياة الدنيوية باطل، لأنه قياس مع الفارق.

الثالث: أن عقيدة تصرف الأرواح وتشكلها بأشكال مختلفة من العقائد الخرافية والأباطيل والأساطير.

الرابع: أن عقيدة خروج الأرواح من القبور وإتيانها إلى أبواب أهل الدنيا ومناصرتها لأوليائها، وتدميرها لأعدائها ، من أباطيل القبورية الوثنية.

الخامس: أن إتيان الموتى إلى الدنيا بأجسادها العنصرية لفصل القضاء، وغيره من المهمات ومناصرة الأولياء ، وتدمير الأعداء- من أعظم أباطيل القبورية الوثنية وأساطيرهم الخرافية.

وأود أن أذكر ههنا نصين مهمين لعلماء الحنفية، لتكون فيهما عبرة للقبورية ، ونكال للديوبندية:

الأول: قول الفقهاء الحنفية:

( إن من ظن : أن الميت ينصرف في الأمور دون الله، واعتقاده ذلككفر).

والثاني: قول الفقهاء الحنفية أيضا: ( من قال: أرواح المشائخ حاضرة تعلم يكفر ).

المبحث الثاني

في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى نداء المستغيثين بهم عند النوازل

والكلام ههنا في مقامين:

المقام الأول: في عرض عقيدة القبورية في سماع الموتى .

1 - لقد اعتقد القبورية أن الموتى يسمعون كلام الأحياء ويسمعون نداء المستغيثين بهم.

2 - ولقد سبق بعض نماذج من خرافاتهم في سماع الموتى سماعا واسعا.

3 - وعلمهم الواسع بالمغيبات وبأحوال هذا الكون وبجميع ما في اللوح المحفوظ.

4 - ونظرهم الواسع على الكون وعلى اللوح المحفوظ.

5 - وقد صرحوا بأن الولي يصل إلى درجة يكون سمعه كسمع الله، وبصره كبصر الله، فلا تخفى عليه خافية كما لا تخفى على الله.

6 - وقالوا : إن سمع الأولياء وبصرهم وعلمهم وإدراكهم أقوى مما كان في حياتهم.

7 - وإن الولي أقوى تصرفا وسمعا لأصوات العالم.

8 - وإنه يسمع ما يقوله الزائر.

9 - وقالوا : ( إن الميت يمسع تسبيح نحو الحشيش الذي لا يدرك للأحياء بنص الأئمة الذين هم عمدة أهل الفتوى [ أئمة القبورية ومفتوهم] ، كيف ينفي السماع عن صوت المنادي له ( أي الميت )...؟ ) .

وقالوا : إن الميت يسمع قراءة القرآن حيث كانت القراءة.

وإنه يسمع سلام الأحياء عليه.

والميت إذا جاز أن يعلم جاز أن يسمع، لأن العلم يستلزم السماع.

والأموات من المؤمنين يسمعون .

والأموات أحياء في قبورهم يسمعون من يخاطبهم.

10 - وقالوا : قد صح للأموات المؤمنين الحياة ولوازمها من السمع

والبصر والكلام.

11 - وقالوا : إذا كان سماع الموتى ثابتا فأي حرج في نداء الأموات ؟.

12 - وقد اهتم القبورية بمسألة سماع الموتى قديما وحديثا، لأن إثبات سماع الموتى من أعظم أدلتهم على جواز الاستغاثة بهم، فقد ألفوا في سماع الموتى عدة كتب.

13 - وأما التبويب وعقد الفصول والمقاصد ونحوها من العناوين البارزة في سماع الأموات * توصلا بذلك إلى جواز نداء الأموات عند الكربات* والاستغاثة بهم لدفع الملمات* فهو هجيري عامة القبورية في كتبهم القبورية الوثنية.

14 - قلت: سلف هؤلاء القبورية في كثير من هذه القبوريات، ولا سيما السماع لنداء المستغيثين- هو السبكي (756هـ)،

فإنه اهتم بهذا تمهيدا لجواز الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم .

وتبعه القبورية بعده إلى يومنا هذا.

فتراهم يبوبون ويعقدون فصولا وعناوين بارزة في سماع الموتى لأصوات المستغيثين بهم ، وعلمهم بأحوالهم؛ ليتوصلوا بذلك إلى جواز الاستغاثة بالأموات عند نزول الكربات.

المقام الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى :

لقد تصدى علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى وأبطلوها بعدة وجوه، أذكر منها عشرة:

الوجه الأول: استدلالهم بقوله تعالى : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ الأنعام : 36] .

قالوا في صدد تقرير استدلالهم بهذه الآية : " إن الله تعالى قد شبه الكفار بالموتى الذين لا يسمعون ".

فدل على أن الموتى لا يسمعون.

الوجه الثاني: استدلالهم بقوله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ النمل : 80] .

وتقرير استدلالهم بهذا الآية : أن الله تعالى شبه الكفار بالموتى الذين لا يسمعون، وبالصم الذين لا يسمعون إذا قابلهم الداعي المنادي، فكيف إذا كان الصم مدبرين بعيدين، فحينئذ لا يسمع الصم نداء الداعي بالطريقة الأولى.

قال الشيخ الجنجوهي (1323هـ): ( استدل المنكرون [ لسماع

الموتى ] ومنهم عائشة، وابن عباس ، ومنهم الإمام [ أبو حنيفة ] بقوله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، فإنه لما شبه الكفار بالأموات في عدم السماع - علم: أن الأموات لا يسمعون، وإلا لم يصح التشبيه ...).

وقال : ( إن في قوله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } استعارة مصرحة، و" الموتى " مشبه بهم ، و " الكفار " مشبهون، ووجه الشبه يكون أقوى في المشبه به , وإلا لم تصح الاستعارة).

وللإمام صنع الله الحلبي (1120هـ) كلام مهم في تفسير هذه الآية، لتحقيق أن الموتى لا يسمعون نداء المستغيثين بهم.

الوجه الثالث: استدلالهم بقوله تعالى : { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ الروم : 52] وتقرير الاستدلال بعينه هو ما سبق في الآية التي قبلها آنفا، قال الإمام النسفي (710هـ) في تفسير هذه الآية ، مبينا فائدة تقييد " الصم " بتولية الإدبار: ( فإن قلت: الأصم لا يسمع مقبلا أو مدبرا ، فما فائدة هذا التخصيص؟

قلت: هو [ أي الأصم ] إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والإشارة ، فإذا ولي لا يسمع ولا يفهم بالإشارة ).

قلت: ويظهر من هذا أن الميت لا يسمع في حال من الأحوال، سواء كان مقبلا أو مدبرا، وأن الميت كما لا يسمع صوتا كذلك لا يفهم الرمز والإشارة أيضا.

وللعلامة الآلوسي (1270هـ) تحقيق مهم في عدم سماع الموتى في تفسير هذه الآية.

قلت: لقد ذكر علماء الحنفية أربعة فروق بين الميت وبين الأصم، لتحقيق أن الميت أبعد عن السماع من الأصم:

الفرق الأول: قيد تولي الإدبار في الصم دون الموتى؛ فإن الأصم إذا كان مقبلا يفهم بالإشارة والرمز ، بخلاف الميت- كما سبق آنفا في كلام النسفي .

الفرق الثاني: أن الأصم قد يسمع في بعض الأحوال، فيمكن سماعه بخلاف الميت.

الفرق الثالث: أن الأصم قد يمسع الصوت الهائل ، كصوت الرعد القوي ، بخلاف الميت.

الفرق الرابع: أن الله تعالى لم يذكر المفعول الثاني حينما قال: { لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، لكنه ذكر المفعول الثاني حينما قال: { وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ } .

فأطلق الإسماع في الموتى وقيده في الصم، لتحقيق : أن الموتى لا يسمعون شيئا من المسموعات على العموم.

قال الآلوسي : ( وإطلاق الإسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات).

الوجه الرابع : استدلالهم بقوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ فاطر : 22] .

قالوا في تقرير الاستدلال بهذه الآية على نفي سماع الموتى : ( المراد بيان كون الكفار بالنسبة إلى سماعهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم والوحي النازل عليه- دون حال الموتى ؛ فإن الله يُسْمعُ الموتى إذا شاء والنبي صلى الله عليه وسلم لا يُسْمِعُ من مات وقُبِرَ؛ فالموتى سامعون من الله، والكفار كالموتى لا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم ).

وقال التفتازاني ( 792هـ) : ( وأما قوله تعالى : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } - فتمثيل لحال الكفرة بحال الموتى، ولا نزاع في أن الميت لا يسمع ).

وقال الإمام ابن الهمام (861هـ) بعد ذكر قوله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، وقوله : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } مستدلا بهما : ( إنهما يفيدان تحقيق عدم سماعهم؛ فإنه تعالى شبه الكفار بالموتى لإفادة تعذر سماعهم ، وهو فرع عدم سماع الموتى ) .

ونقل كلامه كثير من أعلام الحنفية وأقروه.

الوجه الخامس: استدلال الحنفية بقوله تعالى : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة: 259] .

وتقرير الاستدلال بهذه الآية على نفي سماع الموتى- 1- ما قاله الشيخ محمد حسين النيلوي، ومحمد أمير البنديالي - وهما من علماء الحنفية المعاصرة، واللفظ للأول-:

( قد علمت ... ، أن عزيرا لم يعلم في هذه المدة الطويلة شيئا، ولم ير شمسا تطلع وتغرب، ولا قصرا ، ولا نجما ، ولا سحابا ، ولم يحس مطرا،

ولم يسمع صوت الرعد ونحوه من الأصوات الهائلة، ولم يشعر مرور النهار، وكر الليالي، ولم يحس الحر ولا الزمهرير.

ولو قلنا بشعوره وإحساسه لزم الكذب.

2 - وما قال غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن في تفسير هذه الآية:

( إن هذا النبي عزيرا عليه السلام قد أماته الله تعالى ليشاهد كيفية إحياء الموتى ثم مرّ عليه مائة عام وهو ملقى على ظهر الأرض غير مقبور، فلما أحياه الله وسأله: كم لبثت؟- أجاب بالظن والتخمين فقال: لبثت يوما، أو بعض يوم، ولم يعلم أنه مرّ عليه مائة عام؛ فعلم من هذا : أن هذا النبي الجليل القدر عليه السلام- لم يشعر باختلاف الليل والنهار، ولم يعلم انقلابات الزمان طول هذه المدة فلو كان يعرف هذه الأمور ويشعر بها- لبين: أنه لبث مائة عام، ولم يقل: لبثت يوما أو بعض يوم، وقد علم من هذا الحادث الجلل: أن الموتى لا يسمعون،

لأن هذا النبي- عزيرا عليه السلام- لم يشعر بجميع تلك الانقلابات التي حدثت طول هذه المدة، ولم يعرف في مدة مائة عام الليل من النهار، كما أنه لم يسمع طول هذه المدة الطويلة أي صوت من الأصوات التي تحدث، مع أنه لم يكن مقبورا في بطن الأرض.

بل كان ملقى على ظهر الأرض...، كما علم من هذه الواقعة المهمة: أن أرواح الأنبياء عليهم السلام لا توجد في أبدانهم المباركة بعد موتهم، وأن موتهم موت حقيقي، وأن حياتهم في القبور حياة برزخية، لا دنيوية ناسوتية).

قلت: لقد تبين من نصوص هؤلاء الأعلام من الحنفية عدة أمور:

الأول: أن الأنبياء لا يعلمون الغيب، ولا سيما بعد الموت، فكيف يعلمه الأولياء؟..

الثاني: أن هذا النبي- مع كونه موضوعا على ظهر الأرض غير مقبور في بطنها- لم يشعر بأحوال هذه الدنيا واختلافها وانقلاباتها من ليل ونهار، وحرّ وقرّ. وصيف وشتاء، وشمس وقمر، ونجم وكوكب ، وهب الرياح وسكونها، وأمطار وسحب، وكانت الشمس تطلع عليه، وتمطر عليه الأمطار ، وتهب عليه الرياح، ويأتي عليه اختلاف الليل والنهار، وغير ذلك من أحوال هذا العالم، وما يحدث في هذا الكون، ولم يعلم شيئا من ذلك؛

حتى لم يدر المدة التي لبثها؛ فإذا كان الأمر كذلك- هو نبي، أو رجل صالح- على أقل تقدير- وكان مع ذلك موضوعا على وجه الأرض، ولم يكن مقبورا في بطنها- فكيف يطلع على أحوال المستغيثين به والمستنجدين به... ؟؟ الثالث: أن هذا النبي إذا لم يعلم أحوال هذا الكون على التفصيل الذي ذكرت آنفا مع أنه ملقى على وجه الأرض- فكيف يعلمها الأولياء...؟ وكيف يطلع الأموات على أحوال المستغيثين بهم...؟

الرابع: أن حياة الأنبياء والأولياء والشهداء حياةً برزخيةً لا علاقة لها بأحوال هذا العالم، وأن حياتهم ليست من جنس الحياة الدنيوية، فلا يمكن قياس الحياة البرزخية على الحياة الدنيوية إطلاقا.

الخامس: أن الأموات عامة سواء كانوا أنبياء، أو أولياء أو شهداء ، أو غيرهم- لا يسمعون شيئا من الأصوات التي تحدث في هذا الكون:

سواء كانت أصوات الرعد أو أصوات الرياح* أو أصوات السباع أو أصوات الأمطار في المساء والصباح* فضلا عن أصوات المستغيثين بهم ونداءهم عند الكربات* ودعائهم وصراخهم صراخ الثكالى عند إلمام الملمات والمهمات*

السادس : أنه قد بطلت خرافات القبورية عامة ، وخرافات الديوبندية خاصة، ومزاعمهم القبورية في حياة الأنبياء، والشهداء، وغيرهم ، وسماع الموتى ، وفي ذلك عبرة للقبورية، أيما عبرة، ونكال للديوبندية أيما نكال..؛

وهكذا يفضح الله الخرافيين* ويخزي القبوريين الصوفيين *

الوجه السادس: استدلال علماء الحنفية بقصة أصحاب الكهف على إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى .

فقد قال الله تعالى : { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } ..* { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ..* وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ...*... { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } [الكهف : 11، 18-19، 25-26].

وتقرير الاستدلال بهذه القصة القرآنية على نفي سماع الموتى:

1 - ما قاله الشيخان النيلوي والبنديالي من الحنفية المعاصرة:

إن الله تعالى قد أنام أصحاب الكهف إنامة ثقيلة بحيث إن الأصوات لا تنفذ إلى مسامعهم، وضرب الله على آذانهم حجابا يمنع السماع، فناموا نومة لا توقظهم الأصوات؛ مع أن النائم إذا سمع الصوت ينتبه، ثم هؤلاء قد لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، ومع ذلك لم يعرفوا ذلك ، فقال بعضهم بالتخمين ، والظن : " لبثنا يوما أو بعض يوم " ، وقال بعضهم: " ربكم أعلم بما لبثتم "،

ولو كانوا يعلمون ذلك لكان كلامهم هذا كذبا محضا، ولكن لما كان كلامهم هذا مبنيا على الظن- لم يكن كذبا [بمعنى أنهم لم يأثموا بذلك ، مع كونه خلافا للواقع؛ لأن النائم لا يمكن له أن يحصي مدة نومه، و ( لما لم يسمعوا شيئا من الأصوات، ولم يحسوا شيئا مما في عالم الدنيا مع كونهم نياما أحياءً - فكيف بعد الممات لمثل هؤلاء الأولياء.

فثبت عدم سماع الأموات من هذه الآية - بطريق دلالة النص،

والدلالة كالعبارة في القطعية- على ما تقرر في الأصول...،

على أنا قد أنكرنا سماع الموتى والمثبتون يدعون سماع الموتى والدليل إنما يجب على المدعي دون المنكر، فإن المنكر يكفيه منع المقدمة في الدليل ...)

2 - وما قال غلام الله الملقب بشيخ القرآن عند الحنفية (1980م):

( لقد تبين من قصة أصحاب الكهف عدة أمور مهمة:

الأول : أن من آيات الله تعالى ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف.

الثاني: أن نومهم طول هذه المدة إنما كان بمحض قدرة الله تعالى ، وليس في ذلك أي دخل وقدرة لأصحاب الكهف.

الثالث: أن أصحاب الكهف مع كونهم أولياء الله لم يكن في قدرتهم أن يدفعوا عن أنفسهم الأعداء؛ فاضطروا للفرار والهجرة حتى لجأوا إلى الغار فارين بدينهم، فلو كانوا يملكون النفع والضر والتصرف في الكون- لما لجؤوا إلى الفرار والدخول في الغار.

الرابع: أنهم لأجل عجزهم كانوا يدعون الله تعالى أن يرحمهم ويحفظهم من كيد الأعداء؛ وهذا دليل على أنهم لم يكونوا يملكون شيئا من القدرة والتصرف في الكون والنفع والضر لأنفسهم، فكيف لغيرهم...؟

الخامس: أن الله تعالى قد ضرب على آذانهم فناموا نومة ثقيلة لم يسمعوا شيئا من الأصوات طول تلك المدة؛ وقد مرّت عليهم أحوال هذا العالم ، ولم يعلموا أنهم سينامون هذه النومة الطويلة؛ فدل على أنهم لم يكونوا يعلمون الغيب، ولم يكونوا متصرفين في الكون.

السادس: أنهم لم يكونوا يستطيعون أن ينتبهوا من سباتهم الطويل طول هذه المدة؛ ولكن الله تعالى هو الذي أيقظهم من هذه النومة الطويلة، وهذا دليل عجزهم.

السابع: أن أصحاب الكهف لم يعلموا : أنهم لبثوا ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا؛ فهذا برهان على أنهم لم يكونوا يعلمون الغيب، فهم إذ لم يعلموا أحوال أنفسهم- فهم بالطريق الأولى لم يكونوا يعلمون أحوال غيرهم.

الوجه السابع: استدلال الحنفية بقوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر 13-14].

وتقرير الاستدلال بهاتين الآيتين على نفي سماع الموتى عامة،

وعلى نفي سماع الذين يدعونهم القبورية قديما وحديثا- موقوف على تمهيد مهم، وهو أن علماء الحنفية قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إن هاتين الآيتين ليستا في الأصنام والأحجار والأشجار، بل هما في حق العقلاء من الأنبياء والأولياء والملائكة الذين كان المشركون يستغيثون بهم عند الكربات* وينادونهم عند إلمام الملمات * ويهتفون بأسمائهم لدفع البليات* ويصرخون مستنجدين بهم لقضاء الحاجات*؛ لأن هذه الصيغ المذكورة في هاتين الآيتين : نحو " الذين " و " يملكون "، و "تدعوهم" ، و " لا يسمعوا "، و " ولو سمعوا "، و " ما استجابوا "، و " يكفرون "- من صيغ العقلاء؛ بل قوله تعالى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } صريح في أن المراد العقلاء؛ لأن الأحجار والأشجار والأصنام لا يعقل أن يقال فيها: إنهم يوم القيامة يكفرون بشرككم؛ ولو كان المراد الأصنام والأحجار والأشجار- لكان حق الكلام أن يقال: ( والتي تدعونها من دونه ما تملك من قطمير، إن تدعوها لا تسمع دعاءكم، ولو سمعت ما استجابت لكم...)؛ وهذا كله برهان باهر، وسلطان قاهر، على أن المراد أن المشركين كانوا يدعون عباد الله الصالحين من الأنبياء والأولياء دون الأصنام المجردة والأحجار الصرفة والأشجار البحتة؛ ثم قوله تعالى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } مثل قوله تعالى :

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ }

[ يونس : 28-29]، وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ..* فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } ... [ الفرقان17-19] .

وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } ... [ المائدة : 116] ، وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ } ... [ سبأ 40- 41] ؛

فدل هذا كله دلالة قاطعة على أن المراد أنهم كانوا يدعون الصالحين من الأنبياء والملائكة والأولياء؛ لأن هذه الصفات كلها من صفات ذوي العقول، وهذه الصيغ كلها لا تستعمل في اللغة العربية إلا في ذوي العقول؛ ثم من المعلوم: أنه ليس في العالم أحد يعبد هذه الحجارة المنحوتة ثم يقول : إنها إلهي؛ لأن هذا مخالف لبداهة العقل والعلم الضروري الحسي، فلا يعتقد أحد في حجارة منحوتة أنها إلهه؛ لعلمه علما ضروريا أنها ليست بإله ولا خالق ولا رب ولا رازق؛ بل كان المشركون يعتقدون في الأموات من الصالحين أنهم مجابو الدعاء ، مقبولو الشفاعة عند الله تعالى ؛ فكانوا يدعونهم وينادونهم على اعتقاد أنهم شفعاء لهم عند الله تعالى لا على اعتقاد أنهم هم المستقلون بالنفع والضر، المتصرفون في الكون بقدرتهم الذاتية، أو أنهم هم المالكون لهذا الكون؛ ثم اتخذوا على صورهم تماثيل وأصناما لتكون قبلة لعبادتهم لهؤلاء الصالحين؛ فكان المقصود عبادة هؤلاء الصالحين دون الأحجار والأصنام؛ فالقبورية الذين يقولون : " إن المشركين هم الذين كانوا يعبدون الحجارة، ومن لا يعبد الحجارة فليس بمشرك - فهم لا يعرفون معنى العبادة، ولا معنى الشرك، ولم يطلعوا على أحوال المشركين في القرون الخالية؛ نعم الأصل أن هذه الآيات وأمثالها كلها واردة في ذوي العقول من الأنبياء والملائكة والأولياء ولكن إن فرض أن من الناس من يعبد الأحجار والأصنام لذاتها- فهذه الآيات ترد عليهم بالطريق الأولى والأحرى.

هذا هو خلاصة ذلك التمهيد الذي حققه علماء الحنفية في تفسير هاتين الآيتين.

ثم قال هؤلاء الأعلام من الحنفية مستدلين بهاتين الآيتين على إبطال سماع الموتى: إذا تحقق أن هاتين الآيتين وأمثالهما في ذوي العقول من الصالحين كالأنبياء والأولياء-

فاعلم أن الله تعالى قد صرح بأن هؤلاء الأنبياء والأولياء الذين ماتوا- لا يسمعون شيئا من دعاء هؤلاء المستغيثين بهم ونداءهم وصراخهم والهتاف بأسمائهم وأصواتهم، كما أنهم لا يملكون لأنفسهم من قطمير، فضلا عن غيرهم؛ فهاتان الآيتان من أعظم الحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، والأدلة السابغة* على إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى؛ فتحقق كالشمس في رابعة النهار*أن الموتى لا يسمعون ولا يميزون الليل من النهار* .

وقال الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه شيخ القرآن (1980م) ، والشيخان : النيلوي ، والبنديالي - وهم من علماء الحنفية المعاصرين- واللفظ للأول:

([قوله تعالى ]: { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ } - استئناف مقرر لما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع.

هذا إذا كان الكلام مع عبدة الأصنام، ويحتمل أن يكون [الكلام] مع عبدتها، وعبدة الملائكة، وعيسى، وغيرهم من المقربين وعدم السماع حينئذ: إما لأن المعبود ليس من شأنه ذلك [أي السماع ] كالأصنام، وإما لأنه في شغل شاغل وبعد بعيد عن عابده كعيسى عليه السلام، وروي هذا عن البلخي .

أو لأن الله عز وجل حفظ سمعه من أن يصل إليه مثال هذا الدعاء، لغاية قبحه وثقله على سمع من هو في غاية العبودية لله سبحانه...؛ { وَلَوْ سَمِعُوا } على سبيل الفرض والتقدير- { مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } ؛ لأنهم لم يرزقوا قوة التكلم، والسماع لا يستلزم ذلك ...).

قلت: الحاصل: أنه قد تبين من هذه المباحث للحنفية أن الموتى لا يسمعون أصوات أهل هذا الكون من الأحياء، فبطل سعي المستغيثين بغير الله تعالى ، لأن هؤلاء الأموات لا يسمعون نداءهم ودعاءهم فضلا عن أن يملكوا لهم من قطمير.

الوجه الثامن: استدلال علماء الحنفية الرادين على القبورية بقوله تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5-6].

وطريق الاستدلال وتقريره بهاتين الآيتين على إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى - هو بعينه ما سبق في الوجه السابق من التمهيد الذي ذكره الحنفية: من أن هاتين الآيتين وأمثالهما في حق ذوي العقول الصالحين من الأنبياء

والملائكة والأولياء، وإذا تحقق هذا فهاتان الآيتان صريحتان في أن الذين يدعونهم هؤلاء المستغيثون- هم غافلون عن دعائهم فضلا عن أن يسمعوا نداءهم وصراخهم، فلا يعلمون أحوالهم فضلا عن أن يملكوا لهم نفعا وضرّا؛ بل هم يوم القيامة يكونون أعداء لهم كافرين بنداءهم واستغاثتهم ونذورهم، فضلا عن أن يكونوا أولياء لهم ينصرونهم ويحبونهم؛ ولو فرض أن أمثال هذه الآيات تشمل الأصنام والأحجار أيضا- فالأصنام والأحجار لا تسمع نداء المستغيثين بها بالطريق الأولى.

فالحاصل: أن المستغيثين بالأموات * عند إلمام الملمات لدفع المضرات وقضاء الحاجات* - هم أشد ضلالا وأبعد غورا في الضلال من كل ضال، حيث ينادون من لا يرى ولا يسمع* ولا يضر ولا ينفع ولا يجلب ولا يدفع*، هذا هو ما يهدف إليه كلام هؤلاء العلماء من الحنفية.

الوجه التاسع: قول علماء الحنفية في صدد بيان مسألة التلقين.

لقد ذكر فقهاء الحنفية أن المحتضر يلقن الشهادتين، والمحتضر من قرب من الموت، فيلقن الشهادتين تذكيرا له وتثبيتا لجنانه،

وهذه الفائدة لا توجد بعد موته، وقد صرحوا أن بناء هذه المسألة على مسألة أخرى: وهي أن الميت لا يسمع عند الحنفية وللإمام ابن الهمام ( 861هـ ) رحمه الله كلام مهم جدّا في هذا الباب.

الوجه العاشر: قول علماء الحنفية في صدد بيان مسألة الحلف في الكلام والضرب والزيادة ونحوها:

لقد صرح فقهاء الحنفية قديما وحديثا بأن من حلف أن لا يكلم فلانا أو لا يضربه أو لا يزوره، ونحو ذلك من الأيمان- تقيد يمينه بحال الحياة؛ فلو كلمه بعد موته لا يحنث؛ لأن المقصود من الكلام الإفهام، والموت ينافيه؛ لأن الميت لا يسمع، فلا يفهم؛ لعدم السماع للميت، ولو ضربه بعد موته لا يحنث ؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن؛ والإيلام لا يتحقق في الميت، ولو زاره بعد موته لا يحنث؛

لأن الميت لا يزار وإنما يزار قبره لا هو.

قلت: الحاصل:

أنه قد تبين من نصوص هؤلاء العلماء من الحنفية أن الأموات لا يسمعون شيئا من أصوات أهل هذا العالم ألبتة، ولكن إذا أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع، نعم.. إن الله تعالى إذا أراد أن يسمع ميتا- فهو على ذلك قدير؛ فالله سبحانه وتعالى يسمع الجبال والأحجار والأشجار، ولا كلام لنا في قدرة الله تعالى .

فالميت في عدم السماع لأصوات أهل هذا العالم- كالجماد من الأحجار والأشجار، فمن استغاث بالأموات* عند إلمام الملمات والكربات* فهو كمن استغاث بالأحجار* أو استنجد بالأشجار* وبذلك قد تبين سفاهة القبورية الوثنية المستغيثين بالأموات* تاركين الاستغاثة برب البريات لدفع البليات وجلب الخيرات* فانقلعت شبهة سماع الأموات من جذورها.

ويحسن أن أسوق بعض نصوص أئمة الحنفية لتحقيق أن الأموات لا يسمعون نداء المستغيثين بهم عند الكربات * ولا دعاءهم ولا صراخهم وأصواتهم وضجيجهم عند البليات*:

1 - قال العلامة النيلوي أحد كبار علماء الحنفية المعاصرة في الرد على مزاعم القبورية عامة والديوبندية خاصة، مبينا عقيدة الإمام أبي حنيفة

رحمه الله (150هـ):

( رأى الإمام أبو حنيفة من يأتي القبور بأهل الصلاح، فيسلم ويخاطب ويتكلم ويقول: يا أهل القبور هل لكم من خير، وهل لكم من أثر؟ إني أتيتكم وناديتكم من شهور، وليس سؤالي منكم إلا الدعاء، فهل دريتم أم غفلتم؟ فسمع أبو حنيفة يقول يخاطبه بهم فقال: هل أجابوا لك؟ قال: لا! فقال: سحقا لك، وتربت يداك!؛ كيف تكلم أجسادا لا يستطيعون جوابا، ولا يملكون شيئا، ولا يسمعون صوتا؟؛

وقرأ : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ فاطر: 22]...).

2 -7- وقال الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه العلامتان: ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) ، والشيخان الرباطي والرستمي، واللفظ للأول:

( وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع * ولا يرى ولا يسمع* ) .

8 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) مبينا عقيدة القبورية في سماع الأموات، مبطلا عقيدتهم الوثنية هذه، مبينا أن هؤلاء الغلاة من الزنادقة المشركة:

( وهذا الذي ذكرناه: من أن الغلاة [ من القبورية ] يعتقدن في النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه - هو مما لم يمكنهم إنكاره ، كيف ؟ والنبهاني - على ما أسلفناه- يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم موجود في كل مكان وزمان.

وقد تكلمت يوما مع أحد غلاة الرفاعية الزنادقة ومشركيهم إذا استغاث بالرفاعي قبل الشروع في ذكرهم [ أي وردهم الشركي] فقلت له : هل يسمع الآن نداءك الرفاعي؟؟؟؛ وهو في قبره في أم عبيدة!!!، ويمدك ؟؟؟ قال :نعم ؛

فقلت له : فإذا اتفق مثلك في بلاد كثيرة، ومواضع متعددة ألوف مؤلفة، وإن كانوا في أقطار شاسعة!! فهل يسمعهم أحمد الرفاعي ويغيثهم؟ قال: نعم, قلت: هذا هو الغلو الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم، قال: ليس هذا من الغلو، بل هو مقتضى الدين؛ ألم تسمع حديث الأولياء؟:

 

وهو قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري : « وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به... » الحديث.

فظن هذا الغبي الجاهل: أن معناه ما يعتقده إخوانه أهل الزيغ والإلحاد:

من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات- أنه يصير في معنى الحق [ يعني الله]؛ تعالى الله عن ذلك...).

ثم بين رحمه الله المعنى الصحيح لهذا الحديث، وردَّ على إلحاد هؤلاء القبورية الصوفية الزنادقة الملاحدة المحرفة للدين تحريفا قرمطيّا

باطنيّا ، ثم قال: ( والمقصود : أن الغلاة [ القبورية ] يعتقدون : أن الولي يعلم كما يعلم الله، ويبصر كما يبصر الله، ويسمع كما يسمع الله، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؛ وهو سيد الأولياء والأصفياء ؟؟؟؛ فلا بد أنهم يعتقدون [فيه] فوق اعتقادهم في الولي ...).

9 - وقال رحمه الله أيضا:

( ومن العجيب : أن كثيرا من الغلاة أهل القبور الذين يندبون الصالحين ويستغيثون بهم ويستمدون منهم- في السراء والضراء* والشدة والرخاء* يعتقدون : أن مدعويهم يسمعون الأصوات* سواء في ذلك من قرب ومن كان في أبعد الجهات* وإذا توجهت إلى أحدهم سهام الطعن- يقول: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم : « ... كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها... » الحديث ؟؟؟

وقد حمله بعض أهل الزيغ [ من القبورية الصوفية الاتحادية والحلولية ] على ما يدعونه: من أن العبد إذا لزم العبادة الظاهرة والباطنة، حتى يصفى من الكدورات- أنه يصير في معنى الحق [ يعني الله تعالى ] .

تعالى الله عن ذلك...

وقد تكلمت مع بعضهم [ من هؤلاء القبورية الصوفية الحلولية الوثنية] يوما، حيث استمد بأحد الشيوخ الذين أماتهم الله تعالى منذ مئين من السنين [ وهو الرفاعي كما سبق قريبا]، فزعم أنه يحضر روحه فينال الاستفاضة منه، فقلت له: بينك وبين مدعوك هذا عدة فراسخ وأميال!؟!، وربما كان مثلك في مائة بلد وأكثر!!، وكلهم استمدوا من الشيخ [الرفاعي] في آن واحد!!؛ فهل يسمعهم [ويسمع نداءهم وصراخهم وأصواتهم] ؟؟؟، و[ هل ] يحضر عندهم جميعا؟؟؟، قال:نعم.

قلت: قال الله تعالى : { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } [ النساء: 171، والمائدة:77].

قال: هذا ليس من الغلو ؛ وذكر الحديث السابق: [ .... كنت سمعه ...]، قال: فإذا كان الله سمع المقربين بالنوافل-

لا يستغرب مثل ذلك [ يعني حضور الولي في كل مكان وزمان، وسماعه لجميع الأصوات وعلمه بحال جميع الناس]، فإن الله تعالى لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

قلت: فإذن تعددت الآلهة؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؛ حيث لم يبق فرق عند هؤلاء الزنادقة بين الله سبحانه ، وبين من يدعون : أنه كان يتقرب بالنوافل...).

10 - وقال العلامة الخجندي ( 1397هـ) في كلام طويل حاصله: أن من اعتقد أن أوراح المشائخ حاضرة وتعلم يكفر، ومن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله يكفر، ومن اعتقد أن المرشدين حاضرون، أو أن الأموات حاضرون- فقد كفر؛ لأن الأموات لا علم لهم بحال الأحياء، ومن اعتقد أن الجيلاني غوث أعظم يسمع نداء المستغيثين به، فعقيدته تخالف الإسلام، وتجر إلى الشرك، والغوث الأعظم هو الله؛ والأولياء لا قدرة لهم على سمع نداء المستغيثين بهم، ومن اعتقد في غير الله أنه حاضر وناظر في كل زمان ومكان فقد أشرك.

قلت: بعدما عرفنا بطلان عقيدة القبورية في سماع الموتى- وأنها عقيدة شركية- ننتقل إلى المبحث الآتي ؛ لنعرف جهود الحنفية في إبطال شبهات القبورية .

 

المبحث الثالث

في إبطال علماء الحنفية لشبهات القبورية في حياة الأموات وسماع الموتى

للقبورية شبهات كثيرة تشبثوا بها لإثبات زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، وأن الموتى يسمعون كلام الأحياء ونداءهم واستغاثتهم بهم، وأقوى هذه الشبهة وأشهرها أربع:

شبهتان تتعلقان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم في القبر حياة دنيوية.

وشبهتان تتعلقان بسماع الموتى لكلام الأحياء ونداءهم.

وقد أبطلها علماء الحنفية فجعلوها كأمس الدابر.

وفيما يلي ذكرها مع جهود علماء الحنفية في إبطالها:

الشبهة الأولى : أن القبورية عامة، و الديوبندية خاصة، تشبثوا لإثبات زعمهم القبوري: أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، بقوله تعالى : { وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } [ الأحزاب: 53]؛ قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، ولذلك لا تجوز مناكحة أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأن الحي لا يجوز نكاح زوجته.

وقد أجاب عن هذه الشبهة علماء الحنفية:

بأن هذه مغالطة مكشوفة، ودجل شيطاني قبوري وثني، وليست علة حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، بل علة حرمة نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لأمته، وأن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، كل ذلك احتراما له صلى الله عليه وسلم وإكراما لأزواجه رضي الله عنهن؛ قال الله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب:6]، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم ).

وفي مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ).

وقد ذكر علماء الحنفية في تفسير قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } [ الأحزاب : 53] :

عدة علل لتحريم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

منها إكرام النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه وتعظيمه صلى الله عليه وسلم ، وأن فيه أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه ينافي غيرته صلى الله عليه وسلم ، وأن المرأة تكون لآخر زوجها في الجنة.

ولم يذكر أحد أن العلة هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة دنيوية، بل قالوا : إن مطلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لا تحل لأحد.

قلت: لو كانت العلة الحياة- لجاز نكاح مطلقته صلى الله عليه وسلم ، وبهذه التحقيقات بطلت هذه الشبهة من أصلها والحمد لله.

الشبهة الثانية: هي زعم القبورية عامة، والديوبندية خاصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية ، ولذلك لا تورث تركته ، فإن الحي لا يورث.

وقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة:

بأن العلة لعدم كون تركة النبي صلى الله عليه وسلم تورث - إنما هي قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا نورث ما تركنا صدقة » .

وقد صرح علماء الحنفية في شرح هذا الحديث بأن ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صدقة لا تورث، وأن الحكمة في سبب عدم ميراث الأنبياء عليهم السلام : أنه لا يظن بهم أنهم جمعوا المال لورثتهم.

أو لئلا يخشى على وارثهم أن يتمنى لهم الموت فيقع في محذور عظيم.

أو لأن الأنبياء كالآباء لأممهم ، فمالهم حق لأممهم جميعا، لا لفرد واحد منهم.

وهذا معنى الصدقة، فمالهم صدقة على أممهم جميعا.

قلت: لقد تبين بهذا التحقيق بطلان هذه الشبهة القبورية ، وقضي عليها بحمد الله تعالى .

الشبهة الثالثة: تشبث القبورية بحديث قليب بدر ، وهو « أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر وقد ألقى فيها القتلى من صناديد قريش، فقال لهم: " أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا... "؟ قال عمر : يا رسول الله ! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ قال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم » ... " الحديث.

وقد استدل بهذا الحديث عامة القبورية على سماع الأموات * ليتوسلوا بذلك إلى جواز الاستغاثة بهم عند الكربات *

الجواب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بأن هذا كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان خاصا به صلى الله عليه وسلم .

وقد أحياهم الله تعالى ليسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، توبيخا لهم، وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما؛ فلا دلالة في هذا الحديث على أن جميع الموتى يسمعون؛ فلا يقاس عليهم غيرهم.

قلت: ويؤيد ذلك قول قتادة الراوي عن أنس رضي الله عنه :

(أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ).

الحاصل: أن هذا الحديث خارج عن موضوع النزاع ، لأنه في الأحياء لا في الأموات.

ولأنه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الخارقة للعادات* لا في سائر الأموات ولا سائر الأحوال والأوقات* فبطل استدلال القبورية به على ثبوت سماع الأموات* تمهيدا لجواز الاستغاثة بهم عند إلمام الملمات* أقول: حديث القليب هذا من أعظم الحجج الساطعة والبراهين القاطعة على نفي سماع الأموات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كلم هؤلاء الكفار الموتى الملقون في القليب-قليب بدر- استغرب ذلك عمر بن الخطاب جدّا وقال أمام بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

( يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ؟؟؟).

وفي لفظ : ( يا رسول الله ، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟؟؟).

وفي لفظ : ( يا رسول الله ، كيف يسمعوا ؟؟؟ وأنى يجيبوا ؟؟؟ وقد جيفوا...).

فدل ذلك على أن عقيدة الصحابة رضي الله عنهم : أن الأموات لا يسمعون، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على استغراب عمر ، واستبعاده.

الشبهة الرابعة: تشبثت القبورية بحديث قرع النعال، وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحاب، وإنه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فأقعداه... » الحديث.

قالوا : إن هذا الحديث يدل على أن الأموات يسمعون ، فثبت سماع الأموات* فجاز نداؤهم عند الكربات*.

الجواب: لقد أجاب علماء الحنفية بعدة أجوبة أذكر منها ثلاثة:

الجواب الأول: أن هذا الحديث غاية ما فيه أنه يدل على أن الميت يسمع قرع نعال الناس أول ما يوضع في القبر، فالدعوى أعم من الدليل، والدليل أخص من الدعوى؛ لأن الدعوى : أن الميت يسمع كل حين جميع أصوات المستغيثين به، فلا مطابقة بين المدعى وبين الدليل، وقالوا : لا بد أن يحمل هذا الحديث على أول وضع الميت في القبر جمعا بينه وبين قوله تعالى : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [ النمل: 80]، وقوله سبحانه : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ فاطر : 22] ؛ لأنهما يفيدان تحقيق عدم سماعهم ، فلا بد من حمل هذا الحديث على أول وضعه ، دفعا للتعارض بين هاتين الآيتين وبين هذا الحديث.

الجواب الثاني: أن علماء الحنفية قد صرحوا بأن الميت تعاد إليه روحه عند سؤال الملكين؛ قال العيني ( 855هـ ) : ( جاز أن يكونوا سامعين ، إما بآذان إذا قلنا: إن الأرواح تعاد إلى الأجساد عند المسألة، وهو قول الأكثر من أهل السنة...).

قلت: إذا كان الأمر كذلك فهذا الحديث يكون خارجا عن محل النزاع، لأن النزاع في سماع الميت، لا في سماع الحي.

قال العلامة عبد السلام الرستمي حفظه الله- وهو من كبار علماء الحنفية الرادين على القبورية- : ( ويدل عليه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في عذاب القبر طويلا وفيه : " وتعاد روحه في جسده... ". رواه أحمد ، وأبو داود، ومشكاة ، ص26 ج1).

الجواب الثالث: أنه لا يلزم من سماع قرع النعال سماع الكلام.

قال العلامة عبد السلام الرستمي حفظه الله:

(والجواب الثالث: على تقدير الظاهر : أن الثابت منه سمع خفق النعال فقط، لا سمع الكلام ، ولا فهم الكلام، كما أن من كان تحت السقف ، وفوق السقف رجل يمشي على السقف ويتكلم فالذي تحته لا يسمع كلامهم ولا يفهم، نعم يسمع خفق نعاله فقط ) .

قلت: الحاصل: أنه قد تبين من هذه التحقيقات الحنفية أنه لا يوجد أي دليل ولا شبه دليل يدل على سماع الأموات* كل وقت وحين جميع أصوات المستغيثين بهم عند الكربات* بل الحجج السابقة براهين باهرة، وسلاطين قاهرة على أن الأموات* لا يسمعون نداء المستغيثين بهم لدفع المضرات، وجلب الخيرات* وأن القبورية في عقيدتهم وغلوهم في حياة الأموات وسماعهم في أقبح السفاهات* وأن وصفهم للموتى بسماع جميع الأصوات في كل الأوقات* وعلمهم بأحوال الكون من أعظم الوثنيات* وللعلامة شكري الآلوسي (1342هـ) كلام مهم حقق فيه أن القول بأن الأنبياء والأولياء يسمعون أصوات العباد كلهم، وأصوات الخلائق كلها، وأنهم يعلمون ما يفعله العباد كلهم ، ويجيبون دعاءهم- كفر من جنس قول النصارى في المسيح، وأنه شرك وتأليه لغير الله، فليس هذا إلا لله وحده الذي يسمع أصوات الخلائق كلهم.

تنبيه النبيه:

لقد أجاب الفنجفيرية من الحنفية الماتريدية النقشبندية الديوبندية عن هذا الحديث الصحيح، وحديث قليب بدر- وغيرهما- بأنها من أخبار الآحاد الظنية المخالفة لقطعيات القرآن - فلا يؤخذ بها، إذ لا عبرة بالظن في باب الاعتقادات.

قلت: هذا فاسد باطل* كاسد عاطل* لأن هذا من خرافات الجهمية وأفراخهم الماتريدية والحق أن مثل هذه الأحاديث المحتفة بقرائن الصحة، ولا سيما أحاديث الصحيحين- قطعية مفيدة للعلم القطعي النظري.

وأقول: لما عرفنا بطلان عقيدة القبورية في الحياة والسماع للأموات*- بطلت عقيدتهم في الاستغاثة بهم عند الكربات* والآن ننتقل إلى الفصل الآتي- لنعرف بطلان زعمهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نور ، لا بشر.

 

الفصل الثالث

في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية بجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا

وفيه مبحثان:

- المبحث الأول: في ذكر كلام بعض علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبورية هذه.

- المبحث الثاني: في تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق.

المبحث الأول

في ذكر كلام بعض علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبورية من أن النبي صلى الله عليه وسلم نور لا بشر

من السفاهات العجيبة، والحماقات الغريبة، التي ارتكبها كثير من القبورية، ولا سيما البريلوية- هي عقيدتهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم نور لا ظل له كما سبق.

ولما كانت هذه العقيدة من أعظم السفاهات والسفسطات* وتخالف العلوم الضرورية والمحسوسات والبديهيات*- أردت أن لا أطول فيها وأكتفي بنبذة يسيرة من كلام علماء الحنفية في إبطال هذه السفسطة؛ وأحسن ما وجدت من كلام علماء الحنفية في إبطال هذه العقيدة، من ناحية الاختصار والقوة والنصيحة والجامعية- هو كلام الشيخ المفتي رشيد أحمد اللديانوي أحد كبار علماء الحنفية المعاصرة؛ فأكتفي به، فأقول : لقد سئل الشيخ المفتي رشيد أحمد اللديانوي :

ما حكم من يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم نور، بينوا تؤجروا؟؟؟

فقال في الجواب: الجواب باسم ملهم الصواب:

لقد أطلق على النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نور؛ ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم نور بمعنى أنه على الهداية التامة من الله، وأنه هاد لغيره إلى صراط مستقيم، وبهذا المعنى يصح أن يقال: أن جميع الأنبياء عليهم السلام أنوار، لأنهم على الهداية وأنهم هداة الأمم، فالنور ههنا بمعنى الهداية [والهادي]؛ وبهذا المعنى يصح أن يقال: إن كل مؤمن على نور من الله تعالى، أي على الدين والإيمان؛ كما قال سبحانه: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام : 122] ؛ فالهداية نور، والضلالة ظلمة، فالهداية نور باطني، كما أن الشمس والقمر والنجوم أنوار ظاهرية، والنور الباطني أفضل من النور الظاهري؛ ولذا نقول: إن المؤمن أشرف المخلوقات، فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الرسل الذين هم أفضل بني آدم؛ فمن أنكر بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله نورا لا ظل له كنور الشمس والقمر والنجوم مثلا- فقد استخف برسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة التعظيم، وصار هذا المحب كالصديق الأحمق الذي يضر بصديقه لحماقته وبلادته،

فهو أخس من العدو العاقل وأضر؛ فإن الله تعالى قد أمر الملائكة أن تسجد إلى آدم؛ فدل هذا على أن الأنبياء أفضل من الملائكة؛ فلا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم بشرا وبين كونه نبيّا ورسولا، كما أنه لا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم نورا بمعنى هاديا ، وبين كونه بشرا؛ والحقيقة أن من يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لا بشر ويرى المنافاة بين البشرية والرسالة- فقد اعتقد عقيدة الكفار السابقين المنكرين للرسل عليهم السلام، الذين كانوا يرون المنافاة بين الرسالة والبشرية.

وقد رد الله عليهم في عدة مواضع من كتابه الحكيم.

الغرض: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور أيضا بمعنى الهادي، وبشر أيضا، فمن أنكر كونه صلى الله عليه وسلم بشرا- فقد كفر؛ لأنه إنكار لعدة نصوص قرآنية، واستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم .

قلت: لما كان كلامه مجملا- أردت أن أفصله وأبرهن عليه في المبحث الآتي:

المبحث الثاني

في تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق

التنبيه الأول: أن قوله : ( وقد رد الله عليهم في عدة مواضع من كتابه الحكيم).

يشير به إلى تلك الآيات التي رد الله تعالى فيها على المشركين السابقين المنكرين للرسل .

حيث كانوا يزعمون أن الرسول لا يكون بشرا، 1- كما قال تعالى : { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } [هود:27].

2 - وقال سبحانه : { قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } [ إبراهيم: 10]، 3- وقال جل وعلا : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا } [ الإسراء : 94] .

4 - وقال عز وجل : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } [الأنبياء : 3] .

5 - وقال جل جلاله : { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } [المؤمنون : 24 ] ، 6- وقال تباركت أسماؤه : { وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ } ...

{ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34- 35 ] .

7 - وقال جلت صفاته : { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } [المؤمنون : 47] .

8 - وقال جل مجده : { قَالُوا ....* مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } ... [الشعراء: 153-154] .

9 - وقال سبحانه : { قَالُوا ... * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } ... [الشعراء : 185- 186] .

10 - وقال تعالى : { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } [ يس : 15 ] .

11 - وقال سبحانه : { فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ } [ القمر : 24 ] .

12 - وقال جل وعلا { فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] .

وغيرها من الآيات؛ وفيها دليل على أن عقيدة إنكار كون النبي صلى الله عليه وسلم بشرا هي بعينها عقيدة المشركين السابقين ؛ فالبريلوية ومن على شاكلتهم من القبورية الغلاة في الحقيقة خلف لهؤلاء السلف من كبار الكفار المشركين الذين كانوا منكرين لبشرية الرسل، ويعتقدون أن الرسل ليسوا من جنس البشر !!!

التنبيه الثاني: أن قوله : ( لأنه إنكار لعدة نصوص قرآنية ) يشير به إلى تلك الآيات التي بين الله تعالى فيها للمشركين أن الرسل إنما هم بشر مثلكم- في أنهم من بني آدم ، وأنهم رجال، وأنهم معروفون بالنسب فيكم،

يأتي عليهم مثل ما يأتي على بني آدم من عوارض البشرية، كالنسيان، والعجز ، والمرض ، والجوع، والعطش ، والزواج ، والذرية ، ونحو ذلك؛ غير أن الله تعالى أكرمهم بالرسالة، وفضلهم ، ومنّ عليهم ، وجعلهم هداة للأمم؛ 1- كما قال سبحانه وتعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [ يوسف : 109] .

2 - وقال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38]،

3 - وقال جل وعلا : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم: 11] ،

4 - وقال عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ } [ النحل: 43 ] ،

5 - وقال سبحانه: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } [ الإسراء:93]،

6 - وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [ الكهف: 110، وفصلت : 6]،

7 - وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ...* وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } [ الأنبياء : 7- 8]،

8 - وقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } [ الفرقان: 20 ] ؛

وهذا في الجواب عن شبهة المشركين وقولهم فيما حكاه الله عنهم:

{ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ } [الفرقان : 7]،

وغيرها من الآيات الكريمات التي تدل على أن جميع الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم أبو القاسم محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بشر، وأنهم في العوارض البشرية مثل سائر الناس، وأن لهم آباء وأبناء وأزواج، ومأكل ومشرب، وحوائج بشرية، وأنهم مركبون من اللحم والشحم والعظام.

التنبيه الثالث: أن هذه الآيات براهين باهرة، وسلاطين قاهرة على سفاهة البريلوية وغيرهم من القبورية - الذين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لا بشر، وأنه لا ظل له؛ ومعنى ذلك أنه كان نورا حسيا شفافا كالزجاج، وتدل هذه الآيات أيضا على أن هؤلاء القبورية في اعتقادهم هذا على اعتقاد المشركين السابقين، وبينهم جميعا قدر مشترك في هذه العقيدة؛ وهو أن المشركين السابقين وهؤلاء القبورية يرون المنافاة بين البشرية والرسالة، هذا هو القدر المشترك، ولكن ههنا فارق بين المشركين السابقين وبين هؤلاء القبورية، وهو أن المشركين السابقين كانوا يشاهدون بشرية الرسل فلم يمكن إنكار بشريتهم؛ لأن إنكار الحس والمشاهدة لا يصدر إلا من مجنون.

ولكن أنكروا رسالتهم ، لأن رسالتهم لم تكن من الأمور المحسوسة؛ فقالوا : أنتم بشر، فكيف تدعون الرسالة؟!؟ أما هؤلاء القبورية-

فهم يؤمنون برسالة الرسل؛ لأنهم منتسبون إلى الإسلام، والإيمان بالرسل من ضروريات هذا الدين؛ بحيث لم يشتبه على أحد من الرجال والنساء، ولكنهم لما لم يشاهدوا بشريتهم، وكانوا من الغلاة في التعظيم- أنكروا بشرية الرسل عليهم السلام، فهذا هو الفارق بين هؤلاء القبورية وبين الوثنية الأولى، وإلا فهم جميعا مشتركون في القدر المشترك من أصل هذه العقيدة الفاسدة، وهو زعم المنافاة بين البشرية والرسالة.

وبعد هذا ننتقل إلى الباب السادس؛ لنعرف جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة علم الغيب، والتصرف في الكون لغير الله

 

 

الرجوع للصفحة الرئيسية