جهود علماء الحنفية في إبطال عقائ

 جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

- الباب الثالث - 2-

 

الفصل الثاني

في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن الشرك موجود في القبورية من هذه الأمة وأنه انتشر شرقًا وغربًا وردهم على القبورية في ذلك

وفيه مباحث ثلاثة :

- المبحث الأول : في تحقيق علماء الحنفية أن الشرك موجود في القبورية في شرق الأرض وغربها ، وأن القبورية قد عمت البلاد وطمست العباد إلا من رحمه الله .

- المبحث الثاني : في جهود علماء الحنفية في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى ، وتحقيق أن القبورية أشد شركًا من مشركي العرب في باب الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات .

- المبحث الثالث : في جواب الحنفية عن شبهة القبورية التي تشبثوا بها من إنكار وجود الشرك في هذه الأمة .

المطلب الأول

في تاريخ القبورية إجمالًا

لقد سبق على لسان علماء الحنفية :

أن القبورية نشأت من قوم نوح عليه الصلاة والسلام ؛ ثم انتشرت وتطورت وعمت جميع الأمم من المشركين كعاد ، وثمود ، ومدين ، وغيرهم ، ثم اليهود والنصارى ، فضلًا عن العرب في الجاهلية ، وكذا الفلاسفة بيونان ، ومن طريق هؤلاء الأمم تسربت القبورية إلى الروافض والصوفية والمتفلسفة في الإسلام ومن هؤلاء جميعًا دخلت عبادة القبور وأهلها - على المنتسبين إلى المذاهب الأربعة ؛ ففي الحنفية أكثر ، ثم في المالكية والشافعية ، وفي الحنابلة نزر قليل ؛ فعمت العباد وطمت البلاد إلا من شاء الله تعالى من أهل التوحيد ، وتوضيح ذلك وتحقيقه في المطلب الثاني على لسان علماء الحنفية بشيء من التفصيل .

 

المطلب الثاني

في جهود علماء الحنفية في بيان

أن الشرك بعبادة القبور وأهلها قد طم البلاد وعم العباد

من هذه الأمة إلا من شاء الله تعالى من أهل التوحيد

لقد سرح علماء الحنفية أنظارهم في أحوال القبورية من هذه الأمة فحققوا أنهم انتشروا في شرق الأرض وغربها *

وسهولها وجبالها * وقراها ومدنها * وبلادها وعبادها * وهندها وأفغانها * وتركها ورومها * وما وراء نهرها*

ومصرها وشامها * ونحوها : برها وبحرها *

وبهذا قد كذب علماء الحنفية دعوى القبورية في عدم وقوع الشرك في هذه الأمة لأن القبورية قد ادعوا لتبرير شركياتهم :

أن الشرك غير واقع وغير موجود ، وأن المؤمنين الموحدين وزوار القبور المستغيثين بالأولياء - لا يشركون بالله ولا يعبدون الأولياء ولا قبورهم ، وإنما يعظمونهم ويستعينون بهم وينذرون لهم ويتوسلون بهم إلى الله عز وجل .

وفيما يلي أسوق نصوص علماء الحنفية التي تكذب القبورية وتثبت

وجود الشرك فيهم بأوسع ما يكون وأن القبورية اتبعوا سنن اليهود والنصارى والمشركين حذو النعل بالنعل شبرًا بشبر والقذة بالقذة .

1 - 8 - قال الإمام قاسم بن قطلوبغا (879هـ) ، وتبعه ابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني (970هـ) وخير الدين الرملي (993هـ) وسراج الدين عمر بن نجيم (1005هـ) ، وعلاء الدين الحصكفي (1088هـ) وابن عابدين الشامي (1252هـ) ، والعلامتان : شكري الآلوسي (1342هـ) والخجندي (1379هـ) ، واللفظ

للأول ؛ مبينين أحوال القبورية في عصورهم وعبادتهم لغير الله بالنذور والنداء والاستغاثة، وغيرها من أنواع العبادة :

(وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام - على ما هو مشاهد - كأن يكون لإنسان غائب ، أو مريض ، أو له حاجة ضرورية ؛ فيأتي بعض قبور الصلحاء فيجعل ستره على رأسه ؛ فيقول : يا سيدي فلان !

إن رد غائبي ، أو عوفي مريضي ، أو قضيت حاجتي ؛ فلك من الذهب كذا ، ومن الفضة كذا ، ومن الطعام كذا ، ومن الماء كذا ، ومن الشمع كذا ، ومن الزيت كذا :

فهذا النذر باطل بالإجماع ؛ لوجوه :

منها : أنه نذر لمخلوق ؛ والنذر للمخلوق لا يجوز ؛ لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون للمخلوق .

ومنها : أن المنذور له ميت ؛ والميت لا يملك .

ومنها : [أنه] إن ظن : أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى ، واعتقاده ذلك كفر ...) ؛ وزاد الحصكفي : (وقد ابتلي الناس بذلك ولا سيما في هذه الأعصار) ، وزاد ابن عابدين : (ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي ) ،

وحكاه عن النهر الفائق .

قلت : يظهر من هذا النص أن أكثر العوام في عصور هؤلاء العلماء الحنفية كانوا يستغيثون بالأموات * عند إلمام الملمات * وينذرون لهم أنواعًا من النذور عند الكربات * ولا يقصدون القبور إلا لهذه الشركيات معرضين عن دعاء رب البريات *

وهذه وثنية سافرة * قبورية فاجرة *

وهذا من أعظم الحجج على وجود الشرك في القبورية وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها .

9 - وقال الإمام البركوي (981هـ) مبينًا كثرة القبورية في بلاد

الروم والترك ؛ ناقمًا عليهم كاشفًا لعوراتهم ، مشتكيًا إلى الله عز وجل ، ذاكرًا سبب تأليف كتابه في الرد على القبورية :

(وبعد : فهذه أوراق انتخبتها من ((إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان)) للشيخ الإمام العلامة ابن القيم ..... ؛ لأن كثيرًا من الناس في هذا الزمان - جعلوا بعض القبور كالأوثان :

يصلون عندها ويذبحون القربان .... ؛ ومن أعظم مكائده [أي الشيطان] التي كاد بها أكثر الناس ، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته - ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه ، وأوليائه :

من الفتنة بالقبور ؛ حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله تعالى ، وعبدت القبور ، واتخذت أوثانًا ، وبنيت عليها الهياكل) .

10 - 11 - وقال الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني ومجدد الألف الثاني (1034هـ) ، وتبعه الشيخ محمد مراد المنزاوي المكي (؟) .

مشتكيًا حال القبورية إلى الله مبينًا أن الشرك قد عم وطم في جهلة أهل الإسلام رجالًا ونساء في الهند بطولها وعرضها :

(التبري من الكفر شرط الإسلام ، والاجتناب عن شائبة الشرك توحيد ، والاستمداد من الأصنام والطاغوت في دفع الأمراض والأسقام كما هو شائع فيما بين جهلة أهل الإسلام - عين الشرك والضلالة ... ، وأكثر النساء مبتليات بهذا الاستمداد الممنوع عنه بواسطة كمال الجهل فيهن يطلبن دفع البلية من هذه الأسماء الخالية عن المسميات ، ومفتونات بأداء مراسم الشرك وأهل الشرك ، خصوصًا وقت عروض مرض الجدري ... ، فإن ذلك الفعل مشهود ومحسوس ، من خيارهن وشرارهن ، في ذلك الوقت ؛ بحيث لا تكاد توجد امرأة خالية من دقائق هذا الشرك ... ؛ إلا من عصمها الله تعالى ... ، كما أن جهله أهل الإسلام خصوصًا طائفة نسائهم - يؤدون رسوم أهل الكفر ... ؛ وكل ذلك شرك وكفر بدين الإسلام ؛ قال الله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] ، وما يفعلونه من ذبح الحيوانات عند قبور المشائخ المنذورة لهم - جعله الفقهاء أيضًا في الروايات الفقهية داخلًا في الشرك ... ؛ ومثل ذلك صيام النساء بنية المشائخ ... ؛ ويطلبن حوائجهن منهم بواسطة تلك الصيام ، ويزعمن قضاء حوائجهن منهم ،

وهذا الفعل إشراك للغير في عبادة الله تعالى وطلب لقضاء الحوائج من الغير بواسطة العبادة إليه ) .

12 - 14 - وقال الإمام أحمد الرومي في (1043هـ) ؛ مبينًا حال القبورية في بلاد الشرك والروم ، وتبعه الشيخان : سبحان بخش الهندي (؟هـ) ، ومحمد إبراهيم السورتي (؟هـ) ، واللفظ للأول :

(قال ابن القيم في إغاثته نقلًا عن شيخه [شيخ الإسلام] :

إن هذه العلة [أي العكوف على القبور ، وإيقاد السرج عليها] - التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ القبور مساجد - هي التي أوقعت كثيرًا من الناس ، إما في الشرك الأكبر ، أو فيما دونه

من الشرك ؛ فإن الشرك ؛ بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه - أقرب إلى النفوس من الشرك بشجر أو حجر ؛ ولهذا تجد كثيرًا من الناس عند القبور يتضرعون ويخشعون ويعبدون بقلوبهم - عبادة لا يفعلون مثلها في بيوت الله تعالى ولا في وقت السحر ، ويرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء لديها - ما لا يرجون في المساجد ...) .

قلت : في هذا النص يبين لنا شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الهمام (751هـ) .

حالة القبورية في الشام ومصر ؛ ويبين لنا الإمام أحمد الرومي (1043هـ) أحوال القبورية في البلاد الرومية ، كما يبين لنا الشيخان : سبحان بخش ، والسورتي حالة القبورية في الديار الهندية وأنهم على كثرتهم يرتكبون الشرك بعبادة القبور وأهلها .

15 - 18 - وقال الإمام صنع الله الحلبي المكي (1120هـ) ؛

مبينًا سبب تأليف كتابه ((سيف الله ...)) كاشفًا عن أسرار القبورية الأستار بذكر عقائدهم الشركية الوثنية ، وتبعه العلامتان : شكري الآلوسي (1342هـ) والخجندي (1379هـ) وشيخ القرآن الفنجفيري (1407هـ) واللفظ للأول :

(هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات *

يدعون أن للأولياء تصرفًا في حياتهم وبعد الممات * ، ويستغاث بهم في الشدة والبليات * وبهممهم تكشف المهمات *

فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات * ؛ مستدلين على أن ذلك منهم كرامات * ......) .

قلت : هذا النص بين لنا فيه الشيخ صنع الله أحوال القبورية التركية والرومية ويبين فيه لنا الآلوسي أحوال القبورية العراقية ، ويبين فيه لنا الخجندي أحوال القبورية بما وراء النهر ويبين فيه لنا الفنجفيري أحوال القبورية بباكستان وأفغانستان ،

وفي ذلك عبرة للقبورية أيما عبرة !!!

19 - وقال الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) مبينًا شرك القبورية في البلاد الهندية الشاسعة بطولها وعرضها ، محققا أنهم على طريقة المشركين الأولين :

(وإن كنت متوقفًا في تصوير حال المشركين وعقائدهم وأعمالهم ؛ فانظر إلى حال العوام والجهلة من أهل الزمان ، خصوصًا من سكن منهم بأطراف دار الإسلام ؛ كيف يظنون الولاية وماذا يخيل إليهم منها ..... ؛ ويذهبون إلى القبور والآثار ، ويرتكبون أنواعًا من الشرك ، وكيف تطرق إليهم التشبيه والتحريف ؟

ففي الحديث الصحيح : « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل » .

وما من آفة من هذه الآفات إلا وقوم من أهل هذا الزمان واقعون في

ارتكابها ، معتقدون مثلها) .

20 - وقال رحمه الله أيضًا مبينًا أن الشرك قد عم وطم :

(فلست أرى أحدًا إلا وفيه الإشراك ؛ كما قال تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] .

قلت : نص هذا الإمام في بيان انتشار القبورية في البلاد الهندية لا يحتاج إلى تعليق ، فهو بنصه وفصه يدل على أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام في البلاد الهندية كانوا قبورية وثنية عبدة القبور وأهلها .

21 - وقال ابن عربشاه (854هـ) : واصفًا حال القبورية ببغداد وما وراء النهر وتهافتهم على عبادة القبور وأهلها تهافت الفراش على النار ، حتى عبدوا الفسقة الفجرة * من الملوك الظلمة الجورة * ؛ حيث كانوا يعبدون تيمور (806هـ) وقبره بأنواع من العبادات ؛

إلى أن جعلوه وثنًا يعبد من دون الله :

(* وقبره في مكانه المشهور * تنقل إليه النذور * وتطلب عنده الحاجات * ويبتهل عنده بالدعوات * وتخضع الملوك إذا مرت به إعظامًا * وربما تنزل عن مراكبها إجلالًا له وإكرامًا *) .

22 - ومن أوضح الحجج على أن أكثر الناس صاروا قبورية لجهلهم بالتوحيد - ما ذكره علماء الحنفية :

من أن التتار لما أغاروا على بلاد الشام - كان القبورية يخرجون يستغيثون بالموتى عند القبور ، يرجون عندها كشف الضر ، ودفع التتار ؛ ولذا قال بعض شعراء القبورية :

يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر

وفي لفظ :

عوذوا بقبر أبي عمر ... ينجكيم من الضرر

وقد صرح علماء الحنفية بعد ذكر هذه القصة المؤلمة أيضًا :

أن أهل العلم والفضل والفهم ممن كانوا يدركون الأمور ويعرفون الواقع -

لم يشتركوا أولًا في قتال التتار ؛ ولم ينجح القبورية بل التتار غلبوهم ؛ لأن القيادة كانت بأيدي القبورية المستغيثين بالأموات ، ولكن لما نصحوا وقبلوا النصيحة ونبهوا - انتبهوا ، وأخلصوا الدعاء لله تعالى ، وجاهدوا التتار بقيادة شيخ الإسلام فنصرهم الله تعالى على التتار .

لأن الجهاد في المرة الأولى لم تكن فيه فائدة لا دينية ولا دنيوية ؛ لعدم القتال الشرعي .

قلت : ما أشبه الليلة بالبارحة ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ فإن كثيرًا من الجهاد في أفغانستان كان بقيادة القبورية ؛ ولذلك رأيت ما حدث الآن بعد جهاد استمر حوالي خمس عشرة سنة !؟! .

23 - وبهذه المناسبة أذكر ما ذكره الشيخ عبد الرزاق البيطار الحنفي رحمه الله (1335هـ):

من أن جنود الفرنسيين والإفرنج حينما أغاروا على مصر صاح المحاربون في المسلمين وصرخوا مستغيثين بغير الله مع الله :

(يا رب يا لطيف ، ويا رجال الله ، ونحو ذلك) ؛ 24- وعلق عليه حفيده الشيخ محمد بهجت البيطار بقوله :

(قال تعالى : { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [ الجن : 18 ] ، وقال سبحانه وتعالى : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [ النمل : 62 ] ....) .

قلت : يظهر من هذا وأمثاله أن الشرك والقبورية والوثنية تموج أمواجًا *

حتى صار المنهل العذب ملحًا أجاجًا *

25 - وبهذه المناسبة تذكرت ما ذكره الكوثري أحد أئمة القبورية

ورافع لواء الجهمية وشيخ عصبة المتعصبة المقلدة الحنفية والوالغ في أعراض الأئمة :

من أن أرض الشام يحرسها من الآفات والبلايا - أربعة من الأولياء الذين يتصرفون في قبورهم .

انظر أيها المسلم إلى هذا الكفر البواح والشرك الصراح الذي ارتكبه قبورية الشام !؟!

26 - 27 - وقال الإمام المجاهد إسماعيل الدهلوي الملقب عند الحنفية بالشاه الشهيد (1246هـ) وتبعه الشيخ أبو الحسن علي الندوي مبينين استفحال الشرك بعبادة القبور وأهلها في البلاد الهندية ، محققين أن أكثر الناس هم أهل الشرك بالله تعالى :

واللفظ للثاني :

(استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس :

اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر ... ، مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة :

ومن المشاهد اليوم أن كثيرًا من الناس - يستعينون بالمشائخ والأنبياء والأئمة والشهداء ... ، تقليد جهال المسلمين للمشركين القدامى :

والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقًا مع آلهتهم - إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء والأئمة

والشهداء والملائكة والجنيات ، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ، وحذو القذة بالقذة ، والنعل بالنعل .

فما أجرأهم على الله !

وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى والحقيقة والدعوى ، وصدق الله العظيم ، إذ قال في سورة يوسف (106) :

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } .

28 - وله مبحث مهم وتحقيق حقيق وعميق في عودة الوثنية الأولى والجاهلية الجهلاء في كثير المنتسبين إلى الإسلام بل أكثرهم .

29 - وتبعه في ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي .

30 - 31 - وقال الإمام محمود الآلوسي (1270هـ) وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) مبينين حال القبورية العراقية وغيرهم واللفظ للأول :

(إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله من الأولياء :

الأحياء منهم والأموات :

مثل يا سيدي فلان ! أغثني .

وليس ذلك من التوسل المباح في شيء ..) .

وقالا واللفظ للأول أيضًا في بيان إشراك القبورية :

(وأعظم من ذلك : أنهم يطلبون من أصحاب القبور نحو إشفاء المريض وإغناء الفقير ورد الضالة ، وتيسير كل عسير) .

32 - 36 - وقال رحمه الله وتبعه العلامتان : ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والشيخان الرباطي والرستمي مبينين أن القبورية انتشرت في البر والبحر وأن شرك القبورية أشد وأعظم من شرك الوثنية الأولى :

واللفظ للأول :

(وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جم في بر أو بحر - دعوا من لا يضر ولا ينفع * ولا يرى ولا يسمع * ...) .

إلى آخر كلامه القامع للقبورية القاطع لدابرهم والقالع لشبهاتهم .

37 - 38 - وقال رحمه الله أيضًا وتبعه الشيخ الغلام الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1980م) مبينين أن القبورية في كثرتهم الكاثرة أكثر من الدود ، وذلك في تفسير قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف : 106 ] :

(إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلًا ، وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان ،

ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها ، وهم اليوم أكثر من الدود) .

39 - وقال رحمه الله مبينًا أن أكثر العوام قد ارتكبوا شركًا أشد من شرك الوثنية الأولى ، وذلك في تفسير قوله تعالى : { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [النحل : 54 ] :

(وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام اليوم :

من الجؤار إلى غير الله ....- سفه عظيم وضلال جديد ، ولكنه أشد من الضلال القديم .....) .

40 - 45 - وقال رحمه الله ، وتبعه العلامتان : ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والعلام الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1980م) والشيخان : الرباطي والرستمي ، واللفظ للأول ، مبينين أن القبورية يرتكبون أنواعًا من الإشراك بالله تعالى ، وأنهم مفسدون للدين وضحكة لليهود والنصارى وأهل النحل والدهرية لسفاهتهم :

(وفي قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا } ....إلخ [ الحج : 73 ] - إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله ، وينذرون لهم النذور ....، قاتلهم الله ! ما

أجهلهم ! وأكثر افتراءهم ! ...... ، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم ، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة :

من اليهود والنصارى ، وكذا لأهل النحل والدهرية) .

46 - 49 - وقال رحمه الله مبينًا كثرة القبورية المستغيثين بالأموات عباد القبور وأهلها بأنواع العبادات ، وتبعه العلامتان ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والشيخ الرستمي ، وذلك في تفسير قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } [ الزمر : 45 ] :

(وقد رأينا كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله بها المشركين ؛ يهشون لذكر أموات ، يستغيثون بهم ويطلبون منهم ...) .

إلى آخر كلامه القامع للقبورية القاطع لدابرهم القالع لشبهاتهم .

50 - وقال رحمه الله رادا على خرافات الغزالي حجة إسلام الصوفية والقبورية والأشعرية الجهمية (505هـ) ، والرازي فيلسوف الأشعرية وأحد أئمة الجهمية المعطلة المشككة الغلاة (606هـ) ، مبينًا كثرة

القبورية سخفة العقول :

وذلك في تفسير قوله تعالى : { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } [النازعات : 5] :

(وكذا في حملها على النفوس الفاضلة المفارقة - إيهام صحة ما يزعمه كثير من سخفة العقول :

من أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ الغريق والنصر على الأعداء وغير ذلك مما يكون في عالم الكون والفساد ، على معنى أن الله فوض إليهم ذلك ، ومنهم من خص ذلك بخمسة ، والكل جهل ، وإن كان الثاني أشد جهلا) .

51 - وقال العلامة السهسواني (1326هـ) مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من رحمه رب العباد * ، ولا سيما بلاد اليمن ، أما بلاد الهند ونحوها فالأمر فيها أطم وأعم :

(ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالًا - فليخبرنا ما معنى ما نسمعه في الأقطار اليمانية ؟ :

من قولهم :

((يا ابن العجيلي )) ، ((يا زيلعي )) ، ((يا ابن علوان )) ، ((يا فلان)) ،

((يا فلان)) ؛ هل ينكر هذا منكر ؟ ويشك فيه شاك ؟

وأما ما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم ! ففي كل قرية ميت يعتقده أهلها وينادونه ، وفي كل مدينة جماعة منهم ، حتى أنهم في حرم الله ينادون : ((يا ابن عباس )) ، ((يا محجوب)) ! فما ظنك بغير ذلك ؟

فلقد تلطف إبليس وجنوده - أخزاهم الله تعالى - لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة تزلزل الأقدام عن الإسلام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون) .

52 - وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) مشتكيًا حال القبورية وإفراطهم وانتشارهم في هذا الزمان * وارتكابهم للشرك في كل مكان * :

(وقد تعاظم الأمر في هذه الأزمان * وظهرت البدع في كل مكان * وبنيت القبب المذهبة على القبور * ونذرت لها النذور * وجعلت عليها الشبابيك من العين * وسرجت عليها السرج وقناديل اللجين * ووضعت عليها الأسلحة المجوهرة * وصرفت على سدنتها وبنائها القناطير

المقنطرة * وطاف حولها الزائرون * وتبرك بتقبيلها والتمسح بأعتابها الداخلون * وطلبوا منهم قضاء الحاجات * وتفريج الكربات * وجعلوا ذلك من أعظم الطاعات * ورموا من زجرهم عن هذا الفعل الشنيع بأعظم الهنات * وأسمعوه ما يكره من الكلمات * ...، فإنا لله وإنا إليه راجعون ) .

53 - وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) بعدما ذكر عقائد المشركين السابقين وبعض أنواع الشرك الأكبر مبينًا أن القبورية عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من شاء الله :

(وهذا الجهل قد عمت به البلوى في زمن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ، وقبله وبعده ، كما قال في الكافية الشافية :

ولقد رأينا من فريق يدعي ال ... إسلام شركًا ظاهر التبيان

جعلوا له شركاء والوهم وسو ... ووهم به في الحب لا السلطان

إلى آخر الأبيات) .

54 - وقال رحمه الله مبينًا أن القبورية عمت وطمت حتى ابتلي بها كثير من العلماء فضلًا عن العوام والصوفية :

(وقد رأيت - والله ! - بعيني رأسي من سجد للأعتاب * معرضًا عن رب الأرباب * ، ولا أقول : إن العوام فقط على هذا المنوال * فكم قد رأينا وسمعنا عمن يدعي العلم قد فعل هذه الفعال * ، وأما من ينتسب إلى طريقة من الطرائق الكثيرة - فعنده : أن الاستمداد من روحانية المشائخ والاستغاثة بهم من الواجبات الشهيرة ؛ فلا حفظ الله لهم حريمًا * ولا صان لهم أديمًا *

نسأله أن يطهر الأرض من أمثالهم * ويريح المسلمين من كفرهم وإضلالهم * ) .

54 - وقال رحمه الله بعد ذكر فضائح القبورية وشركياتهم ، وأن القبورية قد صنعوا ما صنع اليهود والنصارى والمشركون من عبادة القبور وأهلها ، مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من عصمه

رب العباد * :

(وقد عم هذا البلاء جميع بلاد المسلمين إلا ما ندر وقل ، ولا ينجح الإنكار على ذلك شيئًا ، بل ربما أوقعوا المنكر في مهاوي الهلكة ، وبدعوه وضللوه) .

55 - وقال رحمه الله بعد ذكر فضائح القبورية مبينًا كثرة القبورية العراقية ، وأنهم على طريقة إخوانهم من المشركين الأولين ، بل أشنع شركًا منهم :

(ومن ذهب إلى مشاهد أهل البيت وغيرهم من الأولياء في بغداد في مواسم الزيارات - تحقق ما ذكرناه ، واستقل بالنظر إلى فعل هؤلاء ما كان يفعله المشركون عند آلهتهم ، كاللات والعزى) .

56 - وقد ذكر رحمه الله تعالى حديث :

« لتتبعن سنن من كان قبلكم » .... .

ثم قال :

( فلا بد أن يكون الذين يحذون حذوهم - هم من بدل وغير وابتدع وحرف وحاكى الذاهبين الأولين في أفعالهم وأعمالهم .

من بناء المشاهد والمساجد على قبور صالحيهم ، وندائهم في

المهمات والملمات ، وغير ذلك مما كان يفعله اليهود والنصارى والمشركون ...) .

إلى آخر كلامهم الطيب المكذب للقبور القاطع لدابرهم القامع لدينهم والقاطع لشبهاتهم .

57 - وله رحمه الله كلام مهم في شرح الحديث المذكور وتحقيق عميق لإثبات أن دولة القبورية قد عادت فشب على الشرك الصغير وشاب عليه الكبير واتبعوا سنن اليهود والنصارى والمشركين ، إلى آخر كلام يقطع دابر القبوريين .

58 - ولقد ذكر رحمه الله أن الجماهير من الناس ابتلوا بالشرك الأكبر من عبادة القبور وأهلها أنواعًا من العبادة .

ثم ذكر عجائب من كفريات القبورية وشركياتهم ، وهي أمثلة تدل على أن من أهل اليمن والمغرب والعراق ومصر وغيرها قبورية وثنية .

59 - وله رحمه الله كلام آخر مهم جدا يحقق أن غالب الناس شرق الأرض وغربها قبورية تصديقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لتتبعن سنن من كان قبلكم » .

فأصبح الدين منهم في أنين * والإسلام في بلاء مبين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

60 - وله رحمه الله كلام في غاية الأهمية في تحقيق أن القبورية

على عين ما كان عليه المشركون السابقون : من قولهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .

ولقد تألم الشيخ مسعود الندوي (1373هـ) : جدا مشتكيًا إلى الله تعالى فساد عقائد المسلم في العالم الإسلامي كله .

مبينًا : أن أكثر المسلمين في العالم قد عبدوا القبور بأنواع من العبادات بل قد عبدوا الأشجار والغارات ، وقد ارتكبوا أنواعًا من الإشراك بالله تعالى .

حتى تمكنت العقائد الوثنية في قلوبهم ، ووقعوا في سفاهات ليسخر منهم بسببها الكفار المستشرقون إلى آخر ما ذكره من الوثنيات القبوريات .

61 - وقال العلامة الخجندي رحمه الله (1379هـ)

بعد أن حقق أن الاستغاثة بالأموات * عند الكربات وإلمام الملمات * من أعظم العبادات * وأكبر الشركيات * مبينًا أن أكثر أهل بلاد

ما وراء النهر والبلاد التركية وبخارى والبلاد الهندية والبلاد الأفريقية - قبورية :

(فعلى كل طالب للحق بمطالعة تلك الكتب (كتب شيخ الإسلام وكتبه هو) ، ولا يكن كأكثر البخاريين والهنديين والأتراك والأفريقيين ، عبادًا لأهل القبور والأرواح .

فإنهم بهذا الاعتقاد مشركون ، ولا ينفعهم عند الله دعوى الإسلام ، أو المجاورة في الحرمين ، إلا إذا تابوا وأصلحوا وبينوا ....) .

62 - ولقد ذكر رحمه الله عدة أسباب لعودة الوثنية الأولى وانتشار القبورية في العالم .

63 - كما ذكر عدة قبور في العالم شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا جعلت أوثانًا تعبد من دون الله ، فانتشر الشرك والقبورية بأوسع ما يكون في العباد والبلاد ، من بخارى ، وسمرقند ، وتركستان ، وخجند ، وكاشغر ، وكربلاء ، ودمشق ، والقاهرة ، وطنطا ، وقونية ، وغيرها .

64 - وقال رحمه الله بعد ذكر مفاسد اتخاذ القبور مساجد في كلام قيم متين رصين ، مبينًا كثرة القبورية في جميع العالم :

(وكم نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام .

منها : اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعظموها ، فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدًا يطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب ....، وشدوا إليها الرحال ، وتمسحوا بها واستغاثوا ، وهكذا في جميع أنحاء العالم الإسلامي عمومًا ، وفي المدينة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبالجملة : أنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ...) إلى آخر كلامه القيم .

65 - وقال رحمه الله :

(والعبد الضعيف في زياراتي الأربع للمدينة الطيبة قد أمعنت النظر فشاهدت في المسجد النبوي وعند قبره الشريف ما يضاد الإيمان ويهدم الإسلام ، ويبطل العبادات :

من الشركيات والوثنيات * الصادرة من الغلو وتراكم الجهالات * ).

66 - وقال رحمه الله مشتكيًا إلى الله تعالى مبينًا أن غالب أهل بلاد بخارى ، وأفغانستان ، والهند ، وأجمير ، وبغداد ، ومصر ، والشام ، وغيرها ، قبورية يرتكبون الشرك الأكبر بالله تعالى :

(قلت : في هذه الآثار والأحاديث عبرة لمن اعتبر : أن تعظيم القبور وأصحابها ، والعكوف عليها والتوجه إليها ، والاستمداد منها - هو أصل الشرك .

فما يفعله الجهلة ، بل من هو في زي الصالحين ولباس أهل العلم :

من العكوف على القبور والتوجه إليها والنذر لها والاستمداد منها ، كغالب أهل بخارى ، وأفغانستان ، والهند ، ...، وأجمير ، وبغداد ، ومصر ، ودمشق ، وغيرها - فمصيبة عظيمة وبلاء جسيم موجبة لمقت الله وغضبه ) .

67 - وقد تألم رحمه الله جدا مشتكيًا إلى الله تعالى لأجل أن جمهرة الناس في البلاد الروسية ، وما وراء النهر ، وبخارى ، والتركستان ، وأفغانستان ، والصين ، وعامة بلاد الهند قبورية يحجون إلى قبور المشائخ ويطوفون لها ، وينذرون لهم النذور ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب ، وأنهم يتعرفون في الكون وأنهم حراس البلاد ، إلى غير ذلك من الوثنيات والكفريات والشركيات .

68 - وقد ذكر رحمه الله - مبينًا كثرة القبورية في بلاد ما وراء النهر ، والروسية وتركستان وبخارى ، والبلاد الروسية -:

أن سبب غلبة البلاء الأحمر السوفييت على هذه البلاد إنما هو الشرك وعبادة القبور ، ثم حذر رحمه الله أهل الهند بقوله :

يا أهل الهند ! إني أخاف أن ينزل الطوفان الأحمر (السوفييت) عليكم وعلى بلادكم بسبب عبادة القبور وأهلها ، فعليكم أن تستيقظوا من رقدتكم وتنتبهوا من غفلتكم وتوبوا إلى ربكم .

70 - وقال ابن آصف الفنجفيري (1407هـ) الملقب عند الحنفية

بشيخ القرآن مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد والعباد إلا من رحمه ربك :

(وقلما تجد بلدة إلا ولها آلهة تعبد وتستغاث بهم ويعتقدون أهلها فيهم أنهم يتصرفون فيها ، جعلوهم للنصر ، والرزق ، والأولاد ، ودفع الضر ، وينذرون لهم .

وقد امتلأت بلاد الأفاغنة (أفغانستان وما والاها) منها ، حتى جعلوا الأعباد ، والعروس على قبورهم في كل سنة وكل شهر وخميس وأحد ، وغير ذلك من الأيام .

فلذا قال الإمام ولي الله الدهلوي :

وما من بلدة إلا ولها آلهة تعبد .

فلذا ابتلوا بأنواع من الشرك ، ولا سيما بالشرك الفعلي ، ذكره في كتابه البدور البازغة 169) .

70 - ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي مبينًا حالة جمهرة المسلمين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) رحمه الله :

كانت العقائد الشركية قد نالت رواجًا بين عامة المسلمين بسبب اختلاطهم مع أصناف من المشركين ونفوذ الدولة الفاطمية الباطنية الإسماعيلية وانتشار الصوفية .

فكانوا يحملون من العقائد الشركية في الأولياء والصالحين والمشايخ - ما كان يعتقده اليهود والنصارى والمشركون :

من الطواف حول القبور والاستغاثة بأصحابها ، والحج إليها ، وبناء المساجد الفخمة عليها وعقد المهرجانات عليها عاما مقامًا ، والنذور إلى القبور ، وقد عمت وطمت هذه العقائد إلى أن جعلوا الميت كالإله ، والشيخ الحي كالنبي ، وكانوا قد عزلوا الله تعالى عن أن يتخذوه إلهًا ، وعزلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون رسولًا ، وارتكبوا ما كان محض دين المشركين والنصارى ، وقد وصلوا في عبادة القبور والسجود إليها ودعاء أصحابها وجعل القبور قبلة وكعبة -

إلى حد كان هؤلاء القبوريون المشركون بالقبور - يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله .

إلى أن كان الفسقة الفجرة أصحاب الكبائر من هؤلاء القبورية لا يتحاشون الكبائر .

ولكن إذا رأوا الميت أو الهلال فوق رأس قبة القبر المعبود خشوا من فعل الفواحش ، فيخشون المدفون تحت الهلال ولا يخشون خالق الأكوان ، وكانوا يحلفون بالله بالكذب ولا يحلفون بالميت كذبًا ، فكانوا في الشرك كما كان قوم إبراهيم حيث قال لهم : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } [ الأنعام : 81] .

وكان بعضهم يفضل شيخه على الأنبياء والمرسلين ويعتقد فيه الإلهية كالنصارى إلى غير ذلك في الكفريات والشركيات التي تدل على أن القبورية الوثنية قد عمت العباد وطمت البلاد إلا من شاء الله تعالى .

71 - ولقد ذكر الشيخ محمد يوسف الهندي تاريخ الوثنية القديمة وعقائد المشركين الأولين ، ثم ذكر أن الشرك قد عم وطم بعبادة القبور وأهلها في هذه الأمة إلا من رحمه الله ، وذكر أنواعًا من الإشراك الأكبر المخرج عن الملة - التي يرتكبها القبورية .

بحيث عادت الجاهلية الأولى والوثنية الخرقاء إلى أن حصل الأمر

بهم أنهم صاروا أشد شركًا من المشركين السابقين ؛ لأن السابقين كانوا لا يدعون الإله عند الكربات ، وأما هؤلاء القبورية فيدعون غير الله عند الكربات فهم أضل من الكفار السابقين .

وقال : (وإذا عرفت هذا فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر ...) .

72 - ( وهذا ملأ البر والبحر وشاع وذاع .

حتى أن كثيرًا ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار..) .

73 - ولقد اعترف الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري أحد مشاهير القبورية بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية مبينًا حالة القبورية المغربية ، فقال :

(إن كثيرًا من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) ، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء ، فيسجد له ، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده ، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى .

وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش (662هـ) : أنه الذي

خلق الابن والدنيا .

ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة - : يا مولانا عبد السلام ! الطف بعبادك . فهذا كفر) .

قلت : الحمد لله ، وله المنة على إتمام الحجة وإيضاح المحجة ، فقد اعترف هذا الغماري أحد أئمة هؤلاء القبورية ، بأن الشرك الصراح والكفر البواح قد وجدا في القبورية إلى حد جعلوا ابن مشيش ربًّا وخالقًا .

وبعد هذا أقول :

هذه كانت عدة نصوص لعلماء الحنفية وفي آخرها خاتم من شهادة ذلكم الغماري القبوري في وجود الشرك الأكبر في القبورية حتى في توحيد الربوبية فضلًا عن توحيد الألوهية .

وهي تكذب دعوى القبورية في إنكار وجود الشرك وتعمهم وتعلق شبهاتهم .

والآن ننتقل إلى مقارنة علماء الحنفية للقبورية بالوثنية الأولى وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق .

 

المبحث الثاني

في جهود علماء الحنفية

في المقارنة بين القبورية الحديثة وبين الوثنية القديمة

1 - لقد قام كثير من علماء الحنفية بالمقارنة والمقابلة بين القبورية الوثنية الحديثة في هذه الأمة وبين الوثنية القديمة من المشركين السابقين ، فحققوا أن كلا منهم أهل الشرك وأن القبورية الحديثة على طريقة الوثنية القديمة في الشرك وعبادة غير الله ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة والشبر بالشبر .

2 - وقد سبق كثير من نصوص علماء الحنفية في ذلك أيضًا .

3 - وسيمر بالقارئ الكريم كثير من نصوصهم في ذلك أيضًا إن شاء الله تعالى .

4 - بل للحنفية تحقيقات بديعة في أن القبورية الحديثة أشد شركًا من الوثنية القديمة .

5 - وأن القبورية الحديثة أعظم خوفًا وعبادة للقبور وأهلها منهم عند الكربات * لرب البريات وخالق الكائنات .

وذلك بعرض علماء الحنفية لعقائد المشركين السابقين وأنهم كانوا معترفين بتوحيد الربوبية وإنما كان إشراكهم باستغاثتهم بآلهتهم والنذور لهم وجعلهم وسائط بينهم وبين الله .

بل صرح علماء الحنفية : بأن الشرك والقبورية قد عما وطما إلى حد - لم يقتصرا في العوام والطغام فحسب بل سريا في كثير من أهل العلم والفضل والعقل والزهد والفقه وهم لا يشعرون .

6 - فوصل الأمر إلى أن :

(تعذر على العارفين الأمر بالعرف * وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف) .

(حتى نسج العالم الخبير على فيه من السكوت اللثام * وترك الأمر بالمعروف خوفًا من اللئام *) .

7 - الحاصل : أن القبورية أهل الشرك صدقًا وهم وثنية حقًا ، عباد الأوثان بلا شك ، عبد الأنصاب بلا امتراء ، وأنهم أتباع المشركين الأولين بلا ريب ، وأن الشرك الأكبر الصراح موجود واقع فيهم ، وبعدما عرفنا ذلك ننتقل إلى المبحث الثاني ؛ لأذكر جواب علماء الحنفية عن شبهة القبورية التي تشبثوا بها في عدم وقوع الشرك في الأمة .

*****

المبحث الثالث

في جهود علماء الحنفية في الجواب عن شبهة القبورية

التي تشبثوا بها في إنكار وجود الشرك في هذه الأمة

لقد سبق أن ذكرت عدة شبهات للقبورية وسقت أجوبة علماء الحنفية عنها ، منها شبهتهم في تعريف التوحيد .

ومنها ست شبهات لجعلهم توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية .

ومنها أربع عشرة شبهة لزعمهم أن المشركين كانوا مشركين في توحيد الخالقية والرازقية والمالكية والربوبية .

ومنها شبهة في تعريف العبادة .

ومنها شبهة في حصرهم للعبادة في عدة أعمال .

ومنها شبهة في عدم جعل القبور أوثانًا .

وقد سبق جواب الحنفية عنهما فصار كأن لم يغن بالأمس ، بحمد الله وتوفيقه .

وللقبورية شبهات كثيرة سأذكرها مع أجوبة علماء الحنفية عنها إن شاء الله تعالى :

منها ما يتعلق بالشرك .

ومنها ما يتعلق بعلم الغيب .

ومنها ما يتعلق بالتعرف في الكون .

ومنها ما يتعلق بالاستغاثة بالأموات .

ومنها ما يتعلق بسماع الأموات .

ومنها ما يتعلق بالحياة البرزخية .

ومنها ما يتعلق بالتوسل .

ومنها ما يتعلق بالنذر للقبور .

وغيرها من الشبهات القبورية الوثنية .

وفي هذا المبحث أذكر أولًا شبهة القبورية التي تشبثوا بها في زعمهم أن الشرك لم يقع في هذه الأمة ، ثم أذكر ثانيًا جواب علماء الحنفية عنها لإتمام الحجة وإيضاح الحجة .

أولًا : عرض هذه الشبهة :

لقد حاولت القبورية على عادتهم السيئة إخفاء وثنيتهم وستر إشراكهم الأكبر وتبرير عبادتهم لأموات ولا سيما عند الكربات بالتشبث بعدة شبهات قد سبق ذكر بعضها وسيأتي ذكر بعضها ، ومن تلك الشبهات :

زعمهم أن الشرك لم يقع في هذه الأمة وتشبثوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :

« إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم » .

وغيره من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ، واستدلت القبورية بها ، على أن الشرك غير واقع في جزيرة العرب ليأس الشيطان أن يعبده المسلمون .

وقد فسرت القبورية جزيرة العرب بأنها :

جنوبًا وشمالًا : من عدن إلى ديار بكر .

وشرقًا وغربًا : من العراق إلى مصر .

فتدخل فيها اليمن ، والحجاز ، ونجد ، والعراق ، والشام ، ومصر .

قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب (توفي حوالي سنة 1210هـ) ،

في صدد تقرير استدلاله بهذا الحديث وأمثاله ، ما حاصل كلامه :

إن هذا الحديث يقرر أن الشيطان لا يعبد في جزيرة العرب ، مع أن ما تعدونه كفرًا وشركًا وعبادة القبور والأوثان ، من الاستغاثة بالأولياء والنذر لهم ونحوها - ملأت مكة ، والمدينة ، واليمن ، والحجاز ، والعراق من سنين متطاولة .

ودل على أن الشرك لم يقع في الجزيرة فما بالك بغيرها .

الجواب :

ولقد أجاب علماء الحنفية بأجوبة :

منها : أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : ((المصلون)) في هذا الحديث : هم المؤمنون الكاملون العارفون للتوحيد والشرك المصلون صلاة صحيحة أمثال الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان من أهل السنة والحديث والأثر ، وليس المراد من يصلي فقط وينتمي إلى الإسلام مع ارتكابه الشرك والكفر .

قال العلامة شكري الآلوسي :

(إن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب ، وهم المصدقون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه المذعنون له الممتثلون لأوامره المنتهون عما نهى عنه .

ولا شك : أن من كان على هذه الصفة - فهو على بصيرة ونور من ربه .

فلا يطمع فيه الشيطان أن يعبده .

وأما من تسمى باسم الإسلام ، وتعاطى كل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسر ويعلن - فهو باسم المنافق أحق منه باسم المؤمن ، وإن صام وصلى .

فمن التجأ إلى غير الله ، وتوكل على غيره ، ودعاه * في سره ونجواه * - لم يكن مؤمنًا برب العالمين * ولا مقرا بوحدانية إله السماوات والأرضين *

فوجود مثل هذا في جزيرة العرب - لا ينافي الحديث الصحيح * كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل رجيح * وإطلاق المصلين على المؤمنين * كثير في كلام العارفين* ) .

وقال : (ويحتمل : أن يراد بالمصلين : ((أناس معلومون)) ؛ بناء على أن تكون ((ال)) للعهد ، وأن يراد بهم الكاملون فيها ، بناء على أن تكون للكمال : وهم خير القرون ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث :

« ولكن في التحريش بينهم » ...) .

ولابن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1407هـ) كلام قريب من هذا .

الحاصل : أن الشرك قد وقع في القبورية من هذه الأمة ، وهذا الحديث لا ينافي ذلك بحمد الله تعالى ، وبعد هذا ننتقل إلى الفصل الثالث ؛ لنعرف جهود علماء الحنفية في الرد على شبهات القبورية الأخرى .

*****

 

الفصل الثالث

في أجوبة علماء الحنفية عن شبهات القبورية الأخرى التي تشبثوا بها لتبرير إشراكهم الأكبر وعبادتهم القبور وأهلها

للقبورية شبهات كثيرة لتبرير إشراكهم الأكبر بالله عز وجل وعبادتهم القبور وأهلها من الاستغاثة بهم عند الكربات والنذر لهم عند الملمات وغيرها من أنواع العبادات .

وقد سبق أن ذكرت شيئًا كثيرًا من هذه الشبهات مع أجوبة علماء الحنفية عنها .

وسيمر بك أيها القارئ الكريم شيء كثير منها مع أجوبة علماء الحنفية عنها في مناسبات شتى إن شاء الله تعالى .

وفي هذا الفصل أذكر شبهات تشبثت القبورية بها لتبرير إشراكهم بالله تعالى وعبادتهم القبور وأهلها :

الشبهة الأولى : شبهة الأحجار والأشجار والأصنام والأوثان .

زعم القبورية - لتبرير إشراكهم بالله وعبادتهم لغير الله : أن المشركين السابقين كانوا يعبدون الأصنام والأحجار * ويعتقدون فيها الربوبية ويعبدون الأوثان والأشجار * التي لا تضر ولا تنفع * ولا ترى ولا

تسمع * ولا مكانة لها عند الله ولا احترام لها عنده .

أما نحن فنستغيث بالأنبياء والمرسلين *

ونتوسل بالأولياء والصالحين إلى رب العالمين *

فهم أحياء يسمعون ويتصرفون ويعلمون *

ولهم مكانة عند الله تعالى ، ويشفعون *

فجاء هؤلاء الوهابية الخوارج - فعمدوا إلى آيات نزلت في المشركين - فحرفوها وحملوها على المؤمنين الموحدين المتوسلين المستغيثين بالأنبياء والأولياء ، كما أنهم حرفوا الآيات التي نزلت في الأصنام والأوثان والأحجار - فحملوها على الأنبياء والأولياء ، فقاس هؤلاء الوهابية الخوارج - المؤمنين الموحدين الذين يستغيثون بالأنبياء والأولياء - على المشركين الذين كانوا يعبدون الأحجار والأصنام - في أن كلا منهم أهل الشرك .

وقاسوا الاستغاثة بالأنبياء والأولياء - على عبادة الأصنام ، والأوثان - في أن كلا منها شرك .

كما قاسوا الأنبياء والأولياء - على الأصنام والأوثان -

في عدم النفع والضر وعدم الشفاعة .

مع أن هذه الأقيسة فاسدة ؛ إذ لا يصح قياس موحد مؤمن يستغيث بالأنبياء والأولياء - الذين لهم مكانة عند الله ، وينذرون لهم وينادونهم - على مشرك يعبد الأحجار والأصنام والتماثيل التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تعقل ولا تسمع .

كما لا يصح قياس الاستغاثة بالأنبياء والأولياء ودعائهم والنذر لهم - على عبادة الأصنام والأحجار والأوثان - التي لا مكانة لها ولا احترام لها عند الله ولا تضر ولا تنفع ؛ لأن المشركين كانوا يعبدونها على أساس أنها تستقل بالنفع والضر وأن لها تأثيرًا وشرفًا ذاتيا واختيارًا وتدبيرًا وأما نحن فنستغيث بالأنبياء والأولياء - الذين لهم مكانة عند الله تعالى ، وهم أحياء يعلمون ويسمعون .

فأين هذا من ذاك ؟!؟

الجواب :

أن هذه الشبهة تتضمن شبهات كثيرة :

منها : أن الاستغاثة بالأموات عند الكربات ليست من العبادة فليست

من الشرك بالله تعالى .

وسيأتي الجواب عنها مفصلًا إن شاء الله تعالى .

ومنها : أن الشرك لا يتحقق إلا باعتقاد الربوبية والخالقية والاستقلال بالنفع والضر في غير الله .

وقد سبق الجواب عنها بحمد الله وتوفيقه .

ومنها : أن المشركين السابقين كانوا يشركون آلهتهم بالله في الخالقية والرازقية والاستقلال بالنفع والضر .

وقد سبق الجواب عنها بما لا يزيد عليه .

ومنها : أن ((الوهابية)) (أهل التوحيد) خوارج يكفرون المؤمنين الموحدين وسيأتي الجواب عنها في إبطال شبهة التكفير .

بقيت شبهة : أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام والأحجار * والأوثان والأشجار * التي لا تضر ولا تنفع * ولا ترى ولا تسمع * ولا مكانة لها عند الله ولا تشفع * وقد أجاب عنها علماء الحنفية بعدة أجوبة :

الجواب الأول : أن المشركين الأولين - لم يكونوا يعبدون الأحجار والأشجار لذاتها ، وإنما كانوا يعبدون الصالحين * على أساس أنهم من عباد الله المقربين * عند رب العالمين * فيكونون لهم عنده من الشافعين * وقد سبق مفصلًا محققًا أن بداية إشراكهم ونشأة القبورية والوثنية -

إنما كان على هذا الأساس * كل ذلك بحيل الشيطان الخناس * .

قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) محققًا أن إشراك المشركين قديمًا وحديثًا ، إنما كان بعبادة الصالحين وجعلهم شفعاء عند الله :

(فإن الشرك بقبر الرجل المعروف بالصلاح أقرب إلى النفس من الشرك بالأحجار ، لما للشيطان من وساوس يلقيها في قلوب بني آدم ، وقد أدخلها في قوالب يريهم أنها بظواهرها شرعيات * وما هي إلا زخارف وتمويهات * ثم إذا ألفوها لم تكد أن تفارقها النفوس * ولو قطعت بالسيوف * فمما ألقاه إليهم بكيده :

أن قال : إن هؤلاء قوم صالحون * وعند الله مقربون * ، ولهم عنده ما يشاءون * ولهم الجاه الأعلى * والمقام الرفيع الأسمى *

فمن قصدهم لا يخيب سعيه * ولا يطيش رأيه * ، وأن ببركتهم تدفع البليات * وتقضى الحاجات * ، وبشفاعتهم يتقرب زوارهم إلى الله الغفار * فتحط عنهم بشفاعتهم عند الله الأوزار * إلى غير ذلك من التمويهات التي يملأ بها قلوب أهل الأماني * بمثل هذه المعاني * ؛ فيتلاعب بعقولهم السخيفة * وآرائهم الضعيفة * ويحسن لهم البدع والمنكرات * بما يلقيه إليهم من الحكايات والخرافات * ويحثهم على التقرب إلى أهل القبور * بما يقدرون عليه من النحر والنذور * والطواف وتزيينها بالزينة المحرمة من القصب والذهب وتعليق القناديل ، وإيقاد شموع العسل وتصفيح الجدران * ، والأعتاب ، والسقوف ، والأبواب بالفضة والذهب وغيرها مما يجاوز الحساب ، ويفهمهم : أنهم في مثل ذلك أحسنوا كل الإحسان فدخلوا الجنان * .

ثم ما كفاه ذلك حتى استخفهم ، فدعاهم إلى أن يطلبوا منهم النصر على الأعداء * والشفاء من عضال الداء *

فأجابوه إلى ما دعاهم (إليه) مسرعين * وزادوا على ذلك بأن طلبوا منهم بقاء الحياة لأولادهم ، فتراهم يقولون * :

قد علقنا أولادنا عليهم .

ومنهم من يطلب منهم النسل إذا كان عقيمًا * والشفاء إذا كان سقيمًا * وكثير منهم يطلب منصبًا فيه أخذ أموال العباد * والسعي في الأرض بكل فساد * فيجيء إليهم ويلازمهم معتقدًا : أن من لازمهم قضيت حاجته * ، ونجحت سعايته * واقتربت سعادته * ، وإذا فتحت بيوت قبورهم المذهبة * ورفعت ستور الأبواب المطلية المطرزة * وفاحت تلك الروائح المسكية من الجدران المخلقة * - وجد هذا الزائر في فؤاده من الخشية والرهب - ما لا يجد معشار جزء من عشرة بين يدي خالق السماوات والأرضين * وإله جميع العالمين * ؛ فيدخل إلى القبر خاشعًا * ذليلًا متواضعًا * لا يخطر في قلبه مثقال ذرة من غير إجلاله * منتظرًا فيض كرمه ونواله * .

فأقسم بالله ! أنه لم يتصوره بشرًا قد وضع بأكفانه في لحده ، ولو سلمنا : أنه خطرت له - وهو عنده - تلك الخطرة - لتعوذ بالله منها ، ووقف عند حده .

ويا مصيبة من أنكر عليهم حالهم * ويا شناعة من رد عليهم أمرهم * ويا خسارة من علمهم وأرشدهم * فإن ذلك عندهم قد تنقص حق الأولياء * وهضمهم مرتبتهم من السمو والارتقاء * .

فبالله عليك أيها الناظر ! إلا ما قابلت هذه مع ما ورد عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ، متأملًا كيفية إذنه بعد المنع .

وانظر إلى سبب المنع والإذن ، وما علل النبي صلى الله عليه وسلم به الإذن وجعله في حكم الغاية والشرط ...) .

قلت : هذا النص يدل على أمور :

الأول : أن القبورية فرقة مشركة عباد القبور والأوثان .

الثاني : أن أصل شرك الوثنية الأولى والحديثة - هو عبادة الصالحين للتقرب بهم إلى الله تعالى وقضاء الحاجات .

الثالث : أن أهل الشرك قديمًا وحديثًا قصدهم عبادة الصالحين المقربين عند الله تعالى للشفاعة بهم عنده .

الرابع : أن أهل الشرك قديمًا وحديثًا لم يقصدوا عبادة الأوثان والأحجار * والأصنام والتماثيل والأشجار *

وإنما كان قصدهم عبادة الصالحين ليشفعوا لهم عند رب العالمين .

الخامس : أن أهل الشرك - لم يعتقدوا في آلهتهم أنهم شركاء في الخالقية والرازقية والمالكية والربوبية ، والاستقلال بالنفع والضر .

السادس : أن الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات * والنذر والذبح لهم عند الكربات * من أعظم أنواع العبادات * ومن أكبر الأمور الشركيات * .

السابع : أن الحكم على هؤلاء القبورية بالشرك - ليس من باب رمي الخوارج المسلمين بالكفر .

وإنما هو من باب الحقيقة وبيان الحق وحماية التوحيد .

وبذلك راحت شبهة القبورية هذه ومعها أمثالها أدراج الرياح .

الجواب الثاني :

أن علماء الحنفية قد حققوا : أن القبورية هم عبدة القبور ، وعباد الأوثان والأنصاب والأشجار والأحجار .

فالقبورية كما أنهم وثنية أقحاح كذلك هم نصبية أجلاد حجرية أصلاب .

فلا فرق بينهم وبين المشركين السابقين إلا أن الأولين كانوا عبدة الأصنام أيضًا ، وأما قبورية هذه الأمة - فليسوا عباد الأصنام ؛ لأنهم لم ينقشوا ولم ينحتوا للأولياء الصور من الحجر ، أو الخشب أو الحديد أو الصفر ونحو ذلك .

ولكن القبورية شاركوا المشركين الأولين في كونهم جميعًا عباد القبور وأهلها وعبدة الأوثان والأنصاب والأحجار والأشجار .

وامتازت قبورية هذه الأمة بأن شركهم أشد من شرك الأولين وأنهم أعظم عبادة وخوفًا ورجاء من الأموات منهم لخالق البريات .

وبذلك قد اجتثت شبهة القبورية :

من أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام والأحجار .

أما نحن فنستغيث بالأولياء المقربين عند الله !

فالقبورية كذبهم علماء الحنفية ، كما كذبتهم أفعالهم .

وتحقق أن القبورية قديمًا وحديثًا - عباد الأحجار والأشجار وعبدة الأنصاب والأوثان ، يعبدون القبور وأهلها .

الجواب الثالث :

أن علماء الحنفية قد صرحوا بأن جل شرك المشركين إنما كان بإشراكهم الصالحين بالله تعالى ولذلك نرى أن أكثر آلهتهم إنما كانت من عباد الله الصالحين من الأنبياء والأولياء .

أمثال إبراهيم ، وإسماعيل ، والمسيح ، وعزير عليهم السلام ، ومريم ، وود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، واللات ، ومناة ، وهبل وغيرهم .

فإذا كان الأمر كذلك - فلا يصح للقبورية أن يقولوا :

إن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأحجار التي لا كرامة لها ، ونحن نستغيث بالأنبياء والأولياء الذين لهم كرامة عند الله !

فزالت شبهة من أصلها .

الجواب الرابع :

أن علماء الحنفية قد حققوا :

أن الله عز وجل قد ذكر أوصاف العقلاء لآلهة المشركين في صدد الرد عليهم وعبر عن آلهتهم بصيغ العقلاء ؛ فدل ذلك على أنهم إنما كانوا يعبدون الصالحين ، ولم يكونوا

يقصدون الأحجار والأصنام بالعبادة لذاتها .

وتفصيل ذلك على ما ذكره كثير من علماء الحنفية :

أن الله تعالى قال في صدد الرد على المشركين مبينًا عجز آلهتهم :

{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النحل : 20 - 21] ، وقال جل وعلا :

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } [ يونس : 28-29] . وقال سبحانه وتعالى :

{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [الأعراف : 194 ] ، وقال عز وجل :

{ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ } [الكهف : 102 ] ، وقوله تبارك وتعالى :

{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } [فاطر : 13-14 ] ، وقال جل شأنه :

{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5-6] ، وقال تعالى :

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [ الإسراء : 57] .

إلى غيرها من الآيات التي فيها ذكر آلهة المشركين بصيغ العقلاء وصفات ذوي العقول ؛ فأنت ترى : أن هذه الآيات الكريمات مشتملة على صفات العقلاء ؛ لآلهة المشركين والتعبير عنهم بصيغ العقلاء :

نحو : الذين ، يخلقون ، و أموات ، و ما يشعرون ، و يبعثون ، و نحشرهم ، و قال شركاؤهم ، و لغافلين ، و عباد أمثالكم و فليستجيبوا ، و عبادي ، و ما يملكون ، و لا يسمعوا ، و ( لو سمعوا ) ، و ما استجابوا ، و ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) ، و ( هم ) ، و غافلون ، و ( إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ) ، و ( كانوا بعبادتهم كافرين ) ، و { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } ، و ( يرجون رحمته ) ، و ( يخافون عذابه ) ، ونحو ذلك من الصيغ التي لا تستعمل إلا لذوي العقول عند العرب ، وغيرهم والصفات التي لا توجد إلا في العقلاء في اللغة العربية ، وغيرها ؛ فإن الجمادات من الأصنام والأحجار والأشجار والتماثيل التي لا تعقل لا يقال فيها :

( الذين لا يخلقون ) ، و ( لا يشعرون ) ، و لا يملكون ، و لا يستجيبون ، و لا يسمعون ... ، كما لا يقال فيها : ( { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ } ، وعباد أمثالكم ، وأعداء ، وعبادي ، ونحشرهم ، وغافلون ، وغافلين ، وكافرين ، ويبعثون ، ويبتغون ، ويرجون ، ويخافون ) ... ؛ وهذه كلها براهين باهرة * وسلاطين قاهرة * وحجج ساطعة * وأدلة قاطعة * -

على أن آلهة المشركين السابقين إنما كانوا عقلاء ، وأنهم كانوا من عباد الله تعالى وليسوا جمادات بحتة ، ولا أحجار صرفة ، ولا أصنام خالصة ، كما تزعم القبورية .

وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) ردا على ابن جرجيس خاصة * وعلى القبورية أتباع إبليس عامة * مجيبًا عن هذه الشبهة :

(فأقول : يريد العراقي بهذا الكلام إثبات المساواة بين الأموات * والأحياء ! ؛ ليغري الناس على ندائهم في الملمات * والدعاء ! .

وهذا يبطله ما ذكره الله تعالى بقوله : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ } [ فاطر : 22] .

وشبه بهم من لم ينتفع بسماع الهدى ؛ وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أموات { غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }

[ النحل : 20 - 21] ، وليست هذه الآية في الأصنام - كما يزعمه من لم يتدبر ؛ لأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يحلها الموت ... ولا شعور لها .

وقد قال تعالى : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } الآية ، وإنما هي فيمن يموت ويبعث : من أهل الكرامات ، والمعجزات ، وغيرهم ؛ كما لا يخفى على من تدبرها ، وتأمل قوله تعالى : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } ، وهذا إنما يستعمل فيمن يعقل ؛ كما لا يخفى على من له معرفة باللغة العربية [بل بغيرها من اللغات أيضا] ؛ فالحمد لله على ظهور الحجة * وبيان المحجة ) .

قلت :

بعد إتمام هذه الحجة * وإنارة هذه المحجة * لا يمكن للقبورية أن يقولوا : إن المشركين كانوا يعبدون الأحجار والأشجار ، ونحن نستغيث بالأنبياء والأولياء .

ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا ... وأنك تلقى باطل القول لجلجا

أبن وجه نور الحق في صدر سامع ... ودعه فنور الحق يسري ويشرق

الجواب الخامس : أن علماء الحنفية قد حققوا أن المشركين لم يكونوا يعبدون الأصنام والأحجار لذاتها في الحقيقة ، وإنما كان قصدهم عبادة هؤلاء الصالحين الذين ظنوا أنهم مقربون عند الله ، ويشفعون لهم عنده ، وإنما صوروا لهم تماثيل ليجعلوها قبلة للتوجه إلى هؤلاء المقربين ، كما أن الكعبة قبلة للمسلمين ؛ لأنه لا يعقل في أحد من بني آدم أن ينحت بيده حجرًا أو خشبًا ثم يعتقد أنه إلهه ويعبده ويجعله شفيعًا بينه وبين الله ، إذن لا يتصور إطباق جم غفير من العقلاء على عبادة الأصنام والأخشاب والأحجار لذاتها وجعلها آلهة بأعيانها ؛ لأن هذا مما لا يصدر من عاقل ، ولا يتصور أن يفعله أحد من بني آدم ، فكيف يتصور ذلك من جم غفير من العقلاء ؟ بل الحقيقة أن المعبود لهم لم يكن هذا الحاضر من الصنم المنحوت من الحجر أو الخشب ، بل المعبود إنما كان ذلك الغائب الذي صوروه وجعلوا له صنمًا من خشب أو حجر أو صفر أو غيره ، فالصنم لم يكن مقصودًا بالعبادة ، وإنما كان المقصود هو ذلك المقرب الصالح ، وإنما كان الصنم قبلة لتوجههم إلى هذا الصالح المقرب عند الله في زعمهم ، الشفيع لهم عنده ،

هذا هو ما عليه جمهرة المشركين ، ولكن لا يمنع أن يكون فيهم بعض الحمقى السفهاء الذين لم يتفطنوا للفرق بين هذه الأصنام ، وبين من هي على صورهم ، فظنوها معبودات وآلهة بأعيانها .

ولذلك نرى : أن الله تعالى تارة قد يرد على أمثال هؤلاء السفهاء أيضًا كقوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195] .

قلت :

لا ريب في أن القبورية الوثنية من هذه الأمة - على طريقة الوثنية الأولى بعينها ، فإنهم أيضًا يعظمون آثار الصالحين كقبورهم ، وأحجارهم ، وأشجارهم ، كأنها قبلة لتوجههم إلى هؤلاء الصالحين ، فقد قال علماء الحنفية في بيان سبب تعظيم المشركين للأصنام :

(إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم ، وزعموا : أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر يكونون شفعاء لهم عند الله تعالى ، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله ) .

ولذلك صرح الإمام محمود الآلوسي (1270هـ) بأن المعبود الحقيقي عند المشركين إنما كان هو الله تعالى ، وأما آلهتهم الأخرى فكانوا يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى .

وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) محققًا أن المشركين السابقين لم يقصدوا عبادة الأحجار والأصنام لذاتها ، بل كانوا يعبدون من يعتقدون فيهم الشفاعة عند الله ، مبينًا أن القبورية في ذلك على طريقة الوثنية الأولى :

(فإن قال [القبوري] : ((الشرك عبادة الأصنام)) ، فقل له : ((ما معنى عبادة الأصنام ؟ )) .

أتظن أنهم كانوا يعتقدون : أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق ، وترزق ، وتدبر أمر من دعاها ؟)) - فهذا يكذبه القرآن .

وإن قال : ((هو قصد خشبة ، أو حجرًا ، أو بنية على قبر ، أو غيره - [مما له تعلق بالصالحين] - يدعون ذلك ويذبحون له ، ويقولون : إنه يقربنا إلى الله زلفى ، ويدفع عنا [المصائب] ببركته)) . - فقل له : ((صدقت ، وهذا هو فعلكم عند الأحجار ، والأبنية التي على القبور وغيرها)) .

فهذا قد أقر : أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام) .

الجواب السادس :

أنه لو سلم أن المشركين السابقين كانوا يعبدون الأصنام والأحجار لذاتها والقبورية من هذه الأمة لا يعبدون الأحجار ، بل يستغيثون بالأنبياء ، والأولياء ، لكن لا نسلم أن القبورية غير مشركة ؛ لأنه قد تحقق أن القبورية من أعظم أهل الشرك ، وأن استغاثتهم بالأموات عند الكربات ونذورهم لهم عند الملمات * من أعظم الشركيات؛ لأنها من أعظم أنواع العبادات * ؛ فالقدر المشترك بينهم وبين المشركين الأولين هو ارتكاب الشرك الأكبر وعبادة غير الله تعالى - سواء كان ذلك إنسانًا ، أو جنا ، أو ملكًا ، أو صنمًا ، أو حجرًا ، أو شجرًا ، حيًّا ، أو ميتًا ، قبرًا ، أو غارًا ، فمن عبد غير الله تعالى - فقد أشرك به سبحانه ؛ فمن زعم أن المشركين السابقين - كانوا مشركين ؛

لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والأحجار ؛ بخلاف القبورية - فإنهم لا يعبدون الأصنام ولا الأحجار ، وإنما يستغيثون بالأموات عند الكربات وينذرون لهم عند الملمات - فهم ليسوا بمشركين - فهو إما مجنون ، زائل العقل ، مرفوع عنه القلم ، ملحق بالأنعام * أو مستكبر ، معاند ، مكابر ، سوفسطائي ، مغرض ، ممرض للأنام * فلسان حاله يقول :

لا أنتهي لا أنثني لا أرعوي ... ما دمت في قيد الحياة ولا إذا

ولكننا نقول له :

فليس شعاع الشمس يخفى لناظر ... أفيقوا عن الإصرار ما بالكم لد

وإليكم لتحقيق هذا المطلوب بعض نصوص علماء الحنفية :

قال العلامة السهسواني (1326هـ) بعد ذكر عقائد المشركين مقارنًا بها عقائد القبورية من هذه الأمة :

(وإذا تقرر هذا فلا شك : أن من اعتقد في ميت من الأموات ، أو حي من الأحياء :

أنه يضره أو ينفعه ، إما استقلالًا ، أو مع الله تعالى ، وناداه ، أو توجه إليه ، أو استغاث به في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق - فهو لم يخلص التوحيد لله ، ولا أفرده بالعبادة ، إن الدعاء بطلب وصول الخير إليه ، ودفع الضر عنه -

هو نوع من أنواع العبادة ، ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه - حجرًا ، أو ملكًا ، أو شيطانًا ، كما كان يفعل ذلك أهل الجاهلية ، وبين أن يكون إنسانًا من الأحياء أو الأموات ، كما يفعله الآن كثير من المسلمين .

وكل عالم يعلم هذا ، ويقر به ، فإن العلة واحدة ، وعبادة غير الله تعالى ، وتشريك غيره معه - للحيوان ، كما يكون للجماد ، وللحي كما يكون للميت .

فمن زعم : أن ثم فرقًا بين من اعتقد في وثن من الأوثان : أنه يضر أو ينفع ، وبين من اعتقد في ميت من بني آدم ، أو حي منهم :

أنه يضر أو ينفع ، أو يقدر على أمر لا يقدر عليه إلا الله - فقد غلط غلطًا بينًا ، وأقر على نفسه بجهل كثير ؛ فإن الشرك - هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به ، أو اعتقاد القدرة لغير الله فيما لا يقدر عليه سواه ، أو التقرب إلى غيره مما لا يتقرب به إلا إليه ، وليس في مجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكًا : بالصنم ، والوثن ، والإله لغير الله - زيادة على التسمية بالولي ، والقبر ، والمشهد ، كما يفعله كثير من المسلمين ؛ بل الحكم واحد إذا حصل لمن يعتقد في الولي والقبر ما كان يحصل لمن كان يعتقد في الصنم والوثن ؛ إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض

المسميات ، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئًا يختص به سبحانه ، سواء أطلق على ذلك الغير ما كانت تطلقه عليه الجاهلية ، أو أطلق عليه اسم آخر .

فلا اعتبار بالاسم فقط ، ومن لم يعرف هذا ؛ فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم ، وقد علم كل عالم أن عبادة الكفار للأصنام - لم تكن إلا بتعظيمها ، واعتقاد: أنها تضر وتنفع ، والاستغاثة بها عند الحاجة ، والتقرب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم ...

وهذا كله قد وقع من المعتقدين في القبور [وأهلها] ...) ، ثم حقق رحمه الله أن القبورية أشد شركًا من الوثنية الأولى ، وأعظم عبادة للقبور وأهلها منهم لله عز وجل .

2 - وقال الشيخ الرستمي بعد ذكر قوله تعالى : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } [ الحج : 30] :

(فمن اجتنب عن عبادة الأحجار والخشب ، وابتلي في عبادة

القبور - فهو منكر هذه الآية ، وداخل في حكم المشركين ؛ فعلم من جميع هذا التفصيل : أن بين المشركين السابقين وبين عابدي القبور في هذا الزمان أو غيره ليس فرق ما ، بل فصلنا في هذا الباب تفصيلًا طويلًا ؛ ليوازي كل عابد قبر نفسه بالمشركين السابقين ، ويظهر له باليقين : أن عبادة القبور أيضًا شرك وضلال ، فلا يغتر هؤلاء الجهلة بأنا مؤمنون وموحدون ، بل صدق عليهم قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106] .

فيا أيها الإخوان ! ، ويا مدعي الإسلام ! ، الشرك الشرك ، وعبادة القبور ، وعبادة القبور ؛ فإنها شرك الردى ، يردى صاحبها ، ويهوي صاحبها في مكان سحيق) .

3 - وقال حفظه الله :

(وبعض الجهلة إذا سمعوا هذه المقالة - يقولون : ((إن هؤلاء الوهابيين يسوون بين الأنبياء والأولياء ، وبين سائر الناس والأوثان والأصنام ، ويذلونهم)) .

فأقول لهم - تمثيلًا - : بأن من يصلي ، وأكل بصلًا ، أو فومًا في الصلاة - فتفسد صلاته بهذا الأكل .

وكذا من أكل طعامًا لذيذًا مثل اللبن ، أو الدجاج ، أو غيرها في الصلاة - تفسد صلاته .

فهل يجوز لأحد أن يقول : إن الفقيه سوى بين البصل واللبن ؟

فكذا التوحيد يفسد بأن يعتقد في عامة الناس التصرف والملك للأصنام .

أو يعتقد هذا الاعتقاد في الأنبياء والأولياء) .

الحاصل :

أن العبرة بارتكاب الشرك لا بالشريك ، فالمشرك مشرك ؛ سواء أشرك بالله تعالى : صنمًا ، أو وثنًا ، أو حجرًا ، أو شجرًا ، أو قمرًا ، أو شمسا ، أو نجمًا ، أو أشرك بالله تعالى : ملكًا مقربًا ، أو نبيا مرسلًا ، أو وليًّا كاملًا ، أو رجلًا عاميا .

قلت :

هذا الذي ذكرته من كلام الحنفية في هذا الجواب يكفي لقلع شبهة القبورية وقطع دابرهم :

ولو كان هذا موضع القول لاشتفى ... به القلب لكن للمقال مواضع

الجواب السابع :

أن علماء الحنفية قد حققوا : ((أن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس - من الشرك بشجر أو حجر ، ولهذا نجد كثيرًا من الناس عند القبور : يتضرعون ويخشعون ويخضعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في مساجد الله تعالى ، ولا في وقت السحر ! ، ومنهم من يسجد لها ، وكثير منهم يرجون من بركة الصلاة عندها ولديها ما لا يرجون في المساجد )) .

قلت :

لعلماء الحنفية أجوبة أخرى أيضًا في الجواب عن هذه الشبهة وإبطالها .

وأقول : بناء على ذلك لو سلم أن المشركين السابقين كانوا عباد الأصنام والأشجار * وعبدة الأوثان والأحجار * التي لا كرامة لها ولا مكانة عند الله ، ولا تضر ولا تنفع * ولا ترى ولا تسمع * - لكان شرك القبورية أشد وأسرع فليكن السابقون عباد الأحجار والأشجار ، فإن ذلك لا ينفع القبورية عبدة القبور وأهلها ، ولا يبرر شركهم ولا يجوز استغاثتهم بالأموات * ولا يبيح النذور لهم

عند الكربات * ؛ فالفريقان كلاهما أهل الشرك وكلهم جميعًا عبدة غير الله سبحانه ؛

فإن تنج منها تنج من ذي ملمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا

وبعد إبطال هذه الشبهة ننتقل إلى إبطال شبهتهم الأخرى :

الشبهة الثانية : شبهة التكفير والخروج :

لقد أثارت القبورية ضد التوحيد وأئمته كثيرًا من العوام الجهلة ، وقاموا وقعدوا وهولوا وجولوا ، وصاحوا وصرخوا ، وقالوا :

إن هؤلاء الوهابية قد كفروا الأمة المسلمة كلها جميعًا برمتها ، ورموها بالشرك والكفر على طريقة إخوانهم الخوارج كلاب النار ، فزعموا في المؤمنين الموحدين زوار القبور المستغيثين بالأنبياء والأولياء :

أنهم يعبدون غير الله ، وأنهم يشركون بالله ، ويعمدون إلى آيات نزلت في الكفار والأصنام - فيحرفونها ثم يحملونها على المؤمنين الموحدين المتوسلين ، مع أن زوار قبور الصالحين بريئون من الشرك بحمد الله .

والقبورية يتشبثون لتحقيق شبهتهم هذه بتلك الأحاديث المطلقة

التي فيها ذكر قول ((لا إله إلا الله)) مطلقًا بدون قيد ؛ كحديث : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله » ، وحديث أسامة : « يا أسامة ! أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ » الحديث .

وقالوا : إن هذه الأحاديث دالة على أن الكفر أمر باطني ؛ فلا يجوز تكفير أحد ممن قال كلمة التوحيد ؛ لكن هؤلاء الخوارج يكفرون الأمة الإسلامية جمعاء ، حتى الصحابة والتابعين وأتباعهم ، والمتكلمين ، والفقهاء ، والمحدثين ، والصوفية إلى يوم القيامة .

قلت :

لعنة الله على الأفاكين البهاتين * وغضب الله على المتقولين الدجالين * !؟!

وأقول :

يجدر بي أن أسوق نصوص بعض القبور بحرفها وفصها في تقرير هذه الشبهة ليظهر للمسلمين تهورهم * وفي دركات البهتان تطورهم * :

1 - قال ابن عابدين الشامي (1252هـ) ، مبينًا تعريف الخوارج ، مدرجًا فيهم أئمة الدعوة السلفية ، معلقًا على قول الحصكفي (1088هـ) :

[((.....، وخوارج : وهم قوم لهم منعة ، خرجوا عليه [أي الإمام]

بتأويل يرون أنه على باطل : كفر ، أو معصية توجب قتاله بتأويلهم ، ويستحلون دماءنا وأموالنا ، ويسبون نساءنا ، ويكفرون أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم )) ] -:

( ...، كما وقع في زماننا في أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد ، وتغلبوا على الحرمين ، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة ، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون ، وأن من خالف اعتقادهم مشركون ، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم ، حتى كسر الله شوكتهم ، وخرب بلادهم ، وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين) .

2 - وقال جميع أئمة الديوبندية وشيوخهم ، وعلى رأسهم خليل أحمد

السهارنفوري (1346هـ) في الجواب عن السؤال ((الثاني عشر)) :

(قد كان محمد بن عبد الوهاب النجدي يستحل دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، وكان ينسب الناس إلى الشرك ، ويسب السلف ، فكيف ترون ذلك ؟

وهل تجوزون تكفير السلف والمسلمين وأهل القبلة ؟

أم كيف مشربكم ؟.

الجواب : الحكم عندنا فيهم : ما قال صاحب الدر المحتار ...) ، ثم ساقوا كلامه المذكور آنفًا في الخوارج ، ثم قالوا :

(وقال الشامي في حاشيته :

((كما وقع في زماننا في أتباع عبد الوهاب ....)) ) .

ثم ساقوا كلام ابن عابدين المذكور - الذي قرروا فيه : أن محمد بن عبد الوهاب وأتباعه خوارج مكفرون للمسلمين .

3 - وقال خرافي آخر وهو الشاه محمد أنور الكشميري (1352هـ) أحد كبار أئمة الديوبندية :

(أما محمد بن عبد الوهاب النجدي - فإنه كان رجلًا بليدًا ، قليل العلم ، فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر ، ولا ينبغي أن يقتحم في هذا الوادي إلا من يكون متيقظًا متقنًا عارفًا بوجوه الكفر وأسبابه) .

4 - وقال حسين أحمد الملقب عند الديوبندية بشيخ الإسلام ، أحد كبار أئمة الديوبندية ، وأحد مشاهير القبورية الخرافية ، وأحد الأعداء الألداء للدعوة السلفية وأئمتها (1377هـ) :

( محمد بن عبد الوهاب النجدي كان يحمل خيالات باطلة ، وعقائد فاسدة ، وقاتل أهل السنة والجماعة ، وقتلهم ، وأجبرهم على اعتقاد خيالاته ، وغنم أموالهم ، ورأى أن قتلهم موجب لرحمة الله ، وقد آذى أهل الحرمين أشد الأذى ، وكان يسيء القول في السلف الصالح ،

وقد تضايق كثير من أهل الحرمين من إيذائه ، فهاجروا ، واستشهد بأيدي جنوده آلاف من الناس ؛ فالحاصل :

أنه كان ظالمًا ، وباغيًا ، سفاكًا ، فاسقًا ، ولهذا أبغضه العرب كما أبغضوا أتباعه ، إلى حد لم يبغضوا اليهود ، ولا النصارى ، ولا المجوس ، ولا الهندوك ؛ نعم يجب بغضهم وعداوتهم لما صدر منهم من أنواع الإيذاء لهم ... ؛ إن بين عقائدنا ، وعقائد أكابرنا ، وبين عقائد الوهابية بونًا بعيدًا ، وفرقًا شاسعًا ، كما بين السماء والأرض ... ؛ وإليكم بعض الأمثلة من عقائد الوهابية .. ؛ العقيدة الأولى :

أن محمد بن عبد الوهاب يعتقد أن جميع المسلمين في جميع العالم مشركون وكافرون ، وأن قتلهم ، وقتالهم ، وسلب أموالهم جائز وحلال ، بل واجب ... ؛ وأن الشيخ النجدي يعتقد تحريم مناكحتهم ومجالستهم ، ويوجب هتك أعراضهم ، وإيذاءهم في دينهم ، وأنفسهم ، وأموالهم) .

إلى آخر ما ذكره في الطعن في أئمة الدعوة وعقيدتهم ، ظلمًا وعدوانًا * وبغيًا وبهتانًا .

5 - وهكذا نرى كثيرًا من الديوبندية يرددون أكاذيب أكابرهم في كتبهم الوثنية .

قلت :

هذه عدة نماذج من نصوص القبورية ولا سيما الديوبندية في تقرير هذه الشبهة .

وبذلك تبين للمسلمين حقيقة الديوبندية * وأنهم قبورية خرافية * إلا من رحم ربك منهم .

والحقيقة أن هؤلاء الديوبندية وأئمتهم - قد شهدوا على أنفسهم بلسانهم وبنانهم :

أنهم فرقة قبورية خرافية * مبتدعة صوفية * - بتلك الخرافات الوثنية التي سجلوها في كتبهم ، كما أنهم شهدوا على أنفسهم :

أنهم كذبة في افترائهم على أئمة التوحيد والسنة والدعوة السلفية ، فقد أظهروا للناس حقيقة أمرهم - بتلك الشهادات التي هي أعظم وثوقًا من شهادة من قال الله تعالى فيه :

{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } ..... [ يوسف : 26] ، ومن قواعد الحنفية : ((المرء مؤاخذ بإقراره)) .

فلا يلومن إلا نفسه . ولنعم ما قيل :

فكانت كعنز السوء قامت بظلفها ... إلى مدية تحت التراب تثيرها

وبعد هذا العرض لهذه الشبهة ، ننتقل إلى جهود علماء الحنفية في الجواب عنها وإبطالها وقلعها وقطع دابر أهلها .

الجواب :

لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بعدة وجوه أذكر منها :

الوجه الأول : أن علماء الحنفية قد حققوا :

أن من ركني التوحيد : ركن النفي ، وهو نفي جميع ما يعبد من دون الله ؛ سواء كان صنمًا أو حجرًا أو شجرًا ، أو وثنًا ، أو ملكًا مقربًا ، أو نبيا مرسلًا ، أو وليا كاملًا ، أو رجلًا عاديا عاميا ، أو جنيا ، أو غير ذلك ؛ فمن أقر بكلمة التوحيد ((لا إله إلا الله)) - ولكنه لم يتجنب من عبادة غير الله من الاستغاثة بالأموات ، والنذر لهم عند الملمات ونحو ذلك - فلا يتحقق توحيده ، ولا ينفعه التلفظ بكلمة التوحيد .

وللعلامتين الآلوسيين كلام في غاية الأهمية في أن المسلم إذا تلفظ بالكفر وجحد ما هو من الضروريات كالتوحيد الذي هو دين الرسل فقد كفر ولو مزحًا .

إذن بطل اتهام القبورية بأن الوهابية خوارج يكفرون المؤمنين

الموحدين .

الوجه الثاني : أن علماء الحنفية قد صرحوا :

بأن من شروط صحة التوحيد - فهم معنى : ((لا إله إلا الله )) - فمن قال هذه الكلمة بدون فهم معناها ، ويرتكب الشرك ، ويعبد غير الله - لا يدخل في الإسلام ولا يصح توحيده .

قلت :

إذا كان الأمر كذلك - لا يصح زعم القبورية أن المستغيثين بالأموات والناذرين لهم عند الكربات - موحدون مؤمنون * ؛ فبطل تهمة الخروج ، وتهمة تكفير المؤمنين الموحدين * .

الوجه الثالث : أن علماء الحنفية قد ذكروا في شروط صحة التوحيد :

التصديق المنافي للتكذيب .

ولا شك أن القبورية مع قولهم : ((لا إله إلا الله)) يكذبون معناها - بارتكابهم للشرك الأكبر ، وعبادة غير الله ؛ فالقبورية في الحقيقة مكذبون لهذه الكلمة لا مصدقون بها ، وإن كانوا يقولونها باللسان .

وبهذا ثبت أن القبورية ليسوا موحدين ولا مؤمنين * وبطلت شبهة تكفير المؤمنين الموحدين * .

الوجه الرابع : أن علماء الحنفية اشترطوا لصحة التوحيد :

الإخلاص المنافي للشرك .

ولا ريب أن القبورية لم يحققوا هذا الشرط ؛ لأنهم مع تلفظهم بكلمة التوحيد - يرتكبون الشرك البواح * والكفر الصراح * ويعبدون الأموات بأنواع من العبادات * فلا يصح توحيدهم * مع ندائهم الأموات عند الكربات * .

وإذا كان الأمر كذلك - فأنى للقبورية أن يكونوا مؤمنين موحدين *

وثبت أن القبورية كذابون متقولون على أئمة التوحيد والسنة في أنهم خوارج ، وأنهم يكفرون المؤمنين الموحدين * .

الوجه الخامس : أن علماء الحنفية صرحوا بأن الركن الأهم في الإيمان * - هو التصديق بالجنان * .

وأئمتهم الثلاثة : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وغيرهم ، كالطحاوي وغيره - يجعلون الإقرار باللسان أيضًا ركنًا للإيمان * .

فإذا كان الأمر كذلك - فالقبورية لم يحققوا التصديق بالجنان * لارتكابهم الشرك الأكبر ، وعبادتهم للأموات * من الاستغاثة ، والنذور عند الكربات * ؛ فزالت شبهة تكفير المسلمين المؤمنين الموحدين من أصلها ، وبطلت تهمة الخروج .

الوجه السادس : أن علماء الحنفية قد صرحوا بعدم تكفير أهل القبلة ، لكن إذا لم ينكر أحد منهم ما هو من ضروريات الدين * فمن أنكر ما هو من ضروريات الدين * ، وارتكب ما هو كفر بواح * وشرك صراح * - فهو عندهم كافر ؛ حتى أن كثيرًا منهم لا يعذرون بالجهل في ذلك ، وإن كان مواظبًا طول عمره على الطاعات .

قلت :

بناء على نصوص هؤلاء العلماء من الحنفية -

لا شك أن القبورية قد ارتكبوا كفرًا بواحًا * وشركًا صراحًا * وأنكروا ما هو من ضروريات الدين : من التوحيد ، وإفراد الله تعالى بالعبادة ، فيتحقق كفرهم عند علماء الحنفية ، ولا يعذرون بالجهل ، ولكن لا يجوز تكفيرهم قبل إقامة الحجة عليهم وإيضاح المحجة لهم عند أئمة السنة ، والحنفية .

وبهذا قد بطلت شبهة القبوريين * وذهب اتهامهم لأئمة الدعوة بأنهم خوارج يكفرون المسلمين * - أدراج الرياح * وأنهم على أئمة السنة باغون أقحاح * ، وأن القبورية في هذا الاتهام كذابون أفاكون * ساقطون عن العدالة خائنون مائنون * كما أنهم بهاتون متقولون في زعمهم أن الوهابية يعمدون إلى آيات نزلت في الكفار المشركين * والأوثان ، فيحرفونها ويحملونها على المؤمنين الموحدين * .

الجواب السابع : أن علماء الحنفية قديمًا وحديثًا أشد الناس في التكفير وأسرع الناس إليه ويكفرون بأشياء قد لا تكون من الكفر البواح مباشرة إلا بالوسائط التي لم يلتزمها ذلك القائل الذي يحكمون عليه بالكفر ، وقد اشتكى تهورهم وإسراعهم إلى التكفير كثير من الناس .

وقد خصص كثير من علماء الحنفية عدة مباحث للتكفير في كتبهم ، وبوبوا لذلك واهتموا بجمع ألفاظ الكفر ،

والتصريح بالتكفير بها ، وفي ذلك من العجائب والغرائب من تكفير المسلمين ، بأشياء قد تصدر خطأ ، أو بزلة لسان * دون قصد الجنان * ، وقد جمع العلامة القاري (1014هـ) ألفاظ الكفر وكلمات الارتداد عند الحنفية فأوعى .

وذكر العلامة الآلوسي (1317هـ) طرفًا من ذلك أيضًا .

بل قد ألف بعض الحنفية كتابًا في ألفاظ الكفر وكلمات الارتداد والأقوال التي يكفرون بها المسلم الذي صلى وصام ، وزكى ، وحج ، وعبد الله طوال عمره .

قلت : إذا كان الأمر كما وصفت - فلم لا يوجه القبورية - ولا سيما قبورية الحنفية * طعونهم وسهامهم إلى الحنفية ؟!؟* - ولم لا يحكمون عليهم بأنهم خوارج كلاب النار * وأنهم جعلوا

المسلمين كالكفار * ؟

وأنهم يكفرون المسلمين بمثل هذا التكفير الواسع الأرجاء ؟ فلم هذا الإباء والإحجام والإرجاء ؟ *

ولكن القبورية في كتمان الحقائق واتهام الأبرياء كمن قيل فيه :

أصم عن الشيء الذي لا أريده ... وأسمع خلق الله حين أريد

وما قيل :

فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا

مع أن أئمة التوحيد والسنة لا يكفرون أحدًا بمثل هذا التكفير الواسع الذي يوجد عند الحنفية .

كما أنهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة إلا بعد إتمام الحجة * وإيضاح المحجة *

ولكن القبورية في عدم الإنصاف * وشدة الاعتساف * كمن قيل فيه :

فرصاص من أحببته ذهب كما ... ذهب الذي لم ترض عنه رصاص

بل هم في الظلم والعدوان * والبغي والاتهام والبهتان * كمن قيل فيه :

إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرًّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا

إذن لا ذنب لأئمة التوحيد والسنة ، ولا مبرر للقبورية في ولوغهم في

أعراضهم ، فإن القبورية كذابون بهاتون في الحكم عليهم بأنهم خوارج ، وأنهم يكفرون المسلمين .

وأقول متمثلًا بما قيل :

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

الجواب الثامن : أن الحنفية قد صرحوا بأن الخوارج كانوا يكفرون المسلمين بارتكاب الكبيرة من الذنوب العملية دون الاعتقادية .

فمن كفر أحدًا بارتكاب كفر بواح * وشرك صراح * بعد إقامة الحجة عليه * وتنور المحجة لديه * - لا يقال له : إنه خارجي يكفر المسلمين * المؤمنين الموحدين * !

ومن زعم ذلك - فهو مغالط ماكر ملبس مغرض * غالط شاطر مدلس ممرض *

فأئمة الدعوة لم يكفروا أحدًا من المسلمين بارتكاب الذنب الكبير العملي ، ولا كفروا أحدًا بارتكاب الكفر والشرك إلا بعد إقامة الحجة عليه * وإيضاح المحجة لديه * ؛ قال العلامة السهسواني (1326هـ) في الرد على دحلان أحد أئمة الدعاة إلى عبادة الشيطان (1304هـ) ؛ وكشف تلبيساته * وبيان أكاذيبه وتمويهاته وتدليساته * :

(وأما المسألة الثالثة - وهي من أكبر تلبيسك الذي تلبس به على العوام - :

أن أهل العلم قالوا : ((لا يجوز تكفير المسلم بالذنب)) ، وهذا حق ،

ولكن ليس هذا مما نحن فيه ، وذلك أن الخوارج يكفرون من زنا ، أو سرق ، أو سفك الدم ، بل كل كبيرة إذا فعلها المسلم كفر [عندهم] ، وأما أهل السنة فمذهبهم : أن المسلم لا يكفر إلا [بالكفر] بالشرك ، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك ، لكنك رجل من أجهل الناس * [ومن أكذب الناس *] ؛ تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم - لا يكفر ؛ فإذا كنت تعتقد ذلك - فما تقول في المنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون ...؟؟؟

ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره ... ؟؟

فأضرم لهم علي بن أبي طالب نارًا فأحرقهم بها

وأجمعت الصحابة على قتلهم

لكن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر تحريقهم بالنار ، وقال : ((يقتلون بالسيف)) .

أتظن أن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة ؟

أم أنت تفهم الشرع !؟! ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفهمونه ؟؟؟؟) .

الحاصل :

أن أهل التوحيد والسنة لا صلة لهم بالخوارج ، وليست شبهة القبورية هذه إلا محض اتهام لإضلال العوام * ولحاجة في نفوس هؤلاء الطغام *

رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئًا ومن أجل الطوي رمانيا

الوجه التاسع : أن كثيرًا من علماء الحنفية قد صرحوا بأن أئمة الدعوة لا يرون تكفير من ارتكب الكفر والشرك - إلا بعد إقامة الحجة عليه * وتنوير المحجة لديه *

وهذا غاية في الاحتياط ، ونهاية في تقوى الله سبحانه وتعالى ؛ قال العلامة السهسواني (1326هـ) في الرد على دحلان (1304هـ) :

(السادس : أنك قد عرفت فيما تقدم : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكفر السواد الأعظم من المسلمين ، ومن كفره ، فلم يكفره بارتكاب ذنب من الكبائر ، كما هو مذهب الخوارج ؛ وإنما كفره بدعوة غير الله ، حيث يطلب فيها منه ما لا يقدر عليه إلا

الله *

وهذا لا يستريب أحد من أهل العلم والديانة : أنه عبادة لغير الله * وعبادة غير الله لا شك في كونها كفرًا ؛ مع أنه لم يكفره أيضًا حتى عرفه الصواب * ونبهه [إلى طريقة السنة والكتاب] * .

وأيضًا قد عرفت فيما مر : أن الشيخ ليس بمنفرد في هذا التكفير ؛ بل جميع أهل العلم من أهل السنة والجماعة يشاركون فيه ، لا أعلم أحدًا مخالفًا له ...) .

ثم عد جمعًا من العلماء بأسمائهم ، أنهم كفروا القبورية بشركياتهم .

وقد ساق العلامة السهسواني عدة نصوص لمجدد الدعوة الإمام ، تنفي هذه التهمة الماكرة *

وتكذب القبورية الكذابة الفاجرة .

وذكر العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) : أن المسلم ، بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري ، فيجب تنبيهه وتعليمه ليتوب ، ولا يحكم بكفره لأجل جهله ، وذلك إتمامًا للحجة * وإيضاحًا للمحجة * .

وذكر الآلوسي أن أهل التوحيد لا يكفرون إلا من حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بكفره .

قلت :

هذا كما قال الإمام ابن القيم :

من كان رب العالمين وعبده ... قد كفراه فذاك ذو الكفران

قلت :

لأجل عدم إتمام الحجة * وإيضاح المحجة * لم يحكم علماء الحنفية على القبورية بالكفر بمعنى خروجهم عن الملة والارتداد عن دين الإسلام .

وأقول :

إن عدم الحكم على القبورية - مع ارتكابهم الشرك الصريح الصراح * والكفر القبيح البواح * - بتكفيرهم وخروجهم عن الملة ، وارتدادهم عن الإسلام - مثل عدم الحكم على الجهمية المعطلة بعدم الارتداد - مع ارتكابهم الكفر الواضح * والشرك الفاضح * -

لأجل خوف عدم إقامة الحجة عليهم * وعدم إيضاح المحجة لديهم *

ولقد أجاد أبو غدة الكوثري أحد كبار الكوثرية * وأحد الموالين للقبورية * وأفاد في جمع نصوص العلماء الأعلام * ولا سيما نصوص شيخ الإسلام * في عدم تكفير الجهمية لأجل عدم إقامة الحجة عليهم * وعدم تنوير المحجة لديهم *

وذكر فيها قول شيخ الإسلام : ((لو وافقتكم كنت كافرًا .....، وأنتم لا تكفرون ؛ لأنكم جهال)) .

فتبين أن أئمة السنة ليسوا متهورين في التكفير * وأن القبورية كاذبون في النكير * .

الوجه العاشر : أن علماء الحنفية قد صرحوا بأن القبورية يستحقون وصف الخوارج فإنهم هم أشد الناس تكفيرًا ، بل هم أشنع تكفيرًا من الخوارج ، والخوارج خير منهم ؛ لأن الخوارج كانوا يكفرون الناس بارتكاب الكبائر ، أما القبورية - فهم يكفرون أهل التوحيد بتوحيد الله تعالى ، وإفراده بالعبادة .

قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) :

(يوضحه الوجه الثاني : أن الخوارج إنما كفروا الأمة بمخالفة أمره ومعصيته ، وتمسكوا بنصوص متشابهة لم يردوها إلى المحكم ؛ وأما عباد القبور - فكفروا بموافقة الرسول [صلى الله عليه وسلم ] في نفس مقصوده ، وجعلوا تجريد

التوحيد كفرًا وتنقصًا ؛ فأين المكفر بالذنب من المكفر بموافقة الرسول [صلى الله عليه وسلم ] وتجريد التوحيد ؟؟) .

قلت :

لقد ذكرني كلام الآلوسي هذا كلام ابن القيم (751هـ) رحمه الله ، فقد قال مبينًا أن القبورية أشنع كفرًا من الخوارج :

وخصومنا قد كفرونا بالذي ... هو غاية التوحيد والإيمان

ومن العجائب أنهم قالوا لمن ... قد دان بالآثار والقرآن

أنتم بذا مثل الخوارج إنهم ... أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعان

فانظر إلى ذا البهت هذا وصفهم ... نسبوا إليه شيعة الإيمان

سلوا على سنن الرسول وحزبه ... سيفين سيف يد وسيف لسان

والله ما كان الخوارج هكذا ... وهم البغاة أئمة الطغيان

كفرتم أصحاب سنته وهم ... فساق ملته فمن يلحاني

إن قلت هم خير وأهدى منكم ... والله ما الفئتان مستويان

شتان بين مكفر بالسنة ال ... عليا وبين مكفر العصيان

الوجه الحادي عشر : وهو جواب عن تشبث القبورية بتلك الأحاديث المطلقة التي وردت في قول : ((لا إله إلا الله )) :

والجواب :

أن تلك الأحاديث لا تفيد القبورية شيئًا ، ولا تدل على شيء من

مطلوبهم ؛ فإن غاية ما في تلك الأحاديث وجوب الكف عن قتل من قال : ((لا إله إلا الله)) حتى يتبين أمره ، وليس معناها أن من قال : ((لا إله إلا الله)) - فهو مسلم مؤمن موحد ، وإن ارتكب كفرًا بواحًا * وشركًا صراحًا * !!! ؛ لما سبق تحقيقه : من أن هذه الأحاديث المطلقة مقيدة بقيود وردت في أحاديث أخرى ، فلا يكفي مجرد قول كلمة التوحيد باللسان * دون تصديق معناها بالجنان * ؛ قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) :

(ولخصوم الحق ، وأعداء الدين شبهة أخرى : وهي : أنهم يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال : ((لا إله إلا الله )) ، وقال : « أقتلته بعدما قال : ((لا إله إلا الله )) ؟ » ) .

وكذلك قوله : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله » ... ، إلى أحاديث أخر في الكف عمن قالها ، ومراد هؤلاء الجهلة : أن من قالها - لا يكفر ، ولا يقتل ، ولو فعل ما فعل .... ؛ فيقال لهم :

من المعلوم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود ، وسباهم ، وهم يقولون : ((لا إله إلا الله )) ، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون : ((إن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله)) ، ويصلون ، ويدعون الإسلام ، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار .

وهؤلاء الجهلة يقرون : أن من أنكر البعث - كفر ، وقتل

ولو قال : ((لا إله إلا الله)) ، وأن من جحد شيئًا من أركان الإسلام - كفر ، وقتل

ولو قالها ؛ فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع !؟! ، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ، ورأسه ؟؟؟ ؛ ولكن أعداء الله لم يفهموا معنى الأحاديث ! ؛ فأما حديث أسامة - فإنه قتل رجلًا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله ، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين ما يخالف ذلك ، وأنزل الله تعالى في ذلك : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا }

[النساء : 94] .

أي : تثبتوا ، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه ، والتثبت ، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام - قتل ؛ لقوله : ((فتبينوا)) ، ولو كان لا يقتل إذا قالها - لم يكن للتثبت معنى ، وكذلك الأحاديث الأخر معناها ما ذكرنا

وأن من أظهر التوحيد والإسلام - وجب الكف عنه إلا أن يتبين منه ما يناقض ذلك .....) .

قلت :

لقد بطلت شبهات القبورية كلها المتعلقة بالتكفير بحمد الله وحسن توفيقه ، وتبين أنهم في جميع ذلك كذابون أفاكون ، دجالون ، مضلون *

والآن ننتقل إلى عرض شبهتهم الأخرى لنعرف جهود علماء الحنفية في إبطالها :

الشبهة الثالثة : شبهة تعظيم الأنبياء ومحبة الأولياء .

زعم القبورية قديمًا وحديثًا - لتبرير كل ما يرتكبونه من الاستغاثة بالأموات عند الكربات * والنذور لهم ، والسجدة لهم ، واعتقاد التصرف وعلم الغيب لهم وغير ذلك من الشركيات والعبادات * -

أن كل ذلك ليس من باب الإشراك بالله ولا من قبيل عبادة غير الله * ، بل ذلك من تعظيم أولياء الله ، ومحبة أحباب الله * .

الجواب :

لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بتحقيقات طويلة جعلوها كأمس الدابر .

وحاصلها : أن تعظيم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومحبة الأولياء والصالحين - أمر مطلوب ، وهو من الإيمان ، ومن أعظم الأمور في الإسلام ، ومن أجل العبادة لله تعالى ، ولكن إذا كان في حدود الشريعة الغراء ؛ بحيث لا يكون ذلك غلوًا ولا مفضيًا إلى الغلو ، ولا يكون ذريعة إلى الإشراك بالله تعالى ولا وسيلة إلى عبادة غير الله تعالى ، وأن لا يسمى الشرك الصريح ، ولا عبادة الأموات باسم التعظيم والمحبة .

ولا يرتكب الوثنية ، ولا يعبد غير الله تحت ستار التعظيم والمحبة ، وأما تعظيم الأنبياء والأولياء إذا كان بالغلو فيهم وإطرائهم ورفعهم عن منزلتهم ، ويتذرع به إلى الاستغاثة بهم والنذور لهم واعتقاد التصرف وعلم الغيب فيهم ، ونحوها من الكفريات والشركيات - فهو ليس بتعظيم ، بل هو في الحقيقة تحقير لشأنهم ، واستخفاف

بهم ، بل هو استخفاف بالله تعالى أيضًا وتحقير لجنابه سبحانه وتعالى ، وإنه في الحقيقة مبالغة في الإشراك بالله وعبادة غير الله ، وهو شرك صريح ، وكفر قبيح تحت شعار التعظيم ، وانسلاخ عن جملة الدين ، وهذا النوع من التعظيم هو من أعظم أسباب الوثنية ، والإشراك بالله ، وعبادة غير الله عز وجل قديمًا وحديثًا ، وإنما التعظيم للأنبياء عليهم السلام ، والأولياء ، ومحبتهم ، وتوقيرهم ، واحترامهم - يكون باتباع سنتهم ، والتأسي بهم في أفعالهم وأقوالهم ، وسلوك طريقهم ، دون عبادتهم وعبادة قبورهم ، والعكوف عليها ، واتخاذها أوثانًا ، وتعظيمهم لا يقتضي الاستغاثة بهم ، وليس كل تعظيم جائزًا في الإسلام .

قلت :

إن ((التعظيم )) ، و ((المحبة)) ، و ((التوسل)) ، و ((الكرامة)) ، و ((العبادة)) ، و ((التوحيد)) ، و ((الشرك)) ، و ((الاستغاثة)) ، و ((النذر)) ، و ((الألوهية)) ، و ((الصفات)) ، و ((التشبيه)) ، ونحوها - مصطلحات شرعية يجب تفسيرها وشرحها وفق ما ورد في الكتاب

والسنة ، وطبق مصطلحات الصدر الأول من الصحابة التابعين ؛ فمن فسرها بغير تفسيرها ، وحملها على مصطلحات أهل البدع من الروافض ، والجهمية * والمعتزلة ، والأشعرية ، والماتريدية ، والصوفية ، والقبورية * وغيرهم من أصناف المبتدعة - فقد حرف الإسلام ، وقلب الحقائق ، وبدل الدين * وأتى بزندقة عظمى * وطامة كبرى * وإلحاد مبين * وتحريف قرمطي * وتخريف وثني * وتلاعب بالمصطلحات * وغير الحدود واللغات * .

وهذه حقيقة واقعة اعترف بها أحد كبار أئمة القبورية * وأحد دعاة الجهمية * ذلكم الكوثري (1371هـ) ، فقد قال - عليه من الله ما يستحقه - مقرا ببعض الحق ، شاهدًا على نفسه وأهله وذويه ، ذابحًا للقبورية والجهمية في آن واحد بسيف لسانه * ومدية بنانه * وشفرة قوله ، وسكين نصه وبيانه * وقانونه الكلي وتبيانه * :

(أين التجليات التي اصطلح عليها الاتحادية ؟

من تخاطب العرب ، ومن تفاهم السلف والخلف بهذا اللسان العربي المبين ؟

حتى يكون حمل النصوص والآثار على التجليات المصطلح عليها فيما بعد عهد التنزيل بدهور - استعمالًا لها في حقائقها ؟

ومن زعم ذلك فقد زاغ عن منهج الكتاب والسنة ، وتنكب سبيل

السلف الصالح ، ومسلك أئمة أصول الدين ، ونابذ لغة التخاطب ، وهجر طريقة أهل النقد في الجرح والتعديل ، والتقويم والتعليل ...) .

قلت :

بناء على شهادة هذا الكوثري ، إمام القبورية الوثنية * والمعطلة الجهمية الماتريدية *وشيخ عصبة التعصبات المذهبية * - أقول ، وأقلب حجته عليهم جميعًا : إن القبورية ، والماتريدية * والأشعرية ، والصوفية * وغيرهم من أهل البدع ، قد حملوا كثيرًا من نصوص الكتاب والسنة * ومصطلحات الصحابة والتابعين ، وأئمة هذه الأمة * :

كالتوحيد ، والتشبيه ، والصفات ، والتوحيد ، والشرك ، والعبادة ، والألوهية ، والكرامة ، والولاية ، والتوسل ، والتعظيم ، والمحبة ، وغيرها من المصطلحات الشرعية - على مصطلحات ومعان أحدثوها ، وفسروها على ما يوافق مذهبهم البدعي والشركي القبوري ، الوثني ، الجهمي ، الصوفي ، الخرافي ، كما تراه هاهنا مما فعلت القبورية الوثنية ، حيث سمت الشرك الأكبر وعبادة الأموات * والاستغاثة بهم عند الكربات ، والنذر لهم عند الملمات * - باسم التعظيم والمحبة ، والولاية ، والكرامة ، والتوسل ، ونحوها من المصطلحات التي كانت عند الصحابة والتابعين - على ضد ما تقصده القبورية ، وتفعله وتقوله وتعتقده ؛

فجاءت القبورية فعمدت إلى تلك المصطلحات القرآنية والسنية التي كانت لها معان أخرى عند الصحابة والتابعين - فحرفتها وحملتها على مصطلحات الوثنية الشركية الكفرية ؛ إذن تحقق : أن القبورية - في حمل تلك المصطلحات على مصطلحاتهم - أبعد الناس من تخاطب العرب وتفاهم السلف ، واللسان العربي المبين ، وأنهم قد زاغوا - بهذا التحريف والتبديل والتغيير للمصطلحات - عن منهج الكتاب والسنة * وطريقة السلف أئمة هذه الأمة * ، وأنهم بتخريفاتهم الوثنية هذه - تنكبوا سبيل السلف الصالح - باعتراف الكوثري وقانونه - .

وأقول :

إن الحمد لله الذي دفع أهل البدع بعضهم ببعض ، وقطع دابر صغارهم بسيوف كبارهم ، { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } [ الأحزاب : 25 ] ، وقمعهم بسلاح كوثريهم ؛ ومع ذلك ترى القبورية قديمًا وحديثًا في كل مكان وزمان * - يقاتلون أهل التوحيد والسنن بالسيف والسنان والبهتان * ولكن أهل التوحيد بتوفيق الرحمن * يقمعونهم بالحجة والبرهان *

فإن عدت والله الذي فوق عرشه ... منحتك مسنون الغرارين أزرقا

فإن دواء الجهل أن تضرب الطلى ... وأن يغمس العريض حتى يفرقا

وبعد هذا ننتقل إلى شبهتهم الأخرى ، وبالله التوفيق .

الشبهة الرابعة : شبهة تنقيص الأنبياء والأولياء :

لقد تسلحت القبورية بسلاح فتاك *

مسموم بسم قاتل سفاك * إضلالًا للعوام * وإغواء للأنام *

قاتلت به أهل التوحيد والسنة قديمًا وحديثًا في كل مكان وزمان *

بالظلم والبغي والعدوان والافتراء والبهتان * كما قاتلتهم بقوة السنان والسلطان *

لعجزهم عن إقامة الحجة والبرهان * على استغاثتهم بالأموات وعبادتهم للأوثان *

ولكونهم من أكذب الناس في البيان * وأقلهم خوفًا من الرحمن *

وهو اتهامهم أهل التوحيد بأنهم يسيئون الأدب في حق الأنبياء والأولياء ، ويستخفون بهم ويتنقصونهم ، بل يحملون الضغينة ، والبغض والطعن ، والعداوة في قلوبهم لهم ، وأنهم ينكرون الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعته كما أنهم ينكرون كرامات الأولياء .

وأود أن أسوق كلام رجل لقبته الديوبندية بشيخ الإسلام *

لتعرفوا حقيقة الديوبندية وتعلموا أن إمامهم هذا في هذا الاتهام * وطعنه في مجدد الدعوة الإمام والتقول عليه من أكذب الأنام *

ألا وهو الشيخ حسين أحمد الملقب بشيخ الإسلام أحد كبار أئمة الديوبندية (1377هـ) ، وهذا نص كلامه في تقرير هذه الأكذوبة :

(4- إن الوهابية يسيئون الأدب إلى شأن النبوة وحضرة الرسالة على صاحبها الصلاة والسلام بكلمات نابية ؛ ويرون أنفسهم مماثلة لذات سيد الكائنات ؛ ويعترفون له بفضيلة قليلة ، ولكنهم يرونها محدودة بزمان تبليغ الرسالة ، ولأجل شقاوة قلوبهم وضعف اعتقادهم - يرون : أنهم هداة العالم ، ويزعمون : أنه لا حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ؛ كما أنهم يزعمون : أنه صلى الله عليه وسلم لا تفيد ذاته فائدة ولا تحسن إحسانًا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ ولأجل ذلك لا يجوز التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم في دعائهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولأكابر الوهابية مقالة معاذ الله معاذ الله ! وحكاية الكفر ليست بكفر ؛ وهي : أن العصا أنفع منه صلى الله عليه وسلم ؛ لأننا ندفع بالعصا كثيرًا من الشر ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يدفع شيئًا ) .

إلى آخر تلك الأكاذيب السافرة * والأساطير الفاجرة الماكرة * التي لا تصدر إلا عن الفسقة الفجرة * فضلًا عن أن يكون من شيوخ الإسلام البررة *

هذه هي ديانة هؤلاء الديوبندية *

وأمانة هؤلاء الكذبة القبورية *

فهم كما قيل :

عجبت لشيخ يأمر الناس بالتقى ... وما راقب الرحمن يومًا وما اتقى

وبعد عرض هذه الشبهة الماكرة * لهؤلاء الكذبة القبورية الفاجرة *

ننتقل إلى جواب علماء الحنفية عنها وقلعها من أصلها وقطع دابر أهلها .

الجواب : لقد أجاب علماء الحنفية عن تلك الشبهة الماكرة لهؤلاء القبورية الخونة الفجرة عامة وهؤلاء الديوبندية الكذبة الجائرة خاصة بعدة أجوبة :

الجواب الأول :

أن هؤلاء القبورية كذابون أفاكون في هذه الفرية وهذا الاتهام *

بهاتون متقولون على أئمة الإسلام يقولونهم ما لا يقولوا من الكلام *

وأنهم بهذه الأكاذيب ساقطون عن درجات الصدق والعدالة والأمانة *

إلى دركات الظلم والعدوان والبهتان والفسق والكذب والخيانة *

وإليكم بعض نصوص بعض علماء الحنفية * لتعرفوا خيانة هؤلاء القبورية وكذب الديوبندية * :

1 - قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) في الرد على ابن جرجيس أحد أئمة القبورية العراقية (1299هـ) خاصة وقبورية العالم عامة ، مبطلًا هذه التهمة الفاجرة الماكرة :

(والجواب أن يقال :

إن هذا العراقي قد خلع - والعياذ بالله - جلباب الحياء عنه ؛

ولم يراع وقوفه بين يدي مولاه * جل شأنه وعز علاه * ؛ فأخذ يتكلم ما خطر على قلبه * وألقاه شيطانه على لسانه * ولم يستح من تكذيب الناس له ؛ حتى أنه قد حدثني من أثق به :

أن هذا الضال المبتدع - قد أخبره بخبر ظهر كذبه للعيان ؛ فلما عاتبه على هذا الكذب - قال له : لأي شيء تعاتبني على الكذب ؟

والحال أن الأنبياء يكذبون !

انظر إلى تجاسر هذا المفتري ! وإلى أي درجة وصل ، وإلى أي حد انتهى ؛ وما كفاه الافتراء على المؤمنين حتى ترقى إلى القدح برسل رب العالمين ؛ فعياذًا بك اللهم ؛ من هذا البلاء العظيم ؛ وكم كان يقص في مجالسه على ضعفاء العقول من العوام قصصًا تقشعر منها جلود العقلاء ؛ وكان يخبرهم أن القيامة تقوم سنة خمس وتسعين من المائتين والألف !

ويبرهن لهم على ذلك ؛ فلما مضى الوقت الذي عينه لهم -

تغافل عنه ، وربما أبدى لهم بعض الأعذار الباردة ؛ فمن كانت هذه صفته - كيف يستحي من الافتراء على أناس أظهروا شركه للعيان * وكفره بالبرهان * ؛ وأعجب من هذا - تقول أمثال هذا العراقي من المبتدعة الغلاة- على أهل الحق * القاصرين الألوهية على خالق الخلق * :

أنهم ينتقصون الرسول الأكرم * والنبي الأعظم * صلى الله عليه وسلم ؛ وينسبون إلى جنابه * ما لا يليق بأعتابه * ، وكذا ينسبونهم إلى الإنكار على خلص عباد الله * وبغض الأولياء وأهل الانتباه * !

سبحان إله الخلق ما أحلمه ؟!* وما أجل سلطانه وما أعظمه ؟!*

لا إله إلا أنت ، تعاليت عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا - فاستمع ما كتبه الشيخ عبد الله ابن العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تغمدهم الله برحمته ،

حين ذهب الأمير محمد بن سعود لفتح الحرمين الشريفين وقد قرئ هناك بمحضر علماء المذاهب الأربعة ... ؛ وذلك قوله : (( إن مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة ، وطريقتنا طريق السلف الصالح التي هي الطريق الأسلم ؛ بل الأحكم ...... ؛ وأما ما يكذب علينا سترًا للحق ، وتلبيسًا على الخلق :

بأنا نفسر القرآن برأينا ، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا ، من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ ، وأنا نضع من رتبة نبينا صلى الله عليه وسلم بقولنا :

النبي رمة في قبره ، وعصا أحدنا أنفع له منه ، وليس له شفاعة ، وأنه لا يعرف معنى : ((لا إله إلا الله )) حتى أنزل عليه ، ونتلف مؤلفات أهل المذاهب ؛ لكون الحق والباطل فيها ؛ وأنا مجسمة ، وأنا نكفر الناس على الإطلاق :

أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه ؛ ومن فروع ذلك : أنا لا نقبل بيعة أحد ، إلا إذا أقر عليه بأنه كان مشركًا ، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله ، وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ،

ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقًا ؛ وأنا لا نرى حقا لأهل البيت .. ؛ فجميع هذه الخرافات - وأشباهها - لما استفهمنا عنها من ذكرنا - كان جوابنا عليه في كل مسألة :

سبحانك هذا بهتان عظيم ! ؛ فمن روى عنا شيئًا من ذلك أو نسبه إلينا - فقد كذب علينا وافترى ؛ ومن شاهد حالنا ، وحضر مجالسنا ، وتحقق ما عندنا - علم قطعًا : أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين ، وإخوان الشياطين ؛ تنفيرًا للناس عن الإذعان لإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة ، وترك أنواع الشرك الذي نص الله على أن لا يغفره ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ؛ فإنا نعتقد : أن من فعل أنواعًا من الكبائر :

كالقتل للمسلم بغير الحق ، والزنى ، والربا ، وشرب الخمر ؛ وتكرر منه ذلك - لا يخرج بفعل ذلك عن دائرة الإسلام ، ولا يخلد في دار الانتقام ؛ إذا مات موحدًا لله تعالى في جميع أنواع العبادة ؛ والذي نعتقد : أن رتبة نبينا صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على

الإطلاق ؛ وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل ؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بلا ريب ، وأن الله يسمعه سلام من يسلم عليه ، وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه ؛ ومتى أنفق أنفس أوقاته بالصلاة عليه الواردة عنه - فقد فاز بسعادة الدارين ، وكفى همه وغمه ، كما جاء في الحديث ، ولا ننكر كرامات الأولياء ، ونعترف لهم بالحق ، وأنهم على هدى من ربهم ؛ مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية ؛ إلا أنهم لا يستحقون شيئًا من أنواع العبادة ؛ لا حال الحياة ولا بعد الممات .... ؛ ونثبت الشفاعة لنبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ؛ حيثما ورد أيضًا ... ؛ ولا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بالجهة ...... ؛ ولا نقول بكفر من صحت ديانته ... ؛ وإن كان مخطئًا في هذه المسألة ، أو غيرها ... ؛ هذا ما نحن عليه مخاطبين من له عقل ودين وهو متصف بالإنصاف ، خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف ؛ ينظر إلى ما يقال ، ولا ينظر إلى من قال .

وأما من شأنه لزوم مألوفه ، وعادته -

سواء كان حقا أو غير حق مقلدًا - فهو ممن قال تعالى فيهم : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] ، عادته وجبلته أن يعرف الحق بالرجال لا الرجال بالحق ؛ فلا نخاطبه وأمثاله ؛ فجنود التوحيد بحمد الله منصورة وراياتهم بالسعد والإقبال منشورة)) .

انتهى كلامه ملخصا) .

قلت : حاصل هذا الجواب : أن القبورية أكذب الناس وأشدهم تقولًا على أهل التوحيد .

ولقد حقق علماء الحنفية في مباحث كثيرة سيأتي إن شاء الله :

أن القبورية أكذب الناس وأشدهم تقولًا وافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الناس ، بل هم أشد كذبًا وتقولًا من الخوارج والروافض .

الجواب الثاني :

أن علماء الحنفية قد صرحوا بأن حقيقة اتهام هؤلاء القبورية لأهل التوحيد بتنقيص الأنبياء والأولياء - وهي عقيدتهم أن من لا يستغيث بهم عند الكربات * ولا ينذر لهم عند الملمات * ولا يطوف بقبورهم لقضاء الحاجات * - فقد استخف بهم وتنقصهم وهضمهم حقهم ، وهذه بعينها شبهة المشركين والنصارى .

قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) :

(ومن المحن أن مشائخ المذاهب الأربعة وفقهاءهم - جزموا بوجوب هدم القباب ، ونهوا عن الطواف بالقبور ودعاء أربابها بل دعاء الله عندها ، ومنعوا من الذبح لها والغلو فيها ، بل ومن عبادة الله بالصلاة عندها ؛ فإذا عمل بمقتضى أقوالهم عامل ، وألزم بها الناس - نسبه هؤلاء الجهال إلى الاستخفاف بالأنبياء والصالحين وإلى مخالفة العلماء) .

الجواب الثالث :

أن علماء الحنفية قد صرحوا :

بأن القبورية هم الذين قد تنقصوا الأنبياء والأولياء بسبب مخالفة طريقتهم ومناقضتهم ، وارتكابهم للإشراك بالله تعالى ونبذهم لأوامرهم ، وتركهم لما جاءوا به .

وبظنهم أن هؤلاء الأنبياء والأولياء راضون بشركهم وندائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم ، أو أنهم أمروهم بذلك .

الجواب الرابع :

أن علماء الحنفية قد حققوا أن القبورية لم يكتفوا بتنقيص الأنبياء والأولياء ولم يستخفوا بهم فحسب ، ولم يهضموا حقهم فقط ؛

بل إنهم قد تنقصوا الله عز وجل وهضموه حقه ؛ قال الإمام البركوي (981هـ) :

(وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية ؛ وتنقيص لعظمة الإلهية ، وسوء ظن برب العالمين ، فإنهم ظنوا به ظن السوء ؛ حتى أشركوا به ، ولو أحسنوا الظن ((به)) - لوحدوه حق توحيده ، ولم يرجوا شيئًا من غيره ؛ ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عنهم في ثلاثة مواضع من كتابه : أنهم { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } :

أي ما عرفوه حق معرفته ، وكيف يعرفه حق معرفته من يجعل له عدلًا وندا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له) .

وقال العلامة الرباطي : (فعكس المشركون ((أي القبورية )) هذا ، وزاروهم زيارة العبادة وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد ؛ فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ، ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى التنقيص بالأموات ؛

وهم قد تنقصوا الخالق سبحانه بالشرك ، وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم ، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص ؛ إذ ظنوا أنهم راضون منهم أو أنهم أمروهم به ؛ وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان) .

قلت : القبورية في الاستخفاف بالله تعالى على طريقة المشركين ؛ فقد صرح الإمام محمود الآلوسي (1270هـ) في تفسير قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45] ، ونقل كلامه العلامتان : ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) وحفيده محمود شكري (1342هـ) ، وفضيلة الشيخ عبد السلام الرستمي أحد كبار علماء الحنفية المعاصرة -:

أن القبورية على هذه الصفة التي وصف الله بها المشركين فإنهم يهشون ويطربون عند ذكر الأموات الذين يستغيثون بهم وذكر حكاياتهم الكاذبة ، ويعظمون من يحكي لهم تلك الأكاذيب ولكنهم ينقبضون من توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل ، ويتضايقون من سرد ما يدل على تعظيمه سبحانه وتعالى ، وينفرون من أهل التوحيد كل النفرة ، ويكرهون من يذكر تعظيم الله تعالى وعظمته وجلاله وينسبونه إلى ما يكره ، وقد رأيت يومًا رجلًا يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادي يا فلان

أغثني ، فقلت له : قل : يا الله واستغث بربك !

فغضب علي وقال : أنت منكر للأولياء .

قلت : وللعلامة السهسواني (1326هـ) كلام مهم في هذا الصدد .

وأقول : لقد تذكرت بهذه المناسبة كلام الإمام ابن القيم ؛ حيث قال :

وإذا ذكرت الله توحيدًا رأي ... ت وجوههم مكسوفة الألوان

بل ينظرون إليك شزرًا مثل ما ... نظر التيوس إلى عصا الجوبان

وإذا ذكرت بمدحة شركاءهم ... يتباشرون تباشر الفرحان

والله ما شموا روائح دينه ... يا زكمة أعيت طبيب زمان

الجواب الخامس :

أن علماء الحنفية قد صرحوا بأن أهل التوحيد الذين لا يغالون في الأنبياء والأولياء - من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة - في الحقيقة هم المعظمون للرسل ، الموقرون لهم ، العارفون بحقوقهم ، القائمون بما يجب لله ، وما يجب لعباده من الحقوق فهم ليسوا بأهل شرك بهم ولا أهل المعصية لهم ، ولا نبذوا أوامرهم ، ولا تركوا ما جاءوا به من الحق ،

فهم أهل التوحيد لله تعالى وأهل طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإخلاص لله .

فتركهم الاستغاثة بهم عند الكربات وترك الطواف بقبورهم عند الملمات هو عين التعظيم لهم ، وتركهم النذور لهم ، وترك السجود إليهم ، وترك الغلو فيهم - هو عين التوقير لهم .

قلت : هذه كانت أمثلة من شبهات هؤلاء القبورية الكذبة الخونة ، ذكرتها وعرضت أجوبة علماء الحنفية لقلعها وقمع أصحابها ليعرف المسلمون : أنهم في تلك الشبهات أكذب الناس *

* وأن دسائس هؤلاء القبورية هي من وساوس الخناس *

وليعلم المنصفون : أن جدالهم إنما هو المكر والدجل والكذب والبهتان *

ولذلك صرح الإمام ابن القيم بأن أولياء الرحمن لا يخافون شبهات أولياء الشيطان * :

واصدع بما قال الرسول ولا تخف ... من قلة الأنصار والأعوان

فالله ناصر دينه وكتابه ... والله كاف عبده بأمان

لا تخش من كيد العدو ومكرهم ... فقتالهم بالكذب والبهتان

فجنود أتباع الرسول ملائك ... وجنودهم فعساكر الشيطان

شتان بين العسكرين فمن يكن ... متحيرًا فلينظر الفئتان

إلى أن قال رحمه الله :

وادرأ بلفظ النص في نحر العدى ... وارجمهم بثواقب الشهبان

لا تخش كثرتهم فهم همج الورى ... وذبابه أتخاف من ذبان

 

الرجوع للصفحة الرئيسية