هل " السجلُ " أحدُ كتَّابِ النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ (1)

الحمد لله وبعد ؛

هذا بحث عن اسم ورد في كتاب الله جل وعلا وهو " السجل " اختلف أئمة التفسير والعلماء في معناه على أقوال ، وأحدُ هذه الأقوال انتصر له بعض العلماء على أنه اسم لكاتب النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي هذا البحث سنقف مع هذا القول ، ونبين مدى صحته .

وقد قسمت البحث إلى مقدمة ، وفصلين .

المقدمة تشتمل على :

نص الآية وأقوال المفسرين مجملة .

الفصل الأول يشتمل على :

- أدلة القائلين بأن " السجل " كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .

الفصل الثاني يشتمل على :

- أدلة القائلين بأنه لا يوجد كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه " السجل " .

- الترجيح بين هذه الأقوال .

- فوائد خلال البحث .

أسأل الله أن ينفع بهذا البحث .

المـــقــدمــة :

نص الآية :

قال تعالى : " ‏يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ " [ الأنبياء : 104] .

أقوال المفسرين مجملة :

نقل الإمام ابن الجوزي الأقوال في معنى " السجل " في زاد المسير (5/395) فقال :

وفي " السجل " أربعة أقوال :

أحدها : انه ملك قاله علي بن طالب وابن عمر والسدي .

والثاني : أنه كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثالث : أن " السجل " بمعنى الرجل ، روى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل : هو الرجل . قال شيخنا أبو منصور اللغوي : وقد قيل : السجل بلغة الحبشة الرجل .

والرابع : أنه الصحيفة . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد ، والفراء ، وابن قتيبة .ا.هـ.

والذي يهمنا في مسألتنا هو القول الثاني ، فهل يثبت هذا القول من جهة الدليل .

الفصل الأول :

- أدلة القائلين بأن " السجل " كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم :

دليل القائل بهذا القول :

‏عَنْ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏قَالَ ‏: ‏‏السِّجِلُّ كَاتِبٌ كَانَ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

رواه أبو داود (2935) ، والنسائي في الكبرى (6/408 ح 11335) من طريق نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس به .

رجـــــال الإسنــــاد :

- نوح بن قيس :

قال عنه الحافظ في التقريب : صدوق رمي بالتشيع .

- يزيد بن كعب العَوْذي :

قال عنه الذهبي في الميزان (4/438) : راوي حديث : إن السجل كتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه النسائي ، وأبو داود لا يُدْرَى مَنْ ذا أصلا . رواه عن عمرو بن مالك النُّكري . انفرد عنه نوح بن قيس الحُدَّاني .

وقال عنه الحافظ في التقريب : مجهول .

وذكره ابن حبان في الثقات .

- عمرو بن مالك النُّكري :

قال بشار عواد في تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال (22/212) عند قول الحافظ المزي : ذكره ابن حبان في الثقات . وبقية كلام ابن حبان : ويعتبر حديث من غير رواية ابنه عنه … وقال ابن حجر في التهذيب : وقال ابن حبان : يخطىء ويغرب ، ولم نجد هذا القول في المطبوع من ابن حبان فلعله سقط .ا.هـ.

وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق له أوهام .

- أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الرَّبَعي :

قال أبو زرعة ، وأبو حاتم : ثقة . وقال الحافظ في التقريب : يرسل كثيرا ، ثقة .

فإسناد الحديث ضعيف وذلك لجهالة يزيد بن كعب العَوْذي .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (5/301 – 302) :

ومنهم السجل – أي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم – كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس – إن صح – وفيه نظر … وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا ، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع ، وإن كان في سنن أبي داود . فقال شيخنا المزي : وأنا أقوله .ا.هـ.

وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود (630) : ضعيف .

والحديث رواه أيضا الطبراني في الكبير (12/170 ح 12790) من طريق يحيى بن عمرو بن مالك عن أبيه به .

وفي إسناده يحيى بن عمرو بن مالك النُّكري وقد ضعفه يحيى بن معين ، وأبو زُرعة ، وأبو داود ، والنسائي . وقال ابن الجنيد عن يحيى : ليس بشيء . وقال أبو زرعة في موضع آخر : واهي الحديث .

وقال الحافظ الذهبي (4/399) : ورماه حماد بن زيد بالكذب . وذكر الحافظ الذهبي هذا الحديث من مناكيره فقال :

وبه : كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى السجل . تابعه فيه يزيد بن كعب العوذي عن عمرو بن مالك ، ويزيد – مجهول .

وقال الحافظ ابن حجر : ضعيف ، ويقال : إن حماد بن زيد كذبه .

قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/302) : ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة والله أعلم .ا.هـ.

وقد جاء الحديث من رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه الخطيب البغدادي قي تاريخ بغداد (8/175) من طريق حمدان بن سعيد عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر .

وفي إسناد الحديث حمدان بن سعيد .

قال عنه الذهبي في الميزان (1/602) : حمدان بن سعيد . عن عبد الله بن نُمير . أتى بخبر كذب عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه سِجل .

وتعقبه الحافظ ابن حجر في اللسان (2/433) بقوله : وهذا المتن لا يجوز أن يطلق عليه الكذب ، فقد رواه النسائي في التفسير ، وأبو داود في السنن من طريق أخرى عن ابن عباس . وأما هذه الطريق فتفرد بها حمدان ، لكن لم أر من ضعفه قبل المؤلف .ا.هـ.

قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/302) : وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن مندة … قال ابن مندة : غريب تفرد به حمدان . وقال البرقاني : قال أبو الفتح الأزدي : نفرد به ابن نمير – إن صح - . قلت – ابن كثير - : وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس .ا.هـ.

وممن ذكر السجل من أسماء الصحابة : ابن مندة ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وابن الأثير في أسد الغابة . وزاد الحافظ في الفتح (8/437) ابن مردويه أيضا ممن عده في الصحابة .

وذكره الحافظ ابن حجر أيضا في الإصابة (3/33) ورد قول من قال أن الحديث موضوع ، بل إنه ذهب إلى تصحيح الحديث فقال :

فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق ، وغفل من زعم أنه موضوع .

وللموضوع تتمة .............