الرد على علي بن مشرف العمري وكل من أنكر تلبس الجني بالإنسان

الرد على علي بن مشرف العمري وكل من أنكر تلبس الجني بالإنسان

*****نموذجان من تكذيبه لآراء باطلة منسوبة إليه :إيضاح وتكذيب حول مسألة تلبس الجني بالإنسان

***** قال الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - :

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :

فلقد اطلعت على ما نشرته صحيفة ( المسلمون) ، في عددها الصادر في يوم الجمعة 8 / 3 / 1416 هـ من الأسئلة الموجهة إلى علي بن مشرف العمري ، وأجوبته عنها ، وهذا نص ما ذكرته الصحيفة :

 

القرآن ليس شفاء لجميع الأمراض العضوية والنفسية .

 

ابن باز شيخي وأقرني على مذهبي الجديد .

 

أتحدى معالجة السرطان بالقرآن .

هل تعتبر جريان الشيطان من ابن آدم الوارد في الحديث حريانا غير حسي ؟

ج : نعم ، فعندنا نصوص تدل على هذا ، ثم هو استعارة كما قال العلماء ، فالحديث الوارد لا يفيد الجريان الحسي ، ولو سلمنا جدلا بأنه جريان حسي ، فهو خاص بالموسوس ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله في الموسوس .

س : إذن ما زلت تصر على الجني لا يمكن أن يتلبس بإنسي بأي حال من الأحوال؟

ج : أبدا لا يمكن أن يتلبس الجني بالإنسي .

س : إذا أنت لا تعترض إلا على من يقرأ على من به جني؟

ج : نعم . أنا لما كنت في أبها ألقيت محاضرة بذلك ، وكنت في أبها قبلها ، وقد ناقشت البعض فكان يرى عدم التلبس وأراه ، ولما عدت لرأيه ألقيت المحاضرة في أبها وكتب عنها ، فعندها الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله لما سمع بذلك استغرب وتأثر لما سمع بهذا ، فاستدعاني ، فذهبت إليه بالطائف فقلت له : يا شيخ ، أريدك تستمع إلى ما توصلت إليه- والشيخ حفظه الله رجل عاقل وحبيب وعالم جليل- فاستمع إلى ما قلت من أوله إلى آخره ، فقال لي : والله الحق معك ، ويجب أن تسير على هذا النهج ولا تبالي بأحد .

س : قال لك : الحق معك . أي : أن الجني لا يتلبس بالإنسي؟

ج : الموضوع ككل لما شرحته له ، فخرجت من عند الشيخ ابن باز وكتبت في الصحف : ( إخراج الجني من بدن الإنسان ادعاء كاذب) فالشيخ ابن باز لديه خلفية ، ولو خالفني لرد علي في هذا الموضوع ، ولكني بعد أن استوقفت من سماحة الشيخ ابن باز حفظه الله ، وأنه قال لي : ( اكتب هذه المعلومات) ، فبدأت بهذا الموضوع . هذه خلاصة ما ذكرته الصحيفة عن علي المذكور في عددها في التاريخ المذكور .

 

*****فأقول : إن ما ذكره عني علي المذكور من تصحيح مذهبه ، قول باطل وكذب لا أساس له من الصحة ، وقد نصحته حين اجتمع بي منذ سنة أو أكثر أن يفصل القول في ذلك ، وأن يعترف بتلبس الجني بالإنس كما هو الحق الذي أجمع عليه العلماء ، ونقله أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة ، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم ، كما في الفتاوى ( جـ 19 من ص 9 إلى ص 65) ،

وقد أوضحت لعلي المذكور : أنه ليس كل ما يدعيه الناس من تلبس الجني بالإنسي صحيحا ، بل ذلك تارة يكون صحيحا في بعض الأحيان ، ويكون غير صحيح في أحيان أخرى ؛ بسبب أمراض تعتري الإنسان في رأسه تفقده الشعور فيعالج ويشفى ، وقد لا يشفى ويموت على اختلال عقله ، وقد يختل العقل بأسباب ووساوس كثيرة تعتري الإنسان .

فالواجب : التفصيل ، وقد أوضح ذلك . ابن القيم رحمه الله في ( زاد المعاد) ، وقد حصل لشخص من سكان الدلم- حين كنت في قضاء الخرج- خلل في عقله فلما عرض على المختصين ذكروا أن سبب ذلك فتق في الرأس فكوي وبريء من ذلك بإذن الله .

وهذا نص كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى في المجلد المذكور ، قال ما نصه بعد كلام سبق : ( ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة؛ كالجبائي ، وأبي بكر الرازي ، وغيرهما دخول الجني في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن ، إذ لم يكن ظهور هذا في النقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم كظهور هذا ، وإن كانوا مخطئين في ذلك ، ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون : إن الجني يدخل في بدن المصروع ، كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) الآية .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : قلت لأبي : إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي ، فقال : . يا بني ، يكذبون ، هو ذا يتكلم على لسانه ، وهو مبسوط في موضعه) . وقال أيضا رحمه الله ، في المجلد الرابع والعشرين من الفتاوى ( ص 276 ، 277) ما نصه : ( وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق سلف الأمة وأئمتها ، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " إلى أن قال رحمه الله : وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع ، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك . . . ) إلخ .

وبما ذكرنا يعلم بطلان ما ذهب إليه علي المذكور من إنكار دخول الجني في بدن الإنسان ، ويعلم كذب علي في دعواه أني صدقته في ذلك وصححت مذهبه ، وقد كتبت في ذلك ردا على من أنكر دخول الجني في بدن الإنسي منذ سنوات ، ونشر ذلك في كتابي : ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) ، في المجلد الثالث ( ص 299-308) . فمن أحب أن يطلع عليه فليراجعه في محله المذكور .

وأما قول علي المذكور : لو أنكر علي لرد علي ، فجوابه : أنه ليس كل ما نشر في الصحف من الأخطاء أطلع عليه؛ لكثرة ما ينشر في الصحف ، وكثرة مشاغلي عن الاطلاع على ذلك ، والله ولي التوفيق ، ونسأله سبحانه أن يحفظنا من الخطأ والزلل في القول والعمل .

وأما إنكار علي المذكور كون القرآن الكريم شفاء لبعض الأمراض البدنية فهو أيضا قول باطل ، وقد أوضح الله سبحانه أن كتابه العظيم شفاء ، فقال سبحانه في سورة بني إسرائيل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) وقال سبحانه في سورة فصلت : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) الآية . والآيتان الكريمتان المذكورتان تعمان شفاء القلوب وشفاء الأبدان ، ولكن لحصول الشفاء بالقرآن وغيره شروط وانتقاء موانع في المعالج والمعالج ، وفي الدواء ، فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع حصل الشفاء بإذن الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء بريء بإذن الله رواه مسلم .

وكثير من الناس لا تنفعه الأسباب ولا الرقية بالقرآن ولا غيره؛ لعدم توافر الشروط ، وعدم انتفاء الموانع ، ولو كان كل مريض يشفى بالرقية أو الدواء لم يمت أحد ، ولكن الله سبحانه هو الذي بيده الشفاء ، فإذا أراد ذلك يسر أسبابه ، وإذا لم يشأ ذلك لم تنفعه الأسباب ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان إذا اشتكى شيئا قرأ في كفيه عند النوم سورة : ( قل هو الله أحد) ، وسورة : ( قل أعوذ برب الفلق) ، وسورة : ( قل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات ، ثم يمسح بهما على ما استطاع من جسده في كل مرة بادئا برأسه ووجهه وصدره ،

وفي مرض موته عليه الصلاة والسلام كانت عائشة رضي الله عنها تقرأ هذه السور الثلاث في يديه عليه الصلاة والسلام ثم تمسح بهما رأسه ووجهه وصدره رجاء بركتهما ، وما حصل فيهما من القراءة ، فتوفي صلى الله عليه وسلم في مرضه ذلك؛ لأن الله سبحانه لم يرد شفاءه من ذلك المرض؛ لأنه قد قضى في علمه سبحانه وقدره السابق أنه يموت بمرضه الأخير عليه الصلاة والسلام ،

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الشفاء في ثلاث شربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار وما أحب أن أكتوي" ومعلوم أن كثيرا من الناس قد يعالج بهذه الثلاثة ولا يحصل له الشفاء؛ لأن الله سبحانه لم يقدر له ذلك ، وهو سبحانه الحكم العدل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،

وفي الصحيحين أن ركبا من الصحابة رضي الله عنهم مروا على قوم من العرب وقد لدغ سيدهم ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه ، فسألوا الركب المذكور هل فيكم راق؟ فقالوا : نعم ، وشرطوا لهم جعلا على ذلك ، فرقاه بعضهم بفاتحة الكتاب فشفاه الله في الحال ، وقام كأنما نشط من عقال ، فقال الذي رقى لأصحابه : لا نفعل شيئا في الجعل حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم - وكان أصحاب اللديغ لم يضيفوهم فلهذا شرطوا عليهم الجعل- فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه بما فعلوا ، فقال : " قد أصبتم واضربوا لي معكم بسهم " ففي هذا الحديث الرقية بالقرآن ، وقد شفى الله المريض في الحال ، وصوبهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وهذا من الاستشفاء بالقرآن من مرض الأبدان .

وفد أخبر الله سبحانه في آية أخرى في سورة يونس أن الوحي شفاء لما في الصدور ، وهي قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وكون القرآن شفاء لما في الصدور لا يمنع كونه شفاء لمرض الأبدان ، ولكن شفاءه لما في الصدور أعظم الشفائين وأهمهما ، ومع ذلك فأكثر الناس لم يشف صدره القرآن ولم يوفق للعمل به ،

كما قال سبحانه في سورة الإسراء : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) وذلك بسبب إعراضهم عنه وعدم قبول الدعوة إليه .

وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يعالج المجتمع بالقرآن ويتلوه عليهم ويدعوهم إلى العمل به فلم يقبل ذلك إلا القليل ، كما قال الله سبحانه : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقال سبحانه : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )

فالقرآن شفاء للقلوب والأبدان ، ولكن لمن أراد الله هدايته ، وأما من أراد الله شقاوته فإنه لا ينتفع بالقرآن ولا بالسنة ولا بالدعاة إلى الله سبحانه؛ لما سبق في علم الله من شقائه وعدم هدايته ، كما قال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) وقال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ ) الآية ، وقال سبحانه : ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهكذا الأحاديث الصحيحة .

وأما تأويل علي بن مشرف الحديث : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم بأنه على سبيل الاستعارة ، كما حكاه الحافظ ابن حجر في الفتح عن بعضهم ، أو أن ذلك بالنسبة لبعض الموسوسين ، كما قاله علي المذكور ، فهو قول باطل ، والواجب : إجراء الحديث على ظاهره وعدم تأويله بما يخالف ظاهره؛ لأن الشياطين أجناس لا يعلم تفاصيل خلقتهم وكيفية تسلطهم على بني آدم إلا الله سبحانه ،

فالمشروع لكل مسلم : الاستعاذة به سبحانه من شرهم ، والاستقامة على الحق ، واستعمال ما شرعه الله من الطاعات والأذكار والتعوذات الشرعية ، وهو سبحانه الواقي والمعيذ لمن استعاذ به ولجأ إليه ، لا رب سواه ، ولا إله غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به .