السحر

إنه أحجية الأحاجي ولغز الألغاز وسر من أكبر الأسرار، داء عضال، تفشى بين الرجال والنساء..  الفقراء والأغنياء .. الأميين والمتعلمين ... المرضى و الاأصحاء .. البؤساء  والوجهاء .. العالة والرؤساء.. 

إنه الداء الخطير الذي تفشى بين الناس عامة وخاصة إلا من رحم ربي، إنه خطر عظيم، خطر على العقيدة، خطر على الفرد، خطر على الأسرة، خطر على المجتمع، خطر على الأمة بأسرها. 

إنه السحر قرين الكفر، وهو  داء من أدواء الأمم قديما، ولسوء آثاره اتهمت به الأنبياء وهم من هذه التهمة براء "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون". 

وهو مشكلة من مشكلات الزمن حديثا، وفى عصر التقدم المادي تزداد ظاهرة السحر والشعوذة نفوذا، وتجرى طقوسه فى أكثر شعوب العالم تقدما، وربما أقيمت له الجمعيات والمعاهد، أو نظمت له المؤتمرات والندوات 

إنه كما ينبغي على الأمة أن تعرف الأمراض التي تصيب الأبدان وتفتك بالصحة، فكذلك ينبغي لهم أن يعرفوا وأن يهتموا بالأمراض التي تمس الدين بل قد تذهبه بالكلية، ولاشك أن أمراض العقائد والقلوب أشد ضرراً من أمراض الأبدان لأن مرض الأبدان لا يعدو أن يكون أثره في الدنيا بينما مرض العقائد ومرض القلوب يكون أثره في الدنيا والآخرة. 

ما معنى السحر ؟  ما هو تعريفه في الشرع ؟ هل للسحر حقيقة ؟ ما هي أنواع السحر ؟ إلى من ابتلي بالسحر ، حكم السحر و السحرة ؟ صور من عالم السحر و السحرة ؟ حكم من يذهب إليهم ؟ علامات يعرف بها الساحر ؟   لماذا يروج السحر ويكثر السحرة في بلاد المسلمين ؟ الوقاية من السحر قبل وقوعه ؟ علاج السحر بعد وقوعه ؟ 

معنى السحر :
السحر يطلق فى لغة العرب على كل شيء خفي سببه، ولطف ودق، ولذلك قالوا "أخفى من السحر ".
وعرفه ابن قدامة بأنه :"عقد ورقى يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر فى بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له". 

هل له حقيقة :
السحر حقيقة موجودة، وله تأثير في واقع الناس،  فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ، ومنه ما يفرق ، ولو لم يكن موجوداً وله حقيقة لما وردت النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله، والعقوبات الشرعية، على متعاطيه، فكم فرق السحرة بين زوج وزوجته، وبين صديق وصديقه، وتاجر وتجارته، وموظف ووظيفته، وكل هذا حقيقة لا مكابرة فيها.  وقد دل القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة وأقوال أهل العلم على أن للسحر حقيقة.. 

قال النووي:( والصحيح أن السحر له حقيقة وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة ) .  بل قال الخطابى بعد أن أثبت حقيقة السحر، ورد على المنكرين:( فنفي السحر جهل، والرد على من نفاه لغو وفضل ) .

أنوع السحر :
هو أنواع مختلفة وطرائق متباينة، ولذا قال الشنقيطي رحمه الله : "اعلم أن السحر لا يمكن حده بحد جامع مانع، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينهما يكون جامعا له، مانعا لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء فى حده اختلافا متباينا " انتهى.

و قد عرف من خلال تتبع أحوال السحرة والمسحورين أن للسحر أنواعاً كثيرة من حيث تأثيرها على المسحور.

فمنه سحر التفريق الذي قال الله فيه: " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه."

ومنه سحر العطف وهو عمل سحري يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية . وهو الذي سماه رسول الله التولة حيث قال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" أحمد وأبو داود. التولة: هو ما يصنعونه ويزعمون أنه يحبب المرأة إلى الرجل، أو الرجل إلى المرأة ، وهو ضرب من السحر.

ومن السحر أيضاً سحر التخييل كأن يرى الشيء الثابت متحركاً، والمتحرك ثابتاً كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.

ومن السحر سحر الخمول بحيث يحبب إلى المسحور الوحدة والصمت الدائم والشرود الذهني وما شابه ذلك من ألوان السحر وضروبه.

ومن السحر الصرف و هو صرف الرجل عما يهوى، كصرفه مثلا عن محبة زوجته إلى بغضها. 

حكم السحر :
والسحر محرم فى جميع شرائع الرسل عليهم السلام وهو أحد نواقض الاسلام حتى قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله: فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر

أما حكم السحرة وحدّهم فيقول ابن تيمية رحمه الله :( أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن(عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله ... ) .

وعن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر .

قال ابن قدامة معلقا على هذا الأثر : (وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا)، وإنما جاء حكم الشريعة بقتل الساحر لأنه مفسد في الأرض يفرق بين المرء وزوجه، ويؤذي المؤمنين والمؤمنات ويزرع البغضاء ويشيع الرعب، ويفسد على الأسر ودها، ويقطع على المتوادين حبهم وصفاءهم، وفي قتله قطع لفساده، وإراحة البلاد والعباد من خبثه وبلائه. والله لا يحب المفسدين .

إلى من ابتلي بشيء من السحر :
من ابتلي بشيء من السحر قيقال له أمران :
الأول : لك في رسول الله عزاء ،  فلم يَسلَم من السحر حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سَحَره لبيد بن الأعصم اليهودي وألقى السحر في بئر أحد الأنصار , حتى جاءه ملَكان وأخبراه بسحره فذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه وأخرج السحر من البئر فشُفي. والحديث في الصحيحين , وجاء في رواية أحمد في مسنده أن وَجَعَه صلى الله عليه وسلم استمرّ ستة أشهر وهو في السلسلة الصحيحة.
عن عائشة قالت: ((سحر النبي حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفيته فيه؟ قلت وما ذاك يا رسول الله، قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، قال: مطبوب، قال ومن طبه، قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق، قال فماذا، قال: مِشط ومشاطة وجُفِّ طَلْعَةِ نخل ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان، فذهب النبي في أناس من أصحابه إلى البئر، ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، فأمر بها فدفنت)) رواه البخاري، هذا ورسول الأمة قد أصيب بالسحر فكيف بمن دونه.

الثاني : من تعلق شيئاً وُكل إليه، فمن تعلق بربه ومولاه رب كل شيء ومليكه كفاه ووقاه وحفظه وتولاه، فهو نعم المولى ونعم النصير، ومن تعلق بالكهنة والسحرة والشياطين والمشعوذين وغيرهم من أفاكي المخلوقين وكله الله إلى من تعلق به.

يقول عطاء الخراساني: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت، فقلت: حدثني حديثاً أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز، قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه داود، يا داود: أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجاً، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأَسَخْتُ الأرض من تحت قدمه ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك.

صور من عالم السحر و السحرة : 
الأولى :
صورة  أولئك النفر الذين يذهبون إلى هناك ، حيث يطفأ نور الإيمان حيث المعصية ، اشتعلت قلوب  بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، متناسين هواتف النفس، بأن هذا الطريق إيذاء للمسلم، لقد دخل أحدهم على الساحر وتحدثا بحديث الغدر والخيانة، ثم ما لبث أن سمع كلمات الطمأنينة من هذا الساحر المفسد بأن كل شيء سوف يسير لما يخططون: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ، أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ثم ما هي إلا وقت يسير حتى يشعر ذلك المسكين المبتلى بأن نفسه ليست تلك الأولى وأن حياته قد طرأ عليها أمر ما غيره مسارها إلى حيث لا يريد، قال الفضيل بن عياض : والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف تؤذي مسلما. كم أثرت تلك الصفقات المعقودة في جنح الظلام على حياة أسر، فكم من نساء قد طلقن، كم  من أبرياء قد ماتوا وكم فرق من بين الشريكين في التجارة وغيرها، فإنا لله و إنا إليه راجعون.

الثانية : ذكر بعض الدعاة من الأحجبة التي مرت عليه ، حجاب وضع لإنسان مصاب بالعقم لا ينجب و لا يستطيع أن يأتي أهله فنفخ عليه الساحر ونفث عليه وتكلم معه و توضأ أمامه تمويهاً وهو لا يعرف أنه ساحر فكتب له حجاباً وهذا الحجاب فيه بعض أسماء الله الحسنى و المعوذات و أين توضع "تلف على ذكره " والعياذ بالله .

الثالثة : أما حياة الساحر فهاك شيئاً منها :
اعلم أن الساحر لا يكون ساحراً حتى يكفر بالله، وقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن الذي يعلم الساحر السحر إنما هم الشياطين. ولا يتمكن الساحر من ذلك حتى يكفر بالله العظيم ويستعين بالشياطين من دون الله. فليس الساحر بنفسه هو الذي اخترع السحر، بل إن الشياطين هم الذين علموه. وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.  فلا بد أن يجتاز الساحر امتحاناً يجربه الشيطان عليه بأكل نجاسة وصرف عبادة، ووقوع في أمر لا يجوز ولا يليق حينئذٍ يوقن الشيطان أن تلميذه من السحرة قد جاوز المرحلة، فيبدأ يسخر له من شياطين الجن من يعينه على إحداث الخلل والمرض .

فمن الأعمال التي يعملها بعض السحرة أنه  قد يرتدي المصحف في نعليه ويدخل بها إلى الخلاء ويطأ بذلك البول والغائط بالمصحف ، ومنهم من يكتب آيات القرآن بالقذارة والعذرة والغائط ، ومنهم من يكتب آيات القرآن بدم الحيض ، ومنهم من يكتب آيات القرآن الكريم على أسفل نعليه وقدميه ، ومنهم من يذبح لغير الله، ومنهم من يكتب الفاتحة معكوسة ، ومنهم من يصلي بدون وضوء ، ومنهم من يظل جنباً طيلة العام ، ومنهم من يخاطب الكواكب وهم المنجمون ، ومنهم من يسجد لها من دون الله تعالى ، ومنهم من يأتي أمه في وقت السحر فيجامع أمه أو يجامع أحد محارمه.. الخ هذه الأعمال .  

صورة أخيرة : وقد يتسمى هؤلاء المشعوذين كذبا وزورا بالأطباء الشعبين، وهم في الحقيقة كهنة وسحرة يستخدمون الجن ويغررون بالناس باسم الطب الشعبي، الطب الشعبي برئ من هذه الجرائم حتى إن بعض هؤلاء الدجالين قاتله الله ليس له هم إلا الضحك على النساء فلو أتاه رجل بزوجته أو أخته أو إحدى قريباته قال لمحرمها: أخرج حتى أقرأ عليها، فبعض الأغبياء يخرجون فيأتي هذا المشعوذ بحجة القراءة فيمس جسم المرأة ويمسح على جسدها حتى تلين له لغرض خبيث في نفسه ((وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، بل بعضهم تعدّى به الأمر إلى الزنى بكثير من النساء بحجة أنها تحتاج إلى علاج سفلي فيخرج قريبها ليتسنى له علاجها بالعلاج السفلي فإذا به يزني بها حينئذ لا تستطيع المرأة أن تتكلم أو تشتكي لأنه أسقط في يدها عندما انتهك عرضها هذا المجرم الأثيم ثم يهددها بعد ذلك - وكذب عدو الله ولا يستطيع-  بأنها لو تكلمت سوف يسلّط عليها نفرا من الجن فهو بهذا التهديد يلجم لسانها عما جرى لها معه.  

ـــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف من موقع المنبر ومن أشرطة بعنوان "مشط ومشاطة " للشيخ صالح الفريدي .