(أبراج الحظ) في ميزان الشرع والعقل

قامت أحدى المجلات الخليجية بتحقيق اجتماعي حاولت من خلاله معرفة مدى تأثر المجتمعات بما يسمى قراءة الأبراج والتنبؤ بالحظ ومما جاء في ذلك أن نسبة (3و15%) من عينة الدراسة - وكنَّ من الفتيات في المرحلة الجامعية - يؤمنَّ بالأبراج ويحرصن على متابعتها ، سواء ما كان منها عبر المجلات أو القنوات الفضائية والإذاعات أو الإنترنت ، واتضح من خلال ذلك أيضاً أن نسبة (98%) بدأ تأثرهن بالإبراج مع بداية المراهقة .

وقد بلغ تأثر بعض الناس بالأبراج أن عدداً منهم لايمضي في أموره إلا بعد قراءة برجه ، حتى أن التاجر منهم لا يعقد صفقاته ولا يسافر ويجئ إلا بعد النظر في برجه هل هو نحس أم سعيد! ويمتد تأثير هذه الأفكار إلى شرائح المجتمع الأخرى بحيث أن الزواج لايكون إلا في برج معين ، والسفر والتعرف على الناس وشراء الحاجات إلخ .

ومما ساعد على انتشار هذا التصور والعقيدة الفاسدة ما صاحبها من انتشار المشعوذين والعرافين في أرجاء البلاد الإسلامية واستغلالهم لوسائل عديدة في نشر باطلهم ، حتى إن المجلات وغيرها من وسائل الإعلام التي يفترض فيها نشر الثقافة والوعي صارت تخصص الصفحات والبرامج المتخصصة في قراءة الحظ والتنبؤ به من خلال برج الشخص الذي وُلد فيه ، وكمثال على ذلك فقد بلغ العرافات في بلد إسلامي واحد (000و16) عرافة ، وفي بلد إسلامي آخر بلغ عدد ما ينفق على أعمال التدجيل والعرافة في عام واحد ما يعادل (5و3) مليارات دولار!!

وعندما نزن هذه المسألة وننظر إليها من خلال عقيدة الإسلام والعقل الصحيح فسنجد أن هذا العمل وهو التنبؤ بحظ الإنسان من خلال برجه الذي ولد فيه ينطوي على الشرك بالله ، كما أنه نقص في العقل ، فأما كونه نوعاً من الشرك : فلأن الذي يزعم قراءة الحظ يزعم التنبؤ بالمستقبل ويدعي علم الغيب . والغيب لا يعلمه إلا الله ، ومن صدَّق أن أحداً يعلم الغيب من دون الله فقد أشرك بالله سبحانه ، والدليل قول الله تعالى : "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" (سورة النمل ، الآية 65) . ويقول سبحانه وتعالى : "وعنده مفاتحُ الغيب لا يعلمها إلا هو" (سورة الأنعام ، الآية 59) .

وجاء فيمن صدَّق أحداً من الناس بعلم الغيب قول المعصوم صلى الله عليه وسلم : "من أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدَّقه بما يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" ، رواه الإمام أحمد وغيره . يعني كفر بالقرآن المُنزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم لأن فيه النص الواضح على تفرد الله وحده بعلم الغيب .

وإما كون ذلك نقصاً في العقل ، فبالله ما تأثير كوكب أو نجم في سعادة إنسان أو تعسه أونحسه ، وكيف ينطلي مثل هذا الإفك على من كرَّمه الله بالعقل والتمييز:

الزَّجر والطَّير والكُهَّان كلُّهم

مضللون ودون الغيب أقفال

وما أحسن ماقال الإمام المفسر قتادة - رحمه الله - حول هذه المسألة ، قال: إنما جعل الله هذه النجوم لثلات خصال : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يُهتدى بها ، وجعلها رجوماً للشياطين ، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف مالا علم له به . وإن أُناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة : من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ، ومن وُلد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا . ولعمري مامن نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم . وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشئ من الغيب . وقضى الله تعالى أنه : "لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّان يبعثون" .

وفق الله الجميع لما فيه الخير ، وصلى الله على نبينا محمد .

بقلم : فضيلة الشيخ خالد بن عبدالرحمن الشايع

جريدة الرياض العدد 12002 - الجمعة 10 صفر 1422هـ الموافق 4 مايو 2001 م

من قائمة امجادنا الإسلاميه