احرص على ما ينفعك

اتخذه شعاراً 

 

ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح 
" احرص على ما ينفعك"  


قوله صلى الله عليه وسلم " احرص على ما ينفعك " أعظم دليل على بذل الجهد في حصول المطلوب ، وترك التخاذل والتكاسل بحجة القدر ، فإن هذا دليل القاعدين الفاشلين ، بل على العبد أن يحرص غاية الحرص في كسب ما ينفعه من الأقوال والأعمال والرزق الحلال ، فيستفرغ الجهد في تحصيل المنفعة الدينية والدنيوية بأحسن السبل الشرعية ، فإن الحرص : تحــرك الإرادة ، وانبعاث العزيمة، واقتناص الفرص المناسبة ، والمسارعة الى قطف ثمار المنافع ، وحصد سنابل الفوائــد ، وتقييد شارد المصالح ، فلا يزال مراقباً للمناسبات ، ملاحظاً للأوقات حتى يهجم ببصيرته على ما يصلح دينه ودنياه ، والحرص على ما ينفع دليل على صدق النية، وقوة العزيمة ، وسلامة الطبع واعتدال المزاج ، وغزارة الفهم ، لأن كل عاقل سوي يجتهد في جلب الخير لنفسه، ودفع الضر عنها. وما يهمل مصالحه إلا غافل بليد ، ولا يفرّط في مكاسبه إلا أبله رعديد ، فإن الوحي باستثارة المهم، ومناداة العزائم ، وتحريك الإرادات لتنبعث طالبة فاعله مؤثرة تجني الخير وتجمع الفضائل ، وتحصل القيم، وحرص العبد على ما ينفعه أول أبواب الفضائل ، لأنه من عمل النية ثم يتبعه الحركة الراشدة، والتوثب الصادق ، واليقظة التامة ، فيسعى جاهداً في إصلاح نيته ، وإحسان عمله ، وتعمير مستقبله، وحيازة رزقه الحلال ، والقيام بمن يمونه ، وتهذيب نفسه ، وتقويم إعوجاجه ، ولا تلقى مفرطاً أضاع نصيبه من الخير إلا لتركه الحرص على نفع نفسه ، ولا تجد محروماً ، من السعادة إلا من أهمل إرادته ، وعطل عزيمته ، فأنفق عمره في الأماني الكاذبة ، والخيالات الفاسدة ، والوساوس الخادعة ، حتى بدد العمر في سوق الغبن ، ومّزق ثوب الأيام بكف التفريط ، وأحرق شجرة الهمة بنار الخذلان ، وحرص العبد على ما ينفعه واجب شرعي ، وضرورة عقلية ، بها يصل العبد إلى مصاف الناجحين ، ومراقي الصاعدين في سلّم القبول ، ومعارج التفوق ، وبها يطوي بروج الفضائل ، ويقطع مسارات الخيرات ، فهو سبّاق لكل عمل نبيل ، وثاب لكل فعل جميل ، ومسارع لكل مقصد جليل .، في قلبه نور الهمة منقدح ، وفي نفسه زند الحرص الصادق محترق ، فهنيئاً له سمّوه وتقدمه وتميزه.


قال ابن عثيمين رحمه الله حول هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم عند مسلم : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله و لا تعجز. و إن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل قدّر الله و ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ".

قال رحمه الله : وهذا حديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراساً له في عمله الديني و الدنيوي .


"
على ما ينفعك" : وهذه الكلمة جامعة عامة، فتشمل منافع الدين و الدنيا .


"
واستعن بالله " : ما أروع هذه الكلمة بعد قوله احرص على ما ينفعك لأن الإنسان إذا كان عاقلاً ذكياً فإنه يتتبع المنافع و يأخذ بالأنفع ، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله فقوله "واستعن بالله " أي لا تنس الاستعانة بالله  ولو على الشيء اليسير.


"
و لاتعجز" أي لا تكسل وتتأخر في العمل إذا شرعت فيه مادام أن هذا هو الأنفع لك بل استمر لأنك إذا تركت ثم شرعت في عمل آخر ، ثم تركت ثم شرعت في عمل آخر ثم تركت ، ما تم لك عمل.


"
و إن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا " : يعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد وتستعين بالله وتستمر ، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ، لأن هذا أمر فوق إرادتك ، أنت فعلت الذي تؤمر به و لكن الله عز وجل غالب على أمره.


"
فإن لو تفتح عمل الشيطان" أي تفتح عليك الوساوس و الأحزان والندم والهموم، والأمر انتهى و لايمكن أن يتغير عما وقع ، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السموات و الأرض بخمسين ألف سنة ، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.

ــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف من موقع البشائر وكتاب شرح رياض الصالحين. 

 
 
من قائمة مختارات