وهل نتأثر بما نشاهده؟

وهل نتأثر بما نشاهده؟:

فمن قال إن الإنسان لا يتأثر بما يشاهد نقول له ليتأمل الآتي:
1)
إن أكبر الشركات التجارية العالمية تدرك أهمية الدعاية والإعلام على استمرارية تجارتها وجلب الناس لشراء بضاعتها. فشركة ماكدونالد مثلا تنفق 287 مليون دولارا سنويا على الإعلام وحده. وشركة سيرز تنفق 225 مليون دولارا سنويا في نفس هذا المجال، وهكذا. ولو كان الناس لا يتأثرون بما يشاهدون لما أنفقت هذه الشركات تلك المبالغ السنوية الطائلة في هذا الصدد.
2)
تثبت الدراسات العلمية المكثفة أن هنالك تأثيرا مباشرا وملحوظا للتلفاز على سلوك وتفكير مشاهديه. فمثلا لقد صرح الدكتور براندون سنتروال المتخصص بدراسة مصادر الأمراض (Epidemiology) أنه لو لم يخترع جهاز التلفاز لكان هنالك في أمريكا في هذا العصر انخفاض في الإجرام بنسبة عشرة الآف جريمة قتل سنويا وسبعين ألف جريمة اغتصاب وسبعمائة ألف جريمة عنيفة. ولقد توصل الدكتور براندون إلى هذه النتائج إثر دراسة دامت قريبا من ثلاثين سنة .
لاحظ الدكتور براندون أن جهاز التلفاز قد دخل في أمريكا وكندا في سنة 1945م. وفي الفترة ما بين 1945 و 1974 ارتفعت نسبة القتل في تلك الدولتين بنسبة 93% في أمريكا و92% في كندا. فرأى الدكتور أن يعضد نظريته بعلاقة وسائل الإعلام في تفشي الإجرام بأن أجرى بحثا على مجتمع جنوب أفريقيا.
كانت حكومة جنوب أفريقيا قد منعت دخول جهاز التلفاز في دولتهم لأسباب سياسية حتى سنة 1975م. ولقد كانت وسائل الإعلام الأخرى كالكتب والإذاعة والمجلات وغيرها متوافرة بكثرة ومتطورة، لذا أمكن استبعاد تأثيرها على دراسته هذه. لاحظ الدكتور براندون أن نسبة جريمة القتل قد انخفضت في جنوب أفريقيا بنسبة 7% في نفس الفترة ما بين 1945 و 1974 التي ارتفعت فيها نسبة جرائم القتل في أمريكا وكندا. وفي سنة 1975 دخل جهاز التلفاز في جنوب أفريقيا فرأى الدكتور أن يتابع أثر هذا الجهاز على سلوك المجتمع وقيمه.
تنبأ الدكتور براندون بأن مجتمع جنوب أفريقيا سيشهد ارتفاعا في نسبة الإجرام خلال 10 إلى 15 سنة من تاريخ 1975 – سنة دخول التلفاز، وأن أول فئة ستقبل على هذه الجريمة الشباب البيض، ثم يلحقهم الشباب السود بعد ذلك بحوالي ثلاث سنوات. وبالفعل، لقد نشرت سنة 1989 إحصاءات عن عدد ضحايا جريمة القتل في جنوب أفريقيا في سنة 1987 فوجدوا أن نسبة القتل في تلك السنة قد ارتفعت بنسبة 130% عما كانت عليه سنة 1975. أي أن عدد ضحايا جريمة القتل قد ازداد إلى أكثر من الضعفين خلال فترة الإثنا عشرة سنة هذه.
وحينما سُئل الدكتور براندون كيف عرف أن الشباب البيض سيسبقون الشباب السود إلى هذا الأمر صرح قائلا أن الطائفة الثرية في مجتمع جنوب أفريقيا في ذلك الوقت كانت طائفة البيض. لذا عرف الدكتور أنهم سيكونون أول المقتنين لتلك الأجهزة الجديدة وأن أطفالهم سيكونون أول الأطفال تعرضا لهذه الوسيلة وتشبعا منه. ثم بعد مضي ثلاثة سنوات سيشتري السود الأجهزة المستخدمة عند البيض فتبدأ بالتأثير عليهم. فإذا مضى قرابة عشرة سنوات فسوف يشب أولئك الأطفال البيض الذين تربوا على التلفاز فيبدأ ظهور تأثيره عليهم، وهكذا مع السود. وبالفعل حصل الأمر كما توقع الدكتور براندون.
ولقد بحث الدكتور براندون مجموعة أخرى كبيرة من العوامل المؤثرة المحتملة كفوارق السن والتمدن وانتشار الأسلحة والأحوال الاقتصادية وتناول الخمور وتطبيق القصاص والاضطرابات السياسية والقومية فلم يجد لأي من هذه العوامل تزامنا أو توافقا لهذه الأحداث حتى يتمكن من عزو هذه الظاهرة إلى شيء منها.
يلاحظ أن هذه دراسة واحدة فقط من ضمن عدد كبير جدا من الدراسات المشابهة التي تثبت تأثر البشر بما يشاهدونه والتأثير السلبي لتلك الوسائل على سلوكهم.