::التربـــ الإسلامي العربي ــوي::د. يسري مصطفى::الفصل الرابع لمنهج المدرسة الابتدائية



  

الفصل الرابع

التنظيمات الأساسية للمنهج

تنظيم المنهج هو الأسلوب المتبع في بناء وتشكيل عناصر المنهج، بما في ذلك تحديد الأهداف واختيار المحتوى والأنشطة التعليمية وطرق التدريس والوسائل التعليمية وطرق التقويم، أي أن تنظيم المنهج يشير إلى الطريقة التي توضع فيها الخبرات التعليمية موضع التنفيذ.

أولا: منهج المواد الدراسية المنفصلة

يقصد بمنهج المواد الدراسية المنفصلة تلك المواد مثل الجغرافيا والتاريخ والحساب والكيمياء والنحو التي تدرّس بمعزل عن المواد الأخرى، أي دون مراعاة لما تحتويه المواد الأخرى من معلومات، فقد يدرس المتعلم جغرافية دولة معينة في سنة من السنوات ويدرس تاريخها في كتاب آخر أو في سنة أخرى.

يركز هذا التنظيم على محتوى المادة أو المعرفة التي توصل إليها الإنسان عبر الأجيال المتعاقبة وهو ما يسمى بالتراث الثقافي للإنسانية، وينظم هذا التراث في مواد دراسية منفصلة مثل اللغة والأحياء الخ.

ثم ترتب هذه المواد في عدد من الموضوعات ترتيبا منطقيا ( من الماضي للحاضر ـ أو من السهل إلى الصعب ـ أو من المحسوس إلى المجرد ـ أو من المعلوم إلى المجهول ـ أو من العام إلى الخاص أو من الكل إلى الجزء )، فقد ترتب مادة التاريخ من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث، أو ترتب الأحياء من الكائنات وحيدة الخلية إلى عديدات الخلايا وهكذا.,

يولي هذا المنهج أهمية كبرى لتعلم المحتوى لا للتلميذ، ولهذا فإن ما يدرسه التلميذ لا يعبر بالضرورة عما يحتاجه التلميذ أو يرغب في دراسته، ويخصص معلم لكل مادة دراسية تدرس في ساعات معينة كل أسبوع.

* خصائص منهج المواد الدراسية المنفصلة:

1 ـ  الفصل بين المواد الدراسية التي يشتمل عليها المنهج.

2 ـ الكتاب المدرسي هو الركيزة  الأساسية التي يرتكز عليها المنهج.

3 ـ المعلم هو محور العملية التعليمية الذي يقوم بشرح المادة وتبسيطها للمتعلمين.

4 ـ الأنشطة المدرسية ليست جزءا من المنهج.

5 ـ يهتم بالمعلومات اهتماما رئيسا باعتبارها خبرات وتراث الأجيال التي أنشئت المدرسة من أجل نقلها للنشء.

6 ـ يوضع بواسطة متخصصين في فروع المعرفة.

7 ـ يخطط مقدما دون اعتبار لاختيارات واهتمامات المتعلم.

8 ـ يركز المنهج على الخبرات غير المباشرة.

* مواطن القوة في منهج المواد الدراسية المنفصلة:

1 ـ يسهم إسهاما كبيرا في نقل التراث الثقافي للمتعلمين.

2 ـ يتمتع بتخطيط وتنظيم منطقي متماسك.

3 ـ ينال دعم أولياء الأمور لأنهم يفهمونه أكثر من غيره.

4 ـ سهل التخطيط والإعداد والتنفيذ والتطوير.

5 ـ يشعر المعلمون فيه بقدر كبير من الاطمئنان لأنهم يخططون لتدريسه بشكل مسبق

6 ـ يؤيده القائمون على التربية والتعليم لأنهم أعدوا في ظل هذا المنهج وألفوه.

* مواطن الضعف في منهج المواد الدراسية المنفصلة:

1 ـ لا يراعي اهتمامات وميول التلاميذ لأن هدفه إتقان المادة الدراسية فقط.

2 ـ لا يحقق مبدأ إيجابية المتعلم ومشاركته في العملية التعليمية، فهو يفترض في التلميذ أن يستقبل المعلومات لا أن يبحث عنها أو يكتشفها.

3 ـ  لا يراعي الفروق الفردية بين المتعلمين لأنه يفرض المادة الدراسية عليهم جميعا بصرف النظر عن قدراتهم واستعداداتهم.

4 ـ يهمل الجوانب الاجتماعية والجسمية والوجدانية لدى المتعلمين لأنه يركز الاهتمام كله على الجوانب العقلية وخاصة الدنيا منها.

5 ـ يجزئ المعرفة ويقسمّها، ولذا فإن التلميذ لا يدرك العلاقات المتداخلة بين الميادين المختلفة للمعرفة، فيظل مفتقرا للمعرفة المتكاملة التي تساعده على مواجهة مواقف الحياة ومشكلاتها.

6 ـ  يقوم هذا المنهج على فلسفة غير سليمة إذ يفترض أن المعرفة تؤدي إلى خلق الشخص الصالح الذي يفهم شئون الحياة.

7 ـ ينظر للمعلم نظرة سلطوية لأنه يمتلك المعرفة ولذا لا يسهم في خلق روح الديموقراطية داخل الفصل الدراسي، تلك الروح التي تشجع التلاميذ على الابتكار والإبداع.  

ثانيا: منهج المواد المرتبطة

لكي يتغلب المربون على بعض عيوب منهج المواد المنفصلة، توصلوا إلى ما سموه " المنهج المرتبط ".

في هذا المنهج تبقى المواد منفصلة بعضها عن بعض ولكل منها حصة معينة من اليوم الدراسي كما منهج المواد المنفصلة تماما. والشيء الذي يمتاز به المنهج المرتبط على سابقه أن فيه جهدا مقصودا لربط المواد المختلفة بعضها ببعض حتى تخدم كل منها الأخرى من حيث الشرح والتكميل.

@ مثال: إذا كان موضوع الدراسة يتناول دور صلاح الدين الأيوبي في حربه مع الصليبين فإن ربط الأحداث التاريخية مثل معركة حطين مع التعرف على جغرافية بلاد الشام بما في ذلك الطرق التي سلكتها جيوش صلاح الدين، ودراسة قصيدة تتناول موضوع معركة حطين، يجعل المادة الدراسية أكثر سهولة، وتؤدي إلى فهم أوضح للمادة الدراسية.

* أنواع الربط:

    هناك نوعان من الربط هما:

أ ـ الربط المنظم:

    هو الربط الذي يخطط له بشكل مسبق فيشترك فيه أكثر من معلم من ذوي التخصصات المختلفة، أو يقوم به معلم فصل واحد.

       وفي إطار هذا الربط يتم تناول أكثر من مادة دراسية، فإذا كان هناك درس في العلوم عن الحيوانات الأليفة فإننا نستطيع أن نربط درس العلوم بدرس في اللغة العربية حول التعبير الشفوي عن الحيوانات الأليفة التي يشاهدونها في بيئتهم، ويمكن أن نربط مهارة الجمع في مادة الحساب في نفس الدرس إذا طلبنا منهم أن يحسبوا عدد الماعز في الصورة، وكذلك العدد الكلي للماعز في حالة ولادة توأمين لكل أنثى من إناث الماعز الموجودة في الصورة.

        ويجب أن يكون الربط بين المواد الدراسية طبيعيا أي غير متكلف.

ب ـ الربط العرضي أو التصادفي:

وهو الربط الذي تترك فيه الحرية للمعلم ليربط بين مادة وأخرى إذا شاء وحسبما تسنح له الظروف، وحتى يتمكن من ذلك عليه أن يكون ملما بما يدرسه التلاميذ في المواد الأخرى.

* مجالات الربط:

هناك مجالان للربط هما:

1 ـ الربط بين أجزاء المواد المتشابهة التي تدرس في نفس السنة الدراسية مثل الجغرافيا والتاريخ كأن يدرس التلميذ الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب مع المواقع الجغرافية للمعارك والمدن التي تم فتحها.

2 ـ الربط بين أجزاء مواد غير متشابهة مثل الربط بين التربية الإسلامية أو القرآن الكريم بالعلوم، مثل الربط بين سورة العلق، وتفسير كلمة العلق وربط ذلك بمساق أحياء الخلية وتطور البويضة إلى جنين وهكذا.

* فوائد ربط الخبرات:

      لربط الخبرات في المرحلة الدنيا عدة فوائد أهمها:

1 ـ أن تقديم المواد الدراسية الأربع: التربية الإسلامية واللغة العربية والرياضيات والعلوم بطرق مترابطة يساعد المتعلمين على إدراك طبيعة المشكلات التي تتصل بحياتهم.

2 ـ ربط المواد الدراسية التقليدية أقرب للتنظيم الذي تسير بموجبه الحياة الحقيقية التي تندمج فيها الخبرات دون فواصل.

3 ـ يساعد الربط في تدريب المتعلمين على استخدام مصادر متنوعة لجمع المعلومات المتعلقة بالمواد الدراسية المختلفة.

4 ـ ينسجم منهج الربط مع طبيعة نظام المرحلة الابتدائية الدنيا التي يكلف فيها معلم الفصل بتدريس جميع المواد الدراسية، فهو مطلع بطبيعة الحال على محتوى المواد الدراسية الأربعة.

5 ـ يعمل منهج الربط على إدخال عنصر التشويق إلى نفوس المتعلمين لأن معالجة موضوع معين أو مشكلة معينة من زوايا متعددة يثير اهتمام التلاميذ.

ثالثا: منهج المجالات الواسعة

يمثل منهج المجالات الواسعة محاولة لإصلاح منهج المواد الدراسية المنفصلة بطريقة تخفف من التجزئة التي يعاني منها، وذلك عن طريق دمج المواد الدراسية المتشابهة ذات الموضوع الواحد لتصبح كل مجموعة مجالا واسعا من المجالات مثل:

ـ مجال الرياضيات: ويشمل الحساب والهندسة والجبر وحساب المثلثات والتكامل والتفاضل.

ـ مجال الدراسات الاجتماعية: ويشمل التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية.

ـ مجال العلوم الطبيعية: ويشمل الفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا.

ـ مجال اللغات: ويشمل التعبير والقراءة والبلاغة والقواعد والإملاء والخط.

ـ مجال التربية الإسلامية: ويضم القرآن والحديث والشريعة والفقه والتوحيد.

يستخدم هذا النوع من المناهج على نطاق واسع في المراحل الدنيا التي لا تقتضي التعمق في المادة الدراسية.

* مزايا منهج المجالات الواسعة:

1 ـ يؤدي إلى تحقيق تكامل المعرفة بين المواد ذات الصلة الوثيقة ببعضها البعض.

2 ـ يعمل هذا المنهج على تذويب الفواصل القائمة بين موضوعات المجال الواحد مما يساعد على فهم الموضوعات فهما أوضح.

* عيوب منهج المجالات الواسعة:

1 ـ بالرغم من دمج مادتين أو أكثر في منهج واحد، إلا أنه يبقى دمجا ظاهريا فقط، فالمواد وإن أصبح يدرسها معلم واحد في المراحل الدنيا للتعليم ( الابتدائي والإعدادي )، ألا إنها مازالت تدرس بمعزل عن بعضها.

2 ـ يتطلب تنفيذ هذا المنهج مهارات قد لا تتوافر في معلم واحد ولذا فإن تنفيذه يتطلب تعاون اثنين أو أكثر لتكوين فريقا واحدا يتناول الموضوع من جوانب مختلفة.

رابعا: منهج النشاط ( منهج الخبرة )

ينتمي هذا المنهج إلى نمط المناهج الذي يتمركز حول المتعلم، بالمقارنة بمنهج المواد الدراسية (ومنهج الارتباط والمجالات الواسعة) التي تتمركز حول المحتوى الدراسي

* خصائص منهج النشاط:

1 ـ منهج النشاط يقوم على أساس حاجات الأطفال واهتماماتهم وخبراتهم والنشاطات التي يميلون إليها، والمشكلات التي يهتمون بها، ليس فقط كمجموعة ولكن كأفراد. ويهدف هذا المنهج إلى تحقيق نمو المتعلم من خلال الخبرة النشطة 

2 ـ منهج النشاط لا يعتبر أن المادة الدراسية هدفا للتعلم بل وسيلة من وسائل تحقيق نمو المتعلم، كما لا يقتصر نمو المتعلم فيه على النواحي العقلية وإنما يشمل النواحي الجسمية والاجتماعية والوجدانية والنفسحركية.

3 ـ ليس هناك تخطيط مسبق للمنهج لأن حاجات وميول التلاميذ مختلفة، وهي التي تحدد ما يناسبهم من نشاطات بعد بدء الدراسة، وعندئذ يقتصر دور المعلم على إرشاد التلاميذ وتوجيههم خلال القيام بهذه النشاطات.

4 ـ يعتمد المنهج بشكل أساسي على إيجابية المتعلم وعلى المعلم أن يحاول تنمية وخلق الدوافع الداخلية المناسبة عند المتعلم في النشاطات.

5 ـ يعتمد هذا المنهج على طريقة حل المشكلات، وهذا يعني أن يقوم المتعلمون بتحديد المشكلات التي يسعون إلى حلها، ثم يحددون الأنشطة التي تقودهم إلى إيجاد إجابات وحلول لهذه المشكلات عن طريق الإطلاع وإجراء التجارب والملاحظات إلخ.

6 ـ لا يتقيد هذا المنهج بالحواجز الفاصلة بين المواد الدراسية. إذ أن المنهج يعتبر منهجا تكامليا يركز على النمو في جميع المجالات وبالتالي فإن المعلومات التي يحتاجها المتعلم ربما كانت تستند إلى تخصصات مختلفة ومتداخلة.

7 ـ تنظيم منهج النشاط يتخذ شكل المشروعات أو الخبرات، مثل تربية الدواجن أو زراعة النباتات أو عمل بطارية كهربية، أو تصميم خريطة مجسمة، وأحيانا تتخذ صورة مشكلة من المشكلات يسعى المتعلمون لدراسة أبعادها وإيجاد الحلول المناسبة لها، مثل مشكلة القمامة وآثارها السلبية.

8 ـ يركز منهج النشاط على عمليات التعلم نفسها، وليس على النتائج. فاكتساب المتعلم لمهارات الاستقراء والاستنباط والكشف في المعاجم وإجراء التجارب أهم بكثير من المعلومات نفسها لأنها تمثل أجزاء من عمليات النمو لدى المتعلم.

* مميزات منهج النشاط:

1 ـ الدافعية الذاتية: حيث أن النشاطات في هذا المنهج قائمة على اهتمامات وحاجات المتعلمين، فلا حاجة إلى دوافع خارجية مفروضة عليهم، فهم يتعلمون جوانب العلم لأنها مهمة بالنسبة لهم ويرغبون في تعلمها وليس لأنها مطلوبة للنجاح في الامتحانات.

2 ـ يراعي هذا المنهج الفروق الفردية بين المتعلمين، فالمتعلم يمكن أن يشارك إحدى مجموعات الفصل التي تمارس نشاطا معينا إذا اتفق مع حاجاته واهتماماته، كما يمكن أن يقوم بمشروعه الخاص إذا كانت ميوله واهتماماته متميزة.

3 ـ التأكيد على نشاطات ومهارات حل المشكلات تكسب المتعلمين المهارات التي يحتاجون إليها في التعامل بفعالية مع الحياة خارج المدرسة.

* النقد الذي وجه لمنهج النشاط:

1 ـ يهمل المنهج أهدافا اجتماعية ذات أهمية في التربية، فهناك بعض جوانب من التراث الثقافي ينبغي أن يتعلمها كل التلاميذ حفاظا على هذا التراث، وعلى التماسك الاجتماعي.

2 ـ لا يوفر الكثير نحو الإعداد للحياة، فإذا تركت الحرية للمتعلمين لاختيار ما يدرسونه وما لا يدرسونه، فإنهم قد يغفلون كثيرا من المعارف والمفاهيم الهامة للتعامل مع الحياة المعاصرة.

3 ـ افتقار المنهج إلى الاستمرارية والتتابع، فاهتمامات التلاميذ متقلبة، وقد أظهرت الخبرة أن منهجا يعتمد كلية على الاهتمامات اللحظية للأطفال مستحيل، فمثل هذا المنهج لن يكون له تتابع، أو نتائج يمكن تحديدها مسبقا، وحتى بالنسبة لمدارس اللعب play  -  schools ينبغي أن يكون لها أهداف وبرنامج مخطط لتحقيق هذه الأهداف، وإلا فيستوي الأمر لو بقي المتعلم في منزله.

4 ـ مفهوم الحرية الذي قام عليه هذا المنهج مفهوم سلبي: فهو تحرر من المعلم، ومن ضغط المادة الدراسية، ومن الأهداف التي يفرضها البالغون، ولتصحيح هذا الفهم الخاطئ لأفكار جون ديوي قال " إن الطفل الذي يحرم من توجيه معلمه لن يحصل على خبرة تثري خبراته، على العكس من هذا فإنه يعاني من الحرمان، فليس هناك توالد ذاتي في الحياة العقلية ".

         وبالإضافة إلى أوجه النقد السابقة فإن هناك صعوبات عملية في تطبيق هذا المنهج على نطاق واسع منها: أن هذا المنهج يتطلب معلماً على درجة عالية جداً من الكفاية، واسع الإطلاع والثقافة متفقة في نمو الطفل، لا تسمح لوائح ونظم كليات التربية بأوضاعها الحالية بإعداده، كما أن الكتب والوسائل التعليمية تعد حالياً لمناهج المواد الدراسية المنفصلة وقد لا تناسب منهج النشاط.

۩ الهي : لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ۩
۩ 
الحمد لله وحده : عدد خلقه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته ، ورضا نفسه  ۩
يا ربي رضاك وعفوك، ومحبة حبيبك ومصطفاك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من وراء الجهد والقصد ،
فتقبله خالصاً لوجهك الكريم
**********
د / يسري مصطفى السيد

  Webstyle produced NavBar

 جميع الحقوق محفوظة للتربوي الإسلامي العربي د. يسري مصطفى © 2007 م