دعوة

  

 



 

سؤال عن موضوع خَلْق الميزان ونظام الكون


السؤال:

فقط أردت التاكد من الموضوع .. وبارك الله فيكم


ان الله سبحانه وتعالى قد وضع لهذا الكون بما فيه من مخلوقات خلقها قانون واحد لاغير ونظام متوازن يحكم كل شيء، وهذا عكس ما يدعيه بعض العلماء بفوضوية الكون، وهذا القانون متوازن وعادل ولا خلل فيه ولكن بالنسبة للبشر فأن هذا القانون غامض غير معروف بسبب ادراكهم المحدود. بتأمل الاية الكريمة (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) [الرحمن: 7] وعظمة كل كلمة فيها نجد إن الميزان الذي رفع الله به السماء هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهي معجزة إلهية لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة.


قصة النبي شعيب عليه السلام والميزان:

أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين وكانوا يعبدون الأيكة (وهي شجرة) وكانوا ينقصون المكيال والميزان ولا يعطون الناس حقهم فدعاهم الى عبادة الله وان يخافوا الله في تعاملاتهم مع الناس، فقال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود: 84]. ينتقل النبي إلى قضية المعاملات اليومية، قضية الأمانة والعدالة وكان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا يعطون الناس حقهم. فجاء نبيهم وأفهمهم ان هذه سرقة وأنه يخاف عليهم من عذاب يوم القيامة (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85] ولايزال شعيب عليه السلام يدعوهم ويوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالعدل والحق ويحذرهم من أن لا يقللوا من قيمة أشيائهم وان الاشياء لاتقتصر على البيع والشراء وانما تشمل الاعمال اي اياكم من ظلم الناس في معاملاتكم واعطاء الاجير اجره كاملا من غير نقص. واذا لم تنتهوا مما انتم عليه من كفر وعصيان فأن كل هذا سوف يؤدي الى انهيار المجتمع ودماره وهذا ما كان عليه نهاية قوم شعيب بعد رفضهم ان يستجيبوا لدعوة نبيهم فكان عقابهم غضب الله عليهم بأن أوحى الله إلى شعيب أن يخرج من القرية ويأخذ معه المؤمنين وجاء أمره تعالى وهي صيحة واحدة (صوت جاءهم من غمامة أظلتهم) ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنه ما تحمله من المطر ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب يوم عظيم وكانت نهايتهم جاثمين بدون اي حركة في ديارهم من هول الصيحة [1].


الجواب:

وبارك الله فيك .

السؤال طويل جدا ، وكنت أودّ لو اختُصِر واقتُصِر على ما يُراد السؤال عنه ، لا عن موضوع كامل !وسأُجِيب عما يتعلّق بالمقطع الأول والثاني من السؤال .

فأما قوله : (نجد إن الميزان الذي رفع الله به السماء هي نعمة من نعم المولى عز وجل) فهو خطأ ظاهر !لأن الله عزّ وَجَلّ قال : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) ثم قال بعدها مباشرة : (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) .

فهذا ليس في رفع السماء ، وإنما في مقابل رفع السماء ، فالآية الأولى هنا فيها : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا) وبعدها (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) ، والوضع خِلاف الرفع !قال البغوي في تفسيره : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا) فوق الأرض . (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) قال مجاهد : أراد بالميزان العدل .

قال القرطبي وابن كثير : (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) يعني : العَدْل .

هذا من جهة

ومن جهة ثانية فإن لفظ ( الميزان ) يَرِد في القرآن بأكثر مِن معنى بِحسب السياق . فقد بيّن الشيخ الشنقيطي في تفسيره أن المراد بـ (الميزان) في سورة الشورى وسورة الحديد ، هو العدل والإنصاف ، وأن المراد بـ (الميزان) في سورة الرحمن هو آلة الوزن المعروفة .

قال رحمه الله : الذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - : أن الميزان في سورة الشورى وسورة الحديد هو العدل والإنصاف ، كما قاله غير واحد من المفسرين .

وأن الميزان في سورة الرحمن هو الميزان المعروف ، أعني آلة الوزن التي يُوزن بها بعض المبيعات . ومما يدل على ذلك أنه في سورة الشورى وسورة الحديد عَبَّر بإنزال الميزان لا بِوَضْعِه ، وقال في سورة الشورى : (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ) ، وقال في الحديد : (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) .

وأما في سورة الرحمن فقد عَبَّر بالوضع لا الإنزال ، قال : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) ، ثم أتبع ذلك بما يدل على أن المراد به آلة الوزن المعروفة ، وذلك في قوله : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) ؛ لأن الميزان الذي نهوا عن إخساره هو أخو المكيال ، كما قال تعالى : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) . اهـ .

وما يتعلق بالمقطع الثاني ، وهو قول : (أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين وكانوا يعبدون الأيكة (وهي شجرة))

فالخطأ هنا مِن جهتين :

الأولى : في اعتبار أهل مَدين هم أصحاب الأيكة . وهذا سبق بيانه هنا :

في سورة الشعراء لفظ ( أخاهم ) مع : نوح وهود وصالح ولوط بخلاف شعيب ، فلماذا ؟

والثانية : في القول بأنهم كانوا يعبدون الشجر . والأيكة أشجار ، إلاّ أنهم لم يكونوا يعبدونها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها .

وقال رضي الله عنهما : والأيكة : الملتفّ مِن الشجر . قال ابن جرير : والأيكة : الشجر الملتفّ ، وهي واحدة الأيك ، وكل شجر مُلْتَفّ فهو عند العرب أيكة . اهـ .

والله تعالى أعلم .

الشيخ عبد الرحمن السحيم

http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=5550