دعوة

  

 



 

معنى البحر المسجور


السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة الشيخ

هذا شخص يسأل عن هذا الموضوع

وكيف أن الآيات يتم تنزيلها بهذا الشكل

البحر المسجور

فهد عامر الأحمدي
يحكى أن أحد الفلاسفة الفرنسيين زار مدينة مرسيليا - وحين رأى البحر لأول مرة في حياته قال: إن هذه الكمية الهائلة من المياه لتبلغ حد السخف ...!!
وبالطبع لا سخيف إلا "وجهه" كون جهله بحقيقة معينة لا يعني عدم وجودها أو تجاوزها حدود الخيال.. بل إن الأعظم من وفرة مياه البحر أن كمية قليلة منه كفيلة بتوفير طاقة هائلة تكفي السعودية ليومين متتاليين . وخلال القرن العشرين فقط ظهرت 9132دراسة وادعاء حول كيفية استخلاص طاقة الهيدروجين من مياه البحر لم تنجح منها إلا "واحدة"!!

ولتفسير طبيعة الطاقة - الكامنة في مياه البحر - دعنا نتحدث أولاً عما يسمى "الاندماج النووي".. فالاندماج النووي نوع من الطاقة ينتج من اندماج ذرتين من الهيدروجين الثقيل لإنتاج ذرة من الهليوم (وفرق الكتلة يتحول لمصدر عظيم من الطاقة) . وهذا العملية تحدث بشكل متواصل في الشمس والنجوم وتمد الكون بطاقة وضوء لا ينضب معينهما . والطاقة التي تنتج بهذه الطريقة استعملها الإنسان (مرة واحدة فقط) حين فجر القنبلة الهيدروجينية التي تزيد قوتها بستة أضعاف على القنبلة الذرية !

والاختلاف بين القنبلتين الهيدروجينية والذرية هو الفرق بين مبدأ توليد الطاقة بواسطة (اندماج) ذرتين من الهيدروجين وبين توليد الطاقة بواسطة (انشطار) ذرتين من اليورانيوم..

والانشطار الذري - الأخير - له مخاطر عديدة أبرزها ترافقه مع أنشطة إشعاعية ضارة تبقى بعده عشرات السنين - فضلاً عن ندرة اليورانيوم العنصر الحيوي لتوليده.. أما "الاندماج النووي" فعلى العكس تماما كونه (أنظف) لأن نفاياته مجرد بخار ماء (وأقوى) لأنه ينتج ستة أضعاف الطاقة الانشطارية (وأرخص) لأن وقوده الهيدروجين.. والهيدروجين في الماء.. والماء يملأ البحار !

ولكن مشكلة "الاندماج النووي" أنه يتطلب (لبدء شرارة التفاعل) حرارة تزيد على 10ملايين درجة مئوية - وهي حرارة هائلة تعادل حرارة الشمس ويصعب توفرها على سطح الارض.. أضف لهذا كيف يمكن احتواء واحتجاز تفاعل كهذا تتبخر عنده جميع المعادن المعروفة.. قد تكون القنبلة الهيدروجينية الاستثناء الوحيد الذي حققه الانسان كون الحرارة (المطلوبة لبدء الانفجار) ولدتها قنبلة ذرية فجرت داخلها.. أما "احتواء" الطاقة فأمر غير وارد كونها "قنبلة" يفترض تمددها واكتساحها كل شيء!

@ والآن لنعود إلى البحر :

ما دام الاندماج النووي وقوده الهيدروجين.. والهيدروجين في الماء.. والماء يغطي 71% من كوكب الأرض ؛ فهذا يعني أن الأرض مغطاة بوقود سريع الانفجار لا ينتظر سوى طفل يرمي فيه عود ثقاب.. وهذا الطفل قد يكون عالماً مخبولاً أو حرباً نووية أو نيزكاً مستعراً أو أي سبب كاف لإشعال عود الثقاب الذي لن يكون سوى 10ملايين درجة تبدأ التفاعل الهيدروجيني.. في ذلك الوقت ستستعر البحار لهباً تذوب من حرارته الجبال كأحد المشاهد المتوقعة ليوم القيامة.. وإن كنت ترى الفكرة ضرباً من الخيال فتأمل معي قوله تعالى: (والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع)، (وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سُجِّرت)!!

... والسجر كما جاء في لسان العرب هو "البحر يسجر فيكون نار جهنم".. والبحر كما جاء عن كعب هو "جهنم تسجر وتسعر".. ولا سبيل للجمع بينهما بغير طاقة الاندماج الرهيبة !


الجواب:

وأعانك الله .

قول الكاتب : (ستستعر البحار لهباً تذوب من حرارته الجبال كأحد المشاهد المتوقعة ليوم القيامة)
أقول : ليست المسألة توقّعات ! تكون أو لا تكون ! بل هي يقين ، وعقيدة المسلم أن البحار سوف تُسجَر وتوقد نارا ، ومشاهِد القيامة ليست توقّعا ، بل يقينا .

وأما البحر المسجور ، فقال ابن كثير : وقوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) : قال الربيع بن أنس : هو الماء الذي تحت العرش ، الذي يُنَزِّل الله منه المطر الذي يحيى به الأجساد في قبورها يوم معادها. وقال الجمهور : هو هذا البحر. واختلف في معنى قوله : (المسجور ) ، فقال بعضهم : المراد أنه يُوقَد يوم القيامة نارا كقوله : ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) ، أي: أُضْرِمت ، فتصير نارا تتأجج، محيطة بأهل الموقف . رواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب، ورُوي عن ابن عباس. وبه يقول سعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الله بن عبيد بن عُمير وغيرهم . اهـ .
فهذا قول جمهور المفسِّرِين .
وقال البخاري في صحيحه : ( الْمَسْجُورِ ) الْمُوقَد . وَقَالَ الْحَسَنُ : تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا فَلا يَبْقَى فِيهَا قَطْرَة .
وقال أيضا : (سُجِّرَتْ ) ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلا يَبْقَى قَطْرَة . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَسْجُورُ الْمَمْلُوءُ . وَقَالَ غَيْرُهُ : سُجِرَتْ : أَفْضَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا . اهـ .

وقوله الكاتب نقلا عن اللسان : (البحر يسجر فيكون نار جهنم) ، فالكاتب أخذ معنى واحدا مِن معانٍ كثيرة ذكرها صاحب اللسان ، فإن صاحب اللسان قال :
وقوله تعالى : ( والبحرِ المَسْجُورِ ) جاء في التفسير أَن البحر يُسْجَر فيكون نارَ جهنم . وسَجَرَ يَسْجُر وانْسَجَرَ امتلأَ . وكان علي بن أَبي طالب عليه السلام يقول : المسجورُ بالنار ، أَي : مملوء . قال : والمسجور في كلام العرب المملوء ، وقد سَكَرْتُ الإِناء وسَجَرْته إِذا ملأْته . قال لبيد : مَسْجُورةً مُتَجاوراً قُلاَّمُها . وقال في قوله : (وإِذا البِحارُ سُجِّرَت) أَفضى بعضها إِلى بعض فصارت بحراً واحداً . وقال الربيع : سُجِّرَتْ أَي فاضت . وقال قتادة : ذَهَب ماؤها ... وذَكَر قول كعب آخر الأقوال !

ونار جهنم ليست هي البحر ، ويُمكن حُمْل قول كعب على أنه يكون في نار جهنم ، أو يكون مثلها في الحرارة .

والله أعلم .

الشيخ عبد الرحمن السحيم

http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=77147