دعوة

  

 


 

 ما رأيك بـ "يوم محمد بدلاً من يوم فالنتاين " ؟  
 


السؤال:

يوم محمد بدلا من يوم فالنتاين

استغل الطلبة ذكرى الفالنتين في الرابع عشر من فبراير، ليطرحوا مفهوما جديدا للحب تحت شعار "ياللا نحب زي نبينا".. ليس اعترافا بقدسية الحب الذي أقرّه القس فالنتين ، ولكن من باب إسلامنا أولى...

لماذا يوم محمد؟!..

يستند الشباب في مشروعهم على فكرة أنه ليس هناك من هو أحق بأن نضرب به المثل في الحب من سيدنا محمد (صلى) فالرسول لم يقم بعلاقة حب خارج نطاق الزواج ، ورغم ذلك كانت دروس الرومانسية تؤخذ من علاقته بزوجاته. كما أن حب القديس فالنتين في رأيهم اقتصر على العلاقة بين الجنسين أما في الإسلام، فكانت صورة الحب أشمل بكثير.
وهكذا جاءت فكرة أن الاحتفال بـ(Mohammad s day) هو التعبير الأصدق عن الحب وأرجعوا هذا إلى عدة أسباب..

أولا - أن الرسول (صلى) كان رمزا لشمولية الحب ومصداقيته، فحبه لم يقتصر على أحد أنواعه دون الآخر، ولكن شمل كل من أحاطوه. وكان لنا نموذجاً للعبد الصادق والمحب مع ربه

ثانيا- أن إطلاق هذا الاسم على الفالنتين يضفي قدسية على هذا الاحتفال، لتكون مانعا أمام أي مظاهر من شأنها تشويه هذه المشاعر النبيلة.

ثالثا- هذه الفكرة هي حافز قوي يدفع الشباب إلى التمسك بدينه والاقتناع بأن ثقافتنا قادرة على استيعاب كل الثقافات الأخرى وتصديرها بشكل أمثل وبصورة فيها حفاظ علي هويتنا.

مش بدعة

ومن الناحية الشرعية ، أكد الموقع أن الفكرة ليست بدعة ، حيث أنك لم تحدد وقتتا محددا للاحتفال به كل عام ، ولكن تم إطلاق الفكرة يوم الفالنتين لاستغلال الحدث ليس إلا...

وطرح الشباب عدداً من الأساليب العملية لنشر الفكرة ، مثل تداول الرسائل الإلكترونية التي تشرح فكرة اليوم والهدف منه ، سواء بين الأصدقاء أو على المجموعات البريدية ، وكذلك إرسال SMS لموبايلات الصحاب والأهل فيها كلمات عامة عن معنى الحب الحقيقي ..

و Mohammad s day.


فما رأيك بهذا القول والعمل ؟
 

الجواب:

أولاً :

ينبغي أن يُعلم أن البدع عادة تنشأ صغيرة ، ويكون الدافع عليها ابتداء القُربة والطاعة ، ثم ما تلبث أن تكبر حتى تكون بليّـة على الأمـة .

روى الدارمي وابن وضاح في البدع أن ابن مسعود – رضي الله عنه – دخل على أقوام يُسبّحون بالحصا في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصاً نعدّ به التكبير والتهليل والتسبيح ! قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن ان لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تَـبْـلَ ، وأنيته لم تُـكسر . والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ! قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم . وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم . ثم تولى عنهم . فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .

فانظر – رحمك الله – كيف بدأت البدعة بالتسبيح بالحصا ثم تطوّر الأمر إلى قتال الصحابة – رضي الله عنهم – يوم النهراون مع الخوارج .

وغالبا لا يُبتَدع بِدعـة إلا ويكون للتحسين العقلي نصيبه منها ، ويكون الدافع عليها حُسن النية ، غير أن التشريع مصدره الوحيين ( الكتاب والسنة ) وإجماع الأمّـة .

والدين ليس بالرأي ، ولذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه . رواه أبو داود .

وحُسن النية والمقصِد لا يكفي في العمل بل لا بد فيه من المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .

ثانياً :

ينبغي أن يُعلم أن البدعة من الخطورة بمكان ، إذ تتضمن الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كانت بنية حسنة أو بدعوى محبته صلى الله عليه وسلم .

ونقل الإمام الشاطبي عن الإمام مالك بن أنس أنه أتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال : أحرم من حيث أحرم صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أريد أن أُحرِم من المسجد . فقال : لا تفعل . قال : فإني أريد أن أُحرِم من المسجد من القبر . قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : واي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها ! فقال مالك : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

إني سمعت الله يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) انتهى .

قال الإمام مالك – رحمه الله – : من ابتدع في الدين بدعة فرآها حسنة فقد اتـّـهم أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فإن الله يقول : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا . اهـ .

فكأن من يبتدع في دين الله يستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُريد أن يعمل عملا لم يعمله عليه الصلاة والسلام بحجة أن ذلك العمل من أعمال الخير .

ثالثاً :

الخطأ لا يُعالَج بالخطأ .

والنار لا تُطفأ بالنار .

والبدعة لا تُقمع ببدعة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأكثر المتكلمين يَرُدُّون باطلا بباطل وبدعة ببدعة . اهـ .

وقال أيضا : لا بُدّ أن تُحرَس السنة بالحق والصدق والعدل ، لا تحرس بكذب ولا ظلم ، فإذا رد الإنسان باطلاً بباطل ، وقابَل بدعة ببدعة كان هذا مما ذمّـه السلف والأئمة . اهـ .

رابعاً :

قولهم : " الفكرة ليست بدعة ، حيث أنك لم تحدد وقتتا محددا للاحتفال به كل عام "

ينبغي أن يُعلم الضابط في البدعة ، وهنا يُقال لهم : ما هو الضابط في البدعة ؟

البدعة هي : عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه .

وعُرِّفَتْ بأنها : طريقة في الدين مخترعة تُضاهي الشرعية ، يُقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية .

هكذا عرّفها الإمام الشاطبي في كتاب " الاعتصام " ، وهو من أفضل ما أُلّف في هذا المجال .

ثم يُقال أليست محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدِّين ومن الطاعة والقُربة إلى الله ؟

الجواب : بلى

إذاً .. إحياء ليلة أو يوم بدعوى محبته صلى الله عليه وسلم أو بدعوى رفع ذِكره عليه الصلاة والسلام ليس من الدِّين في شيء ، ومن قال غير ذلك فعليه الدليل ، ولا دليل أصلاً .

ولو كان هذا خيراً لسبقنا إليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم إذ كانوا أحرص شيء على الخير ، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه .

وليس المحذور في العيد أن يكون في يوم ثابت ، كما زعموا ، بل العيد يُطلق على كل ما يعود ويتكرر ، ولو كان موعده مُتغيِّراً ، فهذه أعياد الكفار تتغير بالنسبة لنا ، وبالنسبة لتاريخنا ، ويحرم علينا أن نحتفل بها ، أو نُقيمها ولو كان ذلك في غير موعدها .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على حماية جناب التوحيد ، ولذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة [ مكان معين ]

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد ؟

قالوا : لا .

قال : هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟

قالوا : لا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولافيما لا يملك بن آدم . رواه الإمام أحمد وغيره .

وهذا يعني أنه لو كان في ذلك المكان عيد من أعيادهم ما أذن له بالذّبح فيه مع اختلاف المقصد ، لأن في ذلك مُشاركة وإحياء لأعياد لم يأذن بها الإسلام .

أخيراً :

من أراد إحياء ذِكرى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الدافع له على ذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم فليأخذ بِهَدْيِه ، وليقتفِ أثره ، وليعمل بذلك في خاصة نفسه .

فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين . قال : ذاك يوم وُلدتُ فيه ، ويوم بعثتُ ، أو أنزل عليّ فيه . رواه مسلم .

فدونكم سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، خُذوا ما صح ودعوا ما لم يصحّ .

تمسّكوا بالسنة وعضّوا عليها بالنواجذ .

ويا إخواني أوصيكم ونفسي بوصية ابن مسعود رضي الله عنه : اتبعوا ولا تبتدِعوا فقد كُفِيتُم .

والله أسأل أن يهدينا سُبل السلام ، وأن يُلهمنا رُشدنا .

والله تعالى أعلم .
 

الشيخ عبد الرحمن السحيم 

شبكة مشكاة الإسلامية

http://www.almeshkat.net/index.php?pg=qa&cat=13&ref=728