b11-f7

الفصل السابع:

التَّخلُّف عن الجهاد

سورة التوبة(9)

{يا أيُّها الَّذين آمَنوا مالكم إذا قيل لكُم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتُم إلى الأرضِ أَرَضِيتم بالحياة الدُّنيا من الآخرة فما متاعُ الحياةِ الدُّنيا في الآخرة إلا قَليلٌ (38) إلا تنفِروا يُعذِّبكم عذاباً أَليماً وَيَستبدِلْ قوماً غيركُم ولا تضرُّوه شيئاً والله على كِلِّ شيءٍ قديرٌ (39)}

سورة التوبة (9)

{فَرحَ المُخلَّفون ِبمقْعدهِمْ خِلاف رسولِ الله وكَرِهوا أَن يُجاهِدوا بأموالهِم وأَنفُسِهمْ في سبيلِ الله وقالوا لا تَنفِروا في الحرِّ قُلْ نارُ جهنَّمَ أَشدُّ حرّاً لو كانوا يَفْقَهونَ(81)}

سورة التوبة (9)

{ما كانَ لأَهلِ المدينة ومن حَولَهُم من الأَعْرابِ أن يَتخلَّفوا عن رسولِ الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بِأنَّهم لا يُصِيبُهُم ظمأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمصةٌ في سبيلِ الله ولا يَطَؤُون مَوطئاً يَغيظُ الكُفَّارَ ولا ينَالُون من عَدُوٍّ نيلاً إلا كُتبَ لَهُم به عملٌ صالحٌ إنَّ الله لا يُضيعُ أَجْرَ المُحسِنين (120)}

سورة التوبة(9)

{لقد تَابَ الله على النبيِّ والمهاجِرِينَ والأَنصارِ الَّذين اتَّبَعوهُ في ساعةِ العُسرَةِ مِن بعدِ ما كادَ يَزيغُ قلوبُ فريقٍ منهمْ ثمَّ تابَ عليهِم إنَّه بِهِم رؤوفٌ رَّحِيمٌ (117)وعلى الثَّلاثة الَّذين خُلِّفوا حتَّى إذا ضاقَتْ عليهِمُ الأرضُ بما رَحُبَتْ وضاقَتْ عليهِمْ أَنْفُسُهُمْ وظنُّوا أن لا مَلْجأَ مِنَ الله إلا إليه ثمَّ تاب عليهِم لِيتُوبوا إن الله هو التَّوَّابُ الرحيمُ(118)}

سورة التوبة(9)

{وَما كانَ المؤمِنونَ لِيَنفِروا كافَّةً فلولا نفرَ من كلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدِّين وَلِيُنذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إِليهم لعلَّهم يَحْذَرون (122)}

سورة التوبة (9)

{إِنَّما السَّبيلُ على الَّذين يَسْتَئذنِونَكَ وهمْ أغنياءُ رَضُوا بِأَن يكونُوا مع الخَوالِفِ وَطَبَعَ الله على قُلوبِهِمْ فَهمْ لا يَعْلمُونَ(93)}

ومضات:

ـ ما كان للذين آمنوا أن يتخلَّفوا عن المساهمة في الجهاد الكبير، والجهاد الأكبر، والجهاد الأصغر؛ في سبيل تحويل مجتمعهم من مجتمع الذلِّ والجهل والتخلُّف، إلى مجتمع القوَّة والكرامة والعلم والتقدُّم، وأن تكون لهم الريادة على سائر أمم الأرض، في نشر الأخلاق الفاضلة، واستنفاد طاقاتهم العقلية كافَّة في تقصِّي جميع العلوم الكونية، للاستفادة ممَّا خلقه الله لنا في إعمار القلب والعقل والجسد، بشكل متوازن سليم، وهذا هو سبيل الله.

ـ إن مغريات الجسد من التراخي والكسل، والاستمتاع باللذائذ وترف العيش، عوامل مثبِّطة للهمم، تثقل المؤمن عن الانطلاق البنَّاء، وتحجبه عن المتع الروحية وعن منابع السعادة الحقيقية، الَّتي هي زاده الوفير في الرحلة المتكاملة في الحياة الدنيا ومنها إلى الدار الآخرة.

ـ عذاب الله وفق نواميسه هو ذلٌّ وهوان، وسيطرة العدو على عقولنا وتخديرها، وتسلُّطه على منابع ثرواتنا، وما كانت لأمَّة متخاذلة أن يكون لها الخلافة الربَّانية على هذه الأرض، وما كان بمعجز لله أن يستبدلها بأمَّة بنَّاءة متطوِّرة مضحِّية، فهمت عن الله مراده وسعت في تحقيق هذا المراد.

ـ إن في الجهاد إحساناً للمؤمنين أنفسهم حيث يصونون مجتمعهم مهاباً عزيزاً، وإحسان لأعداء الإسلام بحيث تتاح فرصة عرض مبادئ هذا الدِّين عليهم في محاولة لنقلهم من أخلاق الجهل المدمِّر إلى آفاق العلم المثمر، ومن فقر الروح إلى غنى النفس، ومن الضعف البهيمي إلى قوَّة الإيمان، ومن التشتت العاطفي إلى التماسك العائلي والاجتماعي. أمَّا في حال إِعراضهم وتعدِّيهم فإنَّ علينا أن نشتِّت شملهم ونأخذ منهم كلَّ مأخذ، حتَّى يرتدعوا ويؤوبوا إلى جادَّة الحقِّ والصواب.

ـ ما كان للمؤمنين أن يتخلُّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع المهام الَّتي يباشرها بنفسه، ولا أن يحبُّوا أنفسهم أكثر من حبِّهم لرسول الله. وإن لهم في أنواع الآلام الَّتي يعانونها نتيجة العطش والتعب والجوع وفي اقتحامهم لأوكار العدو، والنيل من هيبته والإغاظة له في أسره أو قتله، لهم في كلِّ ذلك رفيع المقام، والعزَّة والكرامة، والثواب من الربِّ الكريم، حيث تصان لهم أعمالهم مجداً في هذه الحياة، ومقاماً محموداً في الدار الآخرة.

ـ كانت عقوبة الصحابة الثلاثة الَّذين تخلَّفوا عن رسول الله ـ دون عذر أو نفاق ـ مقاطعة المجتمع لهم، فلا كلام معهم ولا تعامل، ومُنعت نساؤهم عنهم، وحبسوا في دائرة أنفسهم، وهذا هو العزل المدني والاجتماعي الَّذي طُبِّق عليهم بطريقة احترقت بها قلوبهم لوعة وأسى على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتعاد المؤمنين عنهم، حتَّى أَرمدت عيونهم من كثرة البكاء وهول المصاب النفسي الَّذي ألمَّ بهم.

ـ النفير المستمرُّ لطوائف من المسلمين في طلب العلم بمختلف صنوفه، وتعليمهم لباقي أفراد الأمَّة واجب حتمي، وعلى الأغنياء بشكل خاص أن يدعموا هذا السبيل تحت طائلة تغليف قلوبهم بالقسوة والنفاق، وإغراقهم في مستنقعات الجهل والتخلُّف.

في رحاب الآيات:

نزلت هذه الآيات الكريمة بمناسبة غزوة تبوك، حين تجمَّعت قوى الروم متحالفة مع بعض القبائل من العرب المتنصرة، بغية الهجوم على المدينة المنوَّرة لاستئصال جذور الإسلام والقضاء عليه. وحين بلغ الخبر رسول اللهصلى الله عليه وسلم لم يتوانَ لحظة واحدة عن الدعوة للنفير العام، قال تعالى: {انفِروا خِفافاً وثِقالاً وجاهِدوا بِأَموالِكُم وأَنفُسِكم في سبيل الله ذلِكُم خيٌر لكُم إن كُنتُم تَعلَمون} (9 سورة التوبة آية 41).

كان الوقت حينها وحرارة الصيف اللاهبة تلفح الوجوه، والناس تستعدُّ لقطف ثمار النخيل، وقد حان أوانها وطاب مذاقها. وكان تقبُّل المسلمين لهذا النفير متفاوتاً حسب درجة إيمانهم:

1ـ فمنهم من بذل الغالي والرخيص فقال تعالى في حقِّهم: {لكنِ الرسولُ والَّذينَ آمنوا معـهُ جـاهَدوا بأموالِهِـم وأَنفُسِـهم وأولئِـكَ لَهُمُ الخيراتُ وأوُلئِـكَ هُمُ المُفلِحونَ } (9التوبة آية 88).

2ـ ومنهم من أقعدهم المرض والعجز وقلَّة ذات اليد، فجاؤوا يعتذرون لرسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فقبل الله اعتذارهم بقوله: {ليسَ على الضُّعفاءِ ولا على المرضى ولا على الَّذين لا يَجِدُون ما يُنفِقون حَرَجٌ إذا نَصَحوا لله ورسـولهِ مـا على المحُسـنينَ من سـبيلٍ والله غفورٌ رحيمٌ} (9 التوبة آية 91).

3ـ ومنهم من لم يجدوا ما يبذلونه من المال وتقدَّموا مستجيبين للنداء مع استطاعتهم لبذل الجهد العضلي، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذر عن عدم قبول تطوُّعهم لعدم وجود وسائط النقل الكافية لحملهم، قال تعالى: {ولا على الَّذين إذا ما أتوكَ لِتحمِلهمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحمِلُكُم عليهِ تَولَّوا وأعيُنُهم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَناً ألاَّ يَجِدوا ما يُنفِقون} (9 التوبة آية 92).

4ـ ومنهم أغنياء، غلَّف حبُّ الدنيا شغاف قلوبهم، فآثروا الانغلاق ضمن أصداف المادَّة والمتع البهيمية وجاءوا يعتذرون، فقال تعالى بحقِّهم: {وإذا أُنزِلَتْ سُورةٌ أَن آمنوا بالله وجاهِدوا معَ رسولِهِ استئَذنَكَ أُولُوا الطَّولِ مِنْهم وقالوا ذَرْنا نكُن مع القاعدين رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالِفِ وطُبِعَ على قُلوبِهم فهمْ لايَفقهونَ} (9 التوبة آية 86 ـ87).

إن التثاقل تغلغل في أنفس مريضة أدمنت المطامع والمصالح، وتراخت بداعي الدعة والراحة والاستقرار، وانشدَّت إلى ترابية الأرض الفانية، متخاذلة عن جهاد عدو يخافونه ويرهبون بطشه وقد بعدت مسافته.

ولو عمرت قلوبهم بمحبَّة الله ورسـوله صلى الله عليه وسلم ، لانطلقت من قيد أسـر الغرائز والشهوات، وارتفعت عن تثاقل اللحم والدم، فتغلَّب عنصر الشوق المشبوب بالإيمان على عنصر القيود المادِّية الَّتي تثقل الأنفس المتخومة. ولو أنهم أنفقوا وجاهدوا لتمكَّنوا من حماية الثروة القومية من اندثار يعادل مئات الأضعاف من قيمة ما كان يمكن أن ينفقوه في سبيل التعبئة العامَّة.

5ـ ومنهم منافقين من الأعراب ومن أهل المدينة، كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واختلقوا الأعذار الواهية، مردوا على النفاق وحـاولوا تثبيط عـزائم الآخرين، فقال تعالى عنهم: {إنَّما يَسْتأذِنُكَ الَّذين لا يُؤمنونَ بالله واليومِ الآخرِ وَارتابـتْ قُلوبُهـمْ فهُـمْ في رَيبهِم يتردَّدون} (9 التوبة آية 45).

هؤلاء المنافقين جهدوا في تفكيك البنية التحتية للمجتمع الإسلامي، وفي تفريقهم للصفوف المؤمنة، ومحاولة الإساءة لشخصيَّة النبيِّ الكريم محمَّد صلى الله عليه وسلم ، لتبهيت صورته المشرقة فقال تعالى عنهم: {وَمنهُمُ الَّذين يُؤْذون النَّبِيَّ ويقولُونَ هوَ أُذنٌ قُلْ أُذُنُ خَيرٍ لكُم يُؤْمِنُ بالله وَيؤْمِنُ للمُؤمنيَن وَرَحمةٌ لِلَّذين آمنوا والَّذين يُؤذُونَ رسولَ الله لهم عذابٌ أليمٌ} (9 التوبة آية 61).

نعم هذا الرسول الكريم أذن خير يستمع إلى الوحي ثمَّ يبلِّـغُه لكم وفيه خيركم وصلاحكم وأذن خير يستمع إليكم في أدب فلا يجابهكم بنفاقكم ولا يرميكم بخداعكم، ويؤمن للمؤمنين فيطمئن إليهم ويثق بهم لأنه يعلم صدق الإيمان الَّذي يعصمهم من الكذب والرياء، ورحمة للذين آمنوا يأخذ بيدهم إلى الخير والفلاح بينما يستغرق المنافقون في الكذب كما وصفهم تعالى بقوله: {يَحلِفون بالله لِيُرضوكُمْ والله ورسولُهُ أَحَقُّ أَن يُـرضُوهُ إن كـانوا مُؤمِنينَ} (9 التوبة آية 62).

وهكذا تخلَّف المنافقون وفرحوا، سروراً وشماتة، فلا إنفاق ولا تعب ولا قتال، تهرَّبوا من كلِّ ذلك فجاءت عدالة السماء لتنزل حكمها العادل فيهم بقوله تعالى: {فَليَضْحَكوا قليلاً وَليَبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون * فإن رجَعَكَ الله إلى طائِفةٍ مِنهم فاستئذَنُوك للخُروجِ فَقُل لن تَخرُجوا معي أبداً ولن تقاُتلوا معيَ عَدوّاً إنَّكم رَضيتمُ بالقعودِ أَوَّل مَرَّةٍ فاقُعُدوا مع الخالِفين * ولا تُصَلِّ على أَحد منهم ماتَ أبداً ولا تَقُمْ على قَبرِه إنَّهُم كَفَروا بالله ورسولهِ وماتوا وهم فاسقون * ولاتُعجِبْكَ أَموالُهُم وأَولادُهُم إنما يُرِيدُ الله أَنْ يُعَذِّبَهُم بها في الدنيا وتَزهَقَ أَنفُسهُم وهُم كافِرونَ } (9 التوبة آية 82ـ85).

حكمٌ إلهي بمنتهى الشدَّة، إنه حرمان من شرف الخدمة العسكرية، فلا تكريم لهم في حياتهم أو عند مماتهم، وتحويل للنعمة الزائلة الَّتي انخدعوا بها إلى جحيم دنيوي، فالأولاد ينقلبون إلى أعداء يذيقون آباءهم مرَّ الغضب والعقوق، والمال يذوب ويندثر، والموت الكريب يحيق بهم، وقد زهقت أنفسهم من وبال الأمراض والهموم، فلا استغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبورهم ولا دعاء لهم والملائكة تسائلهم.

روى أبو داود والحاكم والبزار عن عثمان رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل وفي الآخرة لهم ما هو أدهى وأمر»، قال تعالى: {بل السَّاعةُ مَوعدُهُم والسَّاعةُ أدهى وأَمرُّ * أن المُجرِمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ * وهمَ يُسحَبونَ في النَّارِ على وُجُوهِهِم ذُوقوا مَسَّ سَقَرَ } (54 القمر آية 46ـ48)

ومنهم ثلاثة من المؤمنين: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، لم يكن لهم أي عذر في تخلُّفهم سوى الكسل والاسترواح في ظلال المدينة، كما قال كعب: (والله ماكان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفت عنك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : «أمَّا هذا فقد صدق فقم حتَّى يقضي الله فيك»). (أخرجه البخاري ومسلم).

وقضى الله تعالى فيهم أمره، وأصدر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم، فنهى الناس عن كلامهم، أو التعامل معهم، أو ردَّ السَّلام عليهم، وأصدر عليه الصَّلاة والسَّلام أمراً بعد أربعين ليلة من الحكم الأوَّل إلى زوجاتهم بأن يعتزلن أزواجهن، والاكتفاء بخدمتهم دون مقاربتهم.

وكان سجناً انفرادياً لكلٍّ منهم داخل قفص جسده، وكانت زنزانة غير منظورة لكلٍّ منهم، وكانت عقوبتهم حكماً فريداً من نوعه، اشترك الشعب كلُّه في تنفيذه. إنها سابقة لم يكن لها مثيل في تاريخ البشرية على الاطلاق، امتثل فيها المحكومون للحكم الإلهي بملء إرادتهـم، وقابلوه بالاستغفار والتوبة، والإنابة بصدق وخشوع، وبالتضرُّع والدعاء الممزوجين بدموع مدرارة سخية ملتهبة، تنبعث من قلوب احترقت من خشية الله، وتنهمل من عيون التهبت بنار إلهية غسلت الركام الناشئ عن تخلُّفهم، حتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنُّوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، نزلت بشائر التوبة الإلهية واستبشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبشَّر صحابته الكرام، وكان احتفالاً غريباً من نوعه، قام فيه منفِّذو الحكم بتهنئة المحكومين، مهلِّلين مكبِّرين، فرحين مستبشرين.

إنها توبة إلهية شملت الثلاثة الَّذين تَخَلَّفوا، كما شملت قبلهم جميع من شاركوا في غزوة تبوك، وخاصَّة من راودتهم أنفسهم بعض الظنون والشكوك والهموم، وقد هدَّهم تعب المسير، حتَّى تورَّمت أقدامهم وتقيَّحت، حيث كان العشرة منهم يتناوبون الركب على دابَّة واحدة، وأضناهم قلَّة الزاد والماء، حتَّى أن الرجلين كانا يشقَّان التمرة بينهما، وحتَّى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده.

وهكذا بهذه الرسالة السماوية الكريمة، وبأمثال هؤلاء الصحابة العظام، وبالرعاية الكريمة الصادقة المخلصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ظهرت خير أمَّة أُخرجت للناس، سبقت أعمالُها أقوالَها، وشعَّ صدق إيمانها نوراً ربَّانيّاً أضاء ظلمات القلوب العاثِرة، فاهتدت وهدت إلى صراط ربِّ العالمين.