b11-f1

الـبـاب الحادي عشر

الدفاع عن العقيدة والثبات في

مواجهة أعدائها

الفصل الأوَّل:

دعوة الإسلام إلى السَّلام

سورة البقرة(2)

قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذينَ آمنوا ادخُلوا في السِّلْمِ كافَّةً ولا تَتَّبعوا خُطواتِ الشَّيطانِ إنَّه لكم عَدوٌّ مبينٌ(208)}

سورة الأنفال(8)

وقال أيضاً: {وإن جَنَحوا للسَّلْمِ فاجْنَحْ لها وتوكَّلْ على الله إنَّه هو السَّميعُ العليم(61)}

ومضات:

ـ كلَّما تمسَّكنا بجميع تعاليم الإسلام قَوِيَ بنيانه وازداد صموده أمام أعدائه، إلى أن يجذبهم بقوَّته إلى التعايش السلمي مع أفراده، وهذا هو الهدف الحقيقي الَّذي ترمي إليه شريعة السماء، من وراء سعيها لإيجاد هذا التعايش بالمحبَّة والإخاء.

ـ لا سبيل إلى السَّلام الحقيقي الدائم إلا بالإيمان العقلاني الحرِّ الَّذي يوصل إلى الإخاء الإنساني العالمي، ويسدُّ على المخرِّبين أتباع الشيطان، كلَّ ثغرة يمكن لهم أن ينفذوا من خلالها، للإساءة إلى المحبَّة العالمية.

في رحاب الآيات:

السَّلام غصن متفرِّع من شجرة الإسلام الوارفة الظلال، لأنه دين يقدِّس الحياة الحرَّة الكريمة، ويرغِّب الناس فيها، ويعينهم على المضي لتحقيق غاياتهم المثلى، والرقي والتقدُّم، في ظلال الأمن والعدالة والمساواة، وكلُّ ذلك من المقوِّمات الأساسية لإحلال السَّلام.

ولفظة الإسلام ـ الَّتي هي اسم هذا الدِّين ـ مأخوذة من كلمة السَّلام، والسَّلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة للإنسانية جمعاء. فالسَّلام هو أحد أسماء الله الحسنى، لأنه عزَّ وجل يمنح الأمن للناس بما شرَّع من مبادئ قويمة، وبما رسم من خطط ومناهج حكيمة، من شأنها أن تحقِّق الاستقرار والأمان. وهو تحيَّة المسلمين فيما بينهم، قال تعالى: {وإذا جاءك الَّذين يُؤمِنون بآياتِنا فقُلْ سلامٌ عليكُم...} (6 الأنعام آية 54)، وتحيَّة أهل الجنَّة، قال عزَّ وجل: {دعواهُمْ فيها سبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتحيَّتُـهُم فيها سـلامٌ..} (10 يونس آية 10) وفي هذا كلِّه دلالة واضحة على أن دين الإسلام هو دين السَّلام.. وبأن المسلمين هم أهل السِّلم والسَّلْم.

وعلى هذا، فالسَّلام مبدأ من المبادئ الَّتي عمَّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وقد دعاهم إليه ونهاهم عن اتِّباع خطوات الشيطان بالتفرُّق والتفريق؛ لأن سعادةَ الناس جميعاً مرهونة بنشر السَّلام، وشقاءَهم محتَّم بتفشِّي الخلاف والشقاق بين صفوفهم، فإذا تفرَّقت بهم الأهواء وزلَّت القدم، واتَّبع كلُّ امرئ هواه؛ جاءهم العذاب من حيث يرجون النعيم، وحلَّ بهم الشرُّ من حيث يرجون الخير، وهذا هو الناموس العام الَّذي حكم الله به الكون والكائنات.

فالمسلم ملتزم دائماً بالسَّلام القوي، السَّلام المصان بالقوَّة، وهو مكلَّف بالتيقُّظ والانتباه والاستعداد التام. فإذا لم يبادر العدو إلى التعدِّي، وأظهر الرغبة في السَّلام والمهادنة، فباب الحوار مفتوح معه، وإذا كان للمسلمين مصلحة في السلم لِنَفْعٍ يرتجونه أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يأخـذوا به ـ متوكلين على الله ـ بعد قيامهم بالأسباب الَّتي تحقِّق عزَّتهم وكرامتهم. والحوار مطلوب ــ بل ومُلِحٌّ ـ اليوم بين المسلمين وغيرهم، لأن وسائل الاتصال والتواصل قرَّبت المسافات بين سائر الشعوب، ومزجت بين الثقافات والحضارات، وضيَّقت الدائرة العالمية حتَّى جعلت من الإنسانية كلِّها أسرة واحدة، يطَّلع أفرادها على أحوال بعضهم بعضاً، ويتبادلون التأثير الإيجابي فيما بينهم بشكل أو بآخر.