آيات قرآنية

الفصل الثالث:

الزَّكـاة

الزَّكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفرض من فروضه، فُرِضَتْ في المدينة في شوَّال من السنة الثانية للهجرة بعد فرض الصَّوم وصدقة الفطر. وقُرنت الزَّكاة بالصَّلاة في القرآن الكريم في كثير من الآيات، ممَّا يدلُّ على كمال الاتصال بينهما. ودليل مشروعيتها قائم بكتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ففي الكتاب قوله تعالى: {وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاة وارْكَعوا مع الراكعِين} (2 البقرة آية 43)، وأمَّا في السُّنَّة فقوله صلى الله عليه وسلم : «بُنِيَ الإسلام على خمس.. منها إيتاء الزَّكاة» (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما).

والزَّكاة لغة: النموُّ والزيادة، يقال زكا الزرع: إذا نما وزاد، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وقد تطلق بمعنى الطهارة، قال تعالى: {قد أفلحَ من تَزَكَّى} (87 الأعلى آية 14) وتطلق أيضاً على المدح، قال تعالى: {..فلا تُزَكُّوا أنفسَكُم..} (53 النجم آية 32) وعلى الصلاح، يقال: رجل زكيٌّ، أي كثير الخير، وزكَّى القاضي الشهود: إذا بيَّن زيادتهم في الخير. وسُمِّي المال المُخْرَجُ في الشرع زكاة، لأنه يزيد البركة والنُموَّ في المال المُخْرَجِ منه، ويقيه الآفات، قال تعالى: {خُذْ من أموالِهِم صَدَقَةً تُطهِّرُهُم وتُزَكِّيهِمْ بها..} (9 التوبة آية 103) فهي تطهِّر مؤدِّيها من الإثم وتنمِّي أجره.

والزَّكاة شرعاً: حقٌّ يجب في المال، ويمكن تعريفها بأنها: حقٌّ واجب على المسلم المالك للنِّصَاب، من مال مخصوص يؤدِّيه، وفق نسبة محدَّدة، لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص. فالمال المخصوص يشمل الذهب والفضَّة، والزروع والثمار، وعروض التجارة والسوائم، والمعدن. والطائفة المخصوصة: هم الأصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى: {إنَّما الصَّدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمُؤَلَّفَةِ قلوبُهُم وفي الرِّقابِ والغارمينَ وفي سبيلِ الله وابنِ السَّبيلِ فريضةً من الله والله عليمٌ حكيم} (9 التوبة آية 60). والوقت المخصوص هو تمام الحول من العام إلى العام.

وقد أُطْلِقَت الزَّكاة في عُرف الفقهاء على فعل الإيتاء نفسه، أي أداء الحقِّ الواجب في المال، وعلى الجزء المقدَّر من المال الَّذي فرضه الله حقاً للفقراء. وتُسمَّى الزَّكاة صدقة، لدلالتها على صدق العبد في العبوديَّة والطاعة لله. أمَّا الحكمة من تشريعها فتظهر واضحة فيما يلي:

ـ تخفيف الفوارق الطبقيَّة، لأن التفاوت بين الناس في الأرزاق والمواهب وتحصيل المكاسب، أمر واقع ويحتاج إلى علاج: {والله فَضَّلَ بعضَكُم على بعضٍ في الرِّزْقِ..} (16 النحل آية 71) أي أنَّ الله تعالى أجزل العطاء لبعض الناس وقَدَرَ الرزق على بعضهم الآخر، ولهذا فقد أوجب على الغنيِّ أن يعطي الفقير حقاً واجباً مفروضاً، لا تطوُّعاً منه، أو مِنَّةً بإعطائه: {والَّذين في أموالهم حـقٌّ مَعْـلوم * للسَّـائِلِ والمَحْرُوم} (70 المعارج آية 24ـ25) وفريضة الزَّكاة أعظم الوسائل لعلاج ذلك التفاوت، وتحقيق التكافل أو الضمان الاجتماعي في الإسلام.

ـ صيانة المال وتحصينه، ومعالجة الآفات الناجمة عن الفقر والجوع والحرمان، قال صلى الله عليه وسلم : «حصِّنوا أموالكم بالزَّكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدُّوا للبلاء الدعاء» (رواه الطبراني والخطيب عن ابن مسعود رضي الله عنه ).

ـ إعانة الفقراء والمحتاجين، والأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين، ومساعدتهم على ظروف العيش الكريم إن كانوا عاجزين، فتكون وقاية لأفراد المجتمع من مرض الفقر، وحماية لهم من ضائقة العجز أو الضعف أو الإفلاس. ولابدَّ من التضامن والتعاون والتآزر بين صفوف المجتمع المسلم، ليقوم بمسؤوليَّاته في أداء هذا الواجب، فقد روى الطبراني عن الإمام علي كرَّم الله وجهه: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الَّذي يسع فقراءهم، ولن يُجْهَدَ الفقراء إذا جاعوا أو عَرُوا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذِّبهم عذاباً أليماً).

ـ تطهير للنفس من داء الشُّحِّ والبخل، وتعويد المؤمن على البذل والسخاء، كيلا يقتصر إنفاقه على الزَّكاة، وإنما يساهم بواجبه الاجتماعي في رفد الدولة بالعطاء عند الحاجة، وتجهيز الجيوش، وصدِّ العدوان، وفي إمداد الفقراء إلى حدِّ الكفاية.

ـ تقديم الشكر العملي لله تعالى على نعمة المال لئلا ينقلب نقمة على صاحبه.

ولا يخفى أن كُلاًّ من الغنى والفقر لون من ألوان الامتحان للناس، فالغنيُّ ابتلاه الله بالمال، وكلَّفه أن ينفقه في مرضاته، ويؤدِّي حقَّ الفقير فيه، فإن فعل فقد فاز ونجا، وإن امتنع فقد خاب وخسر. وأمَّا الفقير فقد ابتلاه الله بالفقر، فهل يصبر أم يتضجَّر ويتأفَّف، فإن صبر كان له مثل أجر الغنيِّ الشاكر، وإن لجَّ وتأفَّف وتضجَّر، وسخط على قسمة الله، كان مستحقّاً للعقاب كالغنيِّ الفاجر، الَّذي لم يأتمر بأمر الله في ماله. ويجب على جميع المسلمين أن يجدُّوا في الكسب الحلال، ليصبحوا أغنياء، ويقوموا بأداء الزَّكاة ـ وكأن الإسلام جعل الغنى ركناً من أركانه ـ فلا يفوتهم هذا الركن المكين.

وأخيراً إن لأحكام الزَّكاة تفصيلات كثيرة ولن نخوض فيها، ولكن لابدَّ من الإشارة السريعة إلىنسبتها حسب الجدول التالي:

أنواع الزَّكاة

بشرط أن تبلغ الأموال النصاب الشرعي، ويحول عليها الحول

أوَّلاً ـ زكاة النقد: نسبتها 2.5 % (اثنان ونصف بالمئة)

أـ الذهب: ونصابه 20 مثقالاً أي ما يعادل [85 ـ 96غراماً] حسب نسبة الذهب.

ب ـ الفضَّة: ونصابها 200 درهم أي ما يعادل [742 ـ700غراماً]

جـ ـ الأوراق النقدية: تقومَّ وفقاً لنصاب الذهب أو وفقاً لنصاب الفضَّة حسب الأنفع للفقير.

ثانياً ـ زكاة المواشي:

كلُّ نوع منها له نصاب معيَّن شريطة أن تأخذ غالب غذائها من المراعي المباحة.

أ ـ الإبل

ب ـ البقر

جـ ـ الغنم

د ـ الماعز

هـ ـ وأمَّا الخيل والبغال والحمير فتجب فيها الزَّكاة إن كانت للتجارة فقط.

ثالثاً ـ زكاة الزروع والثمار:

أ ـ ما يسقى بماء السماء (وهي ما تُسمى المزروعات البعلية) وكذا ما يسقى من ماء الأنهار دون دفع ثمن الماء: نسبة الزَّكاة فيها 10% (عشرة بالمئة)

ب ـ ما يسقى بواسطة مضخات الري: نسبة الزَّكاة فيها 5% (خمسة بالمئة)

رابعاً ـ زكاة عروض التجارة:

تُقوَّم السلع التجارية في آخر كلِّ عام وتحسب الزَّكاة على صافي الموجودات + الأرباح (بعد حسم جميع أنواع المصاريف والنفقات): نسبة الزَّكاة فيها 2.5% (اثنان ونصف بالمئة)

خامساً ـ العقارات للسكن الشخصي، وحليُّ المرأة للزينة في الحدود المعقولة (أي المعتاد أو العُرف): لا زكاة عليها.

وسنأتي على بحث الإنفاق في الإسلام بشكل موسع في الباب التاسع من هذا الكتاب بإذن الله.