آيات قرآنية

5 ـ وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به

سورة آل عمران(3)

قال الله تعالى: {قُل إن كنتُم تُحبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم والله غَفُورٌ رحيمٌ(31) قُل أطِيعُوا الله والرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإنَّ الله لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ(32)}

سورة النساء(4)

وقال أيضاً: {ياأيُّها الَّذين آمَنُوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسولَ وأُولي الأمرِ منكُم فإن تنازعتُم في شيءٍ فرُدُّوه إلى الله والرَّسولِ إن كنتم تؤمنونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً(59)}

سورة النساء(4)

وقال أيضاً: {وما أرسَلنا من رسولٍ إلاَّ ليُطاعَ بإِذنِ الله ولو أنَّهُم إذ ظلموا أنفُسَهُم جاءُوكَ فاستغفَروا الله واستغفرَ لهم الرَّسولُ لَوَجدوا الله توَّاباً رحيماً(64) فلا ورَبِّكَ لا يؤمِنونَ حتَّى يُحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثمَّ لا يَجدوا في أنفُسهِم حرَجاً ممَّا قضَيتَ ويُسلِّموا تَسليماً(65)}

سورة النساء(4)

وقال أيضاً: {ومن يُطع الله والرَّسولَ فأولَئِكَ معَ الَّذين أنعَمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رفيقاً(69) ذلك الفضلُ من الله وكفى بالله عليماً(70)}

سورة النساء(4)

وقال أيضاً: {من يُطعِ الرَّسولَ فقد أطاعَ الله ومن تَولَّى فما أرسلناكَ علَيهِم حفيظاً(80)}

سورة الأنفال (8)

وقال أيضاً: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَابِرِين (46)}

 

سورة النور(24)

وقال أيضاً: {إنَّما كان قولَ المؤمنينَ إذا دُعُوا إلى الله ورسولِهِ لِيَحْكُمَ بينهم أن يقولوا سَمِعنا وأطَعنا وأولئِكَ هم المفلِحونَ(51) ومن يُطع الله ورسولَهُ ويَخشَ الله ويتَّقْهِ فأولئِكَ هم الفائِزونَ (52)}

سورة النور(24)

وقال أيضاً: {إنَّما المؤمنونَ الَّذينَ آمنوا بالله ورسولهِ وإذا كانوا معَهُ على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتَّى يستَئذِنوهُ إنَّ الَّذينَ يستئذنونَكَ أولئِكَ الَّذينَ يؤمنونَ بالله ورسولهِ فإذا استئذنوكَ لبعضِ شأنِهم فَأْذَن لِمن شِئتَ منهم واستغفرْ لهم الله إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ(62)}

سورة الأحزاب(33)

وقال أيضاً: {لقد كان لكم في رسولِ الله أُسوَةٌ حسنةٌ لِمَن كان يَرجو الله واليومَ الآخر وذَكرَ الله كثيراً(21)}

سورة الأحزاب(33)

وقال أيضاً: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسُولُهُ أمراً أن يكونَ لهمُ الخِيَرَةُ من أمرهِم ومن يَعصِ الله ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً(36)}

سورة الفتح(48)

وقال أيضاً: {إنَّ الَّذين يُبايعونك إنَّما يُبايعونَ الله يدُ الله فوق أيديهم فمن نكث فإنَّما ينكثُ على نفسه ومن أوفى بما عاهدَ عليهُ الله فسَيُؤتِيه أجراً عظيماً(10)}

ومضات:

ـ كثير من الناس يدَّعون محبَّة الله ورسوله؛ فلئن كانت الطاعة هي البيِّنة الَّتي تشهد بصدق دعوى المحبّة وأصالتها، فإن المعصية تشهد بنقيض ذلك، وعلى الإنسان أن يضع نفسه على هذا المِحَكِّ ليعرف إلى أيِّ الزمرتين ينتمي.

ـ تؤكِّد هذه الآيات حتمية إطاعة المؤمنين لله عزَّ وجل ولرسوله الكريم ولأولي الأمر منهم، وفَرْضِيَّة ردِّ الخلافات الَّتي تنشأ بينهم إلى الله ورسوله، لحلِّها في ضوء القواعد الإيمانية.

ـ طاعة الرسول الكريم واجبة، واستغفاره للمؤمنين المذنبين التائبين مقبول لدى ربِّ العالمين، وإذا اتبعوه بصدق أحبَّهم الله وأنعم عليهم بالمغفرة.

ـ من دلائل الإيمان السليم، أن يُحَكِّم المسلمُ الشرعَ الإسلامي القويم فيما يعرض له من أمور، ثمَّ يقبل بحكمه ولا يجد في نفسه حرجاً أو ضيقاً من الالتزام به.

ـ إن المطيع لله ورسوله، يتبوَّأ منزلته في علِّيِّين، مع الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين، في ظلال عرش الرحمن، وحَسُنَ أولئك رفيقاً.

ـ طاعة الرسول هي طاعة لله عزَّ وجل ومعصيته معصية لله، لأن أوامره ما هي إلا وحي من الله وعمل بكتابه الكريم، فقد أرسل تعالى الرسل وأيَّدهم بوحيه لتكتمل مقوِّمات وجوب طاعتهم على الناس، فإذا قضى الرسول قضاءً بإذن الله فلا مناص من تنفيذه والإذعان له لأنه من أمر الله.

ـ في طاعة الله ورسوله وحدة وقوَّة للمؤمنين، ولا تتحقَّق تربية النفس على الطاعة إلا بالصبر.

ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة النموذجية المثالية، لكلِّ من آمن بالله وذكره ذكراً كثيراً.

ـ على المؤمنين أن يبقَوْا تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الملمَّات والطوارئ، وألا يفارقوه دون استئذان، فالمؤمن الَّذي يشعر بارتباطه الكامل مع المجموعة المؤمنة لا يتخلَّى عنها، إلا إذا عرض له أمر قاهر؛ ومع ذلك فهو لا يترك الرسول صلى الله عليه وسلم دون استئذان، تأدُّباً معه واحتراماً لمجلسه.

ـ عدَّ الله تعالى مبايعة الناس لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتقديم عهد الولاء والطاعة له، والاستجابة لأوامره، مبايعة مباشرة لحضرة الله، وبيَّن أنه يؤيِّد الأيدي المتشابكة الَّتي تصافح يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه تعالى راضٍ عن هذه البيعة، ممَّا يؤكِّد قدسيتها، فمن نكث فقد نكث مع الله، ومن أوفى بعهده فقد وفَّى مع الله وله الأجر والثواب الجزيل.

في رحاب الآيات:

يتجلَّى حُبُّ المؤمن لربِّه ولنبيِّه بصور مختلفة وعلامات شتَّى، وإنَّ من أوضح هذه العلامات وأظهرها، أن يكون المؤمن مؤْثِراً لأوامر الله تعالى على سائر محبوباته، ظاهراً وباطناً، فيلزم الطاعة، ويجتنب التردُّد والتَّهاون واتِّباع الهوى، ويكون هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا المعنى قال أحد المحبِّين الصادقين:

وأَتْـركُ مـا أهـوى لـما قــد هَــويْتَــه فأرضى بما ترضى وإن سَخِطَتْ نفسي

بينما أنكر محبٌّ آخر ادِّعاء محبَّة الله مع ارتكاب معصيته فقال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه هذا لَعَمْري في القيـاس بديع

لو كان حبُّك صادقاً لأطعته إن المحـبَّ لمـن يحـبُّ مطيــع

فاتِّباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال والأخلاق، يعني الدخول في دائرة طاعة الله، الَّتي تعني امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه، واتِّباع سنن رسوله ممَّا ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير، قال صلى الله عليه وسلم : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (أخرجه مسلم).

وقد يخطئ العقل البشري، ويتأثر بشتَّى التيارات الفكرية، لذلك كان لابدَّ من وجود ميزان ثابت ترجع إليه العقول عند اختلافها، فتعرف من خلاله مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوُّراتها، والله تعالى يضع هذا الميزان لسائر القيم والأحكام، وفي كلِّ حقل من حقول الحياة، وهو كتاب الله وسنَّة رسوله. فإن تنازعنا في أمر فعلينا أن نخضعه لهذا الميزان، فإن لم نجد له حكماً صريحاً في القرآن أو السنَّة لجأنا إلى القياس، وهو: ردُّ الحكم في القضايا الطارئة الَّتي لا نصَّ يبيِّن حكمها، إلى الأحكام الَّتي نصَّ عليها الشرع للتَّشابُه بينهما، والمماثلة في علَّة تشريع الحكم.

وممَّا تجدر الإشارة إليه أن آيات القرآن الكريم قد ربطت بين طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، دفعاً لتخرُّصات المفسدين وتأويلات المنافقين، الَّذين دعَوْا إلى الاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم، وترك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل. وممَّا يؤكد وجوب الالتزام بالسنَّة إلى جانب الالتزام بكتاب الله، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم علاوة على قيامه بتبليغ الرسالة فقد قام بتطبيقها، بل إنه القدوة المثلى لهذا التطبيق. ولقد أخذ المسلمون عنه عليه الصَّلاة والسَّلام تعاليم هذا الدِّين ومناسكه، وراحوا يبنون صرح هذه العقيدة على أسـسها. فالرسول صلى الله عليه وسلم مبلِّغ ومبيِّن عن الله مراده، وقد جاءت سنته شارحة للقرآن تبيِّن مجمله وتقيِّد مطلقه وغير ذلك من أوجه البيان.

وبهذا يمكن فهم مقام السنَّة بالنسبة للكتاب، فالتشريع الدِّيني المحض ـ كأحكام العبادات ــ لم يكن يصدر إلا عن وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من كتاب أو سنَّة، أو بما يُقِرُّه عليه من اجتهاد. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك معصوماً، لأنه لو أخطأ لما أمر تعالى بطاعته في قوله: {من يُطعِ الرَّسول فقد أطاع الله ومن تولَّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (4 النساء آية 80)، ومادامت المسائل الدِّينية قد بُنيت على هذا النحو، ومادام الأصل الَّذي يُرجَعُ إليه عند التحاكم معلوماً، فلا معنى للاختلاف حول منزلة النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة الإسلامية، فلا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قائد مسيرة الإيمان، والدليل الروحي والمرشد الحكيم، وهو الَّذي يتكلَّم بوحي الله: {وما يَنْطقُ عن الهوى * إن هوَ إلاَّ وحيٌ يُوحى * علَّمهُ شديدُ القُوى} (53 النجم آية 3ـ5) وعلى هذا فإن أقواله وأعماله هي من وحي الله عزَّ وجل، فصَحَّ بذلك أن تكون مصدراً ثانياً للتشريع بعد القرآن الكريم، وإن ترك هذا المصدر هَدْمٌ لركن من أركان التشريع، فمن أعرض عن السنَّة فقد حرم نفسه من ثمرات التطبيق النبوي، فَتاهَ وضلَّ عن سواء السبيل.

وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الَّتي علينا الاقتداء بها، تبدأ منذ بدء تكليفه بالرسالة، بل إن بعضهم قال هي منذ اعتكافه صلى الله عليه وسلم في غار حراء، حيث أمضى الأيام الطويلة متعبدا، متحنِّفا، متأملا في ملكوت السموات والأرض، حتَّى صفت نفسه ورقَّت مشاعره، ممَّا أهَّله لتلقِّي الفيوضات الإلهية، وفتح مغاليق قلبه ليكون مستودعا للأنوار الربَّانية..

وأوَّل سنَّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تبليغ الدعوة بدءا من زوجته وتثنية بابن عمه، ثمَّ خادمه، دعوة مباشرة لعبادة الله، الواحد الأحد، هكذا دون شكليَّات ولا مراسم.. وهذا ما غفل عنه الكثير، ممن اهتموا بالشكل دون المضمون، فكان همُّهم طول اللحية، وطول الثوب الَّذي نرتديه، وإلى غير ذلك من السنن السهلة.. ناسين أن الإسلام قام بالجهد والتعب والتضحية، وبالصبر والمصابرة على أذى الناس وتعنُّتهم، وبالحكمة واللين والموعظة الحسنة، بدءاً من تزكية القلوب، وإدخالها غارَ البعد عن الفواحش والمعاصي، ومن ثمَّ التعلُّم والتعليم، والدعوة والإرشاد...

والرسول مكلَّف بتأدية الرسالة، وليس مكلَّفاً بتثبيت الإيمان في قلوب المعرضين المتولِّين، ولا أن يحفظهم من الإعراض بعد البلاغ والبيان، ولكنه ـ عـلى الرغم من ذلك ــ لا يتخلَّى عنهم في اللحظات الحرجة، فهو ينصح المخطئ ويرشده إلى طريق الصواب، ويستغفر الله له، وهنا يقترن استغفار الرسول المشحون بالقوَّة والنورانية، مع استغفار العبد التائب، المقرون بالتوبة والندم، ليعلو النداءان في جنبات السماء، فيجدا أبواب القبول الإلهي مفتَّحة بإذن الله. فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يملك الشفاعة لا المغفرة، لنفسه أو لأتباعه، والغفَّار هو ربُّ العالمين، ولا يستطيع أحد أن ينتحل هذه الصفة فهي من خصائص الرحمن وحده.

وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورية حتَّى في أصغر الأمور وأدقِّها، وهذا تعليم للأمة المؤمنة كيفية التعامل مع قائدها وولي أمرها. والأمكنة الَّتي تتوجَّب فيها طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وقد عدَّدت الآيات القرآنية بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، وخاصَّة فيما يتعلق بعمل المؤمنين بوصفهم مجموعةً، فهم ملزمون بالبقاء إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كلِّ أمر جامع هام، فيه مصلحة الأمة، وهذا تأكيد على دور الفرد وأهميَّته في الأمور المصيرية، فلا يحقُّ لأحد أن يتخلَّى عن تأدية هذا الدور، لأن الفرد المسلم مُلك لأمَّته، وهو عضو من أعضاء جسدها الواحد، وعليه أن يشاركها المعاناة والتضحية، والبناء وترسيخ القواعد الإيمانية، بكلِّ جديَّة ووعي وتقدير للمسؤولية.

والدرجة الثانية في الأهميَّة من هذه الطاعة، هي إطاعة من يولِّيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لإدارة بعض المهمَّات بالنيابة عنه، وكذلك إطاعة أولي الأمر من بعده، طالما أنهم مستقيمون على أوامر الله، لأنهم يتابعون قيادة هذه الأمَّة وولاية أمورها، وخير الأمَّة يكمن في اجتماع كلمة أبنائها، قال الإمام علي ـ كرَّم الله وجهه ـ: (حقَّ على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدِّي الأمانة فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه). وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني» (أخرجه البخاري ومسلم وابن جرير).

ومن تمام الطاعة بل ومن أهم مقوِّماتها، قبول تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي شريعة الله عزَّ وجل، لحلِّ كلِّ ما يمكن أن يطرأ من خلافات بين المؤمن وأخيه. وقد نفى الله سبحانه صفة الإيمان عن الَّذين رغبوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نشب بينهم من خلاف، وأقسم سبحانه بربوبيَّته إنَّ هؤلاء لا يؤمنون إيماناً صحيحاً مستحقّاً للفوز بالثواب، والنجاة من العقاب، ذلك لأن في تحكيمه تحكيماً للحقِّ، ورجوعاً إليه، والتزاماً بجادَّة الصواب، وهذا منجاة للمؤمنين من الانزلاق وراء الأهواء والدوافع الشخصية في حلِّ نزاعاتهم، ومدعاة لحفظ الحقوق بينهم، وإن الرغبة عن تحكيمه هي عدول عن الحقِّ، وتحكيم للأنا والشهوات.

وقد رتَّب الله تعالى على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مثوبات كبيرة، إذ جعل المطيعين في جنَّات النعيم، مع الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وجعل من يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة، في منزلة من يبايعون الله على ذلك، سواء في بيعة العقبة الَّتي تمَّت بين المؤمنين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم في غيرها من البيعات الَّتي كان يشعر فيها الفرد المسلم عندما يضع يده في يد الرسول صلى الله عليه وسلم، برقابة الله تهيمن عليه، وكأنَّ يده سبحانه فوق أيديهم، وهو على يقين بأن الله حاضر البيعة شاهد عليها، وهو الَّذي أخذها على المبايعين، وبالتالي فإن قدرته القاهرة مهيمنة على المتبايعين. ولا شكَّ أن هذه الصورة تستأصل من النفس أي خاطر للنكث بهذه البيعة، ولو غاب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله حاضر لا يغيب، وهو عليهم رقيب. فمن نقض البيعة فهو الخاسر، لأنه رجع عن تلك الصفقة الَّتي عقدها مع ربِّه تعالى، وما من بيعة بين الله وعبد من عباده، إلا والعبد فيها هو الرابح من فضل الله، والله هو الغنيُّ عن العالمين، وهو يحبُّ الوفاء ويحبُّ الأوفياء. وأمَّا مضمون هذه البيعة فقد أخرج أحمد وابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله، لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه ممَّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنَّة، فمن وفَّى وفَّى الله له، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه). ويبشِّر الله الموفين بالعهد بأن لهم أجراً عظيماً، فلم يفصِّله ولم يحدِّده، ولكنه اكتفى بوصفه؛ أنه عظيم، عظيم بحسـاب الله وميزانه ووصفه الَّذي لا يرتقي إلى تصوُّره أهل الأرض.

وكما أن للطاعة ثمراتها، فإن للمعصية عواقبها الوخيمة على الفرد أوَّلاً وعلى الأمة ثانياً، فإذا ما انسلخ الإنسان عن أوامر ربِّه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم خرج عن مساره المستقيم، ودخل في متاهات الشكوك والمعاناة، وفقد المدد الإلهي، وأضحى نجماً آفلاً يتردَّى في مسارب الشيطان ومسالكه. أمَّا عزوف الأمَّة عن شريعة الله فإنه يؤدِّي إلى تفشِّي الخلافات بين صفوفها وتفرُّقها، وبالتالي إلى انهيارها وسيطرة أعداء الحقِّ والحقيقة على أفكارها ومعتقداتها. وهذا الخلل لا يمكن حدوثه ما دمنا بحضرة الله لائذين، وبشريعته متمسِّكين، وبسنَّة رسوله مهتدين، مُتحلِّين بالصبر والأناة، مع العزم والمجاهدة، لنَبْلُغَ الدرجة المرجوَّة من التسليم لحكم الله وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .

وختاماً من الضروري القول بأن افتراض وجود بعض الأحاديث المكذوبة أو الضعيفة في كتب السيرة والسنن، لايعني بالضرورة إلغاء دور السنَّة الشريفة، بل علينا تمحيصها ولفت النظر إليها، بروح علمية متسامية يكون هدفها لَمُّ الشمل لازرع العداوة والأحقاد.