آيات قرآنية

2- بشريَّة النبي صلى الله عليه وسلم

 

سورة الكهف(18)

قال الله تعالى: {قلْ إنَّما أنا بشرٌ مِثلُكُم يُوحى إليَّ أنَّما إلهُكُم إلهٌ واحدٌ.. (110)}.

سورة الأنعام(6)

وقال أيضاً: {قلْ لا أقولُ لكم عندي خزائِنُ الله ولا أعلمُ الغيبَ ولا أقولُ لكم إنِّي مَلَكٌ إن أتَّبِعُ إلاَّ ما يُوحى إليَّ قُل هل يَستوي الأعمى والبصيرُ أفلا تتفكَّرون(50)}

سورة الأعراف(7)

وقال أيضاً: {قلْ لا أملكُ لنفسي نَفعاً ولا ضرَّاً إلاَّ ما شاءَ الله ولو كنتُ أعلمُ الغيبَ لاستكثرتُ من الخيرِ وما مسَّنيَ السُّوءُ إن أنا إلاَّ نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون(188)}

سورة الأنبياء(21)

وقال أيضاً: {وما جعلنا لبشرٍ من قَبْلِكَ الخُلدَ أفإِن مِتَّ فَهمُ الخالدون(34)}.

سورة الزمر(39)

وقال أيضاً: {إنَّك ميِّتٌ وإنَّهم ميِّتون(30)}.

ومضات:

ـ لقد كان محمَّد صلى الله عليه وسلم بشراً كسائر البشر، وهذا ما صرَّح به وأعلنه مراراً على قومه، ونفى عن نفسه ادِّعاء أيِّ صفة من الصفات الَّتي تخرجه عن طور البشرية إلى غيرها؛ فما هو بملَك وليس بإله ولكنَّه بشر رسول.

ـ كان من المعهود عند غالبيَّة الناس ـ منذ بداية نزول الرسالات السماوية ـ إصرارهم على محاولة الاستفادة من الأنبياء والرسل في النواحي المادية، وذلك بسؤالهم عن الغيب وكأنهم شركاء لله عزَّ وجل في معرفته، وفي القدرة على كشف الضُّر وجلب الخير؛ متناسين أن الأنبياء والرسل بشر لا تتعدَّى إمكانـاتهم الذاتيَّة حدود بشريَّتهم إلا بإذن الله، ولو كان في مقدورهم أن يطَّلعوا على الغيب لكانوا أوَّل المستفيدين منه والمستغلِّين له؛ ولكن المخلوق مهما كان، وكائنا مَنْ كان لا يملك أن يفعل شيئاً إلا بمشيئة الله تعالى.

ـ وصل تفكير المشركين حدّاً من العقم؛ جعلهم يشترطون على الرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم أموراً فوق حدود بشريَّته، وخارجة عن نطاق مهمَّته؛ فتارةً يطالبونه بالمعجزات والأعطيات، وتارةً يريدون منه أن يُعْلِمَهُم بما يخبِّئه الغيب لهم، ليستفيدوا من الفرص المتاحة لهم، ويتجنَّبوا المخاطر الَّتي قد تحيط بهم، ويحظَوْا بالنعم دون تعب أو عناء أو ابتلاء.

ـ إن صاحب البصر والبصيرة يدرك بأن المعطي والواهب والمقدِّر هو ربُّ العالمين وحده، وأن لا سبيل لبشر ـ مهما علا قدره ـ أن يتحكَّم بأقدار الناس أو يتلاعب فيها.

ـ رسلُ الله بشر يطرأ عليهم ما يطرأ على البشر من يسر وعسر، وصحَّة ومرض، ونوم ويقظة، فإذا ما استوفَوْا آجالهم أمر الله ملك الموت بقبض أرواحهم، فيموتون كما يموت البشر. ومحمَّد صلى الله عليه وسلم كان واحداً من هؤلاء الرسل، أدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة، ونصح عباد الله، ثمَّ انتقل إلى جوار ربِّه.

في رحاب الآيات:

عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه إلى الإيمان بوحدانية الله تعالى، وبأنه رسول من عند الله إليهم، انقلبوا عليه أعداءً ألِدَّاء، وخصوماً أشدَّاء، وما كانت حجَّة أكثرهم في إعراضهم إلا أن قالوا: ما كان لنا أن نتَّبع بشراً مثلنا، وأخذوا يتمادَوْن في غيِّهم وتكذيبهم، ويسرفون في مطالبته بما هو فوق حدود بشريَّته ليؤمنوا به ويصدِّقوه. فجاء توجيه الله لرسوله بأن يبيِّن لهم أنه بشر وما هو بإله، ويسوق لهم الأدلَّة على بشريَّته؛ فهو الَّذي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله. إنه إنسان لا يُميَّز عن غيره إلا بما اختصَّه به خالقه من النبوَّة وتبليغ الرسالة، وهو يريد من الناس أن يؤمنوا بنبوَّته ضمن هذه الأطر البسيطة المعقولة، وبالتالي أن يتقبلوا تعاليم الشريعة، بوصفها وسيلةً لإسعادهم في حياتهم الحاضرة، وآخرتهم الَّتي سيصيرون إليها عما قريب.

وانطلاقاً من هذه الحقيقة يوجِّه الله رسوله خاصَّة والناس عامَّة إلى وجوب معرفة حدود إمكانياتهم وطاقاتهم، والعمل ضمنها دون تبجح أو ادِّعاء. فما محمَّد إلا رسول الله، وبشر يسري عليه ما يسري على البشر، فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا يملك خزائن الله فيغدق منها على أتباعه، فما هو بملَك وما هو بإله، ولكنه رسول ينطبق عليه ما ينطبق على غيره بهذا الخصوص؛ فهو لا يعلم الغيب، ولا يعرف مكامن الخير فيه حتَّى يستكثر منه لنفسه أو لغيره، ولم يخرق حجب المستقبل إلا بالقدر الَّذي ينبِّئه الله تعالى به ويطلعه عليه. ولو تمَّ له ذلك بشكل مطلق لكان أعظم المستفيدين من هذه القدرة في استقطاب جماهير الناس من حوله، وفي محاولة تألُّفِ قلوبهم وتيسير شؤونهم من جهة، وفي تسخير هذه القدرة لمصلحته الشخصية من جهة أخرى، بحيث يتَّقي بها السوء والأذى إن كان مقدَّراً عليه، كما يستزيد عن طريقها من أبواب الخير والمنفعة.

فعند عَتبةِ باب الغيب تقف الإمكانيات البشرية، ولا يفتح ذلك الباب لأحد من الناس فيطَّلع على ما وراءه إلا بإذن من الله؛ ولا يكون ذلك إلا للصفوة المختارة منهم، الَّذين لا يطلعهم الله تعالى إلا على القَدْر اليسير منه متى شاء ودون قيد أو شرط من أتباعهم. وهكذا كان شأن رسل الله جميعاً في ذلك، وهكذا كان شأن خاتمهم محمَّد صلى الله عليه وسلم الَّذي اقتفى آثار أولئك الرسل، وتابع إشادة صرح بنائهم في الدعوة إلى الدِّين القيِّم، حتَّى إذا أتمَّه وأكمله، انتقل إلى جوار ربِّه كما انتقلوا، ونَفَذَ فيه قانون الله كما في سائر مخلوقاته: {كـلُّ مـن عليهـا فـَان * ويبقى وجـهُ ربِّـكَ ذو الجلالِ والإكـرام} (55 الرحمن آية 26ـ27). وتأكيداً لهذه الحقيقة وقف خليله الصدِّيق يوم وفاته موقفاً ثابتاً أمام من أنكروا موت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أيُّها الناس من كان يعبد محمَّداً فإن محمَّداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت)، وهنا تتجلَّى روعة الإسلام الَّذي رقى بأتباعه من التعلُّق بشخص الرسول إلى التعلُّق بالمرسِل ومصدر الرسالة، فكانت صلتهم بالله تعالى صلة وثيقة يتطلَّعون إليها، وعروة وثقى عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم وبين خالقهم فتمسَّكوا بها.

فموت الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعني موت الإسلام، وإذا كان مصير الخليقة إلى فناء، فإن مصير العقيدة هو البقاء، ومنهج الله في الأرض مستقلٌّ بذاته عن الرسل والدعاة الَّذين يحملونه ويبلِّغونه إلى الناس، مهما علا شأنهم وجلَّ قدرهم، وشعلة الهداية متوقِّدة متأجِّجة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.