مساكن بني أسلم وتوزعها عبر التار

 
قبيلة بني أسلم تقع ديارها الأصلية بين الحرمين الشريفين             قال صلى الله عليه وسلم (( أسلم سالمها الله)    

 

الرئيسية

 

مساكن بني أسلم وتوزعها عبر التاريخ

 

تمهيد: بعد وصول فروع الأزد إلى أرض الحجاز انتشروا في أوديته حتى المدينة والأرياف المجاورة لها، وكان من بين تلك الفروع الأزدية قبيلة بني أسلم، وقد جاورتها قبائل أو تداخلت معها في الأودية الحجازية و كان لهذه القبائل تأثير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، وهذه القبائل هي مزينة وجهينة وغفار وأشجع.

فعندما بزغ فجر الإسلام كانت لهذه القبائل الفضل في السبق لدخول فيه، حيث عدها الرسول صلى الله عليه وسلم من أولياء الله وأنصار رسوله إلى جانب المهاجرين من قريش والأنصار من الأوس والخزرج([1])، وأشارت بعض الأحاديث الشريفة إلى ولاء تلك القبائل أكثر من غيرها في بداية الدعوة، كما في الحديث" قريش والأنصار ومزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله "([2]).

و قد أصبحت تلك القبائل في مرحلة معينة من تاريخ السيرة النبوية جزءاً من الحلقة الأولى في بناء أمة الإسلام الناشئة وعنصراً من العناصر المعدودة ضمن دائرة أولياء وأنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في حين لا زالت بقية القبائل في خندق المعارضة والمنابذة للدولة الإسلامية أو أنها لا تزال في مرحلة نقلة بين الولاء الشكلي للدولة وبين الاستجابة الفعلية للإسلام([3]) .

 وكان لهذه القبائل المعارضة تأثيراً آنياً على انتشار الإسلام بحكم نفوذها في تلك المنطقة، بينما كانت قبائل الولاء أكثر تأثيراً في انتشار الدعوة الإسلامية بحكم إستراتيجية ديارهم وقربهم من ساحة الأحداث، رغم قلة عددهم وإمكانياتهم  مقارنة مع القبائل المعارضة للدعوة.

 وهذه نبذة مختصرة عن ديار تلك القبائل المحيطة بالمدينة والتي سارعت في الدخول للإسلام:

 

1-غفار:  منازلها الأبواء([4])وغيقة([5])والصفراء([6])وودان ([7])،وهم حلفاء لبني أسلم.

2-مزينة: منازلها جبال رضوى وقُدْسٌ وآرَة([8])،وساية وعقيق المدينة،ووادي الفرع([9]) ([10]).

3-جهينة: منازلها المناطق الغربية والشمالية الغربية من المدينة، والقبلية، وبواط([11])الحوراء([12])، ذو المروة([13])و ماحولها.

4-أشجع:  منازلهم المروراة وعُشْرُ وإِضَم والخُبِيْت([14]) .

5-أسلم:  ورد ذكرهم في كل من وادي مر الظهران و عسفان وأمج و جمدان وقديد والجحفة وخم وندا و الأبواء ووادي مر  وبعض نواحي الفرع إلى السائرة و شدخ والعرج و مريين و الوبرة، وقد أستقر من بقي منهم اليوم في وادي حجر في قلب الحجاز، سوف نتطرق في هذا الفصل إلى مساكنها وتوزعها المرحلي في أرض الحجاز عبر العصور.

 

 

 

خريطة القبائل العربية قبل الإسلام


 

مساكن بني أسلم وتوزعها

بني أسلم كانت قبيلة كبيرة في عددها ([16]) بين الفروع المنخزعة، فديار هم ضمن ديار خزاعة قديماً، تبدأ من غربي مكة ممتدة شمالا على عسفان وثم جزء من أمج فقديد، ثم جزء منها قرب الفرع، وهي مجزأة غير متصلة،في مسافة طولها قرابة 300 كيل وشريط ضيق في العرض يدخل في كثير من أجزائه ضمن ديار كنانة([17]).

ويمكن تصنيف الديار التي ذكرت فيها بنو أسلم عبر العصور، كما يلي:

الجزء الجنوبي:  قرب مكة نواحي مر الظهران([18])، و عسفان([19]).

الجزء الأوسط: نواحي قديد، والجحفة ووادي مر([20])،وجزء من الأبواء([21])و ندا([22])ومغينية([23])،والسائرة ([24]).

الجزء الشمالي:  نواحي الفرع وشدخ،تجاور مزينة والعرج ويين والوبرة، وسوف نتطرق إلى ما سبق بالتفصيل:

ففروع بني أسلم انتشرت في أماكن مختلفة من أودية الحجاز، و تواجدوا في أماكن بين مكة والمدينة، فجزء منهم جاء ذكرهم في أماكن إلى الشمال من مكة، كأمج، وجمدان و عسفان و قديد،و وادي مر الظهران ([25])والجحفة، وخم إلى ما يتصل بذلك من بلد جهينة ومحال بني حرب ([26]).

قال البكري جمدان "، وهو جبل في الحجاز بين قديد وعسفان، من منازل بنى أسلم([27])، وكان الصحابي ذؤيب بن حبيب من بنى مالك بن أفصى يسكن قديد، وهو من أخوة أسلم بن أفصى ([28]).

و في يوم الكديد قال أخو ربيعة بن مكدم متوعداً بأخذ الثأر من بن أسلم لمقتل أخيه ربيعة بن مكدم الكناني  على يد أهبان الأسلمي في الكديد قرب غران:

فإن تذهب سليم بوتر قومي

 

فأسلم من منازلنا قـريب

 

أي أن ذهبت بنو سليم إلى ديارهم فأن ديار بني أسلم قريبة منا لنأخذ الثأر منهم. لإن ديار بني أسلم وكنانة متجاورتين ومتداخلتين في بعض الأماكن في الحجاز.

وديار بني أسلم مرتبطة بدرب الحاج، ويدل على أن ديارهم واقعة بين مكة والمدينة ومرتبطة بدرب الحاج، قول الأقرع بن حابس للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما بايعك سُرَّاق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة...الحديث" ([29]).

ويلاحظ خلال التسلسل الزمني لتاريخ بني أسلم  فيما بعد أن لها شيئاً من الخصوصية و الاستقلالية في مواقفها،وتحالفاتها الأخرى، بمعزل عن بقية أخوتهم، بإضافة إلى مواقفها الإسلامية الخاصة بها كما سنرى.

فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان صلى الله عليه وسلم يبتعد عن ديار حلفاء قريش ويمر عبر الديار التي تتواجد فيها خزاعة وأسلم.

وفي المغازي جاءته أسلم ([30])وهو بغدير الأشطاط ([31])،جاء بهم بريدة بن الحصيب فقال: يا رسول الله هذه أسلم وهذه محالها (أي ديارها).

ويشير إلى مرور الرسول صلى الله عليه وسلم  بديار بني أسلم، ما ورد عن إياس بن مالك بن أوس الأسلمي عن أبيه قال:  لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر مروا بإبل لنا بالجحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  [ لمن هذه الإبل ؟ ] فقالوا:  لرجل من أسلم ]([32]).

والمعروف بأن الجحفة ليست ببعيدة عن ديار من بقي اليوم من فروع بني أسلم بالحجاز، إضافة لما كان لهم من مزارع حتى عهد قريب في الأودية الواقعة بين الجحفة والسائرة. فقد ذكر الحموي، ندا من ديار خزاعة  ([33]).

قال البلادي، ندا: وادي يصب في مر من الشرق عند عين مغينية، سكانه البلادية وكانت هذه بلاد خزاعة وبقاياها اليوم في حرب ([34])، وأشار إلى أن ديار أسلم الخزاعية كانت قريبة من هناك، وهي قبيلة بني أسلم التي تسكن وادي حجر أحد روافد مر شرق رابغ ولهم هناك مزارع وعيون ([35])، وهم كذلك حتى اليوم.

وقد ورد ذكرهم في تلك المواضع المشار إليها في كثير من الوثائق قديماً، ومازالت لهم بقايا مزارع هناك.

ويشير كتاب أمارة رابغ ([36])،إلى أن مغينية التي ظهرت في العصر الإسلامي أنشأتها قبيلة بني أسلم .

وكان مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم  بديار بني أسلم أثناء الهجرة،فيما ورد أن بريدة  بن الحصيب كان إسلامه حين اجتاز به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مهاجر إلى المدينة عند الغميم (وقيل بالعرج) فلما كان هناك تلقاه بريدة في ثمانين نفساً من أهله أسلموا ([37]).

قال مالك بن عوف متفاخراً([38])عندما غزا ديار خزاعة إخوة أسلم:

فأصبحن قد جاوزن مَرَّا و جُحْفةً

 

وجاوزن من أكناف نخلةَ أَبطَحا

 

وفي عام الحديبية في ذكر الطريق عبر ذات الحنظل قرب عسفان، قال بريدة بن الحصيب: فو الله إن كنت لأسلكها في الجمعة مرارا ([39])، مشيراً إلى تواجد لفروع من بني أسلم في هذه المنطقة.

و ذكر اليعقوبي([40]) (المتوفى سنة 292هـ) في كتابه البلدان شيء من ضواحي المدينة بقوله…: وإلى الأبواء وهي منازل أسلم،... وإلى قديد وبها منازل خزاعة.

وفي أخبار المدينة روى ابن زبالة عن صخر بن مالك بن إياس بن كعب بن مالك بن أوس الأسلمي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمدلجة تعهن وبنى بها مسجدا‏([41]).

ومالك بن أوس ورد ذكره في حديث الهجرة (قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا بإبل لنا بالجحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمن هذه الابل ؟ فقالوا: لرجل من أسلم).

قال السكري الأبواء جبل شامخ مرتفع ليس عليه شيء من النبات غير الخزم والبشام وهو لخزاعة، و ضمرة([42]).

ومن الشعر قول النصيب بن رباح الوداني عندما أثنى على رجل من بني أسلم،فهم في الأصل جيران له:

فلما حَمَلتُ الدَّيْنَ فيها وأصبحتْ
على حينِ أن رَاثَ الرَّبيعُ ولم يكن ثمانيةٌ للأَسلَميِّ وما دَنا

 

حِيَالاً مُسُنَّاتِ الهوى كدْتُ أندَمُ
لها بصَعِيدٍ من تِهَامَةَ مَقضَمُ
لفُحْشٍ ولا تدنو إلى الفُحْشِ أَسْلَمُ
 

وقال شاعرّ من أهل الحجاز يعرف بالعجلاني([43]) يعارض الشاعر أبوالحيّاش الحجري في قصيدة ذكر فيها بعض القرى الحجازية ومنها  "السوائر" جمع (يسير)، وهي من ضمن قرى وادي حجر التي يجبي زكاتها بنو أسلم([44]):

فالكراعان فالغميم([45]) مغيثا
 

ت فعسفان تلك فالبرقــــاء

 

إلى أن قال:

فالخليعات فالسّيالة فالفر
 

عِ فتلك السّوائر الطّخياء

 

 

46

ويدعم ذلك ما تنص عليه وثائق بقية قبيلة أسلم في روافد وادي مر كحجر(السائرة) وما حوله فهو جزء رئيسي من الديار القديمة الذي تتواجد فيه ماتبقى من فروع لقبيلة بني أسلم بالحجاز.

قال البلادي: أسلم قبيلة تسكن وادي حجر أحد روافد مر شرق رابغ ولهم هناك مزارع وعيون، وديار أسلم الخزاعية كانت قريبة من هناك ([47]).

 

 

ما ورد من أبيات في ذكر بعض المواضع

أورد الشعراء ضمن قصائدهم  ذكراً لبعض الديار الخزاعية أخوة بني أسلم في قلب الحجاز، ومن ذلك قول كثير عزة الشاعر الخزاعي([48]):

تكفكف أعداداً من العين ركبت
إلى أن قال:

إليك تباري بعدما قلت قد بدت

 

سوانيها ثم اندفعن بأسلم
 

جبال الشبا أو نكبت هضب تريم

 

قال ابن حبيب الشبا قريب من الأبواء ([49])،والأبواء منازل أسلم([50]).

ومن شعر كثير، يشير فيها إلي مواضع لقبائل كعب بن عمرو،من إخوة بني أسلم. 51-52-53

وإنك عمري هل ترى ضوء بارق
 قعدت له ذات العشاء أشيمه
ومنه بذي دوران لمع كأنه
قبائل من كعب بن عمرو كأنهم
 تحل أدانيهم بودان فالشبا

 

عريض السنا ذي هيدب متزحزح
بمر وأصحابي بجبة أذرح
بعيد الكرى كفا مفيض بأقرح
إذا اجتمعوا يوما هضاب المضيح
 ومسكن أقصاهم بشهد فمنصح

 

و جاء ذكر الشبا([54])أيضاً في ميمية كثير عزة: 55

تمر السنون الخاليات ولا أرى
وقال خليلي ما لها إذ لقيتَها

 

بصحن الشبا أطلالهن تريم
غداةَ الشَّبَا فيها عليك وُجومُ
 

وقال أيضاً الشاعر كثير عزة:

عَفَا رَابِغٌ من أَهْلِهِ فالظَّوَاهِرُ
 

فأَكْنافُ تُبْنى قدْ عَفتْ فالأَصافِرُ

([56])

وقال ([57]):    

ونحن منعنا بين مر([58]) ورابغ      من الناس أن يغزى وأن يتَكنّف

 

 قال أبو داود الإيادي:

ألا أبلغ خزاعة أهل مر     وإخوتهم كنانة عن إياد

 

وجاء ذكر جبل نصع، ضمن المناطق الواقعة قديماً ضمن ديار خزاعة إخوة بني أسلم،في شعر كثير عزة  بقوله:

 

سلكت سبيل الرائحات عشية

مخارم نصعٍ  أو سلكن سبيلي

 

ونصع([59]) من الجبال الشاخصة بين ينبع ومكة([60])،وأشار إليه نصيب الوداني،وهو شاعر من أهل ودان( غرب وادي حجر ) قرب رابغ([61]):

عفا واسط من أهله فالضوارب
 

فمدفع رامــــاتٍ فنصعٍ فغارب
 

قال أيضاً كُثَيِّر:   

أقول وقد جاوزن من صدر  رابغ

مهامه غبرا يفرع الأكم آلها

 

الجزء الشمالي

إضافة  إلى وجود أسلم في الأماكن التي أشرنا إليها سابقاً، فقد ورد ذكرها في أماكن محددة نواحي الفرع إلى المدينة.

فقد أشارت البعوث النبوية والحوادث التاريخية إلى تواجد بني أسلم في أماكن مختلفة من وادي الفرع،فالفرع وادي معروف من أكبر  ولايات المدينة وأشرفها و يتبع لها كثير من الأودية الحجازية المحيطة به في اتجاهات مختلفة.

ففي غزوة تبوك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلمإلى القبائل يستنفرهم إلى غزوهم فبعث إلى أسلم بريدة بن الحصيب وأمره أن يبلغ الفرع([62]).

وروى الأسلميون عن أشياخهم: ([63]) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في موضع بالبرود في مضيق الفرع فصلى به ونزلها مراراً واقطع فيها قطائع لغفار و أسلم .

وكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للحصين بن أوس الأسلمي أنه أعطاه الفرغين([64]) وذات أعشاش([65]) لا يحاقه فيها أحد.

وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الأكمة من الفرع فقال([66]) في مسجدها الأعلى ونام فيه ثم راح فصلى الظهر في المسجد الأسفل من الأكمة ثم استقبل الفرع فبرك فيها. وكان عبد الله بن عمر ينزل المسجد الأعلى فيقيل فيه فيأتيه بعض نساء بني أسلم بالفراش فيقول: لا، حتى أضع جنبي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبه ([67]).

وأورد الهجري (ت380هـ) أشارة إلى بني أسلم في عمق الزروع وذلك في قول الشاعر([68]):

 

ألما بعمق ذي الزروع فسلما
فإن بعمق ذي الزروع لبدنا

 

وإن كان عن قصد المطيّ يجور
من أسلم في تكليمهن أجور

 

قال حمد الجاسر عمق ذي الزروع نواحي الفرع([69]).

 وشبكة شَدَخ: بالخاءِ المعجمة, والشبكة الأرض الكثيرة الآبار المتقاربة وتكون مع ذلك قريبة القعور أيضا،وهي من منازل غفار وأسلم بالحجاز عن نصر([70]).

 و شدخ من قرى الفرع إلى الشمال من الريان, وهي من الأماكن التي سكنها بني أسلم.

وذكر البليهشي: أن شدخ خيف في الريان([71])،انقطعت عينه في الثمانينات الهجرية تقريباً, وشدخ كان عامراً،وأن به عين تسقي ونخيل تثمر([72]).

وما يؤكد أنه كان عامراً، ما أورده البكري ( ت 487 هـ ) حيث ذكر: أن شدخ اسم ماء لأسلم([73]).

وقد ذُكر أن تابعية القرى للفرع تمتد من ذلك الوادي إلى ما جاوره جنوباً وشمالاً, ففي رسم قدس و آرة إنها من بلاد مزينة، وكانت أسلم تحل نواحي آرة الشرقية والجنوبية, ولازالت قريبة منه, أما اليوم فكلاهما لحرب([74]).

ونواحي آرة الشرقية تشمل المضيق والريان وماحوله، والناحية الجنوبية تشمل الأودية التي بين السائرة وكل من خضرة والأكحل التي يسكن بها مخلف الآن, الذين يتداخلون مع أسلم في الأنساب و الوسوم والتجاور بالديار.

وقد ورد ذكر  شدخ نواحي الفرع، كما ورد ذكر شبكة شدخ أيضاً  نواحي المدينة([75])، وهي التي أشار إليها حسان بن ثابت بقوله([76]):

 

 

فأنى تلاقيها إذا حَلّ أهلُها
حواشي برود القِطر وشيا منمنما

 

بمدفع أشداخ فبُرقة أظلما
بواد يمان من غِفار وأسلما

 

"أشداخ([77])"، و"أظلم فـ"أشداخ":موضع في عقيق المدينة([78])، ثم إنّ الظعائن"شعثاء"، رحلت نحو تهامة:

بقاع نقيع الجِزع من بطن يَلبَن

 

تحمّل منه أهله فتتهما

 

أي: في جهة الجُحفة و"وَدّان"، حيث غفار وأسلم، وهذه تهامة التي كان يُطلق عليها في الجغرافيا القديمة تهامة اليمن، وهي الآن جزء من تهامة الحجاز([79]).

 

إضافة إلى ماسبق فقد ورد ذكر بني أسلم قديماً نواحي حرة الوبرة غربي المدينة([80]) ومريين والعرج([81])  .

حيث جاء ذكر حرة الوبرة في حديث أهبان الأسلمي رضي الله عنه، أنه يسكن يين (بياءين ) وهي من بلاد أسلم،بينما هو يرعى بحرة الوبرة عدا الذئب على غنمه([82]) .

والعرج وهو:  وادٍ يقع جنوب المدينة على مسافة 113 كم .

ويين ([83])هو واد به عين من أعراض المدينة على بريد منها،ففي ذكر موضع يين: نقل الهجري أن يين بلد فاكهة المدينة، وكانت تعرف من قريب([84]) بقرية بني زيد، فوقع بينهم وبين بني يزيد حروب، فجلا بنو زيد([85]) عنها إلى الصفراء، وبنو يزيد إلى الفرع، فخربت، وكانت منازل بني أسلم قديماً([86]).

وجاء في الديوان عن إحدى المخطوطات:"غفار... وأسلم...: منازلهم بتهامة، وهي من ناحية اليمن"([87])،لا يعني ناحية اليمن،وإنما يعني ناحية اليمين، فكل ما اتجه نحو اليمن عُدّ من ناحية اليمن([88]).

وكذلك تجاورت بنو أسلم قديماً في السائرة مع قبيلة مزينة ويشير إلى ذلك أسماء مواقع تلك القبائل واضحة في تسميات العيون في السائرة حتى اليوم.

وبعد أن تطرقنا إلى الديار التي سكنتها قبيلة بني أسلم بين مكة والمدينة خلال العصور التاريخية الماضية، فإننا نشير إلى أن فروع القبيلة اليوم تسكن في فروع أودية مر كوادي حجر ونحو ذلك.

 


 


([1])بحث التفقه في الدين د. عبد الرحمن السنيدي قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ص156.

([2]) البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المناقب، باب ذكر أسلم وغفار وأشجع ومزينة وجهينة . البخاري3321؛ مسلم: الجامع الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم ( 2520 ).

([3])المرجع السابق (33).

([4])الواقدي المغازي:  2/577، بيروت-عالم الكتب؛ معجم البلدان، المؤلف:  ياقوت الحموي ج1، ص79.

([5]) ابن الأثير:  أسد الغابة، 2/178 . تحقيق كل من على محمد وعادل أحمد،دار الكتب العلمية بيروت

([6])سيرة ابن هشام   2/253، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار المعرفة، ج3، ص 622 .

([7])ودان: واقعة بين الابواء ومستور كانت عامرة في العصر الجاهلي، وأشار الحربي إلى عمرانها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، (بها عدة عيون غزيرة وبركة قديمة)كما أشار إليها الاصطخري، المسالك والممالك ص 21.

([8])البكري:  ( ت 487 هـ ):  معجم ما استعجم، ط، القاهرة، 1/87 .

([9]) البكري:  ( ت 487 هـ ):  معجم ما استعجم، ط، القاهرة ، 3/811، 953 ، 1/37.

([10])جنوب وادي الفرع  أودية وديار  يسكن بها مخلف الآن, الذين يتداخلون مع أسلم في الأنساب و الوسوم والتجاور بالديار.

([11]) ابن سعد:  الطبقات الكبرى 2/9.

([12]) الواقدي المغازي 1/19 .

([13]) البيهقي:  ( ت 458 هـ ):  السنن الكبرى:  دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد ج 6/149 .

([14]) البكري:  ( ت 487 هـ ):  معجم ما استعجم، ط، القاهرة، 1364 هـ، 1/166، 2/487، 3/944، 4/1218 .

 

([16]) ابن دريد، الاشتقاق، ص22.

([17])عاتق بن غيث، المعالم الجغرافية الواردة في السيرة النبوية .

([18])معجم البلدان  ج5 ص104  .

([19])الواقدي، المغازي ج2/ (584).

([20])السيرة النبوية لابن كثير ج2 / 256، البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص232- 233 . و رواية الحديث عن محمد بن إسحاق، عن السراج، حدثنا محمد بن عبادة بن موسى العجلى، حدثنى أخي موسى بن عبادة، حدثنى عبدالله بن سيار، حدثنى إياس بن مالك بن الأوس الأسلمي، عن أبيه ؛الإصابة في تمييز الصحابة، ج6، ص 18،الكتب العلمية، بيروت .

([21])اليعقوبي، البلدان    .

([22])الحموي، البلدان، ج5 ص 279؛ عاتق البلادي، معجم  معالم الحجاز، 1404 هـ، ج9، ص50.

([23])كتاب أمارة رابغ دراسة جغرافية ميدانية إعداد قسم الجغرافيا طبعة، 1404هـ، 1984هـ، ص 421

([24])عاتق البلادي، نسب حرب ط1، 1404 هـ، ص64.

([25])اليعقوبي، البلدان 313 – 314، عام 1892م

([26])الهمداني، صفة جزيرة العرب  ط 1377 هـ دار اليمامة، ص259 .

([27])البكري:  ( ت 487 هـ ):  معجم ما استعجم، ط، القاهرة، ج1،ص3.

([28])الثقات، محمد بن حبان، رقم 404.

([29])البخاري مع الفتح 6/627 حديث (3516) كتاب المناقب ؛ صحيح مسلم 4/1956 حديث( 2522).       

([30])المغازي للواقدي ج2 / 782

([31])غدير الأشطاط قريبا من عسفان تاريخ الإسلام ج1/ 262، وفي كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة: تحقيق الجاسر، ص463: غدير الأشطاط على ميلين ونصف من عسفان، والغميم وادي، والكراع جبل أسود عن يسار الطريق، والكديد إلى عسفان سبعة أميال.

([32])السيرة النبوية ابن كثير الجزء 2 ص256   . ص254 

([33])الحموي، البلدان، ج5 ص 279.

([34])عاتق البلادي، معجم  معالم الحجاز، 1404 هـ، ج9، ص50.

([35])عاتق البلادي، نسب حرب ط1، 1404 هـ، ص64.

([36])كتاب أمارة رابغ دراسة جغرافية ميدانية إعداد قسم الجغرافيا طبعة، 1404هـ، 1984هـ، ص 421.

([37])البداية والنهاية: للحافظ إ بن كثير، معارف بيروت ج8/ص216؛ابن سعد:  الطبقات الكبرى 4/242؛ الصالحي:  محمد بن يوسف ( 942 هـ ) . سبل الهدى والرشاد .  ج3، تحقيق عبد العزيز حلمي، ص 358 – 359 .

([38])الاصفهاني، الأغاني ج14،ص145، طبعة القاهرة 1983م.

([39])الواقدي، المغازي ج2/ (584).

([40])اليعقوبي، البلدان     .

([41]) السمهودي 1016 ؛ لإصابة في تمييز الصحابة 7600.

([42])معجم البلدان، المؤلف:  ياقوت الحموي، دار الفكر – بيروت  ج1، ص79   .

([43])صفة جزيرة العرب: الهمداني، تحقيق الأكوع، ص383، أبيات من شعر،قال الأصمعي شاعر جاهلي من عشاق العرب.

([44]) حسب وثائق شيخ بني أسلم الخاصة بخرص التمور في وادي حجر.

([45])الغميم: بالقرب من عسفان، وأشارة بعض المصادر أنه قرب الجحفة.

([46]) السوائر: نسبة إلى يسير ويُسير وهي من نواحي حجر .

([47])عاتق البلادي، نسب حرب ط1، 1404 هـ، ص64.

([48])هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر أبو صخر الخزاعي الحجازي، وعزة هذه المشهور بها وهي أم عمرو عزة بالعين المهملة بنت جميل بن حفص من بني حاجب بن غفار وإنما صغر اسمه فقيل كُثير.ديوان كثير عزة، ص211.

([49])البكري:  ( ت 487 هـ ):  معجم ما استعجم، ط، القاهرة، ج3، ص777.

([50])اليعقوبي، البلدان .

([51])قبائل من كعب بن عمرو:   يقال لولد عمرو بن ربيعة:  خزاعة.       

([52])ذكر اليوبي، في كتاب الأبواء: بقوله تقع ودان في مكان يسمى العصعص لأنه مستدق من خشم حرة الأبواء، فهي سهل رسوبي ويعتبر قسماً من سهل تهامة، حامد بن مسفر اليوبي، الأبواء دراسة تاريخية وجغرافية، ط 1،هـ 1414، ص37.      

([53])وادي مر أعلاه حجر وخضرة والأكحل، إلى الشرق من الجحفة.       

([54])الاصفهاني، الأغاني ج12/222. ديوان كثير عزة، ص201، الشباء: الشيباء، معجم معالم الحجاز (ش)، ج5/113.

([55]) الشباء: الشيباء، عاتق البلادي  معجم معالم الحجاز،(ش)، ج5، ص113 .

([56])الفيروز ابادي، المغانم المطابة، في معالم طابة،تحقيق حمد الجاسر،ص23.      

([57]) ديوان كثير عزة، ط2، 1416هـ، دار الكتاب العربي، لبنان، ص126.       

([58])مر: سبق الإشارة إليه أعلاه، من أودية خزاعة أخوة أسلم، ذكر البلادي أنه وادي رابغ،وهو غير مر الظهران.       

([59])في معجم معالم الحجاز، ج9،ص59، نصع هذا هو ماورد ذكره نواحي رضوى ؛ ونصع ثلاثة جبال في الحجاز،. ونقول الأقرب أن نصع المشار إليه في أبيات كثير عزة وشعر نصيب هو جبل نصع الواقع شرق رابغ وهي القريبة من ديار هذاين الشاعرين وهما من أهل ودان، نصع يبعد عن ودان 75 كيلاً متر شرقاً، خط مستقيم.

([60])الزمخشري،كتاب الأمكنة والمياه والجبال، تحقيق السامرائي، ص233.

([61])هو نصيب بن رباح، مولى لكنانة من بني ضمرة من أهل ودان (قرب رابغ )اشتراه عبد العزيز بن مروان منهم وكان شاعراً فحلاً فصيحاً مقدماً في النسيب والمديح ولم يكن له حظ في الهجاء وكان عفيفاً ويدعونه النصيب تفخيماً، وله في ودان شعر كثير منه:  

 قفوا خبروني عن سليمان إنني ** لمعروفـــه من أهـــل ودان راغب    

([62])المغازي للواقدي ج3، ص990؛ ابن سعد:  الطبقات، ج1 ص124-141.

([63])معجم ما استعجم، للبكري الأندلسي  ج3/ 1020 مصطفى السقا الطبعة الثالثة 1403 ه‍ - 1983 م، بيروت.

([64])ابن سعد:  الطبقات، ج1، ص 267 ويذكر البكري أن ( فرعان ) جبل بين المدينة وذي خشب ( على مرحلة من المدينة معجم ما استعجم 3/1021 وذو العش من أودية العقيق من نواحي المدينة البلادي:  معجم معالم الحجاز 6/105 .

([65]) ابن سعد:  الطبقات، ج1، ص 267 .

([66]) قال:  من كلمة القيلولة وليس من القول .

([67]) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى للسمهودي 911هـ، ج3، ص1027تحقيق محمد محيي،دار الكتب العلمية بيروت1374هـ.

([68]) أبو على الهجري، ص347، وأبو على الهجري عاش في القرن الرابع.

([69]) المرجع السابق،ص346.

([70])معجم ما استعجم – البكري،ج3/ص779 .

([71])خيف شدخ بالريان من ديار بني عمرو اليوم.

([72]) محمد صالح البليهشي: وادي الفرع تاريخ وحضارة, الاصدار الاول،ص110.

([73])معجم ما استعجم – البكري،ج3/ص779 .

([74])البلادي: معجم معالم الحجاز ج7،ص94؛ وانظر كتاب التنظيمات القانونية (كشاف أسماء المواقع الجغرافية).

([75])ياقوت، معجم البلدان، "أشداخ".

([76]) ابن هشام:  ( ت 218 هـ):  سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، مكتبة التراث ج2، ص 108؛

 ابن سعد  ( ت 230 هـ ):  الطبقات الكبرى بيروت دار صادر، ج4، ص 310 .

([77]) ابن هشام:  سيرة النبى صلى الله عليه وسلم  4/184 .

([78])ياقوت، معجم البلدان، "أشداخ".

([79])مجلة العرب التاريخ:24/08/2006  .

([80])معجم البلدان ج 5 ص 359.

([81]) ابن هشام:  ( ت 218 هـ):  سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، مكتبة التراث ج2، ص 108، ابن سعد  ( ت 230 هـ ):  الطبقات الكبرى بيروت دار صادر، ج4، ص 310 ؛ البداية والنهاية: للحافظ إ بن كثير، معارف بيروت ج8/ص216. ابن سعد:  الطبقات الكبرى 4/242؛  الصالحي:  محمد بن يوسف ( 942 هـ ). سبل الهدى والرشاد  ج3، تحقيق عبدالعزيز حلمي، ص 358 – 359 ؛ 9600 الإصابة،2901 الاستيعاب .

([82]) معجم البلدان ج 5 ص 359.

([83]) ابن سعد:  الطبقات الكبرى، 4/309، يين اسم واد بين ضاحك وضويحك وهما جبلان أسفل الفرش ذكره.

([84])  من قريب:  أي سكنوها قريباً بعد بني أسلم .

([85])  أبو علي الهجري  ص346، بني زيد:  من مزينة.

([86])  أبو على الهجري، ص392، وأبو على الهجري عاش في القرن الرابع(380هـ).

([87]) ديوان حسّان، 2/27.

([88]) مجلة العرب التاريخ:24/08/2006  .