أدوار أسلمية في الجاهلية

 
قبيلة بني أسلم من حرب إحدي قبائل  وادي حجر  الواقع بين الحرمين الشريفين  

 

  

أدوار أسلمية في الجاهلية

 

ارتبط تاريخ بني أسلم الجاهلي بتاريخ إخوتهم خزاعة في البداية، حيث كانت لهم أيام مع قبائل العرب، وقد أشرنا سابقاً إلى كيفية وصول تلك القبائل الأزدية إلى الحجاز من اليمن، ومن ثم حطت رحالهم حول البيت المعظم، فكانت ولاية البيت عند جرهم، زماناً طويلاً ثم أفسدوا في حرم الله فوقع بينهم وبين خزاعة حرب، فغلبتهم خزاعة ونفت جرهما من مكة ([1])، ثم وَليت خزاعة البيت يتوارثونه، و كانت ولايته في بني كعب بن عمرو، فرغبت قيس عيلان في البيت وطمعوا أن ينتزعوه منهم فساروا ومعهم قبائل العرب، فخرجت إليهم خزاعة فاقتتلوا فهُزمت قيس عيلان ([2]).

ومن تلك الأيام عندما أغارت هوازن على خزاعة وهم بالمحصب فقتلوا منهم خلقاً، فلما صنعت هوازن ما صنعت جمع قيس بن الحدادية خزاعة قومه فأغار على جموع هوازن فأصاب و استاق أموالاً وسبياً ([3]).

وكان أيضاً بين بني كنانة وخزاعة حلف التناصر  فلما استعانت خزاعة ببني كنانة لصد بني أسد، خذلتها كنانة فلم تنصرها .

 وثم كان استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت وآلت ولايته لقريش .

ثم أن بني بكر بن عبد مناه عدت على خزاعة، في الوتير، فاقتتلوا وقد أعانت قريش بني بكر على خزاعة، وتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، وقد دخلت بنو بكر في عهد قريش، ودخلت خزاعة وأخوتهم بني أسلم، في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم .

ويظهر فيم بعد دور بني أسلم بشكل إنفرادي عن أخوتهم خزاعة سواء في أيامهم أو اتفاقياتهم القبلية لكنهم كانوا مناصرين لهم.

من ضمن الاتفاقيات الأسلمية تحالف غفار مع قبيلة بني أسلم،الذي أشارت إليه بعض المصادر.

 قال أبو عمرو الشيباني: كان بين بني غفار و بني ليث حرب، فظفرت بنو ليث بغفار، فحالف رحضة بن خزيمة بن خلاف بن حارثة بن غفار وقومه جميعاً بني أسلم بن أفصى([4]).

ويظهر أن ثمة مخاطر واجهت تلك القبيلتين ( أسلم وغفار ) حدا بهما إلى التحالف، كما أن التخوف من القبائل الكبرى في المنطقة كبني سليم وغطفان من العوامل التي هيأت المجال لقيام التحالف المذكور ([5]).

ومن ضمن الأحداث القديمة ما يوضحه مشاركة من بني أسلم مع بني سليم لصد قوم ربيعة بن مكدم .

قال ابن الكلبي:  وقد زُعم أن ابن غادية الأسلمي هو الذي قتل ربيعة بن مكدم يوم الكديد([6])، فقد كان في الخيل التي لقيت بن مكدم([7]) وقد نسب قتله إلى نبيشة بن حبيب السلمى([8]).

وكان ابن غادية أخا نبيشة لأمه، ولما جاء زائراً لأخيه أغار ربيعة بن مكدم على بني سليم، فخرج ابن غادية مع أخيه، فحمل على ابن مكدم فقتله، وجاء بفرسه وسلاحه فوهبه لنبيشة بن حبيب السلمي، وقد قال ابن غادية الأسلمي أجود بيت وصفت به الطعنة: ([9])

 

ولقد طعنت ربيعة بن مكـدم
في عارض شرق بنات فؤاده
ولقد وهبت سلاحه وجـواده
 

يوم الكديد فخر غير موسـد
منه بأحمر كالنقيع المجســــد

لأخي نبيشة قبل لوم الحسـد
 

قال أخو ربيعة بن مكدم يجيبه: ([10])

فات ابن غادية المنية بعد ما
قل لابن غادية المتاح لقتلنا

 

رفعت أسفل ذيله بالمطرد
ما كان يقتلنا الوحيد المفرد

 

وقال أيضا أخو ربيعة بن مكدم ً يتوعد بأخذ الثأر من بن أسلم بعد مقتل أخيه:

فإن تذهب سليم بوتر قومي

 

فأسلم من منازلنا قـريب

 

و كان أبو غادية الأسلمي عنده فرساً في الجاهلية يقال لها "مَصَادٌ " فيها يقول ضمن ذلك الحدث:

صبرت مصاداً إزاء اللّطيم
خضبت به زاعبى السمان

 

حتى كأنهما في قَرَنْ
فويق الإزار  ودون العنن


 

11و 12

 

وذكر الواقدي عن أشياخه([13])"إن جنيدب بن الأدلع  الهذلي  قد قتل رجلاً من أسلم في الجاهلية يقال له: أحمر بأسًا. وكان شجاعًا، وكان من خبر قتله إياه، قالوا: خرج غزي من هذيل في الجاهلية، وفيهم جنيدب بن الأدلع، يريدون حي أحمر بأسًا، وكان أحمر بأسًا رجلاً شجاعًا لا يرام،وكان لا ينام في حيه إنما كان ينام خارجًا من حاضره، وكان إذا نام غط غطيطًا منكرًا لا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذ أتاهم الفزع، صاحوا يا أحمر بأسًا، فيثور مثل الأسد فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل، قال لهم جنيدب بن الأدلع، إن كان أحمر بأسًا في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإن له غطيطًا لا يخفى فدعوني أتسمع له، فتسمع الحس فسمعه فأمه حتى وجده نائمًا فقتله، ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر بأسًا، فلا شيء أحمر بأسًا قد قتل.

فقالوا: من الحاضر ثم انصرفوا فتشاغلوا بالإسلام "، وقد لقيه فيما بعد رجل يقال خراش بن أمية الكعبي رضي الله عنه، فقتله فيه حين الفتح.

* والملاحظ أن بني أسلم قد ظهر لها دور تم الإشارة له في حلف عبد المطلب، جد الرسول صلى الله عليه وسلم فأقرهم عليه يوم الحديبية،هم وخزاعة ،وقد كان تفعيل هذا الحلف سبباً في  فتح مكة . حيث تم الإشارة إلى أسمها الصريح في ذلك العهد بوصفها قبيلة مستقلة،كما سوف نرى في معاهدات بني أسلم عبر التاريخ.

* كما أن إسلامهم تم كوحدة قبلية أسلمية واحدة منفصلة عن باقي فروع خزاعة عدا من كان قريب منهم، كبني مالك .

* في هجرتهم ووفدهم المشار إليه في بعض المراجع .

* وفي نزول الفروع الأسلمية في المدينة بعد الهجرة كانت منازلهم وتجمعهم في أماكن خاصة بهم حول جبل سليع.

* في الحديبية كان عددهم ثمن المهاجرين في تعداد مميز بين الكيانات القبلية.

* وفي خيبر كانت أسلم وحليفتها غفار فرقة واحدة، غير مرتبطة ببقية فروع خزاعة، كذا لم ترتبط غفار بكنانة في بقاء الحلف من عدمه.

* وفي الفتح كانت بنو أسلم في رايتين و400 مقاتل وفي تكتل قبلي واحد.

وفي يوم حنين كان تعداد بني أسلم يميزهم بين القبائل العربية المشاركة.

 


 

([1])سيرة ابن هشام ج1، ص243.

([2])الأصفهاني، الاغاني، ج 14/ص136-152.

([3])المرجع السابق.

([4])  الأصفهاني:  الأغاني، القاهرة، دار الكتب، 1389، 21/163 .،والكامل للمبرد،ج3 ص1458.

([5])  مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، بحث التفقه في الدين د. عبد الرحمن السنيدي قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ص160.

([6])الكديد: أسفل غُران  .

([7])  من مشاهير الفرسان " ربيعة بن مكدم" وهو من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. وقد عرف "بنو فراس" بالشجاعة والنجدة. وقد كان يعقر على قبره تعظيماً له وتقديراً، وهذا من أفعال الجاهلية.

([8])  نسب الخيل، ابن الكلبى، ص10، تعليق جركس،1928هـ .

([9])  المجسد:  المخلوط بالزعفران.

([10])  المطرد: من أدوات الحرب.

([11])  اللطيم:  فرس ربيعة بن مكدم، نسب الخيل، ابن الكلبى، ص10، تعليق جركس،1928هـ .

([12])  الإزار:  القميص، العنن:  ما أنطوى وتثنى من لحم البطن سمناً.

([13])  أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار تأليف: أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي  دراسة وتحقيق: علي عمر الناشر: مكتبة الثقافة الدينية الطبعة الأولى ج2 ص 119.