‎ ‎‎ ‎‎ ‎‎ ‎ الحماية القانونية للمرتب

الحماية القانونية للمرتب من حق الموظف في حالة المرض المحدد تقاضي راتبه كاملا

الأستاذ : محمد السكتاوي

تهتم مختلف التشريعات في مجال الوظيفة العمومية بتوفير الضمانات الضرورية لحمايةحقوق الموظف سواء منها الحقوق المادية أو المعنوية ، وذلك تأمينا لاستقرار أوضاعه ، و اكتساب ثقته في الإدارة و طمأنته على مستقبله ، وتحفيزه للأداء الأفضل .
وحتى تكون الضمانات إياها قائمة على أساس ، فإن المشرع يصوغها على شكل قواعد ونصوص قانونية واضحة ، يشكل البعض منها امتيازات وظيفية تخص الموظفين دون غيرهم .
وتشمل هذه الحقوق و الامتيازات الوظيفية الحق في الأجرة و التعويضات و الترقية و العطل ، و الحق في المعاش التقاعدي .
وثمة حقوق أخرى قررت لمصلحة الموظف ، الغاية منها حمايته من شطط الإدارة في استعمال سلطتها ، كحقه في مواجهة القرارات الإدارية غير المشروعة بالطعن الإداري أو القضائي ، وكذلك حقه من الاستفادة من الاستيداع الإداري ، وتقديم استقالته كلما توافرت شروطها ، وفي مقدمتها انتفاء التعارض مع المصلحة العامة .
و لا ريب أن أهم الحقوق التي أقرها القانون للموظف هي الحقوق المالية باعتبار وظيفتها الاجتماعية و المهنية ، فهي من ناحية تجعل الموظف يطمئن على مستقبله المعيشي ، ومن ناحية ثانية تحفزه على الأداء الجيد وتطوير مهاراته ، لذلك فإن المساس بها دون مراعاة الضمانات التي يقررها القانون لفائدة الموظف ، يعد انتقاص من وضعه القانوني ومركزه المالي ، و بالتالي إخلال بالتزامات الإدارة إزاء الموظف .
وقد لوحظ أن الممارسة العملية للإدارة في مجال الحقوق المالية كثيرا ما يشوبها نوع من التجاوز ، أو عدم التقيد بالمقتيات القانونية ، الأمر الذي تنجم عنه أحيانا آثار مادية سلبية على حياة الموظف و عائلته ، وليس أدل على ذلك إقدام الإدارة في غالب الأحيان على خصم التعويضات القارة من أجرة الموظف في وضعية رخصة مرض قانونية ، وهو تصرف دأبت عليه الإدارة المغربية في هذه الحالات .
ولذلك يتمحور هذا الموضوع حول الحماية القانونية التي أسبغها المشرع على الأجر ، اقتطاع جزء من أجرة الموظف المتغيب بسبب مرض ، لنصل إلى نتيجة من خلالها يمكن الحكم على شرعية هذا الاقتطاع ، ومدى اتساقه مع أحكام الوظيفة العمومية .
وسيكون من المفيد الانطلاق في البداية من تعريف الأجرة ، وعناصرها ، و الضمانات المقررة لحمايتها من تعسف الإدارة ، ثم بعد ذلك التطرق إلى العمل القضائي بالنسبة لهذه المسألة .

I ـ تعريف الأجرة
كما سبقت الإشارة فإن من أهم المزايا الوظيفية التي يتمتع بها الموظف الأجرة التي يتقاضاها مقابل الخدمات التي يؤديها لفائدة الدولة .
و حسب المادة 26 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 04 شعبان 1377 (24 فبرير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، تعرف الأجرة بكونها تشتمل على المرتب و التعويضات العائلية و غيرها من التعويضات و المنح المحدثة بمقتضى النصوص التشريعية و التنظيمية .
ويتحدد المقابل المالي للأجرة بالنظر إلى نوعية العمل الوظيفي ودرجة الموظف و أقدميته ومؤهلاته العلمية ، كما من المفترض أن يتلاءم الأجر مع تكاليف المعيشة بما يضمن للموظف و أسرته وضعا معيشيا لائقا.
ووفقا للمادة 26 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ، فإن عناصر الأجرة هي :
ـ المرتب
ـ التعويضات

1) المرتب
يعد المرتب المكون الأساسي للأجرة ويتكون من الراتب الأساسي و التعويض عن الإقامة .
أ ـ الراتب الأساسي : وتتحدد قيمته تبعا لترتيب الموظف في جداول الأرقام الاستدلالية ، ولا تدخل في احتسابه الإضافات الأخرى التي تتمثل في التعويضات المختلفة حسب نوعية العمل و أعبائه و الحالة الاجتماعية .
ب ـ التعويض عن الإقامة : يمنح هذا التعويض حسب المنطقة التي يقع فيها تعيين الموظف .
2) التعويضات
تعد التعويضات من الحقوق المالية الأساسية للموظف المقررة بنص القانون ، وهي كما سلفت الإشارة إحدى العناصر المكونة للأجرة . ويمكن تصنيفها حسب فئتين :
* فئة التعويضات القارة :
تعتبر التعويضات القارة نوعا من الإضافة التكميلية للراتب ، وتختلف قيمتها حسب درجة الموظف ونوعية وظيفته و إطاره ، ويمكن القول أنها لا تخضع لنظام قانوني محدد ، فهي تتباين تبعا للوضع الإداري للموظف و الهيأة التي ينتمي إليها .
* التعويضات العرضية
تصرف هذه التعويضات للموظف لإعانته الاحتماعية ، أو مواجهة أعباء خاصة ترتبط بطبيعة عمل الوظيفة أو صعوباتها أو مهامها ، وتندرج ضمنها على سبيل المثال لا الحصر ، التعويضات العائلية و التعويض عن المهام ، و التعويضات عن التنقل ، و التعويضات عن الأعمال الإضافية ، و أحيانا أخرى يضاف إلى التعويضات بعض الامتيازات العينية كالسكن الإداري و سيارة الدولة ...

II ـ الحماية القانونية للمرتب
لئن كان المرتب حقا مكتسبا للموظف لا يمكن أن يخضع لأي تغيير أو تعديل بالنقصان إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون ، فإنه مع ذلك يمكن للإدارة ، عند الاقتضاء و في أي وقت تشاء ، مراجعة نظام الأجور بتعديل قيمة المرتبات دون أن يمنح ذلك أي حق للموظف بالاحتجاج عليها بدعوى وجود حق مكتسب ، طالما أن هذه المراجعة و التغيير تكتسي أيضا صبغة عامة و مجردة ، ومادام الموظف أيضا يوجد دائما في وضعية نظامية إزاء الإدارة ، التي تنسحب فيما تنسحب عليه ، على مركزه تجاه مرتبه الذي لا يعدو أن يكون مركزا نظاميا كذلك .
و القاعدة العامة ، أن المرتب يصرف للموظف مقابل العمل الذي ينجزه لصالح الدولة طبق لأحكام النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل التي تربط استحقاق المرتب بقيام العلاقة الوظيفية بين الموظف و الإدارة ، فإن انفصمت هذه العلاقة أو انتهت الخدمة لسبب ما ، كبلوغ الموظف حد السن القانوني الموجب للتقاعد ، و العزل ، و الإعفاء ، و الوفاة ، أو غير ذلك من الأسباب المؤدية إلى الحذف من الأسلاك و إلى فقد صفة الموظف ، نتج عن ذلك بالتبعية توقف استحقاق المرتب فورا ، وبمعنى آخر ، فإن تأدية العمل شرط لازم لاستحقاق المرتب ، غير أنهه توجد أوضاع إدارية يكون فيها الموظف في وضعية القيام بالوظيفة على الرغم من عدم مزاولة وظيفته بصفة فعلية ، إذ ليس المقصود بتأدية الخدمة أن يزاول الموظف بصورة فعلية المهام المنوطة به ، و إنما المقصود هو أن يوجد من الناحية القانونية في وضع الاستعداد لأداء مهامه الوظيفية متى ظهرت ، و من الأمثلة على ذلك أن الموظف الذي صدر في حقه قرار يقضي بتوقيفه عن العمل ، ولم تتم تسوية وضعيته داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ التوقيف ، فإنه يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله .
كما أن الموظف الذي توبع قضائيا بتهمة جناية ، ثم برئت ساحته ، ولم يصدر عليه أي عقاب جنائي ، يعاد إلى عمله بعد عرض ملفه على المجلس التأديبي ، وتعتبر مدة توقفه عن العمل كمدة زاول فيها عمله إذ لم تصدر في حقه أي عقوبة تأديبية .
و استنادا إلى أن أداء الخدمة هو الذي يولد حق الموظف في استحقاق المرتب ، فإن ذلك هو ما يفسر اتجاه الإدارة في الآونة الأخيرة بالمغرب إلى عدم صرف أجور موظفيها إلا عند متم كل شهر ، فالقاعدة أن المرتبات يجب أن تدفع مؤجلا وليس مقدما .
وقد خص المشرع المرتب بحماية خاصة ، فلا يمكن للإدارة أن تجري أية اقتطاعات أو حجز على مرتب موظف إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون ، و ذلك لما للمرتب من وظيفة اجتماعية تتمثل في كونه المورد الأساسي للموظف في معيشته ، ووسيلته لمواجهة تكاليف الحياة .
ويتعرض مرتب الموظف إلى خصم كلي أو جزئي إما نتيجة لأحكام القانون ، و إما بمقتضى إرادة الموظف ، أو نتيجة حكم قضائي .

III ـ حالة الاستفادة من الرخص :
من الحقوق المخولة للموظف العمومي الحق في الاستفادة من الرخص الإدارية و الصحية ، وفي الحالتين معا يعتبر كأنه في وضعية القيام بوظيفته .
ويكون الموظف في حالة القيام بوظيفته إذا كان مرسما في درجة ما ومزاولا بالفعل مهام أحد المناصب المطابقة لها .
ويستفاد مما ذكر أن الموظف يعتبر من الناحية القانونية و الإدارية مزاولا لعمله و لو أنه عمليا في رخصة ، الأمر الذي يخول له الحق في تقاضي مرتبه كاملا بدون نقصان أو تخفيض ، باعتبار أن التغيب عن العمل المرخص له أو المقرر قانونيا ، لا يتنافى مع وضعية القيام بالوظيفة .
وبناء على هذه القاعدة التي تحدد مفهوم وضعية القيام بالوظيفة ونطاق تطبيقه ، فإن المشرع المغربي نص بصريح العبارة في الفصل 40 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية على أنه : "لكل موظف قائم بعمله الحق في رخصة يتقاضى عنها مرتبه ، وتبلغ مدتها شهرا عن كل سنة زاول أثناءها مهامه ..." .
وفي نفس الإطار نص الفصل 41 من القانون السالف الذكر على أنه : " يجوز إعطاء رخص استثنائية أو الإذن بالتغيب مع التمتع بكامل المرتب دون أن يدخل ذلك في حساب الرخص الاعتيادية ..." .
و إعمالا للفصول المذكورة ، فإن الإدارة درجت على تمتيع الموظف بكامل مرتبه عندما يكون في وضعية رخصة إدارية ، بل ويستفيد أعضاء الهيئة التعليمية من معلمين و أساتذة ، إضافة إلى الرخصة الإدارية السنوية المحددة في شهر واحد ، المخولة لجميع الموظفين العموميين ، من شهر ونصف كل موسم دراسي خلال العطلة التعليمية الصيفية التي تقرر لفائدة التلاميذ عند متم كل موسم دراسي في آخر شهر يونيو ، و لا تتعرض مرتباتهم إلى أي تخفيض بسبب ذلك ...
ورغم أن العطل البينية خلال الموسم الدراسي لاتدخل في نطاق أيام عمل المدرسين ، فإنها تعد بمثابة فترة عمل ، يتقاضى عنها هؤلاء كامل مرتباتهم .
ويستنتج مما سبق أن مفهوم " الراتب " و " المرتب " حينما يرد في الفصول السالفة الذكر ، يقصد به المشرع "الأجرة" بكامل عناصرها من تعويض الإقامة ، و التعويضات القارة و غيرها .
كما أنه ونظرا لورود الرخص الإدارية و الرخص لأسباب صحية و الرخص الممنوحة عن الولادة في الفصل 38 على نفس الدرجة ، فإن مصطلحات "الراتب" و "المرتب" و "الأجرة" تحمل مدلولا واحدا هي المبالغ المالية الكاملة ، التي يتقاضاها الموظف أثناء القيام بعمله من الخزينة العامة للدولة ، و التي تشمل الراتب الأساسي و التعويضات و المنح بمختلف أصنافها .
وعليه ، فإن الإدارة تكون غير محقة حينما تلجأ إلى خصم التعويضات القارة من أجرة الموظف في رخصة محددة لأسباب صحية أو غيرها ، من الذين يؤذن لهم قانونا بالتغيب لأسباب استثنائية أو لأداء فريضة الحج ، أو الولادة بالنسبة للمرأة الموظفة . ففي جميع هذه الحالات ، خول المشرع المغربي للموظفين المعنيين الحق في الاستفادة من مجموع الأجرة ، و لا يمكن إجراء اقتطاعات على الأجرة ، أو توقيف دفعها بصورة كاملة إلا إذا تعلق الأمر بتغيب غير مبرر ، أو عدم تقديم الشواهد الطبية اللازمة ، أو عند وجود نص قانوني يحدد الأجر الذي يجب صرفه للموظف في بعض حالات رخص المرض .
وقد أكدت الغرفة الإدارية في المجلس الأعلى التعريف الآنف الذكر للراتب وكذا الأجرة و المرتب ، مؤيدة حكما إداريا يقضي بإلغاء قرار للإدارة تضمن عدم صرف راتب كامل لموظف عن رخصة مرضية تقل عن ثلاثة أشهر . و جاء في قرارا الغرفة الإدارية : "أنه باستقراء هذه الفصول (26 ، 38 ، 43 من قانون الوظيفة العمومية) يتبين أن الموظف في حالة المرض المحدد المدة يتقاضى راتبه ، و أن مفهوم الراتب حسب هذه المقتضيات هو كامل ما يتقاضاه الموظف أثناء القيام بعمله من مبالغ مالية تصرفها خزينة الدولة و التي تشمل جميع المستحقات من راتب أساسي و تعويضات مختلفة ..." .
نخلص مما سبق أن المشرع أحاط المرتب بحماية قانونية تتمثل في التالي :
ـ حق كل موظف قائم بعمله سواء كان في وضعية المزاولة الفعلية لمهامه أو في رخصة إدارية أو رخصة مرض أقل من ثلاثة أشهر ، في أن يتقاضى مجموع أجرته بما فيها التعويضات القارة .
ـ عدم جواز توقيع اقتطاعات على أجرة الموظف العمومي ، أو حرمانه جزئيا أو كليا منها إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون .


العودة إلى الصفحة العناوين