راشيل وأخواتهـا

راشيل وأخواتهـا

 

ـ 1 ـ

وجهُ قانا..
شاحبٌ اللون كما وجهُ يسوع
و هواءُ البحرِ في نيسانَ ...
أمطارُ دماءٍ ... ودموع...

ـ 2 ـ
دخلوا قانا على أجسادِنا
يرفعونَ العلمَ النازيَّ في أرضِ الجنوب ...
ويعيدونَ فصولَ المِحْرَقََة.. .
هتلرٌ أحرقهم في غرفِ الغاز ...
و جاؤوا بعدهُ كي يحرقونا ...
هتلرٌ هجّرهم من شرقِ أوروبا
وهم من أرضِنا هَجّّّرُونا
هتلرٌ لم يجدِ الوقتَ لكي يمحقَهمْ
ويريحَ الأرضَ منهم..
فأتوا من بعدهِ كي يمحقونا!!


ـ 3 ـ
دخلوا قانا ...

كأفواجِ ذئابٍ جائعة..
يشعلونَ النّار في بيتِ المسيح ...
ويدوسونَ على ثوبِ الحسين ...
وعلى أرضِ الجنوب الغالية..

ـ 4 ـ
قصفوا الحنطةَ ، والزيتونَ ، والتبغَ،
وأصواتَ البلابل...
قصفوا قَدْمُوسَ في مركبهِ..
قصفوا البحرَ وأسرابَ النوارس..
قصفوا حتى المشافي والنساءَ المرضعات
وتلاميذَ المدارس.
قصفوا سحرَ الجنوبيّات
واغتالوا بساتينَ العيونِ العسلية!

ـ 5 ـ
... ورأينا الدمعَ في جفنِ عليٍّ
وسمعنا صوتهُ وهوَ يصلّي
تحت أمطارِ سماءٍ دامية..

ـ 6 ـ

كل ما يكتب عن تاريخ قانا

سيسميها على أوراقه :

كربلاء الثانية

 

ـ 7 ـ
كشفت قانا الستائر...
ورأينا أمريكا ترتدي معطفَ حاخامٍ يهوديٍّ عتيق
وتقودُ المجزرة..
تطلقُ النارَ على أطفالنا دونَ سبب..
وعلى زوجاتنا دونَ سبب
وعلى أشجارنا دونَ سبب
وعلى أفكارنا دونَ سبب
فهل الدستورُ في سيّدة العالم..
بالعبريِّ مكتوبٌ لإذلالِ العرب؟؟

 

ـ 8 ـ
هل على كلِّ رئيسٍ حاكمٍ في أمريكا..
إذا أرادَ الفوزَ في حلمِ الرئاسةِ
قتلَنا، نحنُ العرب؟؟

ـ 9 ـ
انتظرنا عربياً واحداً 
يسحبُ الخنجرَ من رقبتنا..
انتظرنا هاشمياً واحداً..
انتظرنا قُرشياًَ واحداً..
دونكشوتاًَ واحداً..
قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربهُ..
انتظرنا خالداً أو طارقاً أو عنتره..
فأكلنا ثرثره... وشربنا ثرثره..
أرسلوا فاكساً إلينا.. استلمنا نصَّهُ
بعدَ تقديمِ التعازي..

وانتهاءِ المجزرة! !

ـ 10 ـ
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من صرخاتنا؟
ما الذي تخشاهُ من "فاكساتنا"؟
فجهادُ "الفاكسِ" من أبسطِ أنواعِ الجهاد..
هوَ نصٌّ واحدٌ نكتبهُ
لجميعِ الشهداءِ الراحلين
وجميع الشهداءِ القادمين..!

ـ 11 ـ
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من ابن المقفّع؟
وجريرٍ.. والفرزدق..؟
ومن الخنساءِ تلقي شعرها عند بابِ المقبره..
ما الذي تخشاهُ من حرقِ الإطارات..؟
وتوقيعِ البيانات؟ وتحطيمِ المتاجر؟
وهي تدري أننا لم نكُن يوماً ملوكَ الحربِ..
بل كنّا ملوكَ الثرثرة..

ـ 12 ـ
ما الذي تخشاهُ إسرائيل

من قرقعةِ الطبلِ..
ومن شقِّ الملاءات..

ومن لطمِ الخدود؟
ما الذي تخشاهُ من أخبارِ عادٍ وثمود؟؟

ـ 13 ـ
نحنُ في غيبوبةٍ قوميةٍ
ما استلمنا ...

 منذُ أيامِ الفتوحاتِ بريداً..

ـ 14 ـ
نحنُ شعبٌ من عجين
كلّما تزدادُ إسرائيلُ إرهاباً وقتلاً
نحنُ نزدادُ ارتخاءً.. وبرودا..

ـ 15 ـ
وطنٌ يزدادُ ضيقاً
لغةٌ قطريةٌ تزدادُ قبحاً 
وحدةٌ خضراءُ تزداد انفصالاً
شجرٌ يزدادُ في الصّيف قعوداً..
وحدودٌ كلّما شاءَ الهوى ...

 تمحو حدودا..!

ـ 16 ـ
كيفَ إسرائيلُ لا تذبحنا؟
كيفَ لا تلغي هشاماً ... و زياداً ... و الرشيدا؟
و بنو تغلبَ مشغولون في نسوانهم...
و بنو مازنَ مشغولونَ في غلمانهم..
و بنو عدنان يرمونَ السّراويلَ على أقدامها..
ويبيحونَ شِفاهاً ... ونهودا؟؟!

ـ 17 ـ
ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من بعضِ العربْ...
بعدما صاروا يهودا؟

                                                      نزار قباني  لندن أيار (مايو ) 1996

صفحة العناوين