الأسد المريض

روضة الأطفال

 

( يوسف عليه السلام )

 

كان أجمل طفل فوق الأرض كان جميلا في وجهه وفي طباعه , وأخلاقه            

 وطاعته.

                                                         

وكان عدد إخوته أحد عشر , وهم جميعاٌ من الذكور. . . أبوه هو يعقوب بن         

إسحاق بن إبراهيم عليه السلام . . سماه أبوه يوسف. .

 

  وأحبه أكثر مما يحب إخوته لجمال أخلاقه , وحقد عليه إخوته لمنزلته عند

أبيه وجلس إخوته يوماً يتآمرون عليه ويدبرون  له الشر. .

 

     وحين انتهى حديث الإخوة كان الاتفاق قد تم على التخلص من يوسف . .        كان يوسف ساعتها نائماً يحلم . . رأى في المنام أحد عشر كوكباً يسجدون

له. . رأى القمر يسجد له , كما رأى الشمس تسجد له . . واستيقظ يوسف وحدث

والده بما رآه في نومه . .

 

وقال يعقوب لابنه. .

         

          -   لا تحدث أحداُ من إخوانك بما رأيت , حتى لايزيد حقدهم عليك وتزيد

غيرتهم.

 

اختمرت المؤامرة وسط إخوة يوسف . . قرروا التخلص منه وذهبوا إلى

أبيهم قالوا له :

 

-  -لماذا لا تأمنا على يوسف ؟ لماذا لا تتركه معنا حين نخرج للصيد ؟ هناك

يستطيع أن يلعب ويرتع وسنحافظ عليه . . أرسله معنا غداُ . .

 

قال يعقوب وهو يحس أنهم يدبرون شيئاُ يحزنه:

 

-   ( إني ليحزنني أن تذهبوا به . وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ).

وتصايح أبناؤه:

 

- أهذا معقول؟ نحن أحد عشر رجلاً , وتخاف أن يأكله الذئب من بيننا؟

سنحرسه جيداً ونرعاه ونهتم به فلا تقلق.

 

-    وسمح لهم الأب, نتيجة إلحاحهم, أن يأخذوا يوسف , وأخذوه وبدأت           

الرحلة. . وتم اتفاقهم على أن يرموه في بئر . . وحملوا يوسف وهو طفل وألقوه

في البئر. .

 

ولطخوا قميص يوسف بدم أحد الخراف التي ذبحوها .

 

ودخلوا على أبيهم وهم يبكون ويدعون الحزن . . سأل يعقوب أين

يوسف؟

 

قالوا:

 

- يا أبانا أنا ذهبنا نستبق -نتسابق كعادتنا  - وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله

 الذئب. .

 

     نعرف أنك لن تصدقنا حتى لو كن ا صادقين ,   ولكنا نقول  لك  حقيقة 

ما حدث. . وأمسك يعقوب بقميص يوسف فلاحظ أن القميص ملطخ بالدم ولكنه

سليم .

 

قال لأبنائه :

 

-    ما أغرب هذا الذئب الذي أكل يوسف . بغير أن يمزق قميصه . . أعرف

أنكم قد دبرتم شيئاً . . فصبر جميل  ,  والله المستعان على ما  تصفون   .

    جلس يوسف في البئر ثم وصلت قافلة إلى مكانه ,  وأرسلت  القافلة   بعض   

الرجال لإحضار المياه من البئر , وهبط الدلو إلى البئر فتعلق به يوسف, تصور من

في القافلة أن الدلو امتلأ بالمياه لأنه أصبح ثقيلا فانتشلوه فخرج يوسف .

 

قال من في القافلة:

 

-                                                                       -   ما أجمل هذا الغلام . .

-                                                                         أخذوه معهم وفي نيتهم أن يبيعوه فيم مصر . وصلت لقافلة إلى  مصر وبيع

-                                                         يوسف لرئيس الشرطة.. لم يكن أحد من الناس يستطيع أن ينظر إلى يوسف بغير

-                                                         أن يحس بالدهشة , كان جماله من نوع غير عادي , ولم يكن جمال وجهه هو السر

-                                                         في حب الناس له فقط , كانت طباعه أجمل من وجهه, وكان قلبه أجمل من

-                                                         طباعه. وأحبه الذي اشتراه من  مصر

-                                                          

-                                                           وقال لزوجته

-                                                          

-                                                         -   أكرمي هذا الغلام , فسوف نربيه بيننا كابن لنا . . وربما نفعنا عندما يكبر.

وعاش يوسف في بيت سيده الجديد فترة .

 

   لم تكن تمضي أعوام حتى أدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه . .

اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة وشهامة وكرماً . كان

يوسف مسؤولاً فجعله رئيس الشرطة مسؤولاً عن بينه وأكرمه وعامله كابن.

وكبر يوسف . . وبدأت مأساته أو محنته . .

 

    صار يوسف شاباً يافعاً . . وكان يحمل من الجمال طاقة عظيمة. كان

نقاء قلبه وعظمة أخلاقه ينعكسان على وجهه فيبدو كما لو كان يشع بالنور. .

وأحبته زوجة رئيس الشرطة , فبدأ يهرب منها ويتجنبها . . وأوقعت بينه وبين

  زوجها فأدخله السجن .

    دخل بتهمة باطلة . . دخل دون أن يرتكب ذنباً أو يسيء إلى أحد .كان

مظلوماً ولكنه صبر .

ه

    وانتهز يوسف فترة وجودة في السجن ليقوم إلى الدعوة إلى الله , كان يحدث

الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبه لمخلوقاته , كان الناس : أيهما أفضل

أن ينهزم العقل ويعبد أرباباً متفرقين , وأصناماً لا حول لها ولا قوة .

 

أم  أن ينتصر العقل ويعبد رب الكون الخالق العظيم .؟

 

   ودخل معه السجن فتيان : أحدهما رئيس الخبازين عند الملك . . والثاني   

رئيس السقاة الذي يتناول منه الملك كؤوس الخمر ليشربها .

 

   وشاهد الخباز حلماً رأى نفسه فيه وقد وقف في مكان والطير تأكل من 

رأسه.

 

    وشاهد الساقي حلماً رأى نفسه فيه يسقي الملك خمراً.

 

    وذهب الاثنان إلى يوسف .حدثه كل واحد عن حلمه وطلب تفسير ما رآه.

وانتهز يوسف الفرصة وراح يدعوا لله ,ثم حدث الخباز أنه سيصلب ويموت, أما

الساقي فسوف يخرج من السجن ويعود إلى الملك , وقال للساقي إذا ذهبت إلى

الملك فاذكرني عنده . . قل له: إن هناك سجيناً مظلوماً اسمه يوسف.

 

   ووقع ما تنبأ يوسف تماماً . قتل الخباز وعفي عن الساقي وعاد إلى القصر. .

غير أنه نسي أن يحدث الملك عن يوسف . أنساه الشيطان أن يذكر يوسف. .
ومكث يوسف في السجن سنوات .

 

   أوى الملك إلى فراشه متأخراً كعادته , واستيقظ في الصباح مبكراً على غير

عادته . . كان وجهه أصفر , كان قد رأى في النام حلماً لم يفهم تفسيره , رأى سبع

بقرات . . سمان وقد وقفن على شاطئ النيل , وفجأة خرجت سبع بقرات عجاف

وأكلن البقرات السبع السمان . .

 

   كان  الملك منزعجاً من حلمه , وأرسل إلى العرافين والكهنة ومفسري

الأحلام فلم يعرف أحد منهم تفسير حلمه, وقالوا: هذه تخاريف وليس لها

معنى . .

 

    وفجأة تذكر ساقي الملك يوسف , وكيف كمان يفسر الأحلام في السجن

ويعرف كل شيء ويدعو لربه.. وحدث الملك عنه. . وأرسل الملك يسأله عن

معنى الحلم.

 

   وقال يوسف لمن جاءة :

-                     سيأتي على مصر سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات, ثم    

-                     تأتي بعد ذلك سبع سنوات مجدبة تأكل ما سيخزنه المصريون.. ثم

-                      تأتي بعد ذلك أعوام الخصب والرخاء , وعلى المصريين أن يقتصدوا طوال السنوات ا لسبع القادمة حتى إذا جاءت سنوات القحط لم تفاجئهم . .

 

    وعاد من أرسله الملك بجواب يوسف .. وسر الملك سروراً شديداً وأمر

بالإفراج عن يوسف وإحضاره إليه , ولكن يوسف رفض أن يخرج من السجن إلا

إذا أثبت براءته .. وحقق الملك بنفسه في الموضوع . . وثبت براءة يوسف تماماً

فخرج من السجن وقابل الملك . جلس معه وتحدث إليه فأحس  الملك أنه يحتاج

إليه كوزير , وعينة الملك مسؤولاً عن خزائن مصر , صار يوسف وزيراً وبدأ

بحكمته يدخر الحاصلات لسنوات القحط , وكان عليماً خبيراً قد علمه الله

وهداه . . ومرت سنوات الخطب وجاءت سنوات القحط . .

 

 

                                وأصابت المجاعة مصر وكل ما حولها من بلاد . .

 

   وجاء المصريون إلى الملك فأحالهم إلى يوسف ففتح خزائنه وبدأ يبيع

الطعام لهم . . وأحس أهل فلسطين بالمجاعة , وعرفوا أن الطعام بمصر, فأرسل

يعقوب أولاده لشراء الطعام , فلما جاءوا إلى مصر رآهم يوسف فعرفهم ولم

يعرفوه. . هؤلاء . . هم الذين ألقوه في البئر من سنوات . . جهز يوسف إخوته

بالطعام وأمرهم أن يحضروا أخاه الشقيق الذي لاحظ أنهم لم يحظروه معهم. .

ووضع يوسف في متاعهم الثمن الذي قدموه إليه , وعادوا إلى أبيهم فأخبروه أن

وزير المال في مصر منعهم من الشراء إلا إذا أحضروا أخاهم الصغير معهم. .

وتخوف يعقوب وقال لهم: كيف آمنكم عليه وقد فرطتم في يوسف من قبله ؟

ويبدوا أن القحط كان شديداً, فسمح يعقوب الصغير أن يسافر معهم.

 

   وعاد إٍخوة يوسف إلى مصر ومعهم الشقيق الصغير . .ليوسف . .

 

   ودبر يوسف أمر لهم وهم لا يشعرون. . كان حنينه لشقيقه عظيماً وأراد أن  

يستبقيه عنده, وبعد أن جهزهم بالبضاعة التي جاؤوا يشترونها وضع كأس الملك

الفضية في متاع أخيه الصغير, وقبل أن ينصرف إخوة يوسف نادى المنادي أن كأس الملك قد سرقت وصدرت الأوامر ألا يتحرك أحد .. وبدأ البحث عنها. .

    وقال إخوة يوسف:

 

-                                                                       -   لم نأت هنا لنسرق, نحن جئنا لنشتري طعاماً .

 

   سألهم يوسف:  

 

-                                                                       -   ما جزاء من نجد الكأس في متاعه؟.

-          

-                                                                           قالوا:

 

-                                                                       -   حاكموه كما تحبون أن تحاكموه.

 

-                                                                        

-                        كان القانون المصري يقضي بأن يصير السارق عبداً لمن سرقه. وبدأ تفتيش الجمال التي حملت بضاعة إخوة يوسف , وانتهى التفتيش فلم يجدوا شيئاً, ثم مد الحارس يده في بضاعة شقيق يوسف الصغير وأخرج الكأس . .

 

   قال يوسف :  

 

-    سيبقى شقيقكم عبداً لي .

 

   قالوا ليوسف:

 

-    نتوسل إليك أن تأخذ أحدنا مكانه . . إن له أباً شيخاً يحبه ولا نعرف ماذا

يفعل لو عدنا بدونه. .

 

قال يوسف :

-    لا نأخذ إلا من وجدنا الكأس في متاعه .

وعاد إخوة يوسف إلى يعقوب وهم يبكون : قصوا عليه القصة كاملة . .قالوا

له إن ابنك سرق. ولما شهدنا إلا بما علمنا , ونحن لا نعرف الغيب , واسأل القافلة

التي ذهبنا فيها , وأسال الذين عادوا.

 

    وتركهم يعقوب وهو يتهمهم بتدبير مؤامرة كالتي دبروها ليوسف , وحرك 

حزنه على ولده الصغير حزنة القديم على يوسف , فبكى حتى فقد بصره من

البكاء. . وقال لأبنائه: اذهبوا إلى مصر وابحثوا عن شقيقكم وابحثوا عن

يوسف .

 

 

   عاد أبناء يعقوب إلى أحيهم يوسف . قالوا له:

 

-   يا أيها الوزير: أصابتنا المجاعة وجئنا بثمن قليل ولكنا نطمع في

إحسانك, ونطمع أن تطلق سراح شقيقا الصغير كي يعود إلى والده.

 

   وحدثهم يوسف بلغتهم. . سألهم هما فعلوه بيوسف وأخيه أثناء جهلهم

وحقدهم . وأدركوا أنهم يقفون أمام يوسف. .

 

    أحسوا بالخوف من انتقام منهم , ولكنه عفا عنهم وأعطاهم قميصه وأمرهم

أن يعودوا به إلى أبيه ويلقوه على وجهه فيعود إليه بصره , وأمرهم أن يحصروا إليه أباه وأمه.

 

    وعادت القافلة إلى فلسطين , وأحس يعقوب أنه يشم رائحة يوسف , حدث

أهله بأن قلبه  يحدثه أن يوسف قادم فاتهموه بالجنون وأنه يهلك نفسه من الحزن

وجاء أبناؤه فألقوا القميص فارتد إليه بصره . . وسافر إلى مصر.

 

   وفي مصر سجد والده وأمه له سجود تكرين وتحية.

 

   وسجد إخوته له ,  سجود تكريم وتحية. .

 

   وتحققت رؤيا يوسف وهو طفل . . حين شاهد الشمس والقمر وأحد عشر  

كوكباً تسجد له . .

 

   وتذكر يوسف قصة حياتة المليئة بالمتاعب, وتذكر تكريم الله له وإنعامه

عليه.

    وسجد يوسف لله. .

 

المصدر كتاب أدب الأطفال و بناء الشخصية

مشاركة /إسماعيل السويدي

 العودة للقائمة

    العودة الى الصفحة الرئيسية  
    روضة الاطفال