مجلة علوم وتكنولوجيا

السنة السادسة، العدد 57، أغسطس/سبتمبر 1998

Sixth Year, Issue No. 57, Aug/Sep 1998



سهام الزمن

سليمان الشراد

يسير الزمن باتجاه واحد.. الى الامام.. والى لامام دائما حتى الاَن.. ولم..تستطع مختلف العلوم الانسانية، بما فيها قوانين الفيزياء الاساسية، ان ترجع عقارب الساعة ثانية واحدة الى الوراء، ومازلنا في محاولة فهمه وتفسيره نقف عاجزين، الزمن لا يرى ولكنه يترك آثارا.. وحتى هذه الاثار لا يمكن تعليلها تبعا لزمن بحت. ما الزمن؟ لاشك هو سؤال صعب للغاية.

ان الزمن مفهوم نعيشه ولا نحدده او نراه او نتذوقه او نسمعه، ولكننا نحسبه بضبط ساعتنا لكنه يسير بدوننا وبدونها ايضا.


نيوتن بحث معضلة الزمن قبل اكثر من 2000 عام

يمضي الزمن الى امام، نولد وننمو ونشيخ ونموت ولا يقع العكس. تلك هي خلاصة ما ادركناه، ومن بديهياتها قدرة البشر على التمييز بين الماضي والمستقبل، وبذلك يمكن تحديد اتجاه الزمن. اذ ليست هناك اية صعوبة تذكر في تمييز صورة مختلفة لمراحل سيئة متعددة لشخص واحد وتصنيفها زمنيا. الزمن يسير الى امام، وقد عجزت شتى المعارف الانسانية الحديثة بما فيها الفيزيائية في خلق نظرية متماسكة تظهر سبب كل ذلك، وظلت مجرد محاولات وهذه بعض منها.

الزمن عند نيوتن: قبل اكثر من 300 عام بحث اسحق نيوتن في معضلة الزمن لاول مرة، وقدم للعالم مبادىء علم الميكانيك. وقد اتاحت قوانين نيوتن تحديد مسار الكواكب والتنبؤ بمسار المقذوفات والسلوك الذى تتبعه كرتا بليارد حين ترتطم ببعضها. وقد شبه نيوتن الماء وجزيئات الهواء بكرات بليارد مجهرية، والكواكب بكرات بليارد عملاقة.

ومما يثير الدهشة ان ميكانيك نيوتن لا تحوي سهما للزمن، لكنه اشار الى ذلك السؤال الازلي ووضعنا امام مشكلة ميكانيكية بحتة فالارض تدور حول الشمس في اتجاه دوران عقارب الساعة، ولو صورنا هذه الحالة وسجلناها على فيلم متحرك، لبدت لنا الارض تدور حول الشمس فى حركة معاكسة لعقارب الساعة. مما يعني ان الزمن في هذا الوضع هو معكوس ايضا. والواقع انه يمكن جعل الفيلم يتقدم في اي من الاتجاهين، وفى كلتا الحالتين نخضع حركة الاجرام لقوانين نيوتن، ويصعب على المشاهد ان يحدد من دون سابق معرفة، ما إذا كان الفيلم يسير الى امام او الى الخلف، وباختصار، فان علم الميكانيك لا يمكنه تحديد الاتجاه الذي يسير به الزمن وما هو المستقبل او الماضى، او كما يشير الفيزيائيون، ان علم الميكانيك يسمح باسترجاع الزمن في كلا الاتجاهين. ويعني ذلك، ان كل الاحداث القادمة، مثبتة مسبقا في علم الميكانيك، فلو علمنا موقع وسرعة الاجرام في تلك اللحظة فان قوانين الميكانيك تتيح لنا ان نتنبأ بموقع الاجرام بعد ساعة واحدة او بعد ملايين السنين. ولو ارجعنا عقارب الساعة الى الوراء لأمكننا ان نحدد اين كانت الاجرام قبل ساعة واحدة او قبل ملايين السنين. فالمستقبل في ميكانيك نيوتن يحدد ويعرف بدقة كالماضي، اي ان الزمن قابل للرجوع او الارتداد تبعا لقوانين نيوتن.

سهام الزمن

ان معظم النظريات الفيزيائية تستند على قوانين نيوتن الميكانيكية، مثل نظرية ماكسويل، في الكهرومغناطيسية، ونظرية اينشتاين في النسبية، ونظرية ميكانيك الكح. وتشترك كل تلك النظريات فى عدم احتوائها لسهم الزمن، اي انها جميعا قابلة للعكس.

ولعل من اهم الابحاث بهذا المجال مساهمة الفيزيائي روجر بتروز، وهو عالم رياضي فذ وله مساهمة مهمة في نظرية الثقوب السوداء واعمال اخرى في تطوير نظرية المنثنيات، وهي نظام حسابى بشكل هياكل تستخدم لبناء بنية الزمن والمكان (الزمكان). وفي بحوثه عن الزمن، وضع سبعة سهام زمنية طبيعية مستقلة تتجه جميعا الى امام ولا ترتد مطلقا، ولا يمكن على اي حال تعليل اتجاه السهم بأدلة فيزيائية، والسهام السبعة هي:

الزمن النفسي: يذكرنا هذا السهم، بان الاحداث تسير دائما في اتجاه المستقبل، فكل الاحداث الماضية لا يمكن استرجاعها بعد وقوعها، اي انها تسير الى الامام، ولا يمكن ان ترجع، ويبقى لنا فقط استعدادنا النفسي لنتذكرها، اي تذكر الماضي. ويخالف هذا الرأي قوانين نيوتن، فنحن كبشر مكونون من ذرات تخضع للقوانين القابلة للارتداد، فلماذا لا يمكننا اذن تذكر المستقبل مثلما نتذكر الماضي؟

السهم الثاني: يرتبط بسلوك الاشعاع الكهرومغناطيسي، ويمكن ايضاحه بمقدمة احد الافلام التي كانت تصور هوائيا يستقبل الموجات القادمة من الفضاء. ولو ارجعنا هذا الفيلم الى الوراء لتشتتت الموجات في كل الاتجاهات بعيدا عن الهوائي، ويحدث ذلك في الافلام فقط اما فى الحقيقة فان الموجات الكهرومغناطيسية تتجه دائما نحو الامام الذي يمثله سهم الزمن، ومن المستحيل مثلا ان تتجه موجات الماء من حافة النهر الى وسطه لتتجمع هناك مكونة دوامة ترمي الحصى الى الاعلى باتجاه السماء!

السهم الثالث: يرتبط بميكانيك الكم، ويركز على دراسة الجسيمات الأولية التى تبنى منها الذرات (تركيبها، غزلها، اتجاهاتها، طاقاتها..) والجانب المحير في وصفها بميكانيك الكم، انها لا تملك وجودا حقيقيا الا عندما يكون بالامكان قياس بعض خواصها. ويمكن توضيح ذلك بالمثال التالي: لو تابعنا حركة قطعة نقود اثناء رميها في الهواء نحو الاعلى، وقبل بلوغها الارض، فالقطعة مكونة طبعا من وجهين (صورة وكتابة)، ترى ما هو وضعها وهي في الهواء، هل اتخذت وجه الصورة ام وجه الكتابة؟ او ربما كلاهما؟ وفي الحقيقة انها نصف من هذه ونصف من تلك. اما حينما تستقر على الارض فانها تتخذ وجها واحدا. وتبعا لميكانيك الكم لا يمكننا معرفة وتوضيح ما يحدث في لحظة ما، وما اذا كان بالامكان عكسه في الاتجاه الزمني الآخر.

السهم الرابع: ينشأ عن واحدة من اصغر ظواهر الطبيعة واكثرها تعقيدا، وهو جسيم "الكاون" الذي ليس له شحنة، وكان يفترض، بان تحلله ليس مرتبطا باتجاه الزمن وانه يسير دائما بنفس السرعة، ولكن الابحاث قد وجدت غير ذلك، فهناك فرق زمني ضئيل في تحلل الكاون في اتجاه زمني نحو الامام او الى الوراء، بل وتمكن بعض العلماء من احصاء جسيمات الكاون المحايد ووجدوا ان هناك عناصر تتجزأ جميعا باتجاه زمني مختلف بنوع وطريقة مستقلة وهو ما لا يؤيد كون سلوك الكاون مجرد خطأ ما أو صدفة في الطبيعة.

السهم الخامس: ينشأ هذا السهم حينما نحاول التفريق بين الثقب الابيض والاسود. وكان العالم روغرين روز قد وضع في عام 1965 مصطلح الثقب الابيض حينما دعي للحديث عن الثقوب السوداء والبيضاء، ولانه كان يجهل الصفات التي ينبغي ان يكون عليها ثقب ابيض، فقد وضع في جهاز عرض الشرائح، شريحة مقلوبة رأسا على عقب لمنحنى الزمكان الخاص بثقب اسود. وقد نجحت الفكرة، فهو لم يستدل على محور الزمن بمحور المكان فحسمب، بل عثر على اتجاه الزمن ايضا، وهكذا بدأ الفلكيون يرون في الثقوب البيضاء، ثقوبا سوداء تعمل في عكس الاتجاه الزمني.

ويتكون الثقب الاسود حينما يحدث انهيار ذاتي في نجم عملاق ويتحول الى مادة عالية الكثافة لا يمكن وصفها، وهي تمنع حتى الفوتونات الضوئية من الهروب من جاذبيتها. ولو ارجعنا هذا الحديث (أي الانهيار الذاتي) الى الوراء لحصلنا على ثقب ابيض موجود منذ بداية الزمن ومستقر في نفس المكان حتى ينفجر من دون سابق انذار، ويخلف مواد عادية الكثافة. ولو افترضنا ان الكون لا يمكنه التمييز بين زمان يسير الى الأمام او الى الخلف لوجب ان يكون هناك عدد متعادل من الثقوب السوداء والبيضاء.

ولكن فى حيز لايشك العلماء في وجود الثقوب السوداء التي تم اكتشاف بعض منها والتي تخضع سلوكها لقوانين الفيزياء المعروفة، فان التقوب البيضاء تظل مستعصية على الادراك المباشر نتيجة خاصية محددة تعرف "بمركز الجذب"، ويقصد به ان في الثقوب السوداء نقطة تنجذب اليها المادة وتبلغ الكثافة فيها قيما لانهائية وفق قوانين الفيزياء المعروفة. ولذلك يتعذر حتى على الاشعاع الضوئي الافلات من جاذبية الثقب الاسود وعليه فإن مركز جاذبية الثقب الاسود يظل خفيا بعيدا عن الرصد.

اما الثقب الابيض فيمر من خلاله كل شيء حتى الضوء، لذا يجب ان يكون مركز الجذب فيه مرئيا، وان تندفع منه المادة في تدفق لا ينقطع. ويبدو هذا الافتراض غريبا ومتناقضا مع قوانين الطبيعة، الامر الذي دفع البعض الى افتراض اهمال فكرة "الثقوب البيضاء" نتيجة لا منطقيتها، ولو كانت تسمح بوجود الثقوب البيضاء وتمنع وجود الثقوب السوداء لكان هذا السهم الخامس للزمن.

السهم السادس: اختلف حوله الفيزيائيون ويتعلق بتمرد الفضاء، فلقد اصبح من المؤكد الان بان كوننا يتجه للبرودة، وان المجرات التي يتكون منها تبتعد عن بعضها بسرعات عالية تقترب من سرعة الضوء. وفي كون ينعكس فيه اتجاه الزمن يجب ان تقترب المجرات من بعضها، وبدلا من ان يتجه الكون الى البرودة، ترتفع درجة حرارته حتى تبلغ درجة الغليان، لكن الكون يشهد عكس هذه الحالة الان، وهو كون متجدد.

نظرة الى المستقبل: يتنبأ الفلكيون بان تجدد الكون سينتهي يوما ما، وان الكون سيعود الى الانكماش والانهيار، وان الانفجار الكبير الحدث الذي بدأ به الكون لابد وان ينتهي "بانكماش عظيم" ينهار فيه الكون منجذبا نحو مركزه، فهل يسير الزمن (انذاك) الى الوراء؟ وهل يمكن ان تتجمع قطع اناء او كوب متحطم بقدرتها الذاتية؟! وهل ينهض الموتى انذاك من قبورهم؟!

كانت تلك الافكار في السابق تلقى رواجا كبيرا، اما اليوم فلا يوجد من يؤيدها. ولو صح ان الزمن في كون متجدد يسير الى الأمام بينما يسير الزمن في لحظة الانتقال من التمدد الى الانكماش في كلا الاتجاهين، اي ان الاناء الخزفي يتحطم ويلتئم في آن واحد. هل نقع في شراك الوهم، لو حاولنا تصور ما سيحدث في العالم لو امنا فعلا بتلك النظريات؟ وقد يكون ذلك ضربا من الجنون.

ورغم ذلك لنتخيل ان الكون يسير تبعا لذلك النموذج، فالاشجار تنكمش بدلا من ان تنمو، والطيور تطير الى الخلف، لكن الانسان الذي يعيش في عالم منعكس الزمن، يرى الحياة تسير الى امام، ومع ان اتجاه الزمن في ذلك العالم الخيالي على عكس اتجاهه في عالمنا المعتاد، الا ان الناس يشعرون فيه رغم ذلك بانه كون متجدد وان الاشجار تنمو ولكن ماضى البشر الذي يحيون في عالم كهذا هو مستقبلنا، ومستقبلهم هو ماضينا. لكن اي اتصال بيننا وبينهم ما كان ليكون ممكنا.

السهم السابع: وهو اكثر اسهم الزمن غموضا وتعقيدا، وهو يرتبط بازدياد الانتروبي في الكون، وهو المقياس الفيزيائي للعشوائية، او قصور الحرارة.

فمن المعلوم ان كمية الطاقة تبقى ثابتة في نظام مغلق وان ما يتغير هو شكل الطاقة وحده، فتشغيل السيارة مثلا يعني تحويل طاقة كيميائية كامنة في الوقود الى طاقة حركية تدير العجلات. وهذا هو القانون الاول من قوانين الديناميك الحراري. والطاقة تبقى ثابتة لكن العشوائية تتجه للازدياد في معظم العمليات الفيزيائية، وذلك هو القانون الثاني للديناميك الحراري.


المجموعة الشمسية

ولعل اسهل طريقة لتخيل الانثروبي، يمكن بتمثيله بساعة يدوية، فالساعة اليدوية حينما تكون مثبتة على اليد، تمثل نظاما عالي التنظيم، ولكن حينما تتناثر اجزاؤها على الارض فانها لا تمثل الا نظاما تسوده الفوضى، وذلك يعني ان الانثروبي اي العشوائية قد ازدادت.

ما من ساعة ترجع من تلقاء ذاتها الى الوراء، والموتى لا ينهضون من قبورهم، فالقانون الثاني للديناميك الحراري يحظر ذلك، ويوضح السهم السابع للزمن هذا الأمر.

في الكون يتجه الانتروبي الى حالة قصوى، ويفترض الفلكيون ان الكون لابد ان يكون قد انبعث عن مستوى ادنى من الانثروبي. ومن خلال هذا الشريط وحده يمكن ان يتجه الانثروبي الى النمو ولكن منذ ان بدأ العلماء في وضع قوانين الديناميك الحراري قبل 160 سنة لم يستطع اي فهم تعليل سبب نمو الانثروبي. ومن السهل ان نكتشف المأزق الذي يضعنا فيه الانثروبي حين نستفيد من هذا المثال:

لنأخذ مقدارا من البنزين ونشعله، وتبعا لقوانين الديناميك الحراري تأخذ الانثروبي بالارتفاع هنا، نموا لا رجوع فيه، ويدلنا السهم السابع للزمن انه من غير الممكن جعل عقارب الساعة ترجع الى الوراء، او جعل البنزين يرجع الى حالته الاولى، لكننا لو نظرنا الى شعلة البنزين بالمجهر، لوجدنا جزيئات البنزين تخضع جميعا لقوانين نيوتن وليس هناك اي اثر يدل على وجود اي سهم من اسهم الزمن السبعة، فالعمليات المجهرية قابلة جميعها للعكس اما العمليات الكبرى (العيانية) فهي غير قابلة للارتداد او الانعكاس. ويتضح من ذلك ان الاساسين اللذين يقوم عليهما الفيزيائيون وهما، الميكانيك والديناميك الحراري يستندان على مبادىء تتناقض مع بعضها البعض تماما.

محاولة بولتزمن: افترض النمساوي بولتزمن انه وجد حلا لذلك التناقض حينما اشتق مبدا الانثروبي من قوانين الميكانيك النيوتنية. وقد بلغ ذلك حينما اخذ المعدل المحتمل لسلوك عدد كبير من الجسيمات وتنبأ بسلوكها المتوقع الذي يظهر كزيادة في الانثروبى، الا ان نظرياته واجهت نقدا مريرا، وذلك لاعتماده عددا من المسلمات، في حين انه كان عليه ان يثبت صوابها اولا، ولما عجز عن برهنتها، اي برهنة السهم السابع للزمن انتحر في عام 1986.

الموسيقى والزمن: وعارض الفيزيائي الروسي الاصل بريكوجين ايضا المفهوم الاحصائي لمبدأ الانثروبي، ولولعه بالموسيقى، فقد كان يرى ان تسجيلا موسيقيا يسمع بادارة الاسطوانة في الاتجاه المعاكس لدورانها المعتاد يجعلنا نسمع موسيقى مختلفة، ومما لا يتفق مع المطلوب، ويدلل على ذلك بان امتناع الزمن عن الارتداد الى الوراء قانون طبيعي لا مجال لنقضه بتاتا.

وقد طور زميله تويو بتروفسكى نظما بالحاسب الاَلى لتوضيح ما يعرف "النظم العشوائية"، وهذه النظم تتناقض مع صورة الكون التي ترسمها قوانين نيوتن الميكانيكية، فكل نظام عشوائي وان كان مكونا من ثلاثة جسيمات فقط، فهو يسلك سلوكا معقدا للغاية يتعذر معه التنبؤ بما سيكون عليه. وقد وضع بتروفسكي نظاما سلسا يمثل كوكب عطارد في مداره حول الشمس، ثم ارسل من بعد شاسع مذنبا ضخما ليمر قريبا من الشمس. ومن المعلوم ان المذنبات تنجذب الى الشمس وتعود الى الظهور في فترات زمنية متباعدة، مذنب "هالي" مثل معروف على ذلك، وقد تظهر بعض المذنبات لمرة واحدة ثم تختفي الى غير رجعة. وقد بعثت بتروفسكي في النظام الذي استحدثه مذنبات في مدار يكاد يكون ما بين الانجذاب الكلي نحو الشمس والمرور بجوارها. ولو كانت الشمس وحدها، لكان من السهل حساب ما اذا كان المذنب سينجذب نحو الشمس ام لا، لكن وجود الكوكب عطارد جعل من المتعذر التنبؤ بعدد الدورات التي يتمها المذنب قبل ان يختفي في ارجاء الكون العميق.

ولقد وجد بتروفسكي ان النظام الحسابي حينما يعمل بالدقة التي يوفرها تطبيق اعداد مكونة من ستة ارقام، فانه يعطي المذنب عددا من الدورات حول الشمس يعادل 757 دورة. وعندما ارتفعت الدقة باستخدام اعداد مكونة من سبعة ارقام اظهر الحاسب الاَلي نتيجة تدل على ان عدد دورات المذنب يبلغ 38 دورة. ثم اصبح عدد الدورات 236 عند تطبيق اعداد مكونة من ثمانية ارقام، و 44 دورة مع تطبيق اعدادا مكونة من تسعة ارقام.. وهكذا كانت النتائج مختلفة رغم ان ما ظل ثابتا ولم يتغير هو الدقة التي ادخلت بها البيانات.

وقد استننج بروكوجين من تلك التجربة انه من الصعب تطبيق قوانين نيوتن الميكانيكية على معظم النظم الديناميكية، الا ان تلك القوانين تعني نموذجا مثاليا لا يمكن بلوغه مطلقا، لان تخفيفه يتطلب عددا غير محدود من البيانات والمعلومات. ولان خطأ ضئيلا قد يقود الى نتيجة مختلفة تماما. فمن غير الممكن جعل الزمن يرتد الى الوراء واعادة المذنب الى النقطة التي انطلق منها.

ورغم ذلك فليست كل النظريات القديمة خاطئة، ولأن تعذر التنبؤ بسلوك مذنب محدد على حده، فمن الممكن التنبؤ بالسلوك الوسطي لمجموعة من المذنبات، وهكذا فقد بقي شيء ما في حلم بولترزمن في ان يصبح بالامكان حساب العشوائية كمعدل وسطي، فالانثروبي يتجه الى بلوغ قيمة قصوى.

ويفترض بروكوجين ان نماذج كتلك التي وضعها بتروفسكي يمكنها العودة الى نظريات اكثر نضجا حول الزمن.

ولا يؤيد معظم الفلكيين بروكوجين في ارائه، ويعتبر ان الفلكيين وعلماء الديناميك الحراري يتحدثون لغتين مختلفتين تماما، وكلاهما غير قادر على توضيح اسهم الزمن السبعة. ولربما كانت هذه الاسهم جميعها او بعضها، مرتبطة ببعضها بطريقة نجهلها، ولربما تبين لنا في الغد انه بالامكان الربط بين اتجاه ثابت للزمن وبين قدرته على الارتداد. وحتى يحين ذلك فلا يزال امامنا الكثير من الزمن.



المرا جع

  1. موجز تاريخ الزمن- ستيفن هوكنج - دار المأمون.

  2. الشفرة الكونية- هينزباجلز - سجل العرب

  3. فكرة الزمن عبر التاريخ - عالم المعرفة