|
لم يرد دليل يمكن أن يستدل به على وجوب الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر لمن
أراد أن يمس القرآن بل هناك من الأدلة ما يدل على جواز ذلك ولو كان من الكافر .
ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحة ( في قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم
كتابا إلى هرقل )
قال ابن حزم في (المحلى 1/83) " فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث
كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى وقد أيقن انهم يمسون ذلك الكتاب "
وكذلك أورد الإمام البخاري هذا الحديث في الترجمة في معرض الاستدلال على جواز
قراءة القرآن بدون طهارة .
قلت : ومن قال إن هذه آية وفرق بين مس المصحف ومس كتاب فيه آية فيقال له الآية
لها حكم غيرها من الآيات وهل كان القرآن في عهد النبي إلا آيات متفرقات فكل ما
احتجوا به على وجوب الطهارة لمس المصحف يلزمهم هنا لأن القرآن لم يجمع إلا بعد
موت النبي صلى الله عليه وسلم.
وغاية ما احتج به من أوجب الطهارة من الحدثين حجتين :
الأولى) قوله تعالى " لا يمسه إلا المطهرون " .
وجمهور المفسرين يذهبون إلى أن الضمير لا يعود إلى المصحف الموجود بين أيدينا
وأن المطهرين ليس المقصود بهم من هم عرضة للذنوب والآثام . فان المقصود بذلك
الكتاب الذي في اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة وهو مروي عن ابن عباس
ومجاهد والضحاك (راجع تفسير ابن كثير)
الثانية ) حديث عمرو بن حزم :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن
كتابا وفيه لا يمس القرآن إلا طاهر " .
رواه الأثرم والدارقطني وقد ذهب بعضهم إلى تضعيفه والراجح انه صحيح وقد رواه
الحاكم بتمامه (المستدرك 1/533) وذكر احمد شاكر في تعليقه على المحلى (1/ 82 )
أن إسناده صحيح وقد صححه شيخنا الألباني .
لكن غاية ما يدل عليه حديث عمرو بن حزم هو ما دل عليه حديث ابن عمر المتفق عليه:"
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو " زاد مسلم وغيره
" مخافة أن يناله العدو "
وذلك كما قال الشوكاني في (نيل الأوطار 1/208) :
الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على
بدنه نجاسة ويدل لإطلاقه على الأول قوله تعالى " إنما المشركون نجس " وقوله صلى
الله عليه وسلم لأبي هريرة " المؤمن لا ينجس "
وعلى الثاني " إن كنتم جنبا فاطهروا " وعلى الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في
المسح على الخفين " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين "
وعلى الرابع الإجماع .
.... والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها فلا يعمل به حتى يبين . "
قلت : وحينئذ يكون النهي عن المس الذي يعود من ورائه امتهان للقرآن .
و أما دعوى أنه قد ذهب إلى وجوب الوضوء لمس القرآن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص
ولم يعرف لهما مخالف .
فيجاب عنها بما سبق الاستلال به على جواز مس القرآن حتى من الكافر في قصة إرسال
النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فيه آية من القرآن إلى هرقل .
كما أنه قد نقل الشوكاني ( نيل الأوطار 1/209) :أن القول بعدم الوجوب مروي عن
ابن عباس والشعبي والضحاك وداود .
وكذلك نقل عن علقمة أنه كان إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا فكتبه له.
والقول باستحباب الوضوء لمس القرآن استفدناه من النصوص العامة في استحباب ذلك
لمن أراد أن يذكر الله وكذلك من بعض الآثار ومن ذلك :
ما أخرجه الإمام مالك والبيهقي بسند صحيح (ارواء1/161) أن مصعب بن سعد بن أبي
وقاص قال : " كنت امسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت فقال سعد لعلك مسست
ذكرك قال فقلت نعم :فقال قم فتوضأ فقمت فتوضأت ثم رجعت" .
|