الولاء والبراء

الفتاوى > العقيدة >

السؤال : ما القول الفصل في مسألة الموالاة للكفار وهل يفرق بين الموالاة والتولي .

الجواب :  هذه المسألة من المسائل التي اضطرب فيها كثير من المتأخرين وفي قصة حاطب بن أبي بلتعه في الصحيحين بيان شاف للتفريق بين الموالاة التي لا يكفر صاحبها والتولي الذي يكفر به ، فقد حدث منه رضي الله عنه أنه كتب بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم، ليتخذ بذلك يداً عندهم، تحمي أهله، وماله بمكة، فنزل الوحي بخبره وهذه موالاة بالاتفاق لأن الله أنزل في ذلك قرآنا كما سيأتي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ، فقال له : " ما هذا " ؟ فقال : يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد، أحمي بها أهلي، ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقكم، خلوا سبيله " واستأذن عمر، في قتله، فقال : دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال : " وما يدريك، أن الله اطلع على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم "
وفي رواية في صحيح البخاري قال " ياحاطب ما حملك على ما صنعت " وهي نص صريح على عدم التكفير لأن من وقع في الكفر من غير جهل ولا إكراه لا يقال له ذلك فلو سجد رجل لصنم ولم يكن جاهلا ولا مكرها فهل يقال له ما حملك على ما صنعت لا يقول هذا إلا المرجئة والجهمية !! فالمخالفون في هذه المسألة لم يلتفتوا إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إن فعل حاطب كفر وإنما عُذر لأنه كان متأولاً ، وهذا قول باطل لأنه ليس من شرط الموالاة أن ينتفعوا بفعله ، وإنما عُذره كما قال ابن كثير رحمه الله " ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لَمّا ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعةً لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد"ا.هـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله (الفتاوى7/522):
" وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص إيمانه به، ولا يكون به كافراً ، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة "
وأنزل الله في ذلك، صدر سورة الممتحنة، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآيات .
وفيها ، ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك، قد ضل سواء السبيل، لكن قوله : " صدقكم، خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، وإذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب ؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال : خلوا سبيله .
ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره، لأنا نقول : لو كفر لما بقي من حسناته، ما يمنع من لحاق الكفر، وأحكامه ؛ فإن الكفر : يهدم ما قبله، لقوله تعالى : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) [ المائدة :5] وقوله : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ) [الأنعام:88] والكفر، محبط للحسنات والإيمان، بالإجماع ؛ فلا يظن هذا .
وأما التولي كما في قوله تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة : 51] وقوله : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ) [ المجادلة : 22] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) [ المائدة : 57 ] فكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب " قد فسرته السنة، وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة " فيكفر إذا كان قد أعانهم لأجل دينهم ، قال الإمام الطبري " فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض "
وبهذا يظهر لك معنى ما نقل عن بعض العلماء من القول بكفر من والى الكفار كما نقل بعضهم!! حيث قالوا " قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله ( الدرر8/326) : فيمن أعان الكفار أو جرّهم إلى بلاد أهل الإسلام أنها ردة صريحة بالاتفاق .اهـ "
وبالرجوع إلى المصدر المذكور وجدنا أن كلامه رحمه الله في الموالاة المطلقة وهي التي يسميها أئمة الدعوة في نجد بالتولي حيث أنهم يفرقون بين الموالاة والتولي فتنبه ، قال رحمه الله " فكيف بمن أعانهم أو جرهم إلى بلاد أهل الإسلام أو أثنى عليهم أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم وأحب ظهورهم فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق قال الله تعالى(ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) "
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الرِّدة كذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات." (نقله عنه سليمان بن سحمان ، انظر الرسائل والمسائل النجدية ، 3/38 وهو في الدرر السنية 8/  )  .